10

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟

كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

67
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1427

التاريخ 1427/09/17

جلسات المجموعة(13 جلسة)

التوضيح

هل الفلسفة مرفوضة بسبب أصولها اليونانيّة؟ وكيف نتعامل مع العلوم غير الدينيّة كالطب؟ وهل يُقبل الحق بغضّ النظر عن مصدره أم لا بدّ أن يكون مصدره مسلمًا؟ وهل صحيح أنّ الفلسفة التي بين أيدينا يونانيّة؟ وما هو التطوّر الذي حدث فيها على أيدي المسلمين كابن سينا والملا صدرا وابن عربي؟ تجيب هذه المحاضرة على هذه الأسئلة مبيّنة الفرق بين معرفة الإمام الحقّة والتعلّق بظواهر الأمور كزمن ظهوره.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

1
  •  

  • هوالعلیم

  •  

  • هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ 

  • كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟ 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي ـ سنة ۱٤٢۷ هـ ـ الجلسة العاشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَٰنِ الرَّحِيمِ

  • وصلَّى اللَّهُ عَلَى سيّدِنا ونبيِّنا أبي القاسمِ مُحَمَّدٍ

  • صلَّى الله عليه وآله وعلى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ

  • واللَّعنةُ عَلَى أعدائِهم أَجمَعِينَ

  •  

  •  

  • كون المعرفة دليلاً على الله قضيّة دليلها معها

  • «معرفتِي يَا مَولايَ دلِيلِي علَيكَ وحُبِّي لَكَ شفِيعِي إِلَيكَ وَأَنا واثِقٌ مِن دَلِيلِي بِدلالتِكَ وساكِنٌ مِن شَفِيعِي إِلىٰ شفاعتِكَ».

  • تقدم أنَّ الإمامَ السجادَ عليه السلام قد جعلَ في مسألةِ الدلالةِ والإرشادِ والهدايةِ وفتحِ الطريقِ نحوَ المقصدِ الأعلى والهدفِ الأسمى والغايةِ القُصوى، التي هي معرفةُ ذاتِ الله تعالى، قد جعلَ المعرفةَ دليلًا. وهذا من المسائلِ المعروفةِ لدى أهلِ الفنِّ بـ"القضايا التي قياساتُها معها"، أي القضايا التي دليلُها معها ولا تحتاجُ إلى دليلٍ خارجيٍّ. فمثلاً ما يقولُهُ الأعاظمُ من إكرامِ الكبارِ هو أمرٌ واضحٌ، ولو لم يكن لديكم أيُّة روايةٍ أو نصٍّ في الإسلامِ وفي متونِ أهلِ البيتِ عليهم السلام حولَ إكرامِ الأكبرِ سنًا ولم تسمعوا بهِ ـ لا أقصدُ أنَّهُ غيرُ موجودٍ ـ وقلتُ لكم: أكرِموا الأكبرَ سنًّا، وفكَّرتم في الأمرِ قليلًا للحظات، لوجدتم أنَّهُ كلامٌ حسنٌ ولا يحتاجُ الإنسانُ بالضرورةِ أن يسمعَ هذه المسألةَ من الأعاظمِ. أو مثلًا: يا هذا لا تكذِب، هل يجبُ عليكم حتمًا أن تسمعوا هذا الكلامَ من الأئمةِ عليهم السلام حتى لا تكذبوا؟ فلو لم تكن لدينا آياتٌ قرآنيّةٌ أو أحاديثُ ورواياتٌ عن حُرمةِ الكذبِ، لما كان الكذبُ فيهِ إشكالٌ؟! أكانَ حلالًا طيِّبًا؟! نحن الآنَ وبعدَ أن صارَ لدينا كلُّ هذا، مَن ذا الذي يصدُقُ؟! لدينا كلُّ هذهِ النصوصِ، ومعَ ذلكَ يسمُّونَ الكذب ذكاءً ومهارة وما إلى ذلكَ من الكلامِ. فيا ويلَنا لو لم تكن لدينا هذهِ النصوصُ وتُرِكَ الأمرُ للناسِ وضمائرِهم، حينها لم يكن معلومًا هل كانوا سيصنعونَ من الكذبِ منارةً! إلى أي درجة كانت الأمور ستتفاقم! أو أنَّ الصدقَ حقٌّ وهو الصوابُ وعلى الإنسانِ أن يصدُق، فهذا لا يحتاج إلى دليل. أو أنَّه يجب على الإنسانِ مساعدةُ الضعفاءِ، فهذا لا يحتاجُ إلى دليلٍ، أي أنَّنا لا نحتاجُ لمراجعةِ رواياتِ أهلِ البيتِ عليهم السلام في هذهِ المسألةِ. رواياتُ أهلِ البيتِ عليهم السلام محفوظةٌ في محلِّها، وأحاديثُ وآياتُ القرآنِ محفوظةٌ في محلِّها، لكنَّ هذهِ قضايا قياساتُها معها، أي أنَّ دليلَها وعلَّتَها واضحةٌ وظاهرةٌ من صُلبِ العبارةِ نفسِها. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

3
  • الردّ على المدرسة التفكيفيّة: الفلسفة يونانيّة الأصل

  • من الإشكالاتِ المهمّةِ التي ترد على فصلِ مباني الحكمةِ والفلسفةِ عنِ الدينِ وكذلك فصل المكاشفات الروحانيّة والمعنويّة لأهلِ العرفانِ والمعرفةِ والشهودِ عنه ـ كما تذهب المدرسة التفكيكيّة ـ قائلة: إنَّ هذهِ المسائلَ وهذهِ العلومَ كالفلسفةِ والحكمةِ قد جاءت من اليونانِ قبلَ الإسلام ولم تكن من الإسلامِ. 

  • فمن الإشكالات المهمّة التى ترد عليها هو أن نقول: نعم، هذا صحيحٌ؛ فقد كانَ فلاسفةُ وحكماءُ اليونانِ قبلَ الإسلامِ، وأعاظمُ أهلِ التوحيدِ مثل أفلاطونَ وأرسطو وسقراطَ وبقراطَ هم من كبارِ أهلِ التوحيدِ، وإن لم يكونوا مسلمينَ. فهل كانَ عيسى وموسى عليهما السلام مسلمينَ (بالمعنى الاصطلاحيِّ)؟! كلُّ الأنبياءِ كانوا على الإسلامَ بمعنى التسليمِ، وفي الآيةِ القرآنِيّة نجدُ أنَّهم جميعًا كانوا مسلمينَ بمعنى التسليمِ لإرادةِ الحقِّ وشريعتِهِ، ولكنَّ الإسلامَ بالمعنى الاصطلاحيِّ خاصٌّ بشريعةِ النبيِّ محمّدٍ صلَّى الله عليه وآله. الأنبياءُ السابقونَ كانت لهم شرائعُهمُ الخاصةُ، ومعَ ذلكَ، نحنُ نحترمُهم جميعًا، ومَن يسُبُّهم نعتبرُهُ خارجًا عن دينِنا، إلى هذا الحدِّ نحترمهم، فمَن يُهينُ عيسى عليه السلام، فنحنُ المسلمينَ نعتبرُهُ خارجًا عن دينِنا. عيسى عليه السلام نبيٌّ للّه عظيمُ الشأنِ، وموسى عليه السلام كذلكَ. فلو كانَ قبرُ موسى عليه السلام معروفًا وكانَ في إيرانَ، ألم نكن لنذهبَ لزيارته؟! نبيٌّ إلهيٌّ! بل كنَّا سنذهبُ كلَّ يومٍ، ونُقبِّلَ عتبتَهُ. إنَّهُ نبيٌّ إلهيٌّ ولهُ مكانتُهُ الخاصّةُ، وهو وليٌّ من أولياءِ اللهِ، ومقامُهُ محترم. أمَّا الشريعةُ فهي خاصةٌ بالنبيِّ محمّدٍ صلَّى الله عليه وآله وهي أمرٌ محدَّدٌ. والآنَ، هل لأنَّهُ [عليه السلام] جاءَ قبلَنا، فيجبُ علينا أن نُهينَهُ ـ لا سمحَ اللهُ ـ ونسُبَّهُ ونشتُمَهُ ونتجاهلَهُ؟ كلَّا! فعيسى عليه السلام من الأنبياءِ الإلهيّينَ، وجميعهم محترمونَ ومعزَّزونَ، ويجبُ أن يكونَ الأمرُ كذلكَ في جميعِ الأديانِ. 

  • قصّة حفر قبر أمير المؤمنين عليه السلام بجوار آدم ونوح عليهما السلام

  • نوحٌ عليه السلام، نحنُ الآنَ نذهبُ لزيارةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام، وبجوارِهِ يرقدُ نبيَّانِ إلهيَّانِ: آدمُ عليه السلام ونوحٌ عليه السلام. «السلامُ عليكَ وعلى ضجيعَيكَ آدمَ ونوح ». ويبدو أنَّ نوحًا وآدمَ عليهما السلام كانا ذكيَّينِ وفطِنَينِ جدًّا! كانا يعلمانِ ما القصّةُ. فقد حفرَ نوحٌ عليه السلام قبرَ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام هذا قبلَ الطوفانِ بخمسمائةِ عامٍ، ليُدفنَ هو هنا ويُوضَعَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام بجوارِهِ لاحقًا. كم كانَ ذكيًّا حتّى أدرك ما ستؤولُ إليهِ الأمورُ! فقبلَ الطوفانِ بخمسمائةِ عامٍ، جاءَ نوحٌ عليه السلام وطلبَ من اللهِ أن يجعلَ مكانَهُ في هذهِ الدنيا بجوارِ جسدِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام، فاستجابَ اللهُ لهُ، فجاءَ وحفرَ قبرَ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام بجوارِ قبرِهِ وأوصى أن يُدفنَ هنا. مضتِ القصّةُ وجاءَ الطوفانُ ومضت مئاتُ وآلافُ السنينَ. وهكذا مضى الأمرُ، وكانت هذهِ المسألةُ مَخفيَّةً، ويبدو أنَّ أميرَ المؤمنينَ عليه السلام لم يُخبِر بها أحدًا، أو على الأقلِّ ليسَ لدينا نصٌّ بذلكَ. حتى الليلةَ التي سبقت وفاتَهُ عليه السلام، فكانَ من ضمنِ وصاياهُ أنَّهُ عندما تحملونَ جسدي، لا تحملوا مقدِّمةَ الجنازةِ، بلِ ارفعوا مؤخِّرتَها، وليكن ذلكَ في الظلامِ، وحُدِّدَ لذلكَ بضعةُ أشخاصٍ. فانظروا كم كانتِ المسألةُ حسَّاسةً، أن يُدفنَ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام في الظلامِ لكي لا يأتيَ الأعداءُ ويقصدوا الإهانةَ، لا سمحَ اللهُ. كانت أمورًا عجيبةً جدًا. مقدِّمةُ الجنازةِ يحمِلُها جبرائيلُ وميكائيلُ وإسرافيلُ، أنتم فقط ارفعوا مؤخِّرةَ النعشِ، واحملوهُ، وحيثما رأيتمُ النعشَ يهبِطُ إلى الأرضِ، فاجلسوا هناكَ واحفروا الأرضَ، وبعدَ بضعِ ضرباتٍ بالفأسِ ستجدونَ صخرةً، فارفعوها وسيظهرُ قبرٌ، هذا هو القبرُ الذي حفرَهُ لي نوحٌ عليه السلام قبلَ الطوفانِ بخمسمائةِ عامٍ، ومكتوبٌ على شاهدِ القبرِ هذا الأمرُ. الآنَ على الصخرةِ التي فوقَ قبرِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام محفورٌ: «هذا ما حفرَهُ نوحٌ قبلَ الطوفانِ بخمسمائةِ سنةٍ» أو عبارةٌ كهذهِ. ادفنوني هناكَ. وبعدَ ذلكَ طبعًا حدثت مسائلُ ومعاجزُ وخوارقُ للعاداتِ إلى ما شاءَ اللهُ. حسنًا، نحنُ عندما نذهبُ الآنَ للزيارةِ إلى هناكَ، فهذانِ النبيَّانِ موجودانِ أيضًا، لكنَّنا لا نلتفتُ إليهما كثيرًا. فمقامُ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام لا يتركُ مجالًا للآخرينَ وليُفكِّرَ الإنسانُ في آدمَ عليه السلام أو نوحٍ عليه السلام هناكَ. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

4
  • كيفَ ينبغي أن يكونَ أدبُ الزيارةِ والتوجهُ القلبيُّ؟

  • يُؤسفني جدًا حالُ أولئكَ الذينَ يذهبونَ إلى المدينةِ المنوّرةِ ويزورونَ قبرَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله ثمَّ يبحثونَ عن مكانِ دفنِ عمرَ وأبي بكرٍ، ومن بينِنا نحنُ الشيعةَ أنفُسِنا! يا عزيزي، مَن ذهبَ إلى مسجدِ المدينةِ ووقعت عينُهُ على قبرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله فلا ينبغي أن يخطرَ ببالِهِ أحدٌ غيره. لا ينبغي أن يُفكِّرَ في أيِّ أحد آخرَ، فما الفائدةُ التي تعودُ على الإنسانِ وما النتيجةُ؟ سوى أنَّهُ حتى في وقتِ التوجُّهِ إلى رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وآله، سيكونُ ذهنُ الإنسانِ مشغولًا بهذينِ الاثنينِ. الذهنُ لا يستطيعُ التركيزَ على مكانَينِ، يجبُ أن يُركِّزَ على مكانٍ واحدٍ. عندما يذهبُ الإنسانُ إلى مسجدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله ويريدُ أن يتوجَّهَ إليهِ، فلا ينبغي أصلًا أن تخطرَ ببالِهِ مسألةٌ أخرى، وأنّه مَن هنا ومَن ليسَ هنا؟ فهنا النبيُّ صلّى الله عليه وآله وابنتُهُ فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام.

  • موضع قبر فاطمة عليها السلام

  • فاطمةُ الزهراءُ عليها السلام مدفونةٌ هناكَ، بجوارِ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله. أمَّا بيان سبب ذلكَ فليبقَ لوقت آخر، وكانَ السيدُ الحدَّادُ رحمه الله يقولُ: عندما كنتُ أدخلُ حرمَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله، كانَ يأخُذُني جلالُ وعظمةُ فاطمةَ الزهراءِ عليها السلام لدرجةِ أنَّني أفقدُ الاختيارَ والقدرةَ على أيِّة حركةٍ! هذهِ هي الزيارةُ التي يقومُ بها أولياءُ الله! والزيارةُ التي نقومُ بها نحنُ، نتساءلُ: أينَ دُفِنَ عمرُ وأينَ دُفِنَ أبو بكرٍ؟ وأينَ دفنت عائشةَ، فقط نبحثُ عنِ الحجارةِ والجدرانِ والأعمدةِ، أينَ عمودُ الحنَّانةِ وأينَ عمودُ كذا وكذا؟! عندما تُمدُّ مائدةٌ وفيها كلُّ أنواعِ النعم الإلهيّةِ، فمنَ المؤسفِ أن يشغل الإنسانُ ذهنَهُ وفكرَهُ بمسائلَ قليلة الفائدة.

  • قصةُ الرجلِ الذي قاسَ المسجدَ الحرامَ بالشِّبرِ

  • رأيتُ كتابًا، فهناك من كتبَ كتابًا بعدَ ذهابِهِ إلى مكةَ ودوَّنَ فيهِ تحقيقاتِهِ هناكَ، يبدو أنَّهُ كانَ شخصًا فارغ البال جدًّا! من جملةِ ما وردَ فيهِ: كتبَ في ذلكَ الكتابِ أنَّهُ قاسَ المسجدَ الحرامَ بأكملِهِ شبرًا شبرًا من أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ، فكانَ طولُ المسجدِ الحرامِ كذا شبرًا وعرضُهُ كذا شبرًا، ثمَّ قاسَ الكعبةَ نفسَها... بيدِهِ شبرًا شبرًا! يا لهُ من رجلٍ فارغٍ! هداكَ اللهُ! لكلُّ إنسان نصيبٌ وشكلٌ وطريقةٌ، فأحدُهم يذهبُ إلى المسجدِ الحرامِ ليجلسَ أمامَ المستجارِ مثلَ المرحومِ العلاّمة وينظرُ إلى الكعبةِ بطريقةٍ تجعلُهُ لا ينتبهَ لمن يسألُهُ ولا يعي ما يقولُ له؟ فهذا نوع، وآخرُ يذهبُ ليقيسَ وليرى كم مترًا وكم سنتيمترًا ينقصُ! هذا يطوفُ بطريقةٍ وذاكَ يطوفُ بطريقةٍ أخرى. هناك من يأتي إلى تلك الأماكن ويبدأُ بالبحثِ بينَ الناسِ عن رفقائِهِ ليجلسوا ويعقدوا جلسةً لساعةٍ أو ساعتينِ،ويسأل بعضهم بعضًا: ما أخبارُ إيرانَ وأمريكا وأوروبا؟ وماذا قالَ فلانٌ؟ وماذا قالَ علَّانٌ؟ ويُديرونَ ظهورَهم للكعبةِ ويجلسونَ ويتحدَّثونَ لثلاثِ ساعاتٍ وترتفعُ أصواتُ ضحكاتِهم وقَهقَهاتِهم لتصلَ إلى مسامعِ الآخرينَ وتُثيرَ اعتراضَ أهلِ السنَّةِ! فهذا الذي أقولُهُ كلَّهُ كنتُ حاضرًا بنفسي ورأيتُهُ. فهذا نوعٌ من الجلوسِ بجوارِ الكعبةِ والاستفادةِ، ونوعٌ آخرُ كانَ يجلسُه الأعاظمُ لثلاثِ ساعاتٍ، وعندما كانَ أحدُهم يتحدَّثُ معَ العلاّمة لم يكن يعي ما يقال له [لشدّة التفاته إلى الكعبة].فهذا نوعٌ آخر أيضًا، حسنًا. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

5
  • گروهی این، گروهی آن پسندد***متاع کفر و دین بی مشتری نیست
  • يقول: طائفةٌ يرتضون هذا و طائفةٌ ذاك***فليست سلعتا الكفرِ والدينِ بلا مشترٍ 
  • طائفةٌ يعجبهم هذا و طائفةٌ يعجبهم ذاك. ولقد بيَّنوا لنا هذه الحقائق. فهذهِ معرفةٌ وتلكَ معرفةٌ من نوعٍ آخر. 

  • هل يُرفضُ العلمُ لمجرَّدِ أنَّهُ ليسَ من مصدرٍ إسلاميٍّ؟

  • وعلى أيّ حال فالأنبياءُ الإلهيُّونَ جميعًا كانوا في مقامِ التسليمِ. والآنَ، في هذهِ الإشكال الذي يذكره التفكيكيّون ويقولونَ بما أنَّ هذهِ الأمورَ جاءت من اليونانِ، فهي ليست حجَّةً من وجهة نظرِ الإسلامِ. 

  • نقول لهم: وهل جاءت مسائلُ الفيزياءِ من الإسلامِ؟! وهل جاءت مسائلُ الرياضيّاتِ والكيمياءِ من الإسلامِ؟! وهل جاءتِ الهندسةُ المعماريّةُ من الإسلامِ؟! وهل جاءت فنونُ وعلومُ الميكانيكا من الإسلامِ؟! فكيفَ تقبلونَ بها إذن؟! هل كلُّ هذهِ الأمورِ باطلةٌ وهراءٌ؟ ألأنَّها لم تأتِ من الإسلامِ فهي باطلةٌ؟! حسنًا، اثنانِ زائد اثنين تساوي أربعةً، هذه لم تأتِ من الإسلامِ أيضًا، فإذن اثنانِ زائد اثننين تساوي سبعةً! لأنَّ تلك لم تأتِ من الإسلامِ. فهل قالَ الإمامُ الباقرُ عليه السلام اثنانِ زائد اثنينِ تساوي أربعةً؟ مَن قالَ ذلكَ؟! والآنَ، لو لم يقُلِ الإمامُ الباقرُ والإمامُ الصادقُ عليهما السلام ذلك، فهل ستكونُ النتيجةُ ستةً؟! لأنَّهما لم يقولا فهي ستةٌ إذن! انظروا كم هو كلامٌ سخيف! كم هو ركيكٌ ووضيعٌ! حسنًا، لم تأتِ من الإسلامِ فليكن. وهل بُنِيَ الإسلامُ على أن يقولَ هو كلَّ الكلام الحقّ في الدنيا وفي جميع الفنون الأخرى؟ هناكَ مسائلُ كثيرةٌ يحكمُ بصحَّتِها وجدانُ الإنسانِ وفهمُهُ وإدراكُهُ. فمثلاً ثلاثة ضرب ثلاثة تساوي تسعةً، هل يحتاجُ هذا إلى أن يقولَهُ الإسلامُ؟! ولو لم يقُلهُ هل تصبحُ النتيجةُ ستةَ عشرَ! وهل جاءت مسائلُ الطبِّ من الإسلامِ؟ نعم! الأئمةُ عليهم السلام ذكروا بعضَ الأمورِ كأوامرَ للصحَّةِ والسلامةِ، مثل الإمامِ الصادقِ والإمامِ الرضا عليهما السلام، وهذهِ الأمورُ صحيحةٌ ويجبُ على الإنسانِ أن يُطيعها ويعملَ بها، ومسألتُها وحسابُها مختلفٌ. ولكنِ الآنَ، هل لأنَّ مسائلَ الطبِّ والعلاجِ وأمثال ذلكَ لم تأتِ من الإسلامِ فهي كلُّها بلا قيمةٍ وعلى الإنسانِ أن يموتَ؟ نعم، يجبُ أن يموتَ لأنَّها لم تأتِ من الإسلامِ! فكيفَ أنتم أنفُسُكم عندما تمرضونَ تأخذونَ الأسيتامينوفين وألفَ حبَّةٍ وحقنةٍ وتُجرونَ عمليّاتٍ جراحيّة وتصويرًا مقطعيًّا ورنينًا مغناطيسيًّا؟! فأيٌّ من هذهِ جاءت من الإسلامِ؟! يعني أنَّ عقلَ الإنسانِ، في الدرجةِ الأولى، يحكمُ بأنَّ هذا الكلامَ سخيفٌ ولا يحتاجُ إلى تفكير. سواء جاءتِ المسألةُ من الإسلامِ أو من اليونانِ أو من زنجبارَ، لا فرقَ أبدًا، أو حتّى من بوركينافاسو! إن كانتِ المسألةُ عقليّةً وحقَّةً، فعلى الإنسانِ أن يقبلَها، وإن لم تكن حقَّةً فعليهِ أن يرفُضَها. اثنانِ ضرب اثنين تساوي أربعةً. فلو جاءَ عالمٌ في بوركينافاسو وقالَ كلامًا، فهل يرفُضُهُ الإنسانُ لأنَّهُ من هناكَ؟! كلاّ يا عزيزي، بل يقبلُهُ. القرآنُ نفسُهُ يقولُ: {فَبَشِّر عِبَادِ الَّذِينَ يَستَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أَحسَنَهُ}۱. فعبادي هم أولئكَ الذينَ يقبلونَ طريقي الذي هو طريقُ الحقِّ. فما هو طريقي؟ إنّه طريقُ الحقِّ، فلأنِّي أنا الحقُّ فكلُّ ما ينتسبُ إلى الحقِّ ينتسبُ إليَّ. إذن، مَن يقولُ الحقَّ يجبُ أن تقبلَهُ منه ولو كانَ طفلًا، ولو لم يكن معمَّمًا، ولو كانَ غيرَ مسلمٍ وغيرَ شيعيٍّ.

    1. سورة الزمر (٣٩) الآية ۱۷-۱۸.

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

6
  • هل يجبُ أن نُخالِفَ الآخرينَ حتى لو كانوا على حقٍّ؟

  • الآنَ أهلُ السنَّةِ يقولونَ يجبُ أن تُصلَّى الصلواتُ مفرّقة، والشيعةُ يقولونَ يجبُ أن تُجمعَ الصلواتُ، كلَّا! الحقُّ معَ أهلِ السنَّةِ في هذا، الحقُّ معَ العامَّةِ فيه، ولا مجالَ للنقاشِ في ذلكَ، فهم يقولونَ الصوابَ. الآنَ فتواهم هي أنَّهُ عندَ غروبِ الشمسِ، مجرّد سقوط الشمسِ هو وقتُ صلاةِ المغربِ. وبعض المجتهدين منَّا يُفتون بذلكَ و آخرُون يُفتون بتأخيرِ وقتِ الصلاةِ. فمَن يُفتي بالرأيِ الأوَّلِ، فتواهُ موافقةٌ لهم، فما الإشكالُ في ذلكَ؟! هلِ الفلسفةُ مثلُ الفقهِ حتى يحتاجُ قبولُها إلى تعبُّدٍ لا إلى تعقُّلٍ؟ المسائلُ الفقهيّةُ هي مسائلُ جاءت رواياتُها عنِ الأئمةِ عليهم السلام، هذا إذا كانت يقينيّةً، وإلَّا فهي إمَّا ظنِّيَّةُ الصدورِ أو ظنِّيَّةُ الدلالةِ. ومسائلُ الفلسفةِ هي مسائلُ يجبُ أن تُقاسَ بالعقلِ والبرهانِ العقليِّ والمباني المنطقيّةِ، فإن كانت صحيحةً نقبلُها، سواءٌ جاءت من الإسلامِ أو من غيرِ الإسلامِ. وإن كانت خاطئةً نرفُضُها، سواءٌ جاءت من الإسلامِ أو من غيرِ الإسلامِ. 

  • فهل يجبُ على الإنسانِ أن يقبلَ هذا الهُراءَ والهذَرَ الموجودَ في المسائلِ والعلومِ والأحاديثِ الموضوعةِ والرواياتِ الموضوعةِ والاعتقاداتِ المخالِفةِ التي دخلت في الإسلامِ؟! هذهِ الرواياتُ والأحاديثُ المزوَّرةُ وهذهِ الخرافاتُ التي دخلت، هل يجبُ أن نقبلَها؟ أليسَ هذا النوروزُ الآنَ جزءًا منَ الخرافاتِ؟! والجميعُ يعملونَ بهِ ويستمرُّونَ في تقديمِ الأدلَّةِ تلوَ الأدلَّةِ! يريدونَ لصقَهُ بالإسلامِ بألفِ غراءٍ. لا يا عزيزي، إنَّها خرافاتٌ، نبتَ العشبُ، هذا النوروزُ للأغنامِ والماعزِ والعجولِ!! هي التي يجبُ أن تفرحَ بنموِّ العشبِ والخُضرةِ وتأكلَ حتى تشبعَ بعدَ ثلوجِ الشتاءِ وبردِهِ. والآنَ نأتي نحنُ ونُصفِّقُ ونفرحُ لأنَّ الطبيعةَ اخضرَّت، لا يا عزيزي! أنا شخصيًا أُحبُّ الثلجَ والبردَ أكثرَ، كلُّ إنسانٍ ومزاجُهُ. ثمَّ نأتي ونُزوِّرُ الرواياتِ ونفعلُ كذا ونُلفِّقُ قصَّةَ سلمانَ ونختلقُ تُرَّهاتِ رواياتِ المعلَّى بنِ خُنيسٍ الموضوعةِ حولَ النوروزِ، ثمَّ نقولُ إنَّهُ من الإسلامِ. أليست هذهِ خرافاتٌ؟!۱ حسنًا، هل يجبُ أن نقبلَها؟ كلا! هناكَ مسائل كثيرة دخلت في الإسلام، وهناك أمورٌ خرافيّةٌ كثيرةٌ دخلت في النصوص الإسلاميّةِ. 

  • مَن هو المجتهدُ الحقيقيُّ وكيفَ يُميِّزُ الصحيحَ منَ السقيمِ؟

    1. لمزيد من التفصيل راجع حول هذا الموضوع: نوروز در جاهليّت واسلام للمحاضر باللغة الفارسيّة، والمقالات المنتخبة منه ومن غيره في موقع مدرسة الوحي مثل: شدّة الاهتمام بالأعياد الإسلاميّة وعيد الغدير، فسفة العيد في الإسلام (النوروز في الميزان)، عيد النيروز في منظار العقل والشرع.

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

7
  • المجتهدُ، هو ذلكَ الإنسانُ الذي بالإضافةِ إلى تحقيقِهِ لقواعد الاجتهادِ ومداركِهِ وأصولِهِ، وتحقيقِهِ للأحكامِ بناءً على المباني والمداركِ، يمتلكُ أيضًا شمًّا وإدراكًا للحقائقِ الباطنيّةِ للأحكامِ بعينِ البصيرةِ القلبيّةِ. فهذا هو المجتهدُ. ذلكَ المجتهدُ عندما يرى روايةً، يفهمُ أهي كاذبةٌ أم صادقةٌ؟! هل يمكنُ أن يقولَ الإمامُ مثلَ هذا الكلامِ أم لا؟! ويمكنُ أن يكونَ الأمرُ كذلكَ. لمَ نذهب بعيدًا؟ أنا نفسي لي تجربة في ذلك حسب ظروفي الخاصّة، وكلُّ إنسانٍ بالنسبةِ لوضعِهِ الخاصِّ أيضًا يدرك الأمورَ المتعلِّقةَ بوالدَيهِ وظروفِ هذهِ المسألةِ بشكلٍ أفضلَ. وأنا نفسي كذلكَ، فخلالَ الفترةِ التي قضيتُها معَ المرحومِ العلاّمة ومعَ مسائلِهِ وكلامِهِ، صار لدي بطبيعة الحال اطِّلاعٌ ومعرفةٌ أكثرَ من غيري، وهذا أمرٌ واضحٌ وليسَ فيهِ فخرٌ، وأيُّ إنسانٍ كانَ مكاني كانَ الأمرُ كذلكَ بالنسبة إليه. فلو طُرِحَ الآنَ كلام، أفلا أعرف هو كلامُ العلاّمة أم لا؟! أعرف بالطبعِ، فالإنسانُ الذي قضى معَهُ أربعينَ عامًا، وكانَ على درايةٍ بخصوصيَّاتِ حياتِهِ وطريقةِ تفكيرِهِ وبيانِهِ، يستطيعُ أن يُميِّزَ هل هذا الكلامُ كلامُهُ أم لا؟ لذا، عندما أسمعُ كلامًا ينقلُهُ إنسانٌ عنِ العلاّمة، أقولُ بصراحةٍ: إنَّهُ كذبٌ، أو أقولُ: إنَّهُ صحيحٌ، ثمَّ يتبيَّنُ أنَّ الأمرَ كانَ كذلكَ. لماذا؟ لأنّي بمجرَّدِ أن أسمعَ كلامًا، أقيسُهُ بالمعاييرِ والمقاييس الموجودةِ في ذهني، فأرى أنَّ هذا لا يمكنُ أن يصدرَ عنهُ، حتّى أنَّ البعضَ جاؤوا إليَّ وأقسموا، ومهما قالوا قلتُ: مستحيلٌ أن يكونَ هذا منهُ، لقد سمعتم خطأ، ثمَّ يتبيَّنُ أنَّ القصَّةَ كانت كذلكَ. وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًا، هذهِ القضيَّةُ مهمَّةٌ جدًا، إذ قد يكونُ لتقديمِ أو تأخيرِ واوٍ أو فاءٍ تأثيرٌ في تأييدِ المعنى، فاءٌ واحدةٌ أو واوٌ واحدةٌ أو كلمةٌ ناقصةٌ أو زائدةٌ أو ضحكةٌ أو حركةُ عينٍ أو حركةُ وجهٍ، كم يمكنُ أن تختلفَ الأمورُ بحسبها؟! 

  • لماذا لا يُعتمدُ على خبرِ الواحدِ في استنباطِ الأصول الاعتقاديّة؟

  • لذلكَ، في مجال الاستنباط ـ وأقولُ هذا لرفقائي من أهلِ العلمِ والاختصاص ـ في محال استنباط القواعد الكلِّيَّةِ، لا يمكنُ للإنسانِ أن يعملَ بخبرِ الواحدِ، وذلكَ بسببِ هذهِ القضيَّةِ نفسِها. المبنى الكلِّيُّ والاعتقاديُّ، لا الأحكامَ الظاهريَّةَ، بل العقيدة الكلِّيَّةٌ، المبنىً الفقهيّ، القاعدة الفقهيَّة أو القاعدة الاعتقاديَّة أو المبنى السلوكيّ، الأصل من أصولِ الاعتقادِ، فهذهِ الأمورُ لا يمكنُ إثباتُها بخبر واحدٍ يرويهِ راو واحدٌ. يجبُ على الإنسانِ في موضوع الأخبارِ ومراعاةِ القرائنِ والشواهدِ أن يصلَ إلى مرحلةٍ يحصلُ لهُ فيها القطعُ. ونحنُ جرَّبنا هذهِ المسألةَ، ورأينا ماذا حدثَ وما هي المسائلُ التي نتجت، فكلُّ إنسانٍ بناءً على ظنِّهِ وعلى خيالِهِ وعلى فهمِهِ يصل إلى نتيجة. ففي أحد الأيّام، كنتُ جالسًا بجوارِ العلامةِ في مجلسهِ وهو يتحدَّثُ، وكانَ أحدُ الرفقاءِ جالسًا بجانبي، كانَ رجلًا صالحًا ولا يزالُ كذلكَ وهو من أصدقائِنا وهومحترمٌ جدًّا، كانَ يكتبُ كلامَ العلاّمة، وبالصدفةِ وقعت عيني فرأيتُ أنَّ ما يكتبُهُ وما يقولُهُ العلاّمة شيئانِ مختلفانِ! فهذهِ الأذنُ تسمعُ خطأً، فقلتُ له: يا هذا لا تكتب! لقد قالَ كذا. الإنسانُ الذي يكتبُ، أذنُهُ لا تسمع بشكلٍ صحيحٍ، والأذنُ التي يجبُ أن تلتقطَ مئةً بالمئةِ، تلتقطُ ثمانينَ أو سبعينَ بالمئةِ. لذلكَ يقولونَ ـ وهذا لينتبه لهُ الرفقاءُ الطلبةُ ـ لا تكتبوا شيئًا في وقتِ الدرسِ، فإنَّ إدراكَكم سينصرفُ إلى نقطتينِ: واحدةٍ للكتابةِ والأخرى للاستماعِ، لذا لن تستوعبوا المادَّةَ، فلا تكتبوا! استمعوا بانتباهٍ كاملٍ لكلامِ الأستاذِ وتوجَّهوا إليهِ، وعندما تذهبونَ إلى المنزلِ ابدؤوا بالكتابةِ، أو بعدَ الدرسِ. ما يجبُ أن تستوعبوهُ مئةً بالمئةِ، تستوعبونَ منهُ ثمانينَ بالمئةِ أو سبعينَ بالمئةِ، لا يستوعب الإنسانُ تمام الحقيقة وهو يكتب، لا يُدرِكها تمامًا. كانَ ذاك الرجل يكتبُ خطأً، والآنَ فكِّروا في أنَّ هذا الذي يكتبُ هذا خطأً الآنَ، سيُقسِمُ لاحقًا وهو لا يكذِبُ، وليسَ هو مُعانِدًا، كلاّ! سيقولُ: العلاّمة قالَ هذا وأنا كتبتُه، ثمَّ يُقسِمُ على كلامِهِ هذا بأنَّ هذا الكلامَ هو كلامُ العلاّمة ويضعُهُ في متناولِ الآخرينَ، فما هو التكليفُ؟ كيفَ تصبحُ القضيَّةُ؟ لذا، الآنَ الكثيرُ من المسائلِ التي نُقِلَت وكُتِبَت عن زمانِ المرحومِ العلاّمة، عندما يعرضونَها عليَّ أشطُبُ عليها وأقولُ: هذا ليسَ كلامَ العلاّمة. أشطُبُ عليها كلَّها، لأنِّي أعرفُهُ وأنا مُطَّلِعٌ على طريقةِ تفكيرِهِ وكيفيَّةِ حديثِهِ ومراعاتِهِ للدقَّةِ في التعابيرِ. فلو كنتم مكاني لفعلتمُ الشيءَ نفسَهُ، ولا يوجدُ أيُّ غرور في الأمرِ. لو نقلتُ أنا كلامًا عن والدِكم وقلتم: لا! ليسَ الأمرُ كذلكَ. فأنا أعرفُ والدي أكثرَ منكم، فماذا تقولون؟ أنا كنتُ معَهُ أم أنتم؟! أنا أعلمُ ما قالَهُ وأنا أعلمُ ما كانَ فهمُهُ وأمثالَ ذلكَ. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

