4

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

49
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/06

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

ما هي العلاقة بين المعرفة والالتزام؟ أيّ خطرٍ يُشكّله العرفانِ السطحيّ؟ ما هو المنبع الذي يستقي منه الأولياء كلامهم؟ ما هو الفارق بين الاعتبار والحقيقة؟ كيفَ نتجنَّبُ تحويلَ الدِّينِ إلى تِجارةٍ؟ لو كنتَ عندَ الإمامِ الآنَ، فبماذا كانَ سيوصيكَ؟ لماذا نرفُضُ الهدايةَ العامّةَ ونبحثُ عنِ الخصوصيّة؟ ما هي ركائزُ السلوكِ الأربعةُ؟ كيف ينبغي علينا قراءة القرآن؟ ما هو مفهومُ الهداية الحقيقيّة؟ هي تساؤلات سعى سماحة السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله سرّه للإجابة عنها في هذا المحاضرة التي عقدها لشرح فقرة «مَعرِفَتي يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ» من حديث عنوان البصريّ.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثُّمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة الرابعة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ

  • وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا أبِي القَاسِمِ مُحَمَّدٍ

  • وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَاللَّعنَةُ عَلَى أعدَائِهِم أجمَعِينَ

  •  

  •  

  • المعرفة والالتزام: علاقة متبادلة ومسؤوليّة متزايدة

  • «مَعرِفَتي يا مَولايَ دَليلي عَلَيكَ وَحُبّي لَكَ شَفيعي إلَيكَ». معرفتي يا مولاي هي دليلي عليك.

  • ذكرتُ للرفقاءِ البارحةَ أنَّ المَعرِفةَ تَقتَضِي الالتِزَامَ؛ فالالتِزَامُ يَكُونُ حَيثُ تَكُونُ المَعرِفَةُ، وَحَيثُ تَكُونُ المَعرِفَةُ يَجِبُ أنْ يَكُونَ هُنَاكَ التِزَامٌ. وَبِمِقدَارِ مَا تَكُونُ مَعرِفَةُ الإنسانِ أكبَرَ واطّلاعه على المسائل أوسَعَ وَأشمَلَ وَأدَقَّ وَألطَفَ، يَكُونُ التِزَامُه وَمَسؤُولِيَّتُهُ أدَقَّ بِنَفسِ المِقدَارِ.

  • إنَّ الحِسَابَ الذي يُجرَى مَعَ وَزِيرٍ أو مُعَاوِنٍ للسُّلطَانِ في علاقَتِهِ بِهذا المَلِكِ والسُّلطَانِ والأعمَالِ التي يَقُومُ بِهَا في نِطَاقِ صَلَاحِيَّاتِهِ، لا يُجرَى مِثلُهُ أبَدًا مَعَ بَوَّابِ القَصرِ، ولا مَعَ خَادِمِ القَصرِ؛ إذ لا أحَدَ يَعنِيهِ أمرُهُ، ولا أحَدَ يَعتَرِضُ عَلَيهِ، وَإنْ صَدَرَ مِنهُ خَطَأٌ، لا يُلَامُ عَلَيهِ. وهذا الأمرُ يَعودُ إلى المَعرِفَةِ؛ فَبِقَدرِ مَا تَكُونُ مَعرِفَةُ الإنسان أكبَرَ، يَكُونُ هذا الإنسانُ أقرَبَ إلى السُّلطَانِ.

  • فالسُّلطَانُ لَيسَ أحمَقًا، ليَأتِيَ بِكَنَّاسٍ أو خَادِمٍ لا يُمَيِّزُ شَيئًا فَيَجعَلَهُ نَدِيمًا لَهُ، ويُخبِرُهُ بِأسرَارِهِ، وبِأسرَارِ المَملَكَةِ، وبِأسرَارِ الحَربِ والسِّلمِ. لا يَفعَلُ مِثلَ هَذَا الأمرِ، وَإنْ فَعَلَ ذلك، فَهُوَ سَفِيهٌ وَأبلَهٌ، ولا يصلح للحكم. إنّما يَثِقُ السُّلطَانُ بالإنسان وَيَعتَمِدُ عَلَيهِ وَيُخبِرُهُ بِسِرِّهِ إذَا كَانَت لَهُ جَامِعِيَّةٌ وَشُمُولِيَّةٌ؛ فيَحفَظُ لِسَانَهُ وَلَا يُفشِي الأمرَ، ولَا يُخبِرُ بِهِ أحَدًا؛ لِأنَّهُ سِرٌّ، والسِّرُّ لا يَنبَغِي أنْ يُفشَى، ولَا يَنبَغِي أنْ يُقَالَ. وَلهذا، ينبغي أنْ يَكُونَ هكذا إنسان جَامِعًا للشُّرُوطِ وَيَستَطِيعَ التَّحَمُّلَ، لا أنْ يَكُونَ بِحَيث إذَا قِيلَ لَهُ كَلَامٌ انقَلَبَ رَأسًا عَلَى عَقِبٍ، وَتَشَتَّتَتْ أفكَارُهُ، وَاختَلَّتْ مَوَازِينُهُ. لَا! بَلْ يَجِبُ أنْ يَكُونَ ذَا سعَةِ صَدرٍ، وَقُدرَةٍ نَفسِيَّةٍ عَلَى استيعاب المَسَائِلِ وَالمَوَاضِيعِ، وَأنْ يَكُونَ إدرَاكُهُ عَالِيًا بحيث يتمكّن من التَّحلِيلَ بواسطة هذا الإدراك. لا أنْ يَنفَعِلَ وَيَتَأثَّرَ هُوَ نَفسُهُ، وَيَقَعَ تَحتَ تَأثِيرِ هَذِهِ المَوَاضِيعِ، فَتَخرُج الأمُورُ عَنْ سَيطَرَتِهِ، كلاّ!! فلن يَجعَل السُّلطَانُ مِثلَ هَذَا الفَردِ نَدِيمًا لَهُ. وَإذَا أصبَحَ مِثلُ هَذَا الفَردِ نَدِيمًا، فَيَجِبُ عَلَيهِ أنْ يَحفَظَ لِسَانَهُ. فَإنْ لَمْ يَحفَظْهُ، فإنّ الأمر سَيَختَلِفُ آنذاك!

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

3
  • إنَّ الالتِزَامَ الذي لَدَيهِ بِحِفظِ الأسرَارِ هُوَ التِزَامٌ نَاشِئٌ عَنْ مَعرِفَتِهِ وَإدرَاكِهِ لِلمَلِكِ، ولِصِفَاتِ المَلِكِ، ولِمَلَكَاتِ المَلِكِ، ولخُصُوصِيَّاتِ المَلِكِ: مَا الذي يَكرَهُهُ؟ مَا الذي يُحِبُّهُ؟ مَا الذي يَتَحَسَّسُ مِنهُ هَذَا المَلِكُ؟ مَا الأشيَاءُ التي تُزعِجُهُ؟ مَا الأشيَاءُ التي تُسعِدُهُ؟ وهَذِهِ الأمُورُ لا يَفهَمُهَا ذَلِكَ الكَنَّاسُ. لا يَفهَمُ منها شَيئًا! وذَلِكَ البَوَّابُ أيضًا لا يَفهَمُ منها شَيئًا، بل يَظلّ واقفًا وحسب، حيث يَضَعُونَهُ أمَامَ البَابِ ماسكًا رمحًا بيده، وَيَقُولُونَ لَهُ: «لَا تَدَعْ أحَدًا يَدخُلُ بِدُونِ إذنٍ، فإنْ كَانَ لَدَيهِ تَصرِيحُ مُرُورٍ فَدَعهُ يَدخُلُ، أيًّا كَانَ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ لَدَيهِ فَأوقِفْهُ»، هَذَا كُلُّ شَيءٍ! فلَا يَطلُبُونَ مِنهُ أكثَرَ مِنْ هَذَا، وَلَا يُرِيدُونَ مِنهُ شَيئًا آخَرَ، ثُمَّ في نِهَايَةِ الشَّهرِ، يُعطُونَهُ رَاتِبَهُ، وَيُرسِلُونَهُ إلى بَيتِهِ. فلَا يَطلُبُونَ مِنَ البَوَّابِ أكثَرَ مِنْ هَذَا.

  • فمَعَ مَنْ كَانَ أمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام يتنَاجِى؟ ولِمَنْ كَانَ يبوح بأسرَارهُ؟ ولِمَنْ كَانَ يَقُولُها؟ هَلْ كَانَ يُنَادِي أيَّ إنسَانٍ يَمشِي في الشَّارِعِ! أمْ كَانَ يبوح بها لِمِيثَمٍ؟ هَلْ كَانَ يَقُولُها لِحَبِيبِ بنِ مُظَاهِرٍ؟ وهَلْ كَانَ يَقُولُها لِرُشَيدٍ الهَجَرِيِّ؟ وهَلْ كَانَ يَقُولُها لِلأصبَغَ بنِ نُبَاتَةَ؟ ولِزَيدٍ وَصَعصَعَةَ بنِ صُوحَانٍ؟ لِمَنْ؟ لِمَالِكٍ الأشتَرِ؟ لِمَنْ كَانَ يَقُولُها؟ فهَلْ كَانَ يَقُولُها لِهَؤُلَاءِ، أمْ يَذهَبُ لِيَقُولَها لِأولَئِكَ؟! فلِمَنْ يَجِبُ أنْ يبوح بأسرَاره ومَا في قَلبِهِ وسِرِّه وَمَا لا يَنبَغِي لِأحَدٍ أنْ يَعرِفَهُ، بحيث إذَا عَرَفَهُ اختَلَّ وَضعُهُ وَحَالُهُ وَخَرَجَتِ الأمُورُ عَنْ سَيطَرَتِهِ؟ فبَعضُ هَذِهِ المَوَاضِيعِ وَالأسرَارِ كَانَتْ بِحَيثُ لَوْ قَالَهَا الإمَامُ عليه السلام لِغَيرِ هَؤُلَاءِ، لَأصبَحَ دِينُهُمْ كُنْ فَيَكُونَ، ولصاروا في الأساس كفّارًا، ولَزَالَتْ عقولهم وَمَا تَوَصَّلُوا إلَيهِ وَمَا ارتَكَزَ في أذهَانِهِمْ بِالكامل. يَقُولُ الإمَامُ السَّجَّادُ عليه السلام [ما مفاده]: إنَّ اللهَ أعطَانِي عُلُومًا وَأسرَارًا لَوْ نطقتُ بها، لَقَالَ النَّاسُ إنَّكَ تَعبُدُ الأوثَانَ: أنتَ «مِمَّنْ يَعبُدُ الوَثَنَ»۱. حَسَنًا، مَا هَذَا الذي [يُؤَدِّي إلى قَولِهِمْ] يَعبُدُ الوَثَنَ؟ طَبعًا، هِيَ مَوَاضِيعُ لَيسَتْ في نِطَاقِ قُدرَةِ الناس وسعتهم. فهم لا يَستَطِيعُونَ تَحَمُّلَهَا؛ وبالتالي، فإنّ المَسألَة تَظهَرُ بهذا النحو. 

  • خطرُ العرفانِ السطحيّ

  • عَلَى كُلِّ حَالٍ، فإنّ المَعرِفَةُ تَستَلزِمُ الالتِزَامَ. الالتِزَامَ بالنسبة إلى مَا عَرَفَهُ الإنسَانُ. هَذَا الالتِزَامُ يَعنِي أنْ يُقَيِّدَ الإنسَانُ نَفسَهُ وَيَضبِطَهَا بِمَا عَرَفَهُ، لا أنْ يَكُونَ الأمرُ بِحَيثُ يَكتَسِبُ مَعرِفَةً بِقَضِيَّةٍ ما أو مَوضُوعٍ خاصّ أو مَدرَسَةٍ فِكرِيَّةٍ معيّنة، ثُمَّ يُسلّي نفسه ويُلهيها بِهَذِهِ المعرفة، ويَلَعبُ؛ نظير الذينَ يَتَظاهَرونَ بِالعِرفَانِ والتَّصَوُّفِ وَمِثلِ هَذِهِ الأمُورِ، ثُمَّ نجدهم يرتكبون أحيانًا بَعضَ المُحَرَّمَاتِ، فَلَا مُشكِلَةَ في النِّهَايَةِ! وَلَوِ افتَرَضنَا أنَّهُمْ فَعَلُوا عَمَلاً مُخَالِفًا، فَلَا إشكَالَ، وَلَوْ جَالَسُوا أيَّ أحَدٍ فَلَا يَهمُّ، فالطَّرِيقُ مَفتُوحٌ وَاللهُ ذُو سِعَةٍ وَرَحمَةُ اللهِ وَاسِعَةٌ وَ...!!! لَقَدْ جَعَلُوا العِرفَانَ وَسِيلَةً لِتَدبِيرِ دُنيَاهُمْ، فيُقِيمُونَ بِهِ المُؤتَمَرَاتِ وَالنَّدَوَاتِ، ويَكتُبُونَ الكُتُبَ، ويَذهَبُونَ هُنَا وَهُنَاكَ، فأصبح العرفان وسيلة معيشيّة لهم، مِثلَ سَائِرِ الأشيَاءِ. 

    1. الإمام زين العابدين (عليه السلام)
      يا ربّ جوهر علم لو أبوح به***لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا 
      ولاستحل رجال مسلمون دمي***يرون أقبح ما يأتونه حسنا 
      إني لأكتم من علمي جواهره***كي لا يرى الحق ذو جهل فيفتتنا
      وقد تقدم في هذا أبو حسن***إلى الحسين ووصى قبله حسنا
      راجع: منية المريد: ۱۷٩ آداب يختص بها المعلم: صيانة العلم وترك إذلاله وبذله بغير أهله. المعرّب

       *** إحقاق الحقّ، ج ۱٢، ص ٨٤؛ نقلاً عن كتاب الإتحاف بحبّ الأشراف.

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

4
  • فأحيَانًا، يَكُونُ أحَدُهُمْ مُمَثِّلاً يُمَثِّلُ في المَسرَحِ؛ فهَذِهِ وَسِيلَةٌ لِلمَعِيشَةِ، ألَيسَ كَذَلِكَ؟ يُمَثِّلُ في المَسرَحِ فَيَأخُذُ مَالاً، ليُدَبِّرُ بِهِ مَعِيشَتَهُ. وَهَذَا أيضًا وَاحِدٌ مِنهُمْ، هَنا أيضًا يوجد تمثيل، فيضحى العِرفَانُ هُنَا مسرحًا، ويصير تَمثِيلاً، ويُصبِحُ فَنًّا. فنجدهم يسعون لشرح كَلِمَاتِ العُرَفَاءِ: مَاذَا قَالَ القُونَوِيُّ في كِتَابِهِ؟ مَاذَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ في كِتَابِهِ الفُلَانِيِّ في هَذِهِ القَضِيَّةِ؟ ذكر صَدرُ المُتَألِّهِينَ في الأسفَارِ حَولَ وَحدَةِ الوُجُودِ المسائل الفلانية، وتحَدَّثَ مُحيِي الدِّينِ في الفُتُوحَاتِ وَالفُصُوصِ عَنْ صَرَافَةِ الوُجُودِ بالنحو الكذائيّ؛ هذه مسرحيّة، وذلك الشخص مُمَثِّلٌ وحسب. هَذَا، إذَا سعى للحديث بِشَكلٍ صَحِيحٍ، وأرَادَ أنْ يَتكلّم بنحو صائب! وأمّا إذا لم يكن كذلك، ولَمْ يَكُنْ مُطَّلِعًا عَلَى المسائل، فَحِينَئذٍ، وا ويلاه!

  • وعليه، فإنّ التَّمثِيل لا يقتصر فقط على التهريج، فهَؤُلَاءِ الذينَ رَأيتُمُوهُمْ في التِّلفَازِ يُهَرِّجُونَ، ألَيسَ كَذَلِكَ؟ فيَتَّخِذُونَ شَكلَ هَذَا وَذَاكَ، ولَيسَت لَدَيهِمْ أيّة هُوِيَّةٍ خَاصَّةٍ بِهِمْ، فهُوِيَّتُهُمْ هِيَ التَّهريجُ. إنّ عَمَلُهُمْ هُوَ أنْ يُؤَدُّوا دَورَ هَذَا وَذَاكَ، وَيَشغَلُوا النَّاسَ لِسَاعَةٍ أو سَاعَتَينِ، وَيُضَيِّعُوا أعمَارَهُمْ، بل قد يحصل ذَلِكَ أيضًا في لَيَالِي شَهرِ رَمَضَانَ! فلَا قيمة لهذه الأمور، بل هي مُجَرَّدُ نوعٍ مِنَ السُّخرِيَةِ وَالضَّحِكِ وَالمُزَاحِ السَّمِجِ وَ... لأجل ماذا؟! لِأجلِ أنَّهُمْ أضحَكُوا مَجمُوعَةً مِنَ النَّاسِ وَقَامُوا بِالتَّمثِيلِ. هَذَا تَهريجٌ! ألَيسَ كَذَلِكَ؟!

  • حينَما يُصبِحُ العِرفانُ عرضًا مسرحيًّا!

  • إنّ نَفسُ هَذَا العَمَلِ يحصل في العِرفَانِ أيضًا، ويَحصل في العِلمِ أيضًا، ويَحصل في المعرفة أيضًا. إنّ الذي دَرَسَ وَلَمْ يَستَخدِمْ دِرَاسَتَهُ في تَهذِيبِ نَفسِهِ، بل دَرَسَ لِكَي يُلقِيَ مُحَاضَرَةً، ويُقِيمَ نَدوَةً، ويَرتَقِيَ المِنبَرَ، ويُدَرِّسَ؛ لكي يُدَرِّسُ في المَدرَسَةِ، أو يُدَرِّسُ في الحَوزَةِ، أو يُدَرِّسُ في الجَامِعَةِ، أو في الأمَاكِنِ العَامَّةِ والخَاصَّةِ، فيصير لديه تلامذة، ويُعلّمهم، فإنّ ذلك بأجمعه يكون تمثيلاً. فكما أنّ المسرح يُعدّ نوعًا من التمثيل، فإنّ هَذَا أيضًا يكون نَوعًا مِنهُ. وهذا نظير الذي يَقرَأُ شِعرَ مَولَانَا جَلَالِ الدِّينِ الرُّومِيِّ، لكن ليس بِهَدَفِ أنْ يُوائم نَفسَهُ مع هَذِهِ المَفَاهِيمِ وَالمَضَامِينِ العَالِيَةِ، وَيَضَعَ ذَلِكَ المَفهُومَ في نَفسِهِ بِحَسَبِ سِعَتِهِ، ويُرَسِّخَهُ في ذاته، ويُثَبِّتَهُ، ويُحَقِّقَ ذَلِكَ المَعنَى في وُجُودِهِ، وعندما يتَحَدَّثُ مَولَانَا عَنِ الأدَبِ، يَأتِي من الغد لِيوائم نَفسَهُ مَعَ مَا في تِلكَ الأشعَارِ، وإذَا تَحَدَّثَ مَولَانَا عَنِ الإخلَاصِ:

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

5
  • از علی آموز اخلاص عمل ...***۱ 
  • ـ ويَا لَهَا مِنْ أشعَارٍ! إنّها لعجيبة حقًّا! ـ يَسعى للارتقاء بواسطة مضامين هَذِهِ الأشعَارِ، كلاّ! بل يَقرَأُها لِكَي يَأتِيَ بِأشعَارِ مَولَانَا في كَلَامِهِ عِندَمَا يُلقِي مُحَاضَرَةً، ولِيَقُولُوا له: «مَا شَاءَ اللهُ! مَا شَاءَ اللهُ! انظُرُوا كَمْ هُوَ محيط بكتاب المَثنَوِيِّ!»، فيَتحدّث بسَطرَينِ وَيَقرَأُ بَيتًا مِنَ الشِّعرِ، ويَتحدّث بثَلَاثَةَ أسطُرٍ، وَيَأتِي بِشِعرٍ لِمَولَانَا، أو بِشِعرٍ لِحَافِظٍ، أو بِكَلَامٍ مِنَ الفُتُوحَاتِ. ثُمَّ لِكَي لا تبدو المحاضرة فارغة، يُضِيفُ إلَيها مُصطَلَحَينِ إنجِلِيزِيَّينِ، وَيَأتِي بِوَاحِدٍ مِنْ سَعدِيٍّ أيضًا، مَا هَذَا؟ إنّها مسرحيّة يَا عَزِيزِي؟! وهذا مُمَثِّلٌ يُمَثِّلُ مَسرَحِيَّةً لِمُدَّةِ سَاعَةٍ وبنحو رائع وجميل، ولكن، حينما تَنظُرُ، ترى بأنّك لم تَحصُل عَلَى أيّ شَيءٍ. فلم توجد في ذلك المجلس، ولو ذَرَّة واحدة مِنَ النُّورَانية، أو ذَرَّةَ واحدة مِنَ الرُّوحَانية. فهَلْ كَانَ مَولَانَا يَقُولُ الشِّعرَ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أيضًا؟! هَلْ كَانَ يُمَثِّلُ مِثلَكَ؟! هَلْ كَانَ يُؤَدِّي دَورًا مسرحيًّا مِثلَكَ؟! أنتَ الذي تَستَخدِمُ الآنَ أشعَارَ مَولَانَا كَمحسّنات تُزخرف بها خطبَتَكَ وَمُحَاضَرَتَكَ، هَلْ كَانَ مَولَانَا عِندَمَا قَالَ هَذِهِ الأشعَارَ مِثلَكَ؟! أمْ أنَّ هَذِهِ الأشعَارَ نَبَعَتْ مِنْ رُوحِهِ؟!

