6

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

8128
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةسبيل الفلاح

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

محاضرة‮ ‬ألقاها‮ ‬سماحة‮ ‬العلامة‮ ‬الحاج‮ ‬السيد‮ ‬محمد‮ ‬الحسين‮ ‬الحسيني‮ ‬الطهراني‮ ‬قدس‮ ‬الله‮ ‬نفسه‮ ‬الزكية‮ ‬في‮ ‬مشهد‮ ‬في‮ ‬الثالث‮ ‬من‮ ‬شوال‮ ‬سنة‮ ألف و أربعمائة وإحدى عشرة ‬هجرية،‮ ‬وهي‮ ‬تشتمل‮ ‬على‮ ‬حقيقة‮ ‬المراقبة‮ ‬وأهميتها‮ ‬للسالك،‮ ‬وضرورة‮ ‬تطبيقها‮ ‬على‮ ‬نفسه‮ ‬بترك‮ ‬الكلام‮ ‬ومخالطة‮ ‬الناس،‮ ‬وأن‮ ‬من‮ ‬يترك‮ ‬العمل‮ ‬سيكون‮ ‬مصيره‮ ‬الخسران‮ ‬والضياع،‮ ‬وأن‮ ‬السبب‮ ‬في‮ ‬وصول‮ ‬طلاب‮ ‬المرحوم‮ ‬السيد‮ ‬علي‮ ‬القاضي‮ ‬قدس‮ ‬سره‮ ‬إلى المراتب‮ ‬العالية‮ ‬هو‮ ‬العمل‮ ‬والمثابرة‮.‬

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • المُرَاقَبَةُ وَالتَزْكِيَةُ وَالمُواظَبَةُ فِيْ السَيْرِ وَالسُلُوكِ 

  •  

  • سبيل الفلاح - الجَلسَةُ السَادِسَةُ

  •  

  • محاضرات ألقاها 

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

2
  •  

  •  

  • أَعُوْذُ بِاللـهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَجِيمِ

  • بِسْمِ اللـهِ الرَحْمَنِ الرَحِيمِ

  • وَصَلّى اللـهُ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِهِ الطَاهِرين

  • وَلَعْنَةُ اللـهِ عَلى أَعْدَائِهِم أَجْمَعِين

  •  

  •  

  • تمهيد

  • إنّ طيّ طريق الله لا يكون بالكلام والأقوال فقط؛ بل يكون مقرونًا مع العمل، وكلّما عَمِل الإنسان سينجح ويترقّى بمقدار عمله، وكلّما ترك العمل سيتأخر ويتراجع.

  • لقد صعد رسول الله صلّى الله عليه وآله في فتح مكّة على جبل الصّفا، وآنذاك كان جميع بني عبد المطّلب مجتمعين حوله، وكان جمعًا عظيمًا، حيث انتصروا على الكفّار وصار المشركون مطرودين ومهزومين ومنبوذين، وأصبحوا أذلّاء وطلقاء، وباتت القدرة والعظمة والعزّة والشوكة لرسول الله وأصحابه وبني هاشم وبني عبد المطّلب، فألقى حينها رسول الله خطبةً مختصرةً جدّاً، وبدوري أعرض عليكم مفادها، قال صلّى الله عليه وآله: اعلموا يا بني عبد المطّلب! بما أنّ الغلبة والعزّة كانت للإسلام وقد نصرنا الله وجعل كلمة الحقّ غالبةً على كلمة الباطل، فلا تظنّوا أنّكم ولقرابتكم منّي فقد انتهى عملكم هنا وأنّكم مهما عملتم من عملٍ فلا بأس، لا تظنّوا أنّكم بسبب انتسابكم لنبيّ آخر الزّمان فسوف تكون أعمالكم وأفعالكم مغفورةً وسوف يُغضّ الطّرف عنها، كّلا! إنّ الأمر ليس كذلك أبدًا!

  • كلّ شخصٍ مرهونٌ بعمله، وأنا رهينُ عملي، وأنتم كذلك رهناء أعمالكم أيضًا! «إنّ لي عَمَلي ولَكُم عَمَلَكُم»۱و٢، فإذا قمت أنا نفسي بمعصيةٍ للّه فسوف أسقط وأهوي في وادي الهلكة.

  • وقد أوصى أمير المؤمنين عليه السّلام أبناءه بنفس هذه الوصيّة، وكذلك جميع الأئمّة عليهم السّلام قد أوصوا أبناءهم وأقاربهم وأصحابهم والمقرّبين منهم بهذه الوصيّة.

  • فليست المسألة أنّه يُمكن للإنسان الانتفاع والتقدّم بمجرّد الانتساب والقرابة، إذ أنّ ذلك مخالفٌ لما وَصَلنا من السُنّة الإلهيّة التامّة.

  • ولو كان الأمر كذلك لكان الله ظالمًا، إنّ الله يتعامل مع جميع الموجودات بنظرةٍ واحدةٍ، وإذا أردنا أن ننظر إلى هذه المواضيع ونعتقد بأنّ مجرّد الانتساب من دون العمل موجِبٌ لرفعة المقام والمنزلة، وموجبٌ للحركة والوصول، فمن الواضح بأنّ هذا الأمر سوف يكون خاطئًا مئة بالمئة.

  • حقيقة السلوك إلى الله وما ينبغي للسالك عمله

  • أوّلًا: العمل

  • إنّ السلوك عبارة عن العمل! وسلوك طريق الله يكون بالعمل! والسالك هو الذي يضع قدمه بصدقٍ في الطريق؛ وأهمّ ما يقوم به هو توطين النفس، إذ ينبغي له ومنذ الوهلة الأولى أن يشدّ حزامه ويحفظ نفسه ـ بحول الله وقوّته ـ من جميع الآفات والعاهات التي في هذا الطريق.

    1. بحار الأنوار، ج ٢۱، ص ۱۱۱.
    2. لمزيدٍ من الاطلاع على هذه الخطبة الشريفة راجع: معرفة المعاد، ج ٣، ص ۱٦۷؛ ج ۱۰، ص ٢٤۱؛ ولاية الفقيه في حكومة الإسلام، ج ۱، ص ٩۸. (م).

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

3
  • كان المرحوم القاضي ـ رحمة الله عليه ـ يأمر تلامذته بأن لا يتناولوا الطعام للتفكُّه!

  • وفي إحدى المرّات كان قد أعطى آية الله الخوئي ـ أبقاه الله إن شاء الله۱ ـ برنامجًا سلوكيًّا (لأنّه كان يأخذ برنامجًا سلوكيًّا من السيّد القاضي مدّةً من الزمن)، فقال له: لا تأكل الطعام تفكّها وتفنّنًا! وقد فكّر: أنّه ما العمل الآن؟ ففي النهاية لا بدّ أن نأكل الطعام ونأكل الأرز والمرَق، ومن أجل عدم تناول الطعام بهدف التفكّه والتفنّن في الأصناف، علينا أن نأكل الأرز والمرق كلّاً على حِدَةٍ؛ فنكون بذلك قد قوّينا أبداننا من جهةٍ وخففّنا جانب التفكّه والتلذّذ وأمثال ذلك من جهة أخرى. 

  • وبالطبع إنَّ الإفراط في هذه المسألة غير جيّدٍ أيضًا، فإنّه: «خّيرُ الأمور أوسَطُها»٢.

  • وقد أوصى الأولياء أن يأكل الإنسان اللّحم مرّتين أو ثلاث مرّات في الأسبوع، وليس من الجيّد تناوله أكثر من ذلك، لأنّ ذلك يُجهد فكر الإنسان فلا يقوى على العمل، وحينما يتعب الفكر تتعب الروح، وبذلك سيبقى في مكانه، فيتعطّل السيف الذي يجب أن يُستعمل في سبيل الله ويهوي أرضًا ويصدأ ويضعُف شيئًا فشيئًا؛ وحينئذٍ سيتبدّل ذلك السيف القاطع إلى قطعة حديدٍ صدئةٍ لا فائدة منها.

