4

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة

المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

31
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1427

التاريخ 1427/09/06

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

ما هي المعرفة الحقيقية الدالة على الله التي ذكرها الإمام السجاد؟ وكيف تختلف عن العلم الظاهري؟ تبيّن المحاضرة أثر تفاوت درجات هذه المعرفة القلبية في مراتب الشيعة وقربهم من الله والأئمة، وكيف تتجلّى في إدراك حقائق كالرحمة الإلهيّة وحضور الإمام. كما تناقش اتهام جميع العرفاء بالانحراف ظلمًا، مؤكّدة أهميّة طلب المعرفة الحقّة من مدرسة أهل البيت عليهم السلام.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة 

  • المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۷ هـ - الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ

  • وصلَّى اللهُ عَلَى سيّدِنا ونبيِّنا أبي القاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وعلى آلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ واللَّعنةُ عَلَى أعدائِهم أجمَعينَ

  •  

  •  

  • «مَعْرِفَتي يا مَوْلايَ دَليلي عَلَيْكَ، وَحُبّي لَكَ شَفيعي إلَيْكَ، وَأَنَا واثِقٌ مِنْ دَليلي بِدَلالَتِكَ، وَساكِنٌ مِنْ شَفيعي إلى شَفاعَتِكَ.»

  • يقول الإمام عليه السلام معرفتي بك يا مولاي وسيدي هي دليلي ومرشدي إليك.

  • تحدثتُ ليلة أمس عن هذه الفقرة وقلتُ إنّنا لن نواصل البحث فيها، ولكنني فكّرتُ اليوم في نفسي ورأيتُ أنه ربما لا تزال هناك بعض النقاط المتبقّية، فشعرتُ بالأسف أن لا أذكر التتمّة التي خطرت ببالي حول هذه الفقرة. وكان سبب ذلك أيضًا أنني تذكّرتُ مجلسًا كان فيه المرحوم العلامة والمرحوم السيد الحداد رحمهما الله، وجرى الحديث فيه عن هذه القضيّة نفسها، وبقيت بعض النقاط من ذلك المجلس في ذهني، فشعرتُ بالأسف مرّة أخرى أن لا أعرضها على الرفقاء. لذا، إن حدث خلف للوعد بعدم مواصلة الحديث، فأسأل الله أن يكون خلفًا موجّهًا.

  • سأعرض النقاط التي بدت لي حول هذه المسألة، وفي هذا المجلس نفسه سننتقل إلى الفقرة التالية التي تمثل عالمًا عجيبًا، والخروج منه يتطلّب رجلاً [قويًا] بحق: «وَحُبّي لَكَ شَفيعي إلَيْكَ». كم أتمّ الإمام السجاد عليه السلام الحجة في هذا الكلام!

  • ليست كل معرفة دليلاً على الحقيقة

  • إن كان الرفقاء يذكروون، فقد جرى الحديث في الليالي الماضية عن المعرفة، وقيل إنّه ليس كلّ معرفة دليلاً على الحقيقة. المعرفة بمعنى الوصول إلى حقيقة واقع المعروف والمُدرَك، هي الدليل، وهي التي ترشد الإنسان إلى ذلك المعروف وإلى ما يسعى للوصول إليه وتوصله إليه.

  • من يريد أن يتعرّف على عالم بالرياضيّات، لا يمكنه أن يدرس الفقه والأصول وبهذه الكيفيّة تكون له معرفة به؛ بل يجب أن يذهب ليدرس الرياضيّات. ولا يمكنه أن يدرس الكيمياء ومن هذا المنطلق يستطيع أن يطّلع على معلوماته. الرياضيّات فنّ وعلم، والعالم به يقتضي أن يكون أستاذًا وخبيرًا في هذا الفن.

  • الآن، لو كان الإنسان جاهلاً بمسائل الرياضيات، وكانت معلوماته ومعارفه في حدود عمليات الضرب والقسمة العادية فقط، فلو جلس مع هذا العالم والخبير بالرياضيات مئة عام، فلن يستطيع أن يحصل على أدنى اطلاع على ما في ضميره؛ لأنه لا يملك المعرفة بفنّه. المعلومات التي يمتلكها ذلك الإنسان قد تكون ـ لنفترض أنه أستاذ في فنون كثيرة ـ في تلك المسائل التي لا علاقة لها بالرياضيّات. قد يكون قد عمل كثيرًا في الفقه وأتقنه. قد يكون قد بذل جهدًا كبيرًا في التفسير. قد يكون مؤرّخًا عميقًا جدًّا ومتضلّعًا، ولكنّ هذا الإنسان لو جلس مئة عام أمام عالم رياضيّات، فلن يستطيع أن يطّلع على معلوماته، لا يستطيع.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

3
  • لو افترضنا أنّ فردًا متمكن جدًّا من المسائل الفقهيّة، يعرف الأحكام، ويميّز مراجع وأدلّة المسائل، وقد درس أقوال الفقهاء جيّدًا، ومطّلع على المسار التاريخي للفقه، وكيف تطورت هذه المسألة في تاريخ الفقه، وما هي الفتاوى التي صدرت بشأنها؟ نقضًا وإبرامًا، نفيًا وإثباتًا، ويعرف القائلين بها والفقهاء الذين تناولوها بشكل كامل، فمهما كان متضلّعًا، إذا كان جاهلاً بالمسائل الفلسفيّة والحِكميّة، فإنه لا يستطيع إبداء رأيه في المسائل الفلسفيّة؛ لأنه لم يدرسها.

  • فالمسائل الفلسفيّة والحِكميّة لها قوانين وقواعد خاصّة بها، والمسائل الفقهيّة لها أيضًا قوانين وقواعد خاصّة بها. وإن كان ذلك الفقه الحقيقيّ والشرع الواقعيّ والمسائل الواقعيّة والحقيقيّة، فإنّ الاطلاع عليها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمسائل الفلسفيّة والمسائل العرفانيّة قطعًا؛ ليس هذا الفقه الاصطلاحي المعاصر، لا! ذلك الفقيه الذي يمتلك ذخيرة قيّمة من الفلسفة والحكمة، مثل المرحوم العلامة الطباطبائي، والمرحوم القاضي، والمرحوم العلامة، وأولياء الله، والآخوند الملا حسين قلي الهمداني، فإن استنباطهم يختلف كثيرًا عن استنباط الذين لا اطلاع لهم على المسائل الفلسفيّة والحِكميّة أو التفسيريّة، يختلف كثيرًا. ورؤيتهم للمسائل الإسلامية تختلف كثيرًا. نوظرتهم إلى المباني والكليّات الفقهيّة والمدارك والملاكات متميّزة ومختلفة تمامًا. وهذا أمر بديهي وواضح جدًّا.

