المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1431
التاريخ 1431/09/17
التوضيح
هوالعليم
إحاطة ولاية صاحب الزمان وآثار عدم الالتفات إليها
شرح دعاء أبي حمزة - عام ۱٤٣۱ هـ - الجلسة الخامسة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سرّه
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى اللَه عَلَى سیدنا و نبینا أبىالقاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّیبین الطّاهرین و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعینَ
"حجّتي يا الله في جرأتي على مسألتك مع إتياني ما تكره جودك وكرمك، وعدّتي في شدّتي مع قلّة حيائي رأفتك ورحمتك".
باعثي وسندي يا الله في جرأتي على سؤالك رغم المخالفات التي أقوم بها وارتكاب ما يخالف رضاك هو عطاؤك وجودك وكرمك وعظمتك، هذا ما يبعثني على الجرأة والسؤال والطلب والمطالبات رغم أنّي أخالفك ولا أحترس، لا أحترس من المخالفة وما تكرهه، إنّه عطاؤك الذي أعلم أنّك تعطيني ما أسألك، فأنت تعطي وتهب وكذلك كرمك وتغاضيك عمّا أفعله ولا تدقّق في عملي ولا تعتدّ بمخالفتي ولا تواجهني بها وتقول لي: لقد عملت هذا والآن تتوقّع منّي العطاء والهبة. كلاّ لا تفعل ذلك.
لقد تحدّثنا ليلة أمس أنّ مسألة كره الله ورضاه كصفتين ماذا يمكن أن يكون معناهما؟ فما معنى أن يكون رضا الله في أمر ما محرزًا وكرهه وعدم رضاه واضحًا.
فنحن لدينا محرّمات وهي معلومة، والمكروهات محدّدة، فكلّ ذلك معلوم في النهاية، فالمحرّمات هي الكذب والمكر والحيلة و السرقة وشرب الخمر والزنا وأمثال ذلك، وأكل أموال الناس، والظلم، فهذه محرّمات واضحة. والمكروهات أيضًا معلومة فمن الواضح ما هي الأمور المكروهة والتي لا يرضاها الله، غاية الأمر أنّ عدم الرضا هنا ليس موبقًا وليس إلزاميًّا، فمثلاً السلام على المصلّي مكروه، لماذا مكروه رغم أنّ السلام أكّد عليه كثيرًا؟ لأنّ ذهن المصلّي يتشتّت، فإذا ما تشتّت ذهنه فما الذي سبّب ذلك؟ سلامك أنت. أنت من جهة تريد أن تعمل بهذا الأمر المستحبّ ولكن من الناحية الأخرى فإنّك شتّتت ذهن هذا المسكين، فماذا تصنع بهذا فقد ركّز ذهنه؟ هذا من باب المثال، فلا تأخذوا كلامي على محمل الجدّ، فإنّ تركيز هؤلاء أشبه بالفكاهة، فلا قدّر الله لا قدّر الله يريد أحدهم أن يبعد الخيلات عن نفسه، ويبعد الخواطر عن نفسه، ويبعد الديون وما يريده من الناس، يريد أن يبعد ذلك عن نفسه أثناء الصلاة والعلاقات التي كانت له أثناء يومه والكلام الذي سمعه، والكلام الذي قاله، يريد أن يقف أمام الله ويتحدّث معه… .
عدم رعايتنا لحضور ولاية صاحب الزمان
لقد ذكرت في الحوارات التي أجريت معي حول السيّد هاشم الحدّاد ولا أدري ما إن كان الرفقاء قرأوها أم لا، ذكرت أنّنا لا نقبل بإمام الزمان حتّى بمستوى مسجّل الصوت، فكم هو مسجّل الصوت هذا؟ إنّه مجموعة من البلاستيك والأسلاك ومقدار من الحديد والبلاستيك وأمثال ذلك، فعندما أتكلّم وأرى أنّ صوتي يسجّل، فالصوت يسجّل ويبقى كسند فلا يمكن للإنسان أن يفرّ منه، لذلك فعندما يوجد أمامي ذلك ومن هذه الناحية وتلك هناك كاميرات مصوّبة نحوي {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعيدٌ}؛ {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقيبٌ عَتيدٌ}.۱
فهما عن اليمين وعن الشمال يراقبان الإنسان ماذا يقول وماذا يكتب وبماذا يفكّر وماذا يصنع؟ غاية الأمر أنّنا لا نحسب حساب المتلقّيين لأنّنا لا نراهما بهاتين العينين، ولكن إن كان هناك أمامنا شيء كهذا المسجّل وقيمته ليست بذات شأن خمسة آلاف تومان أو عشرة أو عشرون وما شابه، فإنّنا نحسب حسابه، نحن لا نعتبر هذا كجبرائيل، فهذا البلاستيك لو ضغطناه لتناثر فهذا البلاستيك الذي ترونه في يدي نحن لا نعدّ جبرائيل بمستواه فجبرائيل لا يساوي عندنا هذا، أنا أضعه من جديد في مكانه أن لا قدّر الله لا يخرب ويختلّ نظامه، فالنظام نظام السماوات والأرضين لا يختلّ، نحن لا نحسب حسابًا لنظام الله والملائكة والكاتبين عن اليمين وعن الشمال والمدبّرات أمرًا، فقط نحسب حساب هذا لأنّه يسبّب لنا مشكلة، فلو لم يكن هذا أمامي لأمكنني أن أقول الكثير من الكلام، ولكن ما إن يكون أمامي حتّى يتغيّر فجأة لحن الكلام ويتغيّر الكلام والعبارات وتستعمل كلمات أخرى، تستعمل كلمات موزونة.