  • ثانيًا: الرياضة الروحيّة

  • ثانيًا: وهو الأهم من ذلك كلّه، الرياضة الروحيّة، بحيث تكون نفس الإنسان وروحه طوع أمره، فيَسُوسُها ويؤدّبها، كي لا تدخله في أيّ صراطٍ! ولا يدخل نفسه في كلّ المشتهيات النفسانيّة، فالمجالس والمحافل والثرثرة والكلام الكثير جميعها مضرّةٌ، وتهوي بالإنسان وتسقطه تمامًا، وكذلك السياحة والأسفار التي ليست في مكانها تُتعب الإنسان.

  • كان المرحوم القاضي يقول (وكذلك سائر الأعاظم): إنّ السفر مضرٌّ للسالك من الأساس، ويجب أن يُكتفى بالحدّ الأدنى والضروريّ منه؛ وإلّا فإنّه سوف يفقد في تلك المدّة التي يُسافر فيها سكونه وطمأنينته شاء أم أبى، مضافًا إلى أنّه لن يكتسب شيئًا في فترة سفره، ولن يتقدّم ويتكامل، وحينما يرجع من سفره يجب أن يبذل جهدًا جديدًا مدّةً من الزمن حتى يُرجِع تلك الحالات التي فقدها.

  • ثالثاً: الصمت

  • الثالث: الصمت وعدم التكلّم بكلامٍ زائدٍ لا فائدةَ منه، بل إنّ تجنّب الكلام العادي أيضًا هو من الدساتير السلوكيّة الحتميّة للسالك.

    1. ألقيت هذه المحاضرة في زمان حياة السيّد أبو القاسم الخوئي رحمه الله. (م)
    2. الكافي، ج ۱، ص ٥٤۰.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

4
  • ينبغي على السالك أن لا يتكلّم، فعليه أن لا يقول مثلًا: فلأجلس أنا ورفيقي، ولنتحدّث نحن الاثنان عن هذا الأمر وذاك الأمر، وعن الأرض والسماء والشرق والغرب والسياسة ومن هنا ومن هناك، وبما أنّنا رفيقان نمتلك نهجًا واحدًا ومسلكًا واحدًا، فإذن لا ضرر في ذلك، لا أبدًا! بل مُضرٌّ جدّاً! فهذا يُسقط السالك سقوطًا تامّاً ويُفْنيه من حيث لا يَشعُر!

  • كان آية الله الحاجّ الشيخ محمّد تقي بهجت الفومني (وهو الآن بحمد الله على قيد الحياة ويسكن في قم المقدّسة)۱ من تلامذة المرحوم القاضي، وكان له في فترة شبابه حجرةً في مدرسة «السيّد» ـ والظاهر أنه سكن في تلك المدرسة سبع سنين ـ وقد اشتغل فيها بالمراقبة والصمت إلى درجةِ أن طلاب تلك المدرسة لم يكونوا يرونه!

  • كان الحاج الشيخ عباس القوچاني رحمة الله عليه ـ الذي ارتحل الى العالم الأبدي قبل سنةٍ وعدّة أشهر٢ ـ يقول: كان لي وللشيخ بهجت لكلّ منّا حجرة في مدرسة «السيّد»، وعندما تشرّف الشيخ محمّد تقي بهجت في محضر المرحوم القاضي ـ رحمة الله عليه ـ وأخذ منه الدستورات والبرامج، كان كلّما أراد أن يخرج للدرس ويرجع إلى المدرسة، وضع العباءة على رأسه؛ حتّى لا يتعامل معه أحدٌ في الشارع أصلًا، ولا يكلّمه ولا يشغله بالحديث والسلام.

  • وكانوا يقولون أيضًا: لقد كانت مراقبته شديدةً إلى درجة أنّه إذا أراد الرجوع إلى المدرسة والدخول إلى حُجْرته، كان يدخل من باب الدهْليز المسقوف الواقع خلف المدرسة بواسطة سُلّمٍ يوصِل إلى الغرفة العُلويّة، ولم يكن يدخل من صحْن المدرسة لكي لا يلتقي بأحدٍ، ولم يكن هذا الأمر ليومٍ أو يومين، بل كان ديدنه طوال سبع سنواتٍ كاملةٍ! وبالطبع سيحصّل ثمرات ذلك ونتائجه في نفسه.

  • وفي هذه السنوات الأخيرة في طهران، التقيتُ في يومٍ من الأيّام بأحد العلماء الذين كانت تربطني بهم علاقةٌ قديمةٌ، وكان من علماء تبريز الذين سكنوا في طهران، وكان له منصبٌ ومسؤوليّةٌ، وبالطبع كان على اطلاعٍ كاملٍ بعلاقتنا بالعلّامة الطباطبائي، فقال لي شاكيًا سماحة العلّامة [الطباطبائي]: رغم أنّنا من بلدٍ واحدٍ، وكان كلانا يدرس في النجف، إلّا أنّ العلّامة [الطباطبائي] وأخيه لم يُفسْحا المجال لنا للارتباط والتواصل معهما، وكانا يُطأطئان رأسيهما دائمًا، فلم يكونا لينظرا إلى هذا الجانب أو ذاك الجانب إذا أرادا الذهاب إلى الدرس أو العودة منه والعبور داخل السوق، بل كانا ينظران إلى الأسفل، وكأنّنا لسنا بشرًا أصلًا.

    1. توفي سماحة الشيخ محمّد تقي بهجت، عصر يوم الأحد الموافق لـ ٢٢ جمادي الأوّل من عام ۱٤٣۰ هـ في مدينة قم ، وكان على قيد الحياة عند إلقاء هذه المحاضرة. (م)
    2. توفي سماحة الشيخ عبّاس هاتف القوجاني في ٢٣ شعبان ۱٤۱۰هـ‌، ودفن في النجف الأشرف. (م)

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

5
  • نعم! لقد قال لي ذلك من باب الشكاية أو التعريض مثلًا. حسنًا، ولكن ماذا يعرف هذا الشخص عن السبب الذي كان يدعو العلامة الطباطبائي وأخيه لعدم الكلام مع هذا وذاك، وهما من طلبة العلوم الدينيّة وكان سنّهما في حدود نيّفٍ وعشرين سنةً لا أكثر (حيث كان السيّد محمد حسن أصغر من أخيه العلامة بخمس سنواتٍ)؟ ولماذا لم يكونا ينظران إلى هذا الجانب أو ذاك؟ ولماذا لم يشغلا أنفسهما؟ مع أنّ نفس الانسان تحبّ أن تتلفّت إلى هذه الجهة أو تلك وأن تتكلّم وتختلط وغير ذلك.

  • لقد كان لدى هؤلاء وجعٌ وألمٌ، وكانوا يرون أنّه لا دواء له ولا علاج إلّا بهذه الطريقة، كما أنّهما لم يُقلّلا من احترام أحدٍ، بل احترامُ كلّ شخصٍ محفوظٌ في محلّه، ولكن هذا الأمر لا يستلزم أن ينظر الانسان ويتلفّت إلى هذا الجانب وتلك الجهة، وأن يتودّد لهذا أو ذاك، أو يُسلّم عليهم أو يتكلّم معهم، أو أن يحضر المجالس والمحافل، أو أن يُشارك في الجلسات والسهرات (والقعدات) والاجتماعات التي لا طائل منها.