  • وبناءً على ذلك، فإنّ من لديه خبرة وتضلعًا واطلاعًا على المسائل والأحكام الفقهيّة، لو جلس خمسين عامًا أمام حكيم وفيلسوف، فلن يستطيع أن يطّلع على المسائل الفلسفيّة. لن يفهم ما هي قاعدة العليّة؟ لن يستطيع إدراك القوّة والفعل. لن يستطيع فهم أصالة الوجود والماهيّة. لن يستطيع إدراك وحدة الوجود، لا يستطيع.

  • قصّة السيد مهدي الروحانيّ مع العلامة ومسألة وحدة الوجود

  • في وقت سابق، ذات يوم ـ رحم الله المرحوم السيّد مهدي الروحاني، كان من العلماء الكبار جدًّا والزهّاد والمتقّين، المرحوم السيد مهدي الروحاني كان هنا في قم، كان رجلاً عالمًا، كان ذا علم، وكان متضلعًا جدًا في المسائل الفقهيّة والأصوليّة. عندما أردتُ أن أدرس الكفاية ـ رحم الله ـ المرحوم الشيخ مرتضى الحائري، رآني ذات يوم وقال لي: ماذا تدرس؟ قلتُ: انتهيت من الرسائل وأريد أن أدرس الكفاية. قال: عند من تريد أن تدرس؟ قلتُ: لم أختر أستاذًا لنفسي بعد، لم أحدّد. فذكر اسم اثنين أو ثلاثة وقال: اذهب وادرس عندهم. ولكن لم أوفّق للدراسة عند أيّ منهم. أحدهم كان المرحوم السيّد مهدي الروحاني. وذات يوم، جاء لزيارة المرحوم العلامة هنا في قم، وكنتُ حاضرًا في ذلك المجلس. وكان رجلاً متواضعًا جدًا، كان رجلاً بسيطًا لا يهتمّ بالمظاهر. كان قد بدأ درسًا للبحث الخارج ثمّ توقف. قال له المرحوم العلامة: يا سيد، لماذا توقّف درسكم؟ قال بلهجته القمّية: يا سيّد، بدأنا الدرس ولم يأتِ أحد، فأوقفناه نحن أيضًا، أوقفناه. كان رجلاً بسيطًا جدًا، ولكنه كان فاضلاً! فاضلاً ومجتهدًا وعالمًا.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

4
  • جاء يومًا لزيارة المرحوم العلامة هنا في قم. قال: يا سيّد، مسألة وحدة الوجود هذه التي يقول بها هؤلاء الفلاسفة والعرفاء، لم أفهمها، ما هي؟ هل يمكنكم توضيحها لي؟ قال ذلك بلغة عذبة جدًّا تنمّ عن صفاء قلبه وإخلاصه وصدقه. زهذا الأمر مهمّ جدًا، أن يتأمّل الإنسان في إخلاصه أكثر، في الإخلاص. عندما يقرأ الإنسان عبارات الناس، يقرأ كلمات الكثيرين، يفهم هل هذه الكلمات نابعة من الصفاء والإخلاص أم أن أمورًا أخرى تتدخّل فيها. جيّد جدًّا، جيّد جدًّا أن يسعى الإنسان دائمًا لأن يجعل مسألة الإخلاص نصب عينيه في كلماته، في أحاديثه، في معاشرته، وأن يجعل الصدق دائمًا نصب عينيه.لقد قال بلسانه البسيط ذاك: يا سيّد! نحن لم نفهم مسألة وحدة الوجود هذه يا سيّد! هل يمكنكم توضيحها لنا؟ فضحك المرحوم العلامة ضحكة ونحن كنا جالسين، وقال: نعم يا سيّد! سنوضحها لك الآن. استغرق الأمر حوالي عشرين دقيقة، خمسًا وعشرين دقيقة. وعندما شرح مسألة وحدة الوجود، قال السيد مهدي: حسنًا يا سيّد، هذه لا إشكال فيها! يتحدّثون عنها كثيرًا، يتحدّثون كثيرًا، فهذه لا إشكال فيها! المطلب بهذه الجودة والسهولة! فقال المرحوم العلامة أيضًا: ونحن أيضًا نقول لا إشكال فيها، نحن نقول هذا نفسه. وحدة الوجود هذه التي يقول السادة إنّها باطلة وقائلها نجس ويكتبون ذلك أيضًا في رسائلهم العمليّة، بعضهم، ويكفّرون ويفعلون كذا وكذا! يكفّرون العرفاء! يكفّرون الفلاسفة! الملاّ صدرا المسكين هرب، نُفي، فرّ من أيديهم وذهب إلى كهك ولجأ إلى هناك وبدأ الكتابة هناك. هذه هي نفسها وحدة الوجود التي شرحناها لكم، أوضحناها لكم الآن.

  • أهمية الإنصاف والصدق في الحكم على الآخرين

  • انظروا، لو كان هناك إنصاف، كم تُحلّ المسألة بسرعة؟ لو كان صدق...! حسنًا، المرحوم العلامة لم يأتِ ليخدعه، لم يأتِ ليقول شيئًا بطريقة تتوافق مع منهجه وتتّفق معه. نفس ما كتبه في كتبه، ولكن بطريقة أبسط قليلاً. لنفترض أن المرحوم السيّد مهدي لم يدرس الفلسفة، حسنًا لم يدرسها، فالآن المرحوم العلامة لم يستخدم تلك المصطلحات، لم يقل تلك المطالب بذلك المستوى العالي، بل أنزل المطلب نفسه إلى مستوى فهم وإدراك ذلك المرحوم، وبيّن هذه المطالب فقبلها. قال: حسنًا يا سيد، هذه لا إشكال فيها! يتحدّثون عنها كثيرًا!

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

5
  • خطر التعميم واتّهام العرفاء والصوفيّة بالانحراف

  • منذ فترة، سمعتُ أمرًا من رجل ما، يعني رأيته، في إحدى الصحف سألوا: يا سيّد، هؤلاء العرفاء، هؤلاء الصوفيّة، ما شأنهم؟ الجواب الذي أُعطي لذلك الرجل هو أنّ هؤلاء كلّهم منحرفون وكلّهم ضالون، هؤلاء هم الذين لا يصلّون ولا يصومون ويقولون لقد وصلنا إلى المقصود، لقد بلغنا المطلوب، لقد تجاوزنا المقدّمة، لقد عبرنا المقدّمة دفعة واحدة!

  • حسنًا يا عزيزي، لماذا تتّهم؟ لماذا تتّهم؟ لماذا تجلس في مقام والناس ينظرون إليك كمقام علميّ وفقهي، وأنت تتّهم العرفاء والصوفيّة؟ نعم! يوجد بين بعض هؤلاء أفراد لا يصلّون وهم كفّار أيضًا بل ومرتدّون، نحن نقبل بهذا. ثمّ تأتي أنت وتقول: كلّ هؤلاء منحرفون! يوجد بين هؤلاء العرفاء والصوفيّة أفراد لم تفتهم صلاة الليل منذ بلوغهم حتّى وفاتهم! فأيٌّ من هؤلاء السادة أهل الرسائل العمليّة لم تفُتهُ صلاة ليلة واحدة؟ هل يصحّ أن يأتي الإنسان هكذا ويتّهم الناس جزافًا؟ حسنًا، هناك يوم قيامة أيضًا.