نقل لي أحد الأصدقاء يومًا فقال: كنّا في مجلس وكان جميع الحاضرين من الأطبّاء، وفتح حديث حول بعض الأمور والمشاكل والأشياء الموجودة في كلّ مكان، فشرعنا بكلام وذكر بعض النواقص والإشكالات والانتقادات التي يمكن أن ترد على بعض أشكال تطبيق أحد الأمور، ولكن من باب نيّة الخير والصلاح وأنّه لا بدّ من إصلاح ذلك، وقبل أن نتكلّم أخذ أحد الأطبّاء المشهورين جدًّا من أصدقائنا بذكر الكثير الكثير من الأمور والنقائص والانتقادات والإشكالات والأشياء التي هي موجودة في كلّ مكان أيضًا ولا بدّ إصلاحها فهذه الأمور لا بدّ من إصلاها وتصحيحها، فقد بدأ هذا الرجل بهذا الكلام وفجأة رأينا بأنّ لحنه قد تغيّر وبدأ بالمدح والتمجيد وأنّه طبعًا كلّ شيء يجري على أحسن وجه وكلّ شيء في طريق الصواب، فجأة! فما هذا؟! ما هذا؟! لم تبق قبل نصف ساعة شيئًا وقد فقتنا نحن حدّة وشدّة فماذا حصل فجأة وماذا فعل هذا المسجّل؟! ما إن جاء هذا الشيء الأسود حتّى تغيّر الكلام كلّه وتغيّرت التعابير، واستبدلت الكلمات، فماذا حصل؟ عندما تغيّر حالة المجلس سألته: ماذا عن ذلك الكلام الذي قلته قبل نصف ساعة؟! قال: أيّها الطبيب العزيز أنت لست مقيمًا هنا، نحن مقيمون، فأنت الليلة هنا، وغدًا أنت مسافر ونحن باقون هنا، فأنت الليلة هنا وغدًا مسافر، ونحن هنا. وهذه القصّة تعود إلى ما قبل خمس عشرة سنة ولا تعود إلى زماننا هذا، فالآن كلّ شيء على أحسن وجه، ونحن مثل هؤلاء، قال: أنت الليلة هنا وغدًا مسافر، ونحن هنا وسنسأل، فقال: آه عجيب، فإذن يتغيّر الكلام بسبب هذا النوع من الأمور صحيح؟
حقيقة ولاية صاحب الزمان
لقد ذكرت في تلك الحوارات التي حدّثتكم عنها أنّ إمام الزمان الذي نعرفه والذي عرّف لنا هو إمام زمان ليس لديه حضور وغيبة، والبعد والقرب لا يؤثّران في المعرفة وفي العلم والاطّلاع لديه، فسواء كان الإمام في مدينتنا وجوارنا أو كان في أبعد نقطة من الأرض، فالأمر عنده واحد، وعلمه لا يختلف أبدًا عمّا لو كان في المنزل وإلى جانبنا، إمام الزمان الذي نعتقد به هو إمام زمان يعلم بالكلام قبل أن نتلفّظ به، لا أنّه إذا تكلّمنا يعرف الإمام بعد ذلك بعناية الله، وتخبره الملائكة ماذا حصل في ذلك المجلس، وماذا قال المتكلّم فيه، فإمام زمان كهذا لا يساوي عشرة فلوس.
إنّ إمام الزمان الذي هو إمام الزمان الحقيقيّ هو الذي يكون مطّلعًا على أفكارنا وخواطرنا قبل أن نفكّر وقبل أن يأتي الغد ونتكلّم في أحد المجالس وتمرّ الأيّام والسنين. نحن نقبل بإمام الزمان الذي تمام ذرّات عالم الوجود لا بدّ أن تعبر في تحقّقها العيني والخارجي وهويّتها من نفسه، ولو لم تعبر من نفسه لما تحقّقت لها صورة خارجيّة فهذا هو إمام الزمان.
إنّ المهندس الذي يرسم خارطة الآن فهل يمسك أوّلاً بقلم ويرسم هكذا ثمّ يفكّر ماذا يكون هذا الموضع؟ فيقول هذا حمّام مثلاً. نعم ربّما كان بعضهم هكذا، فهذا الحمّام وهذه غرفة، فهذه ليست طريقة لرسم الخرائط، رسم الخرائط هو أن يأتي ذلك المهندس أوّلاً عندما يريد أن يرسم غرفة يرسمها في ذهنه فإذا رسمها وأنّها ثلاثة في أربعة أو أربعة في أربعة أو أربعة في خمسة وأنّها لا بدّ أن تكون في هذا الموضع، حينها يمسك بالقلم والمسطرة ويجسّد خارجًا فكرته، ثمّ يجعل الحمّام إلى جانبها ثمّ يجعل المطبخ في هذه الناحية، والنافذة التي كانت في ذهنه يضعها هنا، ويعطيها الأبعاد التي كانت لها في ذهنه، وحيث إنّ هذه الخارطة قد تمّت فمن أين قد مرّت؟ مرّت من ذهن هذا المهندس، فقد كانت أوّلاً في ذهنه واستقرّت فيه ثمّ جاءت إلى الورقة، لا أنّها جاءت أوّلاً إلى الورقة ثمّ فكّر المهندس أنّه ما هذا الذي صار على الورق؟
خاطرة لطيفة: مجنون في بحث الخارج
كان المرحوم العلاّمة يقول: كنت أذهب مدّة إلى درس أحد العلماء درس المرحوم الداماد وكان يدرّس كتاب الكفاية۱ فجاء أحد المجانين إلى الدرس أيضًا وصار يشارك فيه، والحاصل أنّه أدّى إلى سرور الحاضرين وفرحهم. فكان يحضر معه ورقة، فالحاضرون كانوا يحضرون أوراقًا ليسجّلوا عليها ما ليس موجودًا في الكتاب ممّا يقوله الأستاذ، فهناك بعض النقاط ليست مذكورة في الكتب بل يؤتى بها من خارجه ويذكرها الأستاذ، ويدوّنها الحاضرون، فكان هذا المجنون يأخذ أيضًا ورقة ويبدأ بالكتابة ويرسم الخطوط نحو الأعلى والأسفل واليسار واليمين، فأثناء الدرس كلّه هو كان يقرّر ويقرّر بكتابته الخاصّة، وفي نهاية الدرس كان ينتج شيء عجيب. كان المرحوم العلاّمة يقول: وبعد الدرس يبدأ دورنا، حيث كنّا نذهب إليه ونسأله ماذا قال الأستاذ في هذا الدرس؟ فكان يقول: نعم اجلسوا واستمعوا فأنا سأقرّره لكم، هذا الخطّ الذي ترونه هنا يشير إلى ذاك الموضوع، وهكذا يبدأ بتوضيح جميع تلك الخطوط واحدًا بعد الآخر، فلماذا هذا الخطّ انحرف ولماذا ذاك اتّجه نحو اليمين ولماذا اتّجه نحو الأسفل. فكان يقول: كنّا نجلس معه ربع ساعة بعد الدرس لنروّح عن أنفسنا، ثمّ نحمل الكتاب ونخرج.
