2

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة

عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

1559
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1431

التاريخ 1431/09/12

جلسات المجموعة(11 جلسة)

التوضيح

هل كان لأمير المؤمنين مقرّبون لهم امتيازات سياسيّة؟ لماذا لم يعاقب أمير المؤمنين ابن ملجم؟ ولماذا عاقب خادمه قنبرًا؟ ما هي معجزة أمير المؤمنين الحقيقيّة؟ لماذا كانت الإمرة عند أمير المؤمنين أهون من نعله؟ هل يجب أن يكون الإمام هو الأقوى بدنًا؟
/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • شمول الرّحمة الإلهيّة على نحو المساواة(عدالة أمير المؤمنين نموذجًا)

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۱ هـ - الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله مِن الشّيطان الرّجيم‌

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم‌

  • وصَلَّى اللَهُ على محمّدٍ وآلِهِ الطّاهِرينَ‌

  • ولَعنةُ اللَهِ على أعدائِهِم أجمَعينَ مِن الآن إلى يومِ الدّين

  •  

  •  

  • "حُجَّتِي یا اللَه فِي جُرأتِي عَلَى مَسألَتِك مَعَ إتیانِي مَا تَكْرَهُ جُودُك وَ كرَمُك، وَ عُدَّتي في شِدَّتي مَعَ قِلَّة حَیائي رأفَتُك وَ رَحمَتُك".

  • شمول كرم الله للمطيع والعاصي

  • حجّتي يا الله وما يشجّعني على الجرأة والهمّة والاهتمام والإصرار على السؤال الذي لديّ لديّ والطلب منك، وما يرغّبني ويبعثني ويسبّب لي ذلك في الحال الذي أرتكب فيه الذنوب والعصيان وما يخالف رضاك ويوجب كرهك هو جودك وكرمك وعطاؤك. 

  • إنّه جودك وعطاؤك الذي لا حدّ له وسخاؤك في إعطاء المواهب، وكرمك وعظمتك كل ذلك منضمًّا بعضه إلى بعض أدّى إلى أن تكون لي الجرأة رغم عصياني ومخالفتي لرضاك، إلى أن أسير نحوك وأطلب منك ولا أقصد غيرك، فهذه هي الحقيقة، كلا هذين الأمرين منضمّ أحدهما إلى الآخر. 

  • ولحافظ شعر جميل خطر في ذهني الآن:

  • حسنت به اتفاق ملاحت جهان گرفت***آری به اتفّاق جهان می‌توان گرفت‌
  • يقول: 

  • حسنك ولطفك معًا سيطرا على العالم *** نعم يمكن بالاتّحاد معًا السيطرة على العالم.

  • كم هو شعر جميل، فهو يقدّم بيانه هذا في هذا المجال وفي هذا الإطار، فبعض الناس لهم جمال ولكن ليس لهم لطف وملاحة، فللطف والملاحة جاذبيّة أخرى، وبعض الناس لهم لطف وملاحة ولكن ليس لهم حسن وجمال، ويريد حافظ أن يقول: إنّ محبوبي ومعشوقي… يريد أن يتفضّل بالقول… ـ فقد قلت من جديد يريد أن يقول، أستغفر، فقد كنت يومًا عند المرحوم العلاّامة في المستشفى فقلت: يقول حافظ…، فقال: ماذا قلت يا عزيزي؟! يتفضّل حافظ بالقول۱، وقرّرت أن أقول هكذا، ولكن في النهاية أحيانًا يقع تجاسر بسبب النفس والجهل ـ فحافظ عليه الرحمة يتفضّل بالقول: إنّ محبوبي ومعشوقي له سببا الجاذبيّة معًا، فله الجمال وله اللطف والملاحة، وقد جمعهما معًا وليس هناك أيّ نقطة ضعف في شمائله، وهذه إشارة إلى أسرار… . 

  • هنا يقول الإمام السجّاد عليه السلام: هذا الجود والذي يعني السخاء والعطاء هو مع الكرم والعظمة، فيمكن أن يكون أحد ما سخيًّا وكثير العطاء، مبسوط اليدين بالعطاء، كلّ من يأتي إلى بابه لا يرجع بيد خالية، ولكنّه لا يلزم أن يكون لديه عفو وغضّ عن الإساءة، فلو أنّ أحدًا آذاه فإنّه لا يفسح له المجال لذلك، وله الحقّ في ذلك أيضًا، فلا داعي لأن يتوقّع المسيء أيضًا منه العطاء! بل إذا رأى الفقراء، وإذا رأى الأصدقاء، وإذا رأى الأقارب والأرحام فإنّه يعطيهم، ولكن الذين يسيئون إليه لا يعطيهم ولا يحسن إليهم. أمّا هنا فإضافة إلى الجود والسخاء ضمّ الإمام السجّاد أيضًا الكرم والعظمة والأبّهة، فهو يقول: إلهي فضلاً عن جودك وعطائك الذي:

    1. في اللغة الفارسيّة يستعمل فعل تفضّل بدلاً من قال لمزيد من الاحترام، في حين لا يستعمل ذلك عادة في اللغة العربيّة، وقد تمّت ترجمته في هذا المورد رغم عدم استعماله في العربيّة لبيان وقوف العلاّمة عند الأمر، وأمّا في سائر الموارد فرغم استعمال المحاضر قدس سرّه لألفاظ الاحترام هذه فإنّا لا ننقلها بحرفيّتها لغرابتها. (م)

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

3
  • بسیط زمین سفره عام اوست‌***بر این خان یغما چه دشمن چه دوست‌
  • يقول:

  • بسيط الأرض مائدته العامّة *** يغير على هذا السيّد العدوّ والصديق

  • ففضلاً عن ذلك، فأنت تدعو عدوّك أيضًا. فالسخاء والعطاء ليسا بمعنى الحيثيّة المقابلة التي هي الكرم، بل له صفة خاصّة موجودة عند البعض وغير موجودة عند بعض آخر، أمّا مسألة الكرم فهي أمر آخر، فهي تعني مناعة الطبع وعلوّ الروح وسعة الصدر، سعة الصدر التي تتحمّل ولا تحسب حسابًا للأخطاء، ونحن أيضًا نشاهد أنّ هناك الكثير من الناس في هذه الدنيا في مقام عصيان الله ولكنّ الله لا يقطع عنهم الخبز، لا يقطع رزقهم، يستمرّ في رزقهم وهم يعيشون حياتهم، وهو يعطيهم مهلة في هذه الحياة الدنيا، والله هو إله للصديق وللعدوّ، وهو يعاملهم في هذه الدنيا بطريقة واحدة، فهم يتمتّعون بطريقة واحدة من نعمة الحياة هذه في الحياة الدنيا، وكثيرًا ما نجد أنّهم أكثر سلامة من الناحية الصحيّة والبدنيّة، ومن حيث الرفاهية والراحة والأمن وسائر الموارد، ولكنّهم أعداء الله، أعداء رضى الله، أعداء طريق الله، يعاندون، ولا يتعرّض لهم الله، ولا يهتمّ لأمرهم هذا من هذه الناحية، ولا ينقص من تلك السفرة ولا ينقص من إنعامه، فليجلس هؤلاء أيضًا على مائدته، فليجلسوا على مائدته. 

  • شمول عدالة أمير المؤمنين للموافق والمخالف

  • لقد كان أمير المؤمنين عليه السلام حاكم الإسلام، خليفة المسلمين، حاكم الإسلام وينفّذ حكم الله في الممالك الإسلاميّة، فكان يطبّقه ولم يكن لديه فرق بين الناس من ناحية تطبيق حكم الله وحقّ الحياة في حكومته، لم يكن هناك أيّ فرق، كلّ إنسان كان يأخذ حقّه من الحياة ومن الغنائم ومن بيت المال، ولم يكن يفرّق بين اليهوديّ وغيره، ولم يكن يفرّق بين المسلمين، لم يكن يفرّق بين الغنيّ والفقير، وبين المخالف له والموافق، فتعال أنت وخذ حصّتك، وأنتم أيضًا تعالوا. فليأت الطرفان ما دام المخالف لم يعلن الجهاد ولم يعلن الحرب والمواجهة ولم يشهر سيفه لم يكن الإمام يتعرّض له. فتلكن مخالفًا ما شأني أنا؟! نحن لا نتعرّض لك ولن يجعلوك في قبرنا كما لن يجعلونا في قبرك، ويوم القيامة لن يعطوني سجلّك، ولكلّ منّا سجلّه الخاص والحساب على الله يعذّب من يشاء ويعفو عمّن يشاء، وهذا أمر يقرّ به العقلاء جميعًا، وليس مجرّد كلام. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

4
  • هل لدينا أنّ الذين يشمتون بأمير المؤمنين ويحاكمون التاريخ يقولون إنّه كان يميّز بين الموافق والمخالف؟ إن كان كذلك فليأت وليشهد، من الذي قال ذلك في الكوفة أو في المدينة وادّعى أنّ عليًّا كان يميّز بيننا؟! بل كان على العكس من ذلك، ولم يكن الأمر موضع إنكار من هذه الناحية، حتّى إنّ جورج جرداق المسيحيّ يقول لا بل الجاحظ الذي هو أحد علماء أهل السنّة المعروفين: قتل عليّ في محراب عبادته لشدّة عدله. لقد كان عادلاً إلى درجة أنّه لشدّة عدالته قتلوه، فقد كان يفرط في العدالة، كان يفرط في تطبيق العدالة، إلى هذا الحدّ كان عادلاً. 

  • عدالة أمير المؤمنين مع ابن ملجم 

  • جاءت جماعة من اليمن وكانوا عشرة رجال ولهم قصّة مفصّلة، اختاروا واحدًا منهم وكان أبلغهم وأفصحهم وأحسنهم بيانًا فجاء وخطب في مدح أمير المؤمنين ومناقبه وأنّك كذا وكذا… خليفة رسول الله وكذا… فلمّا انتهى نظر إليه الإمام نظرة وقال: أريد حياته ويريد قتلي. متى؟ قبل عدّة سنوات من شهادته، في أوّل الخلافة، في أوّل الخلافة، أنا أريد حياته، وهو يريد موتي، ولم يكن حينها شيء من هذا الكلام أصلاً قد طرح، قبل شهادته يخبر أمير المؤمنين بأنّ هذا سيكون قاتلي، كان بإمكان أمير المؤمنين أن يأخذه ويلقي به في السجن، كان بإمكانه أن يفعل ذلك ويعدمه، ويقول: هذا قاتلي، وكلام أمير المؤمنين لا يردّ في النهاية، إنّه إمام وعالم بالخفيّات وعالم بالأسرار، وكلامه لا يردّ أبدًا وقد ثبت وصحّ.

  • أهميّة قراءة التاريخ

  • فعندما يرى الإنسان هذا، يلتفت إلى السبب الذي كان من أجله يوصينا المرحوم الوالد والأعاظم بقراءة التاريخ، لكي ندرك ماذا علينا أن نفعل؟ لأجل هذا. علينا أن لا نقرأه كقصّة، بل لكي ندرك كيف كان الإمام يفكّر؟ لكي ندرك كيف كانت رؤيتهم إلى التقديرات ومشيئة عالم الخلق، وكيف كانوا ينظرون إلى التقديرات الإلهيّة، هل كانت نظرتهم كنظرتنا؟! هل كانت نظرتهم كنظرتنا إذا علمنا بأنّ إنسانًا سيأتي بعد سبعين جيل من نسل هذا ويضرّ بنا فإنّا نقضي عليه من لحظته!!

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

5
  • شواهد من ظلم حكومتي صدّام والشاه وكيفيّة زوالهما

  • يقال إنّ حكومة البعث التي كانت في العراق هذا النظام الحاكم والنظام الجائر والفاسد، كانت إذا فعل واحد من عائلة ما عملاً مخالفًا في نظرهم أي أقدم على عمل يخالفهم فيه، لم يكونوا يأتون ويقضون عليه وحده، بل كانوا يقضون على الجميع بشكل كامل فيقضون على زوجته وأطفاله وأقاربه وأرحامه… بحيث لا يبقى أحد أصلاً يمكن أن يسبّب لهم المشاكل، لقد كانت هذه حكومات فاسدة وحكومات مفسدة وجائرة لا موضع في حياتها للتقدير الإلهيّ، وأنّه في النهاية هل نحن جزء من هذا التقدير الإلهيّ أم أنّنا مستقلّون عنه؟ وقد رأينا ماذا جرى عليهم وماذا جرى على كبيرهم وعلى جميع هؤلاء الذين كانوا يفكّرون في كلّ شيء لأجل بقائهم إلا هذا الأمر المهمّ والأساسيّ والحيويّ... . 

