12

قيمة المعرفة ومراتبها

العلاقة بين المعرفة والحبّ

35
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/19

جلسات المجموعة(13 جلسة)

التوضيح

ما هو الشرط الأساسي للكمال الإنساني وكيف نمتحن الناس بعقولهم لا بمظاهرهم؟ كيف تكون المعرفة طريقًا للحبّ الإلهي وما هي مراتبها؟ تستعرض هذه المحاضرةُ هذه الأفكار مع قصص توضيحيّة.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • قيمة المعرفة ومراتبها 

  • العلاقة بين المعرفة والحبّ

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة الثانية عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

2
  •  

  •  

  • بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ 

  • والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا

  • أبي القاسم محمدٍ صلّى الله عليه وآله وعلى آله 

  • الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • ورد في الدعاء: «مَعْرِفَتِي يَا مَوْلَايَ دَلِيلِي عَلَيْكَ وَ حُبِّي لَكَ شَفِيعِي إِلَيْكَ.» 

  • الشرط الأساسي للكمال الإنساني

  • لقد تحدّثت معكم أيّها الرفقاء إلى حدٍّ ما حول مسألة المعرفة، وبيّنتُ أنَّ شرط حركة الإنسان نحو مراتب الكمال هو معرفته. فالذي لا معرفة له هو ضالٌّ، و إن كان يتحمّل مسؤوليّةً ما فهو مضلّ أيضاً. كما أنَّ أحد الأسباب المهمّة ـ وإن لم نقل تمام العلّة ـ في انحراف الناس واعوجاج طريقهم هو هذا الجهل وعدم المعرفة، سواء كان جهلاً بسيطًا أم مركّبًا، فيتصدّى الإنسان لهداية الناس وإرشادهم، وبدل أن يتّجه بهم إلى الكعبة ينتهي بهم المطاف إلى تركستان. وهذه مسألةٌ مهمّةٌ جدًّا، وهي قانونٌ فطريٌ وعقليٌ، فالإنسان عبارةٌ عن المعرفة، والإنسان بدون معرفةٍ لا يختلف حاله عن الحيوان، ولا فرق بينهما أبدًا.

  • الإنسان بلا معرفة: هل يختلف عن الحيوان؟

  • قم بزيارةٍ لمستشفيات الأمراض العقلية، تلك الأماكن التي يُحتجز فيها المجانين، لترى صحّة ما أقول. إنَّ من يذهب إلى مستشفى الأمراض العقليّة كمن يذهب إلى حديقة الحيوان، فكما يحمي نفسه من الحيوانات، كذلك يحمي نفسه هنا. فالمجنون لا يفهم شيئًا، و من الممكن أن يصدر أيّ فعل عنه وللمجانين أنواعٌ وأقسامٌ، فبعضهم عدوانيٌ وبعضهم ليس كذلك. على كلّ حالٍ، هل رأيت يومًا إنسانًا عاقلًا يذهب إلى مستشفى الأمراض العقليّة وينام في فنائه مرتاحًا باله طوال الليل حتى الصباح؟ لا أظنّ ذلك ممكنًا. لماذا؟ كأن يُفترض أن يذهب إنسانٌ بين مجموعةٍ من الحيوانات المفترسة، فكيف سيحمي نفسه؟ كيف سيصون نفسه؟ الأمر كذلك هنا. لأنَّ العقل قد سُلب من هذا المسكين، سُلب العقل من هذا الإنسان، وعندما يُسلب العقل، فلا ندري ما الذي يحلّ محلّه، ولكن مهما كان، على الإنسان أن يحمي نفسه ويحذر هنا من سلب هذه الموهبة الإلهية إذ إنَّ إنسانيّة الإنسان بعقله وبمقدار معرفته.

  • لا تنخدعوا بالمظاهر! بماذا يُعرف الإنسان حقًّا؟

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

3
  • كم أكّدت الروايات وتحدّث الأئمّة عليهم السلام ـ ولا حاجة للتأكيد ولكنّهم أفادوا بذلك ـ ألا تنظروا إلى ظاهر أحدٍ، لا تنظروا إلى لحيته البيضاء والطويلة، لا تنظروا إلى كيفيّة تعمّمه، لا تنظروا إلى كيفيّة مشيه مطأطئ الرأس بحالٍ من التواضع والزهد، لا تنظروا إلى عصاه الصفراء أو البنّية أو السوداء ونعليه الأصفرين المتقدِّمين عليه بنصف متر، لا تنظروا إلى هذه الأمور، لا تنظروا إلى انحنائه في المشي وحديثه بصوتٍ خفيضٍ، لماذا؟ فكلّ هذه ظواهر، ظواهر فحسب. أتصدّقون أنَّ أولئك الذين جاؤوا وقطعوا رأس سيد الشهداء عليه السلام كانوا من هؤلاء؟ أتصدّقون؟ لم يكونوا جميعًا من قطّاع الطرق ذوي الشوارب المفتولة. كان عمر بن سعد من هؤلاء، وشريح القاضي وأمثاله كانوا من هؤلاء، أولئك الذين كانوا يأتون مطأطئي الرؤوس، يمشون ببطءٍ، ويدخلون المسجد، ويذهبون، ويمشّطون لحاهم ـ فذلك مستحبٌ أوّلًا ـ ويستاكون بعود الأراك.

  • قصّة مراقبة الأمن لمنزل المرحوم العلّامةرضوان الله تعالى عليه 

  • لقد كان للمرحوم العلّامة دورٌ كبيرٌ جدًا في أحداث سنة اثنتين وأربعين (هجري شمسي) وباختصارٍ في جملةٍ واحدةٍ، كان ثقل ثورة سنة اثنتين وأربعين على عاتقه، وهو أمرٌ لا يُذكر عنه عمدًا. فقد كنتُ طفلًا آنذاك، ولكنّي أتذكّر جميع الأحداث بدقّةٍ. كنتُ في الصفّ الأوّل الابتدائي. كلّ شيءٍ محفورٌ في ذهني، من كان يأتي إلى منزلنا؟ من كان يذهب؟ في أيّ الأوقات كانوا يأتون؟ كانوا يأتون في منتصف الليل. كان هناك مصباحٌ نفطيٌّ صغيرٌ يُشعله حتى لا يلتفت أحدٌ إلى وجود من يأتي إلينا، لأنَّ جهاز الأمن كان قد وضع عدّة أفرادٍ في محيط المنزل لمراقبة حركة الدخول والخروج وما إلى ذلك. أتذكّر كلّ شيءٍ. الكثير من الذين كانوا يأتون قد انتقلوا إلى رحمة الله، وبعضهم لا يزال على قيد الحياة، ولكنّهم لا يتفوهّون بكلمةٍ، هم أحياءٌ ولكن لا يتكلّمون، وباختصار لا زلت أتذكّر كلّ شيءٍ.

  • تحدّيات قيادة الحراك: قصّة عدم تعاون أئمّة الجماعات

  • ذات يومٍ جاء عدّة أفرادٍ إليه وقالوا: «سيّدنا، في هذه المسألة التي نحن بصددها وفي هذا العمل الذي نقوم به، الكثير من أئمّة الجماعات لا يتعاونون معنا، فماذا نفعل؟ مثلًا، لنفترض أنه يجب تعطيل المساجد، يجب تعطيلها بسبب قضيّةٍّ معيّنةٍ، فإن لم تُعطّل فسيفسد الأمر، وسيستغلّ النظام ذلك، وهو يعمل على إعادة الأوضاع إلى طبيعتها، وإبقائها على حالها المعتادة، يريد أن تكون الأوضاع السياسيّة في البلاد طبيعيّةً وهو يفعل ما يشاء. ومن ناحيةٍ أخرى، كان البرنامج الذي بدأ يقتضي أن تشارك الناس فيه، وأن يكون لهم حضورٌ في هذه الأحداث، فمن الذي يُحرّك الناس؟ إنّهم أئمّة الجماعات هؤلاء، إمام جماعة المنطقة الفلانية، يتمتّع بكلمةٌ نافذة، هؤلاء كان لهم كلمة مسموعة، وكلامهم مؤثرٌ. ولكن عندما يصل الأمر إلى مرحلة العمل، ترى أنّه لا يوجد تنسيقٌ! ذلك السيّد فتح مسجده، والآخر كان يجب أن يقول كلامًا معيّنًا ولم يقله، وذاك عارض، والآخر فعل ما يشبه ذلك. فقالوا: ماذا نفعل حقًّا؟ نرى أنّهم لا يدعون الأمر يتمّ».

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

4
  • قصّة لقاء المرحوم العلّامة بالسّيد الخميني واستراتيجيّة التعامل مع المعارضين

  • التقى المرحوم العلّامة بالسيّد الخميني رحمه الله، وجاء إلى قم وطرح عليه هذه المسألة، وهي أنَّ الأفراد لا ينسّقون في العمل الذي نقوم به ويفسدون عملنا ويعرقلونه. فقال السيّد الخميني للمرحوم العلّامة: «يا سيّد محمد حسين، أتتوقّع أن يمهّدوا لنا الطريق في المسار الذي نسلكه؟ يكفي ألّا يلقوا الحجارة في طريقنا، هذا يكفينا. لا ينبغي أن نتوقّع منهم أكثر من ذلك. تعالوا وادخلوا من هذا الباب، قوموا بتوعية الأفراد المرتبطين بهم تجاه هذه المسألة حتّى يبتعد أولئك الأفراد عنهم، وعندما يرى الإنسان نفسه وحيدًا، يضطرّحينها للتسليم والانضمام إلى الجماعة، التفتوا كان هذا من الأحاديث التي لم أذكرها حتّى الآن، ومن الأسرار التي أخبرني بها المرحوم العلامة في أواخر حياته، إنّكم لا تستطيعون إقناع هؤلاء بمواصلة هذا الأمر، لا تستطيعون. عندما يتنحّى المحيطون بهم، أولئك الذين في الجوار، حينها يضطرّون هم أيضًا للتكيّف، فهل التفتم؟»

  • خيانة البعض وتثبيطهم للعزائم: شهادة من كتاب المرحوم العلامة

  • لاحظوا إلى أين يصل الأمر. والمرحوم العلّامة نفسه في كتاب "وظيفة الفرد المسلم في الحكومة الإسلامية"، وهو كتابٌ نفيسٌ جدًّا وفيه الكثير من المواضيع المهمّة، يذكر هناك أنَّ بعض هؤلاء كانوا يكسرون ظهورنا. أي أنّهم كانوا يتعبوننا إلى هذا الحدّ ويعصون الأوامر ويفعلون ما يحلو لهم ويؤذوننا. خلاصة القول، كنّا نُرهق بسببهم، وفي جملةٍ واحدةٍ قال: «عندما دخلنا هذا الطريق أول مرّةٍ، ظننّا أنَّ الجميع سيأتون لمساعدتنا، ولكن عندما وصلنا إلى مرحلة العمل، أدركنا أنَّ من بينهم أفرادًا لا يوجد من هو أكثر منهم إلحادًا»، أو عبّر بعبارة كهذه. فالناس العاديّون عندما تقول لهم شيئًا يقبلون وينطلقون للعمل، بينما أئمّة الجماعات هؤلاء مهما قلت لهم لا يستجيبون. لماذا؟ لأنّ كلّ واحد فيهم يبحث عن مصلحته، عن مسجده، عن مكانته، هذا هو الأمر، يبحث عن هذا.

  • قصّة وفاء المرحوم العلّامة للشيخ الفومني رحمه الله بعد خروجه من السجن

  • هذه مسألةٌ مهمّةٌ. الشيخ محمد تقي الفومني رحمه الله، هل كان هذا اسمه؟ يبدو أنّي نسيت اسمه. من علماء طهران، وكان يصلّي في مسجد لُرزاده في طهران، ميدان خراسان. كان رجلًا صادقًا جدًّا، ومن أولئك الذين كانوا في سنة اثنتين وأربعين مع المرحوم العلّامة ومجموعةٍ مثل الشهيد مطهّري رحمه الله و الشيخ صدر الدين الحائري رحمه الله في شيراز، و السيد الجزائري رحمه الله و السيد محمد علي القاضي الطباطبائي رحمه الله في تبريز الذي استُشهد على يد جماعة الفرقان، وآخرين لا يزال بعضهم على قيد الحياة، والذين كانوا يشكّلون في الواقع هيئة الاتصال، وكان من بينهم هذا الشيخ الفومني (رحمه الله) والذي كان رجلًا صادقًا وصحيح العمل ومن المجاهدين الصادقين، وليس من ذوي الادّعاءات الفارغة، كان من أولئك الثابتين على كلامهم والصادقين وممّن لم يكونوا يبحثون عن مكاسب دنيويّةٍ في أعمالهم. وقد تعرّض للكثير من الأذى في السجن، ويبدو أنّه بسبب الأذى الذي تعرّض له في السجن أُصيب بمرضٍ، بكسرٍ، ثمّ بمرضٍ في الكبد أدّى به في النهاية إلى الإصابة باليرقان وتوفّي.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

5
  • كان قد خرج من السجن، فذهب المرحوم العلّامة لزيارته وأخذ معه قارورةً من عطر قمصر، عطر الورد. فقد ذهب لزيارته بعد أيّامٍ قليلةٍ من خروجه من السجن. وعندما ذهب لزيارته وقدّم له العطر، بدأ هذا الرجل يبكي، وبدأت الدموع تنهمر من عينيه وقال: «يا سيّد محمد حسين، منذ أن خرجت من السجن لم يأتِ أحدٌ لزيارتي، أنت أوّل إنسانٍ يزورني ويُحضر لي قارورة عطر» فهل تلتفتون! هذه هي القضيّة، هذه هي المسألة. 

  • لهذا السبب كان المرحوم العلاّمة ينادي بأعلى صوته: اكتسبوا المعرفة، تعلّموا، لا تذهبوا إلى أيّ مكانٍ ولا تفعلوا كذا في كلّ مكانٍ. هذا لأجل ذلك إذ أنَّ الإنسان ينظر إلى الظاهر والعمامة والحنك المتدلّي والذكر والتسبيح والسجّادة وكلّ هذه الأمور المرتّبة جيّدًا، ولكن ما الخبر في هذا الباطن؟ ما الخبر في هذا القلب؟ ما الخبر؟ هذه الأمور لا يعرفها الإنسان.

  • ميزان التفاضل الحقيقي: كيف نمتحن الناس بعقولهم؟

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام في تلك الرواية العجيبة جدًّا: «لا تنظروا إلى أعمالهم الظاهريّة، فالكثيرون يقومون بهذه الأعمال أيضًا، لا تنظروا إلى أعمالهم، لا تنظروا إلى سلوكهم، لا تنظروا...»، وفي النهاية يقول الإمام عليه السلام اذهبوا وامتحنوا عقولهم، وما مدى عقولهم؟۱ فما مدى تطابق كلامهم مع الموازين؟ والكلمات التي يقولونها ما مدى متانتها؟ هل هي منطبقةٌ على المعايير؟ وما مدى انطباقها على المعايير؟ ما مدى انسجام هذه الأحاديث مع الموازين؟ في النهاية، لا يمكن أن يكون جانبٌ من إنسانٍ صحيحًا وجانبٌ آخر خاطئًا، فإذا كان كلام إنسانٍ منطقيًّا، فإنَّ هذا المنطق يسري في جميع أعماله وسلوكه. إذا كان كلام إنسانٍ متينًا، فإنَّ هذه المتانة في الكلام ـ بحسب مراتبها الخاصة ـ تظهر في جميع علاقاته. ليس فقط في مكانٍ واحدٍ ويغفل في مكانٍ آخر، لا، تلك المتانة وذلك العقل يظهران في كلّ مكانٍ. الإمام السجّاد عليه السلام يقول: «انظروا إلى عقله، ما مدى عمل عقله؟ الكلام الذي يقوله ما مدى مطابقته للواقع؟ هل يتكلّم بكلامٍ ناضجٍ؟ أم بكلامٍ غير ناضجٍ؟ هل يتكلّم بكلامٍ موزونٍ؟ أم بكلامٍ غير موزونٍ؟ اذهبوا وانظروا إلى هذا». فهذا ما يُسمّى بالمعرفة.

    1.  بحار الأنوا، ج ٢ص ٨٤: قال الرضا عليه السلام: قال علي بن الحسين عليهما السلام: إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه فنصب الدين فخًّا لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه. وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرنكم فإن شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرمًا.
      فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدًا لا يغركم حتى تنظروا ما عقدة عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، فإذا وجدتم عقله متينًا فرويدًا لا يغرّكم حتى تنظروا أمع هواه يكون على عقله؟
      أو يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة يترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

6
  • اعرف الطريق لا الأشخاص: وصيّة المرحوم العلّامة الخالدة

  • أوّل شيء كان يوضّحه المرحوم العلّامة في تلك السنوات، للذين كانوا يريدون الانضمام إلى هذه المجموعة هو أنه لا ينبغي النظر إلى الفرد، بل يجب معرفة الطريق. يجب تمييز الطريق. «لا أنا ولا غيري، لا أحد». هذا من كلامه. يجب أن تفهموا ماذا تريدون أن تفعلوا؟ إذا مات اليوم إنسانٌ ما، فهل تنتهي المسألة؟ لا. يجب أن تفهموا أيّ طريقٍ اخترتم، ولماذا تفعلون هذا، وما الهدف الذي تسعون إليه؟ هل هدفكم أن تصلوا أنتم إلى مبتغى ما فيما بعد؟