  • هل الانحراف مقتصر على فئة دون أخرى؟

  • الآن، بعض هذه المجموعات منحرفة، نحن نقبل بأنّها منحرفة. ولكن هل الانحراف مقتصر على الصوفيّة فقط؟ أليس لدى الآخرين انحراف؟ أليس لدى الآخرين انحراف؟ كم من هؤلاء الأعاظم والذين كانوا هم أنفسهم مجتهدين ولديهم إجازات اجتهاد انحرفوا؟ لماذا لا تذكر أسماءهم؟ ألم يكن بعض هؤلاء الذين جاؤوا وأحدثوا انحرافًا في الدين، ألم يكونوا هم أنفسهم من العلماء والفقهاء؟! هذا السناتور وحيدي، ذلك الفاسق الذي جاء في زمن رضا شاه، وفي زمن كشف الحجاب كان هذا نفسه أول حاضر في كرمانشاه في مجلس كشف الحجاب، أحضر زوجته سافرة إلى المجلس! ألم تكن لدى العلامة وحيدي هذا ثماني عشرة إجازة اجتهاد من مراجع النجف؟ ألم يكن كذلك؟ ألم يكن البهبهانيّون كذلك؟ أولئك الطباطبائيّون، أولئك الذين كانوا في المشروطة وغيرها، أولئك الذين عندما أفتى الميرزا الشيرازي بحرمة التنباك، صعدوا المنابر وشربوا النارجيلة، ألم يكونوا من الفقهاء؟ هل قوّتنا فقط على العرفاء؟ على العرفاء والصوفيّة؟ ألم نرَ نحن بأنفسنا في زماننا هذا من هؤلاء الفقهاء أنفسهم أي أفراد وقعوا في أيّ انحرافات؟! هذا رأيناه بأعيننا، سواء في زمن المرحوم قائد الثورة أو بعده، أفراد جاؤوا وواجهوا القضايا الأساسيّة وواجهوا النظام، والأمور التي رأيتموها؟ هل كان هؤلاء من العرفاء والصوفيّة أم من الفقهاء؟ ممّن كانوا؟! الأمر يختلف كثيرًا.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

6
  • وجوب العدل والإنصاف في الحكم

  • فكما أنّ فساد وفسق وانحراف هؤلاء لا يوجب أن نحكم بانحراف جميع العلماء والفقهاء ـ وهذا خلاف الإنصاف وخلاف العدالة وخلاف الوجدان وخلاف البداهة ـ فكذلك خلاف الإنصاف والعدالة أن نأتي ونتّهم بالانحراف والارتداد جميع العرفاء والأعاظم، الذين كان بعضهم لديهم أحوال، كانوا منعزلين، معتزلين للناس، أو كان لهم مدرستهم الخاصّة، دون انتباه ودون تأمّل، نجمعهم كلّهم في سلّة واحدة ونقول: هؤلاء كلّهم منحرفون، وكلّهم لديهم عقائد باطلة، والعلاقة مع جميع هؤلاء حرام، ومعاشرتهم حرام، وهؤلاء ليسوا أهل صلاة وصوم ونحو ذلك! فهل هذا صحيح؟ وذلك أيضًا من مثل هؤلاء الذين يجب أن يتأمّلوا في كلامهم أكثر ويعلموا أنّه كلّما زادت مسؤوليّة الإنسان فعليه أن يكون أكثر دقّة في مقام الإجابة وأن يراعي الأمور بشكل أكبر.

  • كم هو جيّد أن يكون الإنسان صادقًا دائمًا! نعم، يوجد بين هؤلاء أفراد منحرفون، عقائدهم تتعارض مع مباني الإسلام والتشيع وتخالفها، وبعضهم لا! عقائدهم هي نفسها، لا تختلتف أبدًا. أليس لدينا اختلاف في الفتوى بين الفقهاء؟ أي فقيه رأيتم فتواه تتطابق مع فقيه آخر؟ لا يختلفان في أيّ مسألة؟ كلاّ! بل هذا أمر متعارف.

  • أيّة معرفة بالإمام تكون دليلاً إليه؟

  • الآن، هذه المعرفة التي يتحدّث عنها الإمام عليه السلام ما هي؟ وقد اتّضح أنّ كلّ معرفة لا يمكنها أن توصل الإنسان إلى المقصود المنشود والهدف المراد. يجب أن يكون المسير الذي يقطعه والطريق الذي يسلكه طريقًا موصلاً. فمن هو الإمام عليه السلام؟ وما هي ذات الله تعالى؟ يقول الإمام: «معرفتي يا مولاي دليلي عليك». فأيّة معرفة كان يمتلك الإمام عليه السلام، الإمام السجاد، حتى استطاع أن يأتي بهذا الجزم وهذه القوة ويقول: معرفتي بك أرشدتني إليك؟ أيّة معرفة؟ هل هي هذه المعرفة التي لدينا؟! فلماذا نتّجه نحن إلى كلّ صوب غير الله إذن؟! أيّة معرفة هذه؟ ما هذه المعرفة؟ أيّة معرفة لدينا عن الله؟ أيّة معرفة لدينا عن الله وذات الله وصفاته وأسمائه الإلهيّة؟ فقط نحن نعرف هذا المقدار وأنّه يوجد إله خلقنا، وأرسل شريعة، وكلّفنا باتّباع تلك الشريعة، ثمّ سيحاسبنا يوم القيامة على هذا الأمر. فهذا كلّ شيء والسلام! هل نعرف شيئًا آخر؟ هل لدينا اطلاع آخر؟ أيّة معرفة لدينا عن الإمام عليه السلام؟! أيّة معرفة لدينا؟!

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

7
  • كيف تكون معرفتنا عند زيارة الأئمة عليهم السلام؟

  • نذهب لزيارة قبور الأئمة عليهم السلام، حقًّا عندما نقف عند قبر الإمام عليه السلام، أيّة معرفة لدينا تجاه الإمام؟ «أَشْهَدُ أَنَّكَ تَسْمَعُ كَلامي»۱ وَتَعْلَمُ حاجَتي وتطّلع على ضميري. فهذه عبارات نقرؤها في زيارات الأئمّة عليهم السلام، فهل تعرفون معناها؟! معناها هو أنّه ـ على الأقل، هذا هو الحدّ الأدنى على الأقلّ الآن ـ كما أنتم جالسون وتدركون من هو الذي بجانبكم وأنّه جالس بجانبكم وتشعرون بحضوره، يقول الإمام عليه السلام عندما تذهبون لزيارة قبور الأئمة، على الأقلّ ليكن لديكم مثل هذا العلم والاطلاع بأنّ الإمام الرضا يراني. ليس أن أتصوّر في ذهني أن إمامًا اسمه الرضا كان قبل ۱٣۰۰ سنة وقتله المأمون ثمّ دفنوه هنا وهو حيّ في عالم القيامة ومن هناك يرى، لنفترض، ما نحن عليه؟ لا! كلّ هذا رجم بالغيب. من يدخل حرم الإمام الرضا يجب أن يعلم أن الإمام عليه السلام واقف يراه، الإمام عليه السلام يشاهده. يجب أن يدرك هذا، يجب أن ينسب الحياة الواقعيّة والوجود الحقيقيّ للإمام عليه السلام.

