1

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

2036
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

التاريخ 1397/09/04


التوضيح

شرَح سماحة العلّامة السيّد محمّد الحسين الطهرانيّ (قدّس الله نفسه) الفقرات الخمس الأُوَل مِن دعاء الافتتاح في هذه المحاضرة؛ فبيّن أنّ كلّ ما نقدر عليه وما نحن فيه هو مَنٌّ مِنَ الله تعالى وتسديدٌ. وأنّ أساس العالم قائمٌ على صفتَي الجمال والجلال الإلهيّين. فمِنَ الجمال تترشّح الرحمة، والّتي لها صورتان تتجلى بهما. والجلال يتمثّل بالنكال والعقاب. فمَن أحسن أو أخطأ بدون عمدٍ ولا إصرارٍ فله العفو، ومَن أساء عن عمد وأصرّ فله العقاب. وفوائد ذلك لا تخفى على عاقل. فمَن صقل نفسه لله تعالى أفلح، وإلّا كان مِنَ الخاسرين.
/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

  •  

  • شرح فقرات مِن دعاء الافتتاح - الجلسة الأولى

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين

  • ولعنة الله على أعدائهم أجمعين مِنَ الآن إلى قيامِ يوم الدين

  •  

  •  

  • إنْ منَّ الله العليّ الأعلى علَيَّ بالتوفيق، سأقوم بشرح دعاء الافتتاح۱ في هذه الليالي المباركة مِن شهر رمضان، وبعد ذلك أبدأ بشرح دعاء أبي حمزة الثمالي٢. على أنَّني إن أردتُ أن أتوسّع في شرح الدعاء وأُطيل البحث في أطرافه، فسيستغرق ذلك الكثير مِنَ الوقت، ولن أتمكّن مِن تجاوز شرح دعاء الافتتاح، لذا فقد تقرّر أن يكون الشرح شرحًا بسيطًا، وأن أختصر في تفسير فقرات هذا الدعاء، وذلك لكي أتمكّن بمشيئة الله مِن تقديم شرحٍ موجزٍ لهذا الدعاء ودعاء أبي حمزة الثمالي، اللذان يُعدّان مِنَ الأدعية العالية المضامين جدًّا.

  • بيان معنى (الثناء) و (الحمد) و (التسديد) و (المَنّ)

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم

  • اللهمّ إنّي أفتَتِحُ الثّناءَ بِحمدِك

  • إنَّ معنى (الثناء) هو: التمجيد والإطراء. ومعنى (الحمد): المدح والتوصيف بالحُسن. [فيكون معنى هذه الفقرة مِنَ الدعاء:] اللهمّ إنني أريد أن أبتدئ ثنائي عليك بأن أحمدك وأمجّدك؛ فأبدأ ذلك بتمجيد حكمتك وآلائك وأسمائك وصفاتك، وما منَنتَ به علينا مِن نعمك، وما دفعته عنَّا مِن نِقمك، وما خصصتنا به مِنَ الهداية المتوالية – وهذا ما سيرد في مضامين هذا الدعاء – كما أمجّد رسولك والأئمّة والمعصومين. فها أنا أفتتح جميع ثنائي بحمدك، فأقوم بمدحك أوّلًا وقبل كلّ شيء، لأنَّه بدون حمدك لن يكون هناك معنىً لثنائي عليك، بل سيذهب [ثنائي] هدرًا.

  • إن أردنا أن نمتدح ونمجّد أيَّ موجود أو أيَّ شخصٍ، سيكون هذا المدح والثناء منوطًا بحمدك وثنائك؛ فأنت مالك الجمال وأنت مصدر جميع الخيرات والمبرّات والبركات، وكلّ جمال موجود في هذا العالَم متفرّع مِن جمالك، وكلّ كمال إنّما هو متنزّل عن كمالك. بناءً على هذا، فإن أردتُ أن أُثني عليك، بدون أن يكون هذا الثناء مرتبطًا ومنوطًا بحمدك، فلن يكون لهذا الثناء أيّ معنى، بل سيكون لغوًا وعبثًا. فالثناء النَّدِيّ الّذي له جوهر، هو ما كان مرتبطًا بحمدك يا ربِّ. وعليه، فأنا أفتتح دعائي وكلّ تمجيدٍ لك ومدحٍ ومناجاةٍ، بالحمد لك والثناء عليك.

    1. جاء في كتاب (إقبال الأعمال) للسيّد ابن طاووس، طبعة مكتب الإعلام الإسلاميّ، ج۱، ص ۱٣۸، فصل (۱٥)، ما يلي: فيما نذكره مِنْ دعاء الافتتاح وغيره مِنَ الأدعية الّتي تتكرّر كلّ ليلة إلى آخر شهر الفلاح، فمِنْ ذلك الدعاء الّذي ذكره محمّد بن أبي قرّة بإسناده فقال: حدثني أبو الغنائم محمّد بن محمّد بن محمّد بن عبد الله الحسنيّ قال: أخبرنا أبو عَمرو محمّد بن محمّد بن نصر السكونيّ رضي الله عنه، قال: سألت أبا بكر أحمد بن محمّد بن عثمان البغداديّ رحمه الله أن يُخرج إليّ أدعية شهر رمضان الّتي كان عمّه أبو جعفر محمّد بن عثمان بن السعيد العمريّ رضي الله عنه وأرضاه يدعو بها، فاخرج إليّ دفترًا مجلّدًا بأحمر، فنسخت منه أدعيةً كثيرةً وكان مِن جملتها: وتدعو بهذا الدعاء في كلّ ليلةٍ مِن شهر رمضان، فإنّ الدعاء في هذا الشهر تسمعه الملائكة وتستغفر لصاحبه، وهو: اللهمّ إنّي أفتتح الثناء بحمدك ... إلخ.
    2. المصدر نفسه، ج۱، ص۱٥٦: فمِنَ الدعاء في سحر ليلة مِن شهر رمضان، ما رويناه بإسنادنا إلى أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري رضي الله عنه، بإسناده إلى الحسن بن محبوب الزرّاد، عن أبي حمزة الثمالي أنّه قال: كان علِيّ بن الحسين سيّد العابدين صلوات الله عليه يصلّي عامّة ليله في شهر رمضان، فإذا كان السحر دعا بهذا الدعاء: إلهي لا تؤدّبني بعقوبتك ... إلخ.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

3
  • وأنتَ مُسدِّدٌ للصَّوابِ بِمنَّك

  • التسديد يعني الإحكام، أي إنَّك تُسدّد وتُحكِم الأعمال الصحيحة والصائبة واليقينيّة بمنِّكَ وكرمك. فهذا الحمد الّذي أحمدك به هو حمد صائب، ولأنني استمدّ هذا الحمد منك فأنت ستسدّد عملي هذا كما تُسدّد كلّ عملٍ صائب أنوي القيام به. نعم، إنَّك تسدّد كلّ عملٍ يكون حقًّا وصائبًا، فكلّ عملٍ صائبٍ يصدر إنّما هو بتسديد منك، أي إنَّه ما مِن وجود في هذا العالم وما مِن حركة تتمّ فيه، إلّا هو ناتج عن تسديدك وعنايتك، إذ إنَّ الوجود حقّ.