  • هل هدف الثورات تبديل الأشخاص أم تطبيق المبادئ؟

  • الآن في البلدان، إذا لاحظتم، كلّ أنواع النضال هي من أجل ماذا؟ كلّها من أجل أن يذهب هذا الحزب ويأتي حزبٌ آخر مكانه. وعندما يأتي ذلك الحزب، يُزيح الأفراد والعمّال والموظّفين والرئيس والمرؤوس وكلّ هؤلاء ويضعهم جانبًا، ويأتي بجماعته الخاصّة. ذاك يذهب وهذا يأتي، وهذا يذهب وذاك يأتي، هذا أمرٌ شائعٌ في البلدان. بينما كان المرحوم العلّامة يقول: «لم نأتِ لإسقاط نظامٍ لنجلس نحن مكانه، لا! فهذا خطأٌ، وهذا باطلٌ. ماذا يعني أن نجلس نحن مكانهم ؟ هم يذهبون ونجلس نحن مكانهم؟ الشاه يذهب ونأتي نحن مكانه؟ فماذا يعني هذا؟ فهو أيضًا يقول: أنا لا أريد أن أذهب، فمن سيقبل بهذا؟ إذا كان الأمر مجرّد تغيير أفراد وتبديلهم، فمن سيقبل به؟ يقول سأبقى ما دمت أملك القوّة، وعندما لا أملك القوّة، افعلوا ما شئتم.» لا! هو يقول يجب أن نأتي أوّلًا ونرى ماذا نفعل؟ ربّما يأتي الشاه نفسه إلى هذا الطريق نفسه ويقبل به. نقول له: «تعال أنت أيضًا وانضمّ إلى هذا الطريق، تعال وانضمّ إلى برنامجنا. نحن لا نريد إسقاطك. نحن نريد تطبيق الإسلام. وأنت مسلمٌ، فعلى الأقلّ تدّعي الإسلام، أنت الذي تدّعي الإسلام لست غريبًا عنّا، أنت أيضًا مسلمٌ، فلماذا تقوم بهذه الأعمال المخالفة؟ لماذا تنشر هذا الفساد في البلاد؟ لماذا سلطّت الأجانب على هذه البلاد؟ أنت الذي تدّعي الإسلام، لماذا تفعل هذه الأفعال؟ إذًا تعال وانضمّ إلينا. نحن لا نريد أن نُزيلك من منصبك ونأتي نحن. إذا قلنا نريد أن نأتي نحن، سيقول: نعم! كنتم حتى الآن تدّعون الإسلام، حسنًا، أنا أيضًا سأصبح مسلمًا الآن. فلماذا تريدون إزالتي؟» لذلك، منذ البداية، لم يكن لدى المرحوم العلّامة نيّةٌ لإسقاط النظام. فمنذ البداية كان الهدف في هذا الطريق وفي أسلوب نضاله، هو الإصلاح. أن نأتي جميعًا ونُصلح أنفسنا. أن يأتي شرطيُّنا ويُصلح نفسه، ورئيسنا يأتي ويُصلح نفسه، ووزيرنا يأتي ويُصلح نفسه، والجامعيُّ يأتي ويُصلح نفسه. وهذه النساء غير المحجّبات في الشارع يأتين ويُصلحن أنفسهن، الجميع يُصلحون أنفسهم. هذا كان طرحه، نفس طرح رسول الله صلّى الله عليه وآله بنفس الطريقة.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

7
  • منهج الأنبياء في الإصلاح: هل هو إسقاط الأنظمة أم هداية القلوب؟

  • لم يكن النبيّ صلّى الله عليه وآله ينوي إسقاط الأنظمة، أو تسيير الجيوش لإسقاط نظامٍ هنا وهناك وإسقاط حكم... هذه أفعال نيرون وجنكيز وشابور وداريوس والإسكندر وأمثالهم الذين يذهبون لغزو مكانٍ ما، وعندما يفتحونه إمّا يقتلون ذلك الملك، أو إذا لم يريدوا قتله واستسلم بدون حربٍ، يُبقونه هناك كأحد رعاياهم، يُعيّنونه هناك. فعندما فتح نادر شاه الهند كان أحد بنود معاهدة الصلح التي وقّعها هو أن يبقى ذلك الشاه محمّدٌ في مكانه. وقبل نادر شاه بذلك، وعيّنه على سلطته هناك كدافعٍ للجزية، كأحد الرعايا، وأخذ الغنائم وجاء بها إلى إيران. هؤلاء ملوكٌ دنيويّون، ملكهم هو الدنيا. يُسقطون نظامًا في مكانٍ ما ثمّ إمّا يأتون هم ويستقرّون هناك. وإما يتركوه كإنسانٍ يدفع الجزية.

  • قصّة تعامل النبيّ صلّى الله عليه وآله مع النجاشي: مثال على قبول الآخر

  • لم يكن النبيّ صلّى الله عليه وآله كذلك، فعندما كان يذهب إلى مكانٍ ما، كان يُرسل رسالةً يقول فيها: «إذا أسلمت، أصبحت واحدًا منّا. فلماذا نُزيلك؟ أنت تُصبح منّا، تُصبح أحد أصحابنا، فمن أفضل منك؟ أنت خبيرٌ بذلك المكان، خبيرٌ بتلك الأرض، خبيرٌ بالناس، بل وتُسهّل علينا الأمر، فبدل أن نُرسل أحدًا، أنت موجود». هذا كان مبدأ النبي صلّى الله عليه وآله. لاحظوا، لم يكن يُعاملهم معاملة دافع الجزية، وأنّه يجب أن تدفع الجزية، لا. أنت مسلمٌ ولك ما لنا، نعم! إذا لم يُسلموا أو كان الأمر يتعلّق بالجزية بطريقةٍ ما، فحينها كان الحكم مختلفًا. حسنًا، فبما أنّكم لا تُسلمون، يجب أن تدفعوا الجزية وتفعلوا كذا وكذا، هذه لها أحكامها الخاصّة. كما أنه فيما يتعلّق باليهود والمدن والقرى التي كانوا يفتحونها، كانوا يُطبّقون نفس أحكام الجزية وما إلى ذلك، ولكن إن لم يكن الأمر كذلك وأسلموا حقًّا فلا داعي لذلك، فالنجاشي عندما أسلم، قبله النبيّ صلّى الله عليه وآله وصلّى على جنازته من المدينة! أين كان النجاشي؟ في الحبشة، أين الحبشة؟ إثيوبيا، إثيوبيا الحالية. وأين المدينة؟ كم فرسخًا هي المسافة؟ عندما توفّي، قال النبيُّ صلّى الله عليه وآله في مسجد المدينة: «لقد توفّي النجاشي ويُريدون الآن تشييعه»، ووقف هناك وصلّى على جنازته وهو في إثيوبيا. لاحظوا أيَّ سعادةٍ نالها! أي أنه يقول: «هذا الآن أصبح أحد أصحابنا، أحد أنصارنا، لقد قبِلَ الحقّ ونحن نقبله». فهذا هو منطق رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهذا هو منطق الإمام عليه السلام، هذا المنطق هو الذي يجذب القلوب. هذا المنطق هو الذي يجذب اليهود والنصارى، فما بالك بالمسلمين! لماذا؟ لأنّ هذا المنطق هو منطق الفطرة. هذا المنطق هو منطق الوجدان.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

8
  • الهدف الأسمى: الوصول للكمال لا الفتح والغنيمة

  • عندما يفهم ذلك الإنسان أنَّ الهدف من هذه الأمور ليس تسيير الجيوش وفتح البلدان والفتوحات وما إلى ذلك، بل المقصود هو الوصول إلى الكمال، الوصول إلى الواقع، ويفهم هذا الأمر. إذا أدرك هذا، أصبح جزءًا، أصبح من المقرّبين، أصبح من الأصحاب، أصبح واحدًا منهم. حسنًا، الآن إمّا أن يقول النبيُّ صلّى الله عليه وآله إنَّ من مصلحتك أن تذهب، أو لا بل ابق مكانك واحكم وفق هذه الشروط. يجب أن تحكم وفق هذه المسائل. هذا كان منطق المرحوم العلّامة في ثورة سنة اثنتين وأربعين، كان يقول للذين يأتون: «نحن لا نريد تأسيس أحزابٍ وما شابه ذلك، نحن نريد الإصلاح. فهل أنتم على هذا الأساس أم لا؟ ولا ينبغي الاعتماد على الفرد. اليوم توفّي إنسانٌ ما، ذهب وانتهى الأمر. الاعتماد على الفرد يسلب الإنسان مشاعره، فلا يستطيع التفكير بنفسه، فقط ينتظر ليرى ماذا قال فلان، وماذا يأمر فلان، وماذا يفعل فلان؟ وحينها كل ما يفعله فلان يُصبح صحيحًا. يقولون له مرارًا: يا عزيزي هذا خطأٌ، فيقول: لا! إنه صحيحٌ. دليلٌ واحدٌ، دليلان، ثلاثةٌ، أربعةٌ، خمسةٌ... كفى، واحدٌ منها كان كافيًا، لماذا لا يقبل بها؟ لأنَّ فلانًا قال ذلك». هذه مسألةٌ كان المرحوم العلّامة يُؤكّد عليها في ذلك الوقت، وهي أنه لا ينبغي الاعتماد على الشخص. يجب أن تدركوا بأنفسكم ماذا تفعلون. قد لا تتمكّنون من الوصول إلى فلان، لا تتمكّنون من الوصول إلى إنسانٍ ما، حسنًا، فليكن أنّكم لا تتمكّنون، فماذا يجب أن تفعلوا؟ هل تلطمون رؤوسكم؟! يجب أن تفعلوا شيئًا ما، قد ينقطع اتّصالكم، يجب أن تعرفوا ماذا عليكن أن تفعلوا.

  • كان البعض يتّصل أحيانا بالمرحوم العلّامة في أواخر حياته، ويقول: سيّدنا، هل أفعل كذا؟ فكان يقول: «يا عزيزي، أنا أشرح لكم منذ عشرين عامًا، اذهب وقل له إنّني أشرح منذ عشرين عامًا ولم تفهم بعد ماذا تفعل؟! هل هناك ضرورة للاتّصال في كل قضيّةٍ والقول: سيّدي، ماذا نفعل في هذه القضيّة؟! فماذا كنت أفعل حتّى الآن؟

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

9
  • أيّها السالك، فكّر بعقلك! لا تكن مجرّد تابع

  • فلا ينبغي للسالك أن يُغلق عقله ومشاعره ويُركّز فقط على كلام زيدٍ وعمروٍ، فيقبل كلّ ما يقال، وإن لم يقل شيء يبقى مكتوف الأيدي حتى يرى ما يُقدّر الله له، لا! ليس الأمر كذلك. بل يجب على السالك أن يفتح فكره ويُشغّل عقله ويفعل ما يبدو له صحيحًا. فهل كان المرحوم العلّامة يسأل السيّد الحدّاد رحمه الله عن كلّ ما يفعله؟ لا يا عزيزي! أنا ابنه، وفي هذه الليلة من شهر رمضان المبارك، ليلة السادس والعشرين من شهر رمضان، أشهد أنّه كان يطرح على السيّد الحدّاد رحمه الله فقط المسائل المهمّة والحيويّة، وكان يتّخذ القرارات بنفسه في باقي الأمور، ولم يكن الأمر كذلك، لا. لا تقولوا إنه كان لديه اتصالٌ قلبيٌ، الجميع لديهم اتصالٌ. كل من يُخلص نيّته سيكون لديه اتصالٌ في تلك اللحظة، الاتّصال ليس شيئًا يُوصلونه بأسلاكٍ إلى منازلكم، لا يا عزيزي! بمجرّد أن تُخلص النيّة وتُزيل الحجب والموانع بينك وبين الله وتضع نفسك في دائرة الإخلاص، صافيًا ونقيًّا، سيكون السلك متّصلًا، متّصلًا. وسيتّضح لنا الأمر بطريقةٍ ما. 

  • أمّا إذا خدعنا أنفسنا وكان لنا غرض نفسي في بعض المسائل بحيث حاولنا أن نرضي السيّد الأستاذ بنحو ما، ولكن نفعل ما تهواه أنفسنا فحينها سيضيّق الله علينا الأمر بحيث لا نستطيع حلّ المشكلة ولو بسبعة أنواع من الرمل والاسطرلاب، وسيعقّدها إلى هذا الحدّ وبهذا الشكل بحيث إذا ما أردت أن تنجو من الغرق في هذه المشكلة وأن تأخذ نفساً ستغرق مجدّدًا وستسقط على أمّ رأسك، ستفحص بيديك ورجليك في الماء، قد تصعد قليلاً ولكن لن يدعك الله تأخذ نفَسًا، وستغرق مجدّدًا، أتعرف لماذا؟ لأنّك أردت أن تهزأ من الله وتخادعه، فالله يقول وأنا أجيد المكر والاستهزاء أيضًا، وسنرى لمن السبق والغلبة. ولكنّ الإنسان يخفي الحقائق ويحاول تقليب الأمر. والشواهد على هذه المسألة كثيرة.

  • هناك الكثير من الشواهد على هذه القضيّة، والحكايات على هذه المسألة، وهي أنّه كيف إذا أسلم الإنسان نفسه لله فإنّه يأخذ بيده، وأنا شخصيًّا، مع بضاعتي المُزجاة هذه، جرّبت هذا الأمر كثيرًا، جرّبته لدرجةٍ أنّه تجاوز مرحلة التجربة، والحاصل أنَّ كلّ بلاءٍ يُصيبنا هو بسبب أنّنا لسنا صادقين بيننا وبين الله، لسنا صادقين. فإذا جئنا وأصلحنا الأمرحقًّا، ولم نغضّ الطرف عمّا هو موجودٌ، ولم نقم بالتبرير، عندما نريد أن نقوم بعملٍ ما، لا تأتي النفس وتُزيّن لنا الجوانب الجيّدة، الجوانب التي يمكن أن تُقنع بها نفسها، فنستعرض تلك الجوانب أمامنا، ونحتفظ بالجوانب الضارّة والمانعة في مؤخّرة الصندوق، ولا ندعها تظهر، نحتفظ بها ونُقلّل من شأنها، وفي النهاية نتّخذ قرارنا من هذا الجانب. يقول الله: «حسنًا، اتّخذت قرارك، فاذهب ونفّذه! لا بأس». كلّ هذا لماذا أيّها السادة؟ كلّ هذا لأنّنا لا نريد أن نقبل ما هو حقيقةٌ. لا نريد أن نقبل تلك الحقيقة.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

10
  • المعرفة مفتاح الوصول إلى الله

  • المعرفة هي سبب الوصول إلى المطلوب، على الإنسان أن يكتسب المعرفة بطريقه ومساره. وبدون معرفةٍ لا فائدة، ولا نتيجة. الحركة في الظلام هي ذهابٌ في حيرةٍ ولا فائدة منها. هذه المعرفة، كما ذكرنا، تُصبح دليلًا على ذات الله تعالى. تُصبح دليلًا على تلك الحقيقة اللامتناهية التي لا حقيقة فوقها، دليلًا عليها. والفرق بين "عليك" و"إليك" قد تمّ توضيحه للرفقاء في الليالي الماضية، فالإمام عليه السلام لا يقول: «معرفتي يا مولاي دليلي إليك»، بل يقول: «عليك»، عليك أنت، ذاتك أنت، على ذاتك هي معرفتي، أنا لا أتنازل عن ذاتك، ولا أتعلّق بآثارك. لماذا هو كذلك؟ لأنّك أنت جعلته كذلك.

  • سرّ تفضيل الإنسان على جبرائيل عليه السلام

  • هذا الكوب ليس لديه القدرة على تحمّل الصدمات، ولكنّ هذا الإبريق لديه القدرة على تحمّل الصدمات. فإذا أسقطت هذا الكوب من ارتفاع مترٍ واحدٍ، فسينكسر، لا يتحمّل، سعته بهذا القدر. ولكن إذا أسقطت هذا الإبريق من ارتفاع مترٍ واحدٍ، فربّما تظهر فيه آثار الصدمة ولكنّه لن ينكسر. لأنَّ هذا حديدٌ وذلك زجاجٌ. هذه الحالة التي جعلتها فيّ يا الله تختلف عن حالة جبرائيل عليه السلام، فجبرائيل عليه السلام دليله هو إليك، أمّا أنا فدليلي هو عليك. جبرائيل عليه السلام لديه أسماؤك وصفاتك ولكنّه لا سبيل له إلى الذات. أليس لدى جبرائيل عليه السلام علمٌ؟ أليس كلّ علم الأوّلين والآخرين هو بواسطة جبرائيل عليه السلام؟! ألم يكن الوحي الذي كان ينزل على الأنبياء بواسطة جبرائيل عليه السلام؟ ألم يكن كذلك؟ أليس عزرائيل عليه السلام مظهر اسم الله المُميت؟ كلّ ما يحدث له تغيّرٌ جوهريٌ في العالم، يحدث بواسطة اسم المُميت، سواء خرج من هذا العالم أم لم يخرج ولبس لباسًا آخر، فاسم المُميت، واسم المُحيي، يُغيّر واحدًا ويأتي بآخر مكانه. حتّى الأنبياء قبض أرواحهم عزرائيل عليه السلام هذا. حتّى رسول الله صلّى الله عليه وآله قبض روحه عزرائيل عليه السلام هذا. ولم يستأذن عند قبض أرواح الأنبياء، ولكنّه استأذن فقط عند قبض روح رسول الله صلّى الله عليه وآله وحده، وقال: «أنت الوحيد الذي يجب أن أستأذن منه يا رسول الله! فهل تأذن أم لا؟» هذا عزرائيل عليه السلام، ولكنّه مظهرٌ للاسم وليس مظهرًا لذات الله تعالى، هو اسمٌ، اسم المُميت، جبرائيل عليه السلام مظهر اسم علم الله تعالى، وليس مظهرًا للذات نفسها.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

11
  • قصّة توقّف جبرائيل عليه السلام في المعراج: ما هي حدود سعة الوجود؟

  • لذلك يصل رسول الله صلّى الله عليه وآله في المعراج، حيث تتحرّك القوى الباطنيّة والسريّة وتطوي العوالم الربوبيّة، إلى مكانٍ لا يستطيع جبرائيل عليه السلام، الذي هو مظهر الأسماء، أن يبلغه. فإلى أين كان يريد رسول الله صلّى الله عليه وآله أن يذهب حيث لا يوجد اسمٌ آخر هناك؟ أليس جبرائيل عليه السلام هو الأوّل والآخر؟ فلماذا قال جبرائيل عليه السلام أنا لا أستطيع؟ ماذا يعني لا أستطيع؟ هل يعني أنَّ قوّتي لا تصل؟ مثلًا، لا أستطيع أن أطير الآن أم ماذا؟ لا، بل إنَّ سعتي الوجودية لا تسمح بأكثر من هذا المقدار، أنا الآن أصبحت هذا الكوب. وأنت يا رسول الله الآن حديدٌ، سعتي لا تسمح. 

  • سأضرب مثالًا. يقولون عندما يريد جسمٌ ما أن يعبر الطبقة الموجودة على بعد مائة كيلومترٍ من الأرض، فإنّه يذوب، يجب أن يكون الجسم بطريقةٍ ما بحيث يستطيع تحمّل الحرارة الشديدة جدًّا التي تنشأ بسبب الاحتكاك بتلك الطبقة. وإلا فإنَّ أيّ شيءٍ آخر يذوب. هذه المركبات الفضائية التي تريد أن ترتفع إلى الأعلى، يضعون مادّةً على سطحها، سبيكةً يمكنها تحمّل هذه الحرارة العالية جدًّا. فلنفترض أنّها لم تكن كذلك! وكانت حديدًا عاديًّا أو حديد زهرٍ عاديًا أو خشبًا عاديًا، فبمجرّد أن تريد العبور، ماذا يحدث؟ تذوب وتنسكب. ليس لديها سعةٌ، لا تحتمل. لا يستطيع هذا الطائر الذي يريد أن يمرّ من هنا، أن يعبر من هذه النقطة، وإذا أراد أن يعبر يحترق. 

  • اگر ذره‌ای زین نمط برپرم***فروغ تجلّی بسوزد پرم 
  • يقول: 

  • لو طرتُ ذرّةً من هذا النمط *** لأحرقني نور التجلّي. 

  • من هنا حيث أريد أن أعبر، لا أستطيع، فأشعّة الشمس نتيجة الاحتكاك بهذا الجرم، تُولّد حرارةً لا يمكنني تحمّلها. 

  • فإذًا، لقد تجاوز رسول الله صلّى الله عليه وآله مراتب الأسماء، تجاوزها. والإمام عليه السلام كذلك، والأولياء الإلهيّون الذين هم في مرتبةٍ وتحت لواء الإمام عليه السلام كذلك، لأنّني هكذا يا الله، أنت جعلتني هكذا.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

12
  • المعرفة والحبّ: أيّهما يسبق الآخر؟ ولماذا؟

  • لذلك يقول الإمام السجاد عليه السلام: معرفتي بذاتك هي دليلي ومرشدي إليك. فلأنّني اكتسبت معرفةً بك، وهذه المعرفة هي سبب ماذا؟ الحبّ. لذلك، يذكر الإمام عليه السلام المعرفة أولًا، فلأنَّ لديّ معرفة فإنّ «حُبِّي لَكَ شَفِيعِي إِلَيْكَ»، ومحبّتي لك تُصبح شفيعي. فهذه المحبّة هي بسبب المعرفة. فلو لم تكن لديّ معرفةٌ بك يا الله، هل كنت سأُحبّك؟ من أين نشأت هذه المحبّة؟ ممَّ نشأت هذه المحبّة؟ عندما يحبّ إنسانان بعضهما، ممَّ تنشأ محبّتهما؟ هل يمكن أن يكون أحدهما في مدينةٍ والآخر في مدينةٍ أخرى، لا هذا يعلم عن ذاك ولا ذاك يعلم عن هذا، ومع ذلك يحبّ أحدهما الآخر؟! هذا ليس أمرًا معقولًا. فكم من الناس الآن في طهران يمشون في الشارع، هل تُحبّونهم؟ أصلًا لا ندري من هم. الآن في الساعة العاشرة إلا ربعًا، لنفترض أنَّ ألف إنسانٍ يمشون في شارع انقلاب، وأنا لا أعلم عنهم شيئًا. هل هم نساءٌ أم رجالٌ؟ وصغارٌ أم كبارٌ؟ ومسلمون أم يهودٌ أم نصارى؟ ليس لديّ أيّة معلوماتٍ، لا شيءٌ. وعندما لا يكون لديّ معلوماتٌ عن إنسانٍ ما، فإنَّ محبّتي له ستكون عبثًا. لأنَّ المحبّة تأتي على أساس المعرفة. ويجب أن يكون لديّ معرفة بالمحبوب الذي أُحبّه. أحيانًا يرى إنسانٌ ما إنسانًا آخر في الشارع هكذا، فيُعجبه، حسنًا هذه هي أوّل مرتبةٍ من المعرفة، أنه رأى شيئًا ما، إنسانًا ما، والآن بمجرّد الرؤية يُعجبه. لا يعلم من هو هذا؟ ما هو هذا؟ ما هي أخلاقه؟ ربما تكون أخلاقه سيّئةً جدًّا بالمناسبة. ثمّ يقول: «يا إلهي، لقد أخطأت عندما أحببت هذا أصلًا! يا ليتني لم أُفكّر به أصلًا». لا تعلم عنه شيئًا! رأيت هذا الإنسان وتعلّقت به. ثمّ عندما يتواصل معه قليلًا ويتحدّث معه، يرى أنه لا يستحق كلّ هذا الاهتمام. شكرًا جزيلًا، هل لديك أيّ عملٍ؟ آه يا سيّدي؟ جئت وسلّمت عليّ..! شكرًا جزيلًا. بهذا المقدار... إن شاء الله أراك، سأتّصل بك، هل أتّصل أنا أم أنت؟ «لا لا، أنا سأتّصل». يرى أنّه لا يمتلك شيئًا يستحقّ. فيذهب ويتحدّث مع إنسانٍ آخر فيرى أنَّ كلامه، موضوعه، يكشف عن أنّه إنسانٌ ذا فهم يمكن الاستفادة منه، ثمّ يتقرّب منه أكثر ويتواصل معه أكثر، ويرى أخلاقه وسلوكه، فيقول: كم هو إنسانٌ رؤوفٌ، كم هو إنسانٌ متسامحٌ، كم هو إنسانٌ سخيٌّ، كم هو إنسانٌ حسن المعشر، كم هو إنسانٌ يُراعي الآخرين. فهل ترون؟ شيئًا فشيئًا، عندما تزداد هذه العلاقة، تزداد معرفة الإنسان به، فتزداد محبّته له أيضًا. بعض الأفراد يشعرون أنَّ هذا القدر كافٍ وهذا المستوى، وإذا أرادوا أن يُظهروا له الزيد من المحبّة، مثلًا، فقد لا يحتمل. فيقول: حسنًا، هذا المقدار كاف. وبعضهم يريد أكثر وبعضهم أقلّ، فالأفراد تختلف أحوالهم واستعداداتهم الخاصّة، سواء المحبوب نفسه أو الطرف الآخر، تختلف إمكانيّاتهم وتلك الآثار الوجودية التي فيهم، فهذا عاملٌ، والعامل الآخر هو مقدار معرفة الطرف الذي يريد أن يُحبّه. فهذان العاملان يُؤديّان إلى حدوث تعلّقٍ للإنسان. فيحدث ارتباط.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

13
  • عندما تنقلب المعرفة: قصّة الخيبة بعد حسن الظن

  • في بعض الحالات، يرى الإنسان أنّه يا للعجب! يا له من خطأٍ ارتكبه! أي أنَّ معرفته كانت خاطئة، كان يظن أنَّ هذا إنسانٌ جيدٌ، يظنّ أنّه إنسانٌ منصفٌ، يظنّ أنه إنسانٌ ذو سعة صدرٍ، يظنّ أنّه إنسانٌ ذو فهمٍ. فجاء واستثمر فيه ووضع إمكانيّاته عليه. وبعد فترةٍ رأى أنّه لا يستحقّ! ولا يملك شيئًا أصلًا، وفجأةً ينزلق ويُصاب بخيبة أملٍ فجأةً. وهذا يحدث كثيرًا، يحدث كثيرًا، يأتي امتحانٌ، فيرى أنّه خلاف ما كان يتوقّع! والتصوّر الذي كان لديه ليس صحيحًا، لقد بالغ في التفكير فيه، بالغ في وضع الثقة فيه بناءً على معرفته. طبعًا، العكس صحيحٌ أيضًا، ففي كثيرٍ من الحالات لا يُدرك الإنسان ما في الآخر ولا يقوم بالارتباط اللازم معه. ولكن على كلّ حالٍ، يجب أن توجد هاتان المسألتان معًا، فعندما يكتسب الإنسان معرفةً بإنسانٍ ما، بقدر ما يكتسب من معرفة، يرتفع مقدار محبّته له.

