9

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

6184
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1431

التاريخ 1431/09/28

جلسات المجموعة(11 جلسة)

التوضيح

لماذا لا يرتبط حبّ الله للأعمال وكرهه لها بذاته هو؟ وإذا كانا راجعين إلى العبد فما آثار ذلك العمليّة عند العبد؟ وهل يحقّ للعبد أن يمنّ على الله في أعماله وأن يرى العمل منسوبًا إليه؟ ومن هنا ندرك لماذا لم يكن الأنبياء يطلبون أجرًا على تبليغهم الرسالة.
تتابع هذه المحاضرة بيان فكرة الكره والحبّ عند الذات الإلهيّة ولوازمها مع توضيح بعض الأفكار الأخرى كمعنى التجلّي الأعظم، ومعنى دعاء لا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي بقدرها.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ - الجلسة التاسعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره.

  •  

  •  

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم‌

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم‌

  • وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبینا أبى‌القاسم مُحَمّدٍ

  • وعلى آله الطّیبین الطّاهرین و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ‌

  •  

  •  

  • حُجَّتِي یا اللَه فِى جُرأتِي عَلَى مَسئَلَتِك مَعَ إتیانِي مَا تَكرَهُ، جُودُك وَ کرَمُك، وَ عُدَّتِي فِى شِدَّتي مَعَ قِلَّة حَیائِي، رَأفَتُكَ وَ رَحمَتُك.

  • يا ربّ إنّ الجرأة التي لديّ على سؤالك رغم أنّي أعصيك وأقوم بما تكره وما لا يرضيك، هذه الجرأة وهذه الحالة، حصلت بسبب شعوري بعفوك وإدراكي لكرمك وعظمتك، فإدراكي هذا هو الذي أعطاني الجرأة على سؤالك، فلو لم يكن لي هذا الإدراك وهذه الصفة لكنت مخطئًا إذ آتي إليك وأطلب منك. فمع هذه المخالفات التي قمت بها يحتاج الإنسان إلى جرأة كبيرة حتّى يأتي ويتكلّم عند إنسانٍ ما كلّ يريد ويطلب منه أن افعل كذا وكذا، فهذا يحتاج إلى جرأة كبيرة، ولا يمكن تبريره هكذا. ولكن تلك الحالة و الصفة التي لديّ وذاك الإدراك الذي لديّ عنك يعطيني الجرأة والتجاسر، ويسهّل عليّ ما أخالفك به، لا يعظّمه. 

  • إنّه لعجيب جدًّا أن تكون رحمة الله ومغفرته سببًا لجرأة الإنسان، حسنًا فهذه هي حالنا. 

  • معيار صغر السنّ وتقدّم العمر

  • عندما كنت صغيرًا، أي كنت أصغر منّي الآن…! ولا أدري هل أنا الآن أصغر أم أكبر، فهذا لا بدّ أن يقاس بالنسبة إلى مسائل أخرى، أحيانًا كلّما كبر الإنسان يصغر، تصبح توقّعاته أشبه بتوقّعات الأطفال! عمره يتقدّم ولكن كلّما تقدّم في العمر صارت توقّعاته أكثر طفوليّة! 

  • يقال إنّ رجلاً ساذجًا سمع أنّ الباذنجان له صفات وخصائص فقال: فلأذهب وأرى هذا الباذنجان الذي يتّصف بهذه الصفات ما هو. فجاء إلى السوق وكان الموسم موسم الخوخ، فقال ذلك البائع: بما أنّه بسيط فلأبعه من الخوخ بدلاً من الباذنجان فلا أحد يرانا! أقول له: هذا باذنجان! فاشترى كيلوغرامًا واحدًا من الخوخ، وكان في أوّل موسمه فجًّا وحامضًا فلم يعجبه. وبعد شهرين قال لا بدّ أن يكون الباذنجان قد نضج، فقد كان حامضًا وفجًّا في المرّة السابقة، والآن لا بدّ أن يكون قد نضج وصار لذيذًا. وكان الباذنجان قد وصل إلى السوق ولكنّه كان مرًّا، فقال: هل لديك باذنجان؟ قال: نعم هذا باذنجان. فأخذه ومضى فرأى أنّه مرّ جدًّا! فقال: لعنك الله كلّما كبرت صرت أكثر مرارة وأقبح طعمًا! 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

3
  • والبشر ذوو الرجلين الاثنتين والذين هم أشبه بذوات الأربع، أحيانًا كلّما مضى عليهم الزمان صاروا كذلك الباذنجان الذي اشتراه ذلك الرجل البسيط، وتبدّل صفاؤهم إلى كدر، وصدقهم إلى كذب، وبساطتهم إلى فرعونيّة وأنانيّة وتمحور حول الذات، فماذا نقول؟!

  • معنى: إلهي لا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها 

  • هناك كلمة للإمام السجّاد لا بدّ أن يجعل لها إطار ويعلّقها الرفقاء في منازلهم، يقول فيها: إلهي ـ وأنا لا أذكر نصّ الكلمة العربيّ ولا أستحضره في ذهني فليبحث عنه الرفقاء ويبدو أنّه في دعائه يوم عرفة، فالإمام السجّاد أيضًا له دعاء يوم عرفة ـ إلهي بقدر ما تجعلني بين الناس عزيزًا رفيعَ الشأن ومعروفًا ومشهورًا اجعلني في نفسي ذليلاً ومنحطًّا وخاضعًا.۱ 

  • لا قدّر الله أن تصبح مكانة الإنسان سببًا للرفعة في نفسه، أي يتصوّر الإنسان لنفسه موقعًا، فللإنسان في النهاية موقع خاصّ به، كلّ إنسان يدركه عندما يجلس وحيدًا ويطفئ المصابيح ولا يكون حوله أحد، ولا يكون حوله الذين يصنعون الضوضاء ويصغون لأوامره ونواهيه ويقولون: ما شاء الله! ويرفعون الصلوات استقبالاً له، والذين يوصلون الإنسان إلى حافّة جهنّهم ثمّ يركلونه ركلة بأرجلهم فيسقط فيها على رأسه فيقولون له: أهلاً وسهلاً، أهلاً وسهلاً بك هنا لقد أدّينا مهمّتنا ورافقناك حتّى الخطوة الأخيرة وألقينا بك على رأسك في قعر جهنّم! ـ وهذه العبارات التي أقولها هي عبارات المرحوم العلاّمة أنقلها ولا أقولها من عندي، فقد كان يقول هذه العبارات بعينها في مثل هذه المواقع ـ ثمّ يرجعون وكأنّ شيئًا لم يكن، لا يدرون ماذا يصنعون بسعادة الإنسان وعاقبته، يأخذونه…

  • جاء رجل إلى المرحوم العلاّمة وطلب منه طلبًا غير سليم فسمعته يقول له: يا سيّد فلان! أنا أمشي معك وأصاحبك وأكون رفيقًا لك في طريقك ولكن إلى حافّة جهنّم! ومن حافّة جهنّم فما بعدها ينفصل طريقانا! أنت تتابع ولي أنا مكان آخر أقصده سأمضي إليه، ولكنّي في خدمتك إلى حافّة جهنّم إن كنت تحبّ، أي: 

  • برو این دام بر مرغ ديگر نه‌***که عنقا را بلند است آشیانه‌
    1. الصحيفة السجّاديّة، دعاء مكارم الأخلاق: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ وَ لَا تَرْفَعْنِي فِي النَّاسِ دَرَجَةً إِلَّا حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَ لَا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِراً إِلَّا أَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا.

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

4
  • يقول: اذهب ولا تنظر إلى هذه الشراك ليقع فيها الطير فإنّ العنقاء عالية العشّ

  • نحن لسنا أهل جهنّم والطلب الذي تطلبه منّي اطلبه من غيري. 

  • هؤلاء يرافقون الإنسان في الدنيا ويلقونه في جهنّم! ولكن إذا ما أطفأ الإنسان المصباح وابتعد عن المخادعين وقطّاع طرق القلب والدين وفكّر في نفسه عارية، وفكّر في وضعه وحاله ورأى من هو في الحقيقة، بعيدًا عن الضوضاء وعن هذه المجالس وعن مواقع الأمر والنهي، حينها يمكنه أن يعرف نفسه، يمكنه أن يدرك نفسه، يمكنه أن يعرف كم هي مهارته، يمكنه أن يدرك إلى أين هو صامد، يمكنه أن يشعر بكلّ ذلك، يحسّ بكلّ ذلك. 

  • عندما يسقط الإنسان في المجتمع، يسقط في التسليم عليه والتوقير، ويسقط في تحكّم الناس في رفعه والهبوط به، یسقط في الخضوع والتعظيم وإلقاء التحيّة الذي يقدّم له، يسقط في ذلك، ويرتفع ويرتفع ويخرج من تلك الحالة من الظلمة والخلوة، يخرج بهدوء ولطف ودقّة مدروسة بحيث إنّ الجنّ أيضًا لا يشعر بها! هكذا بلطف وهدوء وشيئًا فشيئًا بحيث يقول: لا زلت كما أنا لم أتغيّر، لا زلت ذاك السابق، وهذه صلاتي، وأقول ولا الضالّين بشكل أفضل، وأصلّي في أوّل الوقت أيضًا، وهذا صيامي. آه آه كلّ واحدة من هذه الصلوات سهم من سهام إبليس تقع في القلب، ذلك القلب الذي يكبر وينتفع بواسطة تلك العلاقات والمعاملات، فيزيداد بواسطة تلك الصلوات انتفاخًا، ولا يتمكّن الإنسان معها من أن يلتفت إلى نفسه ويدرك واقعه ومن أن يثقب هذا الانتفاخ بإبرة، بل يقف أمام هذه الإبر، ويمنع هذا التوقّف، فهذه الصلوات وهذا الصيام وهذه المجالس وهذه المحاضرات والخطب كلّها شراك الشيطان! عجيب فالعبادة ينبغي أن تكون مقرّبة فكيف تحوّلت إلى شراك؟!

  • ما هي العبادة المقرّبة والعبادة المبعّدة؟

  • أيّة عبادة هي العبادة الحقيقيّة؟ العبادة التي هي تحت ظلّ الولاية والمراقبة هي المقرّبة، تلك هي التي تجرِّد الإنسان، هي التي تحرِّره، وهي التي تخرجه وتحلِّلُه، تلك العبادة هي العبادة التي تخرجه من نفسه، العبادة التي تثقب بإبرةٍ ذلك الانتفاخ الذي يعمي الإنسان عن نفسه ويخرجه عن واقعه والذي يحصل بسبب تملّق المتملّقين والممثّلين والمتظاهرين بالتعبير عن محبّتهم، وهنا الخطر، فلو ترك الإنسان صلاته فلا مشكلة كبيرة، يدرك أنّ صلاته واأسفاه قد فاتت ولا بدّ من قضائها، فيقول: ماذا فعلت حتّى فاتت صلاتي؟! ماذا فعلت حتّى صدر منّي هذا الفعل المحرّم؟! ماذا يفعل؟! يصلّي. أمّا ذاك فإنّه يصلّي وفي أوّل الوقت ويظنّ أنّه يصلّي حاضر القلب، ويصوم، ولكن ذلك الخطر وتلك الخليّة السرطانيّة تنمو من الداخل، فالخليّة السرطانيّة عندما تبدأ بالنموّ لا تُنذرُ بالخطر، هناك بعض الأمراض تنذرُ بالخطر سريعًا، فيدقّ نظام الدفاع في البدن ناقوس الخطر، وكما يقول الأطبّاء فإنّه الهرمون الموجود في الدماغ يعلن الخطر ويشير إلى أنّ المرارة ملتهبة الآن مثلاً، والآن قلبك في ضغط وخفقان شديد، يعلمك فتنهض على الفور نحو العلاج، ولكنّ بعض الأمراض لا تُعلمك فمثلاً تسوّس الأسنان، تبدأ الأسنان بالتسوّس ولا خبر لديك وكأنّ شيئًا لم يكن، هل تلتفت؟! أبدًا، يبدأ التسوّس بأكل السنّ من داخله فيقضي عليه، وعندما ترتفع صيحتك يكون قد قضى على العصب وللأسف. فهنا نظام الدفاع في الجسم ضعيف بالنسبة إلى هذا النوع، فلو أنّه يبدأ الألم بمجرّد التسوّس لما انتهى الأمر إلى فساد العصب وسحبه، وعندما يسحب العصب يتعطّل نظام الدفاع عند السنّ، وفجأة ينقسم إلى نصفين. 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

5
  • والخليّة السرطانيّة لا تجعلك من البداية تصرخ بحيث تلتفت وتختبر، بل تبدأ بالنموّ تباعًا وفجأة تعطِّل كلّ شيء، تقضي على الكبد، وعلى الطحال وعلى الجهاز الهضميّ ويفوت الأوان، لا بدّ من استئصال الكبد، فقد انتهى. تدخل إلى الدم وإلى جميع المواضع، فماذا علينا أن نصنع؟ يقولون: إنّه من الدرجة الرابعة، فلا يمكن أن نصنع شيئًا، لا يمكن أن نصنع شيئًا. يبدأ بهدوء بالنموّ يبدأ التكاثر وبواسطة ذلك يقضي على الخلايا السليمة ويحتلّ مكانها ويقول المكان لي، هذا المكان لي. فإذا ارتفعت صرخة الإنسان يكون قد وصل إلى العصب وفات الأوان. 

  • هذه الحالة التي لدى الإنسان حالة خطرة، هذه الصلاة صلاة تمنع ناقوس الخطر من أن يدقّ، هذه المجالس مجالس تمنع ناقوس الخطر أن يدقّ، هذه الموقعيّة من الأمر والنهي باسم الله والإسلام وتبليغ الدين وهداية الخلق هي موانع لا تدع الإنسان يلتفت إلى ما يحدث الآن في روحه ونفسه، كلّ ذلك هو بسبب هذا الأمر. 

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: "إلهي لا ترفعني في الناس درجة إلاّ حططتني عند نفسي مثلها ولا تحدث لي عزّة ظاهرة إلاّ أحدثت لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها". فبقدر ما ترفعني بين الناس فأحسّ بأنّ لي وجاهة والناس يلتفتون إليّ فدقّ لي ناقوس الخطر بهذا المقدار وألفتني إلى نفسي بهذا المقدار وأنّي أنا نفسي لم أتغيّر، فلو أنّ الله لم يرد لما جاء اثنان ليسمعوا كلامك في ليلة الثلاثاء، أين هو دورك أنت؟ ما قصّتك؟ ما القصّة؟! 

  • الرفقاء يعلمون كم كان لي موقع في زمان المرحوم العلاّمة وتوضيح ذلك مملّ لهم، لكن وصل بي الحال أنّ الناس يرونني في الشارع فلا يسلّمون عليّ! يديرون بوجوههم عنّي، فأين ذهب الموقع؟! انتهى وانتهى الأمر انتهى. فلمن كان ذلك؟ هل كان لي؟ فلماذا لم أستطع أن أحافظ عليه؟! لو كان هذا الاحترام لي شخصيًّا لحافظت عليه. وطبعًا ندمت بعد ذلك على كلّ ما كان وما لم يكن وكلّ شيء! والتفتّ حينها إلى أنّ تلك النصائح التي كان يوجّهها إليّ ذلك الرجل الجليل من أين كانت تنشأ! وماذا كان يرى وماذا كان يرى! كان يقول: لا تنظر إلى هؤلاء، فكّر في نفسك وهؤلاء جميعهم سواد الجيش! فلم أكن أصدّق، لم أكن أصدّق. فأين هم؟! أين ذهبوا؟! أين ذهبت تلك التعظيمات؟ أين ذهبت أقوالهم لي: جعلنا الله فداء لك؟ أين ذهب قولهم: نفديك بأرواحنا؟ وقولهم: "بعد العلّامة فلان" أين ذهب؟! أين ذهب ذلك الكلام؟ لقد كان فارغًا، فارغًا، كان فقّاعة فارغة، هل رأيتم الزبد على البحر؟! وعندما تفتحون أنبوب الماء يطفو زبد، وهو أهون أيضًا من الفقّاعة، لو نفخت نفخة لزال، كلّه فقّاعات فقّاعات، والحال الآن أيضًا هو كذلك، أقسم بروحي وروحك إنّ الدنيا كلّها هباء! الدنيا كلّها خيال الدنيا! كلّها اعتبار! هذه هي الحقيقة. 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

6
  • ولقد لمسنا هذا الأمر وشهدناه بوجداننا، شهدناه شهودًا! وكم كان مفيدًا لنا! كم كان مفيدًا لنا وكم كان مؤثّرًا! كم كان مؤثّرًا! فقد فهمنا هذا الكلام للإمام السجّاد وأدركناه، والآن يستقرّ هذا الكلام في روحي، أدركه أدركه، أدرك هذه العبارة للإمام السجّاد أن يا "إلهي لا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها"، ولا تجعلني أنسب ذلك إلى نفسي، لا أنسبه إلى نفسي، لا أن أنسى أنا أيضًا نفسي برفقة تلك القافلة وذلك السلّم وتلك المكانة وأنسى واقعي الحقيقيّ. هنا لا بدّ أن يحفظ الله الإنسان، وعلى الإنسان أن يلجأ إلى الله ويستمدّ منه. 

  • يقول الإمام السجّاد في هذه الفقرة: رغم أنّي آتي ما تكره لديّ جرأة، لديّ جرأة على أن أسألك وأطلب منك. 

  • معنى الكره والحبّ عند الذات الإلهيّة

  • تقدّم في الجلسات السابقة ـ إن كان الرفقاء يذكرون ـ أنّ الكره المتحقّق هنا لا يعود إلى ذات الله، فالذات الربوبيّة لا كره لديها لذلك الفعل الخارجي وذلك العمل الذي يحدث الآن هنا، لأنّ كره الذات لفعل ليس خارجًا عنها يعني ترتّب النقص على آثار تلك الذات وعلى حقيقة تلك الذات التي هي وجود بحت وبسيط، أو يعني حصولَ أمر غير راجح ومستوي الطرفين ومتساوي الجهتين. وكلا هذين الأمرين ممتنع عن الذات الربوبيّة. فكيف يمكن أن تكون الحقائق الوجوديّة في الذات الربوبيّة ناقصة وهابطة عن تلك الحقيقة الوجوديّة ويعرض عليها النقصان؟! هذا محال. أو أن يكون لذلك الفعل ـ من حيث تحقّقه الخارجيّ الذي يتحقّق بواسطة الهدف الغائي ـ ظهورٌ وتحقّق بلا ترجيح وداع، فهذا محال أيضًا. كلاهما محال، فما يحدث في العالم إذن عبارة عن خير محض ومصلحة محضة وحقيقة محضة. وطبعًا لن نتابع في هذا البحث وسنرجع إلى الجانب الخَلقي منه لا الربوبيّ.

  • رجوع الكره إلى العبد ومصالحه ومفاسده 

  • فمن ناحية الجانب الخَلقيّ هذا الكره يرجع إلينا نحن، فقولنا إنّ هذا العمل مثلاً لا يرضاه الله يعني أنّه يسبّب لنا النقص، وأنّه يسبّب مانعًا وسدًّا أمام ذلك الكمال الذي يتحقّق في وجودنا، لا بمعنى أنّ الله ليس راضيًا، فلو لم يكن راضيًا فلماذا خلق إذن؟! لماذا سمح؟ لماذا تعلّقت إرادته؟ لماذا لا يمنع؟! فالله ليس راضيًا في النهاية تمامًا كما لو كان هناك سائل معيّن قبيح الطعم ومرّ وغير مفيد، ولكنّي أشربه رغم أنّي مشمئزّ منه ولديّ نفور منه، كان بإمكاني أن لا أتناوله، لم يجبرني أحد، لا أحد يرتكب فعلاً وهو ينفر منه. 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