  • أنت تُسدّد الأعمال الصائبة بِمنِّك. إنَّ معنى (المَنّ) هو: الإحسان والكرم، فكلّ ما يقوم به الإنسان مِن إحسانٍ وكرمٍ دون أن يطلب ثمنًا مقابلًا، يُقال له مَنٌّ؛ {لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إِذْ بَعَثَ فيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}۱، أي أنَّ الله أنزل رحمته على الناس بإرسال النبيّ لهم مِن دون أن يطلب منهم أجرًا على ذلك. فالمَنّ إذًا تعني الرحمة، نعم إنّ المعنى اللغويّ للمَنّ هو الرحمة والعطيّة والإحسان بدون مقابل.

  • بناءً على هذا، فكلّ ما نقوم به مِن عملٍ صائبٍ، إنَّما يتمّ بتسديدك وإحكامك له، ومِن دون أن تطلب عليه أجرًا؛ فها أنت تُنزل رحمتك على العالَم مجّانًا، وها أنت تسدّد جميع أنواع الأعمال الصالحة والصائبة الّتي تحصل في هذا العالَم.

  • حُكم الله يتوافق مع فطرة الإنسان

  • وَأَيْقَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ

  • إنَّ الإمام يُعرِّف الله هنا قائلًا: إنَّك تمتلك هذه الصفات يا ربِّ .. وهنا مسألة يجب أن نتوقّف عندها، ألا وهي: لَمّا كان الله أرحم الراحمين، فلماذا يُدخل الكافرين جهنّم، ولماذا يعاقبهم والحال هذه؟ لماذا لا يستحقّ عفو الله، مَن يتمرّد ويرتكب ذنبًا عن جهل لا؟ ولماذا خلق الله جهنّم وهو أرحم الراحمين؟ ولماذا يُعاقب؟ نعم، إنَّ هذا سؤال يَطرح نفسه، وهناك جواب توحيديّ على هذا التساؤل، ولكن سنتركه لمحلّه، وسنبدأ بإجابة مبسّطة عن هذا التساؤل كما يلي: بما أنَّ الإنسان لا يمتلك طريقًا يوصله إلى الله سوى ما لديه مِن صفات وغرائز خاصّة به، نراه – عندما يريد أن يفهم ويُقيِّم أعمال الله – يقوم بمقارنتها بأعماله؛ فهو ينظر إلى الأعمال القبيحة الّتي يقوم بها بعض المحيطين به، فيرى أنّ القائم بها يستحقّ العفو والرحمة، ويرى ضرورة التجاوز عمّا صدر منه، [فهو يرى] أنَّ المقابل مقصّر قد ارتكب بحقّ غيره ذنبًا وقد تعدّى على حقِّه، غير أنَّه عندما يرى أنّ المتعدّي ذهب إلى المُعتدّى عليه وأظهر ندمه واعتذر عمّا صدر منه قائلًا: اعذرني، لقد سرقتُ مالك. أو يقول: اعذرني، لقد اغتبتك وتعدّيتُ عليك. فعندما يُراجع الإنسان نفسه هنا، يرى أنَّ هذا الموقف يستحقّ العفو، لأنَّ المعصية الّتي صدرت مِن عبد الله ذاك كانت عن جهلٍ، وقد حضر وهو نادم، فما ينبغي [على الطرف المقابل] فعله والحال هذه؟ لا بدّ هنا أنّ يعفو. وكم لدينا مِن روايات في مجال العفو وغضّ الطرف٢، وما يكون لصاحبه مِن أجر وثواب.

    1. سورة آل عمران (٣)، جزء من الآية ۱٦٤.
    2. راجع كتاب (الكافي)، ج٢، ص۱۰۷، باب العفو.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

4
  • هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر، قد يقوم أحدهم بالتعدّي على أموال الناس وأعراضهم، ويصرّ على فعلته، دون أن يُظهر أيّ شكل مِن أشكال الندم على ما صدر منه، ولا تتنازل نفسه عمّا بدر منه، ولا يشعر بالخجل والندم على ذلك، بل على العكس، تراه يقف في وجه الآخر ويقول في أعماق نفسه، لو سنحت لي الفرصة مرّة أخرى سأقوم بضعفَي أو ثلاثة أضعاف ما كنتُ قد فعلته. فنرى هنا أنَّ عمله ذاك قد يرفع مِن قابليّته على تكرار ذلك الفعل بحقّ ذلك الرجل أو غيره. فعندما يراجع الإنسان نفسه في مثل هذا الموقف، يجد نداءً باطنيًّا في نفسه يأمره بضرورة معاقبة ذلك الرجل، وعدم التسامح معه فيما فعله، وذلك لأنّ للرجل في مكنون نفسه نقطةً مظلمة ونارًا تحرقه الآن وتعمل على تسويد صفحة ذهنه بالكامل، فالعقوبة والتعزير سيعملان على خفض تمرّده والتقليل مِن جناياته، فلا بدّ مِن تطبيق عقوبة القصاص بحقّه في مثل هذه الحالة.

  • لو تجرّأ أحد على صفع آخر، ولم يندم على فعلته تلك، فلا بدّ أن يُصفع بالمثل، وهذا ممّا لا جدال فيه؛ فإن لم يصفعه الطرف المقابل بالمثل، سيُعدُّ هذا مؤشّرًا على ضعف الثاني، والقرآن المجيد يقول {وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}۱، وهذا يعني أنَّ المجتمع الّذي يُجري القصاص على الجاني، يكون قد أمّن حياته، أمّا إن كان ذلك المجتمع ممّا تحصل فيه أنواع الجرائم، وهو عاجز عن إجراء حكم القصاص، فسوف يشجّع الجناة على المضيّ في جناياتهم، بل على الإكثار منها؛ وذلك لأنّ طبيعة النفس الإنسانيّة هي طبيعة متمرّدة بحدّ ذاتها، نعم إنَّها كثيرة الجموح والتمرّد بحيث لا يُتوقّع منها يومًا الهدوء والتراجع عن تمرّدها؛ ولهذا السبب تعتبر العقوبة في مثل هذا المورد بمثابة إدامة حياة المجتمع.

