1

الحياء والغِيبة

و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

6583
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1431

التاريخ 1431/09/11

جلسات المجموعة(11 جلسة)

التوضيح

ضمن تفسير فقرة (حجّتي يا الله في جرأتي على مسألتك…) تتحدّث هذه المحاضرة حول محاور أربعة:
الأول: لماذا يستحي الناس من بعضهم ويتجرأون على الله؟
الثاني: ما آثار حسن الظنّ بين الناس في الدنيا والآخرة؟
الثالث: هل الغاية تبرّر الوسيلة؟ وهل يجوز اغتنام نقاط ضعف الخصم لإحقاق الحقّ؟ ولماذا لم يقتل أمير المؤمنين عليه السلام عَمرًا بن العاصّ في صفّين؟ وهل يمكن أن يحدث ما يشبه ذلك لنا؟
الرابع: كيف نستفيد من شهر رمضان؟

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • الحياء والغِيبة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ هـ - الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِن الشّيطان الرّجيم‌

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • وصَلَّى اللَهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطّاهِرينَ‌

  • ولَعنةُ اللَهِ على أعدائِهِم أجمَعينَ مِن الآن إلى يومِ الدّين

  •  

  •  

  • لماذا الجرأة على الله؟

  • "حُجَّتِي یا اللَه فِي جُرأتِي عَلَى مَسألَتِك مَعَ إتیانِي مَا تَكْرَهُ جُودُك وَ كرَمُك، وَ عُدَّتي في شِدَّتي مَعَ قِلَّة حَیائي رأفَتُك وَ رَحمَتُك".

  • سبب عصياني يا ربّ في الجرأة التي لديّ في سؤالي رغم قيامي المعاصي هو جودك وكرمك وعطاؤك وعفوك وكرمك.

  • وهناك فرق بين الكرم والغفران، فالكرم من الكرامة، والتي تعني العظمة والشرف، والغفران بمعنى العفو، وطبعًا الغفران يتوقّع من الكريم. 

  • فسبب سؤالي لك والسؤال يعني الطلب، المطالب التي لديّ والحاجات التي عندي فهذه كلّها بمعنى واحد. ومصاديقه واحدة، دليلي في طلبي رغم أنّ أعصي وأفعل ما تكره هو جودك وكرمك. 

  • عجيب جدًّا عجيب جدًّا أنّ الإنسان رغم علمه بأنّه يعمل خلافًا لرأي ونظر وفكر وعقيدة أحد ما، وهذا الآخر يعلم، ومع ذلك فإنّ الإنسان يذهب إلى باب داره، فهل نفعل ذلك نحن؟! هل نفعل ذلك نحن؟! 

  • حياء الناس بعضهم من بعض

  • إذا قمنا بعمل باطل نعلم أنّه يخالف نظر أحد ما فإنّا نسعى أن لا يتناهى إلى سمعه، أن لا يخبره أحد، أو إذا قلنا لأحد نقول: احذر أن تخبره؛ لأنّه إذا أخبره حصلت مشكلة، لن يتمكّن من لقائه في اليوم التالي، فبأيّ وجه يذهب إليه؟! أنت إذ اغتبت فلانًا هل يمكنك أن تواجهه؟! وأنت تعلم أيضًا أنّ الأمر وصل إليه وهو يعلم ومطّلع. فبأيّ وجه تذهب غدًا وتسلّم عليه؟ بأيّ وجه تذهب إليه وتطلب منه؟! نحن لا نفعل ذلك، ولكنّ الإمام السجّاد يقول: أنا أفعل ذلك، لماذا؟ لأنّ مخاطب الإمام السجّاد يختلف عن مخاطبنا، وسأبيّن بماذا يختلف. 

  • اتّصلت بي تقريبًا قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة امرأة عبر الهاتف وقالت: لقد رأيت فلانًا في المنام، وقد رأيت أنّ ظهره محدودب، وقد التفت إليّ وقال إنّ ظهري قد انكسر بسبب هذين الاثنين. وقد كنت مطّلعًا ماذا تقصد فقلت لها: حسنًا ادعي أن تختم الأمور بخير إن شاء الله وأمثال هذا الكلام. وعلى الفور بعد ثلاث أو أربع دقائق اتّصلت تلك السيّدة من جديد وقالت: لا تخبره يومًا ما. فقلت لماذا؟ فقط أردت أن أنبّهها وإلا فإنّي عادة أنسى ذلك، فلا يهمّني ما رأت في المنام، ولم يكن الأمر مهمًّا، قلت فلأنبّهها قليلاً ولأقم بشيء من المزاح، فقلت: لماذا؟! فالإنصاف أنّ من الجيّد جدًّا أن أقول وأنبّه، وأنت أيضًا قد أعلنت في جميع الأماكن أن رؤياك صادقة وصحيحة! فما المشكلة في أن يرجع إنسان ما عن أخطائه، الأخطاء التي يرتكبها… فقالت: لا سيّدنا لا أريد، أنا لست راضية لست راضية… .

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

3
  • فبما أنّك تخافين إلى هذا الحدّ منه أفهل كنت مجبرة على الاتّصال؟! فلماذا تتصّلين إذن؟! ماذا عليّ أن أفعل أنا؟! لماذا اتّصلتِ بي؟! فإن كنت إلى هذا الحدّ ضعيفة ولا قوّة لك وقد سيطرت عليكِ المخاوف والمصالح الدنيويّة، كيلا تصاب مصالحك هنا بشيء ومصالحك هناك بشيء، ولا تصاب دنياك بشيء ولا ينزعج أصدقاؤك وتبقى الأمور على ما كانت عليه فاسكتي إذن، اصمتي. فقلت لها: كلاّ أنا سأقول حتمًا ولا بدّ أن أبلغه هذا الكلام وأخرجه من هذا الخطأ.

  • فقالت كلاّ يا سيّد أنا لست راضية، والله لست راضية. 

  • فقلت: فلتكوني غير راضية، فهذا الأمر مفيد لهدايته. فبدأت بالبكاء!! فقلت [في نفسي]: اذهبي فأنا لا أعدّك إنسانًا أصلاً لأحسب حسابًا لرؤياك أيّتها المسكينة التعيسة، امضي وشأنك. وأغلقت الخطّ. 

  • فهل تلتفتون؟! ليس لدنيا الجرأة في أن نحكي منامًا، أمر متعارف، نشعر أنّه ستحدث منه مشكلة وأنّ الأمور ستتغيّر، ربّما قالوا لنا كذا، وربّما قالوا لنا كذا، فهذه هي الحقيقة، فعندما يريد الإنسان في هذه الدنيا أن يتعامل مع الناس، فإنّ لهذا التعامل حسابًا وكتابًا، أن يقول الإنسان قولاً سيئًا في حقّ آخر، فتارة يكون القول السيّئ تكليفًا فلا بدّ منه، ويجب أن يقدم في هذا الموضع بقوّة، فهذا شيء، وتارة لا يكون الأمر هكذا، مثل أعمالنا التي نعدّها تكليفًا بنسبة ٩۸ بالمائة، ونسمّيها تكليفًا ونفعل الباطل الذي نريده، فيتكلّم بالسوء عن صديقه في غيابه ويغتاب صديقه، يتكلّم عنه في غيابه بسوء ظنّ، والحال أنّ هناك طريقًا لحسن الظنّ وهو مفتوح، وعندما ينتهي الكلام إليه نجد أنّه يريد أن يتلافى ولكن يكون الأوان قد فات. فهذا طبيعيّ أن يقوم الإنسان بذلك عندما يرى أنّ هناك مشكلة، ولكن لماذا قمت به من البداية حتّى اضطررت أن تتلافى وتصحّح؟ لماذا تفعل ذلك من البداية؟ أي إنّ الحسن و القبح تابعان لما إذا عرف ذلك الإنسان أنّا نفعل هذا! أمّا الحسن والقبح بنفسيهما فلا وجود لهما في الدنيا! واويلاه، لا إشكال في الغيبة، فقط عندما تصل إلى من اغتبناه تصبح فيها مشكلة؟! لا إشكال أبدًا في اتّهام الناس؟! لو كان فيه إشكال لما تكلّمنا! فمن المعلوم أنّه لا إشكال فيه ولذلك نحن نتّهم! فمن المعلوم أنّه لا مشكلة في الكذب في نفسه! من المعلوم أنّه لا مشكلة في الغيبة! نتكّلم بالسوء عن المؤمن فمن المعلوم أنّه لا إشكال في ذلك! ولو كان فيه إشكال لما فعلناه! خوفنا الوحيد هو من أن يصل كلامنا إلى مسامعه. هكذا هو الحال، ألسنا نحن هكذا الآن.! الأمر متعارف ولا مشكلة فيه والمشكلة الوحيدة هي أن ينتهي الكلام إلى مسامع فلان. هذا غلط وليس صحيحًا.

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

4
  • كرم الله في تعاطيه مع الإنسان

  • هناك رواية يبدو أنّها عن رسول الله ويحتمل أن تكون عن الأئمّة فليحقّق الرفقاء حولها بأنفسهم، عندما يؤتى بالمؤمن إلى ساحة العدل الإلهيّ ينظر إلى وضعه وأعماله والمخالفات التي ارتكبها وما صدر منه مما يخالف رضى المحبوب، وإتلافه عمره فينظر إلى النعم الإلهيّة التي أعطيها، والألطاف الإلهيّة التي أحاطت به، والموانع التي رفعت من طريقه، فالله يريه شيئًا من ذلك يوم القيامة وأنّه كان من المقرّر في ذلك الظرف أن تصاب بمرض أو ما شابه فدفعناه عنك، وفي ظرف آخر كان من المقرّر أن يصطدم بك فلان فلجمناه نحن، وفي ظرف آخر… فيبدأ الله ببيان جميع العلل الخفيّة للإنسان في نظام الخلقة لا بعضها، وما إن يطّلع على ذلك حتّى يطأطئ هذا المسكين رأسه، ويتصبّب عرقًا من الحياء: عجبًا لقد عاملني هكذا ولم أكن أعلم! فهذا يحصل لنا أيضًا. 

  • قصّة مقيل عثرات الكرام المجهول

  • كنت ذات يوم أقرأ قصّة مفيدة للغاية لنا جميعًا، ولا أدري في أيّ كتاب كانت، يبدو أنّها كانت في أحد كتب الحكايات التاريخيّة المفيدة، يبدو أنّه كتاب الفرج بعد الشدّة، هكذا يخطر في بالي الآن، وأنّه كان هناك رجل يعيش في إحدى مدن العراق، وكان ثريًّا جدًّا له الكثير من الأموال وقوافل البضائع والأمتعة التجاريّة من هذه المدينة إلى تلك، وكان له مكانة وأمر ونهي، إلى أن خربت أحوال هذا الرجل فجأة وتبدّلت وخسر، وصار وضعه سيّئًا جدًّا إلى درجة أنّه عرض منزله للبيع أيضًا، وباع أثاث البيت كلّه، وذات ليلة كان جالسًا مع زوجته وكان من المقرّر أن يأتي في اليوم التالي من يشتري البيت ويأتي الغرماء ليأخذوا أموالهم، وفجأة يُطرق باب البيت ويأتي رجل قد غطّى رأسه بقطعة قماش حتّى لا يُعرف، وكان الوقت في منتصف الليل، فجاءت زوجة هذا الرجل إلى الباب وسألت: من الطارق؟ ظنّت أنّه أحد الغرماء وقد جاء ليطالب بماله، ففتحت الباب، فرأت رجلاً غريبًا ملثّمًا، فأعطاها كيسين وقال لها: اصرفوهما. فقالت له: من أنت؟!

  • فقال: مقيل عثرات الكرام. يعني الذين يقعون ويزلّون عن مواقعهم الاجتماعيّة أنا آتي وآخذ بأيديهم وأنهض بهم. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

5
  • فيعطيها هذا ويمضي، فتدخل المرأة المنزل وتضع كيسي الذهب أمام الزوج وتقول: لقد جاء إنسان كذا وكذا صفته وأعطاني هذين ومضى. 

  • فقال: ألم يقل اسمه؟! 

  • قالت: فقط قال: أنا مقيل عثرات الكرام. 

  • فتأثّر كثيرًا لعدم امتلاكه أيّ علامة أو أثر عن هذا الرجل، فنظر: كم هو كثير هذا الذهب! كم فيه من النقود الذهبيّة! هكذا وضعها في هذا الكيس ومضى؟! وفي اليوم التالي يأتي الغرماء ويأخذون أموالهم، ثمّ يشتري ببقيّة المال أثاثًا، ولا ينتهي إلا كيس واحد ويبقى آخر، فيعطي جميع الديون والمصاريف! فكيف حسب ذلك هذا الرجل؟! لا بدّ أنّه مطّلع على أحوالنا حتّى دفع كلّ ذلك!

  • ويذهب ذلك الرجل ويعمل بالتجارة بواسطة الكيس الآخر، ويمضي على ذلك سنوات، إلى أن يصدر من الخليفة الحاكم في تلك المدينة خطأ ويتغيّر وضعه، فيجتمع الجميع ويقولون إنّ أفضل إنسان الآن للحكومة هو هذا التاجر المعروف، فيختارونه من جانب الخليفة، ويبدو أنّ الخليفة في ذلك الزمان كان هشامًا بن عبد الملك، فيختارون هذا التاجر للحكومة فيبدأ بالحكم، ويكون من جملة الذين يحاسبهم ويطلب منهم أن يدفعوا ما عليهم من أموال ذلك الحاكم السابق، فيطلبه ويحاسبه ويشدّد عليه شيئًا ما حتّى ينتهي ذلك الحاكم إلى نقطة يعييه فيها الجواب: لا أدري أين ذهبت تلك الأموال، ربّما أعطيت هذا المال لهذا، وربّما لذاك... .

  • ـ فيجيبه: كلاّ عليك أن تعلم، عليك أن تقول أين هي، والحاصل أنّه يقول له: عليك أن تأتي بهذه الأموال، أو نلقي بك في السجن. ولأنّه لم يتمكّن من الدفع يلقيه في السجن، ويشدّد عليه فيه ويقيّده بالأغلال والسلاسل و… ويمضي على ذلك أسبوعان أو ثلاثة وهو يقول له: هل أخفيت ذهبًا؟ هل ادّخرت شيئًا في مكان ما؟ فلا يمكن أن يكون الأمر هكذا، فالخليفة يطالبني، ويريد كشفًا بما أخذه الحاكم السابق وأين وضع الذهب والأموال ... .

  • وذات ليلة وبعد منتصف الليل بساعة أو ساعتين يُطرق باب دار الحكومة، فيأتي الخادم إلى الباب وينظر فيرى امرأة تأتي وتقول: لديّ كلام مع الحاكم. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

6
  • يقول لها: الحاكم نائم الآن.

  • تقول: لا. أنا أعلم أنّه مستيقظ، فاذهب إليه وقل له جاءت امرأة وهي تقول لك: ليس جزاء مقيل عثرات الكرام ما فعلته. 

  • فيأتي الخادم وهو لم يفهم ماذا تقصد المرأة، فيمضي إلى القسم الداخليّ من الدار، فيجد أنّ غرفة الحاكم لا تزال مضيئة ومن الواضح أنّه لم ينم بعد. فيطرق الباب، فيأتي الحاكم فيقول له: هناك امرأة جاءت إلى الباب وقالت هذا الكلام وأنّ جزاء ومكافأة مقيل عثرات الكرام ليس ما فعلته أنت! فيبدأ هذا الحكام بالضرب على رأسه والصراخ… ويدرك أنّه كان الحاكم السابق، فهذا الحاكم السابق هو الذي كان قد جاء تلك الليلة وأعطاه الكيسين قبل بضع سنوات، وكان قد غطّى رأسه، إنّه هو بعينه الذي يلقي به الآن في السجن ويقيّده بالأغلال والسلاسل وهو في السجن منذ ثلاثة أسابيع. فيبدأ هذا الحاكم باللطم على رأسه أن ماذا حصل! ويأتي بنفسه إلى السجن ويفكّ الأغلال ويقول له: اربط هذه الأغلال والسلاسل بي، فأنا من يستحقّها. ومهما قال هذا الحاكم السابق: كلاّ، ما الأمر؟! فإنّه يبقى يضرب نفسه ويقول له: لا شأن لك. وفي النهاية يقول له: ألم تكن أنت مقيل عثرات الكرام؟! 

  • فيقول: من الذي قال لك ذلك؟! من قال هذا؟! كلاّ ليس صحيحًا… وينكر ذلك. 

  • فيقول له: لقد جاءت امرأتك وقالت. 

  • فينزعج كثيرًا لأنّ هذا السرّ الذي كان مكتوما منذ سنوات قد أفشته زوجته، ويأسف لذلك. 

  • فانظروا أيّ نوع من الناس هناك، واقعًا أيّ نوع من الناس في هذه الدنيا، وهم ليسوا سلاّكًا أيضًا، وليسوا في هذا الوادي أصلاً، وكما يقول المرحوم الحدّاد رضوان الله عليه: بعضهم سلاّك وهم لم يسيروا في الطريق، سلاّك وهم لم يسيروا في الطريق. فهذا من جملة هؤلاء، من جملة هؤلاء. ثمّ يتبيّن أنّه قال لزوجته تلك الليلة: لا أرضى أن تفشي هذا السرّ. 

  • ولكن ماذا حصل الآن حتّى أراد الله أن يخرج من فمها؟! وكان الحاكم التاجر قبل سنوات قد ذهب إلى الشام وأخبر هشامًا بن عبد الملك بهذه القصّة وأنّ وضعي كان كذا وكذا فجاء رجل إلى باب داري وفعل هذا… فتأسّف هشام كثيرًا وقال ليتك كنت تعرف من هو وأين هو. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

7
  • وفي صباح اليوم التالي قال لذلك الحاكم: هيّا بنا لنذهب معًا إلى الشام. 

  • فيقول: لا. 

  • فيقول: لا بدّ أن نذهب معًا، لا يمكن!

  • فينطلقان معًا إلى الشام، ويجلس التاجر إلى جانب هشام ويقول له: إنّ ذلك الرجل الذي جاء تلك الليلة هو هذا، إنّه هذا الحاكم الذي عزلته أنت، وأمرتني أن أشدّد عليه وأقيّده بالأغلال والسلاسل حتّى يدفع ما عليه من أموال. 

  • فينفعل هشام كثيرًا، ويخجل، ثمّ يخيّر هذين الرجلين في الحكم، وإن لم يقبل أحدهما جعله حاكمًا في مدينة أخرى، فلم يقبل ذلك الحاكم وقال: فليكن هذا هو الحاكم وأنا أشتغل بالأعمال المتعارفة ولكن لا أتولّى الحكم، فلم يقبل هشام، وعيّنه حاكمًا على مدينة أخرى. 

  • حياء الإنسان أمام الله

  • فانظروا كم هذه المسألة مهمّة وهي أنّ الإنسان يوم القيامة عند الله ينظر فجأة فيرى عجبًا، ماذا فعل الله به؟! أيّ ألطاف كانت له؟! أيّ طرق فتح أمامه؟! أيّ مصالح حقّق له؟! أيّ موانع رفع عن طريقه كان يمكن لكلّ واحدة أن تقطع حياته وتقضي عليها أو إن لم تقضِ عليها فإنّها تصبح صعبة جدًّا من حيث الظاهر والحياة المتعارفة بحيث تكون أسوأ للإنسان من الموت، وفي الوقت نفسه كان يعصي الله، ولم يكن يهتمّ بهذه الأمور من أساسها، يرفع رأسه فيأتيه خطاب أن يا عبدي! بعد أن رأيت لطفي ومحبّتي ورحمتي ولا يمكنك أن ترفع رأسك خجلاً، لماذا لم تفكّر في الدنيا حين العمل بذلك؟! لماذا لم تفكّر بذلك هناك؟! وطبعًا هناك رواية أنّه يقول بعد ذلك يا إلهي ـ عين عبارة الإمام السجّاد هذه ـ كان لي نظر إلى كرمك جعلني هكذا. فيأتيه الخطاب أن عفوت عن تقصيرك. انظر إلى كرمي حتّى هذه اللحظة، شاهد عيانًا بنفسك جودي وكرمي! وأننّي في أيّ موقع. نعم نحن في الدنيا هكذا.

  • حرمة الغيبة وعدم وجوب إخبار المغتاب لطلب المسامحة منه

  • لذلك قال المرحوم العلاّمة إنّه أولاً الغيبة حرام، حرام أن تغتابوا، ولكن لو صدرت من الإنسان غفلة وجهلاً فلا يذهب إلى من اغتابه ويقول: لقد اغتبتك فسامحني! كلاّ، لا يذهب، لأنّه ما دام الإنسان لم يخبر بمساوئ الآخرين فهناك حسن ظنّ به في قلب ذلك الآخر، لأنّه لا يعلم، فما دام لا يعلم فإنّه يتعامل معه على أساس عدم العلم بهذا الأمر القبيح فيسلّم عليه ويتحدّث معه ويضحك، لأنّه لا خبر لديه بأنّه استغابه، ولكن إذا ما علم ذلك جاء رين وغطّى على هذا القلب يأتي غشاء ويغطّيه، وتتغيّر حاله بالنسبة إلى ذلك الآخر، فعندما يسلّم عليه ما إن تقع عينه عليه يتبادر إلى ذهنه أنّ هذا قد اغتابني، قبل أمس قال عنّي ذاك الكلام غير اللائق وغير الصحيح، لذلك فإنّ الإنسان في علاقاته مع الناس يدرك حتّى من الظاهر أنّه عندما تقع عينه عليه ويرى الحالة التي تصيبه أنه لا قدّر الله أن يكون قد عرف أنّي اغتبته، لا قدّر الله أن يكون اطّلع على ذلك الأمر! فهذه الحالة بنفسها تبيّن بعض مسائل الباطن والمسائل الخفيّة. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

8
  • فلو حاول هذا أن يطهّر فكره ولكنّها في النهاية تبقى أو لا تبقى؟! كم واحدًا منّا الآن في هذه الجماعة الجالسين هنا إذا علم أنّ رفيقه قد اغتابه أمس لا يتأثّر ويبقى وكأنّ شيئًا لم يكن؟! كم واحدًا؟! فليرفعوا أيديهم! لا أحد، ليس الأمر هكذا، ولذلك قالوا: لا تفعلوا ذلك! لا تفعلوا ذلك! لا تفعلوا ذلك! لذلك أمروا بأنّك إذا اغتبت فلا تذهب وتطلب المسامحة… ما إن تقول له حتّى يخرب الأمر، إذا رأيت أنّ الأمر انتهى إليه فاذهب واطلب منه المسامحة. 

  • ماذا نفعل إذا اغتيب أحدٌ أمامنا؟

  • يمكن أن يُغتاب إنسان ما ويكون المخاطب عاقلاً لا مجنونًا ـ عادة المجانين كثر في أمثال هذه الأمور ـ ما إن يقول الإنسان شيئًا… لقد أخطأت أنا فهل عليك أن تذهب على الفور وتخبر وتضيف من عندك أمرين آخرين أيضًا؟! أهذا ما أمرنا به؟! أم لا بل إذا قال إنسان عن آخر شيئًا فعليه أن يفكّر ويقيس هل إخباره بهذا الأمر فيه مصلحة له أم فيه ضرر؟ فإن كان فيه ضرر فلا يخبره، ولو أخبره فقد أخطأ. هناك أناس يقولون: لقد قلت هذا أمامي فلا تقله في مكان آخر، ولا تعد لمثله أبدًا. أحيانًا يأتي إليّ إنسان فأقول له: أنا لم أسمع شيئًا، أضع يدي على أذني وأقول: أنا لم أسمع، فما معنى ذلك؟! معناه أنّك أنت لم تقل ذلك ولن تقوله في مكان آخر أيضًا. 

  • وهناك أسلوب آخر وهو أن أقول له: نعم وماذا أيضًا أخبرني؟! وماذا أيضًا؟ ماذا حصل ماذا حصل؟! ثمّ أنهض بنشاط وحماس وأضيف وأتظاهر بمظهر جيّد وأذهب إلى ذلك الرجل وأقول له: يا ويلتاه! فيبدأ هذا من هنا ويبدأ ذاك من هناك، هذا من هنا وهذا من هناك. 

  • كيف نتعامل مع المحيطين بنا الذين ينقلون الكلام؟

  • لقد حذّر الأعاظم مرارًا وتكرارًا من أمثال هذه الأمور وكانوا يقولون: الحذر الحذر الحذر من المحيطين بكم، الحذر ممّا يدور بين المحيطين بكم، التفتوا جيّدًا، تأمّلوا، احتاطوا، لا تقبلوا كلّ شيء، لا تصغوا إلى كلّ كلام، لماذا؟ لأجل هذه الأمور، لأجل هذه الأمور، لأجل هذه المعضلات لأجل هذه، كي لا نصل إلى هنا حيث إنّنا بعد خمسين سنة وستّين سنة لا ندرك كابن العشر سنوات أين يجب أن نسيء الظنّ، وأين يجب أن نحسنه. لأجل هذا، فالذين كانوا يقولون هذا كانوا على علم، كان لهم اطّلاع، كانوا يعلمون أنّ الشيطان بالمرصاد، يعلمون أنّه دائمًا يراقب. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

9
  • لذلك عندما يأتي إنسان ويتكلّم عشر دقائق وترون أنّه لا بأس بأن تنقلوا دقيقة واحدة مما قاله حول فلان ولا تنقلون عنه الدقائق التسع الأخرى، فلماذا ننقل التسع دقائق؟ أعدّها وكأنّها طارت في الهواء، كانت هواء هبّ ومضى، لقد كانت تلك الدقيقة مفيدة، إذا فعلنا ذلك فكم تتغيّر الأوضاع؟ وكم تتبدّل هذه الحالات من سوء التفاهم إلى تفاهم حسن؟! وكم تتغيّر هذه الأحداث؟! 

  • حسن الظنّ ما دام له محمل

  • كنت ذات يوم مع المرحوم العلاّمة في المستشفى عندما كان مصابًا بالمرارة وبقي في مستشفى مشهد أسبوعًا إلى أسبوعين حتّى عرفت المشكلة بشكل كامل ثمّ رجع إلى المستشفى وأجرى عمليّة، وذات يوم جاء أحد الأطبّاء المتخصّصين ـ وقد انتقل إلى رحمة الله رحمه الله وهو الدكتور منوتشهر محمد زاده اللاري رحمه الله، حيث كان طبيبه في المرحلة الأولى، وأمّا في المرحلة الثانية عندما انتهى أمره إلى إجراء العمليّة فقد تمّت على يد رفيقنا الشفيق وسيّدنا الكريم الدكتور محمّد توسّلي، فقبل أن ينتهي الأمر إلى العمليّة كان الدكتور اللاري يقوم بمعالجته ويتولّى أموره الصحيّة ـ فجاء يومًا وأثناء كلامه ذكر قصّة وهي أنّه كان من المقرّر أن أموت في حادثة ما، وحصلت معجزة، حدث أمر خارق للعادة وأعادني الله، ورأيت أنّ الله أعادني لكي يتحقّق الشفاء لبعض المرضى بواسطتي، ويتماثلوا للشفاء، والحاصل أنّه لا بدّ من الاستمرار في طريق الطبابة هذا ومعالجة المرضى ولا بدّ أنّ في ذلك مصلحة فلا بدّ أن أرجع وأستمرّ. 

  • فتبسّم المرحوم العلاّمة وأيّد ذلك ومرّ الأمر. وبعد أن ذهب التفت إليّ المرحوم العلاّمة وقال: يا فلان ما رأيك فيما ذكره الدكتور اللاري؟ ثمّ ومن دون أن ينتظر قال: تارة يأتي الإنسان ويفهم الأمر هكذا: نعم هو هكذا، يجب أن أكون أنا حتمًا وسينتج عن وجودي هذه الأمور، وسيعالج المرضى على يديّ، وسيحصل هذه الأمور على يديّ… فهذا خاطئ وليس صحيحًا، وهذا النوع من التصوّر ليس صحيحًا؛ لأنّه ما دام الإنسان يعترف بنفسه أنّه كان ميّتًا وكان موته حتميًّا وبواسطة كرم الله ولطفه وعنايته عاد إلى الحياة، فنحن نعترف بأنفسنا بأنّ هذه الحالة هي بواسطة لطفه، ولا يمكن أن ننسبها إلى أنفسنا ونرى أنّفسنا مستقلّين، فهذا خطأ. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

10
  • والنوع الثاني هو أن ينظر ما هو الطريق الذي علّمه الأعاظم للإنسان ليعرف كيف يتكلّم مع الناس، وأن يدرك أنّه لا ينبغي أن يسيء الظنّ دائمًا بالأخ المؤمن، بل يحسن الظنّ إلاّ إذا استيقن فهنا يختلف الأمر، فهذا له موضعه الخاصّ، ولكن ما دام حسن الظنّ ممكنًا فهو واجب، ثمّ قال: يمكن أن يحمل كلامه على هذا النوع الثاني، وهو أنّ الله أراد أن يجعلني علّة من العلل وسببًا من الأسباب وواسطة من جميع هذه الوسائط، فهناك ألف واسطة الآن في الدنيا وجميعها وسائط لله، وهي في سلسلة علل تقدير الحقّ للعافية والسلامة، وهذا الطبيب واحد منها، ومنها الدواء. افترض أنّ هناك عشرة آلاف طبيب، ولكن لا يوجد دواء فما الفائدة؟ الطبيب لا يمكنه أن يشفي هكذا، لا يمكن أن ينفخ للشفاء، بل يكتب وصفة فهذا منتهى ما يمكنه، وأمّا النفخ فهو عمل النبيّ عيسى وليس عمل الطبيب، الطبيب يكتب وصفة فحسب، هذا إن لم يخطئ فيها أيضًا. 

  • فربّما كان مراد ذلك الطبيب أنّ الله جعلني واحدًا من الوسائط لكي يصل نفعي إلى عدد من الناس، ويؤدّي استمرار حياتي إلى أن تبرأ جماعة من الأمراض، ثمّ التفت إليّ وقال: أيّ هذين النحوين قصد هو؟ 

  • فتأمّلت قليلاً فقلت: في حالة حسن الظنّ النحو الثاني. 

  • فقال: أحسنت، عليك أن تجعل ذلك دائمًا معيارًا في تعاملك مع كلام الناس ومع الناس. 

  • فانظروا هكذا يأتي ويحلّل بدقّة ويري الإنسان أنّه إذا ما سمع كلامًا من إنسان وكان هذان النحوان محتملين، ويمكن أن يكون الأمر على واحد منهما فلماذا يحمله على ذاك النحو؟! فليحمله على هذا فتحلّ المشكلة وليس في ذلك أيّ أذى. 

  • قال لي أحدهم عن إنسان من الذين يواجهونني ويخالفونني: إنّ فلانًا قال عنك كذا. 

  • ففكّرت قليلاً وقلت: ربّما كان مراده كذا. 

  • قال: لا. 

  • قلت: لا معنى للا، فأنت لم تكن في قلبه، نعم هو مخالف لي ومعاند لي وعدوّ لي، كلّ ذلك صحيح ولكن أنا أفهم من كلامه هذا. 

  • فانتهى الأمر وذهبت ونمت باطمئنان وكأنّ شيئًا لم يكن، لا سقطت السماء على الأرض ولا حصل شيء آخر. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

11
  • ما هي آثار حسن الظنّ في الدنيا والآخرة؟

  • أليس هذا أفضل من أن أقول: كلا كلاّ أصلاً هيئة هذا الرجل تشير إلى هذا، جبينه يكشف عن مراده، فمن أين لي أن أحمله على الصحّة! بل أنت لم تلتفت إلى كلّ ما يريده، فأنا أعلم ماذا هناك وأمثال هذا الكلام… ثمّ بعد ذلك أصلح الأمر إن استطعت! وتبدأ عمليّات النقل اذهب وانقل هذا الكلام إلى ذاك المكان وإلى ذاك، أثير فتنة، يا الله! تعال يا عزيزي واحمل على الصحّة وامش وضع رأسك على الوسادة ونم قرير العين، وليرتفع صوت شخيرك عاليًا! ثمّ حلّق إلى السماء السابعة وشاهد في عالم الرؤيا ما شئت ممّا ينقل في كتب الحكايات والقصص…! .

  • يا عزيزي ما دامت قادرًا أن تقضي حياتك هكذا فلماذا تحوّلها بيدك إلى جهنّم؟! لماذا؟ لماذا تحوّلها إلى جهنّم؟ لماذا تحوّلها إلى مرض ونزاع وشقاق ونفاق وأمثال ذلك؟ احمل على الصحّة وامض ونم فلا ألم في الرأس ولا دواء للأعصاب. 

  • نرى أنّ المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه كان يبيّن طريق الحياة الطيّبة هكذا، ولو كان هناك غير العلاّمة لقال: من المستبعد عن ذلك الطبيب أن ينوي تلك النيّة، إنّها لا تحصل إلاّ من الموحدين! ولكنّه هو نسبها إلى نفسه وهي لا تليق به… .

  • وربّما كان النحو الأوّل أقرب بحسب الفهم العرفيّ، ولكنّه يقول: ليس قريبًا، دع قربه جانبًا، تعال وركّز هدفك ووجهتك في تلك الناحية. 

  • وإضافة إلى تمتّع الإنسان بتلك الحياة الطيّبة فإنّ المسألة الأهمّ هي ذلك التغيّر والتحوّل الذي يحصل هنا، فقد غفلنا عن هذا الأمر، فذاك الأمر صحيح وتامّ وعلى الإنسان أن يحمل على الأحسن في الأمور المختلفة الوجوه وعليه أن يختار الحمل على الصحّة، هذا صحيح، وتصبح حياته أفضل، وتقلّ آلام رأسه، ويقلّ نقل الكلام عنه والغيبة له، ويقلّ سوء الظنّ به، وتصبح علاقته مع الناس أفضل وأكثر، فهذا كلّه صحيح، ولكنّ المسألة المهمّة التي نغفل عنها ولا نلتفت إليها هي الفائدة التي نحصل عليها، مع غضّ النظر عن الحياة والمعيشة وأمثال ذلك، فلنفترض أنّنا لن نعيش أكثر من أسبوع، فنقول ماذا سنصنع في هذا الأسبوع؟! لا يهمّ أن تمضي حياتنا مع آلام أم بسعادة، ولكنّنا نلتفت إلى ذاك العالم الذي سنكون فيه بعد أسبوع، فماذا سنفعل فيه؟ لو جئتم الآن وبواسطة الحمل على الصحّة هذا صحّحتم أنفسكم، لأنّ النفس إذا حملت على الصحّة فإنّها تتغيّر في النهاية، فلو لم تتغيّر لما حملت على الصحّة، ولأنّها تتغيّر تحمل على الصحّة، فبمجرّد أن يخوض الإنسان صراعًا مع نفسه يأتي الشيطان ليجرّه إلى تلك الجوانب الأخرى، ويحاول الإنسان أن يدفع الشيطان، ويتذكّر فـ{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُو}۱ عندما يبدأ الشيطان بالدوران والجولان بالإنسان نحو ذاك الجانب الذي يريده، إلى جانب رضى الشيطان، عندها يصفع الإنسان الشيطان على وجهه وينجو بنفسه نحو هذا الجانب، ويقول: لا تحاول معي! ولا تعد إلى هذا المكان ولا تطف حولي وتلاطفني بالكلام! فأنا أحمل كلام ذلك الرجل على الصحّة وأبني على أنّه قال ذلك واقعًا.

    1. سورة الأعراف (۷)، مقطع من الآية ٢۰۱.

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

12
  • فأن نجاهد أنفسنا يعني أنّا نغيّرها، يعني أنّ هذه النفس ترجع شيئًا فشيئًا وتتغيّر، فإذا رأيت أنّ نفسك قد هدأت وقد حملت عمل ذلك الرجل على الصحّة وصار عملك تامًّا صحيحًا وترى أنّه لا شيء لديك في هذه المسألة ترى أنّك تغيّرت. فكّر في نفسك ساعة ألا تجدها قد تغيّرت عمّا كانت عليه قبل ساعة، هذا الفرق يفيدك بعد أسبوع من موتك، هذا الفرق يفيدك بعد يومين من مغادرة الدنيا، وسواء غادر الإنسان الدنيا أم لم يغادرها فقد تغيّر، وإلا فلو فرضنا أنّ الإنسان حمل على الأسوأ فهل ستختلف دنياه؟! ماذا يفعل الله به؟! هو في هذا العالم فاسد، ولا يمكن أن يغيّر هذا الخراب، والله تعالى يبيّن للإنسان هنا، يبيّن له. 

  • تحليل موقف أمير المؤمنين عليه السلام مع عمرو بن العاص 

  • ولا أدري ما إن كنت قد ذكرت هذا الأمر في المجلس قبل ليال عندما تشرّفت بالذهاب إلى مشهد أم أنّه كان في مجلس خاصّ. إن كان الرفقاء يتذكّرون ففي هذه السنوات الأخيرة التي كانت لنا فيها علاقات مع الرفقاء في مجالس عنوان البصري وكذلك في ليالي شهر رمضان المبارك في السنة السابقة، فقد تحدّثت عن قضيّة أمير المؤمنين عليه السلام، وطبعًا للأئمّة الكثير من الأمور والقضايا في هذا المجال كثيرة، فمنها قصّة أمير المؤمنين مع عمرو بن العاص والتي أنوي إن شاء الله أن أوضّحها أكثر في بعض هذه الكتب التي هي قيد التأليف وأتناولها بشيء من الدقّة. فإن كنتم تذكرون قلت إنّ أمير المؤمنين عليه السلام بهذا العمل الذي قام به في مقابل مكر عمرو بن العاص وحيلته للفرار من الموت بواسطة سيف أمير المؤمنين؟ لقد أدار أمير المؤمنين فجأة بوجهه عنه وترك العزم على قتله ففرّ ومضى وخرج سالمًا من هذه المهلكة بحسب الظاهر وظنّ أنّه صنع شيئًا مهمًّا. إنّ أدنى تفسير فسّرنا به هذه الحادثة ـ وطبعًا هناك مسائل أخرى إن كان الرفقاء يذكرون ولكنّ أدناها هو أنّ أمير المؤمنين يريد أن يقول إنّه في موارد الحقّ وفي الحوادث والحالات التي يكون الحقّ فيها لي فإنّي لا أستفيد من ضعف الخصم رغم قوّتي، حتّى في موارد الحقّ، كلّ مورد من موارد الحقّ، فأمير المؤمنين حقّ، والجيش جيش الحقّ، وقتاله قتال حقّ، وجميع جيش معاوية جيش باطل، حيله كلّها باطلة، خدعه كلّها باطلة، مكره كلّه باطل، فعمرو بن العاص على باطل، كلّه باطل، ولكنّ أمير المؤمنين يقول إنّ كرامة الحقّ وعزّة الحقّ ومناعة الحقّ وعظمة الحقّ ورأفة الحقّ وعلوّ الحقّ هي أعلى من أن يستفيد الإنسان في مورد الحقّ من ضعف الخصم، ولأنّ له قوّة فإنّه يضرب بها الخصم، فالحقّ أعلى من ذلك، وكرامته أعلى من ذلك، فلو لم تكن تملك هذه القوّة فماذا كنت ستصنع؟! هل كنت ستفعل ذلك أم لا؟! 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

13
  • وقد رأينا في حياة المرحوم العلاّمة الكثير من هذه الموارد وكنّا نتعجّب من أنّه يمكنه الآن أن يفعل كذا فلماذا لا يفعل؟! فالقوّة الآن في يده فلماذا لا يفعل؟! لقد كان باعثًا على تعجّبي، والحاصل أنّي لم أكن أجد حينها محملاً لأمثال هذه الأمور، حتّى واجهت فيما بعد هذه الأمور فارتفع الإبهام إلى حدّ ما واتّضح أنّ الأمر من أيّ نحو هو؟! إلى أن وصلت إلى بعض المسائل التي لا أدري ماذا أقول عنها! نعم فالفرق بين الإمام المعصوم عليه السلام وبين سائر الناس هو في هذه الأمور وفي هذه المسائل.

  • فرصة مؤاتية واختبار للمحاضر

  • لقد حدث أمر قبل مدّة، وحصلت ضغوط على بعض الأصدقاء من قبل بعض الأفراد فيما يتعلّق بنشر آثار المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه، فتكدّرت أذهان بعض الأصدقاء واتّصلوا بي أن ماذا نفعل؟!

  • قلت: لا شيء، لا نفعل شيئًا ونسير وفق المتعارف فإن حصل فبها وإلا فلا مشكلة. 

  • قالوا: في النهاية رغم كلّ تلك الجهود… .

  • قلت: لأجل من بذلتم الجهود أنتم؟ إن كان لأجل الله فالله يقول إنّ عليكم هنا أن [تتوقّفوا] أفهل جهودنا كانت أعظم من الجهود التي بذلها أمير المؤمنين في معركة صفّين؟! أيّهما أعظم؟! ثمانية عشر شهرًا استمرّت معركة صفّين، ذاقوا الشتاء والصيف الحارّ المحرق، تحمّلوا المطر وتحمّلوا الصقيع، الحرب، نزف الدماء، القتل في الطرفين، وفجأة يقول: توقّفوا، توقّفوا، ممّا يعني أنّ الأمر قد انتهى، ارجعوا ارجعوا! ثمانية عشر شهرًا من القتال، ثمانية عشر شهرًا من المرارة، ثمانية عشر شهرًا من بذل مهج القلوب وفقدان أعزّ الأصحاب، أفهل كان عمّار بن ياسر قليلاً؟! 

  • مكانة عمّار بن ياسر وأويس القرني 

  • يقول المرحوم العلاّمة: عندما سقط عمّار بن ياسر على الأرض أصابت أمير المؤمنين حالة عجيبة في نفسه. وأنا لم أكن قد سمعت بذلك ولم أره في موضع، فماذا كان عمّار هذا؟! أيّة مكانة كان يمتلك؟! فهناك رواية أنّ رسول الله قال إنّه "جلدة ما بين عينيّ" ولدينا في عبارة أخرى: "عمّار مع الحقّ" فأينما كان الحقّ كان عمّار، ولدينا حوله الكثير من الأمور، فالقضايا والروايات والمحاسن التي وردت في عمّار عن أهل البيت ليست قليلة، وكان عمره يقرب من المائة سنة، كان قد مضى من عمره ما يزيد على التسعين سنة، كان شيخًا كبيرًا. كان المرحوم العلاّمة يقول: عندما استشهد عمّار أحسّ أمير المؤمنين بحالة عجيبة، لدينا عن سيّد الشهداء عليه السلام أنّه عندما جاء إلى بدن أخيه أبي الفضل العبّاس سلام الله عليهما قال الإمام: "الآن انكسر ظهري". فالإمام هو من يقول هذا، الإمام المعصوم يتكلّم بهذا الكلام، الإمام الذي بإشارته جميع تقديرات العالم، وبإشارته يعمل جبرائيل، وبإشارته يعمل عزرائيل، هو يقول: "الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي".

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

14
  • لقد كان العلاّمة يقول: إنّ حالة أمير المؤمنين مع عمّار هكذا كانت، فقد خسر هؤلاء. وأمّا أويس القرني فله شأن آخر له شأن آخر، فقد كان أويس القرني عجيبًا، وأنا أعتقد أنّ توحيد أويس كان أقوى من توحيد عمّار، هذا اعتقادي، فأنا على أساس جهلي أحدّد هكذا، والله أعلم، والآن قبراهما في الرقّة قبر عمّار وقبر أويس، الرقّة على بعد مائتي كيلو متر من حلب، وقد بنيت هناك قبّة ومقام كبير ومحترم من قبل الحكومة الإيرانيّة، وقد بنيا قبل سنوات خلت، وهذان المقامات عظيمان وكبيران ونظيفان وواسعان، وقد وضع لكلّ منهما ضريح، وهما مكانان شديدا النورانيّة، شديدا النورانيّة، ولكن لكلّ منهما خصوصيّته وحالته، فلعمّار حالته الخاصّة، ولأويس حالته الخاصّة، وفي المقابل هناك مقام آخر لأحد الأصحاب أيضًا، ووفق الله الجميع لزيارة تلك المشاهد وخصوصًا مقام هذين، فهناك يتذكّر الإنسان وقعة صفّين، فعندما يزور الإنسان ذلك المكان يغوص شاء أم أبى في ما قبل ۱٤۰۰ سنة، ويدخل في تلك المعارك، ويدخل في تلك الأشهر الثمانية عشر، فهذا المكان الذي نسير فيه نحن الآن سار فيه أمير المؤمنين، لقد كانت هنا معركة استمرّت ثمانية عشر شهرًا، لقد كان الأصحاب هنا، وقد سقط الشهداء هنا، وهناك الآن قبران أو ثلاثة معروفة، ولكن قبور جميع أصحاب أمير المؤمنين هناك. 

  • فعندما جاء الأمر الإلهيّ انتهى الأمر، انتهى، لقد كانت المهمّة إلى هنا، لقد أتينا إلى هنا وبعد ذلك انتهى الأمر. 

  • تحليل المحاضر للموقف على ضوء تجربة أمير المؤمنين في صفّين 

  • فعندما سمعت بتلك الأمور خطر في بالي فجأة خاطر وفكّرت في نفسي: هل عملي وعمل رفاقي وأصدقائي الآن حقّ أم باطل؟! أخذت أختبر نفسي بدقّة فرأيت أنّ العمل حقّ صحيح ويجب أن يكون هكذا، فأنا لم أقم بعمل هكذا بدون تفكير، وفي البداية استحضرت في ذهني تلك الموارد التي يمكن أن يكون فيها مشكلة وأن تكون موضع نقص وضعف وحقّقت فيها كلّها، فوجدت أن لا مشكلة فيها، فثبّتُ نفسي على تلك الحالة، ثمّ كان ذلك الخطور هكذا وهو أنّه افترض أنّي مثلاً أضع برنامجًا وأحدّد مهلة وأقول وفق هذه المهلة التي هي ساعة أو نصف ساعة إن تمّ الأمر فبها وإلا فسأقوم بأمر آخر، وسيحدث كذا وكذا، فقلت: هل أستطيع ذلك أم لا؟! فرأيت أنّي أستطيع، وهو أمر ناجح، فلو أردت أن أقوم بذلك فسأكون موفّقًا مائة بالمائة لا تسعًا وتسعين بالمائة، موفّق مائة بالمائة، وسيكون من تلك الموارد التي ليس فيها فشل، والتي تحقّق الغاية، فقلت فلأطرق هذا الطريق، وما إن أخذت أفكّر بذلك خطر في ذهني فجأة موقف أمير المؤمنين مع عمرو بن العاص.

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

15
  • الغاية الحقّة لا تبرّر الوسيلة القذرة

  • فانظروا الله يلقي [في النفس]، أنت لا زلت تناور على الأمر منذ سنتين وتدرسه من جوانب مختلفة، وقد وصلت إلى كامل الغاية والمقصد الذي تريد، طبعًا لا أقول كاملاً، ولكن وصلت إلى بعضه، فلا يحقّ للإنسان أن يستغلّ ضعف الخصم ويستفيد منه؛ لأنّ الطريق حقّ، والمسير مسير حقّ، وواقعًا القضايا التي تنقل عن هؤلاء الأبطال من أهل المروءة والشهامة في الزمان السابق مثل بوريا الولي وغيره، هي من هذا القبيل، إنّها تنبع من هنا. 

  • وسمعت أنّ بعض هؤلاء الأبطال والمصارعين من المسلمين إذا أحسّوا في حلبة المصارعة أنّ الخصم لديه نقطة ضعف في موضع معيّن كأن تؤلمه يده أو رجله أو رقبته فإنّهم لا يفعلون شيئًا يعدّ استغلالاً لنقطة الضعف هذه، ويعدّون ذلك منافيًا للمروءة، منافيًا للشهامة، فإنّه إذ يصارع فلانًا ورجله تؤلمه لا يستغلّ ذلك ويوقع خصمه أرضًا بسبب نقطة الضعف هذه، بل يأتيه من ناحية أخرى، ومن جانب آخر. 

  • لقد خطر في بالي حينها فجأة هذا الأمر: أنت بنفسك تتكلّم بهذا الكلام وتقول: لقد كان جدّنا هكذا، كان إمامنا هكذا، لقد ذهب بكافّة أحداث صفّين من أجل عمل واحد لو كنّا نحن مكانه لقمنا به مائة بالمائة، مائة بالمائة، فهذا رجل عديم الدين والمذهب وقد فعل ذلك فرارًا من الموت، ولكُنّا قتلناه شرّ قتلة ومثّلنا به.

  • والحال أنّ أمير المؤمنين نظر إلى جميع هذه الأحداث، هذه المدّة من القتال، الأعمال التي أنجزها، معاوية، كلامه، الحكومة… كلّ ذلك يستند إلى أن يرفع سيفه ويقضي عليه. اقض عليه وأنه الأمر! ولكن يرى فجأة أنّه لو قام بهذا العمل… فعمل عمرو بن العاص هذا مثل حيلته عندما رفع القرآن على المصاحف، كلا الأمرين ناشئان من مكان واحد، فجأة يتوقّف أمير المؤمنين ويقول: كلاّ أنا لا أستغلّ نقاط ضعف العدوّ، لقد أحسّ هذا بالعجز الآن، فأنا عليٌّ إنّما أضربه بالسيف عندما يكون راكبًا خيله مثلي، وبيده سيفه، ويكون في مقام المواجهة، لا أن يكون متنحّيًا، لا بدّ أن يكون في مقام المواجهة، مجرّدًا سيفه، يكون مساويًا لي، حينها أتقدّم فأضرب ضربة ويضرب هو أخرى. أمّا الآن بعد أن ألقى سيفه وجعل نفسه في هذه الحالة لينهي الأمر بهذا النحو، فما أقوم به حينئذ هو استغلال لنقطة ضعف العدوّ، وعليّ لا يفعل ذلك، وهذا يعني أنّ الأشهر الثمانية عشرة من القتال ذهبت أدراج الرياح! 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

16
  • فقلت: حسنًا بسم الله الآن جاء دورك أنت. وطبعًا هذا لا يشبه عمل أمير المؤمنين ولكن يحدث لكلّ إنسان في حياته الخاصّة ما يناسبه، فالله يأتي بذلك يا عزيزي لي أنا ولك أنت، يأتي به بأحسن صورة، هو نفسه يعلم، يتركنا نبذل الجهود من البداية، فلا يأتي بالاختبار من البداية، بل تبذل الجهود كلّها وما إن تصل إلى هذه النتيجة يقول لك: توقّف. إن كان لا بدّ أن نصل إلى هنا ويحدث هذا فليته كان قد حصل من البداية حتّى لا أبذل كلّ الجهود عبثًا! 

  • يقول الله: كلاّ، عليك أن تصعد الدرجات إلى الأعلى ولا تتوقّف هناك، بل عليك أن تأتي إلى الأعلى، فإذا وصلت إلى هنا وصرت على ارتفاع مائة متر فلا تتصوّر أنّك وقعت، كلاّ بل وقفت على مائة متر، لقد طويت مائة متر، ووقفت على مائة متر، وعليك أن تسير، فإذا وصلت واجهت هذا الامتحان، فهذا الامتحان وهذه التجربة تحصل لك بعد هذا، بعد طيّ هذه المراتب وطيّ هذه المراحل والمشقّات، لا قبل ذلك، فقبل ذلك ليس في الأمر مهارة، فهؤلاء الذين يرون منامًا ومكاشفة وعلى أساسهما يغيّرون، فإنّ منامهم ومكاشفتهم لا ينفعانهم شيئًا، لا ينفعانهم شيئًا، بل يجعلانهم يتوقّفون في أماكنهم، بل أكثر من ذلك هو يأنس بأنّه موضع عناية، فلو حصلت مكاشفة وجاء شيء من الغيب وأنجانا مثلاً فلا فائدة، أفهل يجب أن يكون تكاملك هكذا؟! ربّما كان تكاملك في أن تخسر! فلا بدّ أن تخسر، تكاملك في أن تمرض، فلا بدّ أن تمرض، ألم يكن الأولياء يمرضون؟! ألم يكن الأولياء يخسرون؟! ألم يكونوا يخسرون؟! كانوا يخسرون. هل رأيتم أحدًا من الأولياء يلجأ إلى بعض الأعمال بواسطة الماء وأشباه ذلك للوقاية من الخسارة؟! أنا ما رأيت، والذين فعلوا ذلك لم يكونوا أولياء، بل كانوا في مراتب أدنى، فإذا قرأتم عنهم في الكتب فهؤلاء ليسوا من الأولياء، هؤلاء يتوقّفون في تلك المرتبة.

  • فما إن التفتُّ إلى ذلك حتّى قلت في نفسي: لا، أنا لا أفعل ذلك، فليسامحنا الله، إن حصل الأمر فبها، وإلا فلا مشكلة، إن حلّ الأمر وفق المجرى الطبيعيّ فبها، وإلا فلا مشكلة، فأنا لا أفعل ذلك، ومضى الأمر بخير ولم تحدث أيّ مشكلة وسارت الأمور وفق مسارها الطبيعيّ.

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

17
  • لماذا هذه المسائل؟ لكي يتكامل الإنسان من خلالها، لكي يتغيّر هنا، لكي يتبدّل هنا، كلّ ذلك لأجل هذا. ولكنّ الإنسان يسير بغير التفات إلى هذه الأمور فلا يجني نتيجة.

  • كيف نستفيد من شهر رمضان؟

  • حسنًا لقد كان هذا بعنوان مقدّمة لليالي شهر رمضان المبارك، ورغم أنّه بقي هناك بعض الأمور حول البحث السابق، والذي تحدّثت ببعضه في الجلسة السابقة في مدينة مشهد المقدّسة، وأنّه لا بدّ في هذا الشهر من زيادة مراقبتنا، والتدقيق في كيفيّة تناول الطعام وأن لا يكون الطعام ثقيلاً، وأنّ علينا أن نلتفت في هذا الشهر المبارك إلى أن لا تنشغل أذهاننا ولا يؤدّي ثقل الطعام إلى الحرمان من الفيوضات. كما ذكرت أنّ علينا أن نبتعد عمّا يؤدّي إلى تشويش الخاطر، فلماذا يشغل الإنسان ذكره وفكره في الأمور التي لا تنفعه ولا يتأتّى منه شيء فيها؟! والحال أنّنا نحتاج إلى أمور أهمّ، والأمور الأهمّ هي هدوء الفكر واطمئنان البال.

  • وأمّا ما يرتبط بما حصل معي قبل أيّام، فقد كنت أفكّر بذلك في نفسي، وطبعًا هذا الأمر يرتبط بي شخصيًّا ولا صلة له بالرفقاء، فقد رأيت أنّ وضعي الآن وحالي لا يدعو إلى ذلك، لأنّه {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‌ نَفْسِهِ بَصيرَةٌ}۱ وكلّ إنسان هو أخبر بوضعه، وما هي المشكلات النفسيّة و النفسانيّة التي يعانيها، فرأيت أنّي لست على ما كنت عليه سابقًا أصغي إلى كلّ كلام، وأسمع كلّ خبر، وأجيب على كلّ اتّصال من أيّ متّصل، ويكون الهاتف دائمًا أمامي هكذا، من يتّصل الآن؟ ومن لديه عمل الآن؟ ورأيت أنّ حالة الانتظار وما يشبهها ليس حالة جيّدة بالنسبة إليّ، خصوصًا وأنّ بعضهم يقولون: أعطنا رقم الهاتف، فلا يحسن أن أعطي بعضًا وأمنع بعضًا فيصبح هناك امتياز وأمثال ذلك، فقلت نتخلّص منه بشكل كامل، وقد قلت قبل يومين للعيال: لقد قبّلت الهاتف الجوّال ووضعته جانبًا، وإلى روحه الفاتحة مع الصلوات. فليعلم السادة أنّي لا هاتف جوّال معي بعد الآن، وإن كان لأحد عمل فليتّصل على هاتف المنزل، فأنا لا هاتف جوّال معي بعد الآن وليطمئنّ الجميع من جانبي بعد الآن.

    1. سورة القيامة (۷٥)، الآية ۱٤. 

الحياء والغِيبة - و كيف نستفيد من شهر رمضان؟

18
  • ففي النهاية لكلّ شيء وقت ولكلّ شيء حساب، فعندما تحدث للإنسان شواغل، ويتقدّم به السنّ، وتتبدّل أفكاره ولنسمّ ذلك ما شئنا، فإنّ هناك لوازم بتبع ذلك، فلن تكون له تلك القدرة السابقة وذلك النشاط السابق وذلك الصبر السابق، فلم يعد هذا موجودًا الآن، فكلّ ذلك قد تغيّر. لذلك رأيت أنّ هذا الأمر يسبّب لي الوبال والمشاكل ويؤذي الأصدقاء ويكدّر خواطرهم، فقلت: فلأرحِ الجميع وأنا أكثر راحة هكذا عندما أكون لمدّة على هذه الحالة، ثمّ أنظر هل تغيّرت الأحوال؟ هل ستسقط كواكب السماء على الأرض؟! هل ستصطدم الكواكب السيّارة بعضها ببعض؟ إذا لم يحمل الإنسان هاتفًا جوّالاً فهل تتساقط النجوم وتصطدم بعضها ببعض؟! فليكن! فلتفسد الأرض! فلأكن هكذا مدّة ما ولأنظر، فإن لم يحدث شيء فسنستمرّ، أمّا إذا رأيت أنّ أوضاع الأرض والسماء والملك والملكوت ستتغيّر بسبب هاتفي أنا وأنّي صرت مهمًّا إلى هذه الدرجة فإنّي سأعيد النظر. 

  • وعلى كلّ حال، على كلّ إنسان أن يفكّر في نفسه، ولأمير المؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه عبارة عجيبة يقول فيها: "لا أشتري صلاحكم بفساد نفسي"۱، فلا أخرب آخرتي لأصلح دنياكم، وعلى الإنسان أن يهتمّ ويلتفت ويتأمّل أكثر، وأن يدقّق في الأمور أكثر، ولا يلقي كلّ ثقله على عاتق فلان وفلان، وبدلاً من أن يحمل ويحمل يترك ذلك، ففي النهاية لقد مضى منّا عمر، مضى عمر، ويمكن للإنسان أن يعيش بنحو يكون فيه أكثر راحة وأبعد عن الكلام ونقل الكلام، فلماذا لا يفعل ذلك؟! 

  • نسأل الله أن يوفّقنا للعمل بما قاله الأعاظم لنتنعّم أحسن تنعّم من بركات هذا الشهر المبارك ونعمه.

  •  

  • بِمحمّدٍ وآلِه الطاهرينَ وصلِّ على محمّدٍ وآلِه أجمعينَ

    1. بحار الأنوار، ج۷٤، ص ٣٦٥.