7
  • نحن نقول: هذا العمل لا يرضاه الله وهو يكرهه ويبغضه وفي الوقت نفسه يسمح بتحقّقه، فأين حكمته إذن؟! كيف يصدر هكذا فعل من حكيم، ومن هكذا حكيم على الإطلاق، فعله عين الحكمة، والحكمة عين فعله، والحكمة ذاتيّة له ومنتزعة منه، لا أنّ فعله منطبق على الحكمة؟! لا يمكن أن يتحقّق ذلك؟ فهذا يرجع إلينا نحن أي إنّ ضرر ذلك الفعل الذي لا يرضاه الله لن يصيبه هو بل يصيبنا نحن. 

  • ما هي آثار كون حبّ الله و كرهه للأفعال راجعًا إلى العبد؟

  • وعندما نتجنّب فعلاً محرّمًا فهل علينا أن نفتخر على الله ونقول له: إلهي لقد تركت هذا الحرام لأجلك؟ أم أنّه هو من يجب أن يفتخر علينا أنّي وفّقتك إلى أن لا يصيبك هذا الضرر وأن لا يؤذيك؟ يبدو أنّنا استبدلنا مواقعنا مع الله! فعندما نقوم بواجب ما نمنّ على الله أنّا قمنا به، صلّينا فنحن أصحاب الفضل صلّينا لك وصمنا، صمنا شهر رمضان كاملاً الحمد لله! أم أنّه هو من له المنّة علينا حيث وصلت أنت بقيامك بهذا العمل الواجب إلى نقطة من نقاط الكمال المترتّبة على هذا التكليف؟ فالأمر يرجع إلينا نحن لا إليه. 

  • ما هو التجلّي الأعظم وما معناه؟

  • لو لم يكن هناك موحّد واحد في هذا العالم ولم يخلق الله النبيّ، أوّل مخلوق في العالم وأوّل ظهور في عالم الوجود، وأوّل تجلّ في العالم والذي هو التجلّي الأعظم، ففي ليلة السابع والعشرين من رجب ألا نقرأ في الدعاء الشريف: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِالتَّجَلِّي الْأَعْظَمِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ مِنَ الشَّهْرِ الْمُعَظَّمِ وَ الْمُرْسَلِ الْمُكَرَّمِ"۱؟ أدعوك بالتجلّي الأعظم يعني بأعلى تجلّ تجلّت به الذات ولا أعلى منه! وهذا عجيب. وينبغي لأهل الفلسفة والفضلاء أن يدقّقوا كثيرًا في هذا القسم من الدعاء، وأنّه ما معنى أعلى تجلّ للذات والذي لا يمكن تصوّر تجلّ أعلى منه؟ يعني أنّ الله عندما صنع النبيّ ـ وهذه هي العبارة الواضحة والبسيطة ـ فالتجلّي الأعظم يعني أنّ الله أبرَزَ أعظم أثر يمكن أن يبرزه عن نفسه، فلم يعد هناك شيء آخر، فانظروا حقيقة الأمر. تلك الذات التي لا تتناهى، وذلك الوجود الذي نقول إنّ وجوده إطلاقيّ ولا حدّ له، وتلك القدرة التي هي قدرة لا تتناهى، تلك القدرة أوجدت الوجود المبارك والنفس المطهّرة لرسول الله! ثمّ بعد ذلك يقولون: إنّ النبيّ لا اطّلاع له على الغيب! فلا يدري الإنسان أيبكي على أحوال هؤلاء أم يضحك؟ يضحك أم يبكي؟!

    1. البلد الأمين والدرع الحصين، الكفعمي، ص ۱۸٣. 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

8
  • لماذا لا ينتفع الله بخلقه حتّى بالتجلّي الأعظم؟

  • فلو لم يكن لله هذا التجلّي ولم يكن له هذا المخلوق، ولم تكن له هذه الخصوصيّات فهل كان سينقص منه شيء؟ لما نقص منه مقدار رأس إبرة. لماذا؟ قلت لكم ومثال اليد الذي مثّلت لكم به هنا مكانه، لأنّ كلّ ما قام به هو في ذاته ولم يقم بشيء خارج ذاته ليضاف إليه شيء. 

  • فإذن كلّ أثر يظهر عن ذات الله وكلّ تجلّ يتجلّى من ذات الله فهو ليس خارجًا عن دائرة الذات ومحوريّة الذات وحيطة الذات، فإذن سواء خلق الله الخلائق أم لم يخلقها لن يضاف إليه مقدار رأس إبرة ولن ينقص منه. أبدًا لأنّ كلّ ما هو موجود فهو في وجوده. 

  • الآن يمكنني أن أحرّك يدي بحركات مختلفة، لديّ القدرة على ذلك أم لا؟ فإمّا أن أحرّكها أو لا أحرّكها، إمّا أن أجعلها بهذه الكيفيّة منقبضة وإمّا أن أفتحها أو بحركات مختلفة، فإذا كانت لديّ هذه القدرة فلم أستفد منها فهل هناك من ضرر؟! ما هو الضرر؟! نعم لو رأيتَ أن لا قدرة لديّ نعم فهذا شعور بالضعف، هذا شعور بالنقص، هذا شعور بالعدم ولكن ما دام لي قدرة ولا أريد أن أُعملها، فهذا يرجع إليّ وإلى إرادتي. أقدر ولا أعمل، يرجع إلى إرادتي، يرجع إلى مشيئتي، يرجع إلى رغبتي، لا أحد يفرض عليّ ولا أحد يمنعني. كلّ ما هو موجود هو في ذاتي. 

  • فإذن كون ذات الله تكره ارتكاب هذا الفعل ولا ترضاه وتسخطه إلى من يرجع؟ هذا يرجع إلى الإنسان نفسه، الإنسان نفسه بواسطة هذا العمل يخسر نصيبه ويُحرم بواسطة هذا العمل الذي قام به. 

  • كيف يتجلّى غنى الله في دعوة أنبيائه وأوليائه؟

  • لذلك ترون في آيات القرآن أنّ الأنبياء عندما يبلّغون فكيف تحكي عنهم آيات القرآن؟ عندما يقول الأنبياء: {قُلْ ما أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يتَّخِذَ إِلى‌ رَبِّهِ سَبِيلًا}۱ نحن لا نريد منكم أجرًا، أجرنا هو عبارة عن ذلك الطريق الذي تطوونه فتصلون إلى غايتكم، هذا أجرنا. لماذا لدى الأنبياء هذه الحالة؟ لأنّ الأنبياء موحّدون، الأنبياء يعلمون أنّه لا فضل لهم في هذا المجال. أدركوا هذا الأمر، شهدوه، لقد شهد الأنبياء أنّهم ما داموا قد وصلوا إلى هذا المقام بواسطة التوفيق الربوبيّ فإنّ التبليغ الذي يبلّغونه لا بدّ أن يكتب باسمه هو لا بأسمائهم هم. لذلك هل حصل أن قال الأنبياء يومًا: نحن الذين بلّغناكم…؟ 

    1. سورة الفرقان، الآية ٥٧. 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

9
  • لقد طرحت في إحدى جلسات عنوان البصري هذا الأمر، فالمرحوم العلاّمة في عام ٤٢ هـ ش وما بعده كان من الذين كانت لهم شراكة في الجهود مع آية الله الخمينيّ في الثورة إضافة إلى مجموعة مثل المرحوم مطهّري والمرحوم آية الله السيّد صدر الدين الحائري الشيرازي والمرحوم آية الله دستغيب رحمة الله عليه… .

  • بعض خصائص الشهيد السيّد عبد الحسين دستغيب

  • فقد كان رجلاً جليلاً جدًّا المرحوم دستغيب هذا، كان رجلاً جليلاً جدًّا جدًّا، فكم كان رجلاً متخلّصًا من الهوى، وأنا أتعجّب كثيرًا وأبتهج من شدّة تخلّصه من الهوى، أحيانًا أسمع صوته والكلام الذي قاله والمحاضرات التي ألقاها فيعجبني كثيرًا، وكان يتكلّم ببساطة وأخويّة وصفاء، وصفاؤه مشهود في كلامه بوضوح، رحمة الله عليه، وفي إحدى زياراته إلى همدان التفت المرحوم الشيخ الأنصاري رضوان الله عليه إلى بعض الحاضرين ولا يزال بعضهم على قيد الحياة، وقال أثناء كونه السيّد دستغيب في غرفة أخرى: سيُقتل السيّد عبد الحسين شهيدًا وسيغادر الدنيا شهيدًا. وهذا ما حصل، فقد استُشهد على أيدي هذه الجماعات المنحرفة، كان رجلاً جليلاً جدًّا واقعًا كان رجلاً مخلصًا. 

  • الشرط الأوّل الذي وضعه المرحوم العلاّمة للعمل في تأسيس الحكومة الإسلاميّة 

  • وقد ذكرت للرفقاء أنّ أوّل ما كان يطرحه المرحوم العلاّمة في تلك المرحلة ما هو؟ أوّل كلام وأوّل شرط وأمر لا بدّ أن تقوم عليه جميع الأعمال ويعدّ عمود الخيمة والحجر الأساس الذي يبنى عليه في الخطوات اللاحقة ويسار على أساسه هو عبارة عن أنّه لا بدّ من تثبيت هذا الأمر في نيّتكم بشكل كامل، لا بدّ من تثبيت هذا الأمر في قلوبنا، وأنّه إذا ما نهضنا وقمنا بهذا العمل وطال ذلك لسنوات عديدة وتحمّلنا المشقّات والعذابات ودخلنا السجون ـ وقد دخلوا في هذه الأمور فهذه الأمور موجودة في النهاية ـ ثمّ وصلنا إلى الغاية والنتيجة، فلو قالوا لنا: حسنًا لقد كانت أعمالكم حتّى هذه اللحظة تامّة وصحيحة كلّها وكان كلّ شيء على ما يرام، ومن الآن فصاعدًا لا عمل لكم فاذهبوا إلى منازلكم. فينبغي أن لا يكون لدينا أدنى اضطراب أو أذى. هذا ما يجب أن يكون محور جميع الأعمال والتصرّفات والأنشطة، ثمّ بعد ذلك هل يمكن أن يدعو هؤلاء الناسَ إلى أنفسهم بعد هذا الشرط؟! وإنصافًا أيّ جماعة كان هؤلاء، فللإنصاف هؤلاء الأفراد الذين كانوا في الحلقة الأولى والخليّة المركزيّة [كانوا مميّزين] أمثال المرحوم مطهّري الذي كان رجلاً مخلصًا، وإنسانًا صادقًا، كان إنسانًا مع الله، يعمل لأجل الله، طبعًا لا أقول إنّ هؤلاء لم تكن لديهم اشتباهات، كلاّ فالإنسان جائز الخطأ ويشتبه وليس معصومًا، ولكنّ الكلام هو في تلك النيّة التي على أساسها تتبلور تلك الأعمال، تلك المركزيّة وتلك النيّة هي التي يجب أن يُنظر إليها، فإن كانت موجودة فالأمور تامّة، وإلا فماذا؟ ماذا يحصل؟ أيّ توقّع يحدث؟ أيّ أمور تقع؟ وما هي التبعات؟ ماذا ستكون التبعات؟! 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

10
  • لذلك فانظروا إلى هذا الأمر، انظروا فمن الواضح أنّ من طرح ذلك كان قد فهم القرآن، ووصل إلى سرّ بعثة الأنبياء، أمّا من يجول في أمور أخرى وتصوّرات وتوقّعات أخرى، فإن لم يصل إلى تلك التوقّعات فإنّه يقيم الدنيا ولا يقعدها، فمن الواضح أنّه ليس في طريق التبليغ، ولا مكان له في هذا الطريق، ولا سبيل له إلى هذا النوع من التفكير، ولا موقع له في هذا المبدأ، لقد جاء من البداية على أساس حساب، يقول هناك حقّ وحساب، لكلّ شيء حسابه مع غضّ النظر عن الأخوّة وغيرها، فهناك حساب والدنيا دار تجارة ومعاملة وأخذ وردّ، أعط لتأخذ، فقد عملنا إلى الآن فأعطنا حسابنا، ألا تعطينا إيّاه؟ فانتظر اليوم إذن نتيجة ذلك! أتعطي أم لا؟ وغدًا سترى أيضًا نتيجة أخرى وفي كلّ يوم هكذا…! هذا يختلف عن طريق الأنبياء.

  • ما هي خصائص طريق الأنبياء؟ ولماذا لم يكونوا يطلبون أجرًا على الرسالة؟ 

  • لذلك لدينا في آيات القرآن أنّ الأنبياء يقولون: إنّ الأجر الذي تريدون أن تقدّموه لنا لا نريده، لا حاجة أن تعطونا مالاً، لا حاجة أن تأتوا وتخدمونا وتكنسوا وتغسلوا لنا، اذهب ونظّف دارك أنت، لا داعي للمجيء إلى هنا! إنّ أجري هو أن يُفتح لك الطريق إلى الله، أن يُفتح لك الطريق نحو ذلك العالم، فمجرّد أن يفتح لك طريق إلى ذلك العالم فهذا هو أجري، وهو يعني أنّي وصلت. أنت طبّق هذا البرنامج واعمل به ولا تلتقِ بي إلى آخر عمرك فلا يختلف الأمر لديّ! لا داعي لأن تراني. اذهب واعمل بهذا البرنامج، اذهب واعمل بهذا البرنامج ولا داعي لأن تشارك بعد ذلك في المجالس، إن شئت فشارك وإن شئت فلا تشارك! فبمشاركتك لا تحلّ المشكلة، بل بالعمل. هذا ما يقوله الأنبياء وهو أنّ هذا هو أجرنا، أن نشعر أنّ إنسانًا قد هدي وإن لم يرنا أصلاً، ولم يشارك في موكبنا ومجلسنا ويلطم، يلطم هكذا بشكل منظّم، يشارك ويلطم فتتحقّق الكثير من الأهداف، "طق! طق! طق!" تصبح الجلسة مهمّة جدًّا! خصوصًا إذا كان اللطم بقوّة وشدّة…! 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

11
  • أمّا لو قال أحدهم: ألست تقول: إنّي مبلّغ؟ حسنًا فقل ما يفيدني وأنا أمضي وأعمل به ولا أنظر إليك! فلماذا أذهب كلّ هذه المرّات وأتعب نفسي؟ لماذا أطالع الكتب وأجهد عيني وأتلف عمري! بل آخذ وأمضي. 

  • ـ كلاّ لا بدّ أن تشرّف إلى هنا، لا بدّ أن تأتي إلى هنا إلى المجلس وتتناول الفطور، وترفع رأسك عاليًا وتري الجميع أنّك أتيت، وعند اللطم تلطم، وعند قصائد الموالد تصرخ عاليًا حتّى تزداد أبّهة المجلس ويرتفع شأنه وجلاله! هذا هو الصحيح والمهمّ! أمّا أن نقول إنّ أمر الإسلام هو كذا ومقتضى الأخلاق هو كذا فتأخذ بذلك وتعمل به وتمضي وشأنك فهذا ليس بشيء، أفهل نحن عمود بالنسبة إليك؟! كلاّ يا عزيزي لا معنى لهذا الكلام! لا بدّ أن تأتي وتسجّل حضورك في هذا المجلس لنعلم أنّك حضرت، ولنعلم من حضر ومن لم يحضر، فإن لم يأت نرسل إليه لماذا لم يأت؟! لقد أقيم درس، لقد أقيمت جلسة، لقد أقيم موكب ومجلس فلم نرك! 

  • ـ حسنًا لم ترني فليكن، كان هناك شيء سمعناه ثمّ نريد أن نعمل به. 

  • يقول: كلاّ عليك أن تأتي وتسجّل الحضور، وأن تعلن حضورك هنا! وتكثر السواد في هذا الجيش. 

  • الأنبياء ليسوا كذلك، الأنبياء يقولون: ما هو أجرنا فقط؟ أجرنا هو أن تهتدي أنت ولا يهمّنا أصلا أن ترانا بعد ذلك، تعال يومًا واحدًا فقط، كيف كان مالك بن نويرة؟ لقد جاء يومًا واحدًا إلى النبيّ، وكان هناك أفراد يأتون من قبائلهم ويلتقون بالنبيّ مرّة واحدة ثمّ يمضون، ولم يكن النبيّ يقول لهم: تعال إلى المدينة، وقف كلّ يوم خلفي، كان يأتي ويأخذ برنامجًا ونصيحة فيذهب ويعمل به وينتهي الأمر، لماذا؟ لأنّ النبيّ لا يريد أجرًا. النبيّ مسرور لمجيئ هذا وأخذه برنامج عمله، ولبيانه وظيفته له ثمّ ذهابه، هو فرح لذلك، انتهى الأمر، فقد أدّيت واجبي بالنسبة إلى هذا، أدّيت واجبي.

  • هل رأيتم النبيّ يومًا يقول: تعال وقف خلفي في الصلاة؟! أطل الصفّ خلفي، صَفَّ الجماعة؟! هل رأيتم ذلك؟! نعم الذين هم في المدينة يجب أن يشاركوا ولكنّ الذين هم في الأطراف والبوادي والصحاري والمدن و… لماذا عليهم أن يأتوا إلى المدينة؟! لماذا عليهم أن ينطلقوا من هذه المدينة إلى هذه؟ لماذا؟ كلّما احتاجوا كانوا يأتون ويلتقون بالإمام وبالنبيّ وبالذي ينبغي أن يهديهم، ولكن في غير هذه الحالة فهم يقومون بأعمالهم، يقومون ببرامجهم، فما هو أثر رؤية وجهه المبارك الجميل؟ ما هو أثره؟ 

معنى الحبّ والكره عند الذات الإلهيّة وآثاره العمليّة.

12
  • لذلك نرى أنّ هدف الأنبياء كان هكذا، وانزعاجهم كان لأنّ كلامهم مهمل لا يعمل به، لم يكونوا يحزنون لأنّ النعال لا تخفق خلفهم؟ هناك كلمتان فقط وهما أنّه لماذا بقي كلامهم مهملاً؟ لماذا لا يعمل به؟! الكلام دقيق جدًّا، دقيق. مقصود الأنبياء هو هذا، لأنّ الأنبياء يرون أنفسهم ظهورًا للحقّ، والظهور لا يستقلّ في نفسه، فما هو الأجر الذي يطلبه؟ ما هو؟ بأيّ أجر عليه أن يطالب؟! 

  • حسنًا فلنحتفظ بهذه الفكرة ولننتقل إلى فكرة أخرى وهي أنّه: لماذا قال رسول الله خلافًا لسائر الأنبياء: {قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى}‌۱؟ فما هو الأجر هنا إذن؟ قل يا رسولي إنّي لا أريد منكم أجرًا على الرسالة وتبليغ الشريعة إلا محبّة ومودّة أهل بيتي. الأنبياء كانوا يقولون: فقط هدايتكم، طريقكم، سلوككم، انفتاح الباب أمامكم نحو المبدأ الأعلى هي أجرنا. والنبيّ يقول: مودّة أهل بيتي هي أجري. فما هو السبب هنا الذي جعل طريقة كلام رسول الله وبيانه تختلف هنا؟ 

  • إن شاء الله في فرصة أخرى، فقد صارت الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق، فيكفي، أنهِ الكلام، وأنتم ترون حالتي ووضعي فقد أصبت بمرض في الصدر. فتتمّة الكلام في الليلة القادمة. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد. 

    1. سورة الشورى (٤٢) الآية ٢٣.