فلا يمكن هكذا أن يرسم المهندس المحترم الذي وضع لافتة كبيرة على مكتبه خارطة ثمّ بعد ذلك يفكّر ما هذا وما هذا، هذه غرفة الجلوس، وهذا الدرج وأمثال ذلك، فهذا لا يمكن. هذه الخارطة لا بدّ أن تكون في الذهن، جميع الأمور الدقيقة لا بدّ أن تكون في الذهن، كم يجب أن يكون الدرج وكم يجب أن تكون أبعاده كم ستكون الشرفة، من أين يجب أن توضع الموادّ ويجب أن يلاحظ الارتفاع من هنا إلى هناك، وهذه القضبان التي تؤخذ بعين الاعتبار لا بدّ أن تحسب أبعادها حسب طول المسافة وبعدها كي لا تقع بنفسها أو بتأثير الزلازل، وأين يوضع القسم المدعّم ضدّ الزلازل وكيف تربط القضبان الحديديّة بعضها ببعض، وهكذا يفكّر بالأعمال الدقيقة في ذهنه حسب المعلومات التي تعلّمها والدراسة التي درسها والجهود التي بذلها، فيعمل على أساسها ولديه استدلال على كلّ واحد منها، ولديه دليل، فأنا جعلت النافذة هنا لأجل هذا ولم أجعلها هناك، ولهذا السبب جعلت المطبخ هنا ولم أجعله هناك ولم أجعله في الوسط، وأمثال ذلك. فكلّ ذلك يخلق في ذهنه ويجمع فيه، فإذا هيّئ كلّ ذلك أمسك بالقلم والمسطرة ورسم على الورقة وفق ما في ذهنه، حتّى إنّه لو حصل تغيير في أثناء العمل فإنّه يغيّر الخارطة يمحوها ، ففي البداية يمرّ من النفس ثمّ يأتي إلى الورق.
الولاية في الوليّ الحي والوليّ المعصوم هي هكذا، فكلّ ما تطلق عليه ما سوى الله بادئًا من مقام الإرادة والمشيئة ومتنزّلاً إلى مقام الواحديّة وظاهرًا في الأسماء والصفات الكليّة وفي الأسم الجزئي والصفة الجزئيّة والفعل الجزئي كلّ ذلك لا بدّ أن يعبر من نفس الإمام عليه السلام، وهذا العبور مصفاة جعلها الله، فنفس إمام الزمان عليه السلام هي كالمصفاة والمعدّل والمنظّم لإرادة الله ومشيئته في هذا العالم. هذا هو إمام الزمان، لا الذي غاب ولا خبر لديه وعلينا أن نبحث عنه في جمكران وفي مسجد السهلة وهنا وهناك، إمام الزمان إلى جانبك وهو أقرب إليك من نفسك، هو أقرب إليك من نفسك ومن أفكارك فأين تريد أن تجده؟! أليست هذه إهانة له أن نقول: يا إمام الزمان أنت لست موجودًا أنت لست إلى جانبي، أنت في بعض الأماكن ولأجل رؤيتك لا بدّ من الذهاب إلى هناك، أنا لا يمكنني أن أخبرك بما أريد، لا يمكنني أن أنقل لك نواياي، وأنبّه على حاجاتي، فلا بدّ أن أذهب إلى جمكران وأكتب عريضة وأرمي بها في ذاك البئر الذي لا يعرف أصله ونسبه وحسبه وهويّته، حتّى تنقل الملائكة النقّالة من قعره عرضتنا هذه ويعطوها لك، فهذا كلّه إضافات أضيفت، وأمور خارجة عن أصول المدرسة.
إنّ إمام الزمان أقرب إليّ من وجودي، فلماذا أكتب عريضة ولمن أكتب لمن؟! قبل أن تأتي الفكرة إلى ذهني : ... *** تو نامهي نانوشته خوانى۱
يقول: أنت تقرأ الرسالة غير المكتوبة.
فأنت تقرأها وتقرأ كلّ رسالة. هذا خطأ فأنت تعرف الرسالة قبل أن يكتبها أيّ كاتب.
يقول أحد الأصدقاء أردت أن أكتب رسالة إلى أحد الأعاظم فكانت أحيانًا تحدث موانع فكنت أؤجّل الأمر لغد، وفي عالم الرؤيا كنت أرى أنّه جاء وأجابني. فقبل أن يأتي الغد أخذ جوابه، أخذ جواب رسالته.
... | *** | تو نامهي نانوشته خانى |
أنت تقرأ الرسالة قبل أن تكتب. فالرسالة التي لم تكتب بعد، وأعلى من ذلك، قبل أن يخطر في بالك أن تكتب رسالة هو يعلم ماذا ستكتب، لا أن تفكّر وتحدّد الحاجات والمسائل ثمّ تريد أن تكتبها، قبل ذلك قبل هذا الوقت.
آثار كتمان الحقّ
نحن نخجل من هذا المسجّل الذي أمامنا نستحي ونخجل فلا نقول كلّ شيء أمام قبضة من البلاستيك، بل نلاحظ لكلماتنا تركيبًا خاصًّا كيلا يقبض علينا غدًا، ولا يأتون بعد غد ويقولون لماذا قلت هذا ولماذا لم تقل ذاك؟! نخرج الكلام بطريقة ما ونلفت به فئة معيّنة فيؤيّدوننا ويسيل لعابنا، فإذا التفتنا إلى بعض التأييدات ولم يعد لدينا قلق وخوف لتلفّظنا ببعض الكلمات الصريحة… سترنا الله من هذا الكتمان والتعمية، آه من هذا النفاق! فإنّ كلّ ما حصل للإسلام من صدر الإسلام وحتّى الآن هو بسبب هذا النفاق والإخفاء والتفكير في المصالح الشخصيّة والمكر والحيلة واللعب على الحبلين. كلّ ذلك كان بسبب هذه الأعمال، كلّ ما حصل هو بسبب هذا الكتمان والتمجيدات الدنيويّة والانتقادات الدنيويّة والتفكير بالمصالح الخاصّة، فكلّ ما كان إنّما كان بسبب هذا، فبعد زمان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه كنت صريحًا جدًّا فيما يرتبط بالخلاف الذي رأيته، الخلاف الذي كنت أراه بين تلامذته، كنت صريحًا ولم أكن أداهن، والآن أيضًا لا أداهن، هذا العمل خاطئ يا فلان وهذا صحيح، فمهما كان هناك من أخطاء كنت أقول هذا خطأ، فكانوا يقولون لي: لماذا تقول إنّه خطأ. فكنت أقول: ماذا أقول إذن؟ هل أقول: إنّه صحيح؟ فأنا لم أتعلّم ذلك، لم يعلّمونا ذلك، يعني أنتم تقولون: يجب أن نقول الباطل؟ فنحن بعد أربعين سنة من التتلمذ عند الوالد نكذب، هذا معناه؟ نتعلّم النفاق والخداع والمكر.
يقولون: ليس من الصلاح.
قلت: ما معنى ليس من الصلاح؟ هي يعني أنّ الكذب فيه صلاح؟! عجبًا ما هذا؟ فأنا لا أعرف معنى أنّه ليس في هذا صلاحًا، فإن كان هذا العمل حرامًا فلتقولوا إنّه حرام، وإن كان صحيحًا فلتقولوا إنّه صحيح. فما معنى أن تقول ليس من الصلاح وفيه صلاح، فقد كان هذا الأمر عجيبًا جدًّا بالنسبة إليّ!
ثمّ صار الذين يأتون إليّ ويتعاملون معي على نمط واحد والحمد لله، ولم أعد أدرك، كان يأتي بعضهم ويقول لي: سيّد محمّد محسن والله إنّ الحقّ معك مائة بالمائة ولكن لا جرأة لدينا أن نقوله.
فقلت له: في فيك التراب، لماذا أنت حيّ إذن؟ ما معنى لا جرأة لديّ؟! أفهل يريد أحد أن يقطع رأسك؟! أفهل يريد أحد أن يعلّقك على المشنقة فإذن إلى أيّ يوم تدّخر قولك الحقّ هذا؟! إلى متى أجّلت قول الحقّ هذا والوقوف في وجه الباطل؟ أخبرنا إلى متى عيّن تاريخًا لنعرف، بعد ثلاث سنوات، بعد سنتين؟ بعد ستّة أشهر، بعد شهرين ألا يستفيد سوءًا من كتمانك هؤلاء المنافقون والشياطين الذين يتجوّلون في الميدان ويدوسون على جميع القيم ويدوسون على جميع الحقائق تحت أرجلهم ويظهرون النفاق؟!
أنت الآن في هذه الحالة وفي هذا المقام حيث يحسب لشخصك ومقامك حساب وعندما يرون أنّك تأتي وتذهب ولا تنبس ببنت شفة وأنت في حالة من السكون وقد غطّى غبار الموت على رؤوس الجميع ألا يسيء الاستفادة من هذه الفرصة هؤلاء الذين يبحثون عن الفرص؟ فأنت مسؤول شخصيًّا عن جميع هذه الجنايات إذن، أنت مسؤول، أنتم يا من كانت لكم مشاركة في هذه المسائل في أيّام ذلك الرجل الجليل، أنتم يا من تعدّون محترمين ويحسب لأعمالكم وتصرّفاتكم حساب، أنتم مسؤولون بهذا المقدار.
دور علماء السوء في نصرة الظلمة
يقول الإمام الصادق عليه السلام: لو لم يجد هؤلاء الحكّام الظلمة والفاسدون والمفسدون والمجرمون من يساعدهم بعلمه وخبراته والخطب التي يلقيها والكلام الذي يقوله ويجرّ الناس به إلى الحكومة الجائرة المجرمة لبني أميّة وبني مروان وبني العبّاس وأمثالهم، ولو لم يكن هؤلاء العوام الذين هم آلة ومنفّذون لأوامر هؤلاء ولو لم يهيّئوا الأرضيّة المناسبة لهم فمتى كان بإمكانهم أن يسلبونا حقّنا ويغصبوا مقامنا؟ متى كان بإمكانهم أن يفعلوا ذلك؟!
متى يتأتّى للمنصور الدوانيقيّ النحيف الذي لو نفخ عليه إنسان لألصقه بالجدار أن يقف في مواجهة الإمام الصادق؟! أنت كأمثال علماء السوء هؤلاء الذين هم كأبي حنيفة وسائر المعاندين الذين تغذّوا من هذه المدرسة وهم الآن يحاربونها من أصلها وجذرها. ألم يقل أبو حنيفة نفسه: لولا السنتان لهلك النعمان؟! لولا هاتين السنتين اللتين حضرت خلالهما مجلس جعفر بن محمّد لما صرت أبا حنيفة، تلك السنتان. فيا أيّها المسكين الشقيّ أهذا هو تقدير الحقّ الذي حصلت عليه من هذه المائدة والنعمة التي حصلت عليها من هذه السفرة؟ هذا هو معرفة الحقّ أن ترسل بالجواسيس إلى مجلس الدرس، وإلى دار الإمام الصادق لترى ماذا يقولون؟ ثمّ تأتي إلى المنصور وتقدّم تقريرًا؟! أهذا هو جزاء الإحسان؟! فلو لم يكن هؤلاء كيف كان للمنصور أن يقيم في مقابل الإمام الصادق ذلك النظام من الخلافة الجانية القاسية؟ كيف كان يتأتّى لهارون أن يصدر منه كلّ ذلك القتل وسفك الدماء والجناية ضدّ موسى بن جعفر عليه السلام، وأن يلقي به في السجون وفي الزنزانات الضيّقة تحت الأرض. لقد أعانه هؤلاء، ولو تركوه لتنحّى جانبًا، وذاك أيضًا يتنحّى جانبًا وذاك أيضًا يتنحّى.
عجز ناصر الدين شاه أمام فتوى التنباك شاهد على عجز الظالمين
في زمان الميرزا الشيرازي رحمة الله عليه عندما حرّم التنباك كانت سيطرة شخصيّته بنحو جعلته موضع اهتمام، وكان نافذ الكلمة، كانت نافذ الكلمة بقوّة، فعندما حكم بحرمة التنباك ترك الجميع التنباك وكسروا نارجيلاتهم، لقد كسروها وقضوا عليها من أساسها لكي لا يبقى وسيلة لاستعمال التنباك، ويقال إنّه حتّى في منزل ناصر الدين شاه كسروا النارجيلة أيضًا، فلمّا قال ناصر الدين شاه لخادمته: أحضري النارجيلة.
قالت: سيدي عالي المقام لم يعد هناك نارجيلة بعد اليوم. ليست لدينا نارجيلة.
ـ لقد أخطأت إذا كسرتها.
كان يظنّ أنّه هنا لأنّه في دار الحكومة فلا بدّ أن تجري هذه الأمور وفق رضاه وتشخيصه. فنادى المسؤول عن الخدم وأنّبه قائلاً: لقد أخطأت! لماذا فعلت ذلك بغير إذني؟
قال له: لقد كنّا بأمر عالي المقام في أمور الدنيا وفي أمور الحكومة وفي مسائل الظاهر. وأمّا الآن فلم تعد علاقتنا مع علي المقام، علاقتنا هي مع إمام الزمان.
وكان الحكم الذي أصدره الميرزا رحمه الله في حرمة التنباك هكذا: مخالفة هذا الحكم هي في حكم محاربة إمام الزمان. فماذا يصنع ناصر الدين شاه في المكان الذي يكون فيه إمام الزمان؟! فالقضيّة هنا قضيّة إمام الزمان، نعم لو أنّه هو قال كلامًا وأنت قلت كلامًا ولم يكن ذكر لإمام الزمان لاستطعنا أن نجمع بين كلاميكما ونزنهما ونرى أيّهما أفضل وأيّهما أقلّ ضررًا وأيّهما أكثر نفعًا. ولكن دخل إمام الزمان في هذا الأمر الآن، والحاصل أن عالي المقام لم يعد عالي المقام.
فرأى ناصر الدين شاه أنه وحيد هناك وانتهى الأمر وأدرك حقيقة القصّة. فعندما يخالفه خادمه وخادمته في منزله فكيف بسائر الناس؟! لقد خالفته زوجته، زوجته خالفته في ذلك.