  • كلام الأولياء مستقى من منبع الولاية

  • كَانَتْ هَذِهِ الأشعَارُ وَحيًا يَأتِي عَلَى قَلبِهِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ! لَيسَ الوَحيَ الِاصطِلَاحِيَّ، بَلِ الوَحي بِمَعنَى الإلهَامِ المُبَاشِرِ مِنَ المَبدَأِ. فمِنْ نفس المَقام الذي يَستقي مِنهُ الإمَامُ عليه السلام، يَستقي منه أولِيَاءُ اللهِ، لكن، بِوَاسِطَةِ الإمَامِ. فبِوَاسِطَةِ نَفسِه وولايته عليه السلام، يستقون نَفسَ الشَّيءِ أيضًا. فلَوْ جَاءَ الإمَامُ الصَّادِقُ عليه السلام، وَوُضِعَتْ هَذِهِ المَعَانِي المكنونة في المَثنَوِيَّ أمَامَهُ، وَقِيلَ لَهُ: «يَا سَيِّدِي هَلْ تُؤَيِّدُها؟»، لقال عليه السلام: «نَعَمْ أُؤَيِّدُها، فهَذِهِ هِيَ مسائلي التي ألقَيتُهَا في نَفسِ مَولَانَا، وَتَخرُجُ الآنَ مِنْ ذَلِكَ اللِّسَانِ، وتَخرُجُ مِنْ تِلكَ النَّفسِ». ولَوْ قِيلَ لِلإمَامِ السَّجَّادِ عليه السلام: «يَا سَيِّدِي، هَلْ المسائل الواردة في الفُتُوحَاتِ وَالفُصُوصِ لمُحيِي الدِّينِ [بن عربي] مُؤَيَّدَةٌ مِنْ قِبَلِكُمْ؟»، لقال عليه السلام: «نَعَمْ بِالطَّبعِ هِيَ مُؤَيَّدَةٌ مِنِّي، فولَايَتي الكامنة في وُجُودِ مُحيِي الدِّينِ هِيَ التي جَعَلَتْ مسائلي تَخرُجُ مِنْ هَذَا اللِّسَانِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ؛ وليس من شأني أنا كتابة الفتوحات أو الفصوص». وسيَقُولُ الإمَامُ الرِّضَا عليه السلام: «إنّ المسائل المطروحة من قبل الأولِيَاءِ هِيَ شَرحٌ لِنَفسِ الرِّوَايَاتِ التي ذكرتها لَكُمْ». فالمسائل الواردة بخصوص التَّوحِيدِ والوُجُودِ تَخرُجُ مِنْ لِسَانِ هَؤُلَاءِ، بِلَا شَكٍّ! وأشعَارُ حَافِظٍ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ مَعَارِفَ تُمثّل لُبَّ وَبَاطِنَ رِوَايَاتِ الأئِمَّةِ عليهم السلام التي تَخرُجُ مِنْ ذلك الصَّدرِ. لِمَاذَا؟ لِأنَّهُ وَصَلَ إلى الوَلَايَةِ. 

    1. يقول: تَعَلَّمْ مِن عَلِيٍّ إخلاصَ العَمَلِ. 

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

6
  • فالفَرقُ بَينَ مولانا حافظ وَسَعدِي الشيرَازِيّ هُوَ أنَّ سَعدِي ـ رَحِمَهُ اللهُ أيضًا فأنَا لا أقُولُ إنّه كَانَ يُمَثِّلُ، لَا، لا أقُولُ هَذَا ـ قَامَ بِالجَمعِ والتَّجمِيعِ، بينما تَحَدَّثَ حَافِظٌ مِنَ الباطن، وَبَيَّنَ مَا في دَاخِلِهِ مُبَاشَرَةً؛ وبالتالي، فإنّ هُنَاكَ فَرقًا كَبِيرًا بينهما. فذَاكَ قَامَ بِالجَمعِ، وَيوجد ألفُ إشكَالٍ وَإشكَالٍ في أشعَارِهِ. أمَّا في شِعرِ حَافِظٍ فَلَا يُمكِنُكَ أنْ تَجِدَ إشكَالاً. كما لا يُمكِنُكَ أنْ تَجِدَ إشكَالاً في كَلَامِ مَولَانَا، لِمَاذَا؟ لِأنَّهُ مُتَّصِلٌ بِالوَلَايَةِ، أمَّا البَقِيَّةُ فَلَا، حيث يَأخُذُونَ نَفسَ هَذِهِ الأشعَارِ، ويستخدمونها في مُحَاضَرَاتِهِمْ وخُطَبِهِمْ ومُؤتَمَرَاتِهِمْ كمحسّنات يُزخرفون بها مَوَاضِيعَهم الأُخرَى وتُرّهاتهم، ثُمَّ يخدعون الناس بهذه الخُطب مستغلّين جمال تلك الأشعَارِ. فمِنَ الوَاضِحِ مَا هِيَ الكُتُبُ التي يَكتُبُونَهَا، إنَّهَا وَاضِحَةٌ، ونَحنُ نَرَاهَا.

  • الفارق بين الاعتبار والحقيقة

  • أ فهل يوجد عِلمٌ أعلَى مِنْ عِلمِ التَّفسِيرِ؟! فنجدهم يَتَعَلَّمُونَ تَفسِيرَ القُرآنِ، ويَجمَعُونَ المسائل مِنْ هُنَا وَهُنَاكَ، ويُطَالِعُونَ تَفسِيرَ المِيزَانِ، ويُراجعون تَفسِيرَ هَذِهِ الكُتُبِ؛ هذا، مع أنّه لَدَيهِمُ استِعدَادٌ، ولَيسَ أنَّهُمْ لا يَملِكُونَهُ، بل لَدَيهِمُ استِعدَادٌ، ولَدَيهِمْ ذَاكِرَةٌ، ولَدَيهِمْ حِدَّةُ ذِهنٍ، ولَدَيهِمْ ذَكَاءٌ. وَلَكِنَّهم يجعلون الهدف من هَذَا التَّفسِيرِ وَهَذَا البَيَانِ وَهَذَا الشَّرحِ هُوَ الحِفَاظ عَلَى الذَّاتِ وَبَقَائِهَا؛ وحينئذ، مَاذَا يُصبِحُ هَذَا الأمر؟ يُصبِحُ تَمثِيلاً، ويصير مَسرَحيّة. إنَّهُ مَسرَحٌ. إنَّهُ مَسرَحٌ!

  • وعليه، فمَا الذي يُمَيِّزُ بَينَ الِاعتِبَارِ وَالحَقِيقَةِ؟ هُوَ أنَّ النَّفسَ في أيِّ مَقَامٍ تَتلفّظ بهذه الموضوعات؟ هَذَا هُوَ! وفي أيِّ مَقَامٍ تُلقي النَّفسُ هَذِهِ المَسَائِلَ؟ فلَوْ قمتُ بشرح دُعَاءَ أبِي حَمزَةَ لِلرُّفَقَاءِ، وَكَانَ قَصدِي من ذلك أنْ نعقد مَجلِسًا، وَنَملأ لَيَالِي شَهرِ رَمَضَانَ، وَنَحظَى بِأُنسٍ وَأُلفَةٍ، وَلَا تَظلّ أوقَاتُنَا فَارِغَةً، وَلَا يُقال: «إنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَقُلْ شَيئًا!»، ولَا يُقال أيضًا: «إنَّ هَذِهِ المَجَالِسَ مَرَّتْ بِدُونِ حَظٍّ وَافِرٍ!»؛ فلَوْ جِئتُ لِألقي [محاضرة] لِهَذَا السَّبَبِ، فإنّ ذلك سيُصبِحُ تمثيلاً. إنَّهُ شَرحٌ لِدُعَاءِ أبِي حَمزَةَ وَلَكِنَّهُ تَمثِيلٌ، وسيُسَمَّى مسرحيّة، وَلَا مُزَاحَ في ذَلِكَ أبَدًا. لِمَاذَا؟ لِأنَّه حينما كان الإمَامُ السَّجَّادُ عليه السلام يُناجي الله تعالى بِهَذَا الدُّعَاءِ، هَل كان هُوَ يُمَثِّلُ أيضًا؟ أمْ كان يُفصح عن الوَاقِع؟ فالإمَامُ السَّجَّادُ عليه السلام لَيسَ مُمَثِّلاً. لقد كان الإمَامُ السجَّادُ يُثبّت ضِمنَ هَذَا الدُّعَاءِ ارتباطَ عُبُودِيَّتِهِ الخَالِصَةِ مَعَ اللهِ تعالى. فلَم يكن عليه السلام يَنظُرُ إلى أحَدٍ لكي يَسمَعُ دُعَاءَهُ؛ إذ مَتَى كَانَ يَدعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ؟ في لَيَالِيَ شَهرِ رَمَضَانَ؛ فلَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَسمَعُه، بل كَانَ لوَحده، ثُمَّ جَاؤُوا، وَكَتَبُوا هَذِهِ الأدعِيَةَ، وهَذَا مَا حصل. كَانَ الإمَامُ عليه السلام يَقرَأُ هَذِهِ الأدعِيَةَ كُلَّ لَيلَةٍ مِنْ شَهرِ رَمَضَانَ. وَالآنَ نَحنُ يَصعُبُ عَلَينَا أنْ نَقرَأَ صَفحَتَينِ مِنهَا في اللَّيلِ. هَلْ كَانَ الإمَامُ عليه السلام يَجمَعُ أصحَابَهُ هُنَاكَ في مَسجِدِ المَدِينَةِ، مِثلَ ما نفعل نحن، حيث يجتمع الرُّفَقَاءُ، فيُقال: «تَعَالَ أنت أيضًا لتجتمع معنا، لِكَي لا تَمضِيَ أوقَاتُنَا بِالبَطَالَةِ، ولِنَحصُلَ عَلَى فائدة ما في نهاية المطاف، وَأمثال ذلك». ولِكَي لا يُقال: «لقد أصبَحَ إمَامًا وَلكنّه لا يَفعَلُ شَيئًا! وحتّى أنّه لا يَقرَأُ لِلنَّاسِ الدعاء، فَمَا هَذَا؟! وأيُّ إمَامٍ هَذَا؟!». كلاّ يَا سَيِّدِي! لَمْ تَكُنْ هَذِهِ المسائل مَوجُودَةً، ولَمْ يَكُنِ الإمَامُ السجَّادُ يَبحَثُ عَنْ هَذِهِ الأمُورِ، بل كان عليه السلام يُبَيِّنُ عَلَاقَتَهُ بِاللهِ، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ بِطَرِيقَةٍ معيّنة لكي تَصِلُ هَذِهِ المسائل إلَينَا.

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

7
  • قصةُ السيّد الحدّادِ والضيفِ قليلِ الأدبِ

  • في نَفسِ الوَقتِ الذي تَشَرَّفَ فِيهِ المَرحُومُ السَّيِّدُ الحَدَّادُ بِالمَجِيءِ إلى إيرَانَ، دَعَاهُ أحَدُ الرُّفَقَاءِ إلى مَنزِلِهِ ذَاتَ لَيلَةٍ. بِالطَّبعِ لَمْ يَكُنْ مُخطِئًا لِأنَّهُ. حَسَنًا، لقد كان للسيّد الحدّاد رُفَقَاءُ خَاصُّونَ، فكَانَ المَرحُومُ العَلاّمَة مَوجُودًا هناك بالإضافة إلى بعض الرفَقَاءِ الخَاصّينَ، فذَهَبَ ذلك الرفيق، وَدَعَا أحد المشايخ، ولَا أعلَمُ إنْ كَانَ قَدْ تُوُفِّيَ الآنَ أمْ لَا؟ ويَبدُو أنَّهُ تُوُفِّيَ، فدَعَاهُ هُوَ أيضًا. يَعنِي: لَمْ تَكُنْ له أيّة عَلَاقَةٍ بِهِ، بل لِمُجَرَّدِ أنَّهُ كَانَ أحيَانًا يُسَلِّمُ عَلَى العَلاّمَةِ، فجَاءَ وَدَعَاهُ هُوَ أيضًا إلى ذَلِكَ المَجلِسِ. عِندَمَا جَاءَ هَذَا الأخير، تبيّن أنّه: يَا لَهُ مِنْ رجلٍ قَلِيلِ الأدَبِ! فقد التَفَتَ إلى العَلاّمَةِ وَالسيِّدِ الحَدَّادِ، وَخَاصَّةً إلى السَّيِّدِ الحَدَّادِ، وَقَالَ: «لَقَدْ بُذِلَ جُهدٌ في هذه اللَّيلَةَ، وطُبِخَ طَعَامٌ، وأُنفِقَ مَالٌ، وصُرِفَتْ نَفَقَاتٌ، فَلنَجعَلِ المَجلِسَ يمرّ بِطَرِيقَةٍ لا تَذهَبُ فيها هذهِ النَّفَقاتُ هباءً منثورًا!» يَا لَهُ من رجلِ عديم الفهم! «لِنَطرَحْ سُؤَالاً، لِنَطرَحْ بَحثًا عِلمِيًّا هُنَا لِكَي نَستَفِيدَ مِنْ هَذَا المَجلِسِ عِلمِيًّا ـ وَبِاختِصَارٍ ـ لِكَي لا تتبدّد كلّ هذه الجهود التي بُذلت هنا». رَحِمَ اللهُ المَرحُوم الحَاجّ إسمَاعِيل الدولَابِيّ، فقد كَانَ متواجدًا هُنَاكَ في ذَلِكَ الوَقتِ، فقَالَ: «إنْ كَانَ لَدَيكُمْ سُؤَالٌ، فَاسألُونِي أنَا، لِمَاذَا تُرِيدُونَ أنْ تَسألُوا السَّيِّدَ الحَدَّادَ؟» قَالَ: «أُرِيدُ أنْ أسألَهُ هُوَ». قَالَ: «أنتَ تُرِيدُ جَوَابًا عن سُؤَالِكَ، فمَا شَأنُكَ بِمَنْ يُجِيبُ؟» لا شَيءَ! فانصرف ذاك عن سؤاله تمامًا. لقد كَانَ يَتَصَوَّرُ في ذهنه أنّه إذا انقضى المَجلِس بِالسُّكُوتِ، فإنّه سيكون مضيعةً للوقت، هَذَا خلاصة الأمر...! فلَمْ يَكُنْ يَفهَمُ أنَّ مَا يُعطِيهِ أولِيَاءُ اللهِ في سُكُوتِهِمْ رُبَّمَا يَكُونُ أكثَرَ بِكَثِيرٍ مِنَ الحَدِيثِ، وَالمَجِيءِ، وَالجُلُوسِ، والتَّحَدُّثِ بِاستِمرَارٍ، وَالقول: «يا سيّدي، إنّنا نُعاني من مُشكِلَةً هنا وَهُنَاكَ وَ...!»، وأمثال هَذِهِ الأمُورِ. غَضِبَ المَرحُومُ العَلاّمَة كَثِيرًا، غَضِبَ كَثِيرًا، ثُمَّ قَالَ لِصَاحِبِ البَيتِ: «بِأيِّ حَقٍّ لجأت إلى دَعوة هَذَا الشخص؟! ولِمَاذَا قُمتَ بِدعوته؟!»

  • كيفَ نتجنَّبُ تحويلَ الدِّينِ إلى تِجارةٍ؟

  • نَحنُ نَتَصَوَّرُ أنَّه إذا جِئنَا إلى هُنَا لَيلاً وَلَمْ نَتَحَدَّثْ، سَتَمضِي لَيَالِي شَهرِ رَمَضَانَ عبثًا! لا يَا عَزِيزِي! مَا يَستَفِيدُهُ الرُّفَقَاءُ مِنْ قِرَاءَةِ القُرآنِ وَدُعَاءِ الِافتِتَاحِ أكثَرُ مِمَّا يَستَفِيدُونَهُ مِنْ كَلَامِي، وأقُولُهَا لَكُمْ بِصَرَاحَةٍ، سَوَاءٌ قَبِلتُمْ أمْ لَمْ تَقبَلُوا. وحينئذ، إذا كَانَ يدور في خُلدي أنَّه عليّ أن آتِي وَأجلِسُ مَعَ الرُّفَقَاءِ، ليُقال عِندَمَا يَنتَهِي شَهرُ رَمَضَانَ: «أجل، لقد تَحَدَّثَ إلينا هَذَا السيّدُ أيضًا»، فأَفرَحُ في قلبي بِأنَّني طرحت هَذِهِ الأحَادِيثِ في شَهرِ رَمَضَانَ... فلَوْ جَاءَتْ هَذِهِ النية، فإنّ عَمَلِي هَذَا سيُصبِحُ تمثيلاً، ويصير عرضًا مسرحيًّا وَالسَّلَامُ. لا مُزَاحَ في ذَلِكَ؛ لأنّ الإمَام السجَّاد عليه السلام لا يَمزَحُ مَعَ أحَدٍ. 

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

8
  • فلَوْ كَانَتْ نيتي أنْ أطرح هذه المسائل وَأقُولَها لِلرُّفَقَاءِ فَقَطْ، وَلَكِنْ عِندَمَا أقُولُهَا، أُخرِجُ نَفسِي مِنَ القَضِيَّةِ بِطَرِيقَةٍ مَا، ولَا أُشرِكُ نَفسِي في المَسائل المَطروحة في هَذِهِ الفقَرَاتِ، ولا أمزجها وأخلِطُهَا بِالقضايا المثارة في هَذِهِ البَيَانَاتِ، فإنّني سأكون مُمَثِّلاً، بينما تنالون أنتُمْ فائدتكم، وتَستمَعُونَ إلى الحَدِيث، وفي نهاية المطاف، تحصل النُّفُوسُ المُستَعِدَّةُ والمُهَيَّأةُ على فَائِدَتِها. فَاللهُ لَدَيهِ ألفُ وَسِيلَةٍ وَوَسِيلَةٍ. وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَى كُلِّ فَردٍ أنْ يُحَاسِبَ نَفسَهُ، فأنَا الذي أحدّثكم، وَأنتُمْ الذينَ تَستمَعُونَ وَتُشَارِكُونَ، يَجِبُ عَلَينَا جَمِيعًا أنْ نُحَاسِبَ أنفُسَنَا، لِنَرَى أين موضعنا في هَذِهِ الظروف وَفي هَذَا المَوقِفِ؟ وفي أيّة وضعيّة نوجد؟ وإلاّ يُصبِحُ هَذَا العِرفَانُ ذَرِيعَةً، ويصير وَسِيلَةً لِلمَعِيشَةِ، ويضحى رَأسَ مَالٍ لِلتِّجَارَةِ.

  • فتجد أحدهم يَتَحَدَّثُ لِسَاعَةٍ، بينما يكون قَدْ حَلَقَ لِحيَتَهُ بِالكامِلِ، ثُمَّ يَقُومُ وَيَأتِي لِيَتَحَدَّثَ عَنِ اللهِ، فيَخلِطُ مجموعة من الكلمات بالقُرآنِ، وَكَلِمَاتِ سَعدِي وَمَولَانَا، وبِضعَةِ مُصطَلَحَاتٍ إنجِلِيزِيَّةٍ، فَمَاذَا يُصبِحُ هَذَا؟ دَرسُ أخلَاقٍ! يُصبِحُ دَرسَ مَعَارِفَ! مَا هَذَا؟! إنَّهُ تَمثِيلٌ يَا عَزِيزِي! تَمثِيلٌ! فالمُمَثِّلُ يَذهَبُ وَيَقفِزُ للِأعلَى والأسفَلَ وَيقوم بحركات المهرّجين، وَهَذَا أيضًا نَوعٌ مِنَ التَّهرِيجِ، واستهزاءٌ بكَلِمَاتِ الأولِيَاءِ وَتلاعب بِهَا.

  • ذَاتَ يَومٍ، قال لي شخص مَوثُوقٌ: «كُنتُ في مَنزِلِ بَعضِ هَؤُلَاءِ الذينَ يَأتُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ عَنِ العِرفَانِ وَكذا وَمَولَانَا وَسَعدِيٍّ وأمثال هذه المسائل، فيأتون ويطرحونها، ويَخلِطُونَهَا جَمِيعًا مِثلَ حَسَاءِ "شُلّه قَلَمكَار"،۱ فيقتبس مِنَ فِردَوسِي وَمِنْ مَولَانَا أيضًا»، لكن، مَا عَلَاقَةُ فِردَوسِي بِمَولَانَا؟ يَعنِي: ألَا يَفهَمُ إلى هَذَا الحَدِّ أنَّهُمَا يقعان في طَيفَينِ مُتَقابلين؟! ثمّ قَالَ: «عِندَمَا ذَهَبتُ إلى مَنزِلِ بَعضِ هَؤُلَاءِ، جَاءَتِ ابنَتُهُمْ وَقَدَّمَتِ الضيَافَةَ لِلضيوفِ الرجَالِ وَهِيَ سَافِرَةُ الرَّأسِ». فَمَاذَا يُصبِحُ هَذَا حِينَئذٍ؟! يُصبِحُ مُمَثِّلاً! فهذا هو معنى التمثيل. وَحِينَئذٍ، يَتَوَقَّعُ الإنسَانُ أنْ يَحصُلَ عَلَى شَيءٍ عِندَمَا يَجلِسُ لِيَستَمِعَ إلى حَدِيثِ هَؤُلَاءِ! وأنْ يَحصُلَ عَلَى نَفعٍ! وأنْ يَحصُلَ عَلَى رُوحَانية! وأنْ يَحصُلَ عَلَى مَعرِفَةٍ! وأنْ يَحصُلَ عَلَى نُورٍ! لا يَا عَزِيزِي! لَا، إنَّهُ لَعِبٌ! فلِلَّعِبِ أنوَاعٌ، وَهَذَا أحَدُهَا، ووَاحِدٌ مِنهَا. فيُقِيمُونَ جَلسَةَ ذِكرٍ، ويَقرَؤُونَ دُعَاءَ الجَوشَنِ، ويُردّدون أشعار حَافِظ، ويَتلون دُعَاءَ السِّمَاتِ، ويَقرَؤُونَ دُعَاءَ كَذَا، ويَجمَعُونَ بين هذه الأمور، وَلَكِنْ، عِندَمَا يَنظُرُ الإنسَانُ إليهم، يَرَى أنَّهُ تمثيلٌ، كُلُّهُ تمثيلٌ. فالذَّهَابُ وَالإيَابُ تمثيلٌ، واتِّخَاذُ القَرَارَاتِ تمثيلٌ، كُلُّهُ تمثيلٌ..

    1. حَسَاءٌ فَارِسِيٌّ مُتَنَوِّعُ المُكَوِّنَاتِ. المعرّب

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

9
  • يَجِبُ التَّغيِيرُ، وينبغي تَبديل الفِكرِ وتَغيِيرُ المَسَارِ، ويتعيّن الاستِيقَاظُ مِنْ نَومِ الغَفلَةِ، ويَجِبُ على الإنسَان أنْ يَرَى في أيِّة مَكَانَةٍ هُوَ، فهَلْ يَتلاعب بالألفاظ، أم أنّه يتابع الأمور بجديّة؟ وهَلْ يَسعى لتسلية نفسِه، أمْ أنَّهُ يَسِيرُ في الطَّرِيقِ حَقًّا؟

  • نصيحةُ العلاّمةِ لتجاوزِ التردُّدِ والاعتماديّةِ

  • لِذَلِكَ، كَانَ المَرحُومُ العَلاّمَة يَقُولُ: عِندَمَا تصِلُ إلَيكُمُ المسألة فَلَا تُرَاجِعُونِي بَعدَ ذَلِكَ، فقد وَصَلَ إلَيكُمُ الموضوع وَانتَهَى الأمرُ، فلَا تَأتُوا بِاستِمرَارٍ وَتَقُولُوا: «يَا سَيِّدِي مَاذَا أفعَلُ هُنَا؟ مَاذَا أفعَلُ هُنَاكَ؟ مَاذَا نَفعَلُ هُنَاكَ؟»؛ لأنّ هَذَا الأمر يُوقِفُكُمْ، ولَا يَدَعُكُمْ تَتَحَرَّكُونَ. خُذُوا الأمرَ وَتقدّموا إلى الأمَامِ؛ فالمَجِيءُ بِاستِمرَارٍ وَقَولُ هَذَا، وَيَا سَيِّدِي حَالِي كَذَا، وَيَا سَيِّدِي أمرِي كَذَا، وَيَا سَيِّدِي فُلَانٌ كَذَا؛ هَذَا لا يُعَالِجُ مرض الإنسَانِ، بل يُبقيه على حاله، ويُوقفه [عن المسير] يا عزيزي، يُوقفه. عِندَمَا يَصِلُ الأمرُ إلى الإنسَانِ، وعِندَمَا يَصِلُ الحَدِيثُ إلى الإنسَانِ، وعِندَمَا يَصِلُ الكَلَامُ إلى الإنسَانِ، وعِندَمَا يَصِلُ المَحَكُّ إلى الإنسَانِ، وعِندَمَا يَصِلُ المِعيَارُ إلى الإنسَانِ، فَلَا دَاعِيَ بَعدُ للطّعن وَالنَّقدِ وَمَا إلى ذَلِكَ، وَالبَحثِ والتَّنقِيبِ. يَا سَيِّدِي لَقَدْ قِيلَ لَكَ الأمرُ، فاذهَبْ إلى حال سَبِيلِك، ومَا شَأنُك بِالإنسان حينئذ؟! يَا سَيِّدِي تَعَالَ وَخُذ بِيدي أنا أيضًا، يَا سَيِّدِي تَعَالَ وخلّصني، يَا سَيِّدِي لَيسَ لَي أحَدٌ غَيرُك، يَا سَيِّدِي أمَلي فِيك فَقَطْ، يَا سَيِّدِي...، مَا هَذَا الكَلَامُ يَا عَزِيزِي؟ مَا هَذِهِ الألاعيب؟! هَلْ نُرِيدُ أنْ نَخدَعَ أنفُسَنَا؟! لا يَا سَيِّدِي.

  • هل يختلفُ دورُ إمامِ الزمانِ عليه السلام عن دورِ الأنبياءِ والأئمّةِ السابقينَ؟

  • فمن الذي أوصَلَ هَذَا الأمرَ إلَينَا؟ ألَيسَت هي نَفسُ الإمَامِ المُبَارَكة التي أرَادَت أنْ تَكُونَ المَسألَةُ بهذا النحو؟ وَهَلْ يَفعَلُ الإمَامُ عليه السلام غَيرَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله؟ فنَحنُ نَتَخَيَّلُ أنَّه: بِمَا أنَّ إمَامَ الزَّمَانِ عليه السلام هو في غَيبَةٍ الآنَ، فإنّ لَدَيهِ وَظِيفَةٌ وَمهمّة أعلَى مِنَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله؛ كلاّ! ونظنّ أنّ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله كان يَأتِي بِهَذَا النحو، فيَصعَدُ المِنبَرَ وَيَتَحَدَّثُ من دون أن يكون له شَأنٌ بِأيّ أحَدٍ، أمَّا إمَامُ الزَّمَانِ عليه السلام فَيَجِبُ أنْ يَأتِيَ إلى بُيُوتِنَا وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرِ، ويَطرُقُ البَابَ، وَيَدخُلُ، وَنَرَاهُ، وَيَأخُذُ بِيَدِنَا، وَيَسحَبُنَا لِلخَارِجِ، فيَأخُذُنَا إلى قِمَّةِ الجَبَلِ، أو إلى البَحرِ، أو إلى الأعلَى حَتَّى يحقّ له أن يكون إمَامَ الزَّمَانِ. لا يَا سَيِّدِي! إنّ إمَام الزَّمَانِ عليه السلام يَفعَلُ نَفسَ مَا كَانَ يَفعَلُهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله، ويَفعَلُ نَفسَ مَا كَانَ يَفعَلُهُ مُوسَى بنُ جَعفَرٍ عليه السلام، ويَفعَلُ نَفسَ مَا كَانَ يَفعَلُهُ الإمَامُ الصَّادِقُ عليه السلام. وَلَكِنْ، لِأنَّ هؤلاء كَانُوا يقتصرون على الحديث، فَإنّهم عَادِيونَ بِالنِّسبَةِ إلينا! فلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله يَفعَلُ شَيئًا، بل كَانَ يَأتِي عند النَّاسِ [وَيَقُولُ]: «أيُّهَا النَّاسُ صَلُّوا، أيُّهَا النَّاسُ صُومُوا، أيُّهَا النَّاسُ حُجُّوا، وَلَا شَأنَ لِي بِبَقِيَّةِ أعمَالِكُمْ!». فقد جَاءَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله، وَبَلَّغَ رِسَالَتَهُ؛ وأمّا إمَام الزَّمَانِ عليه السلام، فإنّ أمره يَختَلِفُ، فهو يَأتِي، ويُعين الإنسان، ويُمسك بباطنه، ويُأخذ بيده. كلاّ يَا سَيِّدِي! لأنّ النَّبِيّ صلّى الله عليه وآله كَانَ أعلَى مِنْ إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام، وكَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله جَدَّ إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام، ألَمْ يَكُنْ كذلك؟ ففي أيّ مرتبةٍ من أجداد إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام كَانَ؟ إنّ الفَرق بَينَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله وَبَينَ إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام هُوَ أنَّ ذَاكَ كَانَ ظَاهِرًا وَيَتَحَدَّثُ إلى النَّاسِ، بينما إمَام الزَّمَانِ عليه السلام لا يَتَحَدَّثُ إليهم. فالعَمَلِ الذي كَانَ النبِيُّ صلّى الله عليه وآله يقوم به مع النَّاسِ عن طريق كلامه ــ وهو العمل الذي كان بالنسبة للناس عبارة عن قبول وَانجذاب وعمل وحركة، بحيث كلّ مَنْ لَمْ يقبله وَلَمْ يَنجذِبْ وَلَمْ يَعمَلْ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ فسيكون هو المقصّر ـ يَقُومُ بِهِ إمَامُ الزَّمَانِ عليه السلام الآنَ بعينه، وَلَكِنْ لَيسَ بِصُورَةٍ ظَاهِرَةٍ بَلْ بِصُورَةٍ بَاطِنَةٍ. 

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

10
  • إنّ الكُتُبُ التي ألّفها المَرحُومُ العَلاّمَة هِيَ نَفسُ كَلَامِ إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام الذي يَظهر في هَذِهِ الكُتُب. فهذا هو الطريق بعينه. فالمسائل التي كَتَبَهَا [العلاّمة]، وأقُولُ هَذَا لِلرُّفَقَاءِ حَقًّا، ولَا أُرِيدُ أنْ أُبَالِغَ الآنَ، فقَدْ يَقُولُ أحَدُهُمْ إنَّهَا مُبَالَغَةٌ، حيث كُنت أتحدّث في مَجلِسٍ نِسَائِيٍّ، فسَألَتني إحدَاهُنَّ: «يَا سَيِّدِي، لِمَاذَا تَتَحَدَّثُ دَائِمًا عن وَالِدِكَ؟ ولِمَاذَا لا تَتَحَدَّثُ عَنْ فُلَانٍ؟!»، فقُلتُ لها: «إنّ العَالَمِ بأسره ولله الحمد يَتَحَدَّث عَنْ فُلَانٍ، وَأنا لا أعتَرِضُ!!! فإذا كنت أتحدّث أنا الآن عَنْ وَالِدِي، فَلِمَاذَا تَعتَرِضُونَ أنتُمْ؟» فكُلُّ وَسَائِلِ الإعلَامِ، وكُلُّ مَنْ هَبَّ وَدَبَّ. كُلُّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ هَذَا وَذَاكَ، حَسَنًا، أنا لَيسَ لَدَيّ أيّ اعتِرَاض. ثُمَّ إنّني لَم أبنِ حَدِيثي على المرحوم العلاّمة فقط، فأنتُمْ تَعلَمُونَ أنَّ كلامي يتضمّن كَلِمَاتِ جَمِيعِ الأعَاظِمِ، بحيث تجدني أنقل حديث كلّ مَن يكون عظيمًا، وَكُلُّ مَنْ لا يكون عَظِيمًا فهو المقصّر، ولَا شَأنَ لَي بِأيّ أحَدٍ. فهَذِهِ المسائل هي بهذا النحو.

  • لو كنتَ عندَ الإمامِ الآنَ، فبماذا كانَ سيوصيكَ؟

  • فلا يختلف إمَامُ الزَّمَانِ عليه السلام أبدًا عن الإمَامِ الصَّادِقِ عليه السلام أوَ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله أو أمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام ـ سَوَاءٌ في الخَمسة وَالعِشرِينَ سَنَةً التي كَان قاعدًا فِيهَا في المَنزِلِ أو في الأربَعِة سَنَوَاتٍ وَنَيِّفٍ التي كَان قدِ فيهَا تولّى المسؤوليّة ـ و لا فَرقَ بينهم بتاتًا. فنجد أنّ المَنهَجِ والأسَاسِ والطريق الذي كَان في كَلَامِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله وَسُلُوكِه حينما كَانَ يَأتِي، وَيَتَحَدَّثُ لِلنَّاسِ، ويُصَلِّي معهم، ويَنصَحُهُمْ، ويطرح عليهم المَسَائِلَ الأخلَاقِيَّةَ، ويذكر لهم الأحكَامَ، ويدلّهم على السبيل، فيُصغي إليه أحَدُهُم، ويلجأ الآخر إلى السخريّة مِنهُ. نَفسُ الطريق وَصَلَ إلى أمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام، ونَفسُ الطَّرِيقِ وَصَلَ إلى الإمَامِ الحَسَنِ عليه السلام، ونَفسُ الطَّرِيقِ وَصَلَ إلى الإمَامِ الحُسَينِ عليه السلام؛ وهكذا إلى الإمَامِ السَّجَّادِ والإمَامِ البَاقِرِ والإمَامِ الصَّادِقِ عليهم السلام، غاية الأمر أنّ بعضَ هَؤُلَاءِ الأئِمَّةِ كان لهم ظهورٌ كظهورِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وآله؛ نظير الإمَامَ البَاقِرَ وَالإمَامَ الصَّادِقَ وأمِيرَ المُؤمِنِينَ عليهم السلام، وَبَعضُهُمْ لَمْ يكن لهم ظهور؛ مِثلَ الإمَامِ السجَّادِ والإمَامِ الهَادِي والإمَامِ الحَسَنِ العَسكَرِيِّ عليهم السلام وإمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام نَفسِهِ، والذي فاقهم مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ أكثَر؛ إذ دَخَلَ مُنذُ البِدَايَةِ في الغَيبَةِ، فكانت الغَيبَةِ الصُّغرَى ثُمَّ الغَيبَةِ الكُبرَى. 

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

11
  • لكنّ مصبّ الكلام هنا هو: لَوْ كُنتُمْ عِندَ إمَامِ الزَّمَانِ، فأيُّ كِتَابٍ مِنْ بَينِ هَذِهِ الكُتُبِ المَوجُودَةِ حَالِيًّا كَانَ عليه السلام سَيُوصِيكُمْ بِهِ لِتَقرَؤُوهُ؟ أيَّ كِتَابٍ؟ افعَلُوا نَفسَ هَذَا الشَّيءِ الآنَ أيضًا. لَوْ كُنتُمْ عِندَ إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام وَأرَادَ أنْ يُعطِيَكُمْ تَعلِيمَاتٍ، تَعلِيمَاتٍ أخلَاقِيَّةً، تَعلِيمَاتٍ سُلُوكِيَّةً، ذِكرًا، ألَمْ يَكُنْ عليه السلام لِيَقُولَ لَكُمْ: اقرَؤُوا القُرآنَ؟ ألَمْ يَكُنْ لِيَقُولَ ذلك؟ حَسَنًا، اقرَؤُوه الآنَ أيضًا. فهَلْ يَجِبُ حَتمًا أنْ يَأتِيَ هُوَ، وَيَذكر ذلك، حَتَّى يصير أمرًا مُستندًا؟! أو حَتَّى يكون حائزًا على الإمضاء؟! إنّ الكَلَامُ الذي كَتَبَهُ أولِيَاءُ اللهِ وَقَالُوهُ وَبَيَّنُوهُ وَوَصَلَ إلَينَا، هَذَا نَفسُهُ لَوْ كَانَ الإمَامُ عليه السلام مَوجُودًا لَقَالَ: «قوموا به»؛ ولَوْ كَانَ غَيرَ هَذَا، لَوَجَبُ الشَّكُّ فِيهِ، مع العلم أننّا مطمئنّون إلى هذه المسألة.

  • وَلَوْ قُلنَا للِإمَامِ آنذاك: «يَا سَيِّدِي، يَجِبُ أنْ تَأخُذَ بِيَدِنَا، يَا سَيِّدِي لا يُمكِنُ، لَنْ نَترُكَكَ، يَجِبُ أنْ تُخلّصنا مِنَ النَّفسِ [الأمّارة]»، لقال عليه السلام: «أنَا لا أُجِيدُ هَذِهِ الأعمَالَ». سيَقُول لَكُمْ بِكلّ صَرَاحَةٍ: «أنَا لا أُجِيدُ هَذِهِ الأعمَالَ. هل تُرِيدُ أنْ أخلّصك من النفس [الأمّارة]؟ اذهَبْ وَاعمَلْ بِهَذِهِ التَّعَالِيمِ، اعمَلْ بِهَا، وستتخلّص منها بِنَفسِكَ. اذهَبْ وَاعمَلْ بِهَذِهِ المَسائل، وستتخطّاها بِنَفسِكَ. اذهَبْ وَاعمَلْ بِهَذِهِ الأوَامِرِ، وسَتَعبُرُ بِنَفسِكَ. وأمّا إذا أردت شيئًا آخر، وأن تكون عبدًا من دون عبوديّة، فلَا! لا يُوجَدُ هَذَا الكَلَامُ. فلا تتوقّع منّي أنْ آتِيَ وَأسحَبَكَ لِلخَارِجِ وَأُخرِجَكَ وكذا. وأمَّا مَا أفعَلُهُ أنَا بِنَفسِي، فَلَا عَلَاقَةَ لَكَ بِهِ. ومَا أفعَلُهُ بَينِي وَبَينَ اللهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإمَامَتِي [فلا علاقة لك به]»، هَلْ أعلَمُهُ أنَا؟ كلاّ، فلا أنَا أعلَمُهُ وَلَا أنتُمْ تَعلَمُونَهُ، ولَا أحَدَ مِنَّا يَعلَمُهُ، بل هُوَ وَحدَهُ يَعلَمُهُ. فهذا مَا سيَقُولُهُ لَنَا، وها أنَا ذا أقُولُهُ لَكُمْ.

  • لماذا نرفُضُ الهدايةَ العامّةَ ونبحثُ عنِ الخصوصيّة؟

  • تُرِيدُ أنْ تَتخلّص مِنَ النَّفسِ [الأمّارة]؟ اذهَبْ وَاعمَلْ بِنَفسِ هَذِهِ [التَّعَالِيمِ]. 

  • ـ ماذا؟! إنّها يا سيّدي في متناول الجَمِيعِ!

  • ـ سيَقُولُ الإمام: وما الذي تُريده؟ هَلْ تُريد أكتُبُ لَكَ رِسَالَةً خَاصَّةً؟

  • ـ ماذا؟! يَا سَيِّدِي، هَذِهِ الكُتُبُ تُوجَدُ في كُلِّ بَيتٍ.

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

12
  • ـ حَسَنًا، فَلتكن كذلك، فالقُرآنُ أيضًا يُوجَدُ في كُلِّ بَيتٍ، وكتاب مَفَاتِيحُ الجِنَانِ موجَودٌ كذلك في كُلِّ بَيتٍ. فهل لِأنَّهُ موجودٌ في كُلِّ بَيتٍ يَعنِي لَيسَت لَهُ قِيمَةٌ؟ وأنّه كتاب عَادِيٌّ؟ 

  • وهذا نظير أن يتّفق مُجتَمَعٌ طِبِّيٌّ على كِتَابَةِ تَعلِيمَاتٍ لِلصِّحَّةِ والسَّلَامَةِ مفادها: «كُلُوا هَذِهِ الأشيَاءَ وَلَا تَأكُلُوا تِلكَ الأشيَاءَ، وغير ذلك». فَيُلقِي الإنسَانُ بِهَا جَانِبًا، ويقول: «لقد أعطَوها لِلجَمِيعِ، وأنَا أُرِيدُ شَيئًا خَاصًّا». فأذهَبُ عند الدُّكتُورِ الفلانيّ وَأقُولُ له: «يَا سَيِّدِي، أريدك أن تكتب لي تعليمات بِنَفسِكَ تكون مغايرةً للتي طرحتها على النَّاسِ!»؛ ففي هذه الحالة، سيَقُولُ: «يَا سَيِّدِي، قُمْ وَاذهَبْ إلى حال سَبِيلِكَ! مَا هَذَا الكَلَامُ؟!»

  • لقد جِئنَا نَحنُ الآنَ، وَاستَهَنَّا بِهَذِهِ المَسألَةِ، وجَعَلنَا هَذِهِ التَّعلِيمَاتِ العَامَّةَ بِلَا اعتِبَارٍ وَبِلَا قِيمَةٍ، وتوجّهنا إلى إمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام، وقلنا له: «يَجِبُ أنْ تَأتِي إلى مَنزِلِنَا بنحو مستقلّ وخاصّ، وتُشَرِّفنَا بالقدوم إلى بيتنا، لكن، من دون أن يَأتِي أحَدٌ آخَرُ»، ونَقُولُ هَذَا أيضًا، بحيث لَوْ جَاءَ فَردٌ آخَرُ، لكان أمرًا خاطئًا. ذَاتَ مَرَّةٍ، ذَهَبَ أحدهم ليأخذ مَوعِدًا من أجل لقاء وليّ من أولِيَاءِ اللهِ تعالى. ثُمَّ عِندَمَا أرَادَ أنْ يُعطِيَهُ ذَلِكَ المَوعِدَ، طلب منّا أيضًا أنْ نَأتِيَ مَعَهُ، فَانزَعَجَ ذلك الشخص من أنَّهُ: لِمَاذَا في ذَلِكَ الوَقتِ الخَاصِّ الذي أخَذَهُ مَثَلاً مِنْ هذا الولي، يَأتِي أحَدٌ غَيرُهُ؟! مَا شَأنُكَ؟ حَسَنًا هُوَ نَفسُهُ أرَادَ ذلك، فهَلْ جِئنَا نَحنُ...؟ حيث قَالَ [ذلك الوليّ]: «حَسَنًا، ابقَ أنتَ أيضًا». ففي هذه الحالة، لَوْ جَاءَ فَردٌ آخَرُ، هَلْ سيَتَضَرَّرُ هُوَ؟ لن يَتَضَرَّرُ؛ فالكَلَامُ الذي سيقوله [ ذلك الوليّ]، سيَقُولُهُ لِكِلَيهِمَا. وبَدَلاً مِنْ أنْ يُتعِبَ نَفسَهُ، وَيَأتِيَ، وَيَقُولَ لَهُ هو، ثمّ يقوله لِي أنا، ثمّ يقوله لِثَلَاثَةٍ آخَرِينَ، فإنّه يَجمَعُ الجَمِيعَ، وَيَتَحَدَّثُ إليهم مُبَاشَرَةً. وعوضًا عن أنْ يَقضِيَ خَمسَ سَاعَاتٍ في ذلك، وتَضِيعُ مِنه أربَعُ سَاعَاتٍ، فإنّه سيَقضِي سَاعَةً وَاحِدَةً أو نِصفَ سَاعَةٍ في هذا الأمر، فيقول: «اعمَلُوا كُلُّكُمْ [بما قلته]». وبَدَلاً مِنْ أنْ يُخصّص الآنَ ألفَ سَاعَةٍ لِلجَمِيعِ من أجل ذكر تَعلِيمَاتٍ مشتركةٍ، فإنّه يَكتُبُ كِتَابًا وَاحِدًا، ويقول: «أيّها السادة، اعمَلُوا بِرِسَالَةِ لُبِّ اللُّبَابِ، وأقسم لكم بالله تعالى وبالرسول وبكلّ ما تعتقدون به أنّكم سَتَصِلُونَ إلى مبتغاكم. فاعمَلُوا تَصِلُوا». لكنّنا نَقُولُ: «كلاّ!».

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

13
  • ـ يَا سَيِّدِي هَذَا الكِتَابُ طُبِعَ، وَقد تُرْجِمَ في كُلِّ مَكَانٍ أيضًا.

  • ـ كلاّ! هَذَا لا فَائِدَةَ فِيهِ. كلاّ!! يَجِبُ أنْ يَكُونَ الأمر خَاصًّا، يَجِبُ أنْ يَكُونَ خَاصًّا!

  • وحينئذ، مَاذَا سيُصبِحُ هَذَا الأمر؟ سيُصبِحُ اعتِبَارًا! ويصير تَوَهُّمًا! وَيُصبِحُ...

  • إنّ المسائل التي أطرحها في هذه اللَّيلَةَ دَقِيقَةٌ جِدًّا، فَلْيُفَكِّرْ فِيهَا الرُّفَقَاءُ كَثِيرًا؛ لأنّ الطَّرِيقُ يُكتَشَفُ ويُستخرج مِنْ بَينِ ثَنَايَاها، بحيث يتسنّى لنا معرفة كَيفَ نُخرِجُ أنفُسَنَا مِنْ هَذِهِ العُقدَةِ المُحَيِّرَةِ، وَنَتَحَرَّرُ مِنْ هَذِهِ التَّوَهُّمَاتِ وَالِاعتِبَارَاتِ التي تُحِيطُ بِنَا، وَيُنقِذُنَا اللهُ مِنْ تِلكَ الآفَاتِ التي يُبتَلَى بِهَا الناس. فهذه هي حقيقة الأمر!

  • ركائزُ السلوكِ الأربعةُ: العملُ، والمراقبةُ، والصبرُ، والتحمُّلُ في مواجهةِ النفسِ

  • ومن هنا، يَجِبُ أنْ نَعلَمَ أنَّ الطَّرِيقَ عِبَارَةٌ عَنِ العَمَلِ وَالمُرَاقَبَةِ وَالصَّبرِ عَلَى مَا يَجرِي في الباطن، وَالتَّحَمُّلِ تُجَاهَ مَا يَحصُلُ لِلإنسَانِ. فعِندَمَا يُرِيدُ هذا الإنسَان أنْ يَقُومَ بِعَمَلٍ مَا، فإنّ نفسه لا تَدَعُهُ، بل تَتَمَرَّدُ، وتَقاوم، وتعرقل، وتتقلّب صعودًا وَهبوطًا لِتُخرِجَ نَفسَهَا مِنْ طائلة ذَلِكَ التَّكلِيفِ، وحتّى أنّها تصوّر له المَسألَة [أي تعليمات الأولياء] أحيانًا على أنّها عَادِيةٌ، فتقول له: «هَذِهِ الأعمَالُ التي تَقُومُ بِهَا هِيَ أشيَاءُ عَادِيةٌ، فقد أصبَحَتْ أعمالاً عَادِيةً، فمَا الفَائِدَةُ التي جَنَيتَهَا منها؟ ومَاذَا كَسِبتَ منها؟ فما الفائدة من: اجلِسْ وَقُلْ هَذَا بِاستِمرَارٍ، وَاجلِسْ وَقُلْ ذَاكَ بِاستِمرَارٍ؟! وما هي ثمرة من قولهم باستمرار: افعَلْ ذَلِكَ العَمَلَ؟! فهَذِهِ كُلُّهَا أمور عَادِيةٌ». وأحيَانًا تأتي هذه الأمور بِصُورَةِ ضَغطٍ، وأحيَانًا بِصُورَةِ نِسيَانٍ، وأحيَانًا بِصُورَةِ إهمَالٍ، وأحيَانًا بِصُورَةِ تَخَيُّلَاتٍ، وأحيَانًا بِصُورَةِ تَقَلُّبَاتٍ؛ وهَذِهِ كُلُّهَا أشيَاءُ تَدُلُّ عَلَى أنَّ هَذِهِ [النَّفسَ] تَتَقَلَّبُ، وتَصعَدُ وَتَهبِطُ، فيَجِبُ عَلَى الإنسَانِ أنْ يَحفَظَها وَيَصُونَهَا، متى؟! حينما يَكُونَ لَدَيهِ يَقِينٌ ومَعرِفَةٌ، وإنْ لَمْ تَكُنْ لَدَيهِ مَعرِفَةٌ فَلْيَقُمْ وَلْيَذهَبْ لِيَكتَسِبَها. ومَتَى مَا حصل على هذه المَعرِفَة، فَلْيَأتِ بِنَفسِهِ أيضًا. فهُنَا، لا أحَدَ وَكِيلٌ لِأحَدٍ آخَرَ، وَلَا قَيِّمٌ عَلَى أحَدٍ آخَرَ، وَلَا وَلِيٌّ لِأحَدٍ آخَرَ، فلَا يُوجَدُ هَذَا الكَلَامُ أبَدًا. قَيل: «لَوْ كُنتَ طَبِيبًا، لَدَاوَيتَ نَفسَكَ أوَّلاً». فهُنَا، لا يقال إلاّ مَا هُوَ حَقٌّ وَصَواب، يَعنِي: في هَذِهِ المَدرَسَةِ، لا يراد فَردٌ مُعَيَّنٌ، وإنّما يُبَيَّنُ في هَذِهِ المَدرَسَةِ مَا هُوَ موجودٌ كما هو.

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

14
  • لقد ذكر المَرحُومُ العَلاّمَة في كِتَابِ نُورِ مَلَكُوتِ القُرآنِ ـ ولَا أدرِي في أيِّ جزء منه، وهل في الأوَّل أو الثَّانِي ـ أنّه حصل بينه وبين ذَلِكَ الرجل الذي كَانَ في مَسجِد القَائِم جدال وخلاف، ثُمَّ تَوَسَّعَتِ القَضِيَّةُ قَلِيلاً، وَاحتَدَمَ النِّزَاعُ، وَتدَخّلَتْ الأهوَاءُ النفسانية في هَذِهِ المَسألَةِ، حَتَّى أرَادَ أنْ يَقُومَ بِعَمَلٍ مَا، فخَطَرَ فَجأةً في ذِهنِهِ أنْ يَستَخِيرَ، وَيَرَى [ماذا يقول القرآن] بِشَأنِ هَذِهِ القَضِيَّةِ ـ الِاستِخَارَةُ تعنِي التفَؤّل بِالقُرآنِ - فَجَاءَتْ هذه الآيَةُ: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ ۱. حَسَنًا مَاذَا فَعَل [العلاّمة]؟ جَاء وَعَمِل بِمُقتَضَى هَذَا الأمرِ القُرآنِيِّ وَالآيَةِ الشَّرِيفَةِ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَى ذَلِكَ تِلكَ البَرَكَاتُ وَالخَيرَاتُ.

  • قراءة القرآن: بينَ التَّدبُّرِ والعملِ وبينَ القراءةِ السطحيّةِ

  • أمّا نَحنُ، فنَقرَأُ هَذِهِ الآيَةَ ألفَ مَرَّةٍ وَلَا نَعمَلُ بِهَا. ألفَ مَرَّةٍ! فكَمْ مَرَّةً تلونا القُرآنَ حَتَّى الآنَ؟ وكَمْ مَرَّةً خَتَمنَا القُرآنَ مِنْ أوَّلِهِ إلى آخِرِهِ؟ عَلَى الأقَلِّ في شهرِ رَمَضَانَ مَرَّة وَاحِدَة! وقَرَأنَا هَذِهِ الآيَةَ أيضًا، فنَقرَأُ بِسُرعَةٍ حَتَّى النِّهَايَةِ، ثُمَّ نَعُودُ مِنَ البِدَايَةِ بِسُرعَةٍ مَرَّةً أُخرَى حَتَّى النِّهَايَةِ، فمَتَى تَوَقَّفْنَا عِندَ هَذِهِ الآيَاتِ؟! ومَتَى فَكَّرْنَا فيها؟! ومَتَى تَأمَّلْنَا فيها؟! ومَتَى سعينا لتطبيقها عَلَى أنفُسِنَا؟! ألَمْ يَكُنِ المَرحُومُ العَلاّمَة في ذَلِكَ الوَقتِ مِنْ أولِيَاءِ اللهِ؟ وَلَكِنَّهُ جَاء، وَعَمِل بِنَفسِ هَذَا العَمَلِ الظَّاهِرِي. فهَلِ استَخدَم عِلمه بالغيب؟ وهَلِ استَعان ببَاطِنِه بِطَرِيقَةٍ مَا، وأنزَلَ الحقائق مِنْ تِلكَ العَوَالِمِ إلى الأسفل؟! كلاّ يَا سَيِّدِي! بل تَفَأّل، وفَتَح القُرآنَ، فَجَاءَتْ تلك الآيَة، فَعَمِل بِهَا، وَانتَهَى الأمرُ. لِمَاذَا لا نَفعَلُ نَحنُ [نفس الشيء]؟ نَحنُ لَا، نَحنُ لا عَلَاقَةَ لَنَا بِالقُرآنِ بتاتًا، وإذا قِيلَ لَنَا: «اقرَؤُوا حزبًا وَاحِدًا في اليَومِ»، فإنّنا نَقرَؤه، لِكَي نَقُولَ غَدًا لَوْ حَصَلَ شَيءٌ: «يَا سَيِّدِي قَرَأنَا حزبًا واحدًا، وَلَمْ يَحصُلْ أيّ شَيء»، فَنُصبِحُ دَائِنِينَ أيضًا! هَذَا كُلُّ شَيءٍ. إنّنا نَقرَأُ حزبًا وَاحِدًا في اليَومِ، ثُمَّ نُؤَدِّي التَّكلِيفَ؛ وبالتالي، فلن تُوجَدُ لدينا أيّة مُشكِلَةٍ، وَنكون قَدْ سَجَّلْنَا الجَنَّةَ بِسِتَّةِ أقسَامِهَا بِاسمِنَا، وذلك بِقِرَاءَتِنَا لِهَذَا الحزب الوَاحِدِ. يَا لَحُسنِ حَظِّنَا! وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ أيضًا! فتجدنا نتلوه وَقتَ النَّومِ، بحالة من النعاس، وقد أطرقنا برؤوسنا لِلأسفَلِ، ثمّ نُنهِيهِ بهذا النحو! فأوَّلاً، هذا سُخرِيَةٌ بِالقُرآنِ: ﴿وَاتَّخَذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾.٢ ففي يَومِ القِيَامَةِ، إحدَى المَجمُوعَاتِ التي يَأتِي القُرآنُ وَيَشكُو مِنهَا هِيَ تِلكَ التي تَقرَأُ القُرآنَ بِطَرِيقَةٍ مُهِينَةٍ؛ نظير الذين يَأخُذُونَهُ، وَيَجلِسُونَ مُتَرَبِّعِينَ، وَيَمُدُّونَ أرجُلَهُمْ، أو يتلونه وَقتَ النَّومِ بحالة من النُّعَاسِ! 

    1. سورة فصّلت (٤۱) الآية ٣٤.
    2. سورة الكهف (۱۸) الآية ۱۰٦.

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

15
  • يَجِبُ قِرَاءَةُ القُرآنِ في أفضَلَ الأوقَاتِ التي خصّصها الإنسان لِهذا العَمَلِ، ففي هذ الوَقتِ، يَجِبُ قِرَاءَةُ القُرآنِ، وذلك بِفِكرٍ مُنفَتِحٍ، وبِهُدُوءٍ وَطُمَأنِينَةٍ، وفي مَكَانٍ خَالٍ وَهَادِئٍ، ثمّ أشعِلُوا عُودًا، واستَعمِلُوا العِطرَ، ونَظِّفُوا أنفُسَكُمْ، والبَسُوا ثِيَابًا بَيضَاءَ، ثُمَّ اقرَؤُوا القُرآنَ. لا أنْ نَفتَحَ القُرآنَ هَكَذَا، ونتلوه باستمرار؛ بحجّة أنّ تلاوة حزب واحد من القرآن هي جزء من البَرنامجِ، ثمّ ترانا نقوم بذلك أيضًا في آخِرِ اللَّيلِ وَقتَ النَّومِ! لَقَدْ رَأيتُ هَذَا! فيقرؤون القرآن في آخِرِ اللَّيلِ وَقتَ النَّومِ، وفي اللحظة الأخيرة! فتجدنا نَقُولُ ألفَ كَلِمَةٍ تَافِهَةٍ، ونَتحدّث في المَجَالِسِ، ونَغتَابُ، ونَتَّهِمُ، ونَتَحَدَّثُ وَنَضحَكُ مَعَ هَذَا وَذَاكَ، وَما إن يحين وَقتَ النَّومِ وَالفِرَاشِ، حتّى نَتَذَكَّرُ القُرآنَ وَحزبنا! في ذَلِكَ الوَقتِ نَقرَأُ القُرآنَ! حَسَنًا، لَقَدْ أدَّينَا وَاجِبَنَا وَانتَهَى الأمرُ. لا يَا سَيِّدِي هَذَا لا فَائِدَةَ مِنهُ.

  • كيفَ تكونُ الاستجابةُ للقرآنِ هيَ "الأخذَ باليدِ" الحقيقيَّ؟

  • لقد جَاءَ المَرحُومُ العَلاّمَةُ، وَ[عمل بـ] هذِهِ الآيَة التي أنزَلَهَا اللهُ في القُرآنِ، وإلاّ لِمَنْ أنزَلَهَا تعالى؟ أنزَلَهَا لِنَبِيِّهِ صلّى الله عليه وآله، وَلِأمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام، وَلِإمَامِ الزَّمَانِ عليه السلام، وَلِلعلاّمة، وَلَنَا؛ فهَذِهِ الآيَةُ لِلجَمِيعِ، وهَذِهِ الآيَاتُ لِلجَمِيعِ؛ وَلَكِنْ، على كُلّ إنسان أن يَعمَل بها طبقًا لمَعرِفَتِهِ. فبالتأكيد، مَا يَفهَمُهُ إمَامُ الزَّمَانِ عليه السلام [من القرآن]، لَوْ مَرَّتْ مائَةُ ألفِ سَنَةٍ، لما فهمنا نَحنُ ذَرَّةً مِنهُ بتاتًا؛ غير أنّ ذلك لا يعني أنَّهُ لا يُوجَدُ شَيءٌ عَلَى الإطلَاقِ. وكذلك، أينَ فَهمُنَا مِمَّا كَانَ يَفهَمُهُ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله؟ كَمَا قَالَ أحَدُهُمْ: «يَا عَلِيُّ لَوْ كُنتَ تَتَوَقَّعُ أنْ نُصَلِّيَ الصَّلَاةَ التي تُصَلِّيهَا أنتَ، فَهَذِهِ أُمنِيَةٌ لَنْ تَتَحَقَّقَ إلاّ عِندَ حَوضِ الكَوثَرِ!». حَسَنًا، تِلكَ الصَّلَاةُ يُصَلِّيهَا هُوَ، وهِيَ تختصّ به، وَلَكِنّ ذلك لا يعني أنَّه لا ينبغي علينا أن نُصَلِّي بتاتًا. كلاّ! بل يَقُولُونَ: «صَلِّ أنتَ أيضًا، فإنّنا سنَقبَلُهَا، ولَا تَقُلْ لا أُصَلِّي»، لَا! صَلِّ أنتَ الآنَ أيضًا بحسب مقدار قابليّتك وَاستِعدَادِكَ.

  • لقد جَاءَ العَلاّمَةُ وَذكر تلك القصّة في كِتَابِ نُورِ المَلَكُوتِ، لكن لِمَنْ؟! فهل ذكرها، لِكَي يَملَأَ بها الصَفَحَاتِ، وَيَقُولُوا عنه إنَّ هَذَا السَّيِّدَ الطَّهرَانِيَّ كَانَ لَدَيهِ سَبعُونَ مُجَلَّدًا مِنَ الكُتُبِ؟ أمْ أنّه ذكرها مِنْ أجلِ هذه اللَّيلَةِ، ولِكَي نطّلع على تلك القصّة، وَعِندَمَا نَقرَأُهَا، نَعمَلُ بها وبتلك الآيَةِ مِنْذ صَبَاحِ الغَدِ مَعَ الأفرَادِ الذينَ نرتبط بهم. هَذِهِ هِيَ القَضِيَّةُ! فإنْ فَعَلنَا ذلك، فَقَدْ فُزنَا، وَإنْ لَمْ نَفعَلْ، فَقَدْ خَسِرنَا، وهَذَا ما يُسَمَّى بالهداية.

أهمية العمل بتعاليم الأولياء بعد المعرفة بها

16
  • مفهومُ "الهداية الحقيقيّة": هلْ ننتظِرُ معجزةً أمْ نستجيبُ للهدايةِ؟

  • فالهداية لَيسَت أنْ تَرتَفِعَ يَدٌ مِنَ الغَيبِ مِثلَ الجِنِّ، وَتَأتِي، وتعبر مِنْ هَذَا الجِدَارِ، وَتُمسك بالإنسان، وتُغَيِّره. لا يَا عَزِيزِي! إنْ كُنتُمْ تَتَخَيَّلُونَ أنَّ الهداية السُّلُوكِيّة هي هَذَا، فَخُذُوا هَذِهِ الأُمنِيَةَ مَعَكُمْ إلى القَبرِ؛ فلا شيء من هذا الكلام هنا، وإن عثرتم عليه في مكان آخر، فَاذهَبُوا إليه؛ فقَدْ يوجد في أمَاكِنٍ أُخرَى أو مُدُنٍ أُخرَى أو مَجَالِسَ أُخرَى بعضُ الأفرَاد الذين يَقُولُونَ: «كلاّ! نَحنُ نَفعَلُ هَكَذَا، فنَأتِي وَنَتَدَخَّلُ وَنَتَصَرَّفُ، وَنَقُومُ بِأمرٍ غَيرِ عَادِي، وَنَفعَلُ الخَوَارِقَ»؛ غير أنّه لا عِلمَ لِي أنا بِذَلِكَ، لا عِلمَ لِي به أبَدًا، وَلَمْ أرَ وَلَمْ أسمَعْ شَيئًا كَهَذَا مِنَ الأعَاظِمِ أيضًا. فالهداية تعني: عِندَمَا تصلك المسألة، لا تُجَادِل فِيهِا وَلَا تتسَاءَل عَنها. هَذَا هو مَعنَى الهداية. فمَنْ أوصَلَ هذه المسألة؟ مَنْ أوصَلَها؟ ألَيسَ الإمَامُ عليه السلام هُوَ الذي أوصلها؟ فهذا هُوَ الحَدُّ الأدنى لمَا نَعرِفُهُ عَنِ الإمَامِ عليه السلام، هذا هو الحَدُّ الأدنى. وحينئذ، إذا تَظَاهَرَ أحَدُهُمْ بِالنَّومِ، سيَقُولُ الإمَامُ: «هذا لَيسَ ذَنبِي»، وسيَقُولُ عليه السلام آنذاك: «مَاذَا أفعَلُ أنَا؟ لقد كنتَ تُرِيدُ أنْ يَصِلَ إلَيكَ الأمرُ، فَقَدْ أوصَلنَاهُ إلَيكَ، وكنت تُرِيدُ أنْ تَتَّضِحَ لَكَ القَضِيَّةُ، فَقَدْ أوضَحنَاهَا لَكَ، وكنت تُرِيدُ أنْ تَحصُلَ عَلَى المَحَكِّ وَالمِعيَارِ، فقد قمنا بذلك، ووَضَعنَاه أمَامَكَ، وَأوضَحنَا لَكَ الأمرَ وَبَيَّناهُ». 

  • حَسَنًا، هَذِهِ كَانَتْ مَسألَةٌ كَانَ الرُّفَقَاءُ مُطَّلِعِينَ عَلَيهَا، إمّا قَلِيلاً أو كَثِيرًا، غير أنّ الاطِّلَاعُ عليها [مرّة أخرى] مِنْ بَابِ التَّذكِير ـ ﴿فَذَكِّرْ﴾۱ـ يَكُونُ أحيَانًا مُفِيدًا لِلإنسَانِ أيضًا. 

  • نَأمَلُ أنْ يُعَامِلَنَا اللهُ ـ إنْ شَاءَ تعالى ـ بِلُطفِهِ وَرَحمَتِهِ، وَأنْ يُصلِحَ وَيَجبُرَ تَقْصِيرَاتِنَا بِرَأفَتِهِ وَعَطفِهِ، وَأنْ يُعَرِّفَنَا كَلِمَاتِ أولِيَاءِ اللهِ وَطَرِيقَهُمْ وَمَنهَجَهُمْ، وَيُوَفِّقَنَا لِلعَمَلِ بِهَا.

  •  

  • اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ.

    1. سورة الأعلى (۸۷) الآية ٩.