  • الصمت هو أحد الدساتير الأساسيّة لهذا الطريق، وإذا لم يلتزم الإنسان بالصمت مطلقًا؛ فسوف يخسر جميع رأسماله ومكتسباته النفسيّة، فهذه النفس تبذل جهدًا؛ تذكرُ ذِكرًا، وتتعبّد بعبادةٍ، فمثلًا: يقوم الإنسان بإحياء اللّيل إلى الصباح، فتكتسب نفسه مكاسب على إثر ذلك، فإذا سكت الانسان ستبقى مكتسباته محفوظةً، وهذه المكتسبات تحفظ نفسه هكذا، وتبقى مع السكينة والطمأنينة وتسعى نحو تحصيل مكتسباتٍ جديدةٍ، وأمّا إذا لم يسكت، فسوف تضطرب نفسه وسيمتزج جميع الوسخ والقذارة في نفسه مرّتين، وسوف يتعكّر الماء الصافي لنفسه وروحه مرّتين، وهو لن يتنبّه في الظاهر أيضًا، وسيقول: ماذا فعلنا بحيث لم نترقّى؟ ماذا فعلنا بحيث لم نتكامل؟ إنّ السبب في ذلك هو أنّنا أهدرنا ما اكتسبناه في مكانٍ آخر، مثل المخْزن الذي له ثقبان: ثقبٌ يدخل الماء منه، وآخر يخرج منه الماء أيضًا؛ حسنًا، فلو أُدخِل الماء بهذه النحو إلى المخزن طوال العمر، فلن يبقى في داخله شيء أبدًا.

  • جان همه روز از لگد کوب خیال***وز زیان و سود و از خوف زوال

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

6
  • نی صفا می‌ماندش نی لطف و فرّ***نی به سوی آسمان راه سفر۱
  • [يقول: تدور الروح كلّ يومٍ في الخيال فلا يبقى لها لطفٌ أو صفاء، وتخشى الضرّ مع خوف الزوال فلا يغدو بإمكانها السفر نحو السماء]

  • رابعًا: حضور القلب في الصلاة

  • الرابع: حضور القلب في الصلاة واجبٌ ولازمٌ. إذا لم يكن للانسان حضور قلبٍ في الصلاة، فإنّ صلاته لن ترتفع إلّا بذلك المقدار من عدم الحضور والتوجّه ولن ترتفع أكثر من ذلك.

  • وقد ورد في الرواية أنّ الملائكة ترفع صلاة الإنسان بذلك المقدار الذي يكون فيها حضورٌ للقلب، ولا يرفعون ذلك المقدار الذي لا يكون له حضور قلب فيه، وعندما ترفع الملائكة صلاة الإنسان وتصل إلى السماء الأولى فيقال: أرجعوا هذه الصلاة واضربوها بوجه صاحبها؛ لأنّه لم يكن متوجّهًا إلينا أثناء صلاته، وقد جعل لنا شريكًا آخر أثناء صلاته٢. ويقول الله: أنا خير شريك، ولذا سأمنح سهمي إلى شريكي٣، إنّنا لا نحتاج إلى هذه الصلاة.

  • كثيرًا ما نرى إنسانًا كثير العمل في الخارج، لكنّ نتيجة عمله قليلةٌ، والسبب هو ما ذكرنا من أنّه ينبغي على الانسان مراعاة هذه المسائل.

  • بيان العلامة الطباطبائي للشرط الأساسي في تأثير الأعمال

  • معنى المراقبة

  • سألتُ العلّامة الطباطبائي يومًا: «في أيّة حالةٍ يكون العمل الكذائي مؤثّرًا؛ أو كيف يكون أكثر تأثيرًا؟ فأجاب: «بالمراقبة! بالمراقبة!» ثم فسّر ذلك قائلًا: هل تعرف ما معنى المراقبة؟ إنّ المراقبة تعني:

  • صَمت و جوع و سهر و عزلت و ذکری به دوام***ناتمامان جهان را کند این پنج تمام
  • [يقول: صمتٌ وجوعٌ وسَهَرٌ وعُزلةٌ ودوام الذِّكر؛ هذه الخمسة ستجعل غير الكاملين في العالم كاملين]

  • يعني: العمل بهذه الأمور لازمٌ حتمًا لتتحقّق المراقبة، وهي عبارةٌ عن ما يلي:

  • ۱. الصمت: أي السكوت.

  • ٢. الجوع: والجوع هنا يعني: تنظيم الطعام، وتجنّب الإفراط وأمثال ذلك، ويعني: الصوم الذي هو من الواضح حدّه الأعلى والأكمل، بشرط أن لا يتدارك ما فاته من الطعام عند الإفطار أو السَحَر، فلا ينبغي أن يمتلئ ويُتْخم كي لا تزول جميع آثار الصوم.

  • ٣. السهر: وهو الاستيقاظ آخر اللّيل، فإنّ السالك الذي لا يستيقظ آخر اللّيل وبين الطلوعين، لن ينال أصلًا أيّاً من المقامات حتّى لو جاهد نفسه وأتعبها ألف سنة؛ فإنّه لن يستفيد شيئًا، فهذا دستورٌ أساسيٌّ!

    1. المثنوي المعنوي، الدفتر الأوّل.
    2. الظاهر أنّ سماحته يُشير إلى الرواية التي وردت في كتاب، فلاح السائل ونجاح المسائل، للسيّد ابن طاووس، ص ۱٢۱. (م)
    3. الكافي، ج ٢، ص ٢٩٥.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

7
  • ٤. العزلة: وهي تعني: الابتعاد عن أهل الدنيا وعن أهوائهم وآرائهم، وعن الأشخاص الذين همّهم تحصيل المال والجاه والاعتبار، فحتّى لو كانوا مسلمين ومن أهل الصلاة، إلّا أنّهم يفتقدون حرقة الدين وألم [فراق] الله، بل همُّهم هو هذه المسائل المعيشيّة والاجتماعيّة وما شابه ذلك، فإنّ التعامل مع هؤلاء يُتعب الانسان، ويصيبه بالكسل، ويذهب بروحه.

  • ٥. دوام الذِكْر: ومعناه: أنّ على الانسان أن يذكر الله تعالى في قلبه على الدوام، وأن ينشغل فكره به تعالى، وأن يكون متوجّهًا إليه في كل آنٍ آنٍ من ساعاته، كم مضى من عمري؟ ولا أعلم كم سيبقى منه أو متى سينقضي؟ كان هناك أشخاصٌ مثلنا وقد تحرّكوا وساروا ووصلوا، كما أنّ هناك العديد من الأشخاص الذين غرقت أقدامهم في الطين وعلقوا، وقضوا حياتهم بـ«سوف» و«ليت» و«لعلّ»، حتّى انقضى عمرهم وارتحلوا في نهاية المطاف بيَدٍ خاليةٍ.

  • أهمّيّة المراقبة

  • وهذه المراقبة ـ التي هي عبارةٌ عن هذه الأمور ـ لها حكم الوقاية بالنسبة للمريض الذي يخضع للعلاج من قبل الطبيب؛ حيث ذلك الدواء الذي يريد أن يُعطيه إيّاه، أو العمليّة الجراحيّة التي سيقوم بها، يتوقّف على امتناع المريض عن تناول الطعام قبل العمليّة مثلاً، فلو تناول قليلًا من الطعام أو كان في معدته ماءٌ؛ فقد يختنق بسبب التخدير، ولذا يقول له الطبيب: يجب أن لا تأكل شيئًا! ويضعون فوق سريره عبارة (يجب أن يكون على الريق في الصباح)! يجب أن لا يأكل شيئًا! وفي هكذا ظروف، لا يمكن للمريض أن يقول: فلأشرب جرعةً من الماء أو لأقوم بالأمر الفلاني، وإن شاء الله لن يكتشفوا ذلك.