متى استطاع هارون أن يقف في وجه موسى بن جعفر؟
فمتى استطاع هارون أن يقف في وجه موسى بن جعفر؟! عندما خدّر علماء السوء الناس بعلمهم وبيانهم وخطبهم وأوّلوا الحقائق وهم يعلمون أيّ فضيحة يرتكبون وكيف يحتالون على شريعة النبيّ، لقد كانوا يدركون، فنحن نعرف أنفسنا في النهاية، فنحن وهم وأهل العلم يدركون في النهاية أنّ من يقوم بالتبرير يدرك أو لا يدرك، يعي أم لا يعي، صادق أم ليس بصادق؟ فهذه أمور مرتبطة بنا نحن، ونحن ندرك خيرًا من الآخرين، نحن نميّز الخداع خيرًا من الآخرين. فمن جهة كان هؤلاء هم الذين أخرجوا الناس من تعلّقهم بالحقّ ومالوا بهم نحو الباطل بواسطة علومهم ومعلوماتهم وأحاديثهم وبيان كيفيّة تلفيق الأمر وكيفيّة المغالطة والجدل وكيفيّة التشويه والتشويش والتشكيك في هذه المسائل، ومن جهة أخرى هناك أصحاب الثروة والذهب والقوّة. فالتزوير دور أولئك العلماء، والذهب والقوّة دور هؤلاء، فاجتمع عدد من المساكين الحفاة الذين يميلون مع كلّ ناعق ويشكّلون سواد الجيش فقتلوا الإمام الحسين، لقد قتل هؤلاء الإمام الحسين يا عزيزي وحاصروه! فأمثال شريح القاضي وأمثال عمر بن سعد، هؤلاء الذين كانوا معروفين بين أهل الكوفة، فهؤلاء لم يكونوا من الأسافل الذين يقتلون الناس في الأزقّة، بل كانوا موضع احترام الناس، وكان الناس يرونهم يقومون بالأعمال المهمّة، والناس يرجعون إليهم ويتكلّمون، فكانوا يقولون: كلاّ فعمل الحسين بن عليّ هذا ليس صحيحًا، ليس صحيحًا، في عمله تأمّل، لم يكن عليه أن يقوم بذلك، في النهاية سيقضي على الأمن، سيقضي على النظام، سيمنع الهدوء والاستقرار، فالآن يزيد خليفة المسلمين، وماذا يفعل خليفة المسلمين؟ إنّه يحكم في النهاية، فيزيد يحكم أيضًا وجميع الأماكن آمنة انظروا! لقد قطع أيدي السارقين، فاستقرّ الأمر بين الطرق وفي السبل وأمثال ذلك. فماذا تريدون غير ذلك من المدينة؟! فيزيد يقوم بهذا، فلماذا تعارضونه ولماذا تخالفونه؟! يبدأون بالوسوسة، ويفرغون قلوب الناس العوامّ من التعلّق بأهل البيت بعبارات خادعة وجمل مغرية وكلمات محبّبة تثير الشبهات، تثير الشبهات أن ماذا نريد نحن؟ نريد الأمن. حسنًا فهذا يزيد يحقّق الأمن. فليس لنا مطلب آخر، لا شيء آخر، وهو الآن موجود، قم واذهب إلى قصره وانظر ماذا هناك، وهؤلاء لا يأخذون الناس إليه، ولو أرادوا أن يروه شيئًا فإنّهم يخرجون الموقف بشكل مناسب، فيقوم ويزور الخيم. فيقول الناس: يا له من خليفة للمسلمين! ما شاء الله! إنّه يزور الخيمة! إنّه يزور هذا المكان. ولم يكن آنذاك كاميرات وأفلام وتصوير، فكانوا يكتبون إلى البلاد: إنّ عالي المقام يزيد بن معاوية زار ذاك المكان، زار الرعاة، زار المزارعين وقدّم لهم الهدايا وكذا وكذا…
لقد كانت هذه الأمور دائمًا، لقد كانت هذه الخدع، فهؤلاء الخلفاء ماذا يصنعون يستخدمون هؤلاء الناس ليذهبوا ويهيّئوا الآخرين لنواياهم وللوصول إلى أغراضهم، ولسرقة أموالك الناس والإغارة على إمكانات بلاد الإسلام، الإغارة على إمكانات بلاد الإسلام والركوب على الأفكار والرغبات والمطالب الشيطانيّة، واسترقاق جميع طبقات الناس في ذلك المسير الذي يرونه هم، في ذلك الطريق الباطل والطريق الشيطانيّ الذي يسيرون فيه. حسنًا فلندع ذلك فهذه الأمور لا نهاية لها.
الصلاة تحت مرأى الولاية
فإذن كلّ ما يحدث في هذا العالم، وكلّ ما هو موجود في هذا العالم لا بدّ أن يعبر من نفس الإمام عليه السلام، ولا بدّ أن ينشأ من هناك، فكيف يمكن أن لا نلتفت إلى وجوده ونكتفي بتسليم القلوب إلى هذه المظاهر المتعارفة؟! نوكلها إليها، أي إنّ مستوى فهمنا ومستوى همّتنا ومستوى غيرتنا هي هذه القطعة السوداء من البلاستيك لا غير، هذه هي غيرتنا، وهذه همّتنا، وهذه إرادتنا، كلّ ذلك هو في هذا المستوى لا أكثر، لا أكثر لا أكثر، فلو كانت هذه فإنّنا نجمع أطرافنا، ولو لم تكن نكون على حالة أخرى، عندما يؤتى بآلة التصوير فإنّ صلاتنا تصبح هكذا: نطأطئ رأسنا هكذا بشكل شديد ومحكم، وتكون العبارات منظّمة بدقّة، والصوت صوتًا حسنًا، من تلك الصلوات التي يعجز عنها جبرائيل أيضًا، فلثقل وزنها لا يمكنه أن يرفعها، وليس عجزه عن رفعها بغير سبب. ففي النهاية الصلاة التي ترتفع لا بدّ أن يكون لها وزن خاصّ لترتفع، فعندما تشعلون نارًا فإنّ الحطب لا يرتفع في الهواء، فالحطب بوزنه لا يتلاءم مع الهواء والأوكسيجين والفضاء، فإذا اشتعل فإنّ دخانه بوزنه الخاصّ يتلاءم مع مستوى ضغط الهواء، فيرتفع، وارتفاعه هذا هو إلى حدّ معيّن حسب كيفيّة تركيبه ولا يتجاوزه، فهذا وزن خاصّ في النهاية، افترضوا أنّ هناك قطعة بلاستيكيّة تضعونها على الماء، فإنّ وزنها الخاصّ يؤدّي أن تكون أقلّ من الماء فيحملها ويغلبها ويحرّكها ولا يدعها تغرق، ولو وضعتم ورقة "كارتون" فهكذا أيضًا، أمّا لو وضعتم حجرًا فإنّ وزنه أكثر من وزن الماء، فوزن الماء واحد وكسور، واحد، غاية الأمر أنّ هذه المياه تختلف فيمكن أن يكون وزن بعضها ثلاثة عشر، وبعضها عشرة وبعضها ثمانية، فالحجر يغرق.