  • إنَّ المجتمع الّذي يُجرى فيه حكم القصاص يعتبر مجتمعًا حيًّا، أمّا ذلك الّذي يُعطّل فيه هذا الحكم، فهو مجتمع ميّت؛ وذلك لأنّ هذا التعطيل، سيؤدِّي إلى ضياع حقوق الفقراء والضعفاء، ويؤدِّي إلى إهمال رعايتهم، أمّا إن أُقيم حكم القصاص في مجتمعٍ ما، فسيعرف كلّ فرد منه أنّه إن قام بصفع الآخر سوف يُصفع بالمثل، وإن قطع أُذن الآخر سيكون مِن حقّ المجني عليه أن يقطع أُذنه، وإن قلع عين أحدهم سيتمكّن الآخر مِن قلع عينه بالمقابل. فإن أصبحت هذه القاعدة قاعدةً كلّيةً تُطبَّق على الجميع، سيستقيم عندها أمر المجتمع.

    1. سورة البقرة (٢)، الآية ۱۷٩.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

5
  • بناءً على ما سبق ذكره، فإنّ الإنسان يلمس في وجدانه ومكنون نفسه، ضرورة العفو في بعض المواقف، بل قد يتطلّب الأمر في بعض المواقف الخاصّة أن يزيد مِنَ العفو والإحسان؛ مثلًا، إن ضرب أحدهم الآخر، أو صبّ الماء فوق رأسه عن طريق الخطأ، فاعتذر الأوّل عمّا بدر منه، فهل يصحّ أن ينفعل الطرف المقابل ويوجّه له الإهانة، أم عليه أن يقول له: لا بأس عليك، فقد حصل منك ذلك عن طريق الخطأ؟! أمّا إن اعتدى أحدهم على آخرٍ عامدًا متعمّدًا وحاول الحطّ مِن شخصيّته، وأصرّ على ما قام به، فلن يستطيع الإنسان حينئذٍ في قرارة نفسه أن يتجاوز عمّا صدر منه، وأن يدعه يفعل ما يشاء، بل لا بدّ وأن يقف بوجهه في مثل هذه الحالة. ولهذا نرى أنَّ الشريعة الإسلاميّة هي أفضل شريعة في العالم، وذلك لكونها شريعة مبنيّة على أساس المنطق والحكمة والعلم.

  • الناس سواسية في القضاء الإسلاميّ

  • يؤكّد القرآن في أكثر مِن أربعمائة آية على أهميّة العِلم۱. لذا ومِن أجل أن يعيش الناس في راحةِ بالٍ في مجتمعاتهم، لا بدّ مِن نشر الوعي الدينيّ بين الناس مِن ناحية، ولا بدّ في نفس الوقت مِن إجراء أحكام القصاص والحدود والديّات. فلكلّ أمر مِن هذه الأمور مكانته الخاصّة. فلا بدّ مِن إجراء الحدّ على السارق والزاني، ولا بدّ مِن تقديم المرتشي إلى المحكمة، مهما كانت مكانته الاجتماعيّة، فلا فرق في ذلك بين الوزير والمستجدي، فهم سواسية أمام قاضي المحكمة الإسلاميّة؛ فلو اعتدى أحد أعيان المجتمع على رجلٍ فقير، فعلى الفقير أن يشتكيه إلى القاضي، فيستدعي القاضي ذلك الغني ويحاكمه وفق القانون، وبذلك يسترجع الفقير حقّه؛ فيجب ألّا يكون هناك أيّ فرق بين العالي والداني، أو العالِم والجاهل، أو الغنيّ والفقير، أو الأسود والأبيض، أو الرجل والمرأة؛ فلو فرضنا أنّ عالِمًا مجتهدًا تعدّى على أموال رجلٍ أو انتهك حرمته، فينبغي في مثل هذه الحالة أن يَحضر الرجل عند القاضي ويسأله: ماذا عليَّ أن أفعل؟ صحيح أنَّ لذلك المجتهد مقامه الخاصّ في نفسه وعند الله، فكلّ ذلك محفوظ في محلّه، غير أنَّ هذا المجتهد وذاك المعتدى عليه في هذا الموقف سواء، وعلى القاضي أن يُحضر [المجتهد] إلى جنب ذلك الرجل ويحاكمه. هكذا هو حال القضاء في الإسلام. فإن كان أحدهم يرى أنّ له علاقة خاصّة تربطه بالله، فهنيئًا له، ولكن يجب ألّا تسمح له هذه العلاقة بالتعدّي على حقوق الآخرين.

    1. لمزيد مِنَ الاطّلاع يمكن مراجعة الصفحات ۱٦۱ إلى ۱٦۷ مِنَ الجزء الرابع مِنْ كتاب (مطلع الأنوار – فارسي)، أو مراجعة كتاب السالك البصير.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

6
  • مقدار عفو الإمام السجّاد عليه السلام

  • قام غلامٌ للإمام السجّاد (عليه السلام) بجلب طبق طعام مِنَ المطبخ لتقديمه للضيوف، فارتعشت يده وهو في طريقه إلى غرفة الضيوف، فسقط الطبق على رأس طفلٍ صغيرٍ للإمام عليّ بن الحسين، ففارق الطفل الحياة على الفور، فاضطرب الغلام كثيرًا وأخذ بالصراخ والعويل، فسمعه الإمام وخرج مِن غرفته ليرى ما الّذي حصل، فالتفت إلى الغلام وقال له: اذهب، فقد أعتقتك في سبيل الله، فانصرف الغلام .. عَرف الضيوف بما حصل، فأخذوا الطفل وغسّلوه وكفّنوه ثمّ ذهبوا به ليدفنوه. وبعد عدّة أيّام حضر الغلام لدى الإمام وقال له: يا سيّدي ومولاي، أنا أعلم أيّة جنايةٍ قد ارتكبتُ بحقكم، وأيّ عملٍ قبيحٍ قد جنيتُ، وأنا أعترف بما صدر منِّي، فإن كنتَ قد غضبت علَيّ ولا تريد أن تراني بعدُ، فلولا بعتَني لتستفيد مِن ثمني بدل أن تعتقني، فلماذا أعتقتني؟! فقال له الإمام: اعلم يا غلام، وبالله الّذي خلقنا، أنّني لم أعتقك لشيء حصل في قلبي عندما صدر منك ما صدر عن غير عمد، بل أعتقتك لأنّني أعلم أنّك إن بقيت في هذا البيت سيعتريك الخجل والندم كلّما وقع نظرك علَيَّ، فأعتقتك لكي لا يحصل لك هذا الشيء۱.

  • هذا أحد أساليب الأئمّة في التعامل مع الغير. لاحظوا! فقد قتل الغلامُ ابنَ الإمام خطأً، فقال له الإمام: أنت حرٌّ لوجه الله، فقد أعتقتك. أي أنّني لا أريد أن أرى في وجهك الخجل والانكسار في كلّ مرّة تراني فيها بسبب ما قد حصل منك خطأً.

