11

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟

ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

177
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/18

جلسات المجموعة(11 جلسة)

التوضيح

كيف تكون المعرفة الحقّة بالله دليلاً إليه مباشرة وليس إلى آثاره؟ وما هي مراتب معرفة إمام الزمان عليه السلام وحدود التسليم له؟ وما هي مرتب الجنّة؟ تتناول هذه المحاضرة، التي ألقاها آية الله الحاج السيد محمد محسن الحسيني الطهراني قدّس اللّه سرّه، هذه الأسئلة العميقة في ضوء كلام الإمام السجاد عليه السلام: معرفتي يا مولاي دليلي عليك.

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟

  • ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة الحادية عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ

  • و صلَّی اللهُ عَلَی سیّدنا و نبیّنا أبي ‌القاسمِ محمدٍ 

  • و علی آلِهِ الطَّیبینَ الطّاهرینَ و اللعنةُ عَلَی أعدائِهِم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • «مَعرفَتي یا مَولاي دليلي عَليکَ و حُبّي لَکَ شَفيعي إلَيکَ». 

  • معرفة الله وآثارها في كلام الإمام السجّاد عليه السلام

  • فيما يتعلّق بمسألة المعرفة هذه وكيفيّة دلالتها، تقدّم للرفقاء في الليالي الماضية بعضُ الأمور، ووصل الحديثُ إلى هذا الموضع: كيف تكون هذه المعرفة؟! وكيف تكون دلالتُها على اللهِ تعالى؟ وبقدر ما يجدُ الإنسانُ معرفةً وإدراكًا للّهِ تعالى، فإنّه يجدُ سبيلًا إلى حريمِه، وبقدر ما يكونُ بعيدًا عن هذه المعرفة، يكونُ بعيدًا وبمنأى عن ذلك الحريمِ وتلك الدائرة. 

  • إنّ ذاتَ اللهِ تعالى بمثابةِ المحورِ والمركزيّةِ التي تدورُ حولَها جميعُ عوالمِ الوجود. غيرَ أنّ البعضَ تكونُ المسافة الفاصلة بينهم وبين ذلك المحورِ والمركزِ قليلةً، والبعضَ الآخرَ تكونُ مسافتُه كبيرة. وبقدر ما تقلُّ المسافةُ أو تزيد، يقلُّ أو يكثرُ الانشغالُ بالدنيا، والانصرافُ عن الحقِّ، والانغمارُ في الدنيا، والارتباطُ بالأمورِ التي تصرفُ الإنسان. فالذي يكونُ قريبًا من هذا المحورِ أو متّصلًا به، تكونُ أربعٌ وعشرونَ ساعةً من الأربعٍ والعشرينَ ساعة من وقته متّصلةً باللهِ وبهذا الحريم. أمّا الذي لديه مسافةٌ فإنّ مدّة اتّصاله تصبحُ عشرينَ ساعة، وإذا زادت المسافةُ أكثرَ تصبحُ ثمانيَ عشرةَ ساعة، وإذا كانت مسافته أكثرَ قليلًا تصبحُ خمسَ عشرةَ ساعة، حتّى إنّ البعضَ يصلُ اتصاله إلى دقيقةٍ واحدةٍ والبعضَ الآخرَ إلى ساعةٍ واحدة. فقط وقتَ الصلاةِ، وذلك أيضًا في آخرِ وقتِها، يقولون: «وا أسفاه! صلاتُنا توشكُ أن تفوت، فلنتوضّأ ولنُنهِ أمرَ هذه الصلاةِ ولنسترح منها»؛ أهذا هو التكليف الذي أمرنا اللهُ به؟! وهل كان اللهُ عاطلاً عن العمل فسبّب لنا صداعًا حين أمرنا بها! الآن ماذا عسانا نفعل؟! على أيّ حال، إن لم نُصلِّ فسنقعُ غدًا في مشكلةٍ، والمسألةُ مسألةُ عصًا وفلقة؛ أي إنّهم يعتقدون بهذا القدر. طبعًا البعضُ لا يعتقدُ حتّى بهذا القدر، لقد تركوا كلَّ شيءٍ مرتاحين! حسنًا، الآن إذا لم يُصلِّ فماذا يفعل؟! يذهبُ يجلسُ مع هذا، ويجلسُ مع ذاك، يقهقهُ، ويغتابُ ذاك، ويذهبُ مع هذا ليشتريَ شيئًا، ويذهبُ مع هذا إلى السوقِ، ويذهبُ مع هذا في الطريقِ، فهل التفتّم؟! لا يجلسُ ليقرأَ دعاءَ كميل، بل يقومُ ويذهبُ يتجوّلُ هنا وهناك، يشغلُ نفسَهُ بهذه الأمورِ المختلفة. فلدى هذا الإنسان عشرُ دقائقَ فقط من الأربعٍ والعشرينَ ساعة مع الله، والباقي مع الناس.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