الأوزان المختلفة لصلوات المصلّين
الصلاة التي يصلّيها الأنبياء ويصلّيها أئمّتنا وزنها الخاصّ هو هذا، ما إن يصلّيها حتّى ترتفع إلى العرش وتلتصق به، فذلك الوزن الخاصّ الذي لها يجعلها ترتفع قبل أن يأتي جبرائيل ليرفعها، وعلى جبرائيل أن يلحق بها ويبحث عنها، وما أقوله ليس مجرّد ملاطفة بل فيه أسرار وأنّه كيف لا يمكن حتّى للملائكة أن تحمل صلاة الأولياء ولا قدرة لديها على حملها، فصلاتنا نحن هي التي على الملائكة أن تجهد نفسها وتجهدها حتّى ترفعها، فلو أردتم أن ترفعوا شيئًا وكان من البلاستيك أو كان من العشب اليابس فإنّكم ترفعونه فورًا، ولو كان من البطّيخ فإنّكم تبذلون جهدًا كبيرًا، فصلاتنا نحن مثلاً هي مثل حمل البطّيخ، وصلاة البعض مثل وزن الحجارة، والبعض الآخر مثل الرمل، والبعض الآخر مثل الخيار، والبعض مثل بعض الفواكه الخفيفة الوزن، فكلّ واحد لصلاته وزن ما فبعضها بلاستيك وبعضها خفيفة كالهواء ما إن تضع يدك عليها حتّى ترتفع كالبالون، صلواتنا نحن ثقيلة يبذل الملائكة جهدًا في نقلها إلى الأعلى، وكم يصرفون من البنزين الله أعلم، وخصوصًا في الأوضاع الحاليّة حيث عليهم أن يستعينوا بالبطاقة الخاصّة للبنزين وكذا وكذا أثناء صلاتنا، والحاصل أنّي أقول لكم إنّ علينا أن نخفّف من وزن صلاتنا وإلاّ فبطاقة البنزين لا تكفي لرفعها. ولكن صلاة بعضنا التي نصلّيها هكذا، صلاة مثبّتة في الأرض بالأقفال والسلاسل بحيث لا يمكن للملائكة مهما حاولوا أن يرفعوها عن الأرض، ما شاء الله، فصلاتنا ثقيلة ووزينة إلى درجة أنّ جبرائيل أيضًا لا يمكنه أن يحرّكها. يقول إلهي هذه الصلاة التي صلاّها عبدك أنا أيضًا لا يمكنني أن أحملها. فيقول له: وهل أجبرك أحد أن تحملها؟! دعها في مكانها لا حاجة إلى رفع هذه الصلوات. هذه الصلوات التي إذا شرع فيها الإنسان أخذ هيئة معيّنة من التركيز وحضور القلب إلى درجة أنّه صارت كلّ صلاة آلة تصوير، كلّ صلاته أسلاك وبراغٍ وبلاستيك وأمورًا أخرى ودنيا وأنت بنفسك استمرّ في تفصيل ذلك، أمّا لو لم تكن هناك هذه الأمور ولم توضع آلة التصوير لتصوير الصلاة فإنّ الإنسان يرى أنّه ليس تحت مراقبة الآخرين بل هو ونفسه، فيشعر بشعور آخر حينها.
فما يقوله الأعاظم من أنّ على الإنسان أن لا يدخل في هذه الأمور هو لأجل هذا، لكي لا يكون لأفعاله وزن خاصّ، أن لا يكون لسلوكه وزن خاصّ، وزن لا يمكن للملائكة أن يحملوه، فالملائكة تحمل تلك الأعمال خفيفة الوزن، ولو كان وزنها ثقيلاً لقالت الملائكة: نحن ليس لدينا بطاقة بنزين، ولسنا نضيّع جهودنا هكذا بلا فائدة، ونحن نحتفظ بالبنزين لمهام أخرى، فلتبق صلاتك هنا في مكانها.
لدينا في الرواية في حديث قدسيّ أنّ الله يقول: إذا أشرك بي عبدي في صلاته وجعلها لي ولغيري. والشريك يعني آلة التصوير هذه، فهي شريك في النهاية تسجّل، فلأقل ولا الضالّين بشكل جيّد فهي تصوّر، وإيّاك نعبد لا بدّ أن أتلفّظ بحرف العين فيها بشكل صحيح، وليست فقط من الحلقوم بل مما هو أسفل منه، فلأقلها لأنّهم يسجّلون، وهذه العباءة التي سقطت يجب أن تكون مرتّبة هذا الجانب منها على موازاة ذاك، فإنّهم يصوّرون، فلا بدّ أن أقدّم الصلاة التي يرضاها الله، فنحن هكذا نفهم، والله يقول: عندما يصلّي عبدي ويجعل لي في صلاته شريكًا فإنّ الملائكة تريد أن ترفع هذه الصلاة فتتعب بها، فللنحاس وزنه الخاصّ، والآن امتزج نصيبي مع نصيب غيري، فستتعب الملائكة في وسط الطريق، وأنا أريح الملائكة من تعب ذلك فأقول: إنّ عبدي هذا جعل غيري شريكًا في هذه الصلاة، نصفها لي ونصفها له، ثلاثون بالمائة لي وسبعون له، وهذا يرتبط بنسبة الشركة التي حصلت، وأنا خير شريك أهب سهمي إلى شريكي، فخذوا هذه الصلاة واضربوا بها رأس هذا المصلّي وقولوا له: إنّها لك أنت. فلدينا حديث قدسيّ، حديث قدسي أن اضربوا بها رأس صاحبها. ما شاء الله سيكثر عمل الملائكة بعد هذه الصلوات، فلو كان لديكم قليل من البصيرة ونظرتم بعد الصلاة في الأجواء لرأيتم رمي الصلوات وانفجاراتها إحداها هنا وإحداها هناك وتهطل كالمطر في هذه السماء كالبرد فهل رأيتم البرد، يهطل بحجم يقتل البقرة، ففي الشتاء يتساقط البرد وهناك أنواع منه كبيرة جدًّا حتّى يقال إنّه شوهد برد بوزن كيلو غرام واحد، فماذا يبقى؟ وهذا معنى أن يضرب بها رأسه، لقد جعلت شريكًا، لقد جعلت آلة التصوير شريكًا؟! جعلت جماعة الناس شركاء؟ الليلة الماضية عندما صلّيت كان خلفك مائة من المصلّين، والليلة بحمد الله ألفان، لقد امتلأ المكان، فهذه الصلاة تكون ذات رونق خاصّ، تصبح أرقى، فهذه الصلاة تصبح أفضل، إنّه الشريك في النهاية وقد صار له كلّ شيء.