  • قصّة العلاّمة والسيّد الحداد عند قبر حبيب بن مظاهر

  • كان المرحوم العلامة يقول: ذهبنا يومًا بصحبة السيّد الحدّاد لزيارة سيّد الشهداء عليه السلام. عندما زرنا سيّد الشهداء عليه السلام وصلّينا وما إلى ذلك، وبينما أردنا العودة، ذهبنا إلى جانب قبر حبيب بن مظاهر ووقفنا هناك. بدأنا بقراءة الحمد والسورة. ما إن بدأنا بالحمد والسورة حتّى قال السيد الحداد فجأة: يا سيّد محمد حسين، أتقرأ الحمد والسورة؟! هذا الرجل حيّ، هو حيّ وأنت تقرأ الحمد والسورة؟! قال المرحوم العلامة: يا سيّد، نحن نقرأ الحمد والسورة للأحياء أيضًا، ليس الأمر مقتصرًا على الأموات، انظروا ماذا يقول؟ يقول: هذا حيّ. عندما تقف فوق قبر حبيب بن مظاهر، فإيّاك أن تتصوّر أنّه استشهد ومات وهو الآن في الآخرة و«عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»٢ ونحن نقرأ الحمد وثوابها يصله! لا يا عزيزي! إنّه ينظر إليك هنا، إنّه جالس هنا ينظر إليك، ليس لديك عين بصيرة لترى أنّه يتحدّث معك الآن. أنت ترى ضريحًا، ترى خشبًا، ترى آجرًّا، ترى حديدًا، ترى فضّة وذهبًا، لكنّك لا ترى حبيب بن مظاهر، لا ترى الإمام الحسين عليه السلام، لا ترى عليًّا الأكبر عليه السلام، لا ترى عليًّا الأصغر عليه السلام، لا ترى الشهداء. فقط نفتح المفاتيح هكذا ونبدأ بالزيارة وفي نظرنا أنّ ثواب هذه الزيارة يصل إلى تلك الأرواح التي في الآخرة، لا نقول أبدًا إنّه هنا الآن، لا! لا نقول هذا! لا نتصور أبدًا يا عزيزي أنه واقف أمامنا، الإمام الحسين جالس هنا، لا نفهم هذا! لماذا؟ لأننا محكومون بالإحساس، محكومون بعالم الظاهر، ومحكومون بالخيالات والأوهام. لسنا محكومين للمنطق، لسنا محكومين للمنطق.

    1. مفاتيح الجنان، ص ٥۱۷: يا أبا عَبْدِ الله أَشْهَدُ أَنَّكَ تَشْهَدُ مَقامِي وَتَسْمَعُ كَلامِي وَأَنَّكَ حَيُّ عِنْدَ رَبِّكَ تُرْزَقُ فَأَسْأَلْ رَبَّكَ وَرَبِّي فِي قَضاء حَوائِجِي
    2. سورة آل عمران (٣) الآية ۱٦٩

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

8
  • قصّة تدلّ على ضعف المعرفة بمقام الإمامة والولاية

  • ذات يوم، جاء أحد السادة من علماء قم، وقد توفي الآن وانتقل إلى رحمة الله، فقد كنتُ جالسًا في المنزل، فجاء أحد السادة من مشهد ممّن تربطنا به قرابة ما، وجاء ذلك الرجل لزيارتنا. ومن ضمن الأحاديث التي دارت وكان هذا الرجل الزائر يتحدّث عنها، وكانت مقبولة لديه أيضًا لأنّه كان يذكرها في مقام التأييد، من ضمنها كان الحديث حول إحدى القضايا التي وقعت في قم في إحدى السنوات، فأرسل أحد العلماء إلى مشهد وقال: اذهب أنت إلى مشهد لزيارة الإمام الرضا عليه السلام وقل له إنّك في مشهد وأختك في قم، وخلاصة القول إنها لا تستطيع التعامل مع هذه الأمور وهذه المشاكل وهذه القضايا التي حدثت ووقعت! في النهاية، هي امرأة ومسألة الأنوثة ـ أقول هذا بجديّة الآن، فالذي كان يقول هذه الأمور، لن أذكر اسمه، هو من المجتهدين المسلّمين، من تلاميذ المرحوم السيد البروجردي ومن أصحاب تقريراته وله مؤلّفات عديدة ـ فهي امرأة وليس لديها القدرة على أن تسيطر على الأمور، وأنت أيضًا في مشهد والمسافة بعيدة بين مشهد وبين قم! فانقل هذا الأمر إلى الإمام الرضا عليه السلام وقل له أن يتفضّل بعناية ما، واطلب من ابنكم الإمام صاحب الزمان ـ اطلب عبر كلّ هذه الوسائط، بسلسلة السند والانتساب والواسطة كلّها ـ أن يأتي هو ويحلّ هذه المشاكل!

  • فهل هذه معرفة بالإمام؟! يعني هل هذه الأمور أدّت إلى المعرفة؟! ضحكتُ هناك، يعني عندما ـ كنت أدرس الرسائل آنذاك ـ ضحكتُ، فأدرك ذلك الرجل أنّ هذه الضحكة ليست بلا حساب وليست بلا أساس! فانظروا كم طرح الكلام واهيًا وبلا أساس! فكم المسألة مضحكة! ذلك المقام من الطهارة والقدس والعزّة والعلوّ ومقام الشفاعة للسيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، وكيف أنّ هذا الحبل والخيط يتّصل من هذه المخدّرة المطهّرة والمعصومة بحقيقة الولاية، وكيف أن ارتباط وفناء هذه الذّات المقدّسة في مسألة الولاية يوجب ظهور آثار الولاية من الوجود الشريف لهذه السيّدة، وهذه الأمور، ليست أمورًا تُكتسب بروايات الطهارة والنجاسة، أو بأمور الزكاة والخمس والصوم، هذه المسائل لا تُكتسب هكذا! هذه تتطلّب علمًا آخر يا عزيزي! هذه تتطلّب حسابًا وكتابًا آخر.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