  • محبّة وليّ الله: ما هو سرّ هذا العشق؟

  • هذا الأمر عجيبٌ جدًا فيما يتعلّق بالمسائل والأمور المعنويّة. لماذا يُحبّ الإنسان وليّ الله؟ لماذا؟ لماذا يُحبّه؟ لماذا يُحبّ الإنسان الإمام عليه السلام؟ هذه المحبّة التي لدينا الآن بإمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهذه المحبّة التي لدينا بإمام الزمان، هل امتحنّا أنفسنا لنعرف مقدارها؟ ولأيّ سببٍ هي؟ ولماذا نُحبّ إمام الزمان؟ هل لأنّه إمامٌ؟ حسنًا، هو إمامٌ، ولكنّنا لا نرى الإمام أصلًا، أيّ إمامٍ هذا الذي لا نراه أصلًا؟ لا نراه، وهو يُمارس إمامته لنفسه، فماذا نفعل نحن؟ هو إمامٌ، حسنًا، هو إمامنا، ويُمارس إمامته لنفسه. أي لو أردنا الآن أن ننظر إلى المعرفة العاميّة والجماعيّة والكليّة للأفراد تجاه إمام الزمان، فماذا ستكون النتيجة؟ لن نحصل على أكثر من هذا المقدار. في أفضل الأحوال، إذا توسّلنا بإمام الزمان مع أنّه غائبٌ، فإنه يستجيب لتوسّلنا ويشفي المريض. فلو توسّلنا ولم يحدث شيءٌ، فستنتهي محبّتنا. هل رأيتم؟ ألم تروا؟ بعض الأفراد عندما يتوسّلون ولا يُستجاب لهم، ماذايُصيبهم؟ أنا شخصيًا رأيت ذلك. أصلًا، قد يكفرون بإمام الزمان ـ نعوذ بالله ـ بعد ذلك! حتى أنّنا كنّا في مجلسٍ وقد فقدوا شابًّا، وكانت هناك بعض النساء وكان المرحوم العلّامة حاضراً أيضًا. فقالت إحداهن: «إمام الزمان هذا لم يفعل لنا شيئًا، يقولون توسّلوا به». فقالت لها أخرى: «يا سيّدتي، لا تكفري ولا تقولي كذا». أي أنَّ هذه المسكينة كانت في حالةٍ سيّئةٍ، فزادت حالتها سوءًا. قالت: «توسّلنا كلّ هذا، فماذا حدث الآن؟» هل من المفترض أن يجلس إمام الزمان ويستمع إلى كلّ ما تقولونه؟ العالم له حسابٌ، حسابٌ وكتابٌ، والآن يجب أن يذهب شابّكم، لو ذهب شابّ جاركم، هل كنتم ستقولون هذا الكفر؟ لأنَّ الأمر يتعلّق بكم فأنت منزعجة، والآن جاركم هذا لديه نفس الشعور تجاهكم، يقول: «حسنًا، لقد ذهب منهم، فما شأني أنا؟» لا! هذه ليست معرفة. هذه المعرفة عاديّةٌ. وعلى هذا الأساس، فإنَّ محبّة الناس لإمام الزمان هي بهذا القدر فقط، هذا كلّ شيءٍ! إمامٌ موجودٌ خلف الجبال ويُغيّر مكانه كل يومٍ ولا أحد يعلم عنه شيئًا، متى شاء يأتي. ونحن أيضًا نتوسّل، أحيانًا يستجيب وأحيانًا لا، متى شاء استجاب، إن لم يكن مشغولًا... كان أحد السادة يقول لآخر: «عندما تذهب لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، فاذهب في وقتٍ يكون فيه المكان خاليًا!» وهو من السادة المعروفين أيضًا. لأنَّ الإمام الرضا عليه السلام في ذلك الوقت لا يكون مشغولًا! تمامًا... كان يقول ذلك بجدّ، والآن الرفقاء يضحكون، ولكنه كان يقول ذلك حقًّا. كان يقول: «الإمام الرضا عليه السلام في ذلك الوقت لا يكون مشغولًا، ويعرف الأفراد الذين يأتون إلى حرمه، أما إذا ذهبت في وقتٍ يكون فيه المكان مزدحمًا، فلا! خلاصة القول، قد يفلت أحدهم، أو يضيع أحدهم في الزحام، أو يفعل كذا وكذا اثنان منهم». حسنًا، هذا يُريد أن يهدي الناس إلى الإمام الآن. وهو نفسه لا يُفرّق بين الإمام الرضا عليه السلام وبين مشهدي حسن بائع اللبن بمقدار يسير، يظن أنَّ الأمر كاجتماع الناس حول إناء اللبن والزبادي، فيقول أحدهم: «يا سيّدي، لم يُراع الدور، يا سيّدي، كذا...!» فيقول: «حسنًا، تعال إلى الأمام لأراك»، حسنًا، الإمام الرضا عليه السلام أيضًا كذلك، هو أيضًا في نفس الوضع.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

14
  • ثواب زيارة الإمام الرضا عليه السلام: هل هو للجميع أم لأهل المعرفة فقط؟

  • هنا حيث ورد في الرواية أنَّ من يزور الإمام الرضا عليه السلام فله ثواب حجّةٍ وعمرةٍ مقبولةٍ، ثواب عشر حججٍ وعشر عمراتٍ مقبولةٍ، ثواب مئة حجّةٍ وثواب ألفٍ، ثم يقول الإمام عليه السلام: «أصلًا لا يُحسب!» هذا لأيّ شيءٍ؟ لمراتب المعرفة. هذا السيّد إذا ذهب لزيارة الإمام الرضا عليه السلام فثوابه واحدٌ! ماذا أقول، ثواب حجّةٍ وعمرةٍ كثيرٌ جدًا! يُعطونه ثواب الذهاب إلى حديقةٍ والتنزّه، إذا أراد الكثير. لماذا هو كذلك؟ لأنَّ المعرفة التي اكتسبناها لم تكن معرفةً، كانت مجرد اهتمامٍ بسلسلةٍ من المصطلحات، اهتمامٍ بسلسلةٍ من الأمور الظاهريّة، اهتمامٍ بسلسلةٍ من مسائل الأفعال. فيما يتعلّق بالولاية، بحقيقة الإمام عليه السلام، بنور تجلّي الله تعالى في هذا الاسم الأعظم، بالوساطة في فيض عالم الوجود، أصلًا هذه المواضيع لم تصل إلى أسماعنا ولا نريد أن تصل، نهرب منها، لذلك نقول ماذا؟ لذلك نقول إنَّ مشهدي حسن بائع اللبن لا يقول كلامًا كهذا، كما قلت قبل ليلتين أو ثلاثٍ، فما بالك بأن يأتي الإمام عليه السلام ويقول: «طلّق زوجتك». مشهدي حسن بائع اللبن لا يقول كلامًا كهذا. في حين أنه يزور الإمام الرضا عليه السلام كلّ يومين أو ثلاثةٍ، ويقرأ الزيارة: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ جَاهَدْتَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَ عَمِلْتَ بِكِتَابِهِ...» ويبدأ هكذا ولكن ماذا؟ هذا، «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِينَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ» أي أمانةٍ هذه التي تقولها الآن للإمام الرضا عليه السلام؟ أنت أمين الله في الأرض، وحجّته، من يمكن أن يكون هذه الحجّة؟ نقرأ هذه الأمور هكذا ونذهب، قالوا اقرأوا ونحن نقرأ، وليس علينا تكليفٌ أكثر من هذا.

  • معرفة الله ومحبّته: دعاء أمير المؤمنين عليه السلام الخالد

  • بناءً على ذلك، فإنَّ تلك المعرفة التي تحصل بذات الله تعالى، تلك المعرفة تجلب معها المحبّة للّه تعالى. لماذا كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: «إلهي لا تحرمني من وصلك حتى لو أردت أن تلقيني في النار فألقني؟»۱ لماذا؟ لماذا يقول أمير المؤمنين عليه السلام هذا الكلام؟ هل يقوله هكذا مثلنا؟ حسنًا، نحن أصلًا لماذا نقوله؟ وهو لماذا يقوله؟ الآن أمير المؤمنين عليه السلام لديه معرفةٌ بالله، حسنًا فليكن لديه معرفةٌ، فهل يجب أن يقول هذا الكلام إن كان لديه معرفةٌ؟ وهل يجب على من لديه معرفةٌ بالله أن يقول: «حتى لو ألقيتني في جهنم فألقني، ولكن لا تحرمني من وصلك؟ لا تحرمني من النظر إلى كرامتك؟» لماذا يقول كلامًا كهذا أصلًا؟ أليست النار مُحرقةً؟ أليست جهنّم مُحرقةً؟ فهل أراد أمير المؤمنين عليه السلام لا سمح الله أن يُبالغ؟ أن يُفرط في الكلام؟ هل أراد ذلك؟ لا! فأمير المؤمنين عليه السلام يقول الصدق ولا يمازح الله، لماذا؟ لأنّه من معرفته بالله نشأت له محبّةٌ بحيث لو أرادت تلك المحبّة أن تزول بمقدار رأس إبرةٍ، لقال أمير المؤمنين عليه السلام ألف مرّةٍ: «لأن أفنى أنا خيرٌ من أن تهتزّ هذه المحبّة، وأن يتغيّر هذا الارتباط. أن يتغيّر هذا التعلّق قليلًا، أن يتحرّك طرف خيطٍ منه». يقول: «خذني إلى جهنم ولكن كن محبوبي، ولتبق تلك المحبّة محفوظة وأينما شئت فخذني، تُريد أن تأخذني إلى الجنّة، أو تُريد أن تأخذني إلى جهنّم، أو تُريد أن تلقيني في الصحراء، أو تُريد أن تأخذني إلى المدينة. أو إلى أيّ مكان شئت...! كن محبوبي، ولا يهمّني أين أكون».