اختبار الشيخ البهاري للميرزا الشيرازي أثناء صلاته
وهناك قصّة نقلتها في هوامش أحد الكتب سمعتها من المرحوم العلاّمة حول المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي أعلى الله مقامه، وكان رجلاً جليلاً متخلّصًا من هواه متخلّصًا من هواه كان بغير هوى، وقد نقلت عن هذا الرجل الجليل الكثير من الحكايات، حكايات كثيرة حول عدم الهوى وعدم النفس.
فقد سئل الشيخ محمّد البهاري مرّة عن مرجعيّته فقال: سأمتحنه. وطبعًا هو كان يعرف ولكن أراد أن يتّضح الأمر قليلاً، فقال سأمتحنه وأخبركم أنّه أهل للمرجعيّة. فانظروا كيف كان هؤلاء السلف كيف كانوا كيف كانوا! فقام وما إن أراد الميرزا الشيرازي أن يشرع بالصلاة ـ فقد كان يصلّي في كربلاء ـ جاء وبسط سجّادته إلى جانب سجّادة الميرزا الشيرازي وبدأ قبله بالإقامة، وكان الشيخ محمّد البهاري رجلاً معروفًا أيضًا وكان جليلاً، ومن حيث المكانة كان تلميذ الملا حسين قلي الهمداني، وكان مجتهدًا مسلّم الاجتهاد وكان سلوكه معروفًا بين الناس وكانوا ينظرون إليه باحترام كبير، فبسط سجّادته إلى جانب سجّادة الميرزا الشيرازي وبدأ بصلاة المغرب. فاقتدى الميرزا محمّد الشيرازي بالشيخ البهاري وعندما رأى الناس ذلك اقتدوا به أيضًا، فلمّا انتهت الصلاة قال الشيخ البهاري للنّاس: هذا أهل للمرجعيّة، أثناء الصلاة رأيته… ـ فالشيخ البهاري ولي الله وله إشراف وأقول إنّه مطّلع، ويفعل ذلك ليعرّف الناس وإلا فهو يعرفه، وطبعًا فعله هذا منسجم مع سائر أعماله التي كان يقوم بها، فقد كان بطبعه كثير المزاح تتأتّى منه أمثال هذه الأعمال وقد نقلت عنه في ذلك الكثير من الحكايات ـ يقول: أثناء هذه الركعات الثلاث التي صلّيتها لم يخطر في ذهن هذا الإنسان خطور باطل، فلم يقل: من هو هذا الذي جاء فجأة وفتح دكّانًا هنا وأفسد علينا عملنا وأخل بإمامتنا للجماعة وأمثال هذا الكلام… اصبر فسأحاسبك، سأقول له غدًا: أنا أعرف كيف أغسل عقول الناس، أمتلك هذه المهارة وهذا الفنّ، فلم تكن دراستي كلّها عبثًا، اصبر فسأعدّ لك غدًا وجبة دسمة… ولكنّه في أثناء هذه الركعات الثلاث رأيت أنّه لم يلتفت أبدًا وكان تركيزه فقط في مكان آخر وكان يصلّي صلاته ويأتمّ بي، فهذا هو الذي يفيد للمرجعيّة، إنّه أمين على الدين والدنيا، أمين لا تتبدّل أمانته في الأحداث المختلفة إلى خيانة، أمين على الدين والدنيا، لا تخدعه الدنيا، ولا يدع الدين يجعله يخسر الدنيا، بل لكلّ منهما موضعه ومقامه الخاص وينال منه حظّه من العمل، فهذه المسألة تستحقّ أن ندقّق بها.
وحاصل الكلام أنّ ما نقوم به من فعل لا بدّ أن نقيّمه من حيث ارتباطه بالمبدأ لا بأمور أخرى، علينا أن نصحّح تقييمنا هذا هو المهمّ، وهذا ليس بالكلام، وهذا ليس بمجرّد القول: سأفعل ذلك، كلاّ لا أحد يفعل ذلك، لا بدّ من التغيير، لا بدّ من تغيير رؤيتنا، وعلينا أن نعلم أنّ صاحبنا الأصليّ ووليّنا الحيّ ووليّنا الحقّ وحده الناظر على سلوكنا وأعمالنا، حينها تتغيّر الأمور شيئًا فشيئًا وتتّخذ شكلها الحقيقيّ إن شاء الله. لقد مرّ الوقت وبقيّة المسائل لولا البداء لليالي القادمة إن شاء الله.
بِمحمّدٍ وآلِه الطاهرينَ وصلِّ على محمّدٍ وآلِه أجمعينَ