المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1427
التاريخ 1427/09/10
التوضيح
كيف يسلك الإنسان إلى الله؟ وما هي العقبات الَّتي تعترض طريقه؟ لماذا ينحرف البعض عن الجادَّة رغم حضورهم المجالس واستماعهم للمواعظ؟ كيف يُميِّز الإنسان بين الحقِّ والباطل في دعوات المتظاهرين بالصَّلاح؟ وما هو دور المحبَّة الحقيقيَّة في الوصول إلى الله وتجاوز الأنا؟
تجيب هذه المحاضرة لسماحة آية الله السيِّد محمَّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رحمه الله، عن هذه الأسئلة وتبيِّن أهميَّة الثَّبات على الحقِّ، وضرورة تصحيح البوصلة الدَّاخليَّة، وتحذِّر من الوقوع في فخاخ الشَّيطان الَّتي تُقدَّم أحيانًا بغطاءٍ دينيٍّ.
هو العليم
أهمِّيَّة الثَّبات في طريق الحقِّ واجتناب التَّشتُّت
لماذا يتيه السَّالكون وكيف يضلِّل الشَّيطان أهل الإيمان؟
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۷ هـ - الجلسة السابعة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سره
أعوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ
بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
وصلَّى اللهُ علَى سيِّدِنا ونبيِّنا أبي القاسم مُحَمَّدٍ
وعلى آلِه الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ واللَّعنَةُ عَلَى أعدَائِهِم أجمَعِينَ
مقدِّمة: المحبَّة والمعرفة طريق الوصول
»معرفتي يا مولاي دليلي عليك وحبِّي لك شفيعي إليك وأنا واثقٌ من دليلي بدلالتك وساكنٌ من شفيعي إلى شفاعتك«
معرفتي يا سيِّدي ومولاي هي دليلي إليك، ومحبَّتي لك هي شفيعي لديك، وأنا على يقينٍ بأنَّ هذا الدَّليل سيوصلني إلى مقصدي، وأنَّ هذا الشَّفيع سيبلغ بي المطلوب بشفاعته.
ذُكر أنَّه في كلِّ مسألةٍ وهدفٍ وغايةٍ، يجب على الإنسان للوصول إلى تلك الغاية أن يمهِّد لها المقدِّمات ويسلك الطَّريق المناسب لها، وإلَّا فإنَّه لن يصل إلى مبتغاه، أو سيتأخَّر في الوصول، أو يصل ناقصًا، أو يبقى عالقًا في الطَّريق. من أراد بلوغ مطلوبٍ ما فعليه أن يوجِّه حواسَّه كلَّها نحو ذلك المطلوب.
آفة التَّردُّد والتَّنقُّل بين المجالس
كان المرحوم العلَّامة يستخدم تعبيرًا عن الذين ينحرفون في الطريق، فيصفهم بأنَّهم أولئك الذين يميلون باستمرارٍ يمينًا ثمَّ يعودون، ثمَّ يذهبون مرَّةً أخرى ويميلون من جديد، وهم دائمون في حالة انحرافٍ ورجوع. بعضهم عندما يبدأون السير إلى الله تعالى ويلتزمون بمراعاة البرامج والقواعد والتَّعاليم، يحصرون همَّهم وغمَّهم كلَّه في هذه المسألة ولا يعيرون أيَّ اهتمامٍ لأيِّ وسوسةٍ أو انحرافٍ، ويسدُّون آذانهم عن كلِّ الأمور الأخرى.
عندما يصل الإنسان إلى الحقِّ، فما معنى أن يذهب ويتطفَّل هنا وهناك؟ لِنَرَ ما الخبر هناك؟ إذن من الواضح أنَّك لم تصل إلى الحقِّ بعد. لنرَ ما الخبر في ذلك المجلس؟ وماذا يقول فلان؟ وماذا يفعل فلان في المكان الفلانيّ؟ لنذهب ونرى، لنذهب ونرى. هذه المسألة دليلٌ على أنَّ هذا الإنسان لم يجد الحقَّ، إنَّه يمزح، يمزح. لقد قبِل ظاهريًّا ولكنَّه في باطنه وفي وجدانه لم يصل إلى اليقين والثِّقة والسُّكون والطُّمأنينة تجاه ذلك الأمر.
بعضهم دائمو الحركة والتَّنقُّل، يذهبون من هذا المجلس إلى ذاك، ومن ذاك المجلس إلى هذا، دائمًا هم في حالة تنقُّلٍ ودوران. لم يفكِّروا أبدًا في أنَّ ما يحصلون عليه في بعض هذه المجالس يجب أن يجعلوه واجبًا ومنهاجًا لحياتهم. قلوبهم مسرورةٌ بهذا التَّنقُّل بين المجالس. هؤلاء لو تنقَّلوا مائة مليون سنةٍ لبقوا في مكانهم. لا يذهبون إلى السِّينما والمسرح، لا! إنَّهم يذهبون إلى المجالس، مجالس دينيَّة، مجالس معنويَّة، مجالس يُذكر فيها الله والصَّالحون والأطهار. هذه هي الأمور الَّتي يشاركون فيها، ولا يشاركون في مسائل اللَّهو واللَّعب. ولكنَّ مقدار القبول والتَّصديق والإيمان الذي ينبغي أن يؤدِّي إلى الاستفادة من مضامين تلك المجالس غير موجودٍ فيهم. فهم فقط مسرورون بسماع الكلام.
كم يتحدَّث هذا السيِّد بشكلٍ جيِّدٍ ومواضيعه جيِّدة. جلسنا ساعةً نستمع لحديث هذا السيِّد، والآن لنذهب ونرى ماذا يقول ذاك السيِّد؟ ذاك السيِّد أيضًا يتحدَّث بشكلٍ جيِّدٍ جدًّا. هذا يتحدَّث بطريقةٍ وذاك بطريقةٍ أخرى. هذا هو المجلس الثَّاني، إلى أين نذهب غدًا؟ في السَّاعة التَّاسعة هناك جلسةٌ في المكان الفلانيّ، وبعد صلاة الظُّهر والعصر يتحدَّث فلان في المجلس الفلانيّ عن الأعاظم والأولياء ويقصُّ القصص ويثير حماس المجلس وينشد الشِّعر، فلنذهب إلى هناك ونشارك أيضًا. ثمَّ إلى أين نذهب؟ لم نقرأ مجلسًا حسينيًّا بعد، فمن المستحبِّ على أيِّ حالٍ أن يكون للإنسان في شهر رمضان ذكر مصيبةٍ ولطمٍ على الصَّدر حتَّى لا يُحرم من هذا الأمر. هناك هيئةٌ في المكان الفلانيّ، لنذهب إلى هناك أيضًا.
يقضي أربعًا وعشرين ساعةً من وقته في الذَّهاب إلى هذا المسجد وذاك المجلس ـ بغضِّ النَّظر عن السَّاعات الَّتي يقضيها في المنزل ـ ثمَّ ينقضي شهر رمضان وهو على حاله، لم يتغيَّر شيئًا. يعني لو استمرَّ شهر رمضان هذا للأشهر الأحد عشر الأخرى، فسيبقى الحال على ما هو عليه: نذهب صباحًا إلى هناك وظُهرًا إلى هناك وليلًا إلى هناك.
الاكتفاء بالسَّماع دون العمل: لذَّةٌ نفسانيَّةٌ لا توصل
نصيب هؤلاء محدود. الفائدة الَّتي يجب أن يطبِّقوها من مثل هذه المجالس لا يحصلون عليها. فائدتهم تقتصر على الحديث ونوعٍ من اللذَّة النَّفسانيَّة. هذه الأمور الَّتي أذكرها لحضراتكم كنتُ شاهدًا عليها بنفسي. المرحوم العلَّامة في زمن الشيخ الأنصاري رحمه الله كان امرءًا إذا ذهب إلى أستاذه ينتظر ما سيقوله ليستفيد منه، لا أن يستمع فقط ويقول: عجبًا، يا له من رجلٍ عظيم! نعم، هو رجلٌ عظيم، ولكن ما علاقة ذلك بي؟ هو عظيمٌ لنفسه، فماذا أفعل أنا؟ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله أيضًا رجلٌ عظيم، ولكن بأيِّ شيءٍ ينفعني؟ هذا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله بهذه العظمة والجلال جاء ليأخذ بيدي، والآن إذا لم أمدَّ يدي إليه، ولم أسلِّم له أمري، ولم أضع اختياري رهنًا لإرادته، وبقيتُ مستقلًّا في إرادتي واختياري ومشيئتي، في نفس الوقت، نعم! بالتَّأكيد النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله يختلف عن غير النَّبيِّ. مثل هؤلاء لا يذهبون أبدًا إلى درس أبي سفيان وأبي جهل. لا يأتون أبدًا ليُفضِّلوهما على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله. هؤلاء أناسٌ عرفوا الأمر إلى حدٍّ ما.
ولكن حدود معرفتهم، والأهمُّ من ذلك، مقدار الفائدة الَّتي يجب أن يحصلوا عليها من الحديث والاقتران بالشَّخصيَّة العظيمة، هذا ما لا يملكونه. لماذا؟ لأنَّهم احتفظوا بمكانتهم لأنفسهم. لا يجرؤون على فقدان تلك المكانة. لا يجرؤون على فقدانها. نفوسهم قانعةٌ بقضاء الوقت بهذا المقدار. نذهب إلى هنا، يوجد مجلسٌ، وبعده يقدِّمون طعامًا، والحمدُ للهِ أنَّه مختومٌ بالخير. ثمَّ نذهب إلى المكان الفلانيّ، هناك مجلس هيئةٍ وعزاء وذكر مصيبةٍ، ونحصل منه على نصيبٍ وثوابٍ أيضًا، ونجلس مع فلانٍ ونتحدَّث ونستفيد من كلام فلانٍ. يشعرون في وجودهم وفي أنفسهم بأنَّ يومهم لم يذهب سدىً، وأنَّ عمرهم لم يذهب سدىً. بينما قد ذهب سدىً.
ماذا تعني بطالة العمر؟
ماذا تعني البطالة؟ تعني أنَّ هذا الرَّصيد الوجوديَّ الذي أعطانا إيَّاه الله تعالى، وهو العمر والاستعدادات الَّتي هي وسيلةٌ للوصول إلى الحقِّ، يبقى متوقِّفًا في مرتبة النُّقصان وفي تلك المرتبة الدُّنيا. هذا ما يسمَّى بالبطلان.
قال رسول الله صلَّى الله عليه وآله مغبون من استوى يوماه «من استوى يوماه فهو مغبون»۱. يشعر أنَّ اليوم، الأحد ـ وظاهرًا السَّبت، يبدو أنَّ شهر رمضان يمرُّ علينا بصعوبةٍ، الأيَّام تتقدَّم! ـ اليوم السَّبت لم يختلف عن يوم الجمعة. يجب أن يذهب ويفكِّر، لم يختلف. لم يرَ فرقًا في نفسه.
لماذا المحبَّة هي الشَّفيع؟
هذه الأمور الَّتي أريد أن أذكرها هي لنصل إلى ذلك الأمر وهو مسألتنا مسألة المحبَّة. فلماذا قال الإمام السَّجَّاد عليه السَّلام: «وحبِّي لك شفيعي إليك»؟ لماذا اختار الإمام عليه السَّلام المحبَّة من بين هذه الحالات والمواقف المختلفة للإنسان؟
«من استوى يوماه فهو مغبون». لحقته الخسارة. والويل لمن كان يومه التَّالي أسوأ من يومه السَّابق. يكون قد تراجع. تراجع في أيِّ شيءٍ؟ تراجع في الإيمان، تراجع في الرغبة، تراجع في درجة الإحكام والإتقان تجاه الطَّريق.
الإيمان الحقيقيّ هو تسليم الإرادة لا مجرَّد الإعجاب
هؤلاء الأناس الذين كانوا في السَّابق يذهبون لخدمة الأعاظم، من رفقاء وأصدقاء المرحوم العلَّامة في زمن الشيخ الأنصاري رحمه الله، أتذكَّر في ذلك الوقت، في طفولتي، قضايا من ذلك الوقت ما زالت عالقةً في ذهني. كم واحدًا من هؤلاء كان يؤمن بالشيخ الأنصاري رحمه الله؟ الإيمان بمعنى أنَّه رجلٌ عظيم، كلُّهم كانوا يؤمنون بذلك قلَّ أو كثر، ولم يكن أحدٌ يقول إنَّه رجلٌ صغير، ولم يكن أحدٌ يقول إنَّه رجلٌ عاديٌّ، لا! الإيمان بمعنى رفض الأنانيَّة والاستقلال أمام الشَّخصيَّة العظيمة، بهذا المعنى. في النِّهاية، نحن بحمدِ اللهِ، حسنًا! لدينا نفسٌ جيِّدةٌ جدًّا، ممتازةٌ جدًّا. حتَّى لو ذهبنا إلى الإمام المهديِّ عليه السَّلام، سنحافظ على مقامنا ومكانتنا! سنحافظ على حالتنا!
إمام الزَّمان الخياليّ وإمام الزَّمان الواقعيّ
قلتُ يومًا للرُّفقاء: إمام الزَّمان الذي نقبله هو إمام زمانٍ صوريٌّ وخياليٌّ، وليس إمام زمانٍ حقيقيٍّ. فالآن السَّاعة التَّاسعة والنِّصف من ليلة الأحد، فجأةً يخبر عدد من الناس أنَّ الإمام عليه السَّلام يريد أن يشرِّف هذا المجلس. كلُّ أوضاعنا ستضطرب، أليس كذلك؟ كلُّ شيءٍ سيضطرب، آه! الإمام عليه السَّلام يريد أن يأتي! فلنجلس مؤدَّبين متربِّعين... لنرَ ماذا يريد أن يقول وماذا يريد أن يأمر؟ كلُّ فكرنا يتوجَّه إلى أنَّ الإمام عليه السَّلام يريد أن يشرِّف إلى هنا. وفجأةً نرى الإمام عليه السَّلام قد شرَّف. نقوم ونصلِّي ونسلِّم ونقول: يا ابن رسول الله! وهذه الأمور الَّتي نعرفها ونتعلَّمها جميعًا بشكلٍ أو بآخر. يأتي الإمام عليه السَّلام ويجلس هنا ولا يتحدَّث ولا يقول كلمةً واحدةً. يقول لي: يا فلان، أكمل حديثك! أتحدَّث أنا، وكلُّ أذهانكم بدلًا من أن تتوجَّه إلى حديثي تتوجَّه إلى الإمام عليه السَّلام. بلا استثناء. اعذرونا على الجسارة، كلُّنا متَّفقون على أن نكون رفقاء!! يعني أنَّ تلك المكانة والعظمة ـ ليست العظمة الحقيقيَّة! بل العظمة المتخيَّلة والمتوهَّمة ـ تستولي على أذهاننا لدرجة أنَّنا لا نلتفت إلى شيءٍ سوى الإمام عليه السَّلام. تتكرَّر هذه القضيَّة، غدًا ليلًا يأتي الإمام عليه السَّلام مرَّةً أخرى. ليلة الغد تختلف عن اللَّيلة السَّابقة بنسبة عشرةٍ بالمائة. لماذا؟ لأنَّها تكرَّرت. بعد غدٍ ليلًا يأتي الإمام عليه السَّلام أيضًا. يأتي في اللَّيلة الثَّالثة ثمَّ يقول: أنا سآتي إلى هنا كلَّ ليلةٍ حتَّى نهاية شهر رمضان المبارك. رأينا ذلك لمدَّة أسبوعٍ أو عشرة أيَّامٍ، في اليوم الحادي عشر نشعر بصداعٍ في الرَّأس ولا نأتي إلى هذا المجلس ونقول: سنراه غدًا ليلًا على أيِّ حال! الآن لم نره ليلةً واحدةً، سنراه غدًا ليلًا! هذا يصبح إمام زمانٍ متخيَّلًا ومتوهَّمًا. وهمٌ. كلُّه خيال. هذا الإمام وفلان ويا ابن الحسن وعجِّل على ظهورك، كلُّه خيالٌ ووهمٌ. واحدٌ بالمائة، إذا تساهلنا كثيرًا، يبقى في نهاية القضيَّة.
وظيفة السُّلوك: تصحيح العقل وتغليبه على الخيال
السُّلوك أيُّها الرُّفقاء جاء ليصحِّح عقولنا وليغلِّب العقل على العواطف. عندما يغلب العقل على العواطف، يعرف إمام الزَّمان عليه السَّلام. فعليَّة القوى العقلانيَّة تؤدِّي إلى الوصول إلى العقل المنفصل والعقل الكلِّيِّ. أن يصحَّح عقلنا وإدراكنا.
سُئل عارفٌ: ما التَّوحيد؟ قال: تصحيح الخيال. أن يصحَّ خيالك. هذا الخيال الذي يدور في ذهنك، هذه الثُّنائيَّات وهذه الكثرات وهذه التَّوغُّلات، هذا التَّبديل بين الحقيقة والمجازات، هذه الاعتبارات تحلُّ محلَّ الحقائق. الكثرة تنشأ من هنا، أليس كذلك؟ أمَّا إذا عمل العقل بشكلٍ صحيحٍ، وارتحل الوهم عن الإنسان، ولم يجد الخيال سبيلًا إلى الإنسان، فإنَّ حقيقة التَّوحيد، أي نفس الواقع، تستقرُّ في الإنسان وتحصل له. وهذه مسألةٌ مهمَّةٌ جدًّا، جدًّا. هذه القضيَّة مهمَّة.
كيف كان المرحوم العلَّامة ينظر إلى أستاذه؟
كان المرحوم العلَّامة يقول إنَّني...، رأيتُ في أحد الكتابات أنَّهم كانوا يسخرون من هذا الكلام. كان المرحوم العلَّامة يقول: عندما كنتُ أنظر إلى الشيخ الأنصاري رحمه الله، كنتُ أنظر إليه كنبيِّ مع حذف العوارض الشَّخصيَّة والخارجيَّة. فماذا يعني أنَّني كنتُ أنظر إليه كنبيٍّ؟ يعني هذا، يعني الوصول إلى الاعتدال العقليِّ والخروج من الخيال والوهم. كان يحلُّ المسألة لنفسه بمنطق اثنين زائد اثنين يساوي أربعة. هل يتحدَّث هذا الفرد من عند نفسه أم يتحدَّث عن الله؟ إذا كان يتحدَّث من عند نفسه، فلماذا أتينا إلى هنا؟ حسنًا، الكثيرون يتحدَّثون من عند أنفسهم. لننظر قليلًا، كلُّنا نتحدَّث من عند أنفسنا، وأنا نفسي الذي أتحدَّث الآن أتحدَّث من عند نفسي. نحن لا نمزح، هل تعلمون لماذا؟ لأنَّنا ما دمنا أسرى النَّفس، فإنَّنا نتحدَّث من عند أنفسنا، حتَّى لو تحدَّثنا عن الله. نتحدَّث عن "هو" الذي هو من إفرازات الذَّات، لا عن "هو" الذي جاء بلا واسطة. "هو" الذي جاء بلا واسطةٍ يأتي في النَّفس الَّتي هي مرآةٌ وليس لها استقلال. تلك هي نفس النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله والإمام عليه السَّلام. تلك هي نفس وليِّ الله. الحديث حديثٌ واحد.
لماذا يختلف أثر الكلام من قائلٍ لآخر؟
كيف أنَّ هذه العبارة التي يكتبها فلانٌ ليس لها أيُّ أثرٍ، ولكن العبارة التي يكتبها الكاتب الفلانيُّ لها أثر؟ هي عبارةٌ واحدة. عبارته فيها حياةٌ ونشاطٌ وحقيقة. لأنَّ تلك العبارة لم تمتزج بخليط النَّفس، لم تختلط. عندما يأتي ذلك المعنى، في تلك اللَّحظات! هذا الحاسوب الذي هو نفس الإنسان، لا أعتقد أنَّ أحدًا في العالم قد صنع مثل هذا الحاسوب بهذه السُّرعة. في نفس اللَّحظة الَّتي يأتي فيها المعنى، وفي نفس اللَّحظة الَّتي يقول فيها، وفي نفس اللَّحظة تأتي النَّفس وتلتقط صورةً لنفسها وتلصقها بذلك المعنى وتخرج من اللِّسان، في تصويرٍ سريع! سريع لدرجة أنَّ المسكين نفسه الذي يتحدَّث لا يعي. هو نفسه الذي يقول هذا الكلام لا يميِّز. من كان خبيرًا يفهم فورًا ويقول: يا سيِّد، لا تطبع نفسك عليها.
قصَّة زائر لكربلاء: عندما تصبح العبادة غطاءً للهوى
في أحد المجالس، كان بعض أصدقاء الشيخ الأنصاري رحمه الله قد جاؤوا بعد وفاته في زيارةٍ لكربلاء. أحد هؤلاء كان قد جاء بوضعٍ غير مناسبٍ، زوجته كانت مريضةً وتحتاج إلى رعايةٍ، تحتاج إلى مساعدةٍ وتعاونٍ. كانوا قد أخذوا هذا المسكين وتحدَّثوا معه وأقنعوه وجعلوه يرافقهم! تعال لنذهب لزيارة الإمام الحسين عليه السَّلام، هذه فرصةٌ لا تتكرَّر، وهناك ليالي عرفة وما إلى ذلك! أيُّ إمام حسينٍ وأيُّ عرفة؟ زوجتك مريضةٌ وتحتاج إليك. أيُّ إمام حسينٍ يرضى بأن تتخلَّى عن مثل هذا التَّكليف والواجب المتوجِّه إليك وتنهض لتأتي للزِّيارة؟ أيُّ إمام حسينٍ يقبل بهذا وأيُّ إمامٍ يرضى بمثل هذه الزِّيارة؟ هذه ليست زيارةً، هذه ترفٌ. بعضهم ينغمس في التَّرف والهوى وهذه الأمور، هنا وهناك وفي الخارج وهذه المسائل. وبعضهم لا! تصبح الزِّيارة زيارة ترفٍ. الجلوس معًا والتَّحدُّث وتناول العشاء والتَّودُّد وإنشاد الشِّعر ثمَّ الزِّيارة وقراءة العزاء والتَّخلِّي عن الواجبات! هذا حمقٌ، هذه ليست زيارةً!
كانوا قد ذهبوا إلى هناك. مسؤولهم هو أحد الذين يروي المرحوم العلَّامة قصَّةً عنهم في كتابه، أنَّه كان كثير الخلاف مع المرحوم السيّد الحدَّاد رحمه الله وكان قد تجرَّأ عليه كثيرًا واتَّهمه وكان رجلًا كثير الكلام وذا نفسٍ قويَّةٍ ويؤثِّر في الناس. هذا جاء معهم. قيل للسيِّد الحدَّاد رحمه الله إنَّ مثل هؤلاء قد جاؤوا إلى هنا، فلنذهب لرؤيتهم.
مواجهة السيّد الحدَّاد رحمه الله للمتظاهرين بالصَّلاح
عندما دخلوا المجلس وجدوه يتحدَّث عن كلّ شيء عن العالم الأعلى والأدنى. التفتوا إليه وقالوا: ما هذا الكلام الذي تقوله؟ بدلًا من هذا الحديث، وجِّه هؤلاء إلى تكاليفهم وواجباتهم الَّتي تخلُّوا عنها! الآن هذا يتظاهر بالصَّلاح، ويتظاهر بأنَّه إنسانٌ متكاملٌ، ويتظاهر بأنَّه إنسانٌ قد سلك الطَّريق، بهذا القناع، بقناع إنسانٍ رأى الأستاذ، تلميذ ذلك الذي كان في كربلاء من الزُّهَّاد والعبَّاد، وبعض السَّادة الحاليِّين كانوا أيضًا من تلامذته، ثمَّ اختلف مع المرحوم القاضي رحمه الله ولم يكن يردُّ سلامه! قال المرحوم القاضي رحمه الله إنَّني سلَّمتُ عليه عدَّة مرَّاتٍ ورأيته لا يردُّ جوابي، وبعد ذلك لم أعد أسلِّم عليه. حسنًا، رأينا الشيخ الأنصاريَّ رحمه الله ورأينا السيّد القاضيَّ رحمه الله وكنَّا عند الأعاظم وسمنَّا وعلونا وتعلَّمنا الأمور. الآن واجبنا أن نجمع الناس حولنا وألَّا ندعهم يبقون وحدهم! فالله لا يرضى أن نبقى وحدنا! كلَّ هذا الوقت كنَّا مع هذا وذاك، يجب أن يكون لنا ثمرةٌ وأن نكون منبعًا للخيراتٍ. في النِّهاية، لا يمكن أن يكون الإنسان وحيدًا، يجب أن يجمع الناس. يأتي الشَّيطان جيِّدًا ويتوسَّط ويتدخَّل. لنجد مريدين ونجمع الناس ونهديهم، نهديهم خلاف مسير الحقِّ إلى الله! هذه كلُّها تتجمَّع ثمَّ يقول هو هكذا.
ثمَّ يلتفت إليه ويقول: ماذا تقول أنت؟ هنا تظهر النَّفس فجأةً! تقف في وجه وليِّ الله وتظهر! يقول: ما هذا الكلام الذي تقوله؟ كلُّ هؤلاء الذين جاؤوا إلى هنا يعرفون واجبهم ولا حاجة لأن تحدِّد لهم تكليفًا. يلتفت المرحوم السيّد الحدَّاد رحمه الله إلى أحدهم، ويقول: عندما كنتَ تخرج من باب منزلك وجاءت زوجتك إلى الباب وقالت: أنا الآن حاملٌ ومريضةٌ وأحتاج إليك، ماذا أجبتها؟ فاحمرَّ وجهه! هذه هي الزِّيارة الَّتي تقوم بها؟!.
عندما رأى الأمر هكذا، أظهر لهم كرامةً أيضًا! فما هذه التُّرَّهات الَّتي تقولونها؟ كلُّ ظاهركم وباطنكم واضحٌ لي كالمرآة وكفِّ اليد. كلُّ بواطنكم واضحةٌ لي كالمرآة، وتريدون أن تخفوا عنِّي؟ يا سيِّد فلان، ألم تأتِ إليه وتقل له: زوجتك تذهب بنفسها إلى الطَّبيب، انهض وتعال لنذهب للزِّيارة؟ يا سيِّد فلان...؟ بدأ يذكرهم واحدًا واحدًا. رأوا أنَّ الأوضاع بدأت تضطرب ولم يبقَ ماء وجهٍ! ولم يبقَ ماء وجهٍ لهذا الرَّجل أيضًا، هذا الذي يتحدَّث! فجأةً بدأ يقول: يا سيِّد، من قال لك أن تأتي إلى هنا؟ اذهب لشأنك، وبدأ يقول هذه التُّرَّهات!
حقيقة الكلام المزيَّف: عندما يتحدَّث الشَّيطان بلسان الدِّين
الآن يتَّضح كم أنَّ هذه المطبعة تطبع جيِّدًا. يتحدَّث بكلام الله ولكنَّه يلتقط صورةً لنفسه ويلصقها به ثمَّ يقوله! إذا كان الكلام كلام الله، فلماذا تقول هذا الكلام أمام وليِّ الله؟ لماذا عندما ينتقدك تنهض لمواجهته؟ لماذا؟! هل الإمام الحسين عليه السَّلام راضٍ بهذه الزِّيارة؟! هل سيِّد الشُّهداء عليه السَّلام راضٍ؟ جميل! حماسيّ! بليغ وجيِّد! ولكنَّ الشَّيطان يأتي ويتحدَّث عن الله وعن تلك الأمور. الشَّيطان يأتي ويقول هذه الكلمات. فالشَّيطان يجعل الله في مواجهة الله. الشَّيطان لا يتحدَّث عن الخمر والقمار والشِّطرنج وهذه الأمور ليقولوا: يا سيِّد، اتركه، وضعه واضحٌ، لا! لكلِّ فردٍ فخُّه الخاصُّ به.
بالنِّسبة لأهل الدُّنيا، يأتي بالشِّطرنج إلى المنازل، وكلُّ المنازل ـ والحمدُ للهِ! ـ فيها شطرنجٌ الآن. يأتي بالخمر إلى المنازل والقمار والموسيقى والفجور والفساد الأخلاقيِّ وفقدان العفّة إلى المنازل. هذه للأناس العاديِّين. ولكنَّه يرى أنَّ هذه الأشياء غير موجودةٍ في هؤلاء، فيجلس ويفكِّر ويشغِّل فكره ويقول: كيف أدخل على هؤلاء؟ هؤلاء ليس لديهم قمارٌ وشطرنجٌ وخمرٌ، وليس لديهم تسلُّق بيوت النَّاس والسَّرقة. ماذا نفعل؟ ندخل عن طريق الله والنَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله والأولياء وهذه الأمور. ثمَّ نجعل هذه المجالس حماسيَّةً ونمتِّع نفوسهم بهذه المجالس. هم يتلذَّذون نفسانيًّا بهذه الأمور ويقفون هنا. وعندما يقفون هنا، لا يسلِّمون قلوبهم للحقِّ ولا يفوِّضون إرادتهم لإرادة الله ويحتفظون بالاختيار لأنفسهم، وهذا الشَّيطان يقول: هذا ما نريده. نريد أن نمنع سالك طريق الله! إذا نجح الأمر بالقمار، فبها، وإذا نجح بالشِّطرنج، فبها، وإذا لم ينجح، نذهب إلى الله نفسه، نستمدُّ القوَّة من الله نفسه ونقف في وجه الله. وهو يفعل ذلك وبشكل جيِّد جدًّا!.
لماذا انحرف البعض بعد وفاة الشيخ الأنصاريّ رحمه الله؟
لذا نرى أنَّ هؤلاء ولأنَّهم لم يؤمنوا بالشيخ الأنصاري رحمه الله، لم يسلكوا طريقه بعد وفاته. فالشيخ الأنصاري رحمه الله كان له طريق. عندما كان المرحوم العلَّامة يقول إنَّني أعتبره نبيًّا، كان يعني أنَّني لا أعتبر كلامه ككلامي. هذا الرَّجل رجلٌ عندما تأتي تلك المعاني من عالم المعنى على نفسه، تخرج من فمه كما هي. لا تقف في النَّفس، لا تتلوَّن في النَّفس، لا تُرسم. كما هي تلك الأمور تخرج. حتَّى للحظةٍ واحدةٍ لا يفكِّر فيها، هل أقولها الآن أم لا؟ هل هذا صحيحٌ أن أقوله أم لا؟ لا يفكِّر حتَّى للحظةٍ واحدةٍ، لماذا؟ لأنَّه ليس لديه نفسٌ أصلًا.
نحن الذين نجلس ونفكِّر ونقول: لنقلِّل منه، لنزد عليه، لنقل جزءًا منه الآن وجزءًا في وقتٍ آخر حتَّى لا يكون أحدٌ في الجلسة، لندور وننظر واحدًا واحدًا! الآن بما أنَّ فلانًا ليس هنا، نقول هذا الأمر، لا بأس. أمَّا إذا أردتُ أن أقول أمرًا قد يمسُّ فردًا ما، أُراعي قليلًا. هذا هو المعتاد. لقد طبعنا طبعةً وخلطنا تلك الصُّورة الصَّافية والحقيقيَّة والبريئة وتلك الصُّورة الواقعيَّة من عالم المعنى. لذا بمجرَّد أن يبدأ الإنسان يتحدَّث، يرى المرء أنَّه يتحدَّث جيِّدًا وروحه ومعنويَّته جيِّدة، وفجأةً ترى الصَّفحة قد انقلبت! هو نفسه يتحدَّث، ولكن شيئًا ما خطر بباله. بمجرَّد أن يخطر بالبال، شاء أم أبى، يتغيَّر الحديث.
{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ}۱ يقول الله تعالى إنَّكم ستعرفون المنافقين من لحن قولهم. يأتي المنافقون ليمدحوا ويقولوا: ما شاء الله وما شاء الله، ولو كانت كلمة ما شاء الله وما شاء الله عندهم ألف شتيمة. فمن يجب أن يفهم يفهم. الكثيرون لا يفهمون، الكثيرون لا يميِّزون. والكثيرون يبقون في هذا الجهل حتَّى النِّهاية. ولكنَّ من هو أهلٌ للتَّمييز وقد أعطاه الله نورًا، يأتي النُّور ويعرف الظُّلمة بدقَّةٍ لأنَّها معارضةٌ له. يأتي النُّور ويميز ذلك الواقع. يرى، آه! تغيَّر الوجه، حتَّى الآن كان الوجه جيِّدًا! كان يأتي مستقيمًا ولكن فجأةً فسد. بمجرَّد أن يرى أنَّه فسد، يرى أنَّ شيئًا ما خطر بباله. يصبح جيِّدًا مرَّةً أخرى ثمَّ يفسد...، كان المرحوم العلَّامة يقول إنَّ بعضهم منذ البداية ملتزمون بهذا الشَّكل، مسألة "فَسَد وتحسَّن" وهذه الأمور ليست في عملهم. يطأطئون رؤوسهم ويقولون: اللهمَّ أرنا الحقَّ حقًّا وارزقنا اتِّباعه، وانتهى الأمر، مهما يكن. بعضهم ليسوا كذلك! يتقدَّمون قليلًا ويتحرَّكون، لا بأس ثمّ يسيرون يومين في طريقٍ ترابيٍّ وخاطئٍ ثمَّ يقولون: يا ويلتاه، يا لها من غلطةٍ ارتكبناها! يسيرون ثلاثة أيَّامٍ ثمَّ يسلكون يومًا واحدًا طريقًا ترابيًّا! يسيرون ثمَّ يسلكون طريقًا ترابيًّا. وهذا يختلف قلَّة وكثرة من إنسان إلى آخر.
ولكنَّ مثل هؤلاء الذين اكتفوا بمقدارٍ من الكلام ولم يريدوا استخدامه لعبور النَّفس من تلك الأمور، يبقون على حالهم.
وهم الاستمرار دون أستاذٍ حيّ
بعد المرحوم العلَّامة، ألم يأتِ هؤلاء أنفسهم؟ جاؤوا ووقفوا في وجه الحقِّ، شكَّلوا مجالس. ألم يأتوا ليقولوا: لقد انتقل الشيخ الأنصاريُّ رحمه الله إلى رحمة الله وانتهى الأمر، قالوا: لا! يجب أن نأتي ونحافظ على أنفسنا ويجب أن نهتمَّ بأنفسنا. ماذا يعني أن نهتمَّ بأنفسنا؟! نهتمُّ بماذا؟ نجلس أيُّها الرُّفقاء ونأنس معًا ونقدِّم الأرز والمرق. أُقسم بحياتي وحياتكم لو أنَّ مجلسًا واحدًا من مجالسهم لم يكن فيه أرزٌّ ومرقٌ لما استمرَّ للمرَّة الثَّانية! هذا الذي أقوله لحضراتكم لأنَّني كنتُ بينهم وأنا أتحدَّث. كلُّ هذا كان كلامًا فارغًا! فقط للحفاظ على المكانة والتَّلذُّذ بها، وفي هذا، لندر ولنتجوَّل وننشد شعرًا ونقرأ مجلسًا ونذكر مصيبةً ثمَّ مائدة طعامٍ وبطن ممتلئة. نأكل حتَّى تصل اللُّقمة إلى حلاقيمنا ثمَّ نعود إلى المنزل ونقول: ما شاء الله، يا لها من ليلةٍ قضيناها بذكر الله والتَّوسُّل بالأئمَّة الأطهار عليهم السَّلام والعزاء وهذه الأمور. المرحوم العلَّامة بمجرَّد أن رأى الأوضاع هكذا قال: وداعًا لكم. أتذكَّر ليلةً كانت السَّاعة الحادية عشرة ليلًا، طُرق الباب، فتحتُ الباب فرأيتُ واحدًا قد جاء السَّاعة الحادية عشرة ليلًا في الصَّيف. جاء المرحوم العلَّامة إلى الباب. قال: إنَّ الرُّفقاء مجتمعون في منزل فلان، وجئنا لنخبركم. فقال المرحوم العلَّامة: أنا معذورٌ ولا أستطيع المجيء. السَّاعة الحادية عشرة ليلًا جاؤوا للتَّوِّ يبحثون عن العلَّامة ليأتي ويشارك في المجلس. فماذا يعني ذلك؟! من في ذلك المجلس؟! هل جاء إمام الزَّمان عليه السَّلام إلى ذلك المجلس؟ هل جاء الإمام السَّجَّاد عليه السَّلام إلى ذلك المجلس؟! لا شيء، تعالوا اجلسوا، يقدِّمون الأرز لنأكل ونعود! حسنًا، نحن نأكل في بيوتنا على أيِّ حالٍ.
هذه المسألة خطيرةٌ بالنِّسبة لنا، يجب أن ننتبه حتَّى لا نقع في الفخِّ الذي وقعوا فيه، وألَّا نُبتلى بالضَّلالة والضَّياع الذي ابتُلوا به حتَّى جاؤوا ووقفوا في وجه الحقِّ، وألَّا نقع نحن في ذلك. يجب ألَّا نأتي ونجعل هذا الاجتماع مانعًا للوصول إلى الله. يأتي هذا ليصبح هو نفسه مانعًا، عجيبٌ جدًّا!
حقيقة المنهج لا ترتبط بشخص الأستاذ
لا زلت أتذكَّر تلك الجلسات، وتلك الأمور الَّتي كانت تجري حينها لا تزال في ذهني. كان المرحوم العلَّامة يقول لهم، لهؤلاء الذين كانت لهم جلساتٌ حتَّى أواخر أيَّامه، وكانت لهم جلساتٌ في طهران أيضًا. وهؤلاء الذين كان يتحدَّث إليهم، كنتُ في مجلسٍ كان يقول فيه: بأيِّ معيارٍ قبلتم االشيخ الأنصاريّ رحمه الله؟ أليس المعيار نفسه موجودًا الآن، فلماذا لا تقبلون؟ إذا كان الأمر يتعلَّق بالفرد الظَّاهريِّ وهذا الظُّهور الجسميّ للإنسان، فحسنًا، كان هناك من هم أجمل من الشيخ الأنصاريِّ رحمه الله، وربَّما كان لديهم علمٌ ظاهريٌّ أكثر من النَّاحية الظَّاهريَّة، وربَّما كان يوجد من هم أفضل منه في الكلام والحديث. من النَّاحية الدُّنيويَّة والدِّيكور وهذه المسائل، قد يكون هناك من هم أفضل بكثيرٍ، فلماذا لم تذهبوا إليهم؟! إذن مجيئكم إلى هذا العظيم كان بسبب فكره وعقيدته وليس بسبب خصائصه الظَّاهريَّة. فهل تزول فكرته وعقيدته بذهابه وتنتهي؟ أم أنَّ المعيار هو الذي يبقى؟! أنتم تلامذته، يجب أن تفترضوا الآن: ماذا كان سيقول لكم الشيخ الأنصاريّ رضوان الله عليه لو كان حيًّا؟ هل كان سيقول لكم: لا تتَّبعوا الأستاذ؟ هل كان سيقول هذا الكلام؟ إذا قال هذا، فهذا الشيخ الأنصاريّ لم يعد ذاك الشيخ الأنصاريَّ. أم أنَّه كان سيقول: يجب أن تذهبوا إلى الأستاذ الآن أيضًا؟
قصَّة أخرى عن وهم الاكتفاء الذَّاتيّ
كان هناك أحد الناس حتَّى أواخر زمن المرحوم العلَّامة، ثمَّ حدثت بعض المسائل والأمور. حسنًا، كنتُ على صلةٍ به وتحدَّثتُ معه كثيرًا لعلَّي أستطيع [إذا] كان بيدي شيءٌ [أن أفعله]. المسألة الَّتي كان يطرحها هي أنَّ فلانًا وفلانًا الرَّجل العظيم والوليَّ الإلهيَّ الذي توفِّي قال في حياته: أنا معكم. إذن، أنا لستُ بحاجةٍ إلى شيءٍ!
قلتُ له: إنَّ قوله "أنا معك" ليس بمعنى أنَّك من ناحية أمور النَّفس وبهذه الحيثيَّة الَّتي أنت عليها ستصل إلى مرتبة الكمال ولست بحاجةٍ إلى ضمٍّ وضميمةٍ، كلاّ. وليس بمعنى أنَّ ذلك المسير والطَّريق والحركة الَّتي كانت معي في حياتي معك، ستستمرُّ بالكيفيَّة نفسها، كلا! بل بمعنى أنَّ حقيقتي الباقية الَّتي تظهر في وجود فردٍ آخر هي معك. هي بهذا المعنى. لا أنَّك لست بحاجةٍ إلى أستاذٍ وتعليماتٍ وأنَّ أمرك قد انتهى وتجاوزت نفسك. والدَّليل على ذلك هو أن تنظر بنفسك لترى هل تجاوزتَ [أمر النفس] أم لم تتجاوزه؟! إن كان هو معك، فلماذا تخطئ؟! ولماذا ما زلت أسير نفسك؟! ولماذا تشعر بالفراغ والنُّقصان؟! هذه الأمور لا تتوافق مع ذاك الأمر.
وقلتُ له أيضًا: لو كنتُ مكانك لحوَّلتُ هذه المسألة إلى نحوٍ آخر وكنتُ في خدمةِ آخر وعظيمٍ آخر. الفهم الذي أستخلصه هو هذا. أولياء الله لا ينظرون أبدًا إلى جانبهم الجسمانيِّ ولا يتحدَّثون مع الناس من هذه الزَّاوية.
إنَّهم ينظرون إلى حقيقة أنفسهم. تلك الحقيقة اليوم تتجلَّى في هذا الظُّهور وغدًا في ظهورٍ آخرٍ، وبعد غدٍ في ظهورٍ آخرٍ. [فقال لي]: كيف كنت كلَّ هذا الوقت مع مثل هذا الرجل ولم تصل بعد إلى هذه المعاني؟ وأنا الذي كنت معه ليومين فهمت ذلك، وأنت كنت كلَّ هذه المدَّة وسمعت منه الكلام [ولم تدرك]!
وذات يوم سألتُ المرحوم العلَّامة عن هذه القضيَّة،
فقال: ماذا قلتَ أنت؟ قلتُ: أنا قلتُ هذا.
فقال: هذا هو الأمر لا غيره.
الإنسان لا يمكنه أن يرى نفسه مستغنيًا. مع ذلك، لم يقبل منّي ومضى.
توفِّي المرحوم العلَّامة، ومرَّت سنواتٌ وسنواتٌ حتَّى رآني هذا الرجل يومًا وقال: يا فلان، إذا رأيتَ نفسًا تجاوزت [الأنانيَّة] فأخبرني أيضًا! فقلتُ له: ها! صبَّحك الله بالخير! ألم تقل حضرتكَ إنَّني لست بحاجةٍ؟! رأيت أنَّ المسألة ليست هكذا، ومرَّ عامٌ وعامان وعشرة أعوامٍ ولا خبر. ومن جهةٍ أخرى، ينظر الإنسان إلى نفسه ونقائصه وعيوبه ويرى أنَّ هذا هو الحال.
حركة الكون والإنسان المستمرَّة: ضرورة إدراك الحقيقة
هكذا تمضي القضيَّة، والسَّماء والأرض لا تتوقَّفان أبدًا من أجلنا. تقومان بعملهما وتأخذاننا معهما. إذا كانت لدينا القدرة وقلنا: نريد أن نخرج من دائرة هذه المنظومة الشَّمسيَّة لساعتين، يقولون: تتحدَّثون هباءً! لا يمكنكم أن تتحرَّكوا مترًا واحدًا في الفضاء من مكانكم، أنتم ثابتون في النُّقطة الَّتي أنتم فيها. أين تريدون أن تخرجوا من المنظومة الشَّمسيَّة؟! تتحرَّكون وتذهبون مع هذا التيَّار. إذا أدركتَ نفسك فقد أدركتَها، وإذا لم تُدرِكها يأخذونك ويحرِّكونك. هنا كان الأعاظم يقولون إنَّ الإنسان يجب أن يضع دائمًا معنى الأستاذ وحقيقته في اعتباره، وليس ظاهره وجسمه، وليس الارتباط الظَّاهريَّ به، وليس مجالسته. يجب أن يضع تلك الحقيقة والمعنى في اعتباره. تلك الحقيقة حيَّةٌ دائمًا في ذاكرته.
أولئك الذين يؤمنون بهذه المسألة، لا يذهبون بعد ذلك إلى هنا وهناك، لا يقولون بعد ذلك: ماذا في المكان الفلانيّ؟ لا يقولون بعد ذلك: ماذا حدث هناك؟ وماذا حدث هنا؟ وماذا فعل فلان؟ وما أخبار فلان؟ وما أخبار تلك المدينة وتلك الدِّيار؟ لماذا؟ كلُّ هذا إضاعةٌ للوقت. أغلق الملفَّ واذهب لشأنك. ماذا يعني ماذا حدث هنا وماذا حدث هناك؟! وأين الخبر اليقين؟! الحقيقة هي ما تتّبعه، وكلُّ ما هو موجودٌ فهو في هذا، ولا حاجة لك بشيءٍ آخر. لا حاجة لك بأمرٍ آخر.
چون که صد آمد نود هم پیش ماست | *** | نام احمد جمله نام انبیاست |
يقول: بما أنَّ المائة قد جاءت، فالتِّسعون عندنا أيضًا *** واسم أحمد حاو لأسماء الأنبياء.
أولئك الذين وصلوا إلى مبتغاهم كانوا هكذا.
خلاصة النَّصيحة: الثَّبات وإزالة الموانع
خلاصة الأمر قلتها للرُّفقاء، وأعتقد أنَّ التَّوضيح أكثر من هذا ليس ضروريًّا. فعلى الإنسان أن يقف ثابتًا تجاه ما يتلقَّاه، هذا مهمٌّ. وأن يزيل الموانع بينه وبين ربِّه. فليفكِّر أنَّه قد وصل إلى آخر عمره، وليفكِّر أنَّه لم يبقَ من عمره سوى أسبوعٍ واحدٍ، وقد أُعطي فرصةً ليومٍ واحدٍ، وفي ذلك اليوم الواحد لن يقضي عمره في البطالة بعد الآن، ولن يتَّبع الهوى بعد الآن. لن يسعى وراء قضاء الوقت بعد الآن. سيسعى لمعرفة كيف يقضي هذا اليوم الواحد المتبقِّي! فليفرض أنَّ هذا اليوم الواحد يتكرَّر يومًا بعد يومٍ، وقد لا يتكرَّر اليوم غدًا. أقول هذا وينتهي الأمر وتصل الكلمة إلى نهايتها.
نفس الإنسان هكذا، إذا لم يزجرها الإنسان ويثبِّتها في مكانتها ولم يسلِّم زمام اختيارها لنفسها، فإنَّها تريد أن تتطفَّل في كلِّ مكانٍ في نطاق لذَّتها.
قصَّة أخرى: التَّمسُّك بالمجالس الشَّكليَّة
قبل فترةٍ جاء أحدُهم وقال: يا سيِّد، نريد أن نكون في خدمتكم.
قلتُ: الواقع غير ما تتصوَّرونه، وأنا فردٌ مثلكم ولا أختلف عنكم من هذه النَّاحية.
قال: تواضع!
قلتُ: يا عزيزي، أنا أعتبر التَّواضع نفاقًا. كلُّ هذه خدعٌ! التَّواضع خدعةٌ. بصراحةٍ ووضوحٍ هو نفاقٌ وخدعةٌ، والإنسان ليس بحاجةٍ إلى هذه الأمور.
قال: أرشدنا. كانت له جلساتٌ، ليلةً واحدةً في الأسبوع كان يأتي أناسٌ إلى منزله، كانت لديهم نذورٌ وحاجاتٌ وجلساتٌ، وبعدها أرزٌ ومرقٌ وهذه الأشياء، التَّوابل، بل الأفضل أن نقول الأصل. لطمٌ على الصَّدر وهيئةٌ ومجلس عزاء وشعرٌ، كلُّ الأنواع [خلاصة القول، حساءٌ مختلطٌ].
قال: أرشدنا.
قلتُ: هل تمزح؟
قال: لا، أنا جادٌّ. أنا في السَّنتين أو الثَّلاث الأخيرة من حياة والدكم المرحوم كنت في خدمته أيضًا وأخذتُ منه تعليماتٍ أيضًا.
قلتُ: ماذا قال لكم؟
فلم يقل.
قلتُ: هل تعلمون ماذا أقول لكم؟ ألغوا هذه الجلسات! فجأةً شحب لونه واصفرَّ وجهه!
قال: يا سيِّد، هذه جلساتٌ، يأتي إليها جمعٌ من المحبِّين!
قلتُ: فليأت المحبُّون وكلُّ من يأتي، إذا كنتم تطلبون الإرشاد منِّي، فأنا أقول لكم: ألغوا هذه الجلسات.
قال: ماذا نفعل؟
قلتُ: اجلسوا في بيوتكم! العبوا لعبة "ألك دولك"! ماذا يعني ماذا نفعل؟ ألغوها!
فلم يقبل. إمَّا أنَّه أخذ الأمر على محمل المزاح أو غير المزاح، أنا تحدَّثت معه بجدِّيَّةٍ وذهب.
ما كلُّ هذا؟ كلُّ هذا تلذُّذٌ، تلذُّذ من النَّفس. النَّفس تستمتع بذلك. الآن لو قيل: هذا المجلس الذي في منزلك فلِيُعقد في منزل فلان، سيقول: آه! لا يا سيِّد! ماذا يعني ذلك؟ حسنًا، ما الفرق؟ الجلسة هي الجلسة، فقط الجدار اختلف. تلك كانت في هذا المكان وهذه في مكان آخر. فقط الجدران والطُّوب والحديد تغيَّرت.
كلُّ هذا فخٌّ. فخٌّ يحصر الإنسان في داخله. لا يدعه... عندما يقع الطَّائر في الفخِّ يفقد القدرة على الطَّيران. لا يستطيع أن يرتفع ليذهب ويجلس على القمَّة. كلَّما رفرف بجناحيه كانت رجله عالقةً. الرِّجل ملتصقةٌ، والرِّجل لا تنفصل عن الإنسان. يجب التَّخلِّي عن هذا الفخِّ حتَّى يتحرَّر الإنسان نفسه. عندما يتحرَّر، شاء أم أبى، سيطير. البخار بمجرَّد أن يرتفع عن سطح البحر، شئتم أم أبيتم، يصعد هذا البخار إلى الأعلى، لماذا؟ لأنَّ طبيعته طبيعة الصُّعود إلى العلوِّ. طبيعة نفس الإنسان، حتَّى بدون أستاذٍ، حتَّى بدون تربيةٍ، حتَّى بدون مساعدةٍ، إذا كانت في المسار الصَّحيح، تتحرَّك تلقائيًّا نحو العلوِّ، بشرط أن تكون متحرِّرةً من القيود والأغلال.
المعيار الحقيقيّ: اتِّباع الحقّ لا الأشخاص
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن يعتبر الحقَّ دائمًا أمامه، مهما كان، يقبله. إذا كان الحقُّ في النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله يقبله، وإذا كان في أبي سفيان يقبله. يقبل الحقَّ. الحقُّ لا يكون أبدًا في أبي سفيان، ولكن هذا يسعى للوصول إلى الحقِّ.
من قبل النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله بسبب المعجزة، عندما أسلم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله الرُّوح، تبع أبا بكر، تبع عمر، لماذا؟ لأنَّه قبل النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله بسبب إعجازه وشقِّ القمر، وليس بسبب الحقِّ. إذا كان بسبب الحقِّ، فالآن الحقُّ أيضًا في عليٍّ عليه السَّلام، فما الفرق؟ أنتم الذين تبعتم النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله لأنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وآله كان هو (الحقَّ) بدون نفسٍ، حسنًا، الآن عليٌّ عليه السَّلام أيضًا هو الحقُّ بدون نفسٍ، وغدًا الإمام الحسن عليه السَّلام بدون نفسٍ، وبعد غدٍ سيِّد الشُّهداء عليه السَّلام، وهكذا. أمَّا إذا جاء الإنسان وحصر نفسه في المظاهر، وحصر نفسه في تجلِّيات ظهور الحقِّ، وحصر نفسه في الآثار، فإنَّ اتِّجاهه النَّفسانيَّ نحو الحقِّ سيزول، حتَّى لو جلس مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله، حتَّى لو استفاد، حتَّى لو بكى بمرارةٍ! النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله يتحدَّث وهو يبكي! هذا لا فائدة فيه. هذا البكاء موجودٌ ما دام النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله يتحدَّث. بمجرَّد أن يذهب النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله إلى منزله، يذهب هو أيضًا إلى منزله، وبمجرَّد أن يضع النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله رأسه على الأرض ويتوفَّى، يذهب هو أيضًا ليتَّبع الأصنام. الأصنام الَّتي قامت في وجه أمير المؤمنين عليه السَّلام، الأصنام الَّتي رفعت رأسها في وجه عليٍّ عليه السَّلام. لو كان النَّاس يتَّبعون حقيقة النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله، فلماذا رجعوا؟ من الواضح أنَّهم لم يكونوا كذلك. كانوا يجلسون مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله ويبكون بمرارةٍ أيضًا، ولكن كان ذلك ظاهرًا فقط. هذا الدَّمع لم يكن له عمقٌ وواقعٌ وحقيقةٌ.
خطر تحريك العواطف في طريق الحقّ
الآن لو أنَّ امرأةً مات طفلها، فجاءت إلى هنا تبكي وتظهر الحزن، فجأةً ترى خمسين امرأةً قد بدأن بالبكاء. طفلكِ لم يمت، فلماذا تبكين أنتِ؟ هذا هو تحريك العواطف، وتحريك العواطف يظهر مرَّةً بهذه الكيفيَّة، ومرَّةً بكلام النَّبيِّ صلَّى الله عليه وآله، ومرَّةً برؤيةِ عظيمٍ. المسار الذي يكون دائمًا مسار الحقِّ هو الذي لا يكون للعواطف دورٌ في قبول الأمور فيه.
يجب أن نسعى وراء هذا. يجب أن نصحِّح هذه المسألة في أنفسنا.
وفقًا للوعد، لم نصل اللَّيلة أيضًا إلى الموضوع المقصود، إن شاء الله موعدنا مع الرُّفقاء للمجلس القادم.
اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