1

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر

خطبة عيد الأضحى لعام 1421 هـ

2080
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمناسبات الإسلامية

التاريخ 1421/12/10


التوضيح

ألا يكفي دين العجائز لبلوغ المقامات الرفيعة أم لا بدّ من البحث في المعارف الإلهيّة؟ ماذا يحتاج الوصول إلى الله؟ وما هي حقيقة الصبر والشكر اللذين كانا لدى النبيَّين موسى وإبراهيم على نبيّنا وآله وعليهما السلام وماذا كانت نتيجتهما؟
تجيب هذه المحاضرة عن هذه المحاور في تفسير الآية الشريفة﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآیاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَأیات لِّكُلِّ صَبَّار شَكُور﴾
مبيّنة المراد من الظلمات والنور ومن أيّام الله فيها وأصناف الناس في نظرتهم إلى الدنيا إضافة إلى مكانة يوم عيد الأضحى المبارك والأيّام التي سبقته وآثارها في تحقيق ذلك.
/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر

  • خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤٢۱ هـ

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

2
  •  

  • أعوذُ بِالله مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بسم الله الرّحمن الرّحیم

  •  

  •  

  • الحَمدُ لِلّهِ الواصِلِ الحَمدَ بِالنّعَمِ و النّعَمَ بِالشّكرِ، نَحمَدُهُ عَلَی آلائِهِ كما نَحمَدُهُ عَلَی بَلائِهِ، و نَستَعِینُهُ عَلَی هذه النُّفوسِ البِطاءِ عَمّا أُمِرَت بِهِ، السِّراعِ إلَی ما نُهِیَت عَنهُ، و نَستَغفِرُهُ مِمّا أحاطَ بِهِ عِلمُهُ و أحصاهُ كتابُهُ؛ عِلمٌ غیرُ قاصِرٍ و كتابٌ غیرُ مُغادِرٍ. و نُؤمِنُ بِهِ إیمانَ مَن عایَنَ الغُیوبَ و وَقَفَ عَلَی المَوعودِ؛ إیمانًا نَفَی إخلاصُهُ الشِّرك و یَقِینُهُ الشَّك. و نَشهَدُ أن لا إلهَ إلّا اللهُ وَحدَهُ لا شَرِیك لَهُ، و أنّ محمدًا صلّی الله عَلَیهِ و آلهِ و سَلّمَ عَبدُهُ و رَسولُهُ؛ شَهادَتَینِ تُصعِدانِ القَولَ و تَرفَعانِ العَمَلَ، لا یَخِفُّ مِیزانٌ توضَعانِ فِیهِ و لا یَثقُلُ مِیزانٌ تُرفَعانِ [مِنهُ] عَنهُ. أوصِیكم عِبادَ اللهِ بِتَقوَی اللهِ الَّتِی هی الزّادُ و بِها المَعاذُ؛ زادٌ مُبلِغٌ و مَعاذٌ مُنجِحٌ، دَعا إلَیها أسمَعُ داعٍ و وَعاها خَیرُ واعٍ، [فَأسمَعَ داعِیها و فازَ واعِیها].۱

  • ﴿بِسۡمِ ٱللَهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ۱ إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَهِ وَٱلۡفَتۡحُ ٢ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَهِ أَفۡوَاجٗا ٣ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا﴾.٢

  • اللهمّ أفِض صِلَةَ صَلَواتِك و سَلامَةَ تَسلِیماتِك علَی أوّلِ التّعَیّناتِ المُفاضَةِ مِن العَماءِ الرَّبّانِی، و آخِرِ التَّنَزُّلاتِ المُضافَةِ إلَی النَّوعِ الإنسانِی، المُهاجِرِ مِن مَكةَ (كان اللهُ و لَم یَكن مَعَهُ شَیءٌ ثانِي).٣ و صَلّ و سَلّم علی عِترتِه الطّیّبین الطّاهرین الهُداة المَهدیّین لا سیّما بقیّة الله في الأرضین الحُجّة ابن الحَسن العسكری عجّل الله تعالی فرجُه الشّریف و جَعَلَنا مِن شیعَته و مَوالیه و الذّابّین عنه.

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ١٦٩.
    2. سورة النصر (١١٠).
    3. مجموعة رسائل ابن عربي (ذات الثلاثة أجزاء)، ج ١، ص ٦٥٤، الصلوات الخاصة لمحي ‌الدّین على النبيّ الأكرم صلّی الله علیه و آله و سلّم.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

3
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِن الشّیطان الرّجیم

  • بسم الله الرّحمٰن الرّحیم

  • ﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِ‍َٔايَٰتِنَآ أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَهِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾.۱

  • النقاط الموجودة في آية: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ ...﴾

  • نحن أرسلنا موسى إلى قومه لكي يخرجهم من الظلمات ويدخلهم في النور، ويذكّرهم بأيّام الله، وهذه آيات للذين هم من أهل الصبر الشديد والتحمّل، والذين هم مع صبرهم شاكرون للنعم الإلهيّة أيضًا. 

  • يذكّر الله في هذه الآية الشريفة ببعض النقاط: 

  • النقطة الأولى: مسألة الظلمات. فلا بدّ أن نرى ما هي الظلمات.

  • النقطة الثانية: مسألة النور، حيث يقول: أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ.

  • النقطة الثالثة: مسألة أيّام الله حيث يقول: وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَهِ فما هي أيّام الله والتي يدرجها الله بعد الدخول في النور والخروج من الظلمات. 

  • النقطة الأخرى: مسألة الصبر، فما معنى الصبر في المقام؟ وليس هو الصبر المجرّد، بل صبر بصيغة المبالغة، فصبّار تعني الإنسان كثير التحمّل، الإنسان المتحمّل كثيرًا والصبور. 

  • والنقطة الأخيرة: مسألة الشكر، فما هو الشيء المترتّب حتّى يقول الله: إنّ هؤلاء الذين يصبرون شكورون أيضًا ويشكرون كثيرًا، فهم ليسوا شاكرين فحسب، بل شكورون، والصفة المشبّهة تدلّ على المبالغة. فهنا كلمة صبّار تدلّ على معنى دقيق ولطيف، وكذلك كلمة شكور. 

  • والله تعالى يبيّن هذه النقاط في هذه الآية، الآية المناسبة لهذا اليوم وهذه الأيّام. 

  • معنى الظلمات في الآية

  • فأولاً: ما هي الظلمات التي يقول الله عنها: ﴿أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ﴾؟ هل الظلمة هي الكون في هذه الدنيا والاستفادة من المواهب الدنيويّة الإلهيّة؟ لا معنى لهذا! فلو كانت هذه الدنيا خلاف مشيئة الله وإرادته ورضاه فلماذا كان لا بدّ أن يخلق هذا البدن العنصريّ والماديّ لنا؟! لماذا كان لا بدّ أن يتحقّق تكاملنا في هذا البدن؟! ولماذا لا نكون كسائر الموجودات والخلائق بعيدين عن المادّة وأصحاب كمال روحيّ ومرتبة وجوديّة؟! أوليست هذه الدنيا سوى ظهور من الظهورات الجماليّة لله ومظهرًا من مظاهر عالم الكون وعالم الخلق؟! فإذن لا يمكن لهذه الدنيا بعينها أن تكون ظلمة؛ لأنّ هذه الدنيا بعينها وبعبارة أخرى عالم المادّة وعالم الكون والفساد خلق من خلق الله، ووجود من أنحاء الوجودات المتنزّلة من الوجود البسيط وبالصرافة، ولا يمكن أن يعبّر الله المتعال عن الجمال الإلهيّ الذي تجلّى بصورة عالم الدنيا بالظلمة! فإذن ماذا يمكن أن يكون المراد من الظلمة؟

    1. سورة إبراهیم (١٤) الآية ٥.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

4
  • بكلام مختصر ومجمل، الظلمة هي انصراف تعلّق هذه الدنيا بمبدئها الفعّال ومبدئها المريد ومبدئها الأعلى، الظلمة هي انصراف الإنسان عن اعتماد هذه الدنيا على يد وراء الستار والغيب هي مديرة ومدبّرة لهذا العالم ولها حيثيّة السببيّة بالنسبة إلى المسبَّب. الظلمة هي الغفلة في اعتماد هذه المظاهر على ذلك الظهور الأزليّ، وبواسطة هذه الغفلة، إعطاؤها الاستقلال وجعلها منحازة عن إرادتها ومسيرها التكاملي، والالتفات إليّها جهلاً وعدّها مقرًّا لا ممرًّا۱ وصرف جميع همّنا وغمّنا لأجل هذه الدنيا وعمرانها! فهذه هي الظلمات، الظلمات تعني إعطاء حيثيّة استقلاليّة [للمظاهر]، والنور يعني حيثيّة الوساطة والآليّة والمعبر. 

  • ﴿أَنۡ أَخۡرِجۡ قَوۡمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرۡهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَهِ﴾ أخرج قومك من الظلمات؛ لأنّهم حتّى الآن كانوا يظنّون الدنيا مقرًّا، وكانت نظرتهم إليها استقلاليّة ولم يكن لهم التفات إلى المبدأ الذي وراءها وإليه المآل، ويعدّون الحياة فقط هذه الحياة الدنيا. 

  • أصناف الناس في الدنيا 

  • الماديّون والإلهيّون 

  • مثل منطق الماديّين الذين يعبّر عنهم الله المتعال هكذا:

  • ﴿إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ﴾؛٢ حياتنا هي فقط هذه التي نعيش فيها، وموتنا فقط هو ذلك الذي يحدث لنا في هذه الدنيا، وليس لنا عالم آخر وراءه. 

  • هؤلاء يقولون: سجلّنا يفتح في هذه الدنيا ويختم فيها وليس هناك أمر ومرتبة وعالم آخر فيما وراء هذه الدنيا. فهؤلاء يصرفون كامل همّهم وغمّهم في بناء هذه الدنيا والعيش الأمثل والتلذّذ الأفضل والشهوات والتنوّع والاستفادة النفسيّة الأفضل من ذلك والتوغّل في الكثرات. فهم يريدون الدنيا فقط لأجل الدنيا وفقط لأجل تمضية العمر ويعطونها حيثيّة استقلال، لا حيثيّة تبعيّة ومجاز، هذا المنطق هو منطق الماديّين كما نرى. 

  • وفي مقابل هذا المنطق هناك منطق الإلهيّين حيث يقول: ﴿وَإِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ﴾؛٣ فمنزل الآخرة هو مكان الحياة، وليت هؤلاء يعلمون ذلك، ليت هؤلاء يُعملون عقولهم وأذهانهم ويلتفتون، وليت التوغّل في الدنيا لم يكن صارفًا لهم ولم يجعلهم غافلين عن هذا الأمر! 

  • يقول هؤلاء: ﴿إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا﴾، ولكن هنا يقول: ﴿إِنَّ ٱلدَّارَ ٱلۡأٓخِرَةَ لَهِيَ ٱلۡحَيَوَانُ﴾ إن كان هناك مكان للحياة والمعاش فهو منزل الآخرة، هذه الدنيا هي معبر، هذه الدنيا عبور!

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٤٩٣: «الدّنیا دارُ مَمَرٍّ لا دارُ مَقَرٍّ».
    2. سورة المؤمنون (٢٣) الآية ٣٧. 
    3. سورة العنكبوت (٢٩) الآية ٦٤.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

5
  • هل حصل أن رأيتم أحدًا يعتقد أنّ الطريق والأزقّة التي يطويها للذهاب والوصول إلى منزله هي بيته؟! ولو سُئلتم أين منزلكم فهل تعطونه العنوان بأنّه الشارع الفلاني والزقاق الفلانيّ؟! الشارع والزقاق والعنوان هي جسر للعبور والوصول إلى المنزل ومحلّ للوصول إلى المقصود والمقصد، ولا معنى لأن ينظر إليها الإنسان نظرة استقلاليّة ويترك النظرة الآليّة، فلو كان كذلك لقيل إنّه قليل العقل، ولما عدّوه من زمرة العقلاء، لأنّه نظر إلى المعبر نظرة استقلاليّة ووصل من الآليّة إلى الحيثيّة النفسيّة، وهذا غلط! لذلك لا يتأمّل أحد في الزقاق والشارع ولا يضيع وقته عبثًا، بل يريد أن ينتهي هذا الشارع وهذا الزقاق بسرعة حتّى يصل إلى المنزل. 

  • والدنيا من منظار العقلاء والحكماء والإلهيّين وكما يعبّر عنها الله هي ممرّ، أي ليست الدنيا بدار قرار، فالذين لهم في هذا الأمر حالات مختلفة وظروف متفاوتة بعضهم وفق الآية الشريفة يقولون: ﴿إِنۡ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا ٱلدُّنۡيَا نَمُوتُ وَنَحۡيَا وَمَا نَحۡنُ بِمَبۡعُوثِينَ﴾ ولسان حالهم يوم القيامة هذا: ﴿أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَهِ﴾.۱

  • سيأتي يوم هو يوم القيامة وهذه النفوس التي تنظر إلى الدنيا بتلك النظرة الاستقلاليّة ولا تلتفت إلى الآخرة وتوصل النهار بالليل لتمضية الحياة والعيش بأفضل نحو، ولا تلتفت أبدًا إلى أمر الروح والنفس ومآلهما وحينها سيكون: ﴿أَن تَقُولَ نَفۡسٞ يَٰحَسۡرَتَىٰ﴾؛ يا ويلتاه، يا حسرتاه، يا لحسرة الأبد، يا للحسرة التي لا نهاية لها. لماذا يقول ذلك؟ لأنّه هنا يرى نتيجة العمل. وهناك لا غفلة كما هو الحال هنا، هناك حساب ولا عمل الیَومَ عَمَلٌ و لا حِسابَ و غَدًا حِسابٌ و لا عَمَل!٢

  • الحقائق هناك واضحة لهم، يرون جهنّم بأعينهم. يرون الجنّة والنعم الإلهيّة بأعينهم، وفضلاً عن ذلك فإنّ مجرّد الحرمان من النعم الإلهيّة الحاصل من خسارة هذه الثروة في الدنيا هو أشدّ من أيّ عذاب.

  • وقد ورد في الرواية أنّه ليس هناك عذاب أشدّ ألمًا للمخالفين والغافلين في يوم القيامة من أن يشعروا بأنّهم أيّ ثروة خسروا وأيّ رأسمال فاتهم. ٣

    1. سورة الزمر (٣٩) الآية ٥٦. 
    2. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٨٤. 
    3. راجع الكافي، ج ١، ص ٤٤؛ نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٥٥٢؛ تنبیه الخواطر، ج ٢، ص ٩٦؛ نهج الفصاحة، ص ٢٧١.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

6
  • فمثلاً لو أنّا كنّا نمتلك في هذه الدنيا مبلغًا عظيمًا من المال فأضعناه فإنّا لا ننام من الليل حتّى الصباح، ودائمًا نتحسّر عليه ونقول: "وا ويلاه، ليتنا وضعناه في المنزل، ليتنا لم نصحبه معنا كيلا يسقط في الشارع ويضيع! لو أنّي لم أضع هذا المال لفعلت به كذا وكذا! فكم كانت لديّ آمال للاستفادة من هذا المال واستثماره! لقد ذهبت كلّ آمالي أدراج الرياح!". وفي يوم القيامة أيضًا تحصل الحسرة الأبديّة للغافلين الذين يقولون: ﴿يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَهِ﴾ ففي الدنيا كان الله ناظرًا ومراقبًا لنا وقد جعل في اختيارنا جميع أنواع الوسائل والأدوات والآلات للتكامل، فهذا هو معنى جنب الله. 

  • أنتم تظنّون أنّ هذا الفهم الذي وهبنا الله هو شيء قليل؟! وهذه الموانع التي رفعها الله من أمام طريقنا هي شيء قليل؟! وتلك الأمور التي تسبّب هدايتنا وكلمات الأعاظم الذين ساروا في الطريق، والمعلومات التي وصلت إلى أسماعنا وقلوبنا جيلاً بعد جيل بهمّة الأعاظم والأولياء هل هي شيء يسير؟! لمن أعدّت هذه الأمور وهيّئت؟! فلو فرّطنا نحن هنا ولم نستعمل هذه المعلومات، فلا قدّر الله أن يكون لسان حالنا يوم القيامة هذا الكلام؟! يقول الله: لقد آتيتك فهمًا فما شأنك بالآخرين؟! أفهل حسابك وحساب الآخرين واحد؟! لقد آتيتك شعورًا، آتيتك تجربة الحضور لدى الأولياء واللقاء بهم، جعلت بين يديك كتبًا تساعدك في المسير إليّ، جعلت لك رفيقًا يساعدك في هذا الطريق، ورفعت الموانع التي كان من الممكن أن تمنعك، جعلت حالتك بحيث تتمكّن من طيّ هذا الطريق! لقد جعلت كلّ ذلك بين يديك فماذا فعلت أنت في المقابل؟! كيف استفدت منها وكيف أخذتها؟! هل كنت جادًّا أم هازلاً؟! 

  • لقد كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يقول مرارًا: 

  • هذا العمر وحده كثير جدًّا لأجل الوصول إلى المقصود والكمال والفناء الإلهيّ، فالإنسان يمكنه بعمر واحد أن يطوي هذا الطريق عدّة مرّات! 

  • فهذه الأمور ليست مزاحًا، ولا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يأخذ فيه بأيدينا ويوقظنا من نوم الجهل والغفلة، ولكن إذا لم يشمل توفيق الله عبدًا وبقي في الغفلة فمن الممكن أن نكون يوم القيامة أشدّ ألمًا وحسرة من الذين لم تصلهم هذه الأمور، فنقول: ﴿يَٰحَسۡرَتَىٰ عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنۢبِ ٱللَهِ﴾ فهؤلاء جماعة.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

7
  • جماعة الذين ﴿ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ...﴾

  • والجماعة الأخرى هم الذين تقدّموا قليلًا، ارتكبوا الذنوب، وعملوا صالحًا، لهم حالات مختلفة، لديهم محبّة، لديهم اعتقاد، ولكن لم تبلغ الذروة، يقول الله عنهم: ﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا عَسَى ٱللَهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ إِنَّ ٱللَهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾.۱ فالفئة الثانية هم الذين خلطوا في حياتهم، تارة عملوا عملاً صالحًا، وتارة ذنب، تارة غفلة وتارة يقظة، وكما يقول المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه: 

  • بعضهم طريقهم مستقيم هكذا كالخط المستقيم! ولكنّ بعضهم يسيرون مقدارًا ما ويميلون بعد قليل نحو اتّجاه آخر، ثمّ يرجعون إلى الخطّ المستقيم ولكن يعوجّون مرّة أخرى! ثمّ يعودون وهكذا دائمًا في حالة تمايل ذات اليمين وذات الشمال وليس لهم استقرار في خطّ مستقيم. 

  • ﴿وَءَاخَرُونَ ٱعۡتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمۡ خَلَطُواْ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَءَاخَرَ سَيِّئًا﴾؛ هؤلاء يعترفون بذنوبهم، هؤلاء مسلمون وشيعة، ولكنّهم يطوون الدنيا بالخلط والمزج بين الثواب والذنب، فهم أصحاب عمل صالح وذنوب أيضًا، ويمزجونهما معًا. هؤلاء من أصحاب القلوب الطاهرة، ولكن لديهم هنا ضعف وقوّة ﴿عَسَى ٱللَهُ أَن يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ إِنَّ ٱللَهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾؛ إن شاء الله تشملهم رحمة الله وعطفه والله غفور رحيم. 

  • أصحاب اليمين

  • والجماعة الأخرى هم أصحاب اليمين ﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ﴾؛٢ فهؤلاء أرفع من الجماعة السابقة ولهم حالات روحيّة وملكات ومكاشفات روحانيّة، ﴿فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلۡيَمِينِ﴾؛ سلام الله من أصحاب اليمين. فهذه جماعة أيضًا. 

  • المقرّبون 

  • والجماعة الأخرى هم الذين نفضوا أيديهم من كلّ تعلّق سواه! وأغمضوا أعينهم عن كلّ ما سواه! وكلّ ما سواه حتّى النعم الإلهيّة والحجب النوريّة وضعوه جانبًا، ولم يشاهدوا شيئًا سوى جماله، ولم يطووا طريقًا سوى طريق لقائه، ولم ينظروا إلى مقصد سوى الوصول إليه، ولم يخطر في مخيّلتهم شيء سوى الفناء في ذاته! فهؤلاء مقرّبون ﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡمُقَرَّبِينَ ، فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ﴾.٣

  • أسباب اختلاف مراتب الناس

  • فللناس مراتب مختلفة وحالات متفاوتة إذن، وهكذا الذين يسيرون في الطريق الحقّ ومسير الصدق يتفاوتون أيضًا من حيث الاهتمام بالأمر ومقدار ما يعطون من الأهميّة، والجدّ والعزم يختلف. فبعض أهل هذه الجماعة ينظرون إلى الأمور وإلى الدين نظرة بسيطة ويعجبهم الدين الذي يتركّز على الأعضاء والجوارح ولا يرتقي فكرهم إلى أكثر من هذا، أو أنّهم هم أنفسهم لا يريدون ترقيته. لقد قبلوا بإله بمستوى الفكر البسيط والعاميّ. وليس لديهم اهتمام بالخصوصيّات والمعارف الإلهيّة. فأيّ دين هو ذلك الدين؟ إنّه دين العجائز الذي يقول عنه النظامي: 

    1. سورة التوبة (٩) الآية ١٠٢. 
    2. سورة الواقعة (٥٦) الآية ٩٠و ٩١. 
    3. سورة الواقعة (٥٦) الآية ٨٨ و ٨٩. 

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

8
  • از آن چرخه كه گرداند زن پیر***قیاس چرخِ گردنده همان گیر۱
  • يقول: على تلك العجلة التي تديرها العجوز تقاس *** حركة الأفلاك، فاقتصر على هذا

  • ما إن يعتقد الإنسان بالصانع وبالله فهذا يكفيه ويقنع نفسه بذلك ويتوقّف، مجرّد تصوّر أنّ لنا إلهًا يشبعه فينصرف إلى مسائل أخرى ويرجع إلى مسائل الدنيا ولا يتابع ذاك الأمر. يعتقد أنّ الأمر ينتهي بمجرّد أنّ لنا إلهًا خلقنا وأنّ هناك معادًا. فهذه أيضًا جماعة، ولكن جماعة من؟ جماعة العجائز. 

  • ما معنى عليكم بدين العجائز؟

  • ربّما كان مراد أمير المؤمنين عليه السلام من عَلَیكم بِدینِ العَجائِز٢ في قصّة تلك العجوز٣ هو أنّ الحدّ الأنى للدين الذي يجب أن يكون لكم هو دين هذه العجوز، أي اثبتوا أنتم أيضًا على هذه المرتبة التي ثبتت فيها وتمركزت هذه العجوز وتوقّفت عليها بيقين، ولكن هل حقًّا يدعونا أمير المؤمنين إلى هذا المقدار؟! 

  • از آن چرخه كه گرداند زن پیر***قیاس چرخ گردنده همان گیر
  • يقول: على تلك العجلة التي تديرها العجوز *** تقاس حركة الأفلاك، فاقتصر على هذا

  • هل معناه هو هذا؟ هل هذا هو ما جاء حول سلمان والخواص من أصحاب رسول الله وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام؟! هل هذه المعارف التي وردت عن الأئمّة عليهم السلام هي لهؤلاء العوامّ ولهؤلاء العجائز؟! هل تلك الأسرار التي لم يكن الأئمّة عليهم السلام يجدون لها محلاًّ واختاروا بعض أصحابهم واصطفوهم لإلقائها هي هذا الدين أم أنّ الأمر يختلف؟! فهذه المعارف التي وردت عن الأئمّة عليهم السلام لمن كانت إذن؟! 

  • جهان، آنِ تو و تو مانده عاجز***ز تو محروم‌تر كس دیده هرگز؟!
  • چو محبوسان به یك منزل نشسته***به دست عجز پای خویش بسته
  • چه كردی فهم از دین٤ العجائز***كه بر خود جهل می‌داری تو جایز؟!
  • يقول: 

  • العالم ملك لك وأنت بقيت عاجزًا *** فهل هناك من هو أكثر منك حرمانًا؟! 

  • جلست في منزل واحد كالسجناء *** وقيّدت رجلك بيد العجز

  • ماذا فهمت من حديث "دين العجائز" *** حتّى أجزت الجهل لنفسك؟!

    1. خ.ل: از آن گیر.
    2. كلّیات حكیم نظامی گنجوی، ج ١، بخش ٢، ص ٨١.
    3. راجع معرفة الله، ج ١، ص ۱٩٦، التعلیقة۱ .
    4. خ ل: ازین دین.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

9
  • دين العجائز هو ذلك الدين الذي يدرك فيه الإنسان من خلق العالم ومن وجود الله إدراكًا ما، فماذا عن بقيّة الأمر؟! فهذا ليس بشيء ذي بال! هذا ليس تكاملاً! هذه ليست معرفة! وحقًّا هذه الأشعار رفيعة المستوى! يقول: 

  • نشستی چون زنان در كوی ادبار***نمی‌داری ز جهل خویشتن عار
  • والمعنى: جلست كالنساء في زقاق الشقاء *** لا ترى عارًا على نفسك في الجهل

  • ألقيت ستار الجهل على وجهك، فصار مانعًا لك من الكمالات. وصرت أسيرًا في تلك الدائرة كالعنكبوت في داخل خيوطه، لقد جعل الله فهمك وإدراكك رفيعًا، وجعل في وجودك وسائل الهداية، فأخرج هذه الوسائل واستعمل تلك الأدوات لتخرج نفسك من دائرة العرف والعوام. 

  • میاسا روز و شب اندر مراحل***مشو موقوف همراه رواحل
  • يقول: لا تتوقّف الليل والنهار في المراحل *** ولا تكن متوقّفًا مع الدواب والرواحل

  • فهذه القوافل تسير، فلا تجعل نفسك متوقّفًا مع الرواحل، هذه القوافل كلّ منها يسير نحو اتّجاه معيّن وليس من المعلوم أنّ قافلة المجتمع وقافلة الزمان متّفقة في طريقها معك وتريد ما تريده أنت من الهدف والغاية المقصودة. 

  • خلیل‌آسا برو حق را طلب كن***شبی را روز و روزی را به شب كن۱
  • يقول: 

  • ابتغ الحقّ وكن كالخليل *** وصِلْ في بحثك الليل بالنهار والنهار بالليل٢

  • معنى ضلال الناس بواسطة الأصنام في القرآن

  • كيف كان قوم إبراهيم والناس يعيشون في زمانه وفي أيّة حالة كانوا؟ّ نحن الآن نتعجّب من أوضاع الناس في زمان الأنبياء ونقول: أفيمكن أن يعبد قوم الأصنام؟! أفيمكن أن يترك قوم ما الاعتقاد بألوهيّة الصانع وربوبيّته؟ في حين أنّنا نحن مبتلون بعبادة الأصنام وهناك آلاف الأصنام وآلاف الأفكار الباطلة التي تمنعنا من الوصول إلى الهدف المنشود، هي موجودة في داخل أنفسنا، آلاف الآلهة المصنوعة والمنحوتة قد علّقناها في أيدينا وأرجلنا! 

  • يقول النبيّ إبراهيم على نبيّنا وآله وعليه السلام في الآية: ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضۡلَلۡنَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ﴾؛٣ يا ربّ هذه الأصنام أضلّت الناس، فهل مراد النبيّ إبراهيم هو هذه الأصنام الظاهريّة؟! فذلك النبيّ رغم مقامه وعظمته يقول في مقام الدعاء والاستغاثة: هذه الأصنام المنحوتة من الخشب والحديد أضلّت الناس! المراد من هذه الأصنام جواذب عالم الدنيا التي تقوّي تعلّق الإنسان بعالم الدنيا، هذا الصنم هو الذي يريده النبيّ إبراهيم، لذا إذا نظرنا إلى هذه الآية بدقّة بلاغيّة وأدبيّة نرى أنّه لا يقول: إنّها، بل ﴿إِنَّهُنَّ﴾ وهي تستعمل للمؤنّث العاقل، أي إنّ هذه الأشياء الموجودة في الدنيا لها من الجاذبيّة والفتنة حدًّا كأنّها تمتلك عقلاً ومكرًا وحيلة وتجربة لأجل انحراف الناس، ومن حيث تعلّقها بالنفس لها تدبير وإرادة وتعقّل، وهي تحفظ الإنسان في دائرة البعد عن الله، ولسيت مجرّد موجود ثابت وراكد وساكن، بل لها احتيال ومكر وجذب وتقتلع العقل والفكر. 

    1. أبیات مختارة من گلشن راز، ص ٢٦ و ٢٧.
    2. راجع حول شرح هذه الأبيات وسائر أبيات القصيدة: معرفة الله ج۱ ص ۱۸٩. 
    3. سورة إبراهیم (١٤) الآية ٣٦.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

10
  • ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُۥ مِنِّي﴾؛۱ كلّ من سار على أثري فهو منّي. وأن يجعل الإنسان مقصوده ومقصده وراء هذه الأمور أمر لا يحصل إلا للأقلّين عددًا، وهذا هو الأمر الذي تبحث عنه رسالة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام. 

  • نقد استدلال أحد كبار علماء النجف على عدم الحاجة إلى الاهتمام بالمعارف الإلهيّة

  • ينقل عن الشيخ محمّد على الكاظمي الذي هو من كبار النجف وعلمائها أنّه كان يقول: 

  • إنّما لا نهتمّ بالعلوم والمعارف الإلهيّة والحكمة لأنّ هذه المسائل ليست لها أيّة ضرورة للعبد في مقام العبادة والعبوديّة، فعلى العبد في مقام العبوديّة أن يقوم بالعبوديّة، فما شأنه بأنّ المولى من هو؟! ما شأنه بأنّ المولى بأيّ أسماء وصفات يتّصف؟ هل لمولاه أسماء وصفات كليّة أم لا؟ كيف يتنزّل الوجود والأسماء الكليّة؟ كيف هي المراتب العالية؟ على العبد أن يؤدّي عبوديّته ولا ينبغي أن يكون له شأن بهذه الأمور.

  • هذا الكلام خاطئ جدًّا وبعيد جدًّا عن الواقع! فنحن نقبل أيضًا بأنّ على العبد أن يؤدّي العبوديّة ولكن هل كلّ العبيد في مرتبة واحدة؟! أليس لدينا عبيد آبقون؟! أليس لدينا عبيد خارجون عن دائرة المولويّة ويفعلون ما يريدون؟! أليس لدينا عبيد ذوو مراتب مختلفة من العلم والاعتقاد والصفاء والخلوص؟! نعم يجب علينا أن نكون في مقام العبوديّة، ولكن كم من الفارق بين العبد الذي فتح الله عينه وأوصله إلى مقام اليقين والمعرفة وشمله خطاب أشهدُ أنّ محمّدًا عبدُه ورسولُه و ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا﴾٢ وبين ذلك العبد الذي لا يملك أيّ نوع من البصيرة والمعرفة ولديه كدين العجائز اعتقاد ساذج قد رضي به دينًا! وعندها نجد أنّ نتيجة ذلك أنّه في الأمور والقضايا والفتن وفي تلك الموارد المعقّدة والظروف التي تسبّب فيها الأحوال المختلفة نتائج اعتقاديّة مختلفة للإنسان، نجد أنّ هذا الإنسان يستطيع أن يتابع طريقه برؤية واضحة وبصيرة مؤكّدة ويقين كامل الوضوح مضيء وقلب مستنير منير، كما يمكنه أن يهدي الآخرين وأن يكون له إشراف على ما وراء الستار وعلى جميع الزوايا والانحرافات! أمّا ذلك العبد الآخر الذي هو أيضًا في مقام العبوديّة فإنّه في هذه الأوضاع والأحوال يضلّ هو ويُضلّ خلقًا آخرين. 

    1. سورة إبراهیم (١٤) الآية ٣٦.
    2. سورة الإسراء (١٧) الآية ١. 

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

11
  • العبد عبد، ولكن أيّ عبد؟ فإذا كان على الإنسان أن يكتفي بهذه الأمور وبهذا الاعتقاد الظاهريّ، فلمن جاءت هذه العلوم والمعارف عن أهل البيت وأمير المؤمنين وسائر أولاده وفي القرآن الكريم والتي لمّا ينكشف كثيرٌ منها بعد حتّى للأعاظم؟! هل جاءت لأجل دين العجائز؟! هل جاءت لمجرّد العبوديّة؟ وتلك المقامات التي هي لخواصّ أصحاب الأئمّة كسلمان وجابر بن يزيد الجعفيّ وميثم التمّار وسعيد بن جبير وأمثالهم هل كانت تشاهد عند سائر الأصحاب؟! لماذا لم يقل لهم الأئمّة لا حاجة إلى هذه العلوم ويكفيكم دين العجائز هذا ولا تبحثوا عن الأمور الأخرى؟! 

  • فإذن هذا الكلام خاطئ كلّه وبعيد عن الموازين المنطقيّة والعلميّة والشرعيّة والاعتقاديّة والإلهيّة. 

  • ضرورة تحصيل مقدّمات الحركة في طريق الكمال

  • فإذن على الإنسان أن يختار لأجل الوصول إلى هذا الأمر وهذه النقطة وهذه القمّة الأسباب والأدوات اللازمة لهذا الوصول، فلا يكفي ذلك المقدار المختصّ بدين العجائز، ولا يكفي مجرّد صلاة ظاهريّة وصيام ظاهريّ! ومجرّد اعتقاد جامد بالمبدأ والمعاد لا ينتج نتيجة، بل إنّ هذا الطريق يطلب أمورًا ويقتضي شيئًا آخر، نعم كلّ من أراد أن يسير في هذا الطريق فالأمر واضح، إذا أراد أن يصلّي صلاة تقتصر على أداء الكلمات والإتيان بتكاليف الأعضاء والجوارح فسينتهي الأمر هنا. إذا أراد أن يصوم صيامًا يقتصر على الإمساك ولكن فيه الغيبة والتهمة وألف عمل قبيح وحتّى الذهاب إلى مجالس اللهو واللعب والمحرّمات فإنّ صيامه صحيح! ولو كان ذهنه ونفسه في أثناء الصلاة مشغولين بألف جانب ويميل يمينًا ويسارًا ولا يتلفت أصلاً إلى ذلك المبدأ والمعبود، فتلك الصلاة صحيحة! إنّها عين صلاة الرسالة العمليّة التي يوصى بها لمجرّد أداء التكليف، ولكن هذه الصلاة هي صلاة في الواقع؟! هل هذا الصيام هو صيام في الحقيقة؟! 

  • فإذن الذهاب إلى هناك، والحركة نحو تلك النقطة والوصول إلى ذلك المقصود وذلك الكمال يحتاج إلى طريق آخر، على الإنسان أن يكون هنا ملتفتًا تمامًا! لا يمكنه أن يخطو في أيّ مكان شاء، بل عليه في كلّ نقطة أن يخطو وفق التكليف اليقينيّ، وأن يستعمل علمه وفهمه وإدراكه وعقله وأن يستفيد من أهل الخبرة والبصيرة في هذه الأمور وعليه أن يكون مطّلعًا على نهاية ذلك التكليف! 

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

12
  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: 

  • كن فِی الفِتنَةِ كابنِ اللَّبونِ؛ لا ظَهرٌ فَیُركبَ، و لا ضَرعٌ فَیُحلَب؛۱

  • كن في الفتنة كصغير الجمل لا ظهر له ليحملوا عليه الأمتعة، ولا يمكن أن يستفاد من لبنه. 

  • هذا لأنّ التكليف هنا مشتبه، فلا يمكن للإنسان أن يخطو في أيّ مكان وأن يقوم بما يخطر في باله فحسب، لا قدّر الله أن نكون من مصاديق هذه الآية الشريفة: ﴿قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا ، ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا﴾٢ أي الذين ضاعت جهودهم ومساعيهم في الحياة الدنيا وأعمالهم العشوائيّة والناشئة من الجهل ولكن يخيّل إليهم أنّهم قاموا بعمل صالح. فهكذا هي حقيقة الأمر. 

  • موارد كن في الفتنة كابن اللبون

  • لذلك لا بدّ في كلّ موضع من العمل وفق التكليف، وعندما يكون الأمر مشتبهًا ويكون محور النزاعات أمرًا نفسانيًّا، والظروف والأرضيّة والأجواء مناسبة لتبادل الأهواء والأمور النفسيّة، ولا كلام عن الله، ودائمًا الأجواء للتجاذبات، فهذا يجرّ إلى نفسه وذاك يجرّ إلى نفسه، ففي مثل هذه الأجواء كن فِی الفِتنَةِ كابنِ اللَّبونِ انأ بنفسك عن الأمور ولا تدخل في هذه الفتن! 

  • ولكن في المقابل إن كانت هناك أجواء مناسبة للعمل والنشاط فلا بدّ من العمل، تمامًا كما لو أنّ الإنسان كان على يقين من طريقه كأن يكون في زمان الإمام المعصوم عليه السلام فالإحجام هنا والسكوت والتوقّف واختيار زاوية العزلة أمر باطل. 

  • وقد حدث هذان الأمران في تاريخ الإسلام، فانظروا بعد رسول الله جاء أمير المؤمنين عليه السلام وبيّن الأمر، ولكنّ أكثر الناس لم يقبلوا واختار الإمام العزلة. فهنا الامتزاج بذلك التيّار خطأ، بل علينا أن ننظر إلى أمير المؤمنين ونرى ماذا يفعل لكي نفعل مثله نحن أيضًا، وعلينا أن لا نستنكف عن أوامره، وعندما تصل الخلافة إلى أمير المؤمنين فيجب عدم الجلوس في المنزل، بل لا بدّ من الخروج ومساعدته. 

  • قصّة سكوت سعد بن أبي وقّاص واعتزاله 

  • لقد كان لسعد بن أبي وقّاص وجاهة خاصّة في الإسلام ٣، وهو أبو عمر بن سعد. وهذا الرجل لم يبايع أمير المؤمنين في زمان إمارته وحكومته! قال: أنا لم أبايع الخلفاء السابقين ولا أبايعك أنت أيضًا. وأعرض ونأى بجانبه ٤ فلماذا نأى؟ لأنّه كان يرى أمير المؤمنين مساويًا له وقرينًا له، لذلك كان يقول صراحة: إن كان لا بدّ من الخلافة فلا بدّ أن تكون الخلافة لي! الخلافة شأني أنا، وأنا اللائق بها والآخرون قد غصبوها. ولذلك ابتعد عن أمير المؤمنين. ٥ 

    1. نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٤٦٩.
    2. سورة الكهف (١٨) الآية ١٠٣ و ١٠٤. 
    3. راجع الاستيعاب، ج ٢، ص ٦٠٧.
    4. راجع الكامل، ج ٣، ص ١٩١.
    5. راجع الجمل، شیخ مفید، ص ٩٥ و ٩٧.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

13
  • ونتيجة هذا الابتعاد أنّه بعد أمير المؤمنين ذهب إلى قصر معاوية متكدّيًا، وقد حاجّه معاوية وقال له: يا سعد ماذا تقول عن أمير المؤمنين؟ عليك أن ترتقي المنبر وتسبّ عليًّا! فقال سعد: لقد سمعت من رسول الله أربعًا لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس. وبدأ بتعداد تلك الأشياء الأربعة لمعاوية. فقال له معاوية: يا سعد لماذا تركت عليًّا بعد الذي سمعت من النبيّ؟! فقال سعد كذبًا ومحاجّة لمعاوية: أنا لم أسمع! وإنّما رأيت الفتن من كلّ ناحية فنأيت بنفسي لأبتعد عن نزاع المسلمين ولا تتلوّث يدي بدمائهم. فقال له معاوية الداهية: إنّ ما تقوله في عليّ لا يبرّئ ذمّتك، أنت تنقل هذه الأشياء عن عليّ ثمّ تتركه، ثمّ تأتيني بذرائع!۱

  • علينا أن ندقّق جيّدًا، لأنّ هذا الأمر هو لكلّ واحد منّا! وللمرحوم العلاّمة في هذا المجال كلام عجيب ومهمّ يقول فيه: 

  • أتبتعد يا سعد عن عليّ وتترك عليًّا وحده! أكنت من وجهاء أصحاب رسول الله أم لم تكن؟! أكنت أميرًا على الرماة في المعركة أم لم تكن؟! ٢ أيعرفك الجميع بأنّك أحد الشجعان في صدر الإسلام أم لا؟! فبما أنّك كنت في هذه المكانة وبهذه الشخصيّة والشأن الذي يجعلك صاحب نفوذ قويّ في الناس وهم يحسبون لك حسابًا فلماذا تركت عليًّا وحيدًا؟! لو أنّك كنت في معركة صفّين أو الجمل وأمثالهما مع عليّ هل كان استشهد أويس وعمّار؟! هل كان سيسفك كلّ هذه الدماء للمسلمين؟! فأنت بسكوتك وابتعادك أفسحت المجال لنفوذ الشيطان في الغافلين والجاهلين!٣ 

  • لا تتصوّروا أنّ سكوتنا ينهي الأمر، كلاّ! فبمقدار ما يؤثّر دور المخالفين والمعاندين في هدم المعتقدات والمباني الأصيلة فإنّ سكوتنا أيضًا هو سكوت خائن ويهيّئ المجال لغفلة الغافلين وجهل الجاهلين، فلو أنّ أهل الشام وأهل الجمل رأوا سعدًا في جيش أمير المؤمنين لربّما تغيّرت الأحوال. 

  • فإذن هذه هي النقطة التي يأتي الشيطان فيها ويخدع الإنسان ويقول: ابتعد بنفسك عن الأمور وأعدّ لنفسك الهدوء والتنعّم والراحة لتبقى في أمان من المشاكل. 

  • فإذن لا بدّ من العمل بالتكليف. ففي المورد الذي على الإنسان أن لا يفعل ولا يتدخّل عليه أن لا يذهب ولا يتدخّل! وفي المورد الذي لا يُقبل من الإنسان كلام وتصبح الأمور أكثر إشكالاً وأصعب وتنشأ فتنة ويستمرّ الأمر على ما كان عليه ولا يكون للإنسان سوى الأذى فهنا على الإنسان أن يكون في الفتنة كابن اللبون أمّا في المورد يؤدّي حضور الإنسان إلى نقطة إيجابيّة في تثبيت المسار الصحيح والحقّ فإنّ الفراق والانعزال حرام ويعدّ خيانة! هذا هو العمل بالتكليف. 

    1. مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج ٣ ص ۱٤: حدث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن حميد الرازي، أبي مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، قال: لما حج معاوية طاف بالبيت ومعه سعد، فلما فرغ انصرف معاوية الى دار النَّدْوَة، فأجلسه معه على سريره، ووقع معاوية في علي وشرع في سَبَّه، فزحف سعد ثم قال: أجلستني معك على سريرك ثم شرعت في سب علي، والله لأن يكون في خصلة واحدة من خصال كانت لعلي أحب الي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس: والله لأن أكون صهراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لي من الولد ما لعلي أحب إلى من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ما قاله يوم خيبر: «لأعطيَنَّ الراية غداً رجلا يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، ليس بِفَرَّار يفتح الله على يديه» أحبُّ الي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، والله لأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ما قال له في غزوة تبوك: «ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي» أحبُّ الي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، وأيم الله لا دخلت لك داراً ما بقيت، ثم نهض. ووجدت في وجه آخر من الروايات، وذلك في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار، عن ابن عائشة وغيره، أن سعداً لما قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضَرَطَ له معاوية، وقال له: اقعد حتى تسمع جواب ما قلت، ما كُنْتَ عندي قط ألأم منك الآن، فهلا نصرته، ولم قعدت عن بيعته؟ فاني لو سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت، فقال سعد: والله إني لأحق بموضعك منك، فقال معاوية: يأبى عليك ذلك بنو عذرة، وكان سعد فيما يقال لرجل من بني عذرة. 
    2. راجع الإستیعاب، ج ٢، ص ٦٠٧.
    3. راجع مبانی تشیّع (فارسي)، ص ١٤٢ و ١٤٣.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

14
  • بيان النبيّ الحقائق للناس واختلاف فهمها

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام عليكم أن تكونوا هكذا لتكونوا في زمرة المقرّبين ونعطيكم جميع ما أعطانا الله، لقد بيّن أمير المؤمنين الطريق ولكن نفوسنا تغطّي الأرضيّة المناسبة وتجعلها ملائمة لما يناسبها وتعمل على توجيهها. 

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: ما أسرّ إليَّ رسول الله صلّی الله علیه و [آله] وسلّم شیئًا كتَمَه عَن النّاسِ إلاّ أن یُؤتيَ الله عزّ وجلّ عبدًا فهمًا فی كتابه.۱

  • لم يخصّني النبيّ بأمر ولم يفشِ إليّ بسرّ كتمه عن الناس اللهمّ إلا أن يعطي الله عبده فهمًا خاصًّا لكتابه. 

  • أي إنّه بيّن جميع الأمور، وأوجد للنّاس كلّ الظروف المناسبة، ولكنّ الأفهام متفاوتة وأيادي الشيطان كثيرة والنفوس والأهواء النفسيّة هنا تصول وتجول وتلعب أدوارًا وتأخذ الناس إلى طرق مختلفة. 

  • قطع التعلّقات الماديّة والمعنويّة وطريق الوصول إلى الذات 

  • يقول حافظ: 

  • تو كز سرای طبیعت نمی‌روی بیرون***كجا به كوی طریقت گذر توانی كرد
  • جمال یار ندارد نقاب و پرده ولی***غبار ره بنشان تا نظر توانی كرد
  • يقول: يا من لا يخرج من منزل الطبيعة *** متى يمكنك أن تسير في طريق الطريقة؟

  • جمال الحبيب لا نقاب له ولا ستار ولكن *** أرنا غبار الطريق [علامة على كدّك إليه] لكي يمكنك أن تنظر إليه 

  • فيا من لا يخرج من منزل الطبيعة والتعلّقات بالمادّة متى يمكنك أن تسير في طريق الطريقة؟! 

  • لماذا كلّ ذلك؟ لأجل الغبار الذي أوجدناه نحن، لأجل الظلمات التي جعلناها دائمًا على أنفسنا، وعندما تأتي الظلمة فمن الطبيعيّ أن يخرج النور، وعندما تأتي الكدورات وتعلّقات الدنيا فمن الطبيعيّ أن يغلق عالم الأرواح وعالم الأنوار بابه. فعالم الأنوار له مقامه الخاصّ، عالم القدس وعالم الوصول وحريم الأمن الإلهيّ له مقامه الخاصّ وليس هناك حاجة إلى الدعوة، نحن علينا فقط أن نقطع التعلّق لنرى في تلك اللحظة بعينها أنّ لدينا إحساسًا بالخفّة؟ نحن علينا فقط أن نحوّل فكرنا عن الدنيا حينها لنرى أنّ لله حضورًا. فهذا أحد الأمور. 

  • ولكنّه في تتمّة شعر آخر له حول المخلصين الذين هم أهل محاسبة ودقّة يقول: 

    1. قوت القلوب، ج ١، ص ٩٢؛ إحیاء علوم الدین، ج ٣، ص ١٢٢.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

15
  • ولی تو تا لب معشوق و جام مِی خواهی***طمع مدار كه كار دگر توانی كرد۱
  • يقول: مادمت تطلب شفاه المعشوق والكأس *** فلا تطمع أن يكون لك عمل آخر

  • يعني ما دمت تبحث عن الوصول إلى النعم الإلهيّة وفيوضات ذلك العالم والمكاشفات الروحانيّة والصور المعنويّة وأعلى عليّين والحور العين والغلمان ومرافقتهم فإنّ هذا يصرفك حتّى عن ذكر ذلك الهدف أيضًا.

  • كم هو رائع هذا البيان! يقول: إن كنت تريد الوصول إلى تلك النقطة وإلى تلك القمّة، فاترك حتّى ما هو أدنى منها، أي ليس الدنيا فقط فهي ليست بشيء إنّها ظلمة، بل عليك أن تصرف النظر عن الوصول إلى تلك النعم الإلهيّة في مظاهر الجمال وفي نزول الأسماء الجماليّة في عوالم الملكوت والجبروت والمثال! 

  • ولی تو تا لب معشوق و جام مِی خواهی***طمع مدار كه كار دگر توانی كرد
  • ما هو ذاك العمل الآخر؟ إنّه الوصول إلى الذات! لا مزاح لدى الأعاظم! فهذا كلّه حقّ! لقد ساروا هم ووصلوا والآن يخبروننا. 

  • ماذا فعل النبيّ موسى؟ النبيّ موسى لم يكتف بالوصول إلى النبوّة. فقد جعل الله موسى نبيًّا وأوصله إلى مقام الوحي وجعل في قلبه من أحكامه ومبانيه ومعارفه وأرسله للهداية. فهذا كلّه له مكانته الخاصّة، ولكن لم تنته بعد المراتب الكماليّة للنبيّ موسى. فرغم أنّ النبيّ موسى بين الناس، ورغم أنّه يعمل بالتبليغ ورغم أنّه بإرادة الله وإذنه وأمره، ولكن هناك أمور أخرى لأجلها يقول الله: عليك أن تقوم وتبتعد عن قومك وتخرج، عليك أن تترك هذه التعلّقات، عليك أن تبتعد قليلاً عن الكون بين الناس: ﴿وَوَٰعَدۡنَا مُوسَىٰ ثَلَٰثِينَ لَيۡلَةٗ وَأَتۡمَمۡنَٰهَا بِعَشۡرٖ﴾؛٢ أي إنّنا جعلنا موعدًا للّقاء مع موسى أن ابتعد عن قومك! ألم يكن بإمكان الله أن يجعل للنبيّ موسى هذه المعارف وهذه الكمالات وهو بين الناس يعمل بالتبليغ؟ كان بإمكانه، ولكنّ نظامه نظام آخر، نظامه يقتضي طريقًا خاصًّا! وعلى النبيّ [محمّد صلّى الله عليه وآله] أن يمضي إلى غار حراء لكي يصل إلى هذا المقام، وعلى موسى أن يبتعد عن قومه كيلا يسمع الضجيج والذهاب والإياب كي يصل إلى هذا المقام. 

    1. دیوان حافظ (قزوینی)، غزل ١٤٣.
    2. سورة الأعراف (٧) الآية ١٤٢. 

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

16
  • وصيّة أمير المؤمنين لمالك حول العلاقة مع الله

  • يخاطب أمير المؤمنين مالكًا في عهده المعروف له: 

  • وَ اجعَل لِنَفسِك فیما بَینَك و بَینَ اللهِ [تعالی] أفضَلَ تلك المَواقیت و أجزَلَ تلك الأقسام، وَ إن كانَت كلُّها لِلَّهِ إذا صَلُحَت فِیها النِّیَّةُ و سَلُمَت مِنها الرّعیّة.۱

  • أي اجعل لنفسك القسم الأوفر وإن كانت جميع هذه الأعمال لأجل الله. 

  • الأمر دقيق جدًّا، يقول الإمام: أعلم أنّ نيّتك خالصة، وأعلم أنّك مضيت من قبلي لمعالجة أمور هؤلاء الناس وأنت تقوم بتكليفك في ذلك، ولكنّ التكاليف مختلفة، ولكلّ تكليف مكانه الخاصّ، فطعام الفطور لا يغني عن طعام الغداء، والماء الذي شربته صباحًا لا يغنيك عن الماء الذي تظمأ إليه بعد الظهر. والتنفّس الذي تتنفّسه هذه اللحظة لا يغنيك عن التنفّس اللاحق، والصلاة التي تصلّيها الصبح لا تغنيك عن صلاة الظهر والمغرب والعشاء، فلكلّ مقامه، ولكلّ أثره الخاصّ، أي لو أراد مالك أن يقضي جميع أوقاته بالعزلة ويجعل جميع الأوقات أفضل الأوقات ولا يلتفت إلى شأن الناس فإنّه سيبقى ناقص الوجود ولا يصل إلى الكمال، وإذا أراد أن يقضي أوقاته كلّها بمعالجة أمور الناس ولا يلتفت إلى أفضل أوقاته وإلى الاهتمام بنفسه والخلوة بالله في زاوية العزلة وبعيدًا عن الناس فإنّه لن يصل إلى الكمال أيضًا. 

  • يقول أمير المؤمنين: شؤون الناس وخدمتهم لها مكانها، ولكن الاهتمام بنفسك أيضًا له مكانه. 

  • وَ اجعَل لِنَفسِك فیما بَینَك و بَینَ اللهِ [تعالی] أفضَلَ تلك المواقیت و أجزَلَ تلك الأقسامِ 

  • الإمام لا يقول ساعة في الليل والنهار، بل يقول أفضل ساعة في الليل والنهار اجعلها لنفسك، وَإن كانَت كلُّها لِلَّهِ إذا صَلُحَت فِیها النّیةُ رغم أنّها كلّها لله والله يعطيك عليها كلّها الأجر وتسبّب تكاملك وسعتك الوجوديّة، ولكن لكلّ شيء مكانه الخاصّ. 

  • وقد روى أهل السنّة عن النبيّ الأكرم أنّه قال: 

  • لَولا تَكثیرٌ فی كلامِكم و تَمریجٌ فی قُلوبِكم لَرَأیتُم ما أرَی و لَسَمِعتُم ما أسمَع؛٢ 

  • فلولا وجود هذا الذهن الحيران عندكم وكثرة الكلام في اللسان لرأيتم ما أرى ولسمعتم ما أسمع. 

    1. نهج البلاغة (صبحی صالح)، ص ٤٤٠. 
    2. مسند احمد بن حنبل، ج ٥، ص ٢٦٦، (باختلاف)؛ كنز العمّال، ج ۱٥، ص ٦٤٣، (باختلاف)؛ رساله لبّ اللباب، ص ٣٩. أنوار الملكوت، ج ١، ص ٧٧؛ المیزان، ج ٥، ص ٢٧٠.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

17
  • أي إنّ هذا الطريق يحتاج إلى مراقبة، هذا الطريق يحتاج إلى جهد، ولأجل الوصول إلى هذا الطريق وهذا المقصود، على إبراهيم الخليل أن يؤدّي امتحاناته ويذبح في مثل هذا اليوم إسماعيله: ﴿وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗا﴾.۱ 

  • وهذا الأمر لا يختصّ بالنبيّ إبراهيم عليه السلام، بل هو على صلة بكلّ واحد منّا، كلّ واحد منّا إذا أردنا هذه المرتبة وأن نصل إلى هذه النقطة فعلينا أن نعلم أنّ الطريق الذي جعله الله للماضين قد جعله لنا أيضًا، فمن شاء فليتفضّل فالطريق مفتوح! 

  • معنى صبّار شكور

  • فهل التفتنا الآن ما معنى ﴿صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾؟! الوصول إلى هنا يحتاج إلى صبر، لا الصبر المتعارف بل أعلى من الصبر وفوق التحمّل! وقد قيل قديمًا: كلّ من يعطي من المال أكثر يعطى من الطعام أكثر. إن شئتم دين العجائز فسيكون نصيبكم في ذلك العالم أيضًا بهذا المستوى، أمّا إذا أردنا ما أراده الأعاظم وما بحث عنه النبيّ موسى والنبيّ إبراهيم فإنّه يحتاج إلى الاتّصاف بصفة الصبّار، علينا أن نصبر كثيرًا، علينا أن نتحمّل كثيرًا، وعلينا أن نطلب التوفيق للصبر وللتحمّل منه أيضًا. 

  • وبما أنّ الله ابتلى الإنسان فإنّه يقول: اشكر على هذا البلاء أيضًا ولا تقتصر على الصبر وحده، أو أن تصبر وتشتم وتسيء الكلام! أو تصبر وفي قلبك تتأفّف! كلا يا عزيزي اصبر وقل ما شاء الله كم هو جميل! اصبر واشكر على البلاء! حينها تصبح شكورًا! فإذن يحتاج إلى صبر من جهة، كما يحتاج إلى شكر، ولكن ما هي النتيجة؟ أمّا النتيجة فيجب إن شاء الله ببركة إمام الزمان ومساعدة وإرشاد مقام الولاية أن يوصلنا الله جميعًا لكي نرى ما هي نتيجة ذلك. 

  • نتيجة ذلك هي إعطاء مقام التوحيد الذي أعطاه الله في هذه الأيّام العشرة للنبيّ موسى في جبل الطور، فالنبيّ موسى لم يلق القليل من العناء: 

  • شبان وادی ایمن گهی رسد به مراد***كه چند سال به جان خدمت شعیب كند٢
  • يقول: إنّ راعي الوادي الأيمن يصل إلى المراد *** بعد أن يقضي سنوات في خدمة شعيب

    1. سورة البقرة (٢) الآية ١٢٤. 
    2. دیوان حافظ (قزوینی)، غزل ١٨٨.

حاجة طريق الله إلى المراقبة والصبر والشكر - خطبة عيد الأضحى لعام ۱٤۲۱ هـ

18
  • وسائر الأمور التي تعرّض لها. هذا الذكر هو إلقاء مقام معرفة التوحيد الذي حصل للنبيّ موسى بواسطة ذلك الأربعين، فقد كنّا نقرأ في تهليلات هذه العشرة:

  • لا إلهَ إلّا اللهُ عَدَدَ اللَّیالی و الدُّهورِ، لا إلهَ إلّا اللهُ عَدَدَ أمواجِ البُحورِ، لا إلهَ إلّا اللهُ و رَحمَتُهُ خَیرٌ مِمّا یَجمَعونَ، لا إله إلّا اللهُ عَدَدَ الشَّوك و الشَّجَرِ، لا إلهَ إلّا اللهُ عَدَدَ الشَّعرِ و الوَبَرِ لا إلهَ إلّا اللهُ عَدَدَ الحَجَرِ و المَدَرِ، لا إلهَ إلّا اللهُ عَدَدَ لَمحِ العُیونِ، لا إلهَ إلّا اللهُ فی اللَّیلِ إذا عَسعَسَ و الصُّبحِ إذا تَنَفَّسَ، لا إلهَ إلّا اللهُ عَدَدَ الرّیاحِ فی البَراری و الصُّخورِ، لا إلهَ إلّا اللهُ مِنَ الیَومِ إلَی یَومِ یُنفَخُ فی الصّوَرِ.۱

  • فهذا كلّه إلقاء مقام التوحيد الذاتي، لذا علينا أن نعظّم هذا الأربعين، وخصوصًا هذه العشرة من ذي الحجّة ذات الآثار والتنزّلات والجذبات التوحيديّة العجيبة جدًّا. 

  • اللهمّ إنّا نَرغَبُ إلَیك فِی دَولَةٍ كرِیمَةٍ تُعِزُّ بِها الإسلامَ و أهلَهُ و تُذِلُّ بِها النِّفاقَ و أهلَهُ وتَجعَلُنا فِیها مِنَ الدُّعاةِ إلَی طاعَتِك و القادَةِ فی سَبِیلِك و تَرزُقُنا بِها كرامَةَ الدُّنیا والآخِرَةِ.٢

  • اللهم اجعل هديّة عيدنا اليوم ظهور إمام الزمان عليه السلام وفرجه، اجعل هديّة عيدنا ظهور حكومة عدل مقام الولاية. تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النفاق وأهله، وتقطع بها أيادي الشيطان كلّها ويكون الطريق إليك ممهّدًا. 

  • وَ تَجعَلُنا فِیها مِنَ الدُّعاةِ إلَی طاعَتِك اللهمّ اجعلنا في حكومة كهذه من دعاة الخلق إلى طاعتك، وَ تَرزُقُنا بِها كرامَةَ الدُّنیا و الآخِرَةِ واجعل من نصيبنا كرامة الوصول إلى أعلى مرتبة النعيم والرَّوح والريحان عندك. 

  • ولسلامة إمام الزمان عليه السلام ولتعجيل ظهوره وفرجه صلّوا على محمّد وآل محمّد ثلاثًا. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.

    1. المزار الكبیر، ابن ال‌مشهدی، ص ٤٤١.
    2. الكافي، ج ٣، ص ٤٢٤.