    1.  بحار الأنوارج ٦٧، ص ١٩٦ دعاء كميل بن زياد: فهبني يا إلهي وسيدي صبرت على عذابك، فكيف أصبر على فراقك؟ وهبني صبرت على حر نارك، فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك؟

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

15
  • أصحاب الحسين عليه السلام: هل طلبوا الجنّة أم طلبوا الحسين عليه السلام؟

  • أصحاب سيّد الشهداء عليه السلام لم يأتوا إلى الإمام الحسين عليه السلام من أجل الجنّة، بل جاؤوا من أجل الإمام الحسين عليه السلام نفسه. لو كانوا قد جاؤوا من أجل الجنّة، لما كان لذلك قيمةٌ، لا قيمة له. المزاح الذي كانوا يتفوّوهون به مع بعضهم البعض كان مزاحًا، لا تأخذوه على محمل الجدّ. مثلًا، مسلم بن عوسجة رحمه الله في تلك الليلة كان يمزح قائلًا: «غدًا سنذهب ونحظى بلقاء الحور العين»، وكانوا يضحكون معًا. كلّ هذا كان مزاحًا...! هم كانوا يُريدون الإمام الحسين عليه السلام فقط. ولو قيل لهم: «حسنًا، أنتم تُريدون الحور العين، حسنًا، فاذهبوا، فليس لكم شأنٌ بالإمام الحسين عليه السلام؟» هل كان الإمام الحسين عليه السلام سيقول اذهبوا؟ لو قال لهم الإمام الحسين عليه السلام: «أنا أضمن لكم الجنّة، فانهضوا هذه الليلة، ليلة عاشوراء، واذهبوا إلى نسائكم وأطفالكم»، هل كانوا سيذهبون أم لا؟ «أضمن لكم الجنّة، ألا تُريدون الجنّة؟ والقيامة أيضًا بيدي. والحاكم في القيامة هو أنا، وقسيم الجنّة والنار هو أنا، أبي هو قسيم الجنة والنار، ألم يقل أمير المؤمنين عليه السلام: «أَنَا قَسِيمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ»؟ أنا أضمن لكم الجنّة، يا حبيب، يا مسلم، يا برير، يا عابس، يا أبا الفضل، يا أخي، يا بَنِيّ! أنا أضمن لكم الجنّة يوم القيامة، أنا الإمام، فمن أعلى منّي؟» لو كتب الإمام عليه السلام رسالةً لكلّ واحدٍ منهم يقول فيها: «اذهبوا واتركوني وحدي، اذهبوا»، هل كانوا سيذهبون أم لا؟ لا! لم يكونوا ليذهبوا، كانوا سيقولون: «ماذا نُريد بالجنة؟» عندما كان زهير رحمه الله يقول: «لو قطّعوني ألف مرةٍ وأحرقوني وفعلوا برمادي كذا وكذا، ثم لو أحيوني مرّةً أخرى لما تركتك»، هل كان ذلك من أجل الجنّة؟ من أجل ماذا كان؟ هذا يقول: «نريد أن نكون معك، لا تأخذنا من عندك، أينما تُريد...، فليأخذونا وليقتلونا وليُبقونا أحياءً وليأسرونا وليفعلوا ما يشاؤون». لهذا السبب وقفوا حتى النهاية، وقالوا: «نحن نُريد الإمام الحسين عليه السلام، لا نُريد الجنّة ولا حورها ولا غلمانها، لا نُريد شيئًا». هذه المحبّة وهذه المعرفة بسيّد الشهداء عليه السلام أوجدت فيهم ارتباطاً، أوجدت فيهم تعلّقًا بحيث لو جاؤوا في تلك اللحظة وقالوا لهم عن مراتب الجنّة: «سنأخذكم إلى هنا ولا شأن لكم بهذا الإمام الحسين عليه السلام». لقالوا: «تلك جهنّم بالنسبة لنا، أيّ جنّةٍ هذه التي يقولون عنها: اذهبوا أنتم إلى تلك الجنة! أنحن نترك الإمام عليه السلام هنا وحده؟ لا يمكن، هل يمكن شيءٌ كهذا؟ أن نتركه وحده، أن ننفصل عنه، ننفصل عنه!» لماذا يكونون كذلك؟ لأنهم لم تكن لديهم معرفةٌ بالإمام الحسين عليه السلام، بل بآثار الإمام الحسين عليه السلام، الجنّة والنعم في الجنّة وما إلى ذلك، هذه كلّها آثارٌ. كانت لديهم معرفةٌ بالإمام الحسين عليه السلام. كانت لديهم معرفةٌ بالإمام الحسين عليه السلام نفسه، كانت لديهم معرفةٌ بالولاية. يقول: «حتّى لو قطّعتموني ألف مرةٍ فافعلوا، عشرة آلاف مرّةٍ فافعلوا، مائة ألف مرّةٍ فافعلوا، مليون مرّةٍ... افعلوا ما تشاؤون. لديّ جسدٌ واحدٌ، فافعلوا به ما تشاؤون، تعالوا! جاهي أصلًا هو لكم، أنتم لا تستطيعون أن تمسّوني، لا تستطيعون أن تمسّوا محبّتي للإمام الحسين عليه السلام. هل تريدون جسدي؟ تعالوا، هل تُريدون أن أقطّعه بنفسي وألقيه أمامكم؟» حسنًا، لم يفعل ذلك، فهذا مُخالفٌ للشرع. وإلا لقال: «ماذا تُريدون؟ هل تُريدون أن أقتل؟ تعالوا! نطلق رصاصةً واحدةً، تفضّلوا، هل ارتحتم الآن؟ هل ارتاح بالكم؟» لا! هو يقول: «لا تستطيعون أن تمسّوني، إن كنتم تستطيعون بمسدّساتكم وقوّتكم وبنادقكم وسهامكم ورماحكم وسيوفكم وسكاكينكم وما إلى ذلك، إن كنتم تستطيعون أن تمسّوني، أن تُغيّروني، أن تقطعوا هذه الصلة، فتعالوا وافعلوا». ألم يقل الإمام عليه السلام نفسه؟ قال: «وهل يعدو بكم الأمر أن تقتلوني؟!»۱، الإمام عليه السلام نفسه قال ذلك. قال: أنتم لا تستطيعون أن تسلبوا منّي حريتي، لا تستطيعون أن تسلبوا مني طريقي، لا تستطيعون أن تسلبوا مني مساري. تتعاملون مع جسدٍ واحدٍ، تعالوا وافعلوا ما تشاؤون. أصحاب الإمام الحسين عليه السلام كانوا كذلك. كانوا مجانين بالإمام الحسين عليه السلام. أصلًا كانوا مجانين بالإمام الحسين عليه السلام. أصلًا تجاوزت القضيّة مرحلة العشق، وطبعًا هذا يحتاج إلى توضيحٍ وأنّه كيف يكون كذلك.

    1. لمعات الحسين، ص: ٢٩: وأقبل الحرّ بن يزيد يُساير الإمام و لا يُفارقه و هو يقول له:يَا حسين! إنّي أُذكِّركَ اللهَ في نفسكَ، فإنّي أشهَد لَئن قاتلتَ لَتُقْتَلَنَّ.فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَفَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟! وَ هَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ أنَّ تَقْتُلُونِي؟!وَسَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الْاوْسِ لِابْنِ عَمِّهِ وَ هُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ؛ فَخَوَّفَهُ ابْنُعَمِّهِ وَقَالَ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ فَإنَّكَ مَقْتُولٌ».فَقَالَ:
      سَأَمْضِي وَ مَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى***إذَا مَا نَوَى حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِمَا 
      وَ وَاسَى الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ***وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ خَالَفَ مُجْرِمَا
      فَإنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَ إ نْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ***كَفَى بِكَ ذُلّا أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا 

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

16
  • إكسير الحسين عليه السلام: كيف يوقظ الوجدان ويفتح العقول؟

  • ما هذه القضية؟ ما هذا الإكسير؟ هذا الإمام الحسين عليه السلام الذي جاء وتحدّث مع زهير بن القين البجلي رحمه الله، وذلك الرجل الذي كان أصلًا يسير في طريقٍ حتى لا يلتقي بالإمام الحسين عليه السلام أصلًا، جاء وانقلب رأسًا على عقبٍ، نظرت إليه زوجته وقالت: «ماذا؟! لقد وقعت في الفخ». حسنًا، زوجته هي التي أرسلته، وهي من النساء النادرات الوجود طبعًا، لا! طبعًا هنّ موجوداتٌ. ولكن تلك التي تُرسل زوجها إلى حبال الموت، زوجته أرسلته، لم يكن يُريد أن يذهب، قالت: «ألا تستحي، ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله يتحدّث معك، حسنًا اذهب واستمع إلى كلامه ولكن لا تعمل به حسنًا اذهب وانظر ماذا يقول؟ هل هو ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله أم لا؟» رأى أن يا للعجب! «يا إلهي، لقد أُخذت بكلام زوجتي»، شعر ببعض الإهانة وقال: «حسنًا، فلأذهب وأرى ما سيؤول إليه مصيري؟» فذهب وانتهى أمره أيضًا! وعندما عاد، قالت الزوجة: «هاه، أرأيت، لقد وقعت في الفخ. ولكن تذكّر أنّني أنا التي أرسلتك، يوم القيامة يجب أن تهتمّ بي»، قال: «حسنًا». وفعل ذلك حقًّا. ماذا فعل به الإمام الحسين عليه السلام هذا؟ هل تصرّف فيه؟ ماذا فعل؟ جاء الإمام الحسين عليه السلام وأعطاه بعض المعرفة، ورفع من مستوى عقله، وأيقظ وجدانه. لا يقول الإمام الحسين عليه السلام هكذا: «انظر إلى الحور العين في الجنّة وانظر إلى كذا!» لا يا عزيزي، هذا كلامٌ فارغٌ، جاء وأراهم المقامات...، نعم، الإمام عليه السلام بعد ذلك في ليلة عاشوراء عندما ثبتوا جميعًا. أراهم مقاماتهم واحدًا تلو الآخر، وذلك أيضًا في المقدار المتعلّق بعالم المثال والروح والبرزخ في الجنّة. أما ما هو أعلى من ذلك فلا يمكن رؤيته. ثمّ جاء وفعل ذلك. «أنت هذا»، وأراهم مكانة كلّ واحدٍ منهم في الجنة. جاء وأيقظ وجدان هذا، وفتح عقل هذا، ونبّهه إلى وضعه، نبّهه. ذلك الوجدان الخامد وذلك النداء الباطني الذي كانت كثرات الدنيا قد غطّته وسقط عليه الحجاب، جاء وأزاح ذلك الحجاب. «أيّها المسكين البائس، أين أنت؟ هل تعلم أين أنت؟ ستبقى حيًا ليومين آخرين! حسنًا، وماذا بعدهما؟» تلك النفحة العيسويّة والولائية للإمام الحسين عليه السلام جاءت وأحيت الحقائق في داخله، وعندما أحياها قال: «لن أتركك بعد الآن، لن أتركك بعد الآن. الآن فهمت ما هي القضيّة؟ الآن فهمت أين هو الأمر وإلى أين نحن ذاهبون؟»

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

17
  • قصّة توبة الحر الرياحي رحمه الله: هل تكفي المعرفة للنجاة؟

  • هذا ما فتحه الإمام عليه السلام للحرّ بن يزيد الرياحي رحمه الله يوم عاشوراء. لا حاجة للقول، تلك العناية التي جعلت الحرّ هكذا هي أيضًا بواسطة الإمام الحسين عليه السلام، فما الفرق؟ ليس من الضروري أن يُواجهه بالكلام. بل فجأةً فتح باطنه: «أين أنت من هذا الأمر؟ هل تقتل ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله؟! هل تفعل هذا؟! أين كنت وأين هذا المكان؟! لم أكن أتصوّر أنَّ هذه القضية تحدث هنا». ذهب إلى عمر بن سعد: ماذا تُريد أن تفعل؟ 

  • ـ ألا ترى ماذا أُريد أن أفعل! هذا كلّ شيءٍ. 

  • ـ هل تقول ذلك بجدّ؟ 

  • ـ حسنًا، ليس لدينا مزاحٌ، لم أحضر ثلاثين ألف إنسانٍ إلى هنا عبثًا. أقلّ ما أفعله هو أن أفصل الرؤوس عن الأجساد، هذا هو أقلّ شيءٍ»، وحقًا أبلوا بلاءً حسنًا. حقًا، فأيّ جريمةٍ لم يرتكبوها! فجأةً هنا ماذا حدث للحرّ؟ انقلب رأسًا على عقبٍ. فكّر: «آه، إلى أين أنا ذاهب؟ عشت عمرًا وصلّيت عمرًا وقلت عمرًا: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنَّ محّمدًا رسول الله، وصمت عمرًا وحججت عمرًا، والآن آتي وأقطع رأس ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله! آه! آه! ماذا حدث؟!» هذه مسألةٌ مهمّةٌ جدًا أيها الرفقاء! يجب أن نُمرّن أنفسنا كثيرًا، وأن نُقارن وضعنا بهذه المسائل...، هذه عاشوراء، حقًّا عاشوراء هي قدوةٌ. عندما يقولون إنَّ عاشوراء أُسوةٌ، فذلك لهذا السبب. كلّ خطوةٍ فيها هي درسٌ للإنسان، وتنبيهٌ، ومطرقةٌ توقظه، في كلّ خطوةٍ ضربة توقظه، فعلت هذا عمرًا والآن أقتل ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله؟! يا للعجب!

  • مراتب المعرفة عند الحر رحمه الله: من الإدراك إلى التضحية

  • اكتسب معرفةً بوضعه. طبعًا في حدّ مستواه الخاص، لا نُريد أن نقول إنَّ مقدار معرفة الحرّ كان كمقدار معرفة حبيب بن مظاهر رحمهما الله، لا! فهذه تختلف، ولكن بواسطة هذه المجاهدة يرتفع مستوى المعرفة، وبالتالي ترتفع المحبّة أيضًا، هذه أمورٌ إن شاء الله لليالي الأخرى. تَنبّهَ، اكتسب معرفةً بوضعه وبنفسه وبمستقبله وبدينه وبمآله، فبدأ يتفحّص نفسه، فرأى أنَّ هذا العمل لا يصلح أبدًا فقال: «حسنًا، الآن عرفت، فاذهب جانبًا إذن، اتركه واذهب». ولم يكتف بهذا، بل ارتقى درجةً فقال: «أنا من جاء بالإمام إلى هنا، ويجب أن أبقى حتّى النهاية، هذه هي القضيّة». فهذه هي المعرفة التي اكتسبها، والله أيضًا ساعده، فقال: «يجب ألاّ أتركه»، لم يقتصر على القول: «حسنًا، لقد اكتشفت الخطأ، فأذهب وشأني ولا أُقاتل، على الأقلّ لا أُقاتل»، حسنًا فهذه مرتبةٌ ولكنّه ارتقى إلى درجة أعلى فقال: «أنا جئت به إلى هنا، أنا كنت السبب، أنا كنت المُخطئ، إذًا أنا المسؤول أيضًا». هذه أيضًا درجةٌ من الرجولة، ثم صعد أعلى من ذلك وقال: «حتى لو لم أحضره، حسنًا هنا يجب أن يذهب ويقف حتى النهاية». لاحظوا كيف ترتقي المسألة. أوّلًا مسألة نفسه، ثمّ حساب خطئه، ثمّ ارتقى أعلى بحيث إنّه حتى لو لم يكن مُخطئًا عليه أن يكون مع الإمام الحسين عليه السلام، فماذا نفعل به؟ لا يمكن فعل شيءٍ للإمام الحسين عليه السلام بعد الآن. فلنفترض أننا لم نكن مُخطئين، لنفترض أنّنا كنا خلف الجبل نُشاهد [فهل نبقى هكذا مكتوفي الأيدي؟].

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

18
  • قصّة بني أسد: هل تكفي الإدانة وإبداء الأسف؟

  • هؤلاء بنو أسدٍ عديمو اللياقة والسعادة الذين جاؤوا ورأوا الإمام الحسين عليه السلام هناك وقالوا: «حسنًا، سنذهب، حسنًا، ليس لدينا عملٌ آخر»، وأبدوا أسفًا شديدًا وأدانوا هذه الجريمة المروّعة وذهبوا، ذهبوا ليعيشوا حياتهم العاديّة، ثمّ انتظروا حتى استُشهد الإمام الحسين عليه السلام، وقالوا: «لا بأس فلننهض بعد ثلاثة أيامٍ لندفنه». حسنًا، شكرًا جزيلًا على لطفكم! أين ذهبت غيرتك أيها الجاهل؟ أين ذهبت حميّتك أيّها الأحمق؟ هل يُسمّونك رجلًا؟ هل يُسمّونك رجلًا؟ ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله هنا أمام العدوّ، وأنت تقول: «يا بن رسول الله، نحن مُتأسّفون جدًّا ونُدين بشدّةٍ، حدوث هذه القضيّة لكم». فقال الإمام عليه السلام: «نعم، إن شاء الله يُجزيكم الله خيرًا وكذا»، واشترى منهم الأراضي لأجل الزوّار الذين يأتون إلى هنا، فالإمام عليه السلام اشترى تلك الأراضي. عدّة فراسخ في عدّة فراسخ لتكون خاصّةً بهؤلاء الزوار الذين يأتون إلى هناك، ليسكنوا هناك ويعيشوا ويزوروا. «حسنًا، فعلنا هذه الأمور أيضًا، وأنا ممتنٌّ لكم بهذا المقدار حيث لم تشاركوا في جيش عمر بن سعد»، فهذا كان لسان حال الإمام عليه السلام. أنا أقول هذا، «أنا ممتنٌّ لكم كثيرًا لهذا القدر لأنكم على الأقل لم تشهروا سيوفكم عليّ وانسحبتم واكتفيتم بهذه الإدانة وإبداء الأسف وأنهيتم المسألة». حسنًا، فهذا أيضًا مرتبة من المعرفة، فالمعرفة بالإمام عليه السلام والمعرفة بالولاية لها مراتب مثل المعرفة بذات الله تعالى.

  • ختام المحاضرة: المعرفة والمحبة وندم آخر رمضان

  • حسنًا، انتهى الجزء الأول من الموضوع هنا، وإن شاء الله سندخل في الفقرة الثانية وهي «حُبِّي لَكَ» وهي علاقة المعرفة بالمحبّة ومراتب المعرفة ومراتب المحبّة، ثمّ الخصائص والآثار المترتّبة على المحبّة. إن شاء الله لنر كم يُوفّقنا الله تعالى في هذه الليالي الأخيرة المتبقّية من شهر رمضان. حقًا، أنظر فأرى أنَّ شهر رمضان قد انتهى وأيدينا فارغةٌ، وحتّى أنّني أخجل من أن أطلب من الله، أن أقول: «يا إلهي، أنا يديّ فارغتان». حقًّا، عندما أنظر إلى نفسي، أشعر بالخجل من أن أطلب طلبًا كهذا أصلًا. حتّى أن أعرض عجزي، ولكن من ناحيةٍ أخرى سمعت ورأيت أنَّ عفو الله ورحمته واسعان وأنَّ باب رحمته مفتوحٌ. إن شاء الله سنرى إلى أيّ حدٍ يُوفّقنا الله تعالى في هذه الليالي المتبقّية من شهر رمضان.

قيمة المعرفة ومراتبها - العلاقة بين المعرفة والحبّ

19
  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.