  • إنّهم إذا لم يمنعوا الإنسان ولم يكبّلوا يديه، فبإمكانه أن يقوم هو بنفسه ويشرب الماء، ولكنّ شرب هذا الماء سيهدّد حياته بالموت، ويكون بذلك قد أوقع نفسه في الخطر، فإذا اطمأنّ الإنسان بأنّ هذا الطبيب يقول الصدق ويقول الحقّ، وبأنّ هذا الجهاز العامل وهذا المستشفى قائمان على قانونٍ إجرائيٍّ وعلى نظامٍ صحيحٍ؛ فلابُدّ لكلّ مَن يدخل إليه أن يلتزم بهذا النظام شاء أم أبى، وذلك كي يتحقّق الهدف والنتيجة المرجوّة من هذا المستشفى وهو خروج المريض منه سالمًا معافى، وإلّا فلن يتعافى.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

8
  • إنّ الصمت يجمع أفكار الإنسان ويُمركزها، أمّا الكلام فيشتّتها، وهذان طريقان متعاكسان، فمن باب المثال: لو أراد الإنسان أن يتجّه ناحية المشرق فعليه أن يختار السكوت، أمّا لو لم يختر السكوت فكأنّه قد تحرّك باتّجاه المغرب.

  • حينما يسكت الانسان تتمركز أفكاره في نفسه؛ فيتجمّع شيئًا فشيئًا ذلك الهدف والمطلوب الذي يظهر في الإنسان بصورٍ متفرّقةٍ ومتكسّرةٍ وكثيرةٍ، فبسبب طمأنينة النفس الحاصلة من الصمت ستزول تلك التكسّرات والأمواج؛ وسوف يُشاهد الإنسان النفس، وبأنّ هذا الماء الذي في النفس قد هدأ وركد وصمت، وسوف تزهر فيه صورة القمر والشمس.

  • أمّا إذا لم يراع الإنسان الصمت، وألقى ببصره إلى كلّ مكان، وفتح فمه بالكلام في كلّ شيء، وأوصل من خلال نافذة أذنه كلّ كلام يطرق سمْعه، فإنّ هذا الذهن سيبقى متفرّقًا ومشتّتًا في هذا العالم، ينظر إلى تجلّيات الله في كلّ موجودٍ، إلّا أنّه أعمى لا يراها، بل يراها بشكلٍ متكسّرٍ وممتزجٍ {يَٰصَٰحِبَيِ ٱلسِّجۡنِ ءَأَرۡبَابٞ مُّتَفَرِّقُونَ خَيۡرٌ أَمِ ٱللَّهُ ٱلۡوَٰحِدُ ٱلۡقَهَّارُ}۱. ويبقى إلى آخر عمره يعيش في حالة التفرّق هذه، ويستمتع باسم السلوك والعرفان وحسب! ولن يكتسب شيئًا وسيرتحل مُتحسّرًا؛ لأن نفسه لم تتقدّم خطوةً في سبيل التكامل، وقد اكتفى باللفظ بدلًا من العمل، وبسماع لفظ العسل والحلوى وحفظهما بدلًا من أكْلهما، والاكتفاء بأخذ نسخة العلاج عند الرجوع إلى الطبيب ووضعها في الجيب بدلًا من الرقود في المستشفى وتلقّي العلاج هناك، وعدم الوصول إلى أيّ مكانٍ؛ بل لن يقتصر الأمر على عدم الوصول إلى أيّ مكان وإنّما ستكون العقبات التي ستعترض الإنسان خطيرةً وليست مزحةً!

  • في مرّةٍ من المرّات قُلتُ لنفسي: مثلًا إنّ هذه الآيات القرآنيّة تُهدّد بالعذاب، فهل واقعًا سيعذّب الله العليّ الأعلى هذا المقدار من البشر، وسيُفنيهم ويخلّدهم في جهنّم؟! ثمّ تبيّن فيما بعد أنّ هذا المقدار الذي بيّنه قليلٌ أصلًا! ولقد أشار الأنبياء والأولياء والأئمّة والقرآن إلى هذه المسائل إشارةً، ولكنّ المسائل أعلى بكثير من ذلك!

  • وحقّاً ما يقوله رسول الله: «نَحنُ مَعاشِرَ الأنبياءِ اُمِرنا أن نُكلِّمَ النّاسَ عَلَی قَدرِ عُقولِهِم»٢، أي: إنّنا مأمورون أنْ نُبيّن للنّاس على قدر مدركاتهم وفهمهم، ولا يمكننا أنْ نتكلّم أكثر ذلك.

    1. سورة يوسف (۱٢)، الآية ٣٩.
    2. جاء في هامش كتاب معرفة المعاد، ج ٤، ص ۸٥، ما يلي:«أصول الكافي» ج ۱، ص ٢٣؛ و«روضة الكافي»، ج ۸، ص ٢٦۸. وأورده في «تحف العقول» ص ٣٦، وفي «بحار الأنوار» الطبعة الكمباني، المجلّد ۱۷ (الروضة)، ص ٤۱ والمجلّد ۷۷، ص ۱٤۰ من الطبعة الحروفيّة، عن «تحف العقول» بلفظ: قالَ رَسولُ اللَه صَلَّى اللَهُ عَلَیهِ وآلهِ وسَلَّمَ: «إنّا مَعاشِرَ الأنبياءِ أُمِرنا أن نُكلِّمَ النّاسَ عَلَى قَدرِ عُقولِهِم». وروى البرقيّ في «المحاسن» ص ۱٦٥ بسنده عن سليمان بن جعفر بن إبراهيم الجعفريّ مرفوعًا، قال: قالَ رَسولُ اللَهِ صَلَّى اللَهُ عَلَیهِ وآلهِ وسَلَّمَ: «إنّا مَعاشِرَ الأنبياءِ نُكلِّمُ النّاسَ عَلَى قَدرِ عُقولِهِم».

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

9
  • فبمقدار الخلايا الموجودة في دماغ الإنسان، وبمقدار ما يحتويه بدن الإنسان من الخلايا، وبمقدار جميع جهات الاستعداد والقابليّة والقوّة التي لدى الإنسان، ينبغي للإنسان أنْ يسير نحو التكامل بذلك المقدار عينه وأن يحوّلها بأجمعها إلى فعليّةٍ محضةٍ! حسنًا، لكنّ الانسان لا يقوم بذلك، بل يتركها بأجمعها، ويتحرّك باتّجاهٍ آخر، وحينها سيذهب من الدنيا ناقصًا؛ مثل الفاكهة الفجّة التي يريد قطفها، لكنّها لا تنفصل عن الشجرة، فيحصل جرحٌ في الشجرة وتخرب، وتخرب الفاكهة أيضًا؛ والفاكهة الفجّة غير الناضجة لا تقدّم بين يدي السلطان، بل يرمونها في البساتين لتتحوّل إلى سماد، أو يطعمونها للحمار والبَغْل؛ بعد ذلك تُصبح عاقبة الانسان في دار الدنيا أنّه يُصبح طعْمةً للشياطين، وواقعًا يُصبح طعمةً للشياطين! ذلك الإنسان الذي يجب أن يصبح أعلى من الملائكة، يصير طعمةً للشياطين! وعندها تكون الحسرة كبيرةً! والندامة كبيرة! ولا مجال للعودة والرجوع! وسيقف الشيطان فقط، وسيقول [كما جاء في القرآن الكريم]:

  • {وَقَالَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لَمَّا قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمۡ وَعۡدَ ٱلۡحَقِّ وَوَعَدتُّكُمۡ فَأَخۡلَفۡتُكُمۡۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيۡكُم مِّن سُلۡطَٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوۡتُكُمۡ فَٱسۡتَجَبۡتُمۡ لِيۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوٓاْ أَنفُسَكُمۖ مَّآ أَنَا۠بِمُصۡرِخِكُمۡ وَمَآ أَنتُم بِمُصۡرِخِيَّ إِنِّي كَفَرۡتُ بِمَآ أَشۡرَكۡتُمُونِ مِن قَبۡلُۗ إِنَّ ٱلظَّٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ‌}۱.

  • أنا لم أجبركم على الفعل، وكلّ ما فعلته هو أنّني دعوتكم فقط، فلماذا استجبتم لي ولم تستجيبوا لدعوة الله؟! أنا لست بقادرٍ على مساعدتكم ونجاتكم، ولا أنتم قادرون على مساعدتي، فكلانا مبتلى، فأنا مبتلى بنفسي وأنتم مبتلون بأنفسكم؛ فلا تلجؤوا إليّ بذريعة أنّني خدعتكم في الدنيا وسوّلت لكم، أن تعال واحمل وزْرنا مع وزرك أيضًا وارفع المسؤوليّة عن عُهْدتنا.

  • يجب على المؤمن أن يبقى ساكتًا مطلقًا عن كلّ ما فيه ضرر؛ إلّا في الأمور التي تمثّل أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن المنكر، أو ذكرًا للّه، أو مباحثةً ـ على أن تكون المباحثة لِله وفي اللَـه، لا الكثير من الجدل والمراء، وإلّا ينبغي الاستمرار في المباحثة طالما كانت المباحثة موصلةً إلى حقيقة الأمر ـ ويجب أن يكون وقورًا!

    1. سورة إبراهيم (۱٤)، مقطع من الآية ٢٢.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

10
  • أهميّة الالتزام برواية عنوان البصري في السلوك

  • كان المرحوم القاضي ـ رحمة الله عليه ـ يأمر طلّابه أن يكتبوا رواية عنوان البصري وأن يضعوها دائمًا في جيبهم، وأن يُطالعوها مرّةً أو مرّتين في الأسبوع.

  • وقد طلب هذا العبد من بعض الرفقاء أن يكتبوها ويضعوها في جيْبهم، فمن يعرف العربيّة فبها، ومن لا يعرف العربيّة مثلًا، فعلى الأقلّ عليه أن يكتب ترجمتها ويضعها في دفتره الصغير داخل جيبه وعليه أن يُطالعها يومًا أو يومين في الأسبوع‌.

  • عندما ذهب هذا العبد إلى النجف، أُمرتُ أن أعمل برواية عنوان البصري، وأنّه ينبغي على الإنسان أن يضعها في جيْبه، في تلك الأيّام كان عندي كتابٌ صغيرٌ للجَيْب، وأذكر أنّني لم يكن لديّ آنذاك بحار الأنوار لأنقل منه الرواية، فذهبتُ إلى حسينيّة أهل شوشتر حيث كان فيها مكتبةٌ عامّةٌ معروفةٌ في النجف، فأخذتُ المجلّد الأوّل من بحار الأنوار من مسؤول المكتبة، وعثرتُ على هذه الرواية وكتبتها. والآن من بين دفاتر الجيب الصغيرة التي لديّ، هناك دفترٌ صغيرٌ يعود إلى تلك الأيّام وهذه الرواية مكتوبةٌ في أوّله۱.

  • فالغرض من الكلام هو أنّ على الانسان أن يسعى ويهتمّ بالمسائل، ومن دون متابعتها فلن يصل إلى أيّ مكانٍ، فالإنسان يعمل كثيرًا ويتعب، ولكن يوجد شروط لكي تحصل النتيجة، فلكي يضيء الضوء ينبغي أن تتوفّر جميع سلسلة الأسباب من وجود مصنع الكهرباء، وشبكة الأسلاك، والعدّاد، والمنظّم، والمخْزن، والمحوّلات، كلّ ذلك لكي تصل إلينا الكهرباء؛ أمّا لو توفّرت جميع هذه الأسباب إلّا أنّنا لم نضغط قليلًا على السِلْك الذي بين أيدينا ولم نوصلْه؛ فإنّ جميع أتعابنا ستذهب هدرًا؛ لذا يجب أن نراعي هذا الأمر أيضًا!

  • الخسران هو عاقبة ترك العمل

  • إنّنا نرى من بين طلاب المرحوم القاضي، أنّ الأشخاص الذين اهتمّوا وراعوا، حصّلوا واكتسبوا، أمّا الذين لم يُراعوا فلم يكتسبوا شيئًا. فينبغي أن لا نقول بأنّ جميع من كان وصل إلى محضر المرحوم القاضي قد نال الفلاح؛ كلّا، لقد عاد بعضهم إلى إيران، وذهبوا إلى هذه المدينة وتلك، وصاروا من أئمّة الجماعات ومن أهل السياسة، وكانوا يركضون خلف تحصيل الوكالة، وأن يُعيَّنوا نوّابًا في مجلس [الأمّة] في تلك الأزمان، وغيرها من الأمور، وكلّ ذلك بعنوان خدمة الإسلام. ولم يكن المرحوم القاضي راضيًا عنهم، وكانت أخبارهم وأفعالهم تصل إليه.

    1. مطلع أنوار (فارسي)، ج ٤، ص ۱٥٣؛ جُنگ ٣، ص ٢۱ إلی ٢٤؛ الروح المجرّد، ص ۱٩٢.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

11
  • لقد ذهب أحد طلاب المرحوم القاضي إلى «آذربيجان»، وبعد سنةٍ جاء شخص من «آذربيجان» إلى محضر سماحته، فسأله عن ذلك الطالب، فقال له: الحمد لله، لقد سلك مسْلكًا وأصبح من الوجهاء والناس تحبّه. والحاصل، لقد تأثّر المرحوم القاضي لذلك كثيرًا، وقال: هذه المعرفة والشهرة ـ أي: ذياع صيت الإنسان بين الناس واشتهاره ـ لهي آفّةٌ عظيمةٌ! يعني: عندما يُعرف الإنسان بين الناس، فإنّهم يقصدونه، ولكلّ واحدٍ منهم مطلبٌ، ومطالبهم في الغالب لا تتعدّى أمور المعاش والخبز والماء واللّحم وما شابه ذلك، ومن ناحيةٍ أخرى، هذا الشخص ليس كاملًا ولا واصلًا إلى سِدْرَة المُنتهى ولا متربّعًا عليها، وهو غارقٌ في جميع هذه الكثرات ومنشغلٌ بها، وبالتالي سيخسر روحه، وسيبقى إلى آخر عمْره بين طلب فلان، وطلب فلان، وهذا يُسلّم عليه وذاك يُطلق الصلوات، وهذا يُقبّل يده وذاك يُقبّل رجله، أمّا الذي اجتنب الشهرة؛ فعلى الأقل يستطيع أن يستجمع نفسه وقواه، وأن يتأمّل في مكنوناتها، ومع رعاية الصمت الذي تكلّمنا عنه سيصل في النهاية إلى مقامٍ ومنزلةٍ.

  • لقد قال لي الميرزا حسن النوري رحمة الله عليه (وقد توفي قريبًا في حادث سيْر وانتقل إلى رحمة الله تعالى): في يومٍ من الأيّام كنتُ في محضر آية الله البروجردي ـ رحمة الله عليه ـ فقال لي سماحته: 

  • «يا ميرزا حسن، طلما كنتُ في «بروجرد» كُنتُ لنفسي، وحينما جئتُ إلى «قم» لم أعد ملكًا لنفسي، بل صرتُ للناس».

  • هل التفتم؟ لقد قال كلامًا صحيحًا.

  • نجاح مدرسة السيّد عليّ القاضي في الترقّي السلوكي

  • نعم! وعلى كلّ تقديرٍ، لقد ربّى المرحوم القاضي تلاميذ كانوا مؤدّبين وذوي وقارٍ وكانوا صبورين شكورين وعادلين إلى درجة أنّ الحاجّ السيّد عبد الهادي الشيرازي رحمة الله عليه ـ الذي كان من مراجع النجف المبرّزين، وكان رجلًا تقيًّا حقًّا ـ كان يعتبر كلّ تلميذٍ من تلامذة المرحوم القاضي معادلًا لشخصين، يعني: لو أتى إليه أحد تلامذة المرحوم القاضي وشهد في قضيّةٍ أو مرافعةٍ معيّنةٍ، كان يحسب شهادته بيّنةً تامّةً ويكتفي بها دون الحاجة إلى إحضار شاهدين عادلين.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

12
  • لقد سمعنا كرارًا أنهم كانوا يحسبون كلّ واحدٍ من تلامذة المرحوم القاضي بشخصين، لماذا؟ ذلك لأنّهم كانوا مواظبين جميعًا، وكانوا مراقبين لأعمالهم، وكانوا يدرسون بشكلٍ جيّدٍ، فجميع تلامذة المرحوم القاضي كانوا طلبةً ومحصّلين، وكانوا عدولًا بأجمعهم، وجميعهم من أهل المراقبة، وذلك إلى درجة أنّهم لم يكونوا يذهبون إلى شطّ الكوفة للسباحة! فرغم أنّ السباحة ليست محرّمةً، إلّا أنّ السالك المسكين والمبتلى بألف مرضٍ وألمٍ، لا مجال لديه ولا مُهْجة ليذهب إلى جانب الشطّ للسباحة ولا أن يشدّ السماور والبساط والزاد على ظهره حتّى يعبر النهر من هذا الجانب إلى آخر دون أنْ يتبلّل السماور والبساط وسائر اللوازم، ثمّ يصل إلى تلك الضفّة من الشطّ، ثمّ يجلس ويفرح ويمضي النّهار من الصباح حتّى الغروب، ثمّ يرجع ويستعدّ لدرس السبت أو ليلة السبت، فحتّى لو كانت هذه كلّها نزهةً وليست معصيةً، أصلًا لا أحد يتكلّم عن المعصية، ولكن لا يبقى لهذا السالك مجالٌ للنزهة؛ لأنهم كانوا يصرفون أوقاتهم في الدرس والبحث والمراقبة والمحاسبة والسهر في مسجد الكوفة ومسجد السهلة، فيضيق عليهم الوقت.

  • ونفس المرحوم القاضي ـ رحمة الله عليه ـ كان لديه أربع نساء في أربعة منازل، حيث كان لكلّ واحدةٍ من هؤلاء النسوة منزلٌ، ولكن نفس المرحوم القاضي لم يكن يمتلك شيئًا أبدًا أبدًا! ومع ذلك كان سماحته يبقى بمفرده في كثيرٍ من الليالي في حجرةٍ من حجر مسجد الكوفة ـ وكان سماحته ذا ثمانين عامًا أو بين السبعين والثمانين، حيث كانت وفاته في سنّ الواحد والثمانين ـ وكان يبقى مشغولًا بالعبادة والتهجّد في مسجد الكوفة أو مسجد السهلة الواقعان في وسط الصحراء، وحيدًا غريبًا في مسجدٍ لا ضوء فيه ولا أحد، إذ لم يكن يتواجد في تلك الليالي ـ إلّا في بعضها ـ أحدٌ أبدًا ولا حتّى شخصٌ واحدٌ. حسناً، ما هو عمل هؤلاء؟ هل كانوا عاطلين عن العمل؟!

  • لزوم العزلة والخلوة في الطريق إلى اللـه

  • كان نبيّ آخر الزمان يمشي وحيدًا فريدًا، فكان يذهب من مكّة إلى أعلى جبل غار حراء، ويبقى هناك يومًا أو يومين أو أسبوعًا أو أسبوعين، وفي بعض الأحيان كان يبقى شهرًا، وكانت السيّدة خديجة تطوي‌ ذلك الطريق الصعب نحوه، وكانت تحضر له الطعام أحيانًا، فلماذا كلّ ذلك؟

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

13
  • ينبغي على الإنسان أنْ يُفكّر في هذا المجال، ليرى هل هذا عبارةٌ عن طريقٍ موصِلٍ، أم لا بل كان مجرّد قضاء وقتٍ للتنزّه وتمضية الوقت والتفكّر في آثار الطبيعة؟! كلا، ليس الأمر كذلك! فهذا لم يكن إلّا فرارًا من الازدحام والغوغاء، وعدم استماع صوت شياطين هذا العالم، والسكوت في المقابل وتمركز النفس.

  • إنّه نبيّ وهذا صحيحٌ، وهو نبيّ آخر الزمان وخاتم النبيّين، وقد اجتمعت فيه جميع الكمالات والصفات، ولكن هذا النبيّ الذي كان يتمتّع بهذه الصفات، كان يقوم بهذه الأعمال.

  • لم تكن نبوّة النبيّ منذ أزل الآزال بحيث أُعطِي جميع المدارج والمعارج [دفعةً ‌واحدةً]، ليقول الله له تصنّعًا: قُم واعمل هذه الأعمال؛ لكي يتعلّم الناس من أيّ قسم من جبل حراء يُمكنهم الصعود!! كلّا، بل كلّ هذه المشقّات واللطمات إنّما كانت مقدّمةً للوصول إلى ذلك الهدف؛ والهدف هو حصيلة الإرادة الإلهيّة، وإرادة الله تعالى أزليّةٌ أيضًا؛ وبالتالي كُلًّا من النبوّة والولاية ليسا خارجين عن اختيار النبيّ وأمير المؤمنين والأئمّة، وجميع تلك الخطوات التي اجتازوها إنّما كانت عِلمًا وأدبًا وتربيةً، ويجب أنْ تكون خطواتهم المربّي والمعلّم لنا على الصراط.

  • نصائح عامّة للسير والسلوك إلى الله

  • التسمّي باسم السالك لا يداوي وجعًا

  • ولو أنّنا عملنا بهذا الشكل فسوف نصل إلى المقصد، وإلّا فسنراوح مكاننا! إنّ إطلاق اسم السالك على أنفسنا لا يعالج وجعنا! بل يجب أنْ يسلّم الإنسان نفسه حقيقةً في مقام الولاية، ويجب أنْ تخضع روحه حقّاً؛ يجب على الإنسان أنْ يتجنّب الإكثار من الكلام والمزاح الزائد؛ فهذه الأمور تضيّع السالك وتفسده! وبالمقدار الذي يعمل به السالكون سوف يستجمعون أنفسهم ويَصِلون لمقصودهم، وإلّا سيتوقّفون. 

  • حسنًا، بناء على هذا، ما الذي ينبغي على الإنسان أنْ يفعله يا سيّدي؟!

  • نحن هنا قد جلسنا ونقول ونردّد: عجيبٌ هذا الأمر يا سيّد! فهذا أمير المؤمنين وهو صاحب الولاية، وهذه هي خُطبُه العجيبة التي خطبها على مسامع أهل الكوفة، ولغتهم هي العربيّة جميعًا؛ فلماذا لا يسمع هؤلاء ولا يستجيبون؟ لماذا كان أمير المؤمنين يُردّد قائلًا: لقد أدميتم قلبي؟! لماذا لا تفهمون كلامي؟ إنّ الإنسان ليتعجّب واقعًا! ولمَ العَجَب؟! بل العجب من خلاف ذلك!! إنّ الأمر كذلك! لقد نادى: مَن عمِل فقد ربح وكسب، ومَن لم يعمل فلن يكسب؛ وليس للّه تعالى حساباتٌ خاصّةٌ مع أحدٍ.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

14
  • إنّ الله يحاسب حتّى أولياءه المقربين أيضًا

  • لقد أخبرتُ بعض الرفقاء: الآن وقد أصبحتُ في سنّ السابعة والستين من عمري وابيضّ شعر وجهي، وقد ارتحلتُ وعُدْتُ عدّة مرّات! فقد ارتحلتُ وعدتُ عدّة مرّاتٍ بسبب أمراضٍ مهلكةٍ، وحقيقةً كانت مهلكةً جدّاً، والآن لدينا عمرٌ قصيرٌ من جديدٍ، فالآن نحن تحت الحساب! وللّه حساباتٌ يُجريها علينا، لا يمكن أن تصّدقوا أصلًا! لا يُمكن أن تصدقوا! لو أخبرتكم فإنّكم لن تصدّقوا! فعندما نكون نحن أنفسنا تحت الحساب، وعندما نُحاسب على الحسنات التي قدمناها (لا على السيئات!)، إذ علينا أن نُقدّم كشف حسابٍ عنها، والحساب صعبٌ جدّاً أيضًا! فحينئذٍ كيف يُمكنني أن أتحمّل أثقالكم وأحمالكم؟! وأيّ أحمالٍ هي؟! أحمالٌ قبيحةٌ! أحمالُ الخطيئة!

  • كيفيّة زيارة الإمام المعصوم والمشاهد المشرّفة

  • أيّها السادة الطلّاب! ينبغي أن تكون زيارة الإمام وزيارة مكّة سيرًا على الأقدام أو بأقدامٍ عاريةٍ، فلا ينبغي أن تركبوا سيارات الأجرة، ولا إنفاق الكثير من المال، بل ينبغي أن تسيروا هذه الخطوات القليلة إلى الحرم احترامًا لحريم الإمام الرضا عليه السلام، فتذهبون سيرًا على الأقدام وتعودون سيرًا على الأقدام.

  • وأنا عندما انتقلتُ إلى مدينة مشهد المقدّسة، كنّا نبحث في البداية عن منزلٍ، وقلنا: نُريد منزلًا في موقعٍ بحيث يُمكننا أن نتشرّف كلّ يومٍ بالزيارة والعودة سيرًا على الأقدام؛ لأنّه من الجيد القرب من قبره الشريف وعلى الأخصّ السير إليه! ولكن ليس من الجيّد أن يركب الإنسان سيارة الأجرة ويذهب ويعود!

  • على الإنسان أن يتّجه للزيارة سيرًا على الأقدام، وعليه أن يذهب سيرًا على الأقدام لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، ينبغي أن يذهب إلى مكّة سيرًا، وبقدمين عاريتين! لأنّه يوجد هناك مشاهد مكرّمة ومشاهد معظّمة، وقبر الإمام ليس بأقلّ من الكعبة؛ بل هو حقيقة الكعبة وروحها! وعلى الإنسان أن يراعي هذه الأمور.

  • لكن بالطبع، لا ينبغي للإنسان أن يلتفت إلى هذه الجهة وتلك؛ فعلى طلّاب العلوم الدينيّة أن يحنوا رؤوسهم خلال سيرهم؛ ولكن لا يحنيه بحيث يقولون عنه: إنَّ فلان متكبّرٌ، ولا يهتمّ إلّا بنفسه ولا يعتني للآخرين؛ لا، هذا غير صحيحٍ أيضًا؛ ومن الأساس التصنّع ليس أمرًا صحيحًا! والسالك المتصنّع لا ينفع أبدًا.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

15
  • يجب أن يكون نفس عمل السالك سلوكًا

  • يجب أن يكون نفس عمل السالك سلوكًا، وعليه أن يشغل قلبه كثيرًا بتلك الأمور وبضالته التي يبحث عنها، بحيث لا يكون هناك مجالٌ للتفكير والتصنع والالتفات إلى هذه الجهة وتلك الجهة، ولا الانشغال والكلام الفاسق والمشاحنات ولا برفع الصوت في المجالس وأمثال ذلك.

  • أساسًا يجب أن يكون المؤمن وقورًا! وعندما يرى الناس هذا الإنسان، فإنّ نفس عمله يكون معرّفًا عنه، «في المَكاره صَبورٌ»۱، يجب أن يكون السالك وقورًا وصبورًا قدر الإمكان!

  • وقورٌ، يعني: أن يكون هادئًا، أسلوبه محكمٌ ومقبولٌ!

  • صبورٌ، يعني: ألّا تهزّه الأمور التي تجري عليه؛ وليس معناه أنّه حينما يُحضّرون له طعامًا لذيذًا، فإنّه يصبر إلى حين إعداد الطعام، فلا معنى للصبر في تناول الطعام اللذيذ؛ بل معنى الصبر هو أن يصبر إذا لم يصله الطعام اللذيذ، وأن يصبر على المزعجات، وأن يصبر إذا سمع كلامًا قبيحًا مٍن شخصٍ ما؛ أن يتحمّل بسعة صدره إذا لم يسمع كلامًا جيّدًا من الأبّ والأمّ والأخت والأصحاب، أو سمع كلامًا غير صحيحٍ.

  • على السالك أن لا يحتسب الأعمال التي يؤديها للأصدقاء في الله

  • وعليه أن يؤثر الأصدقاء في الله على نفسه، أي: يُقدّمهم على نفسه، ولا يحسب حسابًا لهذا الإيثار أيضًا؛ [فلا ينبغي أن نقول في أنفسنا:] الآن في ذلك اليوم حينما كنتُ في العمل الفلاني، تنازلتُ عن حقّي له، حيث أراد فلان أن يصعد الباص فسمحنا له أن يصعد إليه قبلنا، فلا يحتسب أصلًا أيّ عملٍ من أعمال الخير التي فعلها للأصدقاء، بل عليه أن يعتبر نفسه مقصّرًا أيضًا؛ وهذا الأمر هو الذي يجعله يتقدّم؛ أي: إنَّ الله عالم السرّ والخفيّات يُكافئه ويجازيه طبقًا لتلك الأعمال التي قام بها، فثوابه وجزاؤه فوريٌّ يُعطى له في نفس ذلك الوقت، وسيستلذّ بطعم مناجاة الله في نفس ذلك الوقت.

  • أوّل دستورٍ من دساتير الأولياء الإلهيّين لتلاميذهم هو صلاة الليل

  • كان أوّل دستورٍ من المرحوم القاضي ـ رحمة الله عليه ـ لتلاميذه هو صلاة الليل والنوافل! والآن هل يُمكن أن يتصوّر الإنسان أن يكون هناك طالبُ علمٍ سالكٍ ولا يُصلّي صلاة الليل أصلًا؟! ويقول: حسنًا، لقد عبرنا هذه المنازل، أويقول: نحن مشغولون بالدرس والتحصيل، وأهميّة الدرس أعلى من هذه القضايا، أو يقول: كنّا نشعر بالكسل هذه الليلة فلم نستيقظ، وفي ليلة الغد كذا وكذا... .

    1. الكافي، ج ٢، ص ٢٣۱.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

16
  • لو تجاوزنا السلوك جانبًا، فسنجد أنّ المؤمنين العاديّين الصلحاء لم يتركوا صلاة الليل طوال عمرهم؛ والآن نرى بعض الناس ممّن هم ليسوا من أهل السير، ولا من أهل السلوك، وليس لديهم آلام، لكنّهم أفرادٌ جيّدون ويُراعون صلاة الليل؛ إنّ هذا الأمر مهمٌ جدّاً! وعند ذلك كيف يُمكن أن يترك السالك صلاة الليل؟! حسنًا، [السلوك وترك صلاة الليل] لا ينسجمان، لا ينسجمان!

  • وإذا تأمّل الإنسان جيّدًا، فسوف يرى أنَّ وقته يمضي مثل جميع هؤلاء، وعلّة أنَّنا نرى عدم تمكُننا من القيام بهذا العمل، أو إذا قمنا بهذا العمل فلن نتمكّن من أداء الآخر، هو أنَّنا مشغولون في كافّة أوقاتنا بهذه الجهة وتلك الجهة، فيتلف وقت الإنسان من أجل مدّ سفرة الطعام والجلوس وتناول الطعام وإعداد مقدّمات سفرة الطعام؛ فدع النرجيلة جانبًا، واترك اللقاءات الكثيرة، وسترى أنَّ وقت الإنسان سيزيد.

  • يقولون: إنّ المرحوم الشيخ الأنصاري ـ رحمة الله عليه ـ كان يهتمّ جدّاً بأنْ يُصلّيَ طلّابه صلاة الليل؛ وكان البعض يُقدّم الأعذار، وأنّه: يا سماحة الشيخ! لدينا دراسة في المساء، دراستنا ثقيلةٌ وإذا صلينا صلاة الليل فلن نتمكّن من إتمام الدراسة، ولذلك لا نتمكّن من الصلاة، وإلّا إذا صلّيناها فلن نتمكن من الدراسة بالشكل المطلوب.

  • فقال الشيخ المرحوم له: تشرب غرشَة (أي: النرجيلة)؟ ـ وكانت النرجيلة منتشرةً في ذلك الوقت، وكان جميع الناس يدخّنون النرجيلة ـ تشرب غرشَة؟ هل تُدخن النرجيلة؟ قال: نعم؛ فقال: كم تطول مدّة تدخينك لنرجيلتك؟ فقال: ربع ساعة تقريبًا، وفي الأربعة وعشرين ساعة أدخّن عدّة غرشات وكلّ واحدةٍ تدوم ما لا يقل عن الربع ساعة.

  • فقال لهم الشيخ: افرضوا أنَّ حكم الصلاة يساوي نرجيلةً واحدةً! غرشةً واحدةً! ما يكفي لتدخين نرجيلةٍ واحدةٍ! لا نتوقّع منكم أكثر من أن تنهضوا وتصلّوا لمدّة ربع ساعة كلّ صلاة الليل ثمّ عودوا إلى النوم؛ ولكن من له اهتمام بالنرجيلة، ويُدخّن على الأقل النرجيلة مرتين أو ثلاث مرّات مع كلّ ما لديه من دراسات صعبة وعميقة في ليله ونهاره، وكلّ نرجيلة تطول لمدّة ربع ساعة؛ فهذا لن يصل إلى مكان؛ على هذا الشخص أن يصلّي صلاة الليل مكان واحدةٍ من النرجيلات بحدٍّ أدنى.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

17
  • لزوم زيارة الأولياء الإلهيّين والتوسل بهم والجديّة في العمل

  • إنّ الزيارة مع الأدب هو أمرٌ حسنٌ جدّاً، ولا بدّ للإنسان من التوسّل على الدوام، ولا بدّ من الجديّة في العمل جدّاً جدّاً، وينبغي للرفقاء أن يكونوا صميميّين مع بعضهم، وأن يكونوا عطوفين وحميمين جدّاً، وأن يسعوا في مشاكل بعضهم، وأن يؤثروا بعضهم البعض على أنفسهم، بحيث إذا نظر إلى فعلهم وتصرّفاتهم الأشخاصُ الذين لا معرفة لهم بالإسلام ولا بالقرآن ولا بالسلوك ولا يعرفون معنى العرفان، فإنّهم يُدركون مِن خلال رؤيتهم بأنّ هذا هو حقيقة الإسلام والنبوّة والولاية.

  • السلوك يعني: اتّباع الصراط المستقيم لأمير المؤمنين عليه السلام، لا أن يُقال (لا قدر الله): هؤلاء [أي أهل السلوك] هم هكذا أيضًا! فما الفرق بينهم وبين الآخرين؟! يصرخون ويفتعلون الضجّة ويتحدّثون في أمورٍ فارغةٍ ويستهزئون، وهم في ذلك أكثر من الآخرين! من الجيّد أن يتجنّب الإنسان هذه الأمور من الأساس، فكلّها خدعةٌ، وستبدو في الآخرة باطلةً، وسيبدو أنّه ليس هناك شيءٌ وراءها، حسنًا، إذا كان عمل الإنسان على هذا النحو فإنّها خدعةٌ واقعًا؛ لأنَّ الله لا يجزي الإنسان على الاسم ولا على الرسم؛ بل يلتفت إلى المُسمّى والحقيقة، وكلّ من يأتي يَصِل، ومن لا يأتي لا يَصِل.

  • لقد قال رسول الله من أعلى جبل الصفا: «يا بني عبد المطّلب! إنَّ لي عَمَلي ولَكُم عَمَلَكُم»۱. فذلك الشخص الذي يأتي من تلك المدينة البعيدة ويُنصِت ويعمل ويطيع، سوف يذهب ويحصل على النتيجة وسوف يصل إلى مقاماتٍ بحيث ينظر في قلبه إلى الكون والمكان والسماء والأرض من خلال نظرة الربط، الربط المحض، وستتجلّى حقيقة التوحيد له، وستتحقّق له العديد من الأدعية التي نقرأها بمعنى الحمل الشائع الصناعي، وسيعرف سرّها بنور التوحيد.

  • وتكامله يعود إلى هذا السبب، وهو أنّه التزم بالطريق ومضى، أمّا نحن فما زلنا في البيت وأيدينا خالية! وهذا الأمر مؤسفٌ جدّاً! وسنواجه من التأسّفات السيّئة جدّاً جدّاً فيما بعد!! لأنَّ كلّ خليةٍ في بدننا هي من أجل التكامل، وكلّ خليّةٍ في عقلنا هي من أجل التكامل، وكلّ كلامٍ ننطق به، وكلّ حديث نتفوّه به، وكلّ حركةٍ نقوم بها، وكل فكرةٍ تخطر لنا. كلّ نسيجٍ في بدننا يحترق ويزول ولا بدّ أن يحلّ مكانه بَدَل ما تَحَلَّل، وإلّا فلن يتحقّق منّا أيّ فعلٍ ونشاط؛ وإذا احترقت جميع هذه الخلايا فيجب أن تكون في طريق التكامل ويجب أن يكون هناك بَدَلٌ‌ٌ لما تحَلَّل في سبيل الحياة. 

    1. صفات الشيعة، ص ٦؛ وبحار الأنوار، ج ۸، ص ٣٥٩.

المراقبة والتزكية و المواظبة في السير و السلوك

18
  • يرى الإنسان أنّ هذه الأمور ستزول بأجمعها وستحترق، ويرى أنّ الشخص عالقٌ في المستنقع وفي عفنِ الأفكار الشيطانيّة، وأنّه عالقٌ ـ لا سمح الله ـ في أحضان الشيطان ولكنّه يتخيّل أنّه: كلّا، لقد عبر الجسر!

  • {قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا}۱ (قل يا أيّها النبي! هل أننبئكم بمن أيديهم خاليةٌ أكثر من جميع الناس؟ إنّهم أولئك الأشخاص الذي اعتمدوا في جميع نشاطاتهم على هذه الأفكار والظنون الدنيويّة والاعتباريّة وتحصيل المصالح اليوميّة التي لا تستند على شيءٍ؛ لقد قضوا أعمارهم وهم عالقون في هذه الأفكار والخيالات، وهم يسعون وراء هذه الحياة الوضيعة والدنيّة، ويُخيّل إليهم أنَّ عملهم أفضل من سواهم، أو على الأقل يتخيّلون بأنَّ أفعالهم أفعالٌ حسنةٌ؛ هؤلاء هم الأقلّ نصيبًا من بقيّة البشر).

  • {قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا} إنّهم هؤلاء الأشخاص الذين ضلّ سعيهم وجهدهم وعملهم في هذه الدنيا الوضيعة، وأضاعوا أنفسهم هنا؛ ولن يستطيعوا المضيّ والتقدّم، وسيقفل طريق التكامل هنا، لقد أضاعوا وجودهم هنا؛ أي: إنّهم أضاعوا حقيقة وجودهم فلا تكامل هناك، وقد دفنوا في هذه المقبرة.

  • اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد

    1. سورة الكهف (۱۸)، الآيتان ۱۰٣ و ۱۰٤.