  • باتوا على قلل الأجبال تحرسهم***غلب الرجال فلن تنفعهم القلل 
  • عجيب شعر الإمام الهادي هذا يجعل خلايا بدن الإنسان ترتجف واحدة واحدة، أفيمكن الفرار من تقدير الله؟! عندما حصلت أحداث أميركا والعراق، ومنذ أن قالوا إنّكم تملكون من هذه الأسلحة المدمّرة وأسلحة الدمار الشامل كما تسمّى، وهم قالوا ليس لدينا، وكان أولئك يصرّون أن لديكم ويقولون لقد انتهى الأمر وأغلق السجلّ، ليس الأمر هكذا، قلت للرفقاء لقد انتهى أمرهم مهما حاولوا وقالوا ليس لدينا وأرسلوا من يبحث، تنحّ جانبًا يا عزيزي فقد أغلق سجلّك وختم عليه…. غاية الأمر أنّ ذلك الأحمق لم يعِ وواجه وضغط حتى وصل الأمر إلى أن جاؤوا وقضوا على كلّ شيء واحتلّوا وفعلوا ما فعلوا وهكذا {كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}۱، لقد نسي هؤلاء الجبابرة {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} ٢فما داموا قد غفلوا عن الله فإنّهم سيغفلون عن واقعهم كالمصاب بالدوار الذي لا يدرك ماذا يصنع. فعندما رأيت هذا الكلام وكان في بدايته رأيت أنّ سجلّ هذا الرجل قد أغلق وليس الأمر كما يتصوّر. حتّى أنّي كنت أسمع الأخبار مرّة حول ممثّله في الأمم المتّحدة حيث كان يلتمس منهم أن تعالوا وانظروا فإن وجدتم شيئًا فافعلوا ما شئتم، وكانوا يضحكون لأمره هم أنفسهم كانوا يضحكون، يضحكون، ولم يكن ذلك الممثّل يدرك أنّ هذه لعبة، لم يكن لديه خبر بأنّ كلّ ذلك هو مجرّد ألعاب ويجب أن ينتهي الأمر، وهذا عجيب فـ "الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه"، وهذا حديث قدسيّ وهذا معنى ما يقال من أنّا نلقي بينهم، وستصل النوبة إليه يومًا ما وسننتقم منه، فعندما أدرك أنّ كلّ ذلك كان من أجل هذا، وكان ذريعة ووسيلة وجاؤوا وسيطروا. لقد كنت أستمع فرأيت أنّ المراسل يسأل ذلك الرجل: ماذا حصل بهذا الملفّ ومسائل الأسلحة؟ فقال عبارة واحدة: the play finished لقد انتهت اللعبة، انتهت وكان كلّ ذلك لعبة. فما هي حقيقة الأمر؟ هل كان يفكّر هؤلاء أنّه سيصلون إلى هذا اليوم؟ كلاّ، عندما كانوا يتكلّمون كان يتساقط وجوههم التكبّر والقسوة والنخوة والفرعونيّة، فلو فكّرت بنهاية الله هذه لما تكلّمت هكذا، ولم طرحت الأمور بهذا الشكل، لما سمح لك قلبك أن تعامل شعبك هكذ، فالتفت دائمًا فإنّ سيف العدل الإلهيّ دائمًا مشهور ولا يغمد. هذه هي الحقيقة. 

    1. سورة يونس (۱۰) مقطع من الآية ٣٩.
    2. سورة الحشر (٥٩) مقطع من الآية ۱٩.

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

6
  • وفي العهد السابق لا زلت أذكر ماذا جرى على الأسرة الفهلويّة، فذلك الظلم الذي ارتكبوه والمخالفات التي خالفوها وعندما كانوا يتكلّمون كانوا يجعلون أنفسهم حكّامًا على الإطلاق، الحكم حكمنا، وفي كلامهم كانوا يقولون: أمرنا، تفضّلنا بالأمر. فكانوا يقولون ذلك في كلامهم وأوامرهم، الجناب الأعظم كذا وكذا والمقام الأرفع كذا وكذا تعلّقت إرادته بالصنيعة… فماذا حصل لكلّ ذلك؟ في ليلة واحدة جمع كلّ ذلك البساط وكلّ تلك الأسرة محيت وأزيلت كأن لم تكن شيئًا مذكورًا، كأنّهم لم يكونوا أصلاً. لقد جاءت إرادة الله ومشيئته القاهرة الأزليّة ومحت أسرتهم وبدّلت الأجواء إلى نحو آخر، وأعادت الأمور على نحو آخر، وجعلت الأحوال على نحو آخر حتّى إنّ الإنسان ليسأل: هل كانت سلطة كتلك أصلًا؟! كأن لم يكن شيء بالأمس، فعلى الأقل إن ذهب واحد فليبق اثنان، وإن ذهب اثنان فليبق ثلاثة، لم يبق شيء أبدًا. كلّ ذلك عبرة للإنسان، والعجيب هنا أنّا لا نعتبر، لا نعتبر. تأخذنا الدنيا، تخدعنا المظاهر، ويغوينا المحيطون بنا، ويغلق المقبّلون لأيدينا والمدلّسون أمامنا نافذة الحقائق، ويسوقون أذهاننا وأفكارنا وتصوّراتنا نحو الباطل، ويجعلوننا نسير في طريقهم ونحو مقاصدهم هم، حيرى لا ندري أذات الشمال نسير أم نحو اليمين؟! 

  • لماذا كانت الحكومة أهون لدى أمير المؤمنين من نعله؟

  • هذا الأمر كان أمير المؤمنين الذي هو حاكم الإسلام دائمًا ينظر إليه، لقد أعطي فرصة ليومين أن قم بهذه الأعمال خلال هذين اليومين، وليس يشعر بشيء من الاستقلال والتعلّق [بما هو فيه] عجيب عجيب عجيب! يخصف نعله والحرب على مشارف الاشتعال كي لا تدخل شوكة في رجله، يقول ابن عبّاس: يا عليّ أهذا الوقت وقت خصف النعل؟! 

  • فينظر إليه نظرة يقول له فيها بغير كلام وبلسان الحال: أنت لم تعرف بعد إمامك، أنت لم تعرفني حتّى الآن؟! 

  • انظروا الآن ترون جيشًا في تلك الناحية وجيشًا آخر في هذه الناحية، وحالة من الانضباط وجميع القادة بانتظار الأوامر وأن يأتي أمير المؤمنين ويأمر بالهجوم وأين تذهب الميمنة وأين تذهب الميسرة وهكذا، وهو جالس يخصف نعله كي لا تصيب رجله شوكة. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

7
  • فما دام النعل ممزّقًا فإنّ الشوكة ستدخل في النهاية والحصى ستدخل، سنغفل عن ذلك فنصاب بالألم، دعونا نخصفه ونجعل له رقعة ثمّ نرى ماذا سيحدث، فرقع الحذاء وإمرة الجيش كلاهما سواء! 

  • ما لم يذق الإنسان طعم هذه النفحات القدسيّة التي تهبّ على قلب المؤمن ولم يشمّ شمّة من النفحات القدسيّة والتي تحيي مشامّه فإنّه لن يدرك ماذا أريد أن أقول، ولن يفهم معنى كون رقع النعل أهمّ لدى أمير المؤمنين من إمرة الجيش، لا أنّهم سواء، بل هي أهمّ، يقول: يا عزيزي دعني أرقع نعلي كي لا تصاب رجلي بشوكة فما الإمرة؟! فعلاً ينبغي أن لا تصاب رجلي بجرح! أنت تقول: الجيش منتظر؟! كلاّ، فليجلسوا الآن وليأكلوا بعض المكسّرات وليتكلّموا معًا… 

  • قصّة السيّد مهدي بحر العلوم والنارجيلة

  • وهذه عين القصّة التي نقلتها للرفقاء، ويبدو أنّها في هذه الكتب التي طبعت أو التي ستطبع لاحقًا للمرحوم اللعلاّمة، قصّة السيّد مهدي بحر العلوم والذي عندما جاء وجد ذلك الرجل قد أعدّ له نارجيلة، ومرّة وصل متأخّرًا فاعتقد ذلك الرجل أنّه لن يأخذها… وقد نقلتها للرفقاء، وليطالعها الرفقاء بأنفسهم أيضًا، فقد ذكرت هناك في تلك التعليقات التي كتبتها أنّه رأى أنّ الجميع جالسون، علماء الطراز الأوّل في النجف قد جاؤوا، وجميع أهل الكوفة قد جاؤوا والطلاب قد تسابقوا ليشاركوا في صلاة الجماعة وكانوا ينتظرون لساعات كي يدركوا الصفّ الأوّل خلفه، فهكذا كانت صلاة بحر العلوم في مسجد الكوفة، هكذا، وقد مضى الآن نصف ساعة من الليل، وجاء الجميع، وفجأة قال: أين النارجيلة؟ فقد كان في كلّ ليلة يعدّها لي. 

  • فصار الناس يأتون إليه ويقولون: الناس جالسون، العلماء جالسون. 

  • ـ فليقوموا، وليصلّوا صلاتهم، عبثًا هم جالسون هكذا. قلوبهم تحترق على الصلاة كثيرًا ويخافون أن لا تتمكّن الملائكة من رفعها لثقلها، فليقوموا وليصلّوا… . 

  • ـ كلاّ يريدون الصلاة خلفكم. 

  • ـ خلفي أنا؟! فلينتظروا إذن، لقد انتظروا نصف ساعة، فلينتظروا نصف ساعة أخرى فتصبح ساعة كاملة. وإن كان لديهم عمل فليذهبوا إلى منازلهم. 

  • هذا هو الذي يسمّى رجلاً حرًّا، إنّه من إذا ما رأى الصلاح لم يتمكّن المحيطون وعيون المحيطين أن تؤثّر به وتكسره وتأخذ منه هويّته. فالجميع ينظرون وهو هكذا ينظر في وجوههم أن كيف حالكم؟! وفّقكم الله، كيف حالكم؟ هل انتظرتم كثيرًا؟! 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

8
  • نعم كان هناك أحدهم وكان لديّ درس في مكان ما وطبعًا لم يكن درسًا حوزويًّا كان هناك درس خاصّ، وذات مرّة ومن باب الصدفة ذهبت متأخّرًا، تأخّرت نصف ساعة، وبعد أن بدأت أتكلّم قال واحد منهم: كدنا أن نغادر. 

  • فقلت: الآن أيضًا يمكن أن تغادروا. لا عجب في الأمر، أصلاً أنا لا أريد أن أعطي درسًا اليوم، فأغلقت الكتاب ووضعته. فماذا تقول؟ ماذا حصل؟ قلت: الآن أيضًا يمكن أن تغادر. 

  • لقد كان أمير المؤمنين إنسانًا لا يمكن للمحيطين أن يؤثّروا فيه، لم يكن بإمكانهم أن يضعفوا عزمه وإرادته بنظراتهم، بل كان عزمه يشتدّ في تلك المواضع ويزداد تصميمًا على ما كان يهدف إليه، يزداد عزمًا وإصرارًا: أنا الآن أرقع نعلي فاذهبوا الآن لن نتأخّر، فإذا رقعت نعلي أتيت. وهذه أمور وأحداث على من كان مسؤولاً ومتعهّدًا لأمر ما أن يقرأها ليرى ما هي اللطائف والدقائق الموجودة في تاريخ الأئمّة. فما نتعلّمه نحن من أمير المؤمنين ليس أن يشهر سيفه ويضرب به رأس مرحب ويفتح خيبرًا، وليس هو فتح البلدان. لقد كان نادر شاه أيضًا ماهرًا في ذلك، ورستم كان أمهر من نادر في ذلك، طبعًا إن كانت صحيحة ولم تكن أساطير وتخيّلات. لقد كان هناك أبطال وأصناف من الناس.

  • هل كان أمير المؤمنين البطل الأقوى في الدنيا؟ وهل يشترط في الإمام ذلك؟

  • أنتم تظنّون أنّ أمير المؤمنين كان البطل الأوّل في الدنيا؟! كلاّ بل كان هناك أبطال أقوى منه، لقد كان عمر بن عبد ودّ أقوى من أمير المؤمنين، ولا شكّ أنّه كان أكثر بطولة منه وكان يغلبه، ولكنّ شهامة أمير المؤمنين وإرادة الله كانت بنحو جعل الأمر ينتهي إلى ما انتهى إليه، فلم يكن الأئمّة بحيث أنّهم لأنّهم أئمّة فلا بدّ أن يكونوا في الظاهر أيضًا أقوى من الجميع، كلاّ يا عزيزي، فالإمام الجواد الذي وصل إلى الإمامة في سنّ الحادية عشرة هل كان من حيث القدرات الظاهريّة بمستوى الكبار أيضًا؟! لم يكن هكذا، فالإمامة أمر آخر وولاية الله ترتبط بعالم الروح وعالم النفس. ففي أيّ سنّ وصل الإمام الزمان إلى الإمامة؟ في الخامسة، فالخامسة تعني الخامسة لا الخمسين، الخامسة تعني الخامسة. يقول ذلك الرجل كنّا واقفين ننتظر وكان جثمان الإمام العسكريّ على الأرض للصلاة عليه فرأينا أنّ أخاه جعفرًا جاء ليصلّي عليه، وما إن أراد أن يصلّي واصطفت الصفوف، رأينا طفلاً عمره خمس سنوات يأتي من الداخل بأيّ اقتدار وجبورت وشمائل وتلالؤ ووقف في مكانه وقال: "تنحّ يا عمّ فأنا أولى بذلك". أي أنا أولى بالصلاة على هذا البدن، ففي أيّ سنّ كان الإمام؟ كان في الخامسة وبلغ الإمامة أي السيطرة على ملك ما سوى الله وملكوته، هذا المعنى هو معنى الإمامة، يعني الحكم والسلطنة على ما سوى الله وزمام جميع عالم الخلق في نفس وجود إمام العصر أرواحنا فداه في سنّ الخامسة، فهذه معجزة إلهيّة. أليس من السخريّة حقًّا أن نقول: إنّ إرادة الله لا بدّ أن تكون في نفس يجب أن تكون تجاوزت الثلاثين سنة، أليس مضحكًا ذلك؟! وكم هو مستوى تفكيرنا متدنّ! هؤلاء المعمّمون هم الذين يعترضون، هؤلاء الذين لا يدركون ما هي الإمامة والولاية والملكوت والملك والجبروت وهذه العوالم ما هي، ويخالون أنّ الإمامة توزن بميزان الأثقال فكلّ من كان أقوى وكان جسيمًا وهيكله أرفع فإنّ قابليّته للإمامة أوسع، هذه الإمامة إمامة أثقال لا تساوي فلسين. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

9
  • لم يكن لدى أمير المؤمنين الذي كان حاكم الإسلام قربب وغريب، أنتم جميعًا مدعوون على السواء، أنتم جميعًا تتنعّمون بنعمة حكومة الإسلام بشكل متساو ومتعارف فهيّا تفضّلوا! ويأتي رجل يأخذ أمير المؤمنين مع أنّه حاكم الإسلام إلى القاضي، فيأتي أمير المؤمنين دون أن يقول: أيخضع أمير المؤمنين للمحاكمة؟! ألا يجب أن نعرف ذلك؟! يشتكي إنسان على حاكم المسلمين وأمير المؤمنين لا يقول: اسكت أيّها الأحمق عديم الفهم والإدراك واخجل من نفسك أتشتكي حاكم الإسلام؟! أتشتكي على حكومة الحاكم؟! أفهل يتأتّى منّي خطأ؟! أصلاً شكواك مخالفة للنظام ومخلّة بالأمن وأنت تريد أن تفسد الأذهان وتشوّشها، فهذه الكلمات لم يكن أمير المؤمنين يعرفها، وعلينا نحن أن نعلّم أمير المؤمنين هذا الكلام فهو لا يعرفه أبدًا. 

  • ـ اذهب وقدّم دعوى غدًا. 

  • وهو يأتي قبله أيضًا وينتظر ويقول له: لم تأتِ أيّها الصديق؟ لقد تأخّرنا، هيّا لنذهب. 

  • ينظر القاضي فيقول: ماذا جرى يا أبا الحسن؟! 

  • ـ لماذا تناديني بهذا الاسم؟ لماذا تناديني بالكنية؟! على القاضي أن يساوي بين المتخاصمين حين المحاكمة ويجعلهما في مستوى واحد، وأن ينادي الآخر كما نادى الأوّل بالعبارة عينها، لماذا؟ لأنّي حاكم المسلمين. 

  • ما هي معجزة أمير المؤمنين الحقيقيّة؟

  • هذه الأحداث هي معجزة أمير المؤمنين لا ضرب مرحب وشقّه نصفين. كلاّ، ليست هذه، بل تلك. وعلى مجتمعنا اليوم أن يعرف هذه المسائل لكي يعرف من هم الذين كانوا يقودون الإسلام الواقعيّ والإسلام الحقيقيّ؟ اليوم تنفعنا هذه الأمور، اليوم لم يتمكّن أمير المؤمنين من التجاوز عن تغيير تعبير ولم يحتمل وواجه القاضي أن لماذا ميّزت بيني وبينه، أنا حاكم الإسلام فلأكن، فقد اتّخت المسألة الآن صورة أخرى، ولم تعد المسألة الآن مسألة حاكم الإسلام، بل هناك شكوى ودعوى بيني وبين هذا الرجل، فهو يقول هذا لي، وأنا أيضًا أقول هذا لي. فلماذا تميّز بيننا؟! فهل يستطيع أحد بعد ۱٤۰۰ عام أن يقول إنّه كان يميّز في المجتمع بين القريب والبعيد؟! هل يمكن لأحد أن يقول ذلك عن عليّ هذا؟! حتّى أعداؤه، فأعداء أمير المؤمنين كانوا يعترضون عليه بأنّه لماذا لا تعطينا أكثر؟ لم يكونوا يقولون: لماذا لا تعطينا؟! كان طلحة يقول أنا أريد أكثر. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

10
  • ـ عبثًا تريد؟! 

  • والزبير كان يقول: أنا أريد أكثر. والأشعث كان يقول: أنا أريد أكثر، وكلّ واحد كان يريد أكثر وأكثر. هل جاء أحد وقال بيني وبين الله كان في في حكومة عليّ حقّ وقد حرمني منه؟! إن كان هناك أحد فليُذكر في التاريخ. 

  • لقد قالوا لأمير المؤمنين مرارًا بما أنّك تقول إنّه قاتلك فلماذا لا تقضي عليه؟! 

  • فكان الإمام يضحك ويقول: أأقتل قاتلي، هل يمكن أن أقتل قاتلي؟ أليس هذا مضحكًا؟! كم هو كلام حكيم! أيمكن أن أقتل من يقتلني؟ إن قتلته فلن يكون قاتلي وسيكون قاتلي غيره، وسأكون قتلت بريئًا، إن كان هذا هو المقرّر فسيتحقّق في النهاية. 

  • لا مفرّ من الموت (قصّة الفتاة التي وضعت في جزيرة) 

  • كانت لنا قبل بضع سنوات سفرة إلى تركيا برفقة بعض الأصدقاء، حيث كنّا سبعة أو ثمانية، وبقينا في اطنبول وقونية عشرة أيّام، وزرنا مكتبتيهما وكنّا نبحث عن المخطوطات، لديهم مخطوطات للفتوحات وغيره، فكنّا ننظر هناك وواقعًا يا لها من كنوز هناك، ففي أحد الأيّام كانوا يأتون لنا بعشرة مخطوطات من الفتوحات في المكتبة السليمانيّة وأمثالها وفي قونية أيضًا، وفي يوم آخر كنّا نعبر بالباخرة من مضيق البوسفور، وكان معنا أحد الأصدقاء حفظه الله إنسان مؤمن ومحترم وموزون ومطّلع من العاملين في مجال الطباعة، فكان يشير لنا إلى مكان في جزيرة صغيرة وسط البحر، كان فيها قصر، فكان يبيّن لنا ويقول: ينقل أنّ قصّة هذا القصر هي أنّ الكهنة والمتنبّئين قالوا لرجل إنّ ابنتك ستموت بواسطة السمّ ولدغة حيّة، ولكي يحافظ هو عليها بنى قصرًا في وسط هذه الجزيرة، جزيرة صغيرة جدًّا مساحتها قليلة جدًّا لا تتّسع إلى للمبنى لا أكثر، فجاؤوا وحفروا ونقّبوا في أطرافها وقالوا ليس هنا أيّة حيّة، فإذن هذا مكان مناسب فاطمأنّ باله ووضع ابنته هناك، ومرّت على ذلك مدّة طويلة، وفي يوم من الأيّام كانوا يأخذون لها طبقًا من الفاكهة وكانت قد اختبأت في أسفله حيّة ونامت ووضعوا الفاكهة فوقها ولم يلتفتوا، فأحيانًا يتّفق ذلك، حيث يكون هناك كيس كبير ويريدون أن يضعوا فيه الأغراض فتكون فيه حيّة، فربّما يتّفق ذلك، وقد كانت قصّة ذلك الطبق الذي أخذوه ووضعوا فيه الفاكهة من هذا القبيل، فلمّا أرادت أن تأخذ الفاكهة خرجت الحيّة ولدغتها فماتت! فإذا كان لا بدّ أن يحدث هذا الأمر فسيحدث وإن لم يكن الأمر كذلك فلن يحدث… . 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

11
  • اگر تیغ عالم بجُنّد ز جای‌ *** نبُرّد رگی تا نخواهد خدای‌ ۱
  • يقول: لو أنّ شفار العالم خرجت من مكان فإنّها لن تقطع شريانًا واحدًا ما لم يأذن الله

  • لماذا لم يكن يفكّر أمير المؤمنين بضربة ابن ملجم؟

  • لقد وصل أجلاّؤنا وأولياؤنا وأئمّتنا إلى هذه الأمور وأدركوها، وأدركوا حقيقة المسألة، يقول أمير المؤمنين: "أأقتل قاتلي"؟! بل إنّه يوقظه في ليلة التاسع عشر وهذا هو العجيب، قم إنّه وقت الصلاة، وأعلم ماذا تخفي تحتك، تريد أن تفعل ما تهتزّ له السماوات والأرض وسيحصل كذا وكذا، يقول له كلّ ذلك ويوقظه ويمشي ويبدأ بكلّ هدوء بالصلاة مستعدًّا لتنفيذ مشيئة الله، وربّما أمكنني أن أقسم على أنّ الإمام عندما كان يصلّي النافلة كان الشيء الوحيد الذي لم يكن يفكّر به هو أنّه سيُضرب في الركعة الثانية، فأنا أقسم، فما نحسّ به نحن وندركه هو أنّنا نسعى إلى حفظ أرواحنا. ما شاء الله ما شاء الله! فنحن هكذا! نحن هكذا! أمّا الحاكم الإسلاميّ الذي كان أمير المؤمنين فإنّه لا يختلف الأمر لديه، لماذا؟ لأنّ أمير المؤمنين كان يرى الحكومة عارية، ولم يكن ينظر إليها نظرة استقلاليّة، كان يراها عارية، كان يضحك. فما دام يرى الأمر هكذا فما معنى أنّ هذا مقرّب؟! وما معنى أنّ هذا غريب؟! فلنعط جميع عباد الله هؤلاء بالسويّة ونمضي إلى عملنا، ما معنى مقرّب؟! ما معنى غريب؟! وهذا هو السبب الذي جعل الله يغلق جميع أبواب الاحتجاج عليه، فهل تعرفون ماذا أريد؟! 

  • هل يمكن لأحد أن يحتجّ على أمير المؤمنين عليه السلام يوم القيامة؟

  • أريد أن أقول: إذا ما وقف أحد مقابل أمير المؤمنين في حكومته فهو واقعًا إنسان قاسٍ ومنافق، واقعًا إنسان شرّير دنيء ولا حظّ له، لماذا؟ لأنّه إنسان يقف أمام الحقّ وليس له أيّ عذر، فما عذره؟ من لم يكن قادرًا على أن يعثر على نقطة ضعف واحدة في حكومة أمير المؤمنين عليه السلام ولا يقف في وجهه إلا من أجل الأنانيّة والنفسانيّات والشهوات والأغراض الشخصيّة، فقد أغلقت هذه الحكومة جميع الأبواب أمامه، ولو أنّ أمير المؤمنين كان قد صنع لنفسه حاشية وميّز بينها وبين الآخرين، فهل كان بإمكانه أن يعتذر أمام الله يوم القيامة ويحتجّ ويقول: لقد جاءت جماعة وخالفتني وواجهتني. لما كان بإمكانه، لماذا؟ لأنّه [يقال له:] أنت بنفسك صنعت ذلك، فتلك المخالفة التي خالفوك بها هي لأجل ذلك. فماذا يمكنه أن يفعل؟ أمّا الآن فإنّه يأتي يوم القيامة مرفوع الرأس عزيزًا ويقف عند الحساب والتحقيق وميزان العدل الإلهيّ ويقول: هؤلاء الذين واجهوا حكومتي لا عذر لهم أبدًا، وهذا دليل وهذا دليل، فأنا لم أفرّق بينهم ولم أسبّب الاختلاف بينهم في زمان حكومتي وليس لهم أيّة حجّة، ليس لديهم ما يقولونه. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

12
  • هذه النقطة لا بدّ من الالتفات إليها، وهذا هو عين ما كان يقوله لي المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه قبل ثلاثين سنة: ألم تكن مخالفة عدد كبير من المخالفين ومواجهة عدد كبير من المواجهين لأجل طريقة عملي؟! آه هنا تبدأ الأيدي والأبدان بالارتجاف وتدرك ما حقيقة الأمر، فلعلّه لو كان الأمر بنحو آخر لما كان هذا، ولم تكن هذه الأحداث وهذا النحو من التفكير وهذا النحو من التعامل، فهل أدّينا نحن ما تعهّدنا أداءه في رسالتنا فحدثت هذه النتائج والأمور أم لا بل حتّى الخطوة الأولى لم تكن منّا نحن؟ فهذا كلّه يستحقّ الكلام والبحث والتأمّل، فلو جاء أحد يوم القيامة وقال: إلهي هل تحاسبني أنت بهذا العقل والفطرة والوجدان والنفس التي آتيتني أم بعقل ونفس آخرَين؟ 

  • يقول الله: كلاّ، بهذا العقل. 

  • يقول: ما دمت ستحاسبني بهذا العقل وبهذه الفطرة وبهذه النفس فقد كنت مظلومًا إذن لا ظالمًا. ما دمت تحاسبني بهذا عينه، لا بعقل نبيّك، لا بعقل لقمان، لا بتلك الحكمة التي قلت عنها {آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَة}۱، لا بل بهذه التي لا تدرك أكثر من أنّ اثنين زائد اثنين يساوي أربعة. بهذا المستوى وبهذا الإدراك وبهذا الفهم وبهذه القياسات والتصديقات والتصوّرات، ألم تكلّفني على أساس ذلك؟

  • فيقول الله: بلى، لقد طلبت منك على أساس هذا. 

  • فيقول: فإذن أنا مظلوم لا ظالم، لقد أدركت هذا، وضعت هذا إلى جانب هذا فكانت النتيجة هذه، وقد عملت على أساسها، فماذا عليّ الآن وما هو تكليفي؟! 

  • ولكن إذا جيء الآن بأمير المؤمنين يوم القيامة وسُئل: لقد حكمت أربع سنوات وستّة أشهر بين الناس فقدّم حسابك! 

  • فإنّه يقول: أنا جاهز لتقديم حسابي، فإن استطاع الله أن يأتي برجل في صحراء المحشر يقول: لقد وجدت عليًّا ظالمًا لي حسب هذا العقل الذي أعطيتنيه وقد واجهته وفق إرادتي وفكري ومنطقي وفهمي. فليأت به، فليتفضّل! من هو وما اسمه؟! لقد كان جميع هؤلاء في زمان حكومة أمير المؤمنين في اليمن وفي الشام وفي الحجاز وأمثالها والعراق، فليأت واحد منهم يشكو أمير المؤمنين في محكمة العدل الإلهيّ وفق هذه الفطرة وهذا المنطق وهذا الاستدلال، وقد رأيت نفسي مظلومًا، وبسبب الظلم الذي وقع عليّ قمت بالمواجهة، وأن لا تجد حتّى واحدًا هذا سهل، لن تجد حتّى نصف إنسان. لماذا؟ لأنّ أمير المؤمنين حاكم بالحقّ، وهذا هو الحقّ لا يعرف مقرّبًا وبعيدًا، فالمقرّب والبعيد يرتبطان بمسائل أخرى، يرتبطان بالألطاف الخفيّة، يرتبطان بأمور أخرى، فأمير المؤمنين يقول: إلهي لا شأن لي به، فأنت أعلم به، وليس لي شأن بعبادك، ما يهمّني هو العدل بالسويّة والرفق بالرعيّة، هذا ما عليّ القيام به بين الناس خلال هذه السنوات الأربع والأشهر الستّ، هذا هو وقد قمت به، وطبعًا كان ذلك توفيقًا منك، ولطفًا منك أنت، وإلا فأنا لا يمكنني أن أصنع شيئًا من نفسي، فهذا لسان حال أمير المؤمنين.

    1. سورة لقمان (٣۱) مقطع من الآية ۱٢. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

13
  • حينها ماذا يغدو؟ يغدو الوجود الممثّل لله، والوجود المتنزّل لمقام الذات في مظاهر التدبير والمشيئة والسياسة، كما أنّها هي الرازقة للجميع وكما أنّها هي قسيمة المنافع ومقسّمة الأرزاق بين الجميع، وكما أنّ جودها قد غمر الجميع، وكما أنّ جميع الناس هم على السواء في بساط عدلها وميزان عدالتها بلا أيّ فارق، تلك هي حكومة العدل، بلا تمييز أصلاً في هذا المجال. 

  • لقد انتهى الوقت وكنت قد قرّرت أن لا أتكلّم أكثر من ساعة، ولكنّنا لا زلنا في بداية الطريق وعلى منعطف زقاق واحد فقط، وكانت هناك أمور أخرى كنت أنوي الحديث عنها في سياق التقديم لكلام الإمام السجّاد عليه السلام، وعلى كلّ حال لم تفت الفرصة فلدينا الكثير من الوقت حتّى نهاية شهر رمضان إن شاء الله، حيث سننهي الحديث عن هذه الفقرة حتّى آخرها ولن نترك شيئًا للسنة القادمة، ويبدو أنّنا في كلّ سنة لا نوفّق لأكثر من سطر أو سطرين، والمهمّ هو أن نجتمع معًا لبضع دقائق ونتحدّث حول هذه الأمور والموضوعات التي يبدو أنّه يمكننا أن نفكّر فيها جيّدًا ونتدبّر فيها بشكل أفضل وفي تلك التدقيقات التي يجب أن تُعمل هنا… .

  • لماذا عاقب أمير المؤمنين قنبرًا أيضًا؟!

  • ففي يوم من الأيّام كان أمير المؤمنين يريد أن يضرب رجلاً بالسوط، فأمر قنبرًا أن يضربه عشرين ضربة، فضربه قنبر واحدًا وعشرين ضربة خطأ، فقال أمير المؤمنين [لذلك المضروب]: لقد ضربك ضربة زائدة فعليك أن تضربه بدلاً منها. فهذا أمر مهمّ جدًّا، فقنبر خادم أمير المؤمنين قام بهذا وضرب ضربة زائدة في القصاص والتعزير، فعليك يا قنبر أن تضرب، وكان عليك أن تلتفت، ومن المستبعد أن تكون هذه الضربة عن غير عمد، فربّما كان قنبر كان أحسّ بأنّ عشرين ضربة قليلة فقال: فلأضف أنا من عندي فلا بأس، فإنّ هذا الرجل يستحقّ، كان رجلاً سيئًا. فلو أنّ قنبر كان قد فعل ذلك اشتباهًا لعامله أمير المؤمنين بطريقة أخرى، هكذا أحدس حول هذا الأمر. وعلى كلّ حال لم ينقل في الرواية أنّه كان عن خطأ أم عن عمد. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

14
  • ما هي الأمور الثلاثة التي يريدها أمير المؤمنين من تأديب قنبر؟

  • ماذا يريد أمير المؤمنين أن يقول بفعله هذا؟ ـ ألا يجب أن تكون سيرة أمير المؤمنين هذه عنوانًا لنا؟! ألا يجب؟! ـ يريد أمير المؤمنين هنا أن يقوم بأمرين بل بثلاثة: 

  • الأوّل: هو أنّه يريد أن يقول لله: عليّ أن أطبّق عدالتك، وتطبيق عدالتك هو بعشرين ضربة، وهنا لا بدّ أن يطبّق هذه العدالة واحدٌ من الناس، فتفضّل يا قنبر وأجر العدالة هنا، ولا شأن لي بقنبر وغيره هنا، ثمّ إنّ قنبرًا يضيف، فيحدث تكليف آخر ويصبح لدينا تكليفان: 

  • التكليف الأوّل: هو التعزير الذي على ذلك الرجل أن يتحمّله بسبب المخالفة التي خالفها. فهذا حكم، ومن هو الحاكم؟ إنّه عليّ، فيقيم عليه هذه الضربات العشرين، فهذا هو الحكم الأوّل. ثمّ إنّ المجري للحكم يضيف ضربة من عنده، وبمجرّد أن قام بذلك صار ذاك الأوّل مظلومًا.

  • فيأتي هنا تكليف ثانٍ وهو أنّ عليك أن تضرب ضربة لهذا أيضًا. دقّقوا جيّدًا وانظروا ماذا أريد أن أقول، فأمير المؤمنين يقول: عليّ أن أطبّق الحكم، حسنًا فالحكم الأوّل هو أن تكون للأوّل عشرون ضربة، وهناك حكم ثان، فلو أردت أن أتوقّف عنه بسبب كونه خادمي ومن جماعتي ورفيقي ومحرم أسراري وأمور أخرى وجوانب أخرى دنيويّة، فلماذا قمت بتطبيق الحكم الأوّل إذن؟! ما الفرق بين هذا وذاك؟ فهذا مثل ذاك، وذاك يقول أيضًا: عجيب يا عليّ هل الحكم عليّ وحدي أنا المسكين المخالف حتّى تفتّحت العدالة هنا وصرت عادلاً وقلت يجب أن تتحمّل مائة ضربة، أمّا أن يضيف ذاك ضربة فلا مشكلة، وليس مهمًّا فهو من جماعتك، فإذا ضرب من كان من جماعتك فلا بأس، فليضرب وليفعل ما يشاء هنيئًا له، أفديه برأسي وبرؤوس الجميع، نعم لا مشكلة، العدالة فقط هي لي أنا المسكين. فما هو الجواب الذي لدى أمير المؤمنين حينها؟ 

  • حينها سيقول الله: سلمت يداك يا عليّ! حتّى أنت أيضًا هكذا؟ لقد أعلنّا للدنيا كلّها أنّ لدينا عليًّا هو خليفة رسول الله… ولكنّه كان هكذا في النهاية، ما شاء الله! فإذن ما الفرق بينك وبين معاوية؟! ما الفرق بينك وبين يزيد؟! فيزيد أيضًا كان يعزّر في حكومته، ألم يكن الخلفاء في حكوماتهم يطبّقون القصاص والتعزير؟! ألم يكونوا يصلّون صلاة الجمعة؟! ألم يكن يزيد هذا يخرج إلى الصلاة من يوم الجمعة؟ كان يخرج ويصلّي. ولكن إذا ما اتّفق أن أرادوا أن يقاصّوا مقرّبًا فإنّه كان يقول: أحضروه وأحضروا القاضي وتممّوا السجلّ وأخفوا الحقيقة وغيّروا وافعلوا كذا وكذا وقلّبوا الأمر صعودًا وهبوطًا وقولوا حصل خطأ وأنهوا الأمر ودعوه. لقد وقف أمير المؤمنين هنا في محكمة العدل الإلهيّ [قائلاً لنفسه:] لقد طبّقت الحكم الأوّل وضربت عشرين ضربة، وفعلت المطلوب لذاك الأوّل. حسنًا فقد كنت مصيبًا في عملك هذا وأنت مثاب، وهناك حكم آخر هنا فقد ضرب هذا ذاك ضربة زائدة، فإمّا أن يعفو ذاك عن حقّه أو يقول: لقد ضُربت أنا عشرين ضربة فاسمح أن يضرب ذاك أيضًا ضربة. فيقول أمير المؤمنين: الحقّ معك، فقم بالحكم الثاني. هذا هو حاكم العدل. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

15
  • فهنا لدينا حكمان مختلفان إذن والثاني مترتّب على الأوّل. فهذا هو الأمر الأوّل

  • الأمر الثاني الذي يريد أمير المؤمنين أن يقوله لي ولك هو أنّ هذا هو حاكم الإسلام، وعلى حاكم الإسلام أن لا يميّز بين القريب والبعيد، لقد خالف فعليك أن تأخذ بتلابيبه كي لا يخالف غيره، وهذا لمصلحة المجتمع أن لا يتدخّل المنفّذ ويضيف من نفسه، فالمنفّذ هو منفّذ فقط ولا يضيف، فكيف يتحقّق ذلك؟ يتحقّق بتطبيق العدالة وإعطائه حقّه بيده، فلو أنّ أمير المؤمنين قال: لا بأس لقد حصل خطأ ما. 

  • ـ أين هو الخطأ يا عزيزي، فهذا قال دعه يضرب ضربة أخرى فقد سمعته يقول ذلك؟! طبعًا أنا لم أسمعه ولكن دعنا نحمّل قنبرًا هذا. فأنا أضيف هذا من عندي وأقول: يا عزيزي لقد سمعته يقول اضربه ضربة أخرى، ولو استطعت لضربته عشر ضربات أخر، فإنّه يستحقّ، ولكنّ عليًّا قال اضربه عشرين ضربة، دعه لا تبال. وأمثال هذه الأمور كثيرًا ما تحدث صحيح؟! دعه يذهب، لقد أخطأ الإمام حين تكلّم، ولا ينبغي الاعتماد على الكلام، فاذهب أنت وائت ببيّنة وشاهد وتكلّم بهذا الكلام. فحينها ماذا سيحدث؟ في اليوم التالي سيضيف عشرًا بدلاً من الواحدة عندما يرى أنّه مقرّب. 

  • لذلك كان المرحوم العلاّمة يقول دائمًا: على الذين هم أكثر ارتباطًا بي أن يدقّقوا أكثر، الذين يريدون أن يتقرّبوا إليّ أكثر لا بدّ أن يلتفتوا أكثر وأن يكونوا بين الناس منزّهين ومنظّمين ومطهّرين ويعملون بالأخلاق. ألم يكن يقول ذلك؟! فلو لم يقل فإنّ المحيطين به كانوا سيفعلون ما يحلو لهم ثمّ يُمضي لهم العلاّمة. فمن الذي يحاكم ذلك؟ الناس عليهم أن يحاكموا، فلو أنّ المحيطين بالإنسان والمتقرّبين إليه يريدون أن يسيئوا الاستفادة من غطاء القرب هذا فبماذا سيجيب ذلك الرجل غدًا في محكمة العدل الإلهيّ؟! بماذا سيجيب؟! لذلك كان أصحاب أمير المؤمنين أصحابًا يريدون أن يجعلوا أنفسهم أدنى من الجميع، كانوا يريدون أن يكونوا هكذا، والكلام في هذا المجال كثير. 

  • والأمر الثالث الذي يمكن أن نلاحظه في هذا المجال هو تربية ذلك الرجل نفسِه، ففي النهاية لا بدّ أن يربّى قنبر، ألا ينبغي أن يربّى؟! فهل التربية إطعام للحلوى بالأرزّ والزعفران؟ فهذه هي التربية هكذا، خذ هذه الضربة، منها تلتفت أكثر، هنيئًا لك، فتلك الضربة التي يضربها لها خصوصيّة مهمّة، وفوائدها كثيرة، إنّها الضربة التي تجعل من قنبر قنبرًا، لا كتلك الضربة التي ضربها قنبر، فتلك يحسن ضربها القاصي والداني وليس فيها مهارة، فعندما يضرب قنبر عشرين ضربة فالجميع يمكنه أن يضربها وأيّ إنسان يمكنه أن يضربها مثل عمر وأضرابه الذين كانوا أثناء معركة أحد قد فرّوا ثلاثة أيّام، ولكنّهم كانوا إذا جيئ بأسير مكبّل الأيدي يقولون: يا رسول الله دعني أضرب عنقه! أين كنت أثناء معركة أحد، فابن ستّ سنوات يمكنه أن يضرب عنق هذا المسكين الآن، إنّه أسير مكبّر الأيدي، كم أنت قويّ؟! إن كنت صادقًا فلتقم غدًا لقتال مرحب ولتضرب عنقه لا أن تفرّ وتتراجع إلى مكانك وتقول: لم أتمكّن، وكذا وكذا، فأنت وأمثالك يحسنون في مثل هذه المواقع أن يبرزوا أنفسهم. 

شمول الرحمة الإلهيّة للجميع على نحو المساواة - عدالة أمير المؤمنين نموذجًا

16
  • إنّ أمير المؤمنين هو الذي يجب أن يؤدّب قنبرًا ألا يجب؟! وكيف هي تربية قنبر؟! هكذا بأن يقول له خذ ضربة أنت، فقد أضفت ضربة، وتلك الضربة التي يضرب بها قنبر لها عوالم يطويها قنبر بها ويرتقي، وعندها يدرك الإنسان حقائق وأنّه ربّما تكون يده قد أضافت ضربة دون تقصير منه هو، فهناك أشياء في المقام لا يمكن قولها ويجب أن يسكت عنها ولا تفشى الأسرار. 

  • يقول أمير المؤمنين: أنت جالس هنا تلفّق من عندك ولكن في النهاية هناك أمور تخطر في البال وتخيّلات وخيالات وأمور، فهذه الضربة التي يضرب بها قنبر ترتفع به الآن، فهو يسير به الآن بواسطتها ويفهمه ما هي حقائق الأمور. فأن تكون خادمًا لعليّ لا يتأتّى بالخبز والحلوى ولا يتحقّق بالخبز والحلوى، والكون معه لا يتحقّق بذلك، بل يحتاج إلى أمور أخرى فلتذق قليلاً، ولتتحسّن حالك قليلاً وشيئًا فشيئًا ستدرك حقيقة الأمر. 

  • وعلى كلّ حال نسأل الله أن يبصّرنا بهذه الحقائق ويفتح أفهامنا، وحينما كان الأعاظم يؤكّدون على مطالعة هذه الأمور والمباني وهذا النوع من الحكايات والتاريخ فإنّما بسبب هذه اللطائف الدقيقة والنقاط الظريفة التي تتقدّم مراعاتها بالإنسان نحو الأمام، وما لم تصادف الإنسان فإنّه لا يلتفت إلى أنّه محبوس في مجال مغلق.

  • نسأل الله أن يعرّفنا بهذه الحقائق ويحسّن حالنا وأن لا يحرمنا من بركات شهر رمضان المبارك الذي هو شهر يأتي بهذه النفحات وهذه البوارق ويفتحها، فهذه الحقائق تسيطر على الإنسان في شهر رمضان، لأنّه شهر الرقّة وشهر تلطيف النفس وشهر تجريد النفس، فإذا تلطّفت النفس وتجرّدت فإنّها تستقبل تلك الحقائق التوحيديّة بسيطة خالصة كما هي.

  •  

  • بِمحمّدٍ وآلِه الطاهرينَ وصلِّ على محمّدٍ وآلِه أجمعينَ