8
  • هل كون الفلسفة من اليونان سبب لبطلانها؟

  • فإذن، أن يأتيَ الإنسانُ ويقولَ بما أنَّ مسائلَ الفلسفةِ والحكمةِ جاءت من اليونانِ ولم تأتِ من الإسلامِ، فهي باطلةٌ! فهذا هراء وكلامٌ باطلٌ جدًّا، فهذا من القضايا التي قياساتُها معها، قضايا لو قيلت لأيِّ إنسانٍ لقالَ: إنَّها صحيحةٌ. لا معنى لقولك: لأنَّها لم تأتِ من الإسلامِ فهي باطلة! استمع يا عزيزي! اثنانِ ضرب اثنينِ تساوي أربعةً. فلماذا تقولُ اثنانِ ضرب اثنينِ تساوي أربعةً؟! مَن قالَ ذلكَ؟! أنتَ تقولُ اثنانِ ضرب اثنينِ تساوي أربعةً، وأنا أقولُ: تساوي خمسةً، هكذا أُريدُ! ألم تقُل أنتَ أربعةً؟ أنا أقولُ سبعةً! فهل قال اللهُ: اثنانِ ضرب اثنينِ تساوي أربعةً؟ أرِني آيةً واحدةً من القرآنِ مكتوبٌ فيها: "يا أيُّها المسلمونَ ضربُ اثنينِ في اثنينِ يساوي أربعةً!" أرِني آيةً واحدةً من القرآنِ، بل حتّى من الإنجيلِ أو التوراةِ، أو في أحاديثِ الأئمةِ عليهم السلام: "يا شيعتَنا، بخلافِ أهلِ السنَّةِ الذينَ يعتبرونَ اثنينِ ضرب اثنينِ يساوي اثني عشرَ! تعالوا أنتم واعتبروا ضرب اثنينِ في اثنينِ يساوي أربعةً وليسَ اثني عشرَ!" كلُّ هذا عبارة عن هراء، لماذا؟ لأنَّ العقلَ بدونِ الحاجةِ للرجوعِ إلى إمامٍ وأستاذٍ ومُرشدٍ ودليلٍ، العقلُ نفسُهُ يحكمُ بأنَّ اثنينِ ضرب اثنينِ تساوي أربعةً ولا يحتاجُ لأحد ليخبره بذلك. كيفَ؟ يُخرِجُ أصابعَهُ، هذانِ اثنانِ وهذانِ اثنانِ يُصبحانِ أربعةً. حتى لو جاءَ الإمامُ وقالَ اثنانِ ضرب اثنينِ تساوي خمسةً، نقولُ: لا يا سيِّدي، ماذا تقصدُ؟ كيفَ تقولُ هذا؟ والإمامُ أبدًا لن يأتيَ ليقولَ كلامًا مُخالِفًا للعقلِ ـ البرهانُ العقليُّ والدليلُ العقليُّ ـ لماذا؟! لأنَّ الإمامَ نفسَهُ يدفعُنا نحوَ العقلِ. اذهبوا وانظروا في هذهِ الرواياتِ، ماذا فعلَ الأئمةُ عليهم السلام بخصوصِ حجِّيَّةِ العقلِ، وأنَّ هذهِ الظاهرةَ إلهيَّةٌ، العقلُ المتَّصِلُ والمُنفصِلُ، رجوعُ العقلِ المتَّصِلِ إلى العقلِ المُنفصِلِ، استضاءَتُهُ واستنارَتُهُ، فهمُهُ وإدراكُهُ للكلِّيَّاتِ وخروجُهُ من الجزئيَّةِ إلى الكلِّيَّةِ، من الاعتبارِ إلى الواقعِ والحقيقةِ، إلى ما شاءَ اللهُ. لذا، فالكلامُ الذي يُقالُ بخصوصِ هذهِ المسألةِ هو من أصله خِلافُ العقلِ. 

  • هل يجبُ الأخذُ بنصيحةِ الطبيبِ غيرِ المسلمِ؟

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

9
  • فمثلاً لأنَّ الطبيبَ الفلانيَّ حكمَ بالدواءِ الفلانيِّ وهو مسيحيٌّ، فإذًا يا أيُّها المسلمُ لا تعمل بوصفَتِهِ! لا يا عزيزي! إن لم تعمل بها، فسيُحاسِبُكَ اللهُ يومَ القيامةِ حسابًا عسيرًا، ولن يقتصر الأمر على أنّك لم تعمل وإذا كانَ علاجُكَ مُنحصِرًا في مُتابعةِ وصفةِ طبيبٍ مسيحيٍّ أو طبيبٍ يهوديٍّ أو حتّى طبيبٍ مُلحِدٍ لا دينَ لهُ ولا يؤمنُ باللهِ أصلًا، ولكنَّكَ تعلمُ أنَّهُ خبيرٌ في تشخيصِ هذا المرضِ و لا شكَّ ذو بصيرةٍ في هذهِ المسألةِ، فإن لم تعمل بكلامِهِ ووصفَتِهِ وأصابتكَ عارِضةٌ، فيوم القيامةِ أن مسؤول! تقولُ: يا ربِّ هذا أصلًا لم يكن لديهِ دينٌ ويا إلهي إنّه لم يكن يؤمنُ بكَ. يقولُ لك: لا يؤمنُ فهذا ذنبه، هل أقولُ لكَ اذهب وصلِّ خلفَهُ؟ 

  • كان المرحومَ الحاج الميرزا حسن النوريّ رحمه الله رجلًا مرِحًا. وذكر هذه القصّة فقال: في أحد الأيّام ذهبنا واشترينا خروفًا ليلعبَ بهِ الأطفالُ ثمَّ بعدَ أيَّامٍ نذبحُهُ. فلمّا جِئنا به إلى البيتِ وجدناهُ أعورَ، وذهبنا لنرُدَّهُ، فقالَ الرجلُ: هل تُريدُهُ أن يقرأَ لكَ دعاءَ كميلٍ؟! أنت لا تُريدُ منهُ أن يقرأَ لكَ دعاءَ كميلٍ!

  • العقلُ هو الميزانُ: طاعةُ الطبيبِ الخبيرِ واجبةٌ

  • وهذا الطبيب الآن هو طبيبٌ غيرُ مسلمٍ ومُلحِدٌ، فهل تُريدُ أن تُصلِّيَ خلفَهُ؟! يقولُ: يا عزيزي هذا هو مرضُكَ وهذا دواؤه، فإن شئتَ تناوله وإن لم تشأ فلا تتناوله! إنّ الله سيُحاسِبُ الإنسانَ حسابًا عسيرًا، يجبُ عليه أن يعمل بما قاله الطبيب. لماذا يُحاسِبُ اللهُ الإنسانَ حسابًا عسيرًا؟! مَن يستطيعُ أن يُجيبَني؟ لو قالَ الإنسانُ للّهِ: يا ربِّ هذا لم يكن يؤمنُ بكَ ولأنَّهُ لم يكن يؤمنُ بكَ لم أعمل بأمرِهِ ومتُّ، يقولُ اللهُ: أخطأتَ إذ متَّ، أخطأتَ إذ لم تُطِع! قولُ اللهِ "أخطأتَ إذ لم تُطِع" هذا لماذا؟ لأنَّ اللهَ يقولُ: أنا أعطيتُكَ العقلَ، فبماذا قضى عقلُكَ في هذا الموقفِ؟ قضى بأنَّهُ يجبُ أن نطيع، أليسَ كذلكَ؟ فاسألوا الأفرادِ الذينَ يمرُّونَ في الشارعِ عن هذا الأمر، فجميعهم سيجيبون بهذا الجواب. اسألوا كلَّ أصحابِ الدكاكينِ هؤلاءِ، فكلُّهم سيجيبون بهذا. اسألوا كلَّ الناس، كلُّهم يجيبون الجواب نفسه؛ ولذلك هذهِ تصبحُ قضايا قياساتُها معها. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

10
  • تطوُّرُ الفلسفةِ اليونانيَّةِ في الحِضنِ الإسلاميِّ

  • إذًا، مَن يقولُ: بما أنَّ الفلسفةَ اليونانِيّة لم تكن داخلةً في الإسلامِ ولم تأتِ من الإسلامِ فهي باطلةٌ، فهذا نفسُهُ قد عملَ بخلافِ حكمِ العقلِ وهو نفسُهُ مجنونٌ، وهؤلاءِ لا نصيبَ لهم من العقلِ. 

  • مُضافًا إلى أنَّ هذهِ الفلسفةَ لم تبقَ هكذا يا عزيزي، لقد جاءت إلى الإسلامِ، وأعاظمُ فلاسفةِ الإسلامِ كالفارابي وابنُ سينا والملا صدرا والشيخُ شهابُ الدينِ السهرورديُّ وصدرُ الدينِ القُونَويُّ ومحيي الدينِ بنُ عربي ومولانا جلالُ الدينِ الروميُّ، هؤلاءِ أخذوها وهضَمُوها ونضَّجوها ومزَجُوها بالمسائلِ الإسلاميَّةِ وعرَضُوها على المباني الإسلاميَّةِ وأصلحوها ووضعوها في متناولِ أيدينا. أربعمائةِ عامٍ وفلسفةُ صدرِ المتألِّهينَ الآنَ تُطرحُ كفلسفةٍ إسلاميَّةٍ. صدرُ المتألِّهينَ كانَ كلُّ افتخارِهِ أنَّنا عرضنا هذهِ الفلسفةَ على مدرسةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، فاذهبوا وانظروا، مُتونُهُ الآنَ موجودةٌ. في أوَّلِ كتابِ الأسفارِ يقولُ: إنَّنا بعدَ الأحاديثِ والجدالاتِ والنقاشاتِ التي أجريناها معَ هذا وذاكَ والمتكلِّمينَ وفلان، في النهايةِ حططنا رِحالَنا عندَ عتبةِ الأئمةِ عليهم السلام.۱ 