9
  • كيف يختلف مقام الزائرين باختلاف معرفتهم بالإمام؟

  • تلك المعرفة وذلك الإدراك الذي يذهب به السيّد الحداد إلى حرم سيّد الشهداء عليه السلام كلّ صباح بين الطلوعين، ثمّ يأتي إلى حرم أبي الفضل ويصلّي الصبح في حرم سيّد الشهداء، بهذه المعرفة، هل منزلة ومقام هذا الوليّ الإلهيّ وأمثاله، وذلك الذي لديه هذا الإدراك تجاه السيّدة المعصومة، واحدة ومتساوية؟ّ متساوية؟! ألم تسمعوا هذه الرواية؟ بالمناسبة، تنقلها عائشة، ويبدو أنّ المرحوم المحدّث القمي، كما يخطر ببالي، ذكرها في المفاتيح، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال لعائشة يومًا: «ستدفن بضعة مني بخراسان مازارها مكروب إِلاّ نفس الله كربته ولا مذنب إِلاّ غفر الله ذنوبه ُدفن بضعة مني بأرض خراسان في طوس، ما زارها مكروب إلا نفّس الله كربته، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه»۱. وفي رواية أخرى عن فضل زيارة الإمام الرضا عليه السلام من زاره أعطاه الله ثواب حجة مقبولة وعمرة مقبولة. فتتعجّب كثيرًا، هي أيضًا لا تملك المعرفة، تلك المسكينة! عجبًا! الآن من يزور أحد أولادك يعطيه الله ثواب حجّة! حجّة! الأمر عظيم جدًّا! حجّة مقبولة وعمرة مقبولة! يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله: ثواب حجّتين وعمرتين، ويرفعها إلى عشر حجج وعشر عمَر، فتتعجّب كثيرًا! يقول: لا تتعجّبي، ثواب ألف حجّة وألف عمرة! ولو قلتِ أيضًا لرفعتها أكثر! فلم تقل هي شيئًا وتوقّفت.٢

  • حسنًا، فهذه المراتب التي ذكرها النبيّ صلّى الله عليه وآله بخصوص زيارة الإمام الرضا عليه السلام، هل هذه المراتب متساوية لجميع الناس؟! لا! ذلك الذي رؤيته تجاه الإمام هي نفس الرؤية التي ذكرتها، رؤية ظاهريّة، يُعطَى له ثواب تلك الحجة الواحدة والعمرة المقبولة الواحدة، وهي أكثر مما يستحقّ أيضًا. أما إذا ذهب واحد مثل السيد الحدّاد لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، فتلك هي الألف حجة والألف عمرة وأكثر. لماذا؟ لأنه يمتلك المعرفة بالإمام، هو لديه معرفة بالإمام.

  • قصة رؤيا ابن السيد الكلبايكاني ومقارنة مقام والده بمقام الشيخ الأنصاري

  • الآن تذكرتُ قصّة، في تلك الفترة، في السنوات الأخيرة من حياة المرحوم العلامة، جاء يومًا أحد أبناء المرحوم السيّد جمال الدين الكلبايكاني إلى مشهد للزيارة وجاء إلى المنزل لزيارة المرحوم العلامة، وكنتُ جالسًا هناك. دارت أحاديث متفرّقة عن أحوال المرحوم السيّد جمال وذُكرت بعض الأمور، ومن جملتها قال هذا الكلام: بعد وفاة والدي المرحوم السيّد جمال الكلبايكاني، رأيته في المنام، فتوجّهت إليه وقلت له: أيّ مقام ومرتبة جعلها الله لك في تلك الدنيا؟ فضحك لي وقال: قدّر الله لي السماء الرابعة! السماء الرابعة! فتعجّبتُ فجأة وقلت: الله أعطاك السماء الرابعة؟! قال: نعم! قلت: إذن كم أعطى الله الشيخ الأنصاري؟! قال: أعطي الشيخ الأنصاري السماء الأولى! فانظروا!

    1. مفاتيح الجنان، ص ٥٩۸ عن عيون اخبار الرضا ٢ / ٢٨٨ ح ١٤ من باب ٦٦.
    2.  من زار قبر ولدي علي عليه‌السلام كان له عند الله عزَّ وجلَّ سبعون حجّة مبرورة. قال الراوي مستبعداً سبعين حجة مبرورة؟ قال: نعم سبعين ألف حجة. قال: سبعين ألف حجة؟ قال: رُبّ حجة لاتقبل من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه. قلت: كمن زار الله في عرشه؟ قال: نعم إذا كان يوم القيامة كان على عرش الله عزَّ وجلَّ أربعة من الأوّلِينَ وأربعة من الآخِرين، فأما الأوّلون فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليه‌السلام، وأما الأربعة الآخِرون فمحمّد وعليّ والحسن والحسين عليه‌السلام ثم يمد المطمار فيقعد معنا زوّار قبور الأئمة ألا وإنّ أعلاهم درجة وأوفرهم حبوة زوّار قبر ولدي علي عليه‌السلام.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

10
  • أيهما أرفع مقامًا: الفقيه أم العارف؟

  • الآن من الناحية العلميّة، العلم الظاهري، كان الشيخ الأنصاري رجلاً عظيمًا جدًا، عالمًا، فقيهًا، زاهدًا، عابدًا، متهجدًا، من أهل الله، لا يوجد الآن شعرة منه! لا تتصوروا هكذا! ذلك القدس والتقوى الذي كان لدى الشيخ الأنصاري أخذه معه أيضًا! من وجهة النظر العلمية، من وجهة نظر الاهتمام بالمسائل الشرعية، من وجهة نظر الحميّة الدينية والغيرة الدينية، أين يوجد مثل الشيخ الأنصاري؟ ولكن مع كلّ هذا، الحديث هو حديث المقام والمعرفة. السيّد جمال الكلبايكاني في معرفة ذات الله تعالى والولاية، لو وُضع بجانب الشيخ الأنصاري، لما فهم الشيخ الأنصاري مقاماته؛ هذه هي المسألة. لماذا؟ لأنه قلّل العمل في هذا المجال، كان عليه أن يسلك طريقًا آخر معه. نعم! في أواخر حياته وُفّق لأن يخطو خطوات في هذا المسار. كان يذهب ليلاً لزيارة المرحوم السيد علي الشوشتري، ونهارًا كان السيّد علي الشوشتري يأتي إلى درس الشيخ الأنصاري. ليلاً كان هو يتتلمذ، وصباحًا كان هذا الأستاذ يأتي إلى الدرس. مع أنّ المرحوم السيّد علي الشوشتري نفسه كان بحرًا زاخرًا من العلم، حتّى إنه بعد الشيخ الأنصاري أدار كرسيّ درس الشيخ لمدّة ستة أشهر مثل المرحوم الشيخ الأنصاري نفسه، وبعد ستة أشهر انتقل إلى رحمة الله، فهذا السيّد علي الشوشتري. ولكنه قلّل العمل، كان يجب أن يعمل أكثر من هذا.

  • مراتب الشيعة تتناسب مع مراتب معرفتهم

  • المراتب التي يذكرها الإمام الرضا عليه السلام ـ الرواية عن الإمام الرضا عليه السلام ـ حيث يقول: «يُعطى شيعتنا من الدرجات على قدر معرفتهم بنا»۱، هذا هو المقصود منها. أي أن يكتسب الإنسان معرفة بالإمام عليه السلام. الآن نحن لا نستطيع الوصول إلى هناك، ولا نتوقّع ذلك حاليًا، يجب بذل الجهد، ولكن لا ينبغي الإنكار، لا ينبغي القول إنّه غير موجود، لا ينبغي اتّهام أهل الحقّ بهذه الطريقة غير المنصفة بأنواع التهم! لا يا عزيزي! هذه المائدة التي بُسطت، تعال أنت أيضًا واستفد منها، لماذا تحرم نفسك؟ فتكون سببًا في حرمان نفسك وفي صدّ الآخرين عن سبيل الله!

    1. بحار الأنوار، ج ٢، ص ١٨٤: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: «يا بني اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم، فإن المعرفة هي الدراية للرواية، وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن إلى أقصى درجات الإيمان، إني نظرت في كتاب لعلي عليه السلام فوجدت في الكتاب: أن قيمة كل امرئ وقدره معرفته، إن الله تبارك وتعالى يحاسب الناس على قدر ما آتاهم من العقول في دار الدنيا».

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

11
  • كيف تؤثر معرفة الإمام الحاضر على سلوكنا؟

  • لو عرفنا الإمام صاحب الزمان عليه السلام وعلمنا أنّ حقيقة الولاية هذه هي حقيقة حيّة تقترن وتصاحب كلّ لحظات وجودنا، فهل نستطيع بعد ذلك أن نتحدّث في أقوالنا كيفما نشاء؟ لو عرفنا الإمام عليه السلام بهذه الطريقة، وأنّه يراقب كلّ لحظاتنا تحت المجهر وبأدقّ أداة وقدرة ممكنة، فهل نستطيع آنذاك أن نفعل كلّ ما يحلو لنا؟ عندما يأتي صديق لنا مثلنا إلى منزلنا، فإنّنا نضبط أنفسنا، إذا كنّا متمدّدين نجلس، إذا كنا نقرأ شعرًا في المنزل، فبمجرّد أن نسمع صوت إنسان ما، نسكت فورًا حتّى لا نفقد ماء وجهنا، لماذا هذا؟ بسبب الحياء الاجتماعي أليس كذلك؟! لأنّه حدث شعور بالحضور، حتّى الآن لم يكن هناك شعور بالحضور، لو كان هناك شخص في الأسفل، لفعل الإنسان كلّ ما يريد، يقرأ، يقرأ شعرًا، يغني، حتى يرى صوتًا قادمًا فيسكت فورًا.

  • لو اعتبرنا الإمام صاحب الزمان عليه السلام حقيقة يخضع لها كلّ وجودنا تحت إرادته العلميّة، فهل نستطيع آنذاك أن نفكّر كيفما نشاء؟ أن نتخيّل كيفما نشاء؟ أن نخطّط كيفما نشاء؟ أن نُفكّر بأيّة فكرة؟ أن نقول أيّ كلام؟ أن نغضب في أيّ مكان؟ أن نتّهم أيّ إنسان نريد؟ أن ننسب نسبة باطلة لأيّ إنسان نريد؟ أن نمرّ على أيّة قضية بلا اكتراث؟ أن نأخذ الأمور باستخفاف في أيّ مكان؟ لا يا سيّد! سيكون هناك حساب وكتاب، سيكون حساب وكتاب في الأمر. هنا يجب على الناس أن ينتبهوا لهذه القضيّة كلّما زادت مسؤوليّتهم الاجتماعيّة، وأن يولوا اهتمامًا أكبر لهذه المسألة حتّى لا يخرج الكلام عن ميزان الاعتدال لا سمح الله، فإنّ الذنب والمسؤوليّة أثقل بكثير جدًّا، أثقل بكثير جدًّا.

  • قصص في ورع العلماء وضرورة التثبّت قبل الحكم

  • قصّة السيّد بحر العلوم ورفضه التوقيع على حكم إعدام

  • جاء علماء كربلاء وكتبوا للمرحوم السيد مهدي بحر العلوم: يا سيد، جاء رجل إلى كربلاء، جاء درويش إلى هنا وله ادعاءات، ونحن جميع العلماء أجمعنا على الحكم بارتداده وكفره وإعدامه! فقط ننتظر توقيعكم على الورقة وحلّ المسألة وإزالة شرّه عن الإسلام! 

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

12
  • فقال السيّد بحر العلوم رحمه الله: أنا لم أره ولم أطلع على أقواله وجاهلٌ بأموره، فكيف يمكنني أن أوقّع الورقة؟ كيف يمكنني أن أوقّع؟ يجب أن آتي وأراه وأطّلع على أموره... هذا هو المرجع، هذا مرجع تقليد هذا الرجل. هذا يُقال له عالم شيعي، هذا يُقال له مؤمن. هذا يُقال له رجل يتبع الإمام صاحب الزمان، هذا يُقال له شخص هبّ عليه نور نسيم التوحيد ونسيم الولاية، هذا يُقال له. هذه هي المسألة. أنا لم أرَ فلا أستطيع، البقيّة يقولون لأنفسهم، يقولون. أنتم أدركتم، أنتم فهمتم هكذا، فهمتم لأنفسكم، وهذا ليس حجّة عليّ. كيف أننا في المسائل الفقهيّة لا نقول: أعمل بفتوى فلان؟ نقول: لا، يجب أن أذهب بنفسي وأرى الأدلّة. يقول: لا! يجب أن آتي وأرى وأقابل عن قرب وأفهم المسألة. وفي ذلك المجلس، جاء المرحوم السيّد ـ والقصّة مفصّلة وتعرفونها ـ وقال: يا جناب الدرويش، ما هذه الضجّة التي أثرتها؟ 

  • فقال هو: أنا لست درويشًا، اسمي ليس درويشًا. 

  • قال: فماذا إذن؟ 

  • قال: اسمي نور علي شاه. 

  • قال: شاه بأي معنى؟ 

  • قال: مسيطر على النفوس، وهناك أمور أخرى، المسائل هنا مفصّلة.

  • قصّة جواب الشربياني حول الآخوند ملا حسين قلي

  • جاؤوا إلى المرحوم الشربياني الكبير، وقالوا: إنّ الآخوند الملا حسين قلي، هذا الرجل كان صوفيًّا وكذا وكذا. فكتب في الجواب: إن كان الصوفيّ هو ما عليه الآخوند، فيا ليتني كنتُ أحد الصوفيّة! المرحوم الشربياني! فلماذا نتّهم الآخرين بمجرّد أنّ جاءت طائفة وسرقت هذا الاسم لنفسها، وفتحت لنفسها دكّانًا في هذه الدنيا بهذا الاسم والعنوان؟ لماذا نتّهم أي شخص؟ هذا باطل. المعرفة يجب أن تكون معرفة واقعيّة، لا على أساس الاعتبارات والسماعيّات والخيالات والأحاسيس ونحو ذلك.

  • قصّة موقف السيّد القاضي من اتهام السيّد الخوئي له

  • يجب على الإنسان نفسه أن يدرك ويصل إلى المسألة. لا أعلم هل هذا في المجلّد الأول أم الثاني؟ في مسألة المرحوم آية الله الخوئي مع السيّد القاضي رضوان الله عليه، ذكرتُ المسألة هناك، ربما في المجلد الأول، لا أتذكّر، أو في المجلد الثاني، أنه نُقل عن آية الله الخوئي رحمة الله عليه أنه قيل له: لماذا لا تذهب إلى منزل السيّد القاضي رضوان الله عليه؟ فقال: إنه يقول أمورًا ويتحدّث عن مسائل وله اعتقادات، وهذا الأمر أدّى إلى أن نتوقّف قليلاً! فكان جواب السيّد القاضي: هل هذا هو نهج تدريسك ودراستك ومعرفتك طوال هذه السنوات الطويلة؟ أنّ ترتّب حكمًا على مجرّد قول ومجرّد سماع ومجرّد كلام...! فأنت لم ترني، ولم تجلس معي، ولم تتحدّث معي، فبأيّ سبب وبأيّ دليل شرعي توجّه لي هذه التهمة؟! أنت لم تجلس معي ساعة واحدة، فكيف تقول هذا الكلام؟! ومنزلي بابه مفتوح للجميع، فكيف تذهب إلى كلّ مكان وتقرأ كلّ كتاب، ولم تكلّف نفسك عناء المجيء والجلوس معي ساعة واحدة حتى الآن؟! فرأى آية الله الخوئي أنّ هذا الكلام متين ومنطقيّ جدًّا. فذهب إلى السيّد القاضي ثمّ أصبح تلميذً له وأخذ منه التوجيهات، وذلك لفترة طبعًا! ثمّ حدثت بعض الأحداث وبعد ذلك انتهت المسألة.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

13
  • فبقولنا "هذا الذي يقال وهكذا سمعنا وبهذه الكيفيّة...!" هكذا لا تُحلّ المسألة. هكذا لا ينتهي الأمر.

  • ما هي معرفة الإمام السجّاد التي دلّته على الله؟

  • بناءً على ذلك، عندما يقول الإمام السجاد عليه السلام: «مَعْرِفَتي يا مَوْلايَ دَليلي عَلَيْكَ»، فأيّة معرفة يقصد؟ عن أيّة معرفة يتحدّث مع الله تعالى؟ المعرفة بذات الله وأسمائه وسعة أسمائه وسعة طاقة صفاته وسعة عطفه ورحمته، بحيث لا تترك أيّ ذات للإنسان في عالم الوجود. نحن نقول هكذا: الله رحيم، الله يغفر. حسنًا، رأينا المغفرة في الدنيا، رأينا العطف، رأينا الرحمة، والله أعلى قليلاً، أكبر قليلاً.

  • قصّة ترك العلامة الطهراني لقراءة دعاء كميل

  • أتذكّر أنّني سألتُ المرحوم العلامة ذات مرّة: يا سيّد ـ وكان في طهران، ولم يكن قد هاجر إلى مشهد بعد ـ فقلتُ: سيّدنا كنتم تقرؤون دعاء كميل سابقًا، فلماذا تركتموه؟ بالمناسبة، كانت ليالي جمعة عجيبة جدًّا لقراءة دعاء كميل، أتذكّر بضع جلسات من أيام طفولتي، عندما كان عمري حوالي أربع أو خمس سنوات، خمس أو ست سنوات، لديّ ذكريات عن بضع جلسات من تلك الأيّام. وكان يقرأ دعاء كميل هذا عن ظهر قلب، كانوا يطفئون الأنوار، وضمن ذلك كان يشرح بعض الفقرات، والخلاصة أنّه كان عجيبًا جدًّا! وذلك أيضًا بالمعاني التي كان يشرحها. ولكن توقّف دعاء كميل هذا وعُطّل، حتّى تلك السنوات الأخيرة من إقامته في طهران، في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة من إقامته في طهران، استؤنفت جلستان أو ثلاث جلسات من دعاء كميل هذا مرّة أخرى. وللأسف، في ذلك الوقت لم يكن هناك أجهزة تسجيل وصوت وأشرطة ونحو ذلك، فلا توجد آثار لذلك، ثمّ توقف مرّة أخرى. في إحدى سفراتي من قم إلى طهران، في ليلة جمعة، قلتُ للمرحوم العلامة: سيّدنا، لماذا تركتم دعاء كميل؟! 

  • فقال: يا سيد محسن، عندما كنت أبدأ الدعاء وأقول: «اللَّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ»، كانت تأخذني فجأة حالة من رحمة الله تعالى تملأ كلّ وجودي، بحيث لو لم أتمالك نفسي لفارقت روحي جسدي، أي كنت أموت، أسقط وأموت!

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

14
  • كيف ندرك سعة الرحمة الإلهيّة التي أدركها الأولياء؟

  • فانظروا هذا الوليّ الإلهيّ، هذا وليّ الله، هذا العارف، أيّ إدراك يمكن أن يكون لديه لمسألة الرحمة؟! فهل نفهم نحن ما هذا أصلاً؟ أصلاً أنا الآن قلتُ لكم هذا، فماذا فهمنا الآن أيّها الرفقاء؟ طبعًا أنا نفسي جزء من هذه القضيّة، نحن أيضًا لا نفهم. وهو لا يكذب، هذا لا يكذب، يقول الصدق. قال: لو واصلتُ قراءة دعاء كميل لرحلتُ عن هذه الدنيا، ولم أستطع المواصلة.

  • أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة همّام تلك، وهي خطبة المتّقين، يتذكّر الرفقاء، في نهايتها عندما يسأله همّام، فيقول الإمام: أنت لا تستطيع التحمّل. فيصرّ ويقول: لا! يا أمير المؤمنين صفهم لي. يقول الإمام: حسنًا، أنت طلبت ذلك بنفسك. ويبدأ بوصف المتّقين ويبيّن صفاتهم، فمن هؤلاء؟ ما هم؟ ما هي علاقتهم بالله؟ كيف هي معاشرتهم؟ كيف هو ارتباطهم؟ كيف يكونون في خلوتهم؟ كيف يكونون في علانيتهم؟ «وَلَوْلَا الآجالُ الَّتِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَمْ تَسْتَقِرَّ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ...» ويبدأ بالقول وهذه الأمور. وهمّام يرتقي ويرتقي ويرتقي، ويصبح لطيفًا ولطيفًا ولطيفًا، حتّى يصل إلى درجة تفقد فيها روحه القدرة على البقاء في هذا الجسد، فيتوقّف الجسد عن العمل، «فَصَعِقَ صَعْقَةً كَانَتْ نَفْسُهُ فِيهَا». فيصيح صيحة ويسقط في مكانه. يقول أمير المؤمنين: كنتُ قلقًا عليه من البداية بأنه لن يستطيع التحمّل.

  • احتفظوا بذلك، والآن تعالوا إلى هذا: كان المرحوم العلامة يقول: عندما كنتُ أبدأ بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ إنّي أسْألُكَ بِرَحْمَتِكَ»، كانت تأتيني فجأة رحمة عجيبة من الله تعالى، ليس كما نقول نحن: الله رحيم، الله عطوف، الله لديه رحمة. تلك الرحمة الحقيقيّة والواقعيّة والسعة الوجوديّة لهذا الاسم العظيم للّه تعالى كانت تأخذني لدرجة أنني كنت أفقد القدرة على تحمّل مثل هذه الحال!

  • تأثير الانفعالات الشديدة (الحزن والفرح) على النفس

  • أحيانًا يحدث، عندما تأتي مصيبة للإنسان، وقد حدث ذلك، أن يقال لأمّ فجأة: ابنك تعرّض لحادث، فيغشى عليها وتسقط في الحال، ألم يكن هذا؟ أليس كذلك؟ إنّها مصيبة. أيّ أنّ نفس الأم في ذلك الوقت لا تتحمّل سماع ذلك، لا تتحمّل هضم هذه المصيبة، لا تتحمّل هضم هذه الواقعة الأليمة، لا تستطيع هضمها، فتخرج نفسها من الجسد، تخرج الروح من البدن، تسقط، إما في حالة إغماء أو تفارق الدنيا! تفارق الدنيا! وعكس ذلك يحدث أيضًا. أحيانًا تحدث فرحة للإنسان، لا أعلم هل هذا صحيح أم لا؟ يقولون كان هناك حمّال في زمن الشاه نفسه عندما كانوا يوزّعون تذاكر اليانصيب، في سوق نائب السلطنة بطهران، شارع الريّ، ذهب واشترى من تذاكر اليانصيب هذه، وصدفة فاز اسمه. بمجرّد أن أخبروه، سقط ميتًا في الحال. يعني هذا الذي كان يكسب عشرة تومانات أو عشرين تومانًا من الصباح إلى المساء، كم كان المبلغ آنذاك؟ لا أعلم! ألم تكونوا أنتم...؟ ألا يتذكّر أحد منكم ذلك الوقت؟ مثلاً، كانوا يقولون فجأة: مئة ألف تومان! حسنًا، ذلك الحمّال الذي يكسب عشرين تومان من الصباح إلى المساء، يقال له فجأة: ربحت مئة ألف تومان، حسنًا...! فسقط ومات. في ذلك الوقت الذي كنّا نذهب فيه إلى المدرسة، سمعتُ ذلك بين الناس والتجار.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

15
  • المعرفة الحقيقية تقود إلى الله وحده

  • عندما كان المرحوم العلامة يدخل في عمق مسألة الرحمة الإلهيّة هذه، سعتها، عظمتها، عمقها، كبريائها، كان بنحو أنّه بمجرد أن تأتي هذه الحالة وتريد هذه الروح أن تتوجّه إلى تلك الرحمة، لم تكن تستطيع التحمّل. لقد اكتسب تلك المعرفة آنذاك. يقول الإمام السجّاد: يا إلهي، علمي برحمتك هو هكذا، هذا هو. لا أن نقول: يا إلهي، أنت رحيم، حسنًا لقد أتعبت نفسك كثيرًا! يا إلهي، أنت عطوف، شكرًا جزيلاً، سلمت يداك! يا إلهي، أنت لديك شفقة كذا وكذا تجاه عبادك، حسنًا! نتحدّث ساعة كاملة، نرصّ ألفًا من هذه العبارات، ولا يتغيّر حالنا شيئًا، وغدًا يحدث الأمر نفسه، وبعد غد كذلك، لماذا؟! لا توجد معرفة في الأمر. لذا يقول الإمام السجاد: أنا الذي أرى رحمتك هكذا، أنا الذي أرى قدرتك هكذا، بنفس الطريقة التي شرحتها، أنا الذي أرى عطفك هكذا، أنا الذي أرى قيّوميّتك على كلّ عالم الوجود بهذه الكيفيّة، أنا الذي أرى جانب ولايتك ذاك على كلّ ذرات عالم الإمكان بهذا النحو، هذه معرفتي تدلّني عليك. فعلى ماذا تدلّ إذن؟ على تلك الذات نفسها. هذه المعرفة تدلّ الإنسان على الله تعالى. وإلا فإنّ القراءة والكتابة والدراسة وهذه الأمور تساعد، هذه، لا أقول إنها لا تؤثّر، ولكن يجب على الإنسان أن يسعى وراء تلك المعرفة.

  • عندما يكتسب تلك المعرفة، هل يمكن أن يطلب أحدًا غير الله؟ ذلك الذي يتلقّى رحمة الله هكذا ويعبّر عنها هكذا، هل يمكنه أن يذهب إلى غير الله؟ هل يمكنه الذهاب أم لا؟! ذلك الذي يرى رحمة الله في مثل هذا الوضع، هل يمكنه أصلاً أن يتّكل ويثق بغير ذات تمتلك مثل هذه الخصوصيّة؟ هل يمكنه أصلاً أم لا؟!

  • السبيل إلى تحصيل المعرفة الحقّة

  • لذا يقول: هذه معرفتي وهذا إدراكي بهذه الكيفيّة وبهذه الخصوصية، أوصلتني إلى هنا، أوصلتني إلى هذا الباب، أوصلتني إلى هذه العتبة، فتحت طريقي هكذا. الآن نحن لا نملك مثل معرفة الإمام السجّاد عليه السلام هذه، ولكن على الأقل نعلم أنّ الإمام السجّاد يقول الصدق، هذا نعلمه بالتأكيد، لم يأتِ الإمام السجّاد ليخطب فينا. الإمام يقول لنا هكذا: أنا فهمتُ هذا، أنت يا من هو من شيعتي تعالَ، تعالَ أنت أيضًا، الله سيقسم لك أنت أيضًا، فلا تيأس. أنا وصلتُ إلى هنا، وإذا أردتَ أن تفهم تلك الرحمة التي فهمها المرحوم العلامة، فهذا هو الطريق، فلا تذهب إلى مكان آخر فتصبح شقيًا، فتخسر الدنيا والآخرة، يجب أن تأتي إلى هنا، يجب أن تأتي إلى هذه المدرسة، يجب أن تجثو عند مدرسة أهل البيت عليهم السلام، أن تنفي اختيارك عن نفسك. أن تنفي إرادتك عن نفسك. كلّ ما يرتضيه لك الإمام، سمعًا وطاعة، أن تغلق عينيك وأذنيك عن غير الإمام، فقط وفقط على هذه الأعتاب تضع جبهتك، حتى تهبّ على قلوبنا ونفوسنا أيضًا شيئًا فشيئًا من تلك البركات ومن تلك التجليّات ومن تلك البوارق.

اختلاف مراتب الشيعة بحسب مراتب معرفتهم بالله والأئمة - المعرفة الحقيقية دليل إلى الله وموجبة للانقطاع إليه

16
  • إن شاء الله، نأمل بعناية ولطف مقام ولاية الحجّة بن الحسن أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، أن يبعث الله نسيمًا من رياض تلك الرحمة على قلوبنا جميعًا.

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّد