2

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة

آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

88
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1427

التاريخ 1427/09/04

جلسات المجموعة(13 جلسة)

التوضيح

ما هو الهدف الأسمى لوجود الإنسان وكيف نصل إليه؟ وهل تكفي التقوى وحدها أو العلم وحده؟ تناقش هذه المحاضرة للمرحوم العلامة أهمية المعرفة كغاية لوجود الإنسان، محذرةً من آفتي العالم المتهتك والجاهل المتنسك، ومن العبادة الشكلية كالوسواس، ومؤكدةً على أن حقيقة الدين تكمن في معرفة النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام وتقديمها على ما سواها.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة

  • آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي ـ سنة ۱٤٢۷ هـ ـ الجلسة الثانية 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم

  • وصلَّى‌ اللَّهُ عَلَی سیّدنا ونبیّنا أبی‌القاسم مُحَمّدٍ صلَّى الله عليه وآله 

  • وعلی آله الطّیبین الطّاهرین 

  • واللعنةُ عَلَی أعدائِهم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • [عند قراءة دعاء الافتتاح الشريف] لينتبه الرفقاء عندما يصلون إلى هذه الفقرة: «اللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى وَلِيِّ أَمْرِكَ الْقَائِمِ الْمُؤَمَّلِ»، فليبقوا واقفين هكذا، لا تجلسوا حتى تنتهي العبارة: «وَاحْفُفْهُ بِمَلائِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ وَأَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ يا رَبَّ الْعالَمِينَ». وعند الوصول إلى هنا، اجلسوا.

  • المعرفة: دليل الإنسان إلى الله

  • «مَعْرِفَتي يا مَوْلايَ دَليلي عَلَيْكَ وَحُبّي لَكَ شَفيعي إِلَيْكَ وَأَنَا واثِقٌ مِنْ دَليلي بِدَلالَتِكَ وَساكِنٌ مِنْ شَفيعي إِلى‌ شَفاعَتِكَ»۱.معرفتي يا مولاي هي دليلي إليك، ومرشدي إليك.

  • المعيار الحقيقي لقيمة الإنسان: العلم أم القوّة؟

  • تقدّم أنّ حقيقة الإنسان تتشكّل بالمعرفة، والغرض من وجود الإنسان هو الوصول إلى هذه المرتبة وهذا المقام، وجميع الموجودات في مراتبها الوجوديّة تُقاس بهذا المعيار وأنّه ما مقدارالمعرفة لديها؟ وما مقدار إدراكها للأمور الكلية؟ وما مقدار شعورها بالوجود والحقائق وآثار الوجود؟ حتّى الحيوانات، فإنّ الأمر بهذه الكيفيّة بالنسبة إليها كذلك. ونحن أنفسنا في محاوراتنا وعلاقاتنا نرى أنّنا نولي هذا الأمر اهتمامًا خاصًّا. الاحترام الذي يُكنّ للعالِم يقوم على أساس معرفته ومقدار اطلاعه. لقد وُضعت قضيّة المعرفة كمعيار وقيمة أساسيّة ومهمّة.

  • وقد تمّ التأكيد على هذا الأمر في آيات القرآن أيضًا: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}٢. هل شوهد قط في القرآن أنّ الله تعالى قد وضع قيمة للأفراد على أساس قوّتهم وقدرتهم الجسديّة؟ هل يستوي الذين هم أبطال وغيرهم مثلاً؟ هل يُفضّل الأبطال على غير الأبطال؟! هل يُفضل أصحاب الوجوه الجميلة على غيرهم؟! هل يُفضّل الأثرياء على الفقراء؟! هل يُفضل أصحاب المناصب والسلطة على الأفراد العاديين؟! كلا! لم يُعتبر أيّ من هذه الأمور ذا قيمة في القرآن، والمعيار لاختلاف المنازل وتفاوت الطبقات هو العلم، والتقوى. {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}. الآن، في مسألة التقوى، هذا أمر دقيق وعميق جدًّا، وسنتابع هذه الأمور إن شاء الله في الجلسات القادمة إذا أراد الله تعالى، وهي أنّ التقوى أيضًا تعود إلى العلم، سنصل إلى هذا الموضوع.

    1. مقطع من دعاء أبي حمزة الثمالي.
    2. سورة الزمر (٣٩) الآية ٩.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

3
  • خطر التقوى بلا علم: من هم الخوارج الجدد؟

  • التقوى بدون علم لا تساوي فلسًا واحدًا، لا تساوي رأس إبرة، بل لا تساوي شيئًا على الإطلاق. التقوى بدون علم تؤدّي إلى أمثال الخوارج في النهروان. التقوى بدون علم تؤدي إلى هؤلاء المتزمّتين الجهلة عديمي الشعور الذين لا يفقهون شيئًا سوى بضعة أحكام ومسائل شرعيّة يريدون تعميمها وتطبيقها في كلّ مكان. التقوى بدون علم وفهم تعني الضلال والجهالة والغواية.

  • صنفان قصما ظهر أمير المؤمنين عليه السلام: من هما؟

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «قَصَمَ ظَهْرِي رَجُلَانِ»۱. أي لم أستطع التعامل معهما، هذا معنى «قصم ظهري». استطعتُ التعامل مع الجميع، أصلحتُ الجميع، تحدّثتُ مع الجميع، إلاّ هاتين الفئتين لم أستطع التعامل معهما.

  • الصنف الأول: العالم المتهتك

  • أحدهما«عَالِمٌ مُتَهَتِّكٌ»٢ عالمٌ يستخدم علمه بناءً على أموره النفسيّة وأهوائه، لا على أساس القرب من الله تعالى والتوحيد والتجرّد والصبغة الإلهيّة. فـ "متهتّك" يعني هذا، يعني ينتهك الحرمة! لا يحافظ على الحدود، يستخدم الأحكام والعقائد والمبادئ الإسلاميّة ويفسّرها بناءً على مصالحه الشخصيّة، هذا هو العالم المتهتّك. الإنسان يمكنه أن يوقظ النائم. لكن من يتظاهر بالنوم، كيف يمكن إيقاظه؟! العالم المتهتّك هو عالم يتظاهر بالنوم. عجيب جدًّا! يقول أمير المؤمنين عليه السلام إنّه لا يستطيع التعامل مع هؤلاء، هؤلاء يكسرون ظهره، أي لا يستطيع فعل شيء تجاههم. هو عالِمٌ مطّلع على المبادئ والقوانين الإسلاميّة، مطّلع على الموازين. تعلّم الصيغ والقواعد جيّدًا، قرأ الكتب، دراسته لم تكن سيّئة، مطالعته لم تكن سيّئة، بل درس جيّدًا. لكنّ النتيجة: أنّه يوظف هذا العلم في خدمة الوصول إلى المقاصد والرئاسات الدنيويّة. كيف يمكن لأمير المؤمنين عليه السلام أن يوجّهه؟! هذا الإنسان عالم، فمن أين يبدأ الكلام معه؟! بأيّ أسلوب يتفاهم معه؟! بأيّة آية قرآنيّة يأتي لمواجهته؟! بأيّة رواية يأتي لتنبيهه؟! لو يقرأ عليه روايةً ما فسيقول: دع عنك هذا يا رجل، أنا أعلم، لا داعي لتعليمي!

  • قصة العالم الذي سخر من حديث المهر القليل

  • كنّا في مجلس عقد قران، وكان هناك مجموعة من الناس. جاء رجل وقال ـ لذلك الذي كان هناك ويصرّ على رفع المهر، لنفترض ثلاثمائة أو أربعمائة أو خمسمائة عملة ذهبيّة ـ قال أحدهم: يا هذا، هذه الرواية الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله: «أَفْضَلُ نِسَاءِ أُمَّتِي أَصْبَحُهُنَّ وَجْهاً وَ أَقَلُّهُنَّ مَهْراً»٣، وقد وردت روايات أخرى غيرها مثل: «أفضل نساء أمتي الودود...». أحبّ نساء أمّتي إليّ هنّ اللواتي يكون مهرهنّ أقل ومحبتهنّ لأزواجهنّ أكثر. فقال: يا هذا، دع عنك هذه الأقاويل! في هذا الزمان لا مكان لهذه الأقاويل، هذه الروايات كانت لذلك الزمان. أما الآن فليست الأمور كذلك، بل تغيّرت الأوضاع، وتغيّرت المسائل! لقد سخر واستهزأ بالرواية الواردة عن النبيّ صلّى الله عليه وآله! لقد داس كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله وتعاليمه تحت قدميه! كأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يكن يعلم أنّه بعد ۱٤۰۰ عام سيأتي زمان لا تصلح روايته هذه لذلك الزمان! كأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان جاهلاً! علمه كان محدودًا بزمانه فقط، وهذا السيّد العالم الدارس، ثقافته وعلمه يرجحان على علم رسول الله صلّى الله عليه وآله! هذا هو معنى اعتراضه ولازم كلامه، أليس كذلك؟ وإلا لقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: هذه الرواية التي أقولها تتعلّق بهذه الأربعين أو الخمسين سنة التي أنا فيها! استمرّوا بها ما دمت على قيد الحياة ثمّ عشرين أو ثلاثين سنة بعدي، وبعد ذلك تنتهي هذه الأقاويل! كلاّ يا عزيزي! اجعلوا المهر ألف عملة ذهبيّة، ثلاثمائة ألف، ارفعوه إلى أربعمائة ألف، مهما استطعتم فارفعوه، فهذا يتعلّق بزماننا ووضعنا نحن. يجب أن يقال لهذا السيد العالم: نعم، أنت تقول الصواب، أتدري لماذا؟ لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «أفضل نساء أمتي»! لو كنتَ تعتبر نفسك من أمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله، لما ارتكبت هذا الخطأ ولما تفوّهت بهذه السخافة! لأنّك لست من أمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله، قلت هذه التفاهات. وأنت تقول الصواب، الحقّ معك ضمن نطاق آرائك وأفكارك وضمن نطاق علومك البالية المبعِدة عن الواقع التي احتلّت كيانك بقواها الشيطانيّة! نعم، فالنبيّ صلّى الله عليه وآله قال: «أمتي»! أنت لست من أمة النبيّ صلّى الله عليه وآله! من يعتبر نفسه من أمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله يعمل بهذه الرواية. «أفضل نساء أمّتي»، هل كانت أمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله فقط تلك التي كانت قبل ۱٤۰۰ عام؟! قبل ۱٣۰۰ عام، ۱۰۰۰ عام، ٥۰۰ عام، ٢۰۰ عام؟! أما الذين يعيشون الآن فليسوا من أمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ لا بدّ أنّ لأمثال هؤلاء أنبياءهم الخاصّين بهم! من هي «أفضل نساء أمّتي»؟ «أَقَلُّهُنَّ مَهْراً...»، مهرها أقلّ. بدأ هذا السيّد بالسخرية! لم يكن رجلاً أمّيًّا، لا! بل كان رجلاً مثقّفًا، ولكن ممّن كان؟ كان من أولئك الذين كسروا ظهر أمير المؤمنين عليه السلام! «عالمٌ متهتكٌ».

    1. بحار الأنوار ج ٢ ص ۱۱۱.
    2. نفس المصدر السابق، ص ۱۱۱.
    3. الكافي ج ٥ ص ٣٢٤.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

4
  • الصنف الثاني: الجاهل المتنسك

  • والفئة الأخرى من هم؟ «جَاهِلٌ مُتَنَسِّكٌ»۱. إنسانٌ جاهلٌ اتّخذ صبغة الدين، أصبح متزمّتًا، لكنّه جاهل لا يدري ماذا يفعل، ليس لديه معرفة. قوّته العاقلة ضعيفة. ليس لديه إدراك للأمور وفهم صحيح.

  • قصّة رد الشمس ودلالاتها العميقة

  • ذات يوم كنت أستمع إلى شريط للمرحوم العلامة، فقلت: رحمهم الله حقًّا هؤلاء الأعاظم، هم الذين تركوا لنا هذا الكنز الثمين والقيّم، ولولا أقوالهم، ماذا كنا سنفعل حقًا؟! ماذا كنا سنفعل؟! لا بدّ أنّ الرفقاء قد استمعوا لمحاضرته أيضًا! في تلك المحاضرة التي يذكر فيها قضيّة عودة أمير المؤمنين عليه السلام من معركة صفّين، ويقول إنّه كان وقت العصر عندما وصل جيش أمير المؤمنين عليه السلام إلى جانب النهر في بابل، نفس المكان الذي كان فيه النبي إبراهيم عليه السلام ووقعت تلك الأحداث. فقال أمير المؤمنين عليه السلام لأصحابه: "صلّوا أنتم، ولكن أداء الصلاة في هذه الأرض حرام على النبيّ ووصي النبيّ، فأنا سأكمل السير وأبتعد لأخرج من هذه الأرض ثمّ ألتحق بكم. لكن أنتم عليكم أن تصلّوا". فسار ، وجاء بضعة رجال مع أمير المؤمنين عليه السلام وقالوا: دعنا نذهب نحن معك أيضًا لنرى أين يريد أن يذهب؟ دائمًا كان يوجد مثل هؤلاء! جاؤوا مع أمير المؤمنين عليه السلام وابتعدوا عن الباقين. عندما خرجوا من تلك المنطقة غربت الشمس ـ اشتبهتُ، كان ذلك في موضع آخر. نعم تلك القضية تتعلّق بمسجد ردّ الشمس، حسنًا سنعود إليه ـ ردّ أمير المؤمنين عليه السلام الشمس. قالوا إننا رأينا الإمام يتلفّظ بكلمات وجمل لم نفهم ما هي. لم ندرِ أيّة لغة هذه. ثمّ فجأة ارتفعت الشمس، فصلّى الإمام عليه السلام وصلّى من كان معه. ثمّ أشار الإمام عليه السلام فعادت الشمس إلى مكانها خلف الأفق مرّة أخرى، وقد شاهد الجميع هذا الأمر. الموضوع الذي أراد المرحوم العلامة أن يقوله هو ـ وقعت قضية رد الشمس هذه في حادثتين، وبالطبع اعترف علماء أهل السنة أيضًا برد الشمس هذا على يد أمير المؤمنين عليه السلام! فالإيمان بها لا يختص بالشيعة فقط ـ هذه القضيّة في المرة الأولى كانت في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله، عندما كان النبيّ صلّى الله عليه وآله عائدًا من مكان ما بجوار المدينة وكان متعبًا، وكانا جالسَين معًا، شيئًا فشيئًا غلب النعاس على رسول الله صلّى الله عليه وآله فمال ووقع ثقل جسده على جسد أمير المؤمنين عليه السلام. والنائم لا يملك السيطرة على نفسه، فمال ووقع ثقله على جسد أمير المؤمنين عليه السلام، فظلّ الإمام عليه السلام جالسًا هكذا أو مائلاً حتّى ينام النبيّ صلّى الله عليه وآله ويستريح، ولم يتحرّك. ونام النبيّ صلّى الله عليه وآله حتّى أخذت الشمس تغرب شيئًا فشيئًا وأمير المؤمنين عليه السلام لم يكن قد صلّى بعد. حسنًا، النقطة هنا، في هذه اللحظة استيقظ النبيّ صلّى الله عليه وآله فجأة وقال: "يا عليّ، يبدو أنك لم تصلّ". هكذا أتذكر. فقال الإمام عليه السلام: "نعم!. لم أصلّ". فقال: "لماذا إذن لم توقظني؟!" فأجابه الإمام عليه السلام: "يا رسول الله، أنا لا أوقظك أبدًا، حتى لو فاتتني الصلاة". فقال النبيّ صلّى الله عليه وآله: "حسنًا، ادعُ الله واطلب منه أن يردّ الشمس لتصلي أداءً". وهذه كلّها أسرار، وهذه الحادثة حصلت حتّى لأوصياء الأنبياء السابقين، حدثت لوصي موسى عليه السلام، بل حدثت لسليمان عليه السلام كما أشير إليه في آيات القرآن. فطلب أمير المؤمنين عليه السلام من الله تعالى فردّ الشمس. وهو مسجد ردّ الشمس الذي هدموه الآن وسوّوه بالأرض حتّى لا تبقى آثار لهذه الكرامات.

    1. بحار الأنوار ج ٢ ص ۱۱۱.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

5
  • النفسانيّات وحجابها عن الحق: لماذا يُهدم مسجد ردّ الشمس؟

  • وعجيب جدًّا، عجيب جدًّا كيف تأتي النفس والنفسانيّات والكدورات وتحجب الإنسان عن الحق، حتّى لو كان الإنسان نفسه من حيث الأعمال والأفعال والسلوك الظاهري، يُظهر نفسه أكثر تنسّكًا ومن أهل المعرفة وأكثر عبادة من جميع أمثاله. يصلّي، يقرأ القرآن، يصوم، يحجّ، ولكن كلّ هذا بشرط ألا يتعارض مع الأمور النفسيّة. لمن تصلّي؟ تصلّي للّه تعالى، فلماذا هدمت مسجد ردّ الشمس؟! فهذه الواقعة إمّا أن تكون كاذبة أو صادقة. فإن كانت كاذبة، فتتفضّلوا وأعلنوا أنّها كاذبة، حسنًا، ماذا ستفعلون بمصادركم؟! وإن كانت صادقة، فلماذا تصلّون بعد الآن؟! ما فائدة صلاتكم؟! ما فائدة حجّكم؟! ما فائدة الصيام؟! هذه أمور يجب أن نطبّقها على أنفسنا، لا أن نقول: إنّهم يفعلون هذه الأعمال، ولا علاقة لنا بهم أبدًا، ففي أيّ وضع نحن؟ هل الصلاة التي نصلّيها صحيحة؟ وماذا عن الصيام الذي نصومه؟ والحج الذي نؤدّيه؟ والإنفاق الذي ننفقه، والخطب التي نلقيها، والدروس التي ندرسها، والتبليغ الذي نقوم به، فهل أعمالنا كلّها صحيحة أم لا؟ هذه الأعمال تستمرّ طالما لا تتعارض مع مصالحنا الشخصيّة! لكن إذا ما تعارضت، نتركها جانبًا. فلا فرق حينئذٍ بيننا وبين أهل السنة أولئك ؟ طبعًا نقصد المعاندين منهم، لأنّ أهل السنة أنفسهم فيهم صادقون ومخلصون، غاية ما في الأمر أنّ الأمر لم يصلهم كما هو، لم تُنقل لهم المسألة بحقيقتها، وهم يسيرون في طريقهم بناءً على نيّاتهم وصفائهم، فإذا اتّضح لهم الأمر، سوف يقبلونه ويتقبّلونه بلا شك. ولكن لا! هناك أفراد معاندون ومغرضون.

  • قصّة الخطيب الذي بتر رواية الحجر الأسود

  • قلت للرفقاء، قبل بضع سنوات عندما تشرّفنا بالحجّ والزيارة، ذهبنا ذات يوم جمعة ظهرًا إلى المسجد النبويّ لنشارك في صلاة الجمعة العامّة. ذهبنا إلى هناك، وجاء خطيب الجمعة وبدأ يخطب. وفي أثناء الخطبة ذكر أنّه نُقل في الكتاب الفلاني في سنة كذا أنّ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رأى الناس ذات يوم مجتمعين حول الحجر الأسود يتزاحمون ليقبّلونه. فوقف بجانبه وقال: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رسولَ الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ"۱. قال هذا وذهب. ثمّ إن هذا الخطيب يروي هذا الجزء من الرواية الموجودة في كتبهم، ولكنه لا يذكر تتمّتها الموجودة في الكتب نفسها! وهي أنّه بعد ذلك جاء أمير المؤمنين عليه السلام فوقف بجانب الحجر الأسود وقال: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ، وَأَنَّهُمُ الْعَبِيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ، وَكَانَ لِهَذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ، فَقَالَ لَهُ افْتَحْ فَاكَ. قَالَ: فَفَتَحَ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرَّقَّ وَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالْمُوافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: "يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَلَهُ لِسَانٌ ذَلْقٌ، يَشْهَدُ لِمَنْ يَسْتَلِمُهُ بِالتَّوْحِيدِ" «فَهُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ »٢. لا يقول هذا. حسنًا، فمن هو المعاند إذن؟! هذا لم يكن من كلام الشيعة، هذا من كتبكم أنتم. أيها المغرض المعاند، لماذا تذكر جزءًا ولا تذكر الجزء الآخر؟! لماذا لا تذكره؟! إما أن تقول إن الرواية كلها كاذبة، أو إذا أردت أن تنقلها [فانقلها كلها]، لماذا؟ لأن ذلك الجزء يوافق مدرسة الشيعة، فلا تقوله، أهذا هو السبب؟ حسنًا، أنت لا تقل ذلك، والآخر لا يقول هذا، والآخر لا يقول ذاك، فلن يبقى شيء! كل إنسان يأتي ويحذف جزءًا من الكلام، الجزء الذي يتعارض مع رغباته ونفسانياته يحذفه ويقول الباقي، حسنًا، والفئة الأخرى والمدرسة الأخرى لديها أيضًا جزء يتعارض معها، فتحذفه هي الأخرى، فلن يبقى شيء في نهاية المطاف! ما هذا؟ هذا عناد.

    1. المستدرك على الصحيحين، ج٢ ص۱۱۰.
    2. نفس المصدر السابق، ص۱۱۰:
      نص الرواية: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: حَجَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا دَخَلَ الطَّوَافَ اسْتَقْبَلَ الْحَجَرَ، فَقَالَ: إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ، وَلَا تَنْفَعُ، وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ، ثُمَّ قَبَّلَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ «بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّهُ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ» قَالَ: ثُمَّ قَالَ: «بِكِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى». قَالَ: وَأَيْنَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَمَسَحَ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَرَّرَهُمْ بِأَنَّهُ الرَّبُّ، وَأَنَّهُمُ الْعَبِيدُ، وَأَخَذَ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ، وَكَتَبَ ذَلِكَ فِي رَقٍّ، وَكَانَ لِهَذَا الْحَجَرِ عَيْنَانِ وَلِسَانٌ، فَقَالَ لَهُ افْتَحْ فَاكَ. قَالَ: فَفَتَحَ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ ذَلِكَ الرَّقَّ وَقَالَ: اشْهَدْ لِمَنْ وَافَاكَ بِالْمُوافَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَلَهُ لِسَانٌ ذَلْقٌ، يَشْهَدُ لِمَنْ يَسْتَلِمُهُ بِالتَّوْحِيدِ" فَهُوَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ»، فَقَالَ عُمَرُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَعِيشَ فِي قَوْمٍ لَسْتَ فِيهِمْ يَا أَبَا حَسَنٍ.
      * سورة الأعراف (۷) الآية ١٧٢.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

6
  • صفات الجاهل المتنسّك: تطبيق أعمى أم فهم عميق؟

  • "الجاهل المتنسّك" يُقال للجاهل الذي لا معرفة له. تعلّم فقط مجموعة من المسائل دون فهم ودون إدراك صحيح ودون تطبيق لهذه الكليات على الجزئيّات. ودون تمييز الملاك الأهمّ عن الملاك المهمّ، لذلك يتعلّم أمرًا واحدًا ويريد تطبيقه في كلّ مكان، يريد أن يأتي به في كلّ مكان، يريد أن يعمّمه في كلّ مكان، في حين أنّ لكل مقامٍ مقالاً. 

  • أولوية راحة النبي صلّى الله عليه وآله على الصلاة: ماذا لو كنا مكان الإمام عليّ عليه السلام؟

  • قال المرحوم العلامة: عندما ردّ أمير المؤمنين عليه السلام الشمس، ماذا كنّا سنقول لو كنا نحن مكانه؟ نحن الجهّال المتنسّكون! ماذا كنا سنقول؟ كنّا سنقول: آه، هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله، فليكن! الصلاة يا رجل! الصلاة ستفوتنا، إنّها فريضة إلهية، «الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ فَمَنْ شَاءَ اسْتَقَلَّ وَمَنْ شَاءَ اسْتَكْثَرَ»۱ «إِنْ قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا وَإِنْ رُدَّتْ رُدَّ مَا سِوَاهَا»٢ هذه الصلاة التي جاءت من عند الله تعالى، هذه الفريضة الإلهيّة التي تمّ التأكيد عليها بهذا القدر! حتى لو استيقظ النبيّ صلّى الله عليه وآله من النوم، فليكن! فهذا المقدار يكفي، نام نصف ساعة، كافي! نام ساعة، وسوف ينام مرة أخرى في الليل! الصلاة مهمّة، الصلاة ستضيع! يا ويلتاه، يا حسرتاه، هذه الصلاة ستفوت، السماء ستنطبق على الأرض و...! فلنوقظ النبيّ صلّى الله عليه وآله ليقوم ويذهب! صلاتنا ستفوت، سنصبح من أهل جهنّم، الله سيعاقبنا! لو كنّا نحن، هل كنّا سنفعل هذا أم لا؟ أقول على الأقل، ليفكّر الرفقاء الآن بيننا وبين أنفسنا، هل كان سيخطر ببالنا هذا الكلام حتّى أم لا؟ هل كان سيخطر أم لا؟ من ناحية ننظر إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، حسنًا هو رسول الله صلّى الله عليه وآله، فليكن، لا بأس، هو رسول الله صلّى الله عليه وآله في النهاية. ولكنّ الصلاة أيضًا من ناحية أخرى، لا يمكن التفريط بها، وهي أيضًا واجبة ! كنّا سنقول مرّة أخرى، فلنصبر قليلاً لنرى ماذا سيحدث؟ هذا على الأقل، كنّا سنقضي الأمر في حالة من التردّد، هذا هو الحدّ الأدنى. لو كنّا أكثر دهاءً، كنّا سنزيح رأس النبيّ صلّى الله عليه وآله قليلاً جانبًا، نهزّ كتفه قليلاً، نصدر بعض الأصوات، فيستيقظ من نومه. هذه الأمور التي أقولها لكم هي أمور رأيتها بعيني في حياة المرحوم العلامة، رأيتها بنفسي ولم أسمعها من أحد، نفس هذه القضايا تمامًا ـ طبعًا هي تشبهها لكنّ الأسلوب نفسه ـ رأيت نظائر هذه القضية في زمن المرحوم العلامة، هؤلاء هم الجهّال المتنسكون، هم أنفسهم، لا فرق على الإطلاق.

    1. الكافي ج ٣ ص ٢٦٥.
    2. المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٦۸.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

7
  • فهم وليّ الله لحقيقة الدين: النبي صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام هما الأصل

  • ولكن ماذا قال المرحوم العلامة؟ لا أدري هل استمعتم إلى هذا الشريط أم لا؟ إن لم تكونوا قد استمعتم له، فاذهبوا الليلة حتمًا وانتبهوا لهذه المسألة وانظروا ما هو فهم وليّ الله لحقائق الإيمان؟ أيّ فهم؟ يقول المرحوم العلامة إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يقول: ما قيمة الصلاة؟! ما قيمةالصيام؟! حقيقة الدين هي رسول الله صلّى الله عليه وآله، حقيقة الإيمان هي رسول الله صلّى الله عليه وآله. كلّ هذه فداء شعرة واحدة من النبيّ صلّى الله عليه وآله. لماذا تصلّون؟ لتصلوا إلى معرفة النبيّ صلّى الله عليه وآله. لماذا نصوم؟! لنصل إلى معرفته. ما أقوله من أنّ حقيقة الدين كلّها هي الإمام عليه السلام، هو لهذا السبب. بالنسبة للمسلم، فإنّ حقيقة وجوده كلّها تتشكّل برسول الله صلّى الله عليه وآله والإمام المعصوم عليه السلام، وفقط! بقيّة الأمور تكتسب قيمتها ضمن هذه المحوريّة. يريدون القضاء على الإمام عليه السلام، ونحن لم نصلّ، فليكن، لم نصلّ! يجب أن نذهب لإنقاذ الإمام عليه السلام. الإمام عليه السلام لديه حاجة، ونحن مثلاً، لم نؤدّ الواجب العباديّ الفلاني، فيجب أن نتركه ونذهب لقضاء حاجة الإمام عليه السلام، هذا هو الدين. الإمام عليه السلام يطلب من الإنسان طلبًا، ويرى الإنسان أنه يتعارض مع أحد الأمور التي هي في اختياره، فيجب أن يذهب الاختيار جانبًا.

  • صفاء قلب الإمام عليّ عليه السلام: هل خطر بباله أمر الصلاة؟

  • ماذا كان شعور أمير المؤمنين عليه السلام في تلك الحال وفي ذلك الموقف؟ والله لو خطر بباله لحظة أنه لم يصلِّ! لضحك ملء شدقيه لنفسه قائلاً: فلينم النبيّ صلّى الله عليه وآله ليس فقط حتّى الغروب بل حتّى الليل، ولتفتنا صلاة الليل، أو المغرب، أو العشاء، فلتذهب كلّها حتّى يستريح النبيّ صلّى الله عليه وآله، فليكن... أتيقّن بأنّ هذه الأفكاركانت في ذهنه، أنا متيقّن من ذلك، وإن لم تصدّقوني، فاسألواه يوم القيامة لتتأكدّوا هل كان فلان يقول الصدق أم لا؟ أنا أقول إنّه كان كذلك، وإن شاء الله كان كذلك. لم يخطر بباله لحظةً أنّه لم يصلِّ كي يردّ هذا الخاطر، يعني يخطر ويردّه. نعم، يخطر ببالنا نحن، كما قلت. فالناس مختلفون، فقد يخطر هذا عند بعض الأفراد، ويبقى ذلك الخاطر قليلاً، يجد له مكانًا، ثمّ يقف الإنسان موقف المعارضة، يقف موقف المواجهة ويردّه، فيعود مرّة أخرى. البعض ليسوا هكذا ! بل بمجرّد أن يأتي، يضربه بالمقصّ ويقطعه من نصفه، فلا يأتِي مرةً أخرى، يحسم المسألة بشكل نهائيّ. فهذا الصنف من الناس سوف يصلون إلى مكانة عالية.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

8
  • الوسواس: أكبر آفةٍ في السلوك وكيفية التغلب عليها

  • لا قدّر الله تعالى أن يُبتلى أحد بالوسواس. كان المرحوم العلامة يقول: إنّ أكبر آفة للسلوك هي الوسواس. أولئك الذين لديهم وسواس، يصبّون الماء باستمرار، يطهّرون باستمرار، يتوضّؤون باستمرار، لا أدري ماذا يفعلون، مرّة، مرّتين، ثلاث مرّات. كنت أعرف إنسانًا في مدينة مشهد في زمن المرحوم العلامة، هو قال لي بنفسه: "كنت أذهب ظهرًا إلى المغاسل للوضوء، وأصلي صلاة الظهر والعصر قبل المغرب بدقائق قليلة!". هذا الكلام في الصيف الذي يكون فيه بعد الظهر ستّ أو سبع ساعات! لا قدّر الله تعالى أن يُبتلى أحد بالوسواس، الوسواس يعني الهلاك. فالإنسان الذي لديه وسواس، لا إله له، لا معاد له، لا دين له، لا شريعة له، لا نبيّ له، لا عقيدة له، لا شيء! سيتحوّل إلى تمثال ذي أطوار وأفعال خاصّة! تمثال! روبوت! أرأيت الروبوت يؤدّي عملاً، فهل لديه شعور أصلاً؟! هل لديه شعور؟!

  • العبادة المقرّبة: هل هي الأكثر شكًّا أم الأقلّ؟

  • لذلك كان المرحوم العلاّمة وكذلك الأعاظم يقولون: إنّ أهمّ عبادة يمكن أن تكون في سبيل تقرّب الإنسان هي تلك العبادة التي يكون الشكّ فيها أقل. كلّ صلاة صليتها وشعرت فيها أنّك شككت أقلّ في الوضوء، أو في القراءة، أو في الحمد و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}۱، في الأفعال، في هذه الأمور، فصلاتك تلك تقرّبك للّه أكثر. ليس بأن تقوم لتتوضّأ ساعتين حتّى يزول شكّك، لا! بل يجب أن ننزع هذا الشك الذي في داخلنا، لا أن نزيد العمل الخارجي! العمل الخارجي! يستطيع الإنسان أن يتوضّأ جيّدًا بكوب أو كوبين من الماء، وضوءًا كوضوء رسول الله صلّى الله عليه وآله، حتّى إسباغ الوضوء يعني إتمام الوضوء بشكل جيّد وبأصوله وبشكل صحيح وكامل، يستطيع الإنسان أن يسبغ الوضوء بكوبين من الماء. ليس من الضروريّ حتمًا أن يفرغ حوضًا على رأسه ليتوضّأ! من أجل غسل واحد يأتون ويفرغون مسبحًا ليغتسل السيّد! لا يا عزيزي! يمكن للإنسان أن يغتسل بلترين من الماء فقط، غسلاً كغسل النبيّ صلّى الله عليه وآله والإمام عليه السلام، ذلك الغسل. بكوبين من الماء يستطيع الإنسان أن يتوضّأ بل بأقلّ من كوبين. ماذا يريد أن يفعل بأكثر من ذلك؟ هل يريد أن يستحمّ؟! لا يا عزيزي! قالوا إنّ هذا المقدار الذي ينبغي على الإنسان أن يؤدّيه٢، فإذا أراد الإنسان أن يؤدّي أكثر ممّا أمر به، فسوف تذهب نفسه شيئًا فشيئًا وتذهب وتذهب إلى أن تصل إلى الوسواس: هل صببت الماء هنا أم لم أصبّ؟ هل صببت الماء هناك أم لم أصبّ؟ هل تمّ هذا الجزء أم لم يتم؟ يعود مرّة أخرى، يشك في الجزء الأيسر، في الجزء الأيمن، وهكذا. وعندما يتوضأ، ويريد أن يصلي، فجأة يأتي ذلك الوضوء إلى ذهنه باستمرار، فتصبح هذه الصلاة صلاة مشكوكة! فهل التفتّم!

    1. سورة الإخلاص (۱۱٢) الآية ۱.
    2. وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج ١ - الصفحة ٤٨٣: محمد بن علي بن الحسين قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الوضوء مد والغسل صاع، وسيأتي أقوام بعدي يستقلون ذلك، فأولئك على خلاف سنتي، والثابت على سنتي معي في حظيرة القدس.»

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

9
  • كيف نصلي صلاة يقينيّة؟

  • ولكن إذا ما توضأ الإنسان، نظر هنا ونظر هناك وذهب. عندما ينتهي الوضوء، يجب أن يفترض أنّه لم يأتِ حكم للوضوء، يفترض أنّ الله تعالى يريد منا الصلاة دون وضوء. هكذا يجب أن نصل إلى الصلاة ، عندها تصبح هذه صلاة يقينيّة، الصلاة التي لا تأتي الموانع والصوارف لتحرفها وتصرفها عن التوجه والتركيز على ذلك المبدأ عندما يريد الإنسان أن يصلّيها. كيف يمكن أن يبقى هذان الجانبان للإنسان في آن واحد؟ من ناحية يتوجّه الإنسان إلى الله تعالى، ومن ناحية أخرى يأتي هذا الوسواس باستمرار: هل كان وضوئي صحيحًا أم لا؟ كيف يتّفقان؟ هذان من مصاديق مانعة الجمع۱. إذًا صلاة من لديه وسواس باطلة، ليست باطلة بالبطلان الظاهري للعبادة، بل باطلة من وجهة نظر الملائكة. فالملائكة لا ترفع هذه الصلاة، بل يضربون بها وجه صاحبها قائلين: هذه الصلاة لك، ليست لها قيمة لنرفعها!

  • ماذا تحمل الملائكة من صلاتنا إلى الله؟

  • إذا أراد الإنسان أن يذهب إلى السوق، ماذا يجب أن يضع في جيبه؟ يجب أن يضع نقودًا، لكنّه إذا وضع حفنة من الورق مثلاً، أو حفنة من الحمص، فأين يريد أن يذهب؟ الملائكة يريدون أن يرفعوا الصلاة إلى الله، فماذا يرفعون؟! وسواس المصلّي؟! شكوكه؟! أفكاره الباطلة؟ الصلاة التي تقع فيها حروب فكريّة، وتقع فيها مصالحات فكريّة، ما شاء الله! أخذ وردّ في تلك الصلاة! إذا كان هناك جهاز ما ـ فهذه الأجهزة الحديثة جيّدة جدًّا، إن شاء الله يصلون إلى هذا المستوى، بهذه التقنية والتكنولوجيا الحديثة ـ لو نصبوا جهازًا في مكان ما يسجلّ تلك الأفكار التي تخطر في الدماغ والنفس والذهن أثناء الصلاة وشاهدها الإنسان، حينها يجب على الجميع أن يستقيلوا ويذهبوا إلى بيوتهم، يجب أن لا يأتي أحد بعد الآن إلى صلاة الجماعة، حينها سوف يتّضح كم من الأفراد يصلحون لإمامة الجماعة؟ حينها سيتّضح كم هو مقدار هذه الصلوات المقرّبة إلى الله تعالى؟ في الصلاة حروب قائمة. يا أبا الفضل! في الصلاة شيكّات وسندات! معاملة، تجارة، بضاعة! يعني أفضل وقت وضعته النفس والفكر الإنساني للتفكير في هذه الأمور هو هاتان الركعتان من الصلاة! أفضل من وقت النوم، أفضل من وقت الراحة...! هذه الصلاة شيء جيّد جدًا لحلّ المسائل الوطنيّة والاجتماعيّة والشخصيّة وتحليلها! شيء جيّد جدًّا، فلنعرف قدر هذه الصلاة! فإذا أراد الملائكة رفع هذه الصلاة، فأيّ جزء منها يرفعون؟ يقول الله تعالى: أيّ جزء منها تريدون أن تأتوا به إليّ؟ أحدهم من أول تكبيرة "الله أكبر" ذهب في حرب وطاف الكرة الأرضية وذهب إلى القمر وضربه وفعل به كذا، واتهم هذا واغتاب ذاك، ووضع خطّة لغده، ثمّ "الله أكبر" و{وَلَا الضَّالِّينَ}٢ وحمدٌ وسجودٌ وركوعٌ وتشهّدٌ، الآن ماذا تريد أن تأتي به إليّ؟ ومن جهة أخرى شكوكه، حيث إنه من البداية لا يعلم هل كان وضوؤه صحيحًا؟ هل أدّاه بطهارة؟ لقد توجّه هذا المصلّي إلى كلّ مكان إلا إليّ أنا المسكين ـ لسان حال الله تعالى ـ زار كلّ مكان ولم يزرني، ذهب إلى كلّ مكان إلا إليّ.

    1. اصطلاح منطقيّ يعني القضيّة الشرطيّة المنفصلة التي لا يجتمع طرفاها وقد يرتفعان مثل الإنسان إمّا أبيض أو أسود، فإنّه لا يجتمع فيه وصفا البياض والسواد، ولكن قد يرتفعان. وهناك قضيّة مانعة خلوّ وهي التي لا يرتفع طرفاها ولا يخلو الأمر من أحدهما، وأخرى حقيقيّة لا يجتمع طرفاها ولا يرتفعان.(م) 
    2. سورة الفاتحة (۱) الآية ۷.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

10
  • نصيحة الأولياء: كيف نحضّر قلوبنا للصلاة؟

  • ولكنّ أولياء الله لا يقولون هذا، يقولون: يا عزيزي، عندما تريد أن تصلّي، فاجلس لبضع دقائق، أفرغ نفسك وجرّدها من كلّ ما يمرّ حولك، أفرغها. ماذا حصل معك خارج المنزل؟ لقد مضى، ألقِ به كلّه بعيدًا. اخرج من الأفكار التي كانت لديك حتى الآن. ثمّ صلِّ عندما تجد الطمأنينة. ليس بأن تذهب فورًا إلى المغسلة وتتوضّأ وتقول "الله أكبر" في منتصف الطريق لتصل إلى الركوع عند وصولك إلى هناك، لا! بل تعال واجلس لبضع دقائق، أفرغ نفسك من كلّ هذه الأفكار، وعندما تجد الطمأنينة، فقم وصلِّ.

  • التركيز في الصلاة: على المعنى أم على اللفظ؟

  • حينئذٍ، عندما تريد أن تتوجّه، يجب أن يكون توجّهك إليّ، لا أن يكون توجّهك إلى الغين والعين والصاد والواو، وهل أتلفّظ بها من الحلق أم من الحنجرة أم من اللسان. مراعاة التلفّظ في الحمد والسورة وأذكار الصلاة واجبة بمعنى أن الإنسان يجب أن يتدرّب على التلفّظ الصحيح قبل الصلاة وينطق الألفاظ وفقًا لمخارجها الشرعيّة والوضعيّة، ولكن ليس بأن يذهب ذهنه وفكره في وقت الصلاة إلى التلفّظ، لا تخطئوا أيّها الرفقاء، هذا خطأ. فمن يصلّي يجب أن يؤدّي الألفاظ من مخارجها بشكل متعارف، ولكن بمجرّد أن يركّز المصلّي بذهنه كي يؤدّي الألفاظ من مخارجها يكون قد أخطأ. لا ينبغي للإنسان أن يلتفت إلى الألفاظ في وقت الصلاة، فتصحيح الألفاظ والمخارج يجب أن يكون قبل الصلاة، وهذا واجب وهو كذلك. قبل الصلاة، بالطبع ليس بمعنى أن يشقّ الإنسان على نفسه لدرجة أن يخرج عن أصل المسألة. لا بل بقدر الإمكان، بقدر الاستطاعة. بقدر الإمكان يجب على الإنسان أن يصحّح ألفاظه ومخارجه ثمّ يصلّي.

  • هل تختلف صلاة الطواف عن غيرها في التركيز على المخارج؟

  • وهذا الأمر لا يختلف في الصلوات، فصلاة الصبح لا تختلف عن صلاة الظهر والعصر وصلاة المغرب والعشاء وصلاة النافلة، والصلاة الواجبة، وصلاة الآيات، وصلاة عيد الفطر، وصلاة عيد الأضحى، كلّها واحدة. وصلاة الإحرام وصلاة الطواف لا تختلفان أيضًا، فلا تظنّوا أنّه في صلاة الطواف يجب على الإنسان أن يأتي بالمخارج بشكل صحيح حتمًا، لأنّ الأمر يختلف هناك! لا تظنّوا أنّه يجب على الإنسان في صلاة الطواف من أول {الْحَمْدُ لِلَّهِ}۱أن يقول الحاء بحيث تتحوّل إلى خاء، ويقول العين بحيث تخرج من بطنه! لا يا عزيزي! صلاة الطواف تمامًا كصلاة الصبح التي تصلّيها ولها الحكم نفسه. فإذا كانت صلاة الصبح صحيحة، فصلاة الطواف صحيحة أيضًا، وإذا كانت صلاة صبحك باطلة، فصلاة طوافك باطلة أيضًا. والاستنابة وتوكيل آخر في أدائها، كلّها أمور إضافيّة وغير ضروريّة وبلا فائدة. يجب على الإنسان أن يصلّي صلاة الطواف بنفسه. تلك النيابة تكون في حالة عجز الإنسان عن أدائها مثل امرأة لا تستطيع أن تؤدّيها، وضعها وضع لا يسمح لها بأداء العبادات. أو الإنسان الذي يموت وعليه قضاء صلاة ويوكل غيره لينوب عنه في قضائها. لا أن يكون الحاج لا يُعاني من أيّة مشكلة في مكّة ويصلّي صلاة الصبح وصلاة المغرب والعشاء أيضًا، ولكن عندما يصل إلى صلاة الطواف ينصحونه بأن يستنيب غيره لأداءها! كلاّ! بل يجب على هذا الحاج أن يصلي الصلاة في وقت الطواف، وليس معنى ذلك أن يركّز ويدقّق على العين والغين وغيرها! كلاّ! ينبغي أن تعلموا أنّ صلاة الطواف هي الصلاة الوحيدة التي طُلب منكم التوجّه فيها، يجب أن توجّهوا كل انتباهكم إلى الله تعالى. فكم ابتعدنا عن الحقيقة؟!

    1. سورة الفاتحة (۱) الآية ٢.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

11
  • تجربة شخصية: صلاة الطواف فرصة للتّوجه لا للتّلفّظ

  • عندما كنت أصلّي صلاة الطواف، رأيت أنّ المكان الذي وقفت فيه ليس مزدحمًا ولا أزاحم فيه أحدًا، وربّما استغرقت صلاة طوافي حوالي عشرين أو خمسًا وعشرين دقيقة. فأخذت أقرأ سورًا كبيرة، فهل التفتّم! هذه الصلاة لا تتكرّر مرّة أخرى. الآن نأتي ونحوّل هذه الفرصة العظيمة جدًا التي تفضّل الله تعالى بها للإنسان نحوّلها إلى تكليف مخيف، ونقوم بكلّ ما بوسعنا لكي نفرّ من هذا الوحش المرعب، بأي كيفيّة وبأيّ شكل. نختار أوّلاً سورًا صغيرة جدًّا، ثمّ ندقّق في كيفيّة القراءة واللّفظ، ثمّ نقوم بتوكيل آخرَ ليؤدّيها عنّا. كلّ هذا ابتعاد عن المقصد وميل نحو القشور وترك الحقيقة ولبّ الموضوع جانبًا، كلّ هذه الأفعال الزائدة.

  • الهدف الحقيقي للعبادة: التقرّب أم التلفّظ الصحيح؟

  • فالأئمّة عليهم السلام والرسول الله صلّى الله عليه وآله بشريعته دعونا إلى التقرّب إلى الله، ولم يدعونا للتركيز على اللفظ وقراءة الأحرف من مخارجها.

  • قصّة المعمّم الذي نصح بالتركيز على مخارج الحروف في الحجّ

  • قبل سنتين أو ثلاث عندما تشرفنا بالحجّ كان معنا أحد الرفقاء، فالتقى بأحد المعمّمين، وسأله: ماذا تنصحنا أن نفعل؟ فكانت التوصية التي أعطاها له ولمن كان معه: "اسعوا لأداء عباداتكم بالتلفّظ الصحيح من المخارج"! هذه هي توصيته! فقلت لهم: نعم، هذا المعمّم الذي يلازم فلان (ذا الفكر السطحي)، لا يُستبعد أن تكون توصيته ونصيحته هكذا! اسعوا لأداء الألفاظ في العبارات والأدعية من المخارج الصحيحة! أصبحت نتيجة الحج والعمرة والسعي والصفا وفائدتها هذه!

  • الآن انظروا إلى الحجّ الذي يؤدّيه الأولياء، أي حكاية له؟ أي قصص؟ تلك الأمور التي ذكرها المرحوم العلاّمة في كتابه عن السيد الحدّاد رحمه الله وكذلك عن نفسه فيما يتعلّق بحقائق الحجّ وكيفيّة أداء العبادات، أين هذه من تلك؟

  • معرفة الإمام عليه السلام: مقياس مراتب الشيعة

  • يقول الإمام عليه السلام: «تُعْرَفُ مَرَاتِبُ شِيعَتِنَا بِمِقْدَارِ مَعْرِفَتِهِمْ»۱. اعرفوا مراتب شيعتنا بمقدار معرفتهم بنا. ما هو مقدار معرفتهم بنا؟ ما هو مقدار معرفتهم بنا؟ ما مقدار فهمهم للإمامة؟ كم أدركوا من حقيقة الولاية؟ أيّة مرتبة من مراتب وجود الإمام عليه السلام وجدوه وشعروا به في وجودهم؟

    1. وسائل الشیعة ج۲۷ ص۱٤۹: قَالَ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: «اِعْرِفُوا مَنَازِلَ شِيعَتِنَا بِقَدْرِ مَا يُحْسِنُونَ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَنَّا فَإِنَّا لاَ نَعُدُّ اَلْفَقِيهَ مِنْهُمْ فَقِيهاً حَتَّى يَكُونَ مُحَدَّثاً فَقِيلَ لَهُ أَ وَ يَكُونُ اَلْمُؤْمِنُ مُحَدَّثاً قَالَ يَكُونُ مُفْهَماً وَ اَلْمُفْهَمُ اَلْمُحدَّثُ »

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

12
  • بين منكر فضائل الإمام ومن يرى نفسه فانيًا فيه: هل يستويان؟

  • نعم! إنسان يدرس العلوم الدينيّة ثمانين عامًا ثمّ يأتي ويقول بعد ذلك: لا فرق بين الإمام وغير الإمام أبدًا، لا قدرة له ولا علم له ولا أيّ شيء. إذا شاء الله تعالى يجعله إمامًا وإذا لم يشأ لا يجعله! هذا صنفٌ. وآخرٌ يرى وجوده متّحدًا بوجود الإمام عليه السلام ويرى نفسه فانيًا في الإمام عليه السلام، وقد مسّ تلك الحقائق ولمسها وشاهدها ووجدها بكلّ شراشر وجوده. فهل يستوي هذان؟ هل المعرفة في كليهما بنفس المرتبة؟ هل هي بنفس القدر في كليهما؟ هذا الذي يأتي ويكتب في كتابه ـ مع أنّه هو نفسه من أهل الفقه والفهم ـ أنه لا إشكال في أن يخطئ الإمام عليه السلام في مثل هذه المسائل، يخطئ في مسائل الماء الكرّ وهذه القضايا، هذه تحدث أحيانًا لهم. وذلك الذي يقول إنّه بدون نفس الإمام عليه السلام لا قرار ولا مكان لذرّة في عالم الوجود، هل هما متساويان؟ هل مرتبتهما واحدة؟

  • سبيل الوصول إلى المعرفة الحقّة: هل هو العلم الظاهريّ فقط؟

  • هذه أمور لا تُكتسب بمثل هذه العلوم وبمثل هذه الفنون يا عزيزي! هذه تتطلّب شيئًا آخر، تتطلّب طريقًا آخر.

  • حسنًا، يبدو أنّ الوقت قد انتهى. نأمل أن ينبّهنا الله تعالى للحقائق، ويفتح أعيننا، ويخرجنا من التخيّلات والتوهّمات والاعتبارات. ما يسدّ طريق الإنسان هو جعل الاعتبارات مكان الحقائق، هذه هي المشكلة. إذا حُلّ هذا الأمر، فسوف ينفتح طريق الإنسان. على الإنسان أن لا يبيع الحقائق الواقعيّة بثمن بخس، بالاعتبارات والمسائل المجازيّة، وأن يعلم أن الطريق الذي أمامنا والسوق الذي تُعرض فيه بضاعتنا، لا أثر فيه للاعتباريات والمجازات، لا قيمة لها.

  • معنى ثقل الموازين يوم القيامة: هل هو كثرة العمل أم نوعيته؟

  • تقول الآية الشريفة: {فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ٦ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ۷ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ۸ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}۱ أولئك الذين يكون ميزان عملهم ثقيلاً يوم القيامة. لا تتصوّروا أنّ هناك كفّتين في يوم القيامة. بل ميزان الله تعالى يوم القيامة له كفّة واحدة لا كفّتان. يؤتى بصلاة الإنسان وتوضع في ميزان العمل، توضح تلك الصلوات التي لا نشكّ فيها، تلك الصلاة التي نتوجّه فيها إلى الله تعالى، لا أن نبقى نركّز كيف نؤدي مخارج الحروف.

    1. سورة القارعة (۱۰۱) الآيات ٦-٩.

هدف وجود الإنسان: الوصول إلى مقام المعرفة - آفات العلم والتقوى بلا بصيرة

13
  • قصّة إمام الجماعة الذي ركّز على مخارج الحروف بدل المعنى

  • كنت مرّة في مكان بحيث كان صوت مكبّر الصوت مسموعًا، وكان إمام الجماعة يصلّي صلاة المغرب، وخلفه جمع غفير من الناس. يقرأ سورة {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ۱ وَطُورِ سِينِينَ}۱. لاحظت أنّ هذا المسكين قد استحوذ عليه التركيز على المخارج هذه: {والتينِ والزيتونِ وطورِ سينين}! ماذا تفهم أنت؟! ما الذي حصل الآن؟! أصبحت هذه الصلاة هي نفسها التي يؤديها هؤلاء في بلاد أخرى. بل يؤدّيها أئمّة الجماعات بشكل أجمل أيضًا. إذا نظرتم حقًّا في تلك اللحظة إلى كيفيّة قراءتهم، ألا تشعرون حقًّا أنّه قد وضع كلّ همّه وغمّه في أن تكون هذه الآيات القرآنيّة، وهذا اللحن الموجود في هذه الآيات، والترنّم الذي يقوم به في هذه الآيات، وكيفيّة أداء هذه الألفاظ، بحيث تكون بعد الصلاة موضع إعجاب وتحسين المستمعين! أليس الأمر كذلك؟ الجميع يقرّون بهذا. من بداية صلاته إلى نهايتها يحاول أن يلفظ الآيات بشكل جميل. وهذا إمام الجماعة أيضًا نفسه، لا فرق بينهما على الإطلاق، لا تفاوت بينهما على الإطلاق.

  • نسأل الله تعالى أن يوفّقنا أن نعمل بما يوجب حياتنا، وأن يحفظنا ويصوننا عمّا يُبعدنا عن الوصول إلى المقصد والمقصود ويوقعنا في أسر محدوديّة الكثرة.

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ علی محمّدٍ وآلِ محمّدٍ

    1. سورة التين (٩٥) الآيتان ۱-٢.