  • تنبيهٌ ذكّرني بهِ أحدُ الرفقاءِ، أظنُّ أنِّي أخطأتُ قبلَ ليالٍ إن كنتم تذكرونَ، تحدَّثتُ عنِ العتبةِ وقلتُ فَناء، وفِناءٌ (بكسرِ الفاءِ) هو الصحيحُ. أمّا فَناءٌ (بفتحِ الفاءِ) فتعني العدمَ والمحوَ والزوالَ بنفسِ المعنى الاصطلاحيِّ لها. والعتبةُ هي المدخلُ، والفِناءٌ (بكسرِ الفاءِ) هو الساحةُ أمامَ الدارِ. «إلهي عُبَيدُكَ بِفِنائِكَ» (بكسرِ الفاءِ) لا بفَنائِكَ، «مِسكِينُكَ بِفِنائِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنائِكَ»

  • الملاّ صدرا ومحيي الدينِ: بينَ الفلسفةِ والعرفانِ

  • يقول الملاّ صدرا: بعدَ كلِّ هذهِ المسائل، جِئنا وحططنا رِحالَنا عندَ بابِ أهلِ البيتِ عليهم السلام، ويقولُ: كتاب الأسفارِ الذي أكتبُهُ الآنَ هو بعدَ هذهِ المرحلةِ من مراحل الفلسفة، وأنا أكتبه بتهذيبٍ لها ومراقبةٍ ودقَّةِ. فالملاّ صدرا كانَ مُحدِّثًا، مُطَّلِعًا على جميعِ الأخبارِ، فانظروا إلى تفسيره لتروا كم هو حقًا تفسيرٌ عجيبٌ، فقد كانَ مُطَّلِعًا على جميعِ آراءِ المفسِّرينَ، وعلى الرواياتِ، فهذا هو الملاّ صدرا، هل كان رجلاً قليل الاطّلاع؟! لم يكن الملاّ صدرا يبالي بابن سينا بسببِ مدرسته المشَّائيّة، ولكن عندما كانَ يُريدُ أن يذكرَ اسمَ محيي الدينِ ـ لأنَّ محيي الدينِ ذلكَ العارف الكبير والعظيم ومن مفاخِرِ الإسلامِ، حقًا هو من مفاخِرِ الإسلامِ ـ فانظروا أيّ ألقابٍ كان يأتي بها، أيّ ألقابٍ عجيبةٍ وغريبةٍ يأتي بها لهُ. ثمّ نقولُ هذهِ فلسفةٌ يونانيَّةٌ وليست من الإسلامِ! يا عزيزي صحيح أنّ تلكَ الفلسفةَ يونانيَّة، ولكن هذهِ التي لدينا الآنَ، نبحثُها ونتأمَّلُ فيها بعقولِنا ومنطقِنا، لا بتعبُّدِنا! لا لأنَّ الملاّ صدرا قالَ هذا، فالملا صدرا قالَ ما قالَ لنفسِهِ، فمعَ كلِّ عظمتِهِ واحترامِهِ وجلالةِ شأنِهِ ورفعة مقامِهِ وعظمتِهِ وطهارتِهِ التي اكتسبَها هذا العظيمُ، بالرياضاتِ والمراقباتِ وتهذيبِ النفسِ والاعتزالِ والابتعادِ عن هؤلاءِ العوامِّ الذين هم كالأنعامِ وأهلِ العلمِ الذين لم يدركوا شيئًا والجهلةِ، معَ ذلكَ عندما ندرسُ كلامَهُ نقيسُهُ بعقولِنا، ربّما لا نقبلُ ببعضِهِ أيضًا! فكلامه ليسَ آيةً قرآنيةً ولا روايةَ معصوم، في النهاية هو أيضًا كانَ واحدًا مثلَنا.٢ نعم كان رجلًا عظيمًا وصاحبَ مقاماتٍ ولكنَّهُ لم يكن إمامًا! فالإمام الصادق عليه السلام شيء آخر، والإمامُ الباقرُ عليه السلامشيء آخر، هؤلاءِ الأعاظمُ لهم شأنهم، ولكن أئمَّتُنا لهم شأنٌ آخر. بل إنّ افتخارَ صدرِ المتألِّهين هو أنَّهُ تلميذُ مدرسةِ الإمامِ الصادقِ عليه السلام ولكنَّهُ ليسَ الإمامَ الصادقَ عليه السلام نفسَهُ، ليسَ الإمامَ الباقرَ عليه السلام نفسَهُ! وليسَ هو بالإمامَ الرضا عليه السلام، فالإمام شأن آخر تمامًا. ماذا يعني كلامُ الإمامِ معصومٌ؟ يعني أنّه لوِ انقلبتِ الدنيا رأسًا على عقب، فكلامُ الإمامِ لا ينقلبُ رأسًا على عقبٍ، هذا هو واقع الأمر. لوِ انطبقتِ السماءُ على الأرضِ وصارَ العالمُ كلُّهُ كن فيكونَ، فالكلامُ الذي يقولُهُ الإمامُ الجوادُ عليه السلام لهُ أبديَّةٌ وحياةٌ بأبديّة الله، هذا هو كلام المعصوم. الكلامُ الذي يقولُهُ الإمامُ السجَّادُ عليه السلام باقٍ ببقاءِ اللهِ تعالى. لماذا؟ لأنَّ هذا الكلامَ هو كلامُ اللهِ تعالى، كلامُ اللهِ على لسانِ عبدِ اللهِ، عبدِ اللهِ الصالحِ. ولكن بقيَّة الكلماتِ فيها خليطٌ وفيها جيِّدٌ وفيها مراتبُ من جهة درجةِ النُضجِ ودرجة فعليَّةِ النفسِ الناطِقةِ للمتكلِّمِ، قائلِ هذا الكلامِ. 

    1. قال الملاّ صدرا في الأسفار ج۱ ص ٣۷: وإنّي لأستغفر الله كثيرًا مما ضيّعت شطرًا من عمري في تتبّع آراء المتفلسفة والمجادلين من أهل الكلام وتدقيقاتهم وتعلّم جربزتهم في القول وتفنّنهم في البحث حتّى تبيّن لي آخر الأمر بنور الإيمان وتأييد الله المنّان أنّ قياسهم عقيم وصراطهم غير مستقيم فألقينا زمام أمرنا إليه وإلى رسوله النذير المنذر، فكلّ ما بلغنا منه آمنّا به وصدّقناه ولم نحتل أن نخيّل له وجهًا عقليًّا ومسلكًا بحثيًّا، بل اقتدينا بهداه امتثالاً لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} *حتى فتح الله على قلبنا ما فتح فأفلح ببركته متابعته وأنجح.
      وراجع حول هذا الموضوع: حريم القدس، ص ٦۰ وما بعدها.
      * سورة الحشر(٥٩)، الآية ۷.
    2.  يقول الملاّ صدرا في الأسفار ج۱ ص ٣٦: وإنّي لا أزعم أنّي قد بلغت الغاية فيما أوردته، كلاّ فإنّ وجوه الفهم لا تنحصر فيما فهمت ولا تحصى، ومعارف الحقّ لا تتقيّد بما رسمت ولا تحوى؛ لأنّ الحقّ أوسع من أن يحيط به عقل وحدّ، وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

11
  • كيفَ كانَ السيّد هاشم يُقارِن الفتوحات المكيّة بمراتبَه الوُجوديَّة؟

  • عندما كانَ السيدُ الحدَّادُ رحمه الله يُطالِعُ الفتوحاتِ المكِّيَّةَ، كانَ المرحومُ العلامةُ يقولُ: كنَّا نراهُ يتأمَّلُ أحيانًا، فنسألُهُ: يا سيِّدي ماذا هناك؟ فكانَ يقولُ: إنّي أقيسُ المراتبَ الوجودِيّة لمحيي الدينِ في هذهِ المسائلِ التي يقولُها بمراتبي، فقط كان يبيّن بهذا المقدارِ. ثمَّ وبنحوٍ لطيفٍ ومُؤدَّبٍ جدًّا ورقيقٍ وظريف، كانَ يعرِضُ بعضَ كلامِهِ أيضًا للنقاشِ والسؤالِ والتأمُّلِ، كأنَّهُ لا يقبلُهُ۱، ليسَ لأنَّ كلامَهُ غيرُ صحيحٍ، لا! بل لأنّ كلام السيّد الحدّاد هو أعلى منه مرتبة، وهناكَ فرقٌ كبيرٌ بين أن يكون غير صحيح وأن يكون هناك ما هو أعلى منه، فهذا أعلى، كلامُهُ في محلِّهِ صحيحٌ ومحيي الدينِ لم يُخطِئ، أي في المرتبةِ التي كانَ فيها، كانت رؤيتُهُ وبصيرتُهُ بالنسبةِ للوجودِ والآثارِ الوُجوديَّةِ لذاتِ الحقِّ وأسمائِهِ وصفاتِهِ هكذا، وهذا صحيحٌ أيضًا، ولكن عندما يرتقي الإنسانُ مرتبة أعلى يرى أنَّ الأمر لا يقتصر على ذلك! وهناكَ ما هو أعلى منه أيضًا. فمرَّةً نقولُ: هذا ما نفهمُه نحن، ومرَّةً نقولُ: هذا هو حقيقة الأمر. إذا قلنا: هذا ما نفهمُه، فحسنًا، ولا بأس... أمَّا إذا قُلنا: هذا هو حقيقة الأمر، فسيقولونَ لنا: لا، لا تتسرَّعُوا في الحكمِ، تحلّوا بمِقدارٍ من الصبرِ والتأنّي ولنسر معًا. فالأفضلُ أن يقول الإنسان دائمًا: هذا ما نفهمُه نحن، نحنُ نُدرِكُ هذا، هذا ما وصلَ إلى ذهنِنا، هذا ما وصلَ إلى فكرِنا، بدلَ أن نقِفَ بثباتٍ ونقولَ ملوحّين بالعصا: هذا هو حقيقة الأمر! فقد يقولونَ في وقتٍ ما: ليسَ هذا، وتحدثُ بعضُ المسائلِ. يجبُ على الإنسانِ دائمًا أن يتركَ مجالًا للخطأِ والاحتمالِ. ولكن بعض المسائلِ لا! هي جازمةٌ وقاطعةٌ فيقولها بضرس قاطع. 

  • كلامُ الإمامِ معصومٌ إلى أبدِ الآبادِ، أمّا كلام بقيَّةِ النّاس فمهما كانَ، فإنّه يموت بموتِ صاحبه أيضًا والسلام! هذا من تلكَ الأمورِ الجازمةِ والقاطعةِ. فمهما كانَ الإنسانُ، عُمرُهُ ثمانونَ عامًا، فليكن، ثمانمائةِ عامٍ، فليكن. قرأَ عشرةَ كُتُبٍ ومئةَ كتابٍ ومليونَ كتابٍ، فليكن. بمجرَّدِ أنَّهُ غيرُ إمامٍ، فعندما يموتُ نقول: رحمهُ اللهُ، إن شاءَ اللهُ يرفعُ اللهُ درجاتِهِ عاليًا! فهذا لا إشكالَ فيهِ، والدعاءُ وطلبُ المغفرةِ واحترامُ الأعاظمِ لا إشكالَ فيهِ، ومُراعاةُ الأدبِ الإسلاميِّ لا إشكالَ فيهِ، فكلُّ هذا لا إشكالَ فيهِ وجيِّدٌ ومُستحسَنٌ، ولكن قبول وتقبُّل الشيعيِّ ممَّن يجبُ أن يكونَ؟! هذا ما نتكلّم عنه، يجبُ أن يكونَ من الإمامِ عليه السلام. والآنَ هو إمامُ الزمانِ، والسلامُ. فهذا من تلكَ الأمورِ التي لا شكَّ فيها أبدًا، وهي جازمةٌ وقاطعةٌ. نعم! البقيَّةُ أُناسٌ صالحونَ. بحسبِ مراتِبِهم هم أفرادٌ صالحونَ، غفر الله لهم و رحمهم جميعًا. 

    1.  الروح المجرّد ص ٣۱٦: و كان في هذا السفر كثير الاشتغال في مطالعة كتاب «الفتوحات المكّيّة» لمحيي الدين بن عربي، لا للاستفادة منه، بل لمطابقة محتوياته مع حالاته؛ فكان يمرّ على بعضه مرّ الكرام، و حين كان لا يرى في موضوع ما إشكالًا فقد كان يتعدّاه إلى غيره، و كان ذلك هو الغالب.
      لكنّه لوحظ و هو يعترض عليه أحياناً حين يكون الأمر غير مقبول لديه، و لم يكن آنذاك ليتعدّى هذا المطلب بسهولة، بل كان يتأخّر أيّاماً لمقارنة مطلب الكتاب مع وارداته الحاليّة، قبل اتّخاذ قرار برفض ذلك المطلب أو إمضائه و إقراره.

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

12
  • أيُّ معرفةٍ تُرشِدُنا إلى الإمامِ حقًا؟

  • يقولُ الإمامُ عليه السلام إنّ الأمر يرتبط بمستوى المعرفةِ التي ينالها الإنسانُ، فهذهِ المعرفة التي تقدّمها هذه المدرسة توصِلُني وتُرشِدُني. أمّا بقيَّةُ المعارفِ فلا تُرشِدُني إليهِ، بل تُرشِدُني إلى أشياءَ أخرى. فمثلاً معرفة متى يظهرُ إمامُ الزمانِ، لا تُرشِدُنا إلى إمامِ الزمانِ. وفلانٌ رأى في المنامِ أنَّ إمامَ الزمانِ سيظهرُ في ذلكَ الوقتِ، فما علاقةُ هذا بي أنا؟ وهذا لا يُرشِدُنا إلى إمامِ الزمانِ. فلانٌ كُشِفَ لهُ أنَّ إمامَ الزمانِ سيظهرُ في اليومِ الفلانيِّ، هذا الأمرُ لا يُرشِدُنا إلى إمامِ الزمانِ، يُرشِدُنا إلى جسمِ الإمامِ الظاهريِّ، على فرضِ الصحَّةِ وعلى فرضِ أنَّ هذهِ المسائلَ صحيحةٌ وأنّها رؤيا صادقةٌ ومُكاشَفةٌ واقعيةٌ وصادقةٌ، فهذا ما تفيده أنَّ إمامَ الزمانِ سيظهرُ في ذلكَ الوقتِ، وما شأني أنا! والآنَ ماذا أفعلُ؟ أنتَ الذي تقولُ إنَّ إمامَ الزمانِ سيظهرُ في ذلكَ الوقتِ، اكشِف لي أيضًا هل سأكونُ حيًا حتى ذلكَ الوقتِ، وأنّي لن يسقطَ عليَّ حجر ولن يحصل لي حادث في الشارعِ ولن أُصابَ بالسرطانِ أو بسكتة قلبيَّة؟ فأنا الذي سأموتُ بعدَ عامٍ، إذا ظهرَ إمامُ الزمانِ في اليومِ التالي لذلكَ العامِ، ما الفائدةُ التي تعودُ عليَّ؟ إذن، كلُّ هذهِ المدارسِ وسائرِ المدارسِ الأخرى، كلُّها معرفتُها ليست معرفةً بالإمام، بل معرفةٌ بآثارِهِ، وهي الآثارِ الدُّنيا لا الآثارِ العُليا، ويا ليتَها كانت فقطِ الآثار العليا ... هذا كلُّ ما في الأمرِ! متى سنرى جسمَ إمامِ الزمانِ؟! 

  • لو ظهرَ الإمامُ الآنَ، فماذا سنفعل؟

  • لنفترض أنَّ إمامَ الزمانِ أيضًا الآنَ دخلَ من البابِ وقالَ: يا عزيزي لا تنتظر ظُهوري في ذلكَ الوقتِ، أنا جِئتُ هذهِ الليلةَ، ليلةَ السبتِ، والآنَ ماذا سنفعلُ؟ أنا سأظهرُ بعدَ سبعِ سنواتٍ ولكنِ الآنَ جِئتُ لكم هذهِ الليلةَ، والآنَ ماذا؟ يا ابنَ رسولِ اللهِ جِئتَ، نفديكَ ونُضحِّي بأنفُسِنا من أجلِكَ. يعني معرفةُ الشيعيِّ يجبُ أن تكونَ فقط متى يأتي إمامُهُ ويرى الإمامَ؟ فسيرى إنسانًا جاءَ، رأسُهُ هكذا وحاجِبُهُ هكذا وأنفُهُ وفمُهُ هكذا ولحيتُهُ وقامتُهُ هكذا ولهُ هذا الوزنُ، ولكن كم نفهمُ من علومِ إمامِ الزمانِ؟ هل إمامُ الزمانِ بمجيئِهِ إلى هذا المجلسِ، يُحضِرُ علمَهُ أيضًا أم يُحضِرُ جسدَهُ فقط؟ لا، إنّه يُحضِرُ علمَهُ أيضًا! يقولُ: متى بحثتم عن علمي حتى أُعطيكم إيَّاهُ الآنَ؟ تُريدونَ رؤيةَ جسدي، عيني بُنِّيَّةٌ ولحيتي الآنَ بهذا الحجم، ليسَ لديكم مُشكِلةٌ؟ أنتمُ الذينَ تقولونَ يا ابنَ الحسنِ! هذا كُشِفَ لهُ وهذا رأى في المنامِ وذاكَ ألقى الرملَ وألقى الحمّص وهذهِ المسائلُ، والآنَ رأيتموني، ورأيتم شكلي، حاجبي أسودُ وعيني بُنِّيَّةٌ رماديّة ولوني أسمرُ ووضعي بهذهِ الكيفيَّةِ، فتأمَّلوا جيِّدًا وخُذوا بعضَ الصُّوَرِ أيضًا.

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

13
  • هل رأيتم كم شرحتُ لكمُ الأمرَ؟! فقد فصّلته تفصيلاً حتّى صارت حقيقة الجلساتِ والأحاديثِ التي تلقى في الهيئاتِ واضحة لديكم؟! 

  • أنتم تتكلّمون بهذا الكلام لأجل ماذا؟! يا سيِّدي تُضيِّعُ ساعةً من وقتِ الناسِ لتقولَ إنَّ المرأةَ التي تقتُلُ إمامَ الزمانِ وُلِدَتِ اليومَ! يا إلهي، أطالَ اللهُ عُمرَكَ! نأتي ونُضيِّعُ وقتَ الناسِ، فلانٌ كُشِفَ لهُ أنَّ الآيةَ القرآنيَّةَ الفُلانيَّةَ بحروفِ أبجدٍ تصبحُ هكذا وتُوافِقُ ألفًا وأربعمائةً وكذا، فماذا حدث؟ وفي النهاية تبيّن أنّ جميعها كذب! فماذا يعني كلّ هذا؟

  • كيفَ نتقرَّبُ من حقيقةِ الولايةِ بدلاً من انتظارِ الظهورِ الجسديِّ؟

  • تعالوا وانظروا إلى مدرسةِ العُرفاءِ، تعالوا، فإنّهم يقولون لكم مسائلَ تقتربونَ بها خطوةً نحوَ حقيقةِ الولايةِ، في ذلكَ الوقتِ لن يختلف ظُهورُ الإمامِ وعدمُ ظُهورِهِ بالنسبة لكم، ليسَ أنَّهُ لا يختلف، فبالتأكيدِ هو يختلف، هل يمكنُ ألَّ يختلف الظهورُ وعدمُهُ؟! ولكنَّكم ستكتسِبونَ مُدرَكاتٍ، ستكتسِبونَ قناعاتٍ لن تجعلَكم تلطِمونَ رؤوسَكم هكذا في فِراقِ إمامِ الزمانِ! بل ستُشاهِدونَ الإمامَ بجانِبِكم وتعيشونَ معَ الإمامِ وتجلِسونَ معَهُ وتقومونَ معَهُ، لقد دُعِينا إلى هذهِ المدرسةِ، وطريقُنا سيكونُ طريقَهُ، ومسيرُنا سيكونُ مسيرَهُ، ومُدرَكاتُنا مُدرَكاتٌ تُلقى من ناحيتِهِ على قلوبِنا وأفكارِنا وعقولِنا، فانظروا إلى هذا، لا أن نقولَ: يا ابنَ الحسنِ متى تظهرُ؟سيقولُ الإمامُ: ها قد ظهرتُ الآنَ، ثمَّ ماذا؟! يأتي الإمامُ هذهِ الليلةَ، ليلةَ السبتِ، ويجلس إلى جانبي ويقولُ: حسنًا تفضَّل؟ ألم تكن تلطِمُ رأسَكَ، فلا تلطِم بعدَ الآنَ!! إنَّهم يدعونَنا نحوَ هذا الاتِّجاهِ.

  • الصحابةُ والنبيُّ: هل كانوا معَ الجسدِ أم معَ الروحِ؟

  • ثلاثةٌ وعشرونَ عامًا كانوا معَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله ويتسابقونَ على ماءِ وضوئِهِ، ثمّ ماذا حدثَ بعدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله؟ كلُّ هذهِ الثلاثةِ والعشرينَ عامًا قضوها في الخيالِ وفي الوهمِ معَ النبيِّ، كانوا معَ جسمِ النبيِّ لا معَ روحِهِ! لذا عندما ذهبَ جسمُ النبيِّ، ذهبَ النبيُّ نفسُهُ أيضًا في نظرهم، وأمّا عليٌّ فلا يختلف عنّا أبدًا! فقد كنَّا نتبادلُ السلامَ معَهُ ونأكلُ الطعامَ معَهُ، والآنَ يقتضي الزمانُ وهو رجلٌ عجوزٌ أن يأتوأ بهِ إلى الوسطِ ويجعلوه خليفةً، انتهى أمرُ النبيّ ومضى هذا النبيّ! فمَن كانوا هؤلاءِ؟ كانوا هم أنفُسَهمُ الذينَ عندما كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله يذهبُ إلى الحربِ ويعودُ، يذهبونَ بالدّف والطَّبلِ ويُدخِلونَ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله المدينةَ ويصيحونَ ويُصلُّونَ عليهِ... هؤلاءِ هم أنفُسَهمُ الذينَ عندما كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وآله يغيبُ يومينِ، كانت قلوبُهم تشتاقُ حقًا للنبيِّ، عندما كانت سفرةُ النبيِّ صلَّى الله عليه وآله تطولُ، كانوا يقولونَ يا رسولَ اللهِ اشتقنا إليكَ، وكانوا يقولونَ الصدقَ ولكن فقطِ القلبُ كانَ يشتاقُ وعقولُهم لم تكن تشتاقُ للنبيِّ، أفكارُهم لم تكن تشتاقُ للنبيِّ! فقط قلوبُهم كانت تشتاقُ وعندما يرونَ النبيَّ صلَّى الله عليه وآله، ينتهي الأمرُ ويذهبُ الشوقُ. يُصلُّونَ خلفَهُ صلاةً واحدةً وكأنَّ النبيَّ لم يذهب، كأنَّ النبيَّ كانَ في المدينةِ عشرَ سنواتٍ، بصلاةٍ واحدةٍ وموعظة واحدٍ تنتهي المسألةُ. هذا يُقالُ لهُ القلبُ (العاطفةُ) وذاكَ يُقالُ لهُ العقلُ، هذا يُقالُ لهُ القلبُ (العاطفةُ) وذاكَ يُقالُ لهُ اللُّبُّ، هذا يُقالُ لهُ الإحساسُ وذاكَ يُقالُ لهُ الواقعُ والحقيقةُ. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

14
  • كيفَ نتعامل مع الإمامَ: بالفكرِ أم بالعاطفةِ؟

  • بماذا يجبُ أن يُعرَفَ الإمامُ ؟ بماذا يجب أن نجد الإمام بإحساساتنا أم بعقولنا؟ يجب أن نتعامل مع الإمامَ بفكرِنا لا بإحساسِنا، لا بالعاطفةِ، لا بالحضور بجانب الإمامِ والقولِ والضحكِ والحديثِ معه. اعلموا أنّه بالمستوى الذي تكونونَ عليهِ من المعرفة، فإنّ الإمامُ أيضًا ِ يتحدَّثُ معكم بذاك المستوى لا أكثرَ، فلو كنتم معَ الإمامِ مئةَ عامٍ، فالإمامُ بمقدارِ فكرِكم يتحدَّثُ معكم. ذلكَ السيدُ الذي يقولُ مُكاشفة وهذهِ الأحاديثُ، لو ظهرَ إمامُ الزمانِ مئةَ عامٍ أيضًا ويكونُ معَ الإمامِ، فالإمامُ يتحدَّثُ معَهُ بنفسِ المقدارِ، الإمامُ أيضًا سيتكلّم عن الحمص والفول والرمل والمُكاشفة وما شابه ذلك من هذه الأمور. أمَّا لو جلسَ الإمام عندَ السيدِ الحدَّادِ والمرحومِ العلاّمة، فعن ماذا سيتكلّم؟ ماذا سيكون حديثُه حينها؟ وماذا سيتكلّم؟ وحول ماذا سيكون الأخذُ والرد؟ خلاصةُ القولِ الكلام هنا كثير والبحث طويل. 

  • نأملُ أن يجعلَ اللهُ لطفَهُ في هذا الشهرِ من نصيبَنا ولا ينظرَ إلى ضعفِنا ونقائصِنا، ويكفي أنَّ اللهَ يعلمُ أنَّنا نعلمُ أنَّ الأمرَ غيرُ هذا، هذا المقدارَ نقولُهُ بجزمٍ قاطعٍ، نعم كمُّهُ وكيفُهُ لا نعلمُهُما كثيرًا، صحيحٌ، خصوصيَّاتِهِ لا نعلمُها، صحيحٌ، ولكن بهذا القدرِ نعلمُ أنَّ المعرفةَ التي يتكلّم عنها الإمامُ السجَّادُ عليه السلام هنا، تختلفُ عن معرفةِ أهل الشارعِ والسوقِ، وتختلفُ عن معرفةِ أولئكَ الذينَ يقولونَ إنَّنا لسنا بحاجةٍ إلى المعرفة، ولو كانوا من أهل العلمٍ. أولئكَ الذينَ يقولونَ إنَّ الإنسانَ فقط يجبُ أن يقومَ بالتكاليفِ الظاهريَّةِ ولا يهتمَّ بشيءٍ آخرَ، يختلفُ أمرهم كثيرًا، اختلافًا قدره ما بينَ السماءِ والأرضِ. نحنُ نقولُهُ للّهِ: لقد فهمنا هذا المقدارَ، والآنَ بما أنَّنا فهمنا فأنتَ أيضًا أظهِر ألوهيّتك، نحنُ هذه عبوديَّتنا ولو مجازًا ولو اعتبارًا ولو تقليدًا. نقولُ: يا ربِّ نحنُ في مقامِ العبوديَّةِ فهمنا أنَّ كلامَ الإمامِ السجَّادِ عليه السلام فيهِ شيءٌ آخرُ، هذهِ المعاني غير موجودة في كلِّ مكان، تلكَ المراتبُ التي يتحدَّثُ الإمامُ عليه السلام فيها معَ اللهِ، غير موجودةً في أيّ مكانٍ آخر، تلكَ الدلالةُ التي في هذهِ المعرفةِ، تلكَ الدلالةُ واللَّهِ ليست موجودةً في الأماكنِ الأخرى، هذا فهمناهُ، حسنًا والبقيَّةُ منكَ. والآنَ بما أنَّكَ أصبحتَ إلهًا (يضحك سماحته ممازحًا) فالكرمُ منكَ، والأُلوهيَّةُ منكَ، فلم يجعلوكَ إلهًا عبثًا، لو أردت لما كنت إلهًا! والآنَ بما أنَّكَ أصبحتَ إلهًا فتفضّل علينا، ونقولُ لإمامِ الزمانِ أيضًا هذا! ووليُّكَ هو إمامُ الزمانِ، فالآنَ يجبُ أن يكونَ مُقتضى الإمامةِ واللطفِ والعطف التي للإمامِ (عليه السلام) تجاهَ الجميعِ من نصيبنا نحن أيضًا، نأملُ ألَّا يحرمَنا من رحمتِهِ وتوفيقِهِ. 

هل الفلسفة منفصلة عن الدين؟ - كيف نتعامل مع العلوم غير الدينية؟

15
  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.