10

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

5238
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1431

التاريخ 1431/09/30

جلسات المجموعة(11 جلسة)

التوضيح

هل يتّصف أنبياء الله وأولياؤه بالجود والكرم الإلهيّ أيضًا؟ وكيف يظهر ذلك في منهجهم في الدعوة إلى الله؟ وما هي الأجواء التي تسيطر على مجالسهم وعلاقاتهم مع المحيطين بهم؟ وما هو محور دعوتهم والفرق بينهم وبين أهل الدنيا في ذلك؟

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ – الجلسة العاشرة 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره.

  •  

  •  

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ‌

  •  

  •  

  • حُجَّتِي یَا اللَه فِي جُرأَتِي عَلَی مَسئَلَتِك مَعَ إتیَانِی مَا تَکرَهُ جُودُك وَ کَرَمُك، وَ عُدَّتِي فِی شِدَّتِي مَعَ قِلَّة حَیَائِي رأفَتُك وَ رَحمَتُك.

  • سندي يا ربّ في جرأتي على الطلب منك رغم ارتكابي للذنوب والزلاّت والخطايا وما تكره، ذلك السند هو عفوك وكرمك. فهذان الأمران أدّيا أن لا ألتفت كثيرًا إلى الذنوب والخطايا والزلاّت، ولا أحسب لها حسابًا، فكرمك وعطاؤك أدّيا أن أتجرّأ في طلبي ولا أفكّر أصلاً بأنّي قد عصيت الله فكيف أطلب منه وكيف أسأله؟ فتلك العظمة والعطاء والعفو والإغماض منك جعلني جسورًا وجريئًا على أن لا أراعي قوانين المعاملة وقواعدها وأصولها المتعارفة، ففي النهاية هناك في قوانين التعامل والعلاقات حسابات وأصول، في النهاية هناك قواعد، هناك أخذ وعطاء… 

  • ذات يوم كان هناك تشييع لجنازة، وكنت قد شاركت فيه، وكان أحد العلماء المعروفين ـ وقد توفّي الآن وهو صاحب رسالة عمليّة ـ قد شارك أيضًا في التشييع وصلّى على الجنازة، وقد لاحظت أنّ هذا الرجل لم يكن على علاقة قريبة بهذا المتوفّى فتعجّبت من مشاركته، وذات ليلة كان هناك كلام بيني وبين ابن ذلك المتوفّى وكان هو أيضًا من أهل العلم، فقلت له: هل كانت لفلان علاقة مع والدكم حتّى شارك في تشييع الجنازة؟ فقال: "لا ولكن أنت تعلم أنّ هذه الدنيا فيها تبادل للمصالح فقد جاء هذا وشارك في تشييع الجنازة حتّى نشارك غدًا برفقة الذين جاؤوا من طهران في مجلس العزاء الذي يقيمه. هذه هي القضيّة. فهناك تبادل في المصالح ولكلّ شيء حسابه ولكلّ سلام جوابه، وردّ السلام واجب في النهاية، واجب. والحاصل أنّي لن أشوّشكم بهذا الكلام فأنت مرتاح لعدم اطّلاعك على هذه الأمور، ولا أريد أن أوضّح الأمر أكثر كي لا أتعب أنا أيضًا ويضطرب حالي". ولكنّي لست غافلاً عن ذلك فأنا أدرك بعض هذه الأمور. 

  • اتّصاف أولياء الله بالجود والكرم أيضًا 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

3
  • إنّها العظمة والجود والعطاء التي يعرفها العبد من الله هي التي تؤدّي إلى التساهل في ذلك العمل الذي قام به، وفي مستوى القبح المترتّب على العمل، وتؤدّي إلى أن لا يتشدّد، وهذا بصورة عامّة هو دأب جميع الأولياء، دأب جميع الأولياء، فقد كنت ذات ليلة في خدمة السيّد هاشم الحدّاد رضوان الله عليه فحدث أمر ما للمرحوم العلاّمة وكان يطرح تلك المسألة ويبيّن الطريق الصحيح فيها، فقال السيّد الحدّاد لاحقًا ضمن كلامه إنّ دأب الأعاظم هو أنّهم: 

  • داند و خر را همی راند ‌خموش***...
  • يقول: يعلم ولكن يتظاهر بالجهل

  • فقد كان السيّد الحدّاد يحفظ كثيرًا من شعر مولانا ويستشهد به. 

  • داند و خر را همی‌راند خموش***بر رخت خندد برای روی پوش
  • يعلم ويتظاهر بالجهل *** يضحك في وجهك لكي يخفي 

  • فهل رأيتم أحيانًا ـ خصوصًا الرفقاء الذي عاشروا المرحوم العلاّمة ـ فقد كانوا يذهبون أحيانًا إليه فيبتسم ابتسامة، وفيها ألف رسالة تلك الابتسامة أن كيف حالك؟ وفّقك الله أيّدك الله. يكون الإنسان خائفًا من أن يواجهه علنًا، وطبعًا أحيانًا كان يواجه علنًا ولكن ليس هكذا. يكون الإنسان خائفًا أن يخرج السجلّ من مكانه وأن يريه الأوراق واحدة تلو الأخرى، ولكنّه كان يكتفي بابتسامة، ورفقاؤنا يذكرون هذا الأسلوب من الأعاظم، وقد علّمونا هذه الطريقة، طريقة: 

  • داند و خر را همی‌راند خموش***بر رخت خندد برای روی پوش
  • يقول: يعلم ويتظاهر بالجهل *** يضحك لك لكي يخفي 

  • فهذه الضحكات لها معان كثيرة، يضحك للتمويه، التمويه، يأتي الإنسان فإمّا أن السيّد لم يلتفت وكان في العوالم العليا ولم يتنزّل كثيرًا كي يدرك، أو أنّه عفا والحمد لله فلم نخضع للتحقيق، ولكنّ هذا المسكين لا يدري أنّ للتحقيق قيمة لا بدّ أن يهتمّ بها الإنسان، وأنّ هذه الضحكات ليست دائمًا إيجابيّة. 

  • على أيّ حال ماذا كنت أريد أن أقول؟ وصلنا الليلة الماضية في تتمّة حديثنا مع الرفقاء والأصدقاء إلى أنّ منهج وطريقة الأنبياء كانت أنّهم يرون انفتاح الطريق إلى الله أجرًا على رسالتهم، ولم يكونوا يأخذون شيئًا لأنفسهم، حتّى أنّا قلنا: لو جاء أحد إلى رسول الله أو إلى أحد الأنبياء وقال له: أنا أعيش في ذاك المكان فأعطني برنامجًا لآخذه وأرجع، كان يقول له: تعال وخذ هذا برنامجك، اعمل به ولتكن عباداتك هكذا ومعاملاتك هكذا، وأخذك وعطاؤك هكذا وسلوكك هكذا وأخلاقيّاتك هكذا، فخذه وانطلق، وإن لزم الأمر كان يقول له: لا داعي لأن تراني إن لم يكن هناك داع ولزوم، كان يقول: اذهب ولا تلتق بي. ألم يكن للمرحوم العلاّمة في أقاصي الأرض تلامذة؟! لقد كنت في أجواء أموره ورسائله، والرسائل التي كان يرسلها إلى هذا الجانب وذاك، فقد كان له تلامذة في البلدان، له تلامذة في أغلب البلدان ولا أحد حتّى الآن يعرفهم، وربّما أكون الوحيد الذي له اطّلاع عليهم، ولم أبيّنهم أيضًا حتّى الآن ولم أتكلّم عنهم حتّى الآن، وكانوا لا يرونه أصلاً، وفي الوقت نفسه كان لهم ارتباط به وكانوا يؤدّون أعمالهم ووظائفهم ويطوون طريقهم، فلم يكن يقول: تعالوا إلى منزلي وأكثروا في الحاضرين وفي الحماس وأقيموا المواكب والمجالس، فهذا الكلام ليس لبيت وليّ الله، هذا لأهل الدنيا، يقيمون مجلس عزاء بسيط فيعلّقون الإعلانات في المدينة كلّها، فماذا حصل؟ فأنت لا تتّسع غرفتك لعشرين رجلاً أو ثلاثين وقد اشتريت إعلانات بمقدار ما يملأ الدار كلّها من الإعلانات وألصقتها هنا وهناك؟! فهذا لأهل الدنيا وعندما يزداد الحضور تظهر أسنانه أن الحمد لله الحمد لله لقد صار للمجالس رونقها. لم يحصل رونق لمجالس الذكر ومجالس أهل البيت بل صار رونق لمجالس أهل بيتك أنت، أهل بيتك أنت، لا أهل ذاك البيت الذين هم أهل بيت العصمة والطهارة، أهل بيت الطهارة المطلقة. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

4
  • ما هي خصائص مجالس أهل البيت عليهم السلام؟

  • ففي مجالس طهارتهم لا طريق للنفاق، لا طريق للرياء، لا طريق للمجاملات وتبادل الحسابات، لا طريق للضجيج والضوضاء، لا طريق للرايات والإعلانات والضوضاء هنا وهناك. مجالس أهل البيت مجالس الخلوص، مجالس الصدق، مجالس الصفاء، مجالس اللون الواحد وعدم التمييز، لا اثنينيّة فيها وتمييز، لا مقرّب فيها وغير مقرّب، الجميع هناك جلوس على مائدة واحدة، فهل التفتّم؟! تلك المجالس هي مجالس إحياء الذكر لا هذا الصراخ والضوضاء، ولا هذه الأعلام والرايات، فهذه أهل الدنيا يتعلّقون بها، وإذا ما كان الحضور قليلاً ليلة ما نرى أنّ هذا الرجل يجلس كالبرج مقطّب الحاجبين كأنّهما رقم سبعة أن لماذا نقص أربعة من الحاضرين الليلة؟! فنحن أهل الدنيا هكذا إذا ما زاد الحضور فإنّ السيّد الطهراني هنا تتفتّح أساريره كالورد أن الحمد لله مجالس أهل المعرفة والأخلاق تتألّق ويزداد الحضور، ولها طلاّب، تزداد، وما إن ينقص عشرة من الحاضرين يتقطّب حاجبا السيّد الطهراني أن ماذا حصل؟! هل نقص حظّنا؟ فالآتون يقلّون والرفقاء يقلّون، لا همّة لديهم، لا كذا لديهم، نلصق الأمر بهم، نلصقه بهم، لا همّة لديهم، ولا نقول: أنت لا تحسن الكلام فلا أحد يأتي يسمع هذا الهراء، كلاّ بل هم لا همّة لديهم، هم تراخوا فلا يأتون، بمن نلصق الأمر؟ بالناس المساكين فهم المقصّرون. حسنًا فلتتكلّم بشكل جيّد وقل كلامًا جذّابًا فإنّهم يأتون، تكلّم بكلام يرضاه الله يأتوا. إمّا أن يأتوا أو لا يأتون لا إجبار في المسألة. فلو جاء واحد ونقص اثنان فإنّ مصروف الأوكسيجين سيقلّ وسيتنفّس الإنسان بشكل أفضل ولن يكون هناك ازدحام. 

  • دقّة الحساب الإلهيّ للنوايا ومعنى آية: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ…}

  • فمن يعمل مثقال ذرّة ـ عجيب عجيب! فمن يعمل مثقال ذرّة، ولو كان هناك مثال أصغر من ذلك وأدنى لذكره الله فمن يعمل مثقال ذرّة خيرًا يره.۱ 

  • فلو عمل بمقدار رأس إبرة من العمل فإنّهم يأتون به غدًا أمامه. 

  • {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}٢ يُرُونه أنّك هنا قصّرت، وهنا كان لديك مشكلة، وهنا كان لديك شبهة، وهنا كان لديك شكّ، وهنا كان لديك خلط، هنا لم يكن عملك خالصًا، لم يكن ذهبك من عيار ٢٤، بل كان ممزوجًا بالنحاس والبرونز وأمثالهما، فقد أخذت منها ومزجته به وتظنّ أنّنا لا نملك محكًّا، لا نملك أسيدًا، لا قدرة لدينا على النقد والمعرفة، كلاّ بل نحن نتقن ذلك جيّدًا، ومصفاتنا ومختبرنا أدقّ وأعمق من أيّ مصفاة وأيّ مختبر ومن أيّ جهاز، وهو يشير، يشير إلى كلّ شيء، يأتي بكلّ شيء ويبيّنه. 

    1. سورة الزلزلة (٩٩) الآية ۷. 
    2. سورة الزلزلة (٩٩) الآية ۸.

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

5
  • مطالعة كتب المرحوم العلاّمة لقاء خاصّ به 

  • لقد جعل الأنبياء أجر رسالتهم طريق الناس إلى الله، أن ينفتح طريقك… .

  • كانوا يأتون إلى المرحوم العلاّمة يقولون: نريد أن نلتقي بكم. 

  • فكان يقول: لماذا تريد أن تلتقي بي؟ إن كنت تريد أن تأخذ برنامجًا عمليًّا فطالع كتبي، هذا هو البرنامج. 

  • ـ لا نحن نريد أن نلتقي بكم. 

  • ـ ما هذا؟ ما هذا؟ أنت تريد أن تأتي إليّ لأبيّن لك الطريق، وأبيّن لك الهاوية، وأعرّفك على كيفيّة الوصول إلى مرتبة المعرفة؟ حسنًا فهذا هو طريق ذلك في النهاية، فاذهب فلماذا تصرّ؟! لماذا تطرح ذوقك الخاصّ؟! هؤلاء يخالون أنّه تساهَل في حقّهم، كلاّ يا عزيزي أنا الآن في الرابعة والخمسين والخامسة والخمسين من العمر ولا زلت أحتاج إلى كتبه أحتاج إليها والله يعلم أنّي لا أقول مزاحًا ولا تساهلاً ولا تواضعًا ولا كسرًا للنفس وأمثال ذلك ممّا لا أتقنه وليس لديّ منه، وإنّما أقول الواقع، فمن شاء فليقبل ومن شاء فليقل: إنّ السيّد الطهراني يكسر نفسه. فليقل هو أخبر. أنا محتاج محتاج. وهو نفسه قال لي هو نفسه قال لي: لمن كتبت هذه الأمور إذن؟! لمن كتبت هذا الكلام أنا؟! 

  • وقد سمعت الآن بعضهم يقولون: إنّ هذا الكلام الذي كتبه في كتبه ليس لنا! أفللجدار هو إذن؟! أنت أسوأ من الجدار أيّها الأحمق العزيز! فلمن كتبها إذن، لقد قال لي أنا ابنِه: لمن كتبتها إذن؟! أنت يا من لا يميّز بين الهرّ والبرّ هذا هو الطريق، إنّه ما بيّنوه، فلا بدّ من أخذه والانطلاق والوصول إلى المطلوب، ولا مزاح في الأمر. 

  • ماذا يتوقّع المحاضر من الحاضرين؟

  • يقول الأنبياء: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا}۱

  • إنّ أجري هو عبارة عن أن ينفتح طريق الإنسان إلى الله، أجري هو أن يتّخذ إلى ربّه سبيلاً وينتهي به هذا الطريق إلى الله. هذا هو أجري، فالأجر يعني الجزاء، فتارة أذهب مثلاً إلى الصحراء وأتكلّم مع الهواء أو آتي إلى هنا عندما لا يكون أحد فأكلّم الأعمدة والجدران والأبواب، فهذا لا أجر له، لقد قلت كلامًا وصرفت طاقة وأتلفت وقتًا بغير فائدة. لم يكن هنا إلا الجدران والأبواب، وتارة أخرى آتي إلى هنا ويكون الرفقاء حاضرين وهم يأتون لديهم حاجة لديهم طلب لديهم ألم متألّمون، لم يأتوا لأنّهم لا عمل لديهم في بيوتهم وقد ملّوا، كلاّ بل لديهم عملهم وبرنامجهم وحسابهم الدقيق له، ولكنّهم قالوا: نأتي إلى هنا نسمع كلمتين أو ثلاثًا من الكلام الذي ربّما يكون مفيدًا لطريقنا ومسيرنا. فعندما آتي إلى هنا وأتكلّم فماذا أتوقّع من كلامي؟ أتوقّع أن يرتّب الرفقاء والأصدقاء عليه أثرًا ولا ينظروا إليّ هكذا {نَظَرَ ٱلْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ}٢ هذا ما أتوقّعه، توقّعي وأجري هو أن لا يأخذوا كلامي على أنّه هزل، هذا توقّعي، لا أنّ يقولوا فقط: إنّ السيّد الطهراني يتكلّم بكلام جيّد، إنّه ابن العلاّمة، فلنذهب ونستمع إليه ونقضي هنا ساعة مثلاً ونقول: ما شاء الله وسبحان الله! كلاّ ليس هذا توقّعي، هذا كلّه تخيّلات، هذا كلّه اعتبارات، هذا كلّه توهّمات، وأقول لكم الآن: لا تطالبوني يوم القيامة، فليس أجري هو مجيئكم إلى هنا، ليس أجري سلامكم عليّ بعد المجلس، ليس أجري الذهاب والإياب، لا شيء من ذلك، لا شيء لا شيء لا شيء لا شيء، فما هو؟ هو أن تعملوا بهذا الكلام الذي أقوله لكم، لأنّي سمعته من الأولياء لا لأنّي أنا قلته، فأنا واحد مثلكم، أنا واحد مثلكم. بل لأنّ هذا الكلام هو من أماكن أخرى، لأنّ هذا الكلام قد سمع من الأعاظم، لأنّ هذا الكلام من كتب الأعاظم، لأجل ذلك لا لأنّي أنا أقوله، فأنا مثلكم، محتاج مسكين، ومن هذا الباب أتوقّع منكم أن ترتّبوا الأثر. عندما أنظر وأرى أنّ الكلام الذي أنقله أو ينقله الذين يعدّون أنفسهم منتسبين إليّ ثمّ يجمعون به بعض الأفراد تحت تربيتهم ويصنعون منهم أفرادًا متفلّتين عديمي الحياء والأدب وتصدر عنهم أعمال لا تصدر عن عامّة الناس حينها لا أكون قد أخذت أجري، ولن أكون قد حصلت على ما أتوقّع. 

    1. سورة الفرقان (٢٥) الآية ٥۷.
    2. اقتباس من سورة محمّد (٤۷) الآية ٢۰. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

6
  • فقبل بضعة أيّام كانت هناك جلسة، وقد أحضر إليّ تسجيلها فسمعته وقلت: الحمد لله قرّت أعين الأعاظم إذ كانت نتيجة جهودهم في التربية لسنوات متمادية تربية جماعة من السفلة ومن الهمجيّين والمتوحشّين وجماعة من الأفراد عديمي الأدب والتربية باسم السلوك وباسم جلسة أخلاقيّة وباسم اتّباع منهج الأعاظم واتّباع منهج العلاّمة، واأسفاه واأسفاه! اللعنة على هذه المدرسة واللعنة على هذه التربية واللعنة على هذا المنهج والسلوك الذي ليته ترك هؤلاء الأفراد في شوارعهم وفي جامعاتهم وهنا هناك تركهم وحالهم ولم يحوّلهم إلى ما حوّلهم إليه. لا بدّ من جرّ هؤلاء بحبل وإلقائهم في جهنّم، حتّى لا يسمّموا الآخرين برائحتهم العفنة. أهذا هو المنهج التربويّ الذي ورثناه عن الأعاظم؟! أهكذا هو؟! الإنسان الذي هو مجرّد واسطة لنقل أمر يقوم بالاجتهاد من نفسه بغير ذنب من الطرف المقابل! ماذا يرى الإنسان وماذا يسمع؟ نعوذ بالله نعوذ بالله. الحمد لله أنّه تمّ إنهاء هذا الأمر وتميّز الحقّ من الباطل وهؤلاء الذين يبحثون عن الأجواء العاطفيّة فقط وأمثال ذلك لهم طريقهم ولا علاقة لهم بنا، وقد قطعت صلتي بهم، هذا هو منهج الأنبياء والأولياء، وليس منهجهم وأسلوبهم منهج الأجواء العاطفيّة والنفسيّة والإحساس بالموقع والمكانة والأمر والنهي وفتح المتاجر. وقد اتّضح أنّ كلام أولئك المعبّر عن ولائهم كقولهم: نفديك بأرواحنا هل كان فداء للخبز أم للأرواح؟! واتّضح أنّ إبداءهم التوقير والاحترام هل كان لأجل الدنيا أم لأجل الآخرة؟! واتّضح أنّ تلك الادّعاءات والانتماءات هل كانت لأجل رواج السوق أم لأجل تحصيل رضا المحبوب؟! 

  • خوش بود گر محك تجربه آید به میان***تا سیاه روی شود هر كه در آن غش باشد 
  • يقول: حبّذا زمان الاختبار بمحكّ التجربة ليسودّ وجه كلّ من كان فيه غشّ

  • يختبرون بمحكّ، يمسكون بالأذن فترتفع الأصوات عالية ويُظهر الناس بواطنهم، يظهرون بواطنهم. افعلوا ما شئتم ولكن لا شأن لكم بنا. فنحن هكذا إن شئتم، وإلا فلم يجبركم أحد، ولم يهدّدكم أحد، ولم يضيّق عليكم أحد، فالطريق مفتوح وكلّ إنسان يسير حسب معرفته، وهذا المكان ليس مكانكم، ولن يسمح لكم بالمجيئ إلى هنا، فلا تتعبوا أنفسكم. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

7
  • ای مگس عرصه ‌سیمرغ نه جولانگه توست***عرض خود می‌بری و زحمت ما می‌داری 
  • يقول: أيّتها الذبابة ليس ميدان السيمرغ ميدانًا لك فلا تفضحي نفسك ولا تتعبينا

  • أين ذهبت وصايا المرحوم العلاّمة لي أن التفت إلى المحيطين بك أن لا يلتفّوا حولك ولا يجرّوك إلى الطريق الذي يريدون! أين ذهب ذلك الكلام أنّكم تريدون أنّ تجرّوني نحو سيطرتكم وهيمنتكم! لا يمكن ذلك لا يمكن ذلك! لا ينسجم! وإلا ستصبح المدرسة مدرستين! ما علّمونا إيّاه هو غير هذا. كلّما كان العدد أقلّ كان أفضل، كلّما كان أقلّ كانت المسؤوليّة أقلّ، كلّما كان العدد أقلّ كان الجوّ أهدأ وآمن، هل تريدون أن أقول بصراحة أكثر من ذلك؟! كلّما كان أقلّ كان حسابي أسهل أمام والدي يوم القيامة، غدًا يعلّقونني على الصليب، يوقفونني في صفّ الانتظار، فما هذا الكلام؟! لقد رأيت من الأعاظم ما يستحقّ أن أرتجف من أجله وأن أضيّق من دائرتي. 

  • لقد جاء الأنبياء وقالوا: نحن لم نأخذ لأنفسنا شيئًا، أمّا نحن فكلّ شيء هو لنا، كلّ هؤلاء الأنصار والمحيطين هم لنا، كلّ هذا الضجيج هو لنا، فأين التوحيد إذن؟! وأين السلوك؟ أين التربية والتزكية والتهذيب؟ لقد تنحّى كلّ ذلك جانبًا حتّى صار لنا نحن وجود. إنّ الطريق الذي يُفتح إلى الله يبعث السرور في روح النبيّ والرسول، والله شاهد أنّي كنت أرى هذا السرور والفرح في وجنات الأعاظم، فعندما كانوا يشعرون أنّ هناك إنسانًا يطبّق الأوامر التي يأمرون بها كانت تنفرج أساريرهم وينادونني: عجيب لقد قام فلان بهذا! 

  • موقف المرحوم العلاّمة التربويّ من أحد تلامذته

  • كان هناك أحد رفقائه كان من تلامذة الشيخ الأنصاري رضوان الله عليه وكان رجلاً محترمًا جدًّا وصالحًا وسالكًا قطع مقدارًا من الطريق واعيًا بصيرًا من أهل المراقبة وأهل المكاشفات، فقد كان كثير المكاشفة، ولكنّه لم يبال ببعض الأمور وتساهل فيها، وكان مصداقًا لهذه الفقرة من كلام الإمام السجّاد عليه السلام أن "حجّتي يا الله في جرأتي على مسألتك مع إتياني ما تكره جودك وكرمك"، فقد كان يرى المرحومَ العلاّمة يضحك، كان يرى منه تبسّمًا، كان يراه يبتسم ويضحك. فآه آه من هذه الضحكات، إنّها تسبّب المتاعب للإنسان ولكنّه لا يلتفت إلى حقيقة الأمر، لا يلتفت، ضحك ضحك ولكن في الوقت نفسه لم يكن له اهتمام لما يأمر به، وفجأة رأينا أنّ الضحكات تنحّت جانبًا، ولا قدّر الله ـ بل نسأل الله أن يقدّر إذا سار الإنسان مع تلك الضحكات ـ أن يحلّ الجلال مكان الجمال، وطبعًا ذلك الجلال الذي هو عين الجمال، غاية الأمر أنّ كيفيّته تختلف، لقد أظهر شدّة لطفه بصورة السخط، ولكنّه هو الجمال بعينه، فلو لم يكن جمال لما طلب ولما أراد. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

8
  • أرسلني إلى ذلك الرجل أن اذهب إليه وقل له أنت لم تعمل بكلامي، ومن الآن فصاعدًا لا صلة بيني وبينك. وواقعًا كان المشهد يستحقّ المشاهدة، وقد كنت طوال الطريق أقول: إن لم تصبه سكتة فإنّه سيشرف على الموت، لأنّي كنت مطّلعًا على حاله ووضعه، فكنت أقول: إن شاء الله لا يصاب بسكتة. ذهبت إليه، ولأنّه كان من أهل الباطن كان قد أدرك بنفسه إلى حدّ ما أنّ الأمور تغيّرت، لم يقل له أحد، ولكنّه من بواطن الأمور كان قد التفت، ولذلك عندما استقبلني كان مضطربًا وكأنّه كان ينتظر حادثة أو واقعة كهذه. فذهبت إليه وجلست عنده واطمأننت عن أحواله كما اطمأنّ هو عن أحوالي، وكان يكنّ لي محبّة أيضًا وبقي كذلك، وقد انتقل إلى رحمة الله، وإن شاء الله يكون مقامه جيّدًا هناك. فعندما أخبرته بالأمر كنت أرى أنّه سيصاب بالسكتة، فقال: أن أموت فهو خيرٌ لي، لا أريد هذا. أموت خيرٌ لي. وأنا لم أقل شيئًا، حيث لم أكن مأمورًا بأن أقول شيئًا آخر مثل: نعم هذا أفضل. وكان من المقرّر أن أبلغ هذه الرسالة ولا أضيف شيئًا من نفسي، فقلت له: هل تسمح لي أن أنصرف. وكان وضعه قد اضطرب ولم يتمكّن من ضبط نفسه ووداعي، فودّعته وخرجت. وجئت إلى المرحوم العلاّمة وكان الوقت عصرًا فقال لي: حسنًا هل ذهبت؟ قلت: نعم وما إن أخبرته حتّى قال: الموت خير لي. فقال: نعم هو خير له. عين ما أردت أن أقوله له، رأيت أنّه يقول: نعم أن يموت الإنسان خير من أن ينفصل، أن يموت خير من أن ينفصل عن الولاية. هذا أفضل بمراتب، من دون مجاملة. فهو ليس لديه مجاملة، والحاصل أنّه كان قد وضع هذا المخطّط وأنا سرت عليه، وقد قلت لكم إنّ هذا كلّه كان جمالاً بهذه الصورة، كان جمالاً كان جمالاً وقد كنت أعرف كيف ينبغي أن أسير وكيف أتصرّف، وأنّ عليّ أن لا أبدي لطفًا وضحكًا فأفسد الأمر، أفسد المسألة، فلأنّه يفسدها يفسد ذلك الأسلوب التربويّ، تختلّ تلك المعادلة، وهنا على الإنسان أن يلتفت جيّدًا! تتقدّم المشاعر والأحاسيس، تتقدّم الصداقة، تتقدّم الحالات السابقة للرجل، المحبّة التي كان يبديها، ولكن يجب أن يبتلعها ويبتلعها في قلبه، وأمرها صعب جدًّا، صعب جدًّا، وحقًّا كان الأمر عليّ أنا صعبًا أيضًا، فقد كنت أنا الواسطة في النهاية، وكان الأمر شديدًا، عليّ أن أرى حادثة كهذه، وأنّ عليّ أن لا أقصّر، ولو قصّرت لفسد الأمر، وقد كان هو ينتظر أن أقصّر قليلاً ونجمع الأمر ونلفّقه، كلاّ يا عزيزي فالله ليس عنده تلفيق وجمع، فهذا لأمور الدنيا، والله ليس عنده من ذلك. حتّى طوى هذا في النهاية طريقه الطبيعيّ وأنا كنت مسرورًا في الباطن من أنّ هذا الأمر يسير ويتقدّم وينتهي إلى النتيجة، حتّى انتهت هذه المسألة، ثمّ مرض هذا الرجل ونقل إلى المستشفى، نقل إلى المستشفى، وذات صباح، حيث كنت آتي كلّ صباح إلى منزل المرحوم العلاّمة وأبقى إلى الظهر وأنجز له أعماله والأمور التي ترتبط بي وبه، ثمّ كنت عند الظهر أرجع إلى المنزل، وفي صباح اليوم التالي أرجع إليه، فذهبت ذات صباح فرأيته مسرورًا جدًّا، وكانت حالته عجيبة جدًّا وكان يضحك، ولم أره قبل ذلك هكذا، كان يقول: سلام عليكم يا سيّد محسن كيف حالك؟! ـولم يكن خبر عن أمثال ذلك سابقًا، فأنا آتي كلّ يوم ولم آت من سفر، ولم يكن شيء من هذا القبيل ـ تعال إلى هنا لأخبرك شيئًا تعال تعال تعال، هناك أمر عجيب بالنسبة إليّ، أتدري ماذا رأيت ليلة أمس؟! فقلت: تفضّل، الله ورسوله [أعلم] وكنت قد تعلّمت من هذه الأشياء. فضحك وأغشي عليه من الضحك، فقال: رأيت ليلة أمس أنّ فلانًا جاء إليّ فأعطيته بطاقة سفر إلى كربلاء مع إذن لدخول تلك الأراضي. فقلت له: لقد ربح في النهاية، فبعد عدّة أيّام سيُنعى ويقال عنه: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}۱. لقد صلح أمره. فانظروا إلى أولياء الله! أترون هذا الشعف، أترون هذا الضحك؟! هذا الضحك بعد ذلك الغضب. فكم استفاد والدنا من ذلك؟ هل حصل على عشر قروش؟! هل هو أهل هذا الكلام؟! {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا} أجري هو أن يفتح الآن طريقك فهو مغلق، وأنا أقطع أنّه عندما كان يفعل ذلك لم تكن تفوته صلاة الليل ليلة واحدة، ولكن لا فائدة منها، لم يكن يفوته عمل مستحبّ، أعماله علاقاته والمكاشفات التي كانت لديه لم تكن تنقطع، ولكنّه كان قد توقّف عند كلّ ذلك ولا بدّ أن يعبر ويتجاوز، وهذا يتطلّب مبضعًا وإبرة وجراحة، لا بدّ من هذه الجراحة، ولو لم تجرَ فإنّ هذه الغدّة السرطانيّة تعمل عملها وتعمله حتّى تخرجه من الدنيا فجًّا غير ناضج، أليس هذا ظلمًا وخسارة؟! أنت كنت تلميذ الشيخ الأنصاري، تلميذ السيّد الحدّاد، تلميذ العلاّمة الطهرانيّ، قضيت عمرك في هذا الطريق، أفليس من الخسارة أن تخرج في النهاية خالي اليدين؟! فوليّ الله ينظر إلى هناك، هنا موضع الهداية، وهنا يجب أداء حقّ الرفقة والصداقة والصحبة لهذا الرفيق الذي قضينا معه سبعين سنة، هنا لا بدّ أن تعطى هذه الرفقة والصداقة حقّها، وحقّها هو أن يتجاوز عن هذا المضيق الذي علق فيه، فلو أنّه غادر مع هذه المعضلة فلن يكون هناك في ذلك العالم من فائدة، سيوقفه هناك ويقول له: أيّها الحاجّ محمّد حسين أيّها الأستاذ أيّها الكبير أيّها الوليّ لماذا لم تعمل ولايتك؟! هل أعملتها أنت ولم أحتملها أنا؟! هناك شيء واحد فقط فلماذا لم تقم به؟! لماذا ترتكتني أعاني من هذه الحالة من الابتلاء؟! كان بإمكانك أن تفعل شئًا وأنت قادر فلماذا لم تفعل؟ أحيانًا كنت تفعل شيئًا وأنا لم أكن أحتمل وكنت أقول: كلاّ ما هذا الكلام؟ وقد وقع ذلك كثيرًا، ألم تروا أنّهم كانوا كثيرين؟ ما هذا الكلام؟ ما هذه المسائل؟ نحن بأنفسنا تعلّمنا، والأستاذ وظيفته إلى حدّ معيّن، وأمثال هذه المسائل والمزخرفات، ولكن لو كنت قمت بذلك معي لربّما استجبت والتفتّ. حينها ماذا سيكون لدى المرحوم العلاّمة من جواب؟ ماذا لديه؟! لا جواب لديه في النهاية! لذلك يقول: أنا أفعل ما بوسعي وأفعل وآخذ بيده، وأخرجه من جهنّم هذه، وأخرجه من بين هؤلاء المحيطين به من الشياطين المتوحّشين، أخرجه من بين هؤلاء المحيطين به من السفلة واللاأباليّين الذين لا خبرة لهم إلا بالسخرية من السلوك والمعرفة، فهذا الأمر لا يتطلّب ضجيجًا وصراخًا، هذا لا يتطلّب أن يتّصل عبر الهاتف بهذا وبذاك، هذا لا يحتاج أن يشكو هنا وهناك، يا عزيزي أنا آخذ بيدك فأين أنت؟ أين أنت؟! 

    1. سورة البقرة (٢)، الآية ۱٥٦.

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

9
  • قال لي: رأيت في المنام ليلة أمس عند السحر أنّي أحمل جواز سفره إلى كربلاء وأنّه ذاهب إليها، فضحك وهزّ رأسه، فالله كبير. ولحسن الحظّ فإنّ هذا المسكين لم يعش أكثر من شهر وفارق الحياة، وكان في المستشفى، عاده أحد الرفقاء في الأيّام الأخيرة فقال له: بما أنّ السيّد محسن لم يأت إلى هنا يعني لم يتمكّن، فاذهب إليه وقل له: إنّ أباك أعطاني حقّي في الرفقة، وأنجز لي أمري. لقد أدّى والدك ذلك الحقّ من الرفقة الذي كان بيننا لعشرات السنوات، وكم كان مسرورًا حقًّا. وكما قال المرحوم العلاّمة فإنّه تابع طريقه والحمد لله في ذلك العالم، {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ}۱ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذينَ اتَّقَوْا وَ الَّذينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}٢ لمثل هذا اليوم لا بدّ من الاستعداد والانتباه جيّدًا، ذلك اليوم الذي لا رجعة فيه! 

  • الفرق بين طريقة الأنبياء والأولياء وطريقة أهل الدنيا

  • فانظروا إلى هؤلاء الأنبياء وإلى هؤلاء الأولياء تجدون أنّ الأمر هكذا، لا يطلبون من أحد، لا دين لهم على أحد، لا علاقة شخصيّة بينهم وبين أحد، ليس لديهم جماعة خاصّة في أعمالهم، لا تحكم أعمالهم العلاقات، لا يطلبون من أحد، فقط يقولون: كنّ صائبًا كان صائبًا كن محقًّا، هذا هو لا غير، هذا هو، اذهب وكن محقًّا ولا داعي لأن تنظر إلينا. أصلاً كن محقًّا ولا حاجة إلى أن تكون لك صلة بنا! أمّا أهل الدنيا فيقولون: نحن لا شأن لنا بكونك محقًّا تعال وامش خلفنا اتّبعنا ولا تصلّ تعال ولا تصم، تعال واتّبعنا واتّبعنا، ماذا قال معاوية؟ ما قاتلتكم لتصلّوا ولا لتصوموا ولا لتحجّوا بل لأتأمّر عليكم، وقد فعلت. فأنا لم أقاتل لتصلّوا إنّه عليٌّ هو الذي يقاتل من أجل الصلاة، وأنا لست عليًّا ـ وطبعًا هذا ما أقوله أنا هذا المقطع الثاني هو لسان حاله، ألم تسمعوا بلسان الحال؟! فأنا أنقل لكم لسان حال معاوية، فلسان حاله هو هذا، يقول: لم تكن حروبي لأجل الصلاة، فلو لم تصلّوا من الآن إلى مائة سنة فلا شأن لي بصلاتكم، ونحن الآن ندرك جيّدًا هذا الكلام، لا تصوموا سواء صمتم أم لم تصوموا لا شأن لي فهذا يرتبط بكم أنتم، حجّوا أو لا تحجّوا فلا يهمّني، إنّما قاتلتكم لأكون أميرًا عليكم وحاكمًا، وقد وصلت إلى ذلك الآن وانتهى الأمر. وصلت إلى هذه الحكومة، فإن شئتم فصلّوا وإلا فاجلسوا في بيوتكم، إن شئتم أن لا تصوموا المهمّ أن لا تخرجوا على حكومتي فأضرب أعناقكم، لئن رفعتم أصواتكم فإنّي أعدّ لكم ألف سجلّ. هل ظننتم أنّي قاتلتكم لأجل تلك الأمور؟! كلاّ بل لأتأمّر عليكم وقد فعلت. وأنا أضرب بالسيف وينبغي أن لا يصدر صوت اعتراض من أحد. فإن أعجبكم أم لم يعجبكم فهذه هي طريقتي.

    1. سورة الصافّات (٣۷)، الآية ٦۱. 
    2. سورة النحل (۱٦)، الآية ۱٢۸. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

10
  • علام نقاتلهم؟ 

  • ماذا يقول أمير المؤمنين في معركة صفّين؟ بينما كانت نار الحرب قد أوقدت قام رجل فقال: يا عليّ إنّي فعلت كذا أثناء صلاتي ليلة أمس فهل صلاتي صحيحة أم لا؟ فأجابه الإمام إمّا بكونها صحيحة أو باطلة. يقول ابن عبّاس: أهذا موضع سؤال؟ فقال له الإمام: "فعلام نقاتلهم"؟!۱ 

  • انظروا فهما متقابلان، هذا يقول: أنا قاتلتكم ولا شأن لي بالصلاة ولا بالصيام ولا بالحجّ. وذاك يقول: وهل القتال إلاّ لأجل الصلاة؟! نقطتان متقابلتان بينهما ۱۸۰ درجة. فإذن ما هو طريق أمير المؤمنين؟ طريق أمير المؤمنين هو طريق الأنبياء وطريق الحقّ، وطريق التوحيد، وطريق الصدق، وطريق الصلاة وطريق الصيام وطريق الحجّ وطريق التقرّب وطريق الاتّصال، أن يكون الإنسان متّصلاً فإنّ كلّ الخير في هذا الاتّصال، كلّ ما يجب أن يصل إلى الإنسان إنّما يصل إليه في هذا الاتّصال، عندما يقول المرحوم العلاّمة: "حسنًا فليمت فهو خير له" فما معنى ذلك؟ معناه أنّ هذه الصلاة التي تصلّيها الآن صلاة غير متّصلة لا فائدة منها، والصيام الذي تصومه كذلك، وهو يدرك ذلك ويشعر به فهو ذكيّ ومن أهل الالتفات وأهل المعرفة وأهل الحنكة. يدرك ماذا يجري فيقول: أن أموت خير لي من أن تقطع الولاية. يدرك هذه النقطة ويلتفت أنّ الحجّ الذي يحجّه هو حجّ غير متّصل، مثل هذا الحجّ الذي لدى هؤلاء والذي يؤدّيه أهل السنّة، طبعًا ليس غير المعاندين فهؤلاء إن شاء الله متّصلون، أمّا المعاندون فيحجّون وكأنّهم خشب يابس يمشي ويسير، ذلك الحجّ المقبول هو الحجّ الذي يكون مع ولاية ومتّصلاً بالولاية، فهذا الحجّ هو الحجّ المتّصل بالولاية، الحجّ الذي أصابته نفحة الولاية، الحجّ الذي عليه عطر الولاية، هذا الحجّ هو الذي فيه ربح، فيه يقين، ويحقّق التجرّد والنورانيّة، يقطع التعلّقات، يزيد التوحيد، له عمق. أمّا سائر مصاديق الحجّ فهي خشب يابس، كما ينظر صاحبها في الخارج إلى الأبواب والجدران والدكاكين والأسواق، فقد جاء الآن إلى المسجد الحرام ينظر إلى الكعبة والجدران، بلا فرق، يخرج فينظر إلى هذا أيضًا. 

    1. في إرشاد القلوب: ٢١٧، و بحار الانوار:۸٣/٢٣/٤٣: كان [علي (عليه السلام)] يوما في حرب صفين مشتغلا بالحرب والقتال، وهو مع ذلك بين الصفين يرقب الشمس، فقال له ابن عباس: يا أمير المؤمنين، ما هذا الفعل؟ فقال (عليه السلام): "أنظر إلى الزوال حتى نصلي". فقال له ابن عباس: وهل هذا وقت صلاة؟! إن عندنا لشغلا بالقتال عن الصلاة. فقال (عليه السلام): "علام نقاتلهم؟ إنما نقاتلهم على الصلاة".
      معرفة الإمام، ج‌۱٢، ص: ٢۷٢: روى الشيخ الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه القمّيّ في كتاب «التوحيد» و كتاب «الخصال» بسند متّصل، وفي كتاب «معاني الأخبار» بسند متّصل آخر، و كلا السندين عن المقدام بن شُرَيحْ بن هانئ، عن أبيه أنّ أعرابيّاً قام يوم الجمل إلى أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال:
      يَا أمِيرَالمُؤْمِنِينَ! أتَقُولُ: إنَّ اللهَ وَ احِدٌ؟ 
      قَالَ: فَحَمَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ، قَالُوا: يَا أعْرَابِيّ! أمَا تَرَى مَا فِيهِ أمِيرُالمُؤْمِنِينَ مِنْ تَقَسُّمِ القَلْبِ؟ 
      فَقَالَ أمِيرُالمُؤْمِنِينَ عَلَيهِ‌ السَّلَامُ: "دَعوُهُ فَانَّ الذي يُرِيدُهُ الأعْرَابِيّ هُوَ الذي نُرِيدُهُ مِنَ القَوْمِ… .".

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

11
  • فأمير المؤمنين هذا هو طريقه، طريق أمير المؤمنين هو طريق من يتّخذ إلى ربّه سبيلاً، لذلك يقول: عندما أقاتل فإنّما أقاتل من أجل الصلاة، ثمّ بعد ذلك أنت تقول: لماذا يسأل عن أحكام الشكّ في الصلاة أثناء المعركة؟! 

  • ماذا يجب أن نتعلّم من الأئمّة عليهم السلام؟

  • فهذه لطائف ودقائق علينا أن نتعلّمها نحن من الأئمّة، لا أنّه قاتل وشقّ مرحبًا في خيبر إلى نصفين وكذلك عمْرَ بن عبد ودّ، فهذه المواقف لها أهمّيتها ولكن هذه هي اللطائف والدقائق التي يجب أن تتعلّم من عليّ. فإنّما صار أميرُ المؤمنين أميرَ المؤمنين لأجل هذه اللطائف لا لأجل قتل مرحب الخيبريّ، فلو ضربته بخشبة على رأسه لسقط رأسه، ولو أسقطتّ عليه حجرًا من الأعلى لألقي على الأرض صريعًا، كلاّ، لم يكن أحد ليتقدّم لأنّهم خافوا كلّهم، فأبو بكر فرّ وعمر فرّ وعثمان فرّ وجميعهم فرّوا، هزموا ورجعوا مفضوحين وصاروا سخرية اليهود: هؤلاء هم المسلمون المحيطون بالنبيّ! كانوا يضحكون من أعلى حصنهم. فقال النبيّ: "لأعطينّ الراية غدًا…" فاصبروا "لأعطينّ الراية غدًا رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار لا يرجع حتّى يفتح الله عليه"

  • لأعطينّ الراية غدًا… فهل رأيتم هؤلاء الثلاثة؟ عجيب هذا النبيّ كيف كان ينتخب هذا الطريق! فأوّلاً أبو بكر ثمّ عمر ثمّ عثمان، فلو أنّ أحدًا ممّن كان هناك كان حادّ النظر لأدرك ما هي الأحداث الآتية وماذا يستقبلهم من الأمر! ما شاء الله هؤلاء هم افتخارات إسلامنا! افتخارات الإسلام! كلّ واحد منهم خير من الآخر! "لأعطينّ الراية غدًا رجلاً يجبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّار"، يهجم ولا يتراجع، فلم يكن أمير المؤمنين يتراجع أبدًا، لذلك لم يكن لدرع أمير المؤمنين ظهر لأنّه لم يكن يعطي ظهره للعدوّ فيصاب برمح أو سيف، لم يكن يرتدي درعًا إلا من الأمام، ففي النهاية الدرع ثقيل أيضًا، فلو كان له ظهر فإنّه يثقل على الإنسان ويؤذيه ويربكه، والإمام لم يكن يدير ظهره، كان يمضي في اتّجاه واحد، لذلك لم يكن له إلا درع أماميّ، "كرّار غير فرّار" يهاجم ولكنّه لا يتراجع ولا يدير ظهره إلا أن يفتح الله على يديه ويرزقه الظفر. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

12
  • وفي اليوم التالي كان الجميع يرفعون رؤوسهم. حسنًا يا عزيزي كان بإمكانك أن تذهب بالأمس، ترفع رأسك وترفعه وتتمنّى أن يقول لك أنت يقول لك أنت! وكان أمير المؤمنين مريضًا وقصّته معروفة، كان أرمد العين فجاؤوا به وفعل النبيّ له ما فعل ومضى أمير المؤمنين وأنهى الأمر. كان جالسًا في البيت مريضًا أرمد العين فقال له النبيّ تعال. فقال: حاضر. ولو قال له: نم في الفراش لقال: حاضر. لم يتغيّر حال أمير المؤمنين أيّ تغيّر، كأنّ شيئًا لم يكن كأنّ شيئًا لم يكن. هذا المنهج هو المنهج الذي علينا أن نتعلّمه من أمير المؤمنين، من الإمام الحسن، من الإمام الحسين، من الأئمّة، من النبيّ، من المعصومين، علينا أن نتعلّم هذه الدقائق ونستحصلها منهم ونعمل بها، أمّا الآخرون فلو كتبوا للإنسان ألف وصفة فهم أولى بها. هذا ما علينا أن ننظر إليه، علينا أن ننظر لنرى أنّ أمير المؤمنين من كان؟! لم يكن الأمر سهلاً حتّى صار أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب أميرَ المؤمنين هكذا وكأنّه استيقظ من نومه صباحًا فوجد نفسه أمير المؤمنين! بل تحمّل المشقّات العظيمة حتّى صار أميرَ المؤمنين، تحمّل المشقّات العظيمة! فنحن نقول: ما شاء الله وأمثال هذا الكلام الذي نقوله نحن، هذا كلام مضحك. 

  • هذه الحالة التي نراها في كلام الأنبياء نجد أنّها تتغيّر على لسان رسول الله، وطبعًا هي لا تتغيّر ولكن تتبدّل صورتها فقط. لقد وعدنا ليلة أمس أن نتحدّث عن هذا الأمر، رغم أنّنا توجّهنا في كلامنا نحو هذا الهدف، ولكن إن شاء الله إذا وفّقنا الله ولولا البداء ـ كان المرحوم العلاّمة يقول: لقد نسيت إن شاء الله وابتلعتها. فكنّا نقول: كلاّ سيّدنا ـ إن شاء الله نتابع الكلام حول ذلك في الليلة القادمة. 

  • لقد وعدت في أوّل شهر رمضان أن أنهي هذه الفقرة، والآن أنظر فأرى أنّني لم أتحدّث إلا عن القسم الأوّل من أقسامها التي كنت أودّ الحديث عنها، وإن شاء الله ننهيها، ففي النهاية كلمات هؤلاء الأئمّة عميقة إلى درجة أنّ الإنسان إذا دخل إلى البحث فيها تحيّر وتخبّط ولم يدر وجه الخلاص من كلّ هذه المعاني، وواقعًا المسائل كثيرة في هذه الفقرة وحدها من كلام الإمام السجّاد وأنّه كيف يتجرّأ الإنسان وما هي العلاقة بين العبد والمولى؟ وهل هذا من العبد نفسه أم أنّ المولى نفسه هو الذي جعل العلاقة على هذا النحو؟ وهذه حقيقةً سرّ من الأسرار التي لا تفشى. 

أجر الأنبياء انفتاح طريق الناس إلى الله

13
  • الرحمة الإلهيّة الواسعة

  • يقال إنّ بايزيد كانت له ذات يوم إلى الله حاجات، فهناك عالم خاصّ بين العبد والمولى وعلاقات خاصّة وأسرار متبادلة، وكان بايزيد قد تعب قليلاً فقال: إلهي هل تقضي حاجتي أم لا؟ فإمّا أن تقضيها وإمّا أن أحدّث النّاس عن ذرّة من كرمك فلا يعبدَك أحد إلى يوم القيامة. فقال له الله: سأقضيها سأقضيها ولا تفش الأسرار سأقضيها. فالله سلّم له، رأى أنّه سيفشي سيفشي. 

  • فقد فهم بايزيد كلام الإمام السجّاد هذا عندما يقول: "حُجَّتِي یَا اللَه فِي جُرأَتِي عَلَی مَسئَلَتِك مَعَ إتیَانِی مَا تَکرَهُ جُودُك وَ کَرَمُك". فانظر إلى الإمام السجّاد ماذا أدرك فإنّه إمام، ماذا أدرك؟ فرحمة الله وكرمه وجوده هي في مستوى لا يمكننا نحن أن نتصوّره، فهذا الأمر صحيح، والقلب الذي يحصل فيه شيء من الصفاء يتقدّم كثيرًا، فعلينا أن لا ندع قلوبنا غلفًا، لا ندعها مغلقة مسدودة. الله لا يحبّ العناد والتكبّر وأن يقف إنسان في مواجهته أمّا الذنب فهو يغفره، ولدينا في حديث قدسي أنّه قال: لمن جعلت التوبة إذن؟! لمن جعلت التوبة؟! فأين رحمتي إذن؟ أين غفراني؟ أين ذهب كلّ ذلك؟ غاية الأمر أنّه لا يحبّ التكبّر، لا يحبّ المواجهة، لا يحبّ الأنانيّة، فعندها تظهر الغيرة الربوبيّة في مصداق القهّاريّة. 

  • نحن نأمل أن يعاملنا الله دائمًا بجوده ذاك وكرمه إن شاء الله ويحاسبنا على أساس ذلك كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: "اللهم احملني على عفوك ولا تحملني على عدلك"۱ 

  •  

  • اللهم حاسبنا دائمًا على أساس فضلك ولا تعاملنا على أساس عدلك.

    1. نهج البلاغة، ج ٢، ص ٢٢۱.