  • الإصرار على الذنب موجب للعقاب شرعًا وفطرةً

  • هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر، قد يقتل أحدهم الآخر أو يزني أو يتعدّى على أعراض الآخرين عامدًا متعمّدًا، وقد تراه مصرًّا على فعلته؛ فيجالس الآخرين مساءً ويحثّهم على التأسّي بما قام به قائلًا: عليكم بنهب أموال الناس، والتعدّي على أعراضهم. وإن دعاه النبيّ للكفّ عمّا يرتكبه مِن باطل، فلا يُعير ذلك اهتمامًا. وإن قيل له: أسلِم، {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإيتاءِ ذِي الْقُرْبى}٢. فلا يستجيب. ولو ذهب النبيّ إلى بيته ينصحه ويعظه، فلا يقبل منه. وليس هذا فقط، بل تراه يعترض على النبيّ قائلًا: مَن تكون حتّى تأمرنا بمثل هذا، بل تعال وكن واحدًا منَّا، تعال وانضمّ إلى عصابتنا وافعل كما نفعل، نُغير على القبائل ونقتل نساءهم ونعلّق رؤوس أطفالهم على الرماح ونقتل رجالهم وننهب أموالهم، تعال وكن واحدًا منَّا وسنجعلك رئيسًا علينا، وسنكون تحت لوائك، ونتناصف معك الغنائم، بحيث يكون نصفها لك، ويُقسّم النصف الآخر على الباقين، فعليك أن تكفَّ عن هذا الكلام، فأنت رجل جيّد ومقبول، ولا عيب فيك سوى إطلاقك لهذا الكلام، فإن كففت عن ذلك سنعطيك جميع ثرواتنا ونجلب لك أجمل فتيات العالَم ونأتمر جميعنا بأمرك. فقال لهم النبيّ: والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري [ما كففت]، قولوا لا إله إلّا الله تُفلحوا، فما مِن طريق أمامكم غير هذا.٣ فبدؤوا بالتصدّي للنبيّ، وقذفه بالحجارة حتّى أُدميتْ قدماه، ولكنّ النبيّ لم يبالِ بما فعلوا، بل قال: ليس هذا بالأمر المهمّ، فمعارضتهم تلك هي معارضة شخصيّة. [ولم يكتفوا بذلك] بل أخرجوا النبيّ مِن مكّة، وكانوا يُلقون أحشاء الحيوانات على رأسه، نعم لقد قام عمرو بن العاص – ذلك الرجل الّذي أصبح وزيرًا لمعاوية – بإلقاء رَحِم ناقة على رأس النبيّ وهو ساجد في بيت الله. وتكون الرَّحِم مليئة بالدم والقاذورات عند إخراجها مِن جوف الناقة عادةً٤. أمّا النبيّ فقد كان يوكل أمره إلى الله في كلّ ذلك، ولم يكن يعير اهتمامًا لما يحصل. على أنّ ما كان يحصل لم يكن تصفية حساب شخصيّ، بل كانت جناية تُرتكب عن بُغض.

    1. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، ج٢، ص ۸۱، مع بعض الاختلاف.
    2. سورة النحل (۱٦)، جزء من الآية ٩۰.
    3. جاء في تفسير القميّ، ج٢، ص٢٢۸: وقوله (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم) قال: نزلت بمكة لمّا أظهر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الدعوة بمكّة، اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إنّ ابن أخيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وأفسد شبابنا وفرّق جماعتنا، فإن كان الّذي يحمله على ذلك العدم، جمعْنا له مالًا حتّى يكون أغنى رجل في قريش ونُملّكه علينا. فأخبر أبو طالب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بذلك، فقال: لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما أردته، ولكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب وتدين لهم بها العجم ويكونون مُلوكًا في الجنّة. فقال لهم أبو طالب ذلك، فقالوا: نعم وعشر كلمات. فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله: تشهدون أن لا إله إلّا الله وأنّي رسول الله. فقالوا: ندَع ثلاثمائة وستّين إلهًا ونعبد إلهًا واحدًا.
    4. بحار الأنوار، ج٣٣، ص٢٢٩؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج٦، ص ٢۸٢؛ معرفة الإمام للعلّامة السيّد محمّد الحسين الطهرانيّ، ج٤، ص۱٣٤. ولمزيد مِنَ الاطّلاع على معاناة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وما مرّ عليه مِن مصائب، يمكن الرجوع إلى كتاب (معرفة الإمام)، ج۱، ص۱٣۱، وكتاب (نور ملكوت القرآن)، ج٤، ص٢۸٩، كلاهما للعلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

7
  • وهكذا أبعدوا النبيّ مِن مكّة، فذهب إلى الطائف، وعند عودته منها أخرجوه مِن مكّة، فهاجر بعدها إلى المدينة. ثمّ جمع المشركون الجيوش بهدف قتل النبيّ وجميع مَن معه مِنَ المسلمين. فإن راجع الإنسان ضميره، أفلا يحتّم عليه وجوب الدفاع عن النفس؟! فإن لم يحثّه ضميره على هذا فلا يُعدُّ إنسان! إذ ما الفرق حينئذ بين الإنسان والجماد؟! بناءً على هذا، فإنّ جميع الحروب الّتي خاضها النبيّ كانت حروبًا دفاعيّةً في المقام الأوّل، نعم لقد كانت مِن أجل الدفاع عن العِرض والكرامة وعن إقامة الفرائض، وكان لا بدَّ – والحال هذه – أن يقمع المعتدي، ولا مناص مِن ذلك، ولهذا جاء في القرآن المجيد {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثيرٌ} ۱، أي: كم مِن نبيٍّ قاتل في ركابه عددٌ كبير مِن أصحابه الّذين تربّوا على يديه، مِن أولئك المشتاقين والعشّاق. نعم، لقد قاتل جميع الأنبياء بالسيف، فحمْل السيف يبعث الحياة في نفس الإنسان، وذلك في عين أنّ الله أرحم الراحمين. ونحن يجب أن نراعي جانبَي الغضب والرحمة في حياتنا الفرديّة والاجتماعيّة، والعالَم مبنيّ على هذين المبدأين.

  • وجوب رعاية جنبتَي الرحمة والشدّة في حياتنا

  • [وهذا ما نلاحظه في حياتنا اليوميّة] فنرى أنّ رحمة المرء بابنه تقتضي أن يشتري له الحلوى، ونفس هذه الرحمة تقتضي أن يعاقبه في موقف آخر؛ ففي الموارد الّتي يتوجّب على المرء أن يعاقب ابنه، ولم يُعاقبه، سيكون قد ارتكب في حقّه جناية، [فقد] يصبح هذا الابن غير مؤدّب ومائعًا٢، ولن تمضي عليه إلّا أيّامٌ قلائل، حتّى إذا بلغ الخامسة عشر مِن عمره، تبدأ الأعمال غير اللائقة بالصدور عنه، وعندها يبدأ أبواه بالصراخ والعويل، وهؤلاء المساكين لا يعلمون أنّهم هم الّذين جلبوا لأنفسهم هذا البلاء.

  • إن حاول الطفل ذو السنتين أو الثلاث أن يأتي بعملٍ قبيحٍ، فعلى وليِّ أمره أن يزجره ويُبيّن له خطأ ما يريد القيام به، فإن أصرّ الطفل على ذلك، فلا بدّ أن يأخذ وليِّ الأمر موقفًا أشدّ صرامة اتجاهه، وإن حاول القيام به ثالثةً، يجب أن تُلوى أذنه قليلًا – لا أن يُصفع أو يُركل ركلتين – فإن فعَل وليّ الأمر ذلك لن يعود الطفل لذلك العمل مرّة أخرى، أمّا إن تساهل الأب ولم يفعل ذلك – رأفةً بابنه – فسيكون قد فتح أمامه جميع أبواب الجنايات.

    1. سورة آل عمران (٣)، جزء مِنَ الآية ۱٤٦.
    2. المائع أو المايع هنا هو صفة للإنسان وأخلاقه، والمراد بها صاحب السلوك غير اللائق وعديم الحميّة والمستهتر غير المبالي. (م)

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

8
  • إنَّ الأب الّذي يعاقب ابنه، فهو لا يعاقبه عن عداوة، بل يمارس أرفع درجات الرحمة معه، ولهذه الرحمة تراه يعاقب ابنه الّذي هو نور عينيه؛ فهو يتألّم مِن تلك العقوبة أكثر ممّا يتألّم منها الطفل نفسه، غير أنّه لا يرى أمامه مِن سبيل غير هذا، فلا بدّ – مِن أجل تأمين سعادة ابنه – أن يقوم بهذا العمل. فهذا نوع مِن أنواع الرحمة إذن.

  • فالرحمة لا تتمثّل دائمًا بتقديم الحلوى للطفل، بل تتمثّل الرحمة أيضًا بمعاقبة الطفل وإرساله إلى المدرسة للتعلّم، ومراقبته، وتعليمه كيفيّة الكتابة والقراءة الصحيحة للقرآن، و[تعليمه] الأسلوب الصحيح في الحديث وكيفيّة الصلاة، ووجوب النهوض قبل طلوع الشمس للصلاة؛ فليس مِنَ الرحمة أن يترك الأب ابنه ينام في هذا الوقت ويقول: إنّ عمر ابني لم يتعدّ الخامسة أو السادسة أو العاشرة، والصلاة ليست واجبةً عليه في هذا العمر! فقد قال الإمام لأحدهم: الويل لك، أبَلغ ابنك ثماني سنوات وهو لا يصلّي.۱

  • لماذا يبلغ الصبيّ السادسة عشر مِن عمره وهو لا يصلّي؟ إنَّ السبب في ذلك يعود إلى عدم تعليمه الصلاة وهو في سنّ الثامنة، فلو قام الأب بإيقاظ ابنه للصلاة فسيصبح ابنه مِنَ المصلّين، وعندما يصل إلى سنّ البلوغ سيصلّي بشكل تلقائيّ، ولن يتمكّن مِن ترك الصلاة لأنّه قد تعوّد عليها.

  • بناءً على هذا، فمعاقبة الطفل رحمة .. فللرحمة – والحال هذه – شكلان: بينما يتمثّل شكلها الأوّل بتقديم الحلوى للطفل، يتمثّل شكلها الثاني بمعاقبته؛ [لاحظوا] الشكل الّذي تأخذه الرحمة بالنسبة إلى الطفل المريض، إنّها تتمثّل بإقفال مخزن الحلويات أو الفاكهة والطعام المعتاد، لكي لا يتمكّن الطفل مِنَ الوصول إليه والتناول منه، وبدلَ ذلك تراهم يهيّؤون له الحليب الساخن أو الحساء البسيط ويسقونه شرابًا مُعدًّا مِنَ الأعشاب [كما] في سابق الزمان. فهل يعتبر هذا مِنَ الرحمة بحقّ الطفل أم لا؟ قد يقول الطفل في نفسه يا له مِن أبٍ قاسٍ! أو يا لها مِن أمٍّ ظالمة! فها هم يسقونني مِن هذا الشراب! غير أنّ الطفل كان سيموت لو لم يفعلوا معه ذلك.

    1. جاء في كتاب (مَن لا يحضره الفقيه)، ج۱، ص٢۸۱: وروي عن الحسن بن قارن أنّه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام أو سُئل وأنا أسمع عن الرجل يختن ولده وهو لا يصلّي اليوم واليومين، فقال: وكم أتى على الغلام؟ فقال: ثماني سنين، فقال: سبحان الله يترك الصلاة؟ قال: قلت: يصيبه الوجع، قال: يصلّي على نحو ما يقدر.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

9
  • والشيء نفسه يحصل هذه الأيّام، فإن مرض الطفل وأخذوه إلى المستشفى، فقد يقول الطبيب: يجب أن تُجرى له عمليّة جراحيّة لاستئصال الزائدة الدوديّة فورًا، ولا مفرّ مِن ذلك، فإن لم تُستأصل الزائدة الدوديّة ستنفجر وسيؤدّي ذلك إلى وفاة الطفل. لذا ترى الوالدين يسمحون للطبيب بإجراء العمليّة الجراحيّة. فهل يحقّ للطفل أن يقول هنا: لماذا يؤذونني؟ فما يجري هنا هو شكل مِن أشكال الرحمة، فلو مانع الوالدان أن تُجرى العمليّة الجراحيّة، ألن يكونا قد ارتكبا جناية بحقّ الطفل؟!

  • فالرحمة على صورتين إذن: بينما تتمثّل صورتها الأولى في تغذية الطفل وتربيته ومحبّته وملاطفته، تتمثّل صورتها الثانية بالمعاقبة والضرب وسقي الطفل الشراب وإجراء العمليّة الجراحيّة لاستئصال الأعضاء الفاسدة منه. وكلّ ما يجري في هذا العالَم يجري على هذا الأساس.

  • إن أُصيب أحدهم بالجمرة الخبيثة، فلا بدّ أن يُؤخذ إلى الطبيب في الحال ليستأصلها، لأنّه إن تركها على ما هي عليه، ستنتشر خلال ساعات في كافّة أنحاء بدنه، وتتسبّب في موته في فترة لا تتجاوز أربعًا وعشرين ساعة. فإن قال أحدهم: لماذا يقطعون إصبعي؟ سيُجاب: إنّ إصبعك مصابٌ بالجمرة الخبيثة، فلا بدّ مِن قطعه والتخلّص منه، وإلّا سينتشر المرض في كافّة أنحاء جسمك وسيتسبّب في قتلك.

  • الذنب نوعان مغفور وغير مغفور 

  • هكذا هو حال الناس، فهم يرتكبون الذنوب، غير أنّ ذنوبهم على نوعين:

  • [النوع الأوّل:] هو أن يرتكب أحدهم الذنب عن جهل، وغالب الذنوب الّتي تنشأ من طغيان الغريزة الجنسيّة هي مِن هذا القبيل، أو قد يتعدّى على أموال الآخرين عن جهل، فيندم بعد ذلك، وقد يعوّض على الطرف الآخر إن كان يمتلك شيئًا، أو قد يعتذر منه حيث يكون هذا الاعتذار علامة التوبة، وسيعفو الله عنه حينئذٍ. فإن كان الله لا يغفر مثل هذه الذنوب، فمَن سيدخل الجنّة إذن، إذ مَن لم يرتكب في حياته ذنبًا؟! فيقول الله لملائكته: اعفوا عنه، وغضّوا الطرف عمّا صدر عنه، وأدخلوه الجنّة، فبابها مفتوحٌ.

  • وها هم الملائكة ينادون مِنَ المساء حتّى الصباح: توبوا إلى الله أيّها الناس. فإن قال الإنسان هنا: ولكنّني أذنبت. سيغضّ الله عنه الطرف ويقول: إنّك لم تُذنب. فيكرّر الإنسان قائلًا: لقد أذنبت. فيقول الله: ها أنا أقول لك إنّك لم تُذنب. فيفتح الله له باب الجنّة ويدفعه للدخول إليها .. إنّنا نحن الّذين لا نريد أن ندخلها، وإلّا فرحمة الله مِنَ السعة بحيث إن تحدّثت عنها للناس لن يصدّقوا.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

10
  • يقول الله: كلّ مَن تاب في شهر رمضان، سأقبل توبته، وكلّ مَن وقف في عرفات في عصر التاسع مِن شهر ذي الحجّة سيعود كما ولدته أمّه، وتخاطبه الملائكة قائلةً: استأنف عملك، فقد غفر الله لك جميع ذنوبك۱. فمَن يقبل بهذا الكلام؟! لذا ترى البعض [يشكّك] ويقول: هل حقًّا غفرتَ لي كلّ ذنوبي يا ربّي؟!

  • إنَّ أبواب السماء تُفتح في ليالي الجمعة، فتأتي الملائكة أفواجًا يدعون الناس إلى الجنّة٢. ولكنّك ترى المرء يسهر ليله إلى الصباح في العبادة والدعاء، ويقرأ دعاء كميل ويبكي، وعندما يُقال له: ها قد غُفر لك. تراه يقول: وهل غُفر لي حقًّا؟! فهو لا يصدّق ذلك، لأنّه لم يمسّ رحمة الله، بل هو ينظر إلى قلبه القاسي، فيقول: كيف يُدخلني الله الجنّة؟! [نقول:] ها هو الله يُدخلك الجنّة الآن يا هذا، نعم إنّ الله يغفر مثل هذه الذنوب.

  • [أماّ النوع الثاني:] هو أن يُصرّ على ارتكاب الذنوب ولا يكفّ عن ذلك. أفلا يُفترض بالله – والحال هذه – أن يعاقبه ويؤدّبه؟! إنّ جهنّم وُجِدت لغرض التأديب، كما أنّ هدف الإحراق فيها هو التزكية، فإن عفا الله عن هذا الجاني في مثل هذه الحال ورَحِمه، فلن يكون ذلك تصرّفًا صحيحًا.

  • ترحم بر پلنگ تيز دندان *** ستم كاري بود بر گوسفندان٣
  • [يقول: إنّ الرأفة بفهدٍ حادِّ الأنياب، هو ظلمٌ للأغنام].

  • فليس مِنَ الصائب أن يعطف أحدهم على ذلك الذئب الّذي هجم على قطيع الأغنام وقتل عددًا منها، وأن يُكافئه على فعلته ويعطيه – علاوة على ما أخذه مِن أغنام – شيئًا ممّا لديه مِن خبزٍ ولحمٍ.

  • مَن لان جنبه سَهُل حسابه ومَن غَلُظ جنبه اشتدّ حسابه

  • إنّني على يقينٍ مِن أنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِيْنَ فِيْ مَوْضِعِ العَفْوِ والرَّحْمَةِ، وأمّا في الموضع الّذي تنتقم فيه فأنت أَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النّكالِ وَالنَّقِمَةِ؛ فهل يستطيع أحد الفرار منك؟! هل يستطيع أن يفرّ مِن حكومتك، مَن قد عاداك وارتكب المعاصي عن عمدٍ، ووقف في وجه عظمتك وكبريائك، وقال لك: أنا .. عندما قلتَ له: أنا؟! 

    1. جاء في تفسير العيّاشي، ج۱، ص۱۰۰: عن أبي بصير عن أبي عبد الله قال: إنّ العبد المؤمن حين يخرج مِن بيته حاجًّا لا يخطو خطوة ولا يخطو به راحلته إلّا كتب الله له بها حسنة، ومحا عنه سيّئة، ورفع له بها درجة، فإذا وقف بعرفات فلو كانت له ذنوبًا عدد الثرى رجع كما ولدته أمه، فقال له: استأنف العمل يقول الله: فمَن تعجّل في يومين فلا إثم عليه ومَن تأخّر فلا إثم عليه لمن اتقى. البقرة (٢)، الآية ٢۰٣.
    2. جاء في تفسير القمّي، ج٢، ص٢۰٤: عن أبي عبد الله × قال: إنّ الربّ تبارك وتعالى يُنزل أمره كلّ ليلة جمعة إلى السماء الدنيا مِن أوّل الليل وفي كلّ ليلة في الثلث الأخير وأمامه ملك ينادي: هل مِن تائب يُتاب عليه، هل مِن مستغفر فيُغفر له، هل مِن سائل فيعطى سُؤله، اللهمّ اعط لكلّ منفق خلفًا، ولكلّ ممسك تلفًا، إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد أمر الربّ إلى عرشه فيقسم الأرزاق بين العباد.
    3. ديوان كلستان، الباب ۸، ص ٢٣٤.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

11
  • يُقال أنّ الله سهل الحساب، نعم إنّه سهل الحساب، ولكن مع مَن يكون الله سهل الحساب؟ إنّ سهولة الحساب تكون مع مَن يكون سهلًا وليّن الجانب مع الآخرين؛ فإن طلبت مِن أحد أن يساعدك في حمل أمتعتك وإيصالها إلى المنزل، يقوم بحملها بوجهٍ بشوشٍ ويوصلها إلى منزلك دون أن يسرق منها شيئًا، ودون أن يؤذي أطفالك عند وصوله إلى منزلك، ولا يطرق الباب أكثر مِن مرّة، ولا يوقظك مِن نومك أو يُزعجك، ففي مثل هذه الحالة ستعطيه أجره، بل ستزيد عليه، وستدعوه لتناول طعام الغذاء وتكرمه.

  • أمّا الحمّال الّذي، إن أوصل المتاع إلى بيتك، يُكثر مِنَ الضجيج، ويوقظ الجيران مِن نومهم، وإن فتحت له الباب يكيل لك الشتائم لتأخّرك في فتح الباب، وإن رأى طفلك خلف الباب صفعه صفعتين، ويدخل المنزل بلا استئذان، وإن اعترضت عليه كال لك الشتائم. فكيف ستتعامل معه والحال هذه، هل سترحّب به وتفتح له أبواب المنزل وتدعوه للدخول؟! إنّه لا يستحقّ هذه المعاملة، بل لا بُدّ مِن تأديبه.

  • هذا هو الأساس الّذي تُبنى عليه الحياة.

  • الجمال الإلهيّ والجلال الإلهيّ

  • وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ

  • إنّ لله صفتا الجمال والجلال؛ والجمال يعني أقبِل، والجلال يعني ابتعد؛ فمَن كانت سنخيّته تتطابق مع سنخيّة الله، سوف يُدخَل في الحرم الإلهيّ، وإلّا سيمنعه سطوعُ شُعاع الجمال مِن ذلك، فسيُقال له: مكانك لا تقترب، أنت غير مؤهّلٍ للدخول إلى هذا المكان. وهذا هو معنى العذاب واللعن والطرد. فإن لم تجرِ الأمور على هذا المنوال، سيسعى الجميع للدخول إلى حرم الفناء وحرم الذات الإلهيّ، ذلك المكان الّذي حلّ فيه أمير المؤمنين وسلمان. فأبو سفيان يريد أن يرِد إلى هذا الحرم أيضًا، ولكن هل سيفتح الله له الباب قائلًا: تفضّل إلى حرم ذاتي؟! وهل يمكن لجميع أولئك الملوّثين بأنواع القاذورات والمرتكبين لآلاف الجنايات أن يردوا إلى هناك؟! كلّا، لا يمكن أن يحصل هذا.

  • إن حطّت نحلةٌ على زهرةٍ ذات رائحةٍ غير ملائمةٍ، سيمنعها حرس خلية النحل مِنَ الدخول، بل سيقتلونها قائلين: إن سمحنا لها بالدخول، فستُفسد كلّ الخليّة، فليس مِنَ المصلحة أن نسمح لها بالدخول. هذا هو النظام المتّبع في خليّة النحل، حيث يُسمح [بالدخول] للنحل الّذي يجلب رحيق الأزهار العطرة لا غيرها.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

12
  • بناءً على هذا، فإنّ الله يمتلك صفتَي الجمال والجلال معًا، فما نشاهده الآن مِن غضب أو رحمة في هذا العالَم إنّما يترشّح عن صفتَي الجمال والجلال هاتين، كما أنّ هذه الغرائز الّتي نلاحظها فينا هي ناشئةٌ مِن هناك أيضًا.۱

  • نعم، إنّ الله رحيمٌ جدًّا، فهو رحيمٌ إلى درجة لا يستطيع الإنسان أن يصدّقها، فتراه يقول: هل عُفي عنّي حقًّا؟! فيُقال له: بل تعال وادخل الجنّة. فيقول: أأنا أدخل الجنّة! فتأتيه الملائكة والأنبياء فيقسمون له [على ذلك]، وهو لا يصدّق. نعم، إنّ الله رحيم إلى هذه الدرجة وذلك في موضع العفو والرحمة.

  • وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النّكالِ وَالنَّقِمَةِ

  • إنّ معنى النكال هو: الشقاء والظلمة والتعذيب، حيث تكون النقمة والعقوبة بدرجة شديدة، نعم إنّها شديدة جدًّا. إن كان أحدٌ يُعاملك بيُسر، فستُعامله بالمثل، وإن عاملك بعُسر فستعامله بعُسر أيضًا. فإن عرفت أنّه يريد أن يخدعك، فستكون حذرًا في تعاملك معه، ولن تسمح له بخداعك، أمّا مَن لا يريد أن يخدعك أو يسرق أموالك وهو يتعامل معك بكلّ بساطة، فسوف تقول في نفسك: فليأخذ عشرة دنانير إضافيّة. هكذا يتعامل الله مع عباده، فمَن يتعامل بدقّةٍ مع الله سيعامله الله بدقّة، وإن تعامل مع الله بيُسر سيُسهّل الله عليه أمره كثيرًا.٢

  • وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ

  • إنّ الله أشرف وأعزّ جانبًا مِن جميع المتجبّرين، أي مِن كلّ جبّارٍ وسيّدٍ وسلطانٍ وعزيزٍ وشريفٍ، ففي المواقف الّتي يُظهر المرء فيها عزّته أمام الله، لن تسمح له عزّة الله بذلك لأنّه هو العزيز. أمّا الّذي يُظهر الذلّة والمسكنة أمام الله ويقول: إلهي، أنت المولى وأنت السلطان، وأمْر جميع المخلوقات بيدك، وما أنا سوى عبدٍ فانٍ، فسيسأله الله: أتعترف بأنّك فانٍ؟ فيقول العبد: نعم أعترف بذلك. فيقول له الله: ما دمت كذلك فتعال، فأنا أعظم المتجبّرين في موضع الكبرياء والعظمة لا في موضع الفقر والمسكنة، فتعال وادخل في حرمي، فقد زُيّن مِن أجلك كلّ شيء وقد خلقتُ لك جميع هذه الحور والغلمان و {جَنَّاتٍ تَجْري مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}٣ كلّها لك، نعم هي لك وحدك، وأنا لا أريد منها شيئًا، بل قد خلقتُ جميع عالَم الوجود مِن أجلك، فأنا غنيٌّ عن مَظاهري، فهي لك وحدك.٤

    1. لمزيد مِنَ الاطّلاع حول صفتي جمال وجلال الله، راجع تفسير آية النور ص ٢٤٩ للعلّامة الطهرانيّ رضوان الله عليه.
    2. جاء في الكافي، ج٢، ص۷٢: عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: أحسن الظنّ بالله فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يقول: أنا عند ظنّ عبدي المؤمن بي، إن خيرًا فخيرًا وإن شرًّا فشرًّا.
    3. كثيرًا ما وردت هذه الفقرة في القرآن الكريم، ومِن تلك الموارد سورة محمّد (٤۷)، جزء مِنَ الآية ۱٢
    4. جاء في كتاب مشارق أنوار اليقين، للشيخ حافظ رجب البرسي، ص٢۸٢، وكتاب الجواهر السنيّة، للشيخ الحرّ العامليّ، ص٣٦۱، ما يلي: وأنّه قد جاء في الأحاديث القدسيّة أنّ الله يقول: عبدي خلقت الأشياء لأجلك وخلقتك لأجلي، وهبتك الدنيا بالإحسان والآخرة بالإيمان.

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

13
  • عندما تُصقل النفس بالعبوديّة لله تتجلى فيها الأنوار الإلهيّة

  • يُقال أنّه جرتْ مسابقةٌ بين الروم والصين في مجال الرسم – وكان الصينيّون بارعون في هذا المجال جدًّا ولهم آثار معروفة منذ آلاف السنين وكذلك الأمر بالنسبة إلى الروم – فاجتمع الطرفان، حيث تمّ تخصيص جدار في هذا الجانب للصينيِّين، وجدار في الجانب المقابل للروم، وقيل لهم: أظهِروا ما لديكم مِن مهارات في مجال الرسم والزخرفة على هذه الجدران. وقد وضعوا ستارة بين الجدارين لكي لا يطّلع كلّ طرفٍ على ما يفعله الطرف الآخر، وستبقى هذه الستارة أربعين أو خمسين يومًا أو شهرين أو أكثر، إلى أن ينتهوا مِن عملهم، ثمّ تُرفع الستارة ليأتي السلطان وكبار رجال الدولة ويقضوا بينهما وينتخبوا الأفضل منهما.

  • فضُرب الستار بينهما وبدءا العمل – ولا تزال آثار النقوش والتماثيل الّتي صُنعت في تلك الأزمنة إلى عصرنا هذا ويا لها مِن نقوش – فانشغل الصينيّون برسم أشكالٍ مِنَ المناظر والأشجار، كطلوع الشمس وغروبها والأنهار والأشجار والجبال والطيور، وجميع أنواع النقوش الّتي خطرت على بالهم في ذلك الزمان، بأحسن الفنون وأجمل الألوان. أمّا الروم، فلم يقوموا خلال تلك المدّة برسم حتّى نقشٍ واحدٍ، بل أخذوا بصقل الجدار حتّى أصبح كالمرآة.

  • أتعلمون ما الّذي يعنيه الصقل؟ عندما يُراد صقل قطعة مِنَ الحديد، يقومون باستخدام مبرَدٍ خشنٍ في بادئ الأمر، ثمّ يُستبدل بمبرد أنعَم ثمّ أنعَم .. ثمّ يستخدمون بعد ذلك ورقَ صقلٍ خشنٍ – مِنَ النوع الّذي يُستخدم في صقل الحديد لا الخشب – ثمّ يستبدلونه بورق أنعَم ثمّ أنعَم، إلى أن يستعملوا في النهاية ورقًا ناعمًا وكأنّه قطعة قماش، فيستمرون بالعمل على هذا المنوال حتّى تصبح قطعة الحديد كالمرآة، نعم إنّها تصير كالمرآة حقًّا، أي إنّهم يعملون على ذلك الحديد الأسود حتّى يصبح صافيًا، بحيث تستطيع أن ترى وجهك فيه، بل أن ترى مقلة عينك وأهدابها. وهكذا قام الروم بصقل الجدار.

  • وعند حلول الموعد المحدّد رفعوا الستار مِنَ الوسط، فرأوا أنّ كلّ ما تمّ رسمه على جدار [الصينيّين] انعكس على الجدار المقابل بشكلٍ أجمل وأرقى، ففاز الروم بذلك مع أنّهم لم يُتعبوا أنفسهم في الرسم، فقد انعكس على جدارهم كلّ ما جهِد الطرف الآخر في رسمه.۱

    1. ذكر مولانا جلال الدين الروميّ تفاصيل هذه الحكاية على هيئة شعر في الجزء الأوّل مِن كتابه (المثنوي المعنوي).

الجمال والجلال الإلهيّين هما أساس النظام التكوينيّ والتشريعيّ

14
  • عندما يقف عباد الله بين يدي الله ويقولون له: ليس لدينا ما نستعرضه أمامك، فنحن مساكين ونحن عبادك، وقد أردتَ أن نقوم بأعمال، فسعينا بمقدار ما لدينا مِن استعداد وجهد لننجزها، فتمكنَّا مِن القيام بشيء منها ولم نستطع أن نؤدّيها كما تريد، وها نحن نعترف أنّك السيّد المولى، وما نحن سوى عبيد لك .. هذا هو معنى الاعتراف بالعبوديّة وهو معنى صقل القلب.. فإن حصل ذلك، سينعكس في هذا القلب جميعُ ما هنالك مِن صور، فيقول الله عندها: سأمنحك كلّ ما أملك، لأنّك لم تقف في وجه كبريائي ولم تتّخذ حاجبًا يحجبك عنِّي، وأنا لا أقاتل الأعزل ولا أستوفي منه الضرائب، فليس هناك حجابٌ مِن جهتي، فما دمتَ قد صفّيت قلبك فسوف تتجلّى فيه جميعُ الأنوار وجميعُ أسمائي وصفاتي، فانظر إلى قلبك لترى ذلك بنفسك.

  • نعم، إنَّ الله أعظم المتجبّرين، ولكن أين يكون ذلك؟ إنّ ذلك يكون في موضع الكبرياء والعظمة. فيا ربِّ، أنا على يقين أنَّك أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فِي مَوْضِعِ العَفْوِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَشَدُّ المُعاقِبِينَ فِي مَوْضِعِ النّكالِ وَالنَّقِمَةِ، وَأَعْظَمُ المُتَجَبِّرِينَ فِي مَوْضِعِ الكِبْرِياءِ وَالعَظَمَةِ، فما دمتُ على يقين أنّك تمتلك هذه الصفات، فلديّ مجموعة مِنَ الطلبات أريد أن أجلس وأتكلّم معك بشأنها، فاستمع لمقولتي حتّى لا تقول لي يوم القيامة أنّني لم أخبرك بها، فها أنا أقولها لك يا ربِّ، ولديّ شاهدان يشهدان لي يوم القيامة على ذلك، فما دمتُ على يقين بامتلاكك لتلك الصفات، فاستمع يا ربِّ إلى مناجاتي هذه؛ وهي المناجاة الّتي يتضمّنها هذا الدعاء۱ [في فقراته] مِن أوّله إلى آخره.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. أي دعاء الافتتاح. (م)