3
  • الميلُ إلى الأمورِ المعنويّةِ محكٌّ لمستوى العبوديّة 

  • فلننظر لنرى ما مدى اهتمامِنا وهِمّتِنا بتلك الأمورِ المتعلّقةِ باللهِ والعبوديّة؟ عندما نريدُ أن نقرأَ كتابًا، فما مدى ميلِنا إليه، ولكن عندما نريدُ أن نقرأَ القرآنَ، ما مدى ميلِنا إليه؟ لنجرِ الآن اختبارًا لأنفسِنا في قلوبِنا. سنرى أنّ جميعَ الدرجاتِ هي درجاتُ رسوب. الآن أنا أتحدّثُ عن نفسي، حتّى لا أُسيءَ الأدبَ إلى الرفقاءِ لا سمحَ الله، اعذروني. لقد كان الكلامُ إساءةَ أدب، أنا أتحدّثُ عن نفسي. ليس الأمرُ أنّنا لا نقرأُ القرآنَ، لا! نقرأُ القرآنَ ولكن بأيِّ حالٍ نقرأُه، ذلك هو المهمّ.

  • عندما كان يوشكُ وقتُ الصلاةِ أن يدخل، لم يكن رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله يعرفُ أحدًا. أي بمجرّدِ أن يوشكَ وقتُ الصلاةِ أن يدخلَ وقبلَ رُبعِ ساعةٍ من صلاةِ الظهرِ أو صلاةِ المغربِ وغيرِها، كان أصحابُ النبيِّ صلّى الله عليه وآله ينقلونَ أنّنا عندما كنّا نتحدّثُ مع النبيِّ صلّى الله عليه وآله، لم يكن يُجيبُنا جيّدًا، ولم يعد يلتفت. كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله يرى أنّ وعدَ اللقاءِ يقتربُ شيئًا فشيئًا. لم يعد يعرفُ أحدًا، ولم يعد يلتفتُ إلى هذه الدنيا، وإذا أرادَ أن يتأخّرَ قليلًا كان يقول: «أرِحنا يا بلالُ».۱ يا بلالُ، قم فأرِحنا. قم فأذِّن وأخرِجنا من هذه الكثرات. لم يكنِ النبيُّ صلّى الله عليه وآله يجلسُ مع الناسِ ليقصَّ عليهم قصّةَ ليلى والمجنونِ أو مثلًا ليشاهدَ معهم فيلمًا. ماذا كان يفعلُ النبيُّ صلّى الله عليه وآله؟! كانت أحاديثُهُ كلُّها عن اللهِ والقيامةِ والأحكامِ والأخلاقِ وهذه الأمور؛ ولكن حتّى هذا لم يكنِ النبيُّ صلّى الله عليه وآله يُطيقُه، حتّى هذا لم يكن يتحمّلُه. انظروا كم هو مستوى المعرفةِ لدى النبيّ، إنّه يتحدّثُ عن اللهِ ولكنّه يرى أنّ هذا الحديثَ عن اللهِ لم يستطع أن يُخرِجَهُ من ذلك التعلّقِ بالكثراتِ بواسطةِ هذه المظاهرِ والاشتغالات. يريدُ أن يجعَلَهُ مائةً بالمائة. ما هو المائةٌ بالمائة؟! ففي الصلاةِ لا يسألون النبيَّ صلّى الله عليه وآله، على الأقلِّ في الصلاةِ يتركونَه مرتاحًا، كلُّ هذه الأحاديثِ تستمرّ إلى وقتِ الصلاة. يعلمُ النبيُّ صلّى الله عليه وآله أنّه في الصلاةِ لن يأتيَ أحدٌ ليسألَهُ شيئًا، يعلمُ أنّه في الصلاةِ لن يأتيَ إليه أحدٌ، في الصلاةِ يكونُ التوجُّهُ تامًّا مائة بالمائة، الاتّصالُ اتّصالٌ مائة بالمائة، لم يعد يعرفُ معه أحدًا. والآن فلنأتِ وننظر لنرى نحن، كم في قلوبِنا وفي ضمائرِنا وفي طلبِنا من اهتمامٍ بوقتِ الصلاة. كم نحنُ ملتفتون؟ هذا الأمرُ الذي ذكرته للرفقاءِ في الليالي السابقةِ بخصوصِ ذلك الرجلِ الذي كان يرتدي ربطةَ عنقٍ وما إلى ذلك وتفوتُهُ الصلاة، هذه المسألةُ كانت موجودةً أيضًا لدى المعمَّمين! لا تظنّوا أنّها خاصّةٌ به. ذلك السيّدُ المعمَّمُ الذي يظلّ جالسًا حتّى الساعةِ الحاديةَ عشرةَ يتحدّثُ وما إلى ذلك ثمّ يقومُ ليُصلّي، فهو أيضًا مثلُ ذاك، على أيّ حالٍ لم يدع صلاتَهُ تفوتُ، ولكن هو مثله. ذاك بلغ النهاية، وهذا حتّى الرمقِ الأخيرِ فقال: «فلنقم بهذا العمل لرفعِ التكليفِ». 

    1. مفتاح الفلاح، ص ١٤١؛ رسائل شهید ثانی (رسالۀ اسرار الصلاة)، ص ١٢٠؛ بحار الأنوار، ج ٧٩، ص ١٩٣.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

4
  • كانوا يعترضون على المرحومِ الشيخِ محمّد حسين الكمباني قائلين: «يا عزيزي، هذه الأمورُ التي تقولها وهذه المسائلُ وهذه الأحاديثُ والعباداتُ التي تطرحها، كيف يمكنُ أن تكونَ هكذا؟». كان المرحومُ الشيخُ محمّد حسين من الأعاظم، ومن الزهّادِ والعبّاد، كان رجلًا جليلَ القدرِ جدًّا. حقًّا عندما يقرأُ الإنسانُ أشعارَهُ ينتشي. هؤلاءِ كانوا حقًّا عظماء، وإن لم يصلوا إلى مراتبِ التوحيد، ولكن على كلِّ حالٍ لم يُضيِّعوا أيّامَهم سُدًى، لقد أتعبوا أنفسِهم. فمثلًا هذه الأشعارُ عن أميرِ المؤمنينَ عليه السلام عندما يقول: 

  • چه شوری شد بپا از یک جهان شور***نه از طی سجلّ و لوح منشور 
  • عجب شوری در این ظلمت سرا شد***به گوش ساکنانِ عالم نور 
  • به گوش اهل دل، فریاد جبریل***حکایت می‌کند از نفخه صور 
  • يقول: یا له من ضجيج صدر من العالم المشتاق *** وليسَ بسبب طيّ السجلِّ واللوحِ المنشورِ 

  • عجيبٌ هذا الضجيج الذي قام في دارِ الظلماتِ هذه *** ووصلَ إلى مسامعِ سكّانِ عالمِ النورِ

  • إلى مسامعِ أهلِ القلوب، صرخةُ جبريلَ *** تحكي عن نفخةِ الصورِ 

  • ولا يمكن أن يقول هذه الأشعارُ إلا الشيخ الكمباني ومن هو في هذه الحالِ وفي هذه المراتبِ. الآخرون لم يعرفوا أميرَ المؤمنينَ عليه السلام، لم يعرفوا أميرَ المؤمنينَ عليه السلام!

  • نموذجٌ من الارتباطِ بينَ مقامِ الولايةِ وعالمِ الخَلق 

  • عندما جاءَ جبريلُ عليه السلام في ليلةِ الضربةِ وقال: «تَهَدَّمَت واللهِ أرکانُ الهُدیٰ وَ انطَمَسَت العُروَةُ الوُثقیٰ، قُتِلَ عليّ المرتَضی، قَتَلَهُ أشقَی الأشقیاءِ»۱. عندما طُرِحَت هذه المسألةُ في مكانٍ ما، حمَلَها الجميعُ على أنّ جبريلَ عليه السلام كان مأمورًا من قِبَلِ اللهِ أن يهبط ويقولَ هذا الكلام. فهذا الأمرُ وهذا الكلام ـ من أنّ هناك ارتباطًا بينَ هذه القضيّةِ وبينَ هذا الحادث الذي أصاب روح عالمِ الخَلقِ وحبلَ اللهِ المتينِ الذي هو واسطةٌ بينَ الذاتِ الأحديّةِ وعالمِ الإمكانِ ـ لا يفهمُه أحد. عندما جاءَ جبريلُ عليه السلام وقالَ هذا الكلام، لم يكن الأمرُ بيدِهِ أنّه جاءَ وقالَه؛ فهذا الكلامُ هو مقتضى هذا العملِ وهذا الارتباط، هو مقتضى هذه الحادثةِ، ظهورُ الدمِ تحتَ الحجارةِ في جميعِ الأماكنِ لعدّةِ أيّام. لاستشهادِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام، في كثيرٍ من الأماكنِ، من جملتِها بيتُ المَقدِس، عندما كانوا يرفعون الحجارةَ كان تحتَها دمٌ عبيط!٢ ولكن البعضُ يخطئون فيقولون: «نعم، في النهايةِ كانت عنايةً إلهيّة، لقد عنى اللهُ وأرادَ أن يُظهِرَ مقامَ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام ومكانتَه.» وعندما قُتِلَ سيّدُ الشهداءِ عليه السلام، وبقي يرى في كثيرٍ من الأماكنِ دمٌ عبيطٌ تحتَ الأحجار٣، دمٌ جديد حتّى أربعينَ يومًا. هذا الارتباطُ بينَ الولايةِ وعالمِ الخَلقِ أصلًا لا يعرفُهُ أحد. لا أحدَ يعرفُه، ما هذا؟ مَن يعرفُ هذه الأمور؟ هذه الأمورُ يعرفُها العارف. هذه الأمورُ يعرفُها وليٌّ من أولياءِ الله. هذا الأمرُ الذي أريدُ أن أذكره لكم كان مقدّمةً لأمرٍ يجبُ أن نقولَهُ لاحقًا بخصوصِ هذه المسألة. يقولون: كيف يمكنُ لأميرِ المؤمنينَ عليه السلام أن يُصلّيَ ويُغمى عليهِ في الصلاةِ ويسقط؟ أصلًا ما معنى هذا الكلام يا عزيزي؟! هل هذا ممكن؟! كيف يمكنُ أن يُخرِجوا السهمَ من قدمِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام في الصلاةِ وهو لا يشعر؟! هذه الرواياتُ كلُّها مُختلَقة! هذه كلُّها لا سندَ لها! كيف يمكنُ أن تكونَ مثلُ هذه الأحداثِ قد وقعَت؟!

    1. بحار الأنوار، ج ٤٢، ص ٢٩٥.
    2. السيوطى، الخصائص الكبرى، ج ٢، ص ۱٢٤: وأخرج الحاكمُ والبَيهقى وأبونعيم عن الزهرىّ قال:" لما كان صباحُ قتلِ علىّ بن أبي ‌طالب، لم‌ يرفَع حَجَرٌ فى بيت المقدس إلّا وُجِد تحته دَمٌ!" وأخرج أبو نعيم من طريق الزّهرى عن سعيد بن المسيّب، قال: "صَبيحة يوم قتلِ عليّ بن أبي ‌طالبٍ، لم‌ تُرفَع حَصاةٌ مِن الأرض إلّا وتحتها دمٌ عبيطٌ.»
    3. قال الطبري: «...وعن ابن شهاب، قال لما قُتِل الحسين (رضي الله عنه) لم يُرفع أو لم يُقلع حجر بالشام إلّا عن دم»[۱].
      وقال ابن عساكر: «...حدثني عمر بن محمد بن عمر بن علي، عن أبيه قال: أرسل عبد الملك إلى ابن رأس الجالوت[٢]، فقال: هل كان في قتل الحسين علامة؟ قال ابن رأس الجالوت: ما كُشف يومئذ حجر إلّا وُجِدَ تحته دم عبيط»[٣]. وعن الهيثمي[٤] والبيهقي[٥] والإصبهاني[٦]
      [۱] اُنظر: الطبري، أحمد بن عبد الله، ذخائر العقبى: ص ۱٤٥.
      [٢] رأس الجالوت: هو لقب أمير الجماعة اليهودية في بلاد الرافدين قبل الإسلام وبعده.
      [٣] ابن عساكر، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج ۱٤، ص ٢٣۰.
      [٤] الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد: ج٩، ص۱٩٦.
      [٥] اُنظر: البيهقي، أحمد بن الحسين، دلائل النبوّة: ج۷، ص٣۷٣.
      [٦] اُنظر: الإصبهاني، أبو نعيم، معرفة الصحابة: ج٥، ص ٣٢٩.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

5
  • أحوالُ المرحومِ الحدّادِ عندَ الصلاة 

  • ولكن عندما كان أميرُ المؤمنينَ عليه السلام أو هؤلاءِ العظماءُ يقومونَ للصلاة، كنتُ أنا شخصيًّا شاهدًا ـ في ذلك الوقتِ الذي وُفِّقنا فيه لحضورِ مجالسِ الأولياءِ ولم نقدِّر ذلك ـ فعندما يحينُ وقتُ الصلاة، كنتُ أُلاحظُ تغيُّرَ الحالِ في الوجوهِ، سواءٌ في ذلك الوقتِ الذي كنّا فيه في محضر السيّدِ الحدّادِ رحمه الله، أو عندما كنّا مع الوالدِ رحمه الله كنتُ أُلاحظُ تبدُّلَ الحال فيه. وعندما كان يحينُ وقتُ الصلاة، كان يلاحظ أنّ السيّدَ الحدّادَ رحمه الله وهؤلاءِ يخرجونَ من وضعِهم الطبيعيّ. لم يكنِ الأمرُ بأيديهم، لم تكن هذه شعوذة، لم تكن خِداعًا بصريًّا. لم يكونوا يريدونَ أن يُمثِّلوا مسرحيّة أمامَنا! لم يكنِ الأمرُ كذلك. نحنُ بسببِ الغفلةِ نقول هذا، ولكن كنّا نرى أنّ الأمر ليس كذلك، يبدو أنّ الوضعَ يتغيّر، فجأةً كنّا نرى أنّ وقتَ الصلاةِ قد اقترب. كان المرحومُ العلامةُ يقول: «عندما كان السيّدُ الحدّادُ رحمه الله يقفُ للصلاة، كانت عيناهُ تتّخذانِ حالةً كأنّ تلك العينَ لم تعد ترى ما أمامَها.» هل رأيتم البعضَ ينظرونَ إلى مكانٍ ما، يُحدِّقون، مهما فعلَ الإنسانُ لا يلتفتون، فجأةً يقول: «يا عزيزي أينَ أنت؟! أينَ ذهنُك؟! أنا هنا أتحدّثُ معك.» عندما يركّزُ الذهنُ على حالةٍ واحدةٍ وعلى اتّجاهٍ واحد، تفقدُ الأعضاءُ عملَها الذي هو نقلُ الصورِ المحسوسة، والعصبُ لا يعمل. وكلّما كان هذا التركيزُ أشدَّ، زادت هذه الحالة، لدرجةِ أنّه إذا طُعِنَ الجسدُ بسكّين، فإنّه لا يشعر مثلَ الإنسانِ الذي أُغميَ عليهِ ودخلَ في غيبوبة! حتّى لو طُعِنَ بسكّينٍ لا يشعر! أينَ هذا من القضيّةِ التي أريدُ أن أنقلَها؟!

  • قصّةٌ عن سوءِ فهمِ بعضِ المتظاهرينَ بالقداسة 

  • رحمَ اللهُ الشيخَ محمّد علي الأراكي الذي كان يُصلّي هنا في المدرسةِ الفيضيّة؛ فقد كان رجلًا طيّبًا ـ رحمَهُ الله ـ وكان رجلًا متواضعًا وعالمًا. في ذلك الوقتِ كنتُ أدرس القوانين۱ وكنت أذهبُ إلى المدرسةِ الفيضيّة، فسألت المرحومَ العلامة يومًا: «سيّدنا، خلفَ مَن أصلّي في قُم؟» فقال: «صلّ خلفَ الشيخِ محمّد علي الأراكي». فكنت أذهبُ إلى المدرسةِ الفيضيّة وأجلسُ هناك وحدي قبلَ المغربِ بنصفِ ساعةٍ ـ كان هذا عملَي اليوميّ ـ في أحدِ أروقة غرف الدراسة، ثمّ عندما يحينُ وقتُ الصلاةِ أصلّي خلفَه. كان أحدُ العلماء المشهورينَ ـ لن أذكرَ اسمَهُ الآن ـ موجودًا أيضًا، وفي إحدى الليالي كنّا نُصلّي، وفي وقتِ التشهّدِ انحنيتُ قليلًا، لم أجلس مستقيمًا، انحنى ظهري هكذا قليلًا. وفجأةً رأيت هذا السيّدَ ـ في التشهّدِ ـ يضعُ يدَهُ خلفَ ظهرِي ويدفعُني إلى الأمام! 

    1. كتاب قوانين الأصول للمحقق القمّي من الكتب الأصوليّة التي كانت تدرس في الحوزة العلميّة. (م)

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

6
  • ـ عجبًا! أنتَ تُصلّي، ما شأنُكَ بظهري؟! صلِّ صلاتَك. رأيت أنه بما أنّ الأمرَ هكذا، فسأعيد الانحناءَ بنفسِي مرّةً أخرى قليلًا. ورأيت أنّه يمدُّ يدَهُ مرّةً أخرى ـ وأنا أيضًا شعرت برغبة في معاكسته ـ لقد قوّم ظهري أربعَ مرّاتٍ في هذا التشهّدِ يا عزيزي! وأنا أيضًا كنت أنحني حتّى انتهَت الصلاة. فقال: «يا عزيزي، ما هذا الوضعُ في الصلاة؟!» فقلتُ: «هل كنتَ مسؤولاً عن تقويمِ ظهرِي وسطَ الصلاة؟! صلِّ صلاتَكَ، ما شأنُكَ بي؟! افترض أنّ ظهري كان يؤلمُني ـ وبالفعلِ كان يؤلمُني، ولم يكنِ الأمرُ من فراغٍ ـ ولكن لم أنحنِ بسببِ ذلك، فقد كان الأمرُ طبيعيًّا.» وقلتُ: «هل كنتَ مأمورًا بتقويمِ ظهرِي؟! فقد كنتَ تتشهّد!» هل التفتّم؟! فهذا العالم كان مجتهدًا! ولديهِ إجازةُ اجتهادٍ يا عزيزي! أينَ هذا من ذاكَ الذي تتغيّرُ حالةُ عينيه ولا يرى أحدًا أمامَهُ، أين؟! وا أسفاه! كان من المفترضُ أن يكون على اطّلاعٍ بالروايات وهذه المعارف، بينما السيّدَ الحدّادَ المسكين ـ رحمه الله ـ لم يكن قد قرأَ الأحاديث، ولم يكن قد قرأَ الروايات، ولم يكن قد درسَ شيئًا! ولكن ما هي المسألة؟!

  • يا عزيزي، المسألةُ هي أنّ هذه الأمورَ ليست بالدراسة، لا شك أنها مساعدةٌ، وهي مساعدةٌ بشكل كبير للإنسانِ ومفيدةٌ جدًّا؛ ولكنّ العملَ هو المهمّ، أي أن يعملَ الإنسانُ بهذه الأمورِ ويُتابِعَها. مثلاً كلُّ هذه الأدعيةِ موجودةٌ في كتاب مفاتيح الجنان هذا، لكنّي لو وضعته في الخزانة ولم أفتحهُ ولم أقرأهُ، لن أفهمَ ما فيه! كنّت أقدّم إمتحِانًا ذاتَ مرّةٍ في دروسي. وكان هناك طالبٌ يُمتحن أيضًا، كان يُسأل ولم يكن لديهِ جواب. فكانوا يقولون له: «ما هذا الجواب؟» فكان يقول: «لقد كتبتُ هذه الأشياء.» فقالَ الأستاذ: «حسنًا، هي مكتوبةٌ أيضًا في الكتابِ فلماذا أتعبتَ نفسَك؟!» كان يقول: «لقد كتبت هذه الأشياء!» 

  • ـ قد كتبتَها، حسنًا، فهي مكتوبةٌ في الكتابِ من البداية، فلمَ أتعبتَ نفسَكَ بكتابتها بعدَ الآن؟! فهي في الكتاب.

  • المهمّ هو أن يعملَ الإنسانُ بهذا، أن يصلَ إلى هذه الأمور. هذا هو المهمّ.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

7
  • مراتبُ المعرفةِ المختلفةُ بحسبِ مقدارِ العمل

  • إنّ لهذه المعرفة وهذا الإدراك مراتب، فبقدرِ ما نرى من الرغبة ومن الاهتمام، لا الرغبة الظاهريّة والركض والذهاب هنا وهناك، لا! بل بقدر اهتمامنا وتقيُّدِنا بطريقِنا ومسارِنا، بذلكَ المقدارِ نكون قريبين من هذا المحور. فهناك إنسانٌ يخصِّصُ ساعتينِ، وآخرُ يخصِّصُ ثلاثَ ساعاتٍ لهذا الأمر، وآخرُ يخصِّصُ عشرَ ساعات، أي إنّه حقًّا في هذهِ العشرِ ساعاتٍ لا يدع نفسَهُ عرضةً للصوارفَ والموانع، وما يمكنُ أن يشغلَ ذهنَهُ. وهكذا، بهذا المقدار، تختلفُ حالةُ الإنسانِ فيما يتعلّقُ بذلكَ المحور. في الليلةَ الماضيةَ أو قبلَ ليلتينِ أو ثلاث، نقلوا تلكَ الروايةَ عن المغيرة، وهي خبرٌ وروايةٌ مثيرةٌ للاهتمامِ جدًّا، حيثُ يقولُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام للمغيرةِ إنّ هؤلاءِ لا يريدونَ اللهَ وحدَهُ، بل يريدونَ اللهَ مع دنياهم، ومع حياتِهم. هؤلاءِ الذينَ يأتونَ ويتشدّقونَ باللهِ باستمرار، يجبُ أن يُقالَ لهم: هل تتشدّقونَ باللهِ دائمًا أم لأنّ الأيّامَ تسيرُ وفقَ أهوائِكم فتتشدّقون؟! هل تدعونَ الناسَ إلى اللهِ دائمًا أم تدعون لأنّ المناصبَ والمقاماتِ بأيديكُم الآنَ؟! وإلّا، إذا سُلِبَ منكم ذلكَ المقامُ،فإنكم تمضون وتجلسونَ في بيوتِكم، وتقولونَ: ما شأني أصلًا؟! وليحدث للإسلامِ ما يحدث، لا علاقةَ لي به. أم لا؟! بل بما أنّ لدينا مقامًا ومكانة، وبما أنّهم أعطونا هذا المقام، وبما أنّهم سمحوا لنا بالمشاركةِ في البرنامج، فيا أيّها الناسُ تعالوا لإنقاذِ الإسلام، فيا أيّها الناسُ تعالوا لإنقاذِ الإسلام. تعالوا ارفعوا الراية، تعالوا وافعلوا كذا وكذا، هكذا كان النبيُّ صلّى الله عليه وآله، وهكذا كان الأئمّةُ عليهم السلام، لقد بذلوا جهدًا من أجلِ الإسلامِ على مدى ألفٍ وأربعمائة عام، فيجبُ أن نأتي بصراخ واستغاثة، يا للهول! كلُّ هذا لماذا؟! بسببِ أنّكَ الآنَ تجلسُ على هذا الكرسيّ، أيّها الحاجّ العزيز! لو قالوا لك الآنَ حسنًا يا عزيزنا، شكرًا جزيلًا على جهودِك، من الآنَ فصاعدًا تفضّل واقض بضعَ سنواتٍ في منزلِك واهتمّ بنفسِك. فهل ستدعو الناسَ غدًا بنفسِ الطريقةِ أم لا؟ بل ستقولُ: ما شأني، فليفعلوا ما يريدون. من الواضحِ أنّ إلهَهُ كان إلهًا مُزيّفًا، هذه الدعواتُ كلُّها مُزيّفة. هذه الرغباتُ كلُّها مُزيّفة! اللهُ لا يتغيّر؛ اللهُ هو الله، في كلِّ مكانٍ هو الله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ}۱، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}٢. في الحكومةِ السابقةِ حكومةِ الشاه كان اللهُ هو الله، وفي حكومةِ الإسلامِ اللهُ هو الله، وفي الليلِ هو الله، وفي النهارِ هو الله، وإنْ كنتُ في منصبٍ فهو الله، وإنْ عُزِلْتُ من منصبي فهو الله. أنا عُزِلْتُ، واللهُ لم يُعزَلْ من ألوهيّتِه. جاؤوا وقالوا لنا: «يا عزيزنا، حتّى الآنَ كنتَ تجلسُ هنا، تعالَ من الآن فصاعدًا واجلسْ على بُعدِ مترٍ واحدٍ من هناك. غيِّرْ مكانَكَ مترًا واحدًا. حتّى الآنَ كنتَ تجلسُ هنا وكانوا يقولونَ لكَ السيّدُ فلان!» فاجلسْ الآنَ على بُعدِ مترٍ واحدٍ من هنا، فأنتَ وبقيّةُ الناسِ سواء لا فرقَ بينَكم. لقد غيّرْنا مكانَك مترًا واحدًا، فماذا حدثَ حتّى اختلفت أحولك إلى هذا الحدّ؟! ما القضيّةُ التي وقعَتْ، هل سقطَت السماءُ على الأرض؟! نظنُّ أنّنا غيّرْنا مكانَنا فاللهُ أيضًا غيّرَ مكانَه. لماذا؟! لأنّ اللهَ يعتمدُ علينا، نحنُ لا نعتمدُ على الله! ليسَ لدينا أيّة علاقةٍ باللهِ أصلًا. اللهُ يعتمدُ علينا. إنْ ذهبْنا خلفَ المكتبِ، يأتي اللهُ أيضًا خلفَ المكتب. عندَها صراخٌ واستغاثةٌ وهول! يا أيّها الناس! يا فلان! يبدأُ الأمر. وإنْ جئْنا إلى هذا الجانبِ، يستقيلُ اللهُ من ألوهيّتِه. فنقولُ أيها الناس مَنْ أرادَ أن يفعلَ ما يحلو له فليذهبْ وليفعلْهُ، فلا خبر جاء ولا وحي نزل، اذهبوا إلى أعمالِكم. 

    1. سورة الزخرف (٤٣) الآية ۸٤.
    2. سورة البقرة (٢) الآية ۱۱٥.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

8
  • عجبًا! وهذا معيار. والإنسانُ يدرك جيّدًا حقيقة الصوتَ الذي يرتفع كم يدلُّ على الحقِّ وكم يدلُّ على الذات؟! كلُّنا نستطيعُ أن نُميِّز، الآنَ هناك قليلٌ وكثير، لا أستطيعُ أن أقولَ الجميع، لا. ولكنّ الأمرَ هكذا نستطيعُ أن نُميِّز، أن نختبر، أن نُدقِّقَ أكثرَ بقليل، أن نختبر، فنفهم نسبة نقاءِ هذه الأصواتِ كم هي؟! يختبرونَ الذهب، يضعونَ عليهِ ماءَ النار، فيعرفون نقاءَهُ وعيارَه. فلنختبرْ، ولنرَ هذه الأصواتِ التي تدلُّ على اللهِ كم عيارُها؟! كم هو عيارُها؟! كم هي نسبةُ إخلاصِها؟! هل هي دلالةٌ على اللهِ أم دلالةٌ على الذات؟ هل هي دعوةٌ إلى اللهِ أم دعوةٌ إلى الذات؟

  • أهمّيّةُ الدقّةِ في اختيارِ الأستاذِ والمرشد

  • يقولُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام إنّ معرفتي تدلُّني عليكَ لا على نفسي. فإذن، أيّة معرفةٍ يجبُ أن تكونَ هذه؟ معرفةٌ يجبُ أن يكونَ عيارُها كاملًا. يجبُ أن يكونَ إخلاصُها كاملًا. هذه المعرفةُ تدلُّ عليك. لقد كُتِبَتْ كُتُبٌ كثيرةٌ ولكنْ في هذهِ الكُتُبِ إلى ماذا الدعوة؟ هل الدعوةُ إلى النفس أم الدعوةُ إليه تعالى؟ هناك الكثير من الأقلام تكتبُ ولكنْ هذهِ الأقلامُ إلى ماذا تدعو؟ يكثرُ الكلامِ ولكنْ هذهِ الأحاديثُ حولَ أيِّ محورٍ تدور؟ هنا تقولُ الآيةُ الشريفة: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ}۱ وقد وردَ في الروايةِ أنّ أحدَ المعاني الباطنيّةِ لهذهِ الآيةِ هو أنّ الإنسانَ يجبُ أن ينتبِهَ إلى رزقِهِ المعنويّ، من أينَ يأتيهِ هذا الرزق؟ «فلينظرِ الإنسانُ إلى علمِهِ مِمَّن يتعلّمه»٢. مِمَّن يتعلّمُ هذا العلم؟ من أيِّ كتابٍ يريدُ أن يختارَ طريقَ حياتِه؟ من كلامِ أيِّ خطيبٍ يريدُ أن يختارَ حياتَهُ ومعيشتَه؟ من أيِّ إنسانٍ يريدُ أن يستمعَ إلى الكلام؟ يا عزيزي، المسألةُ ليستْ مسألةَ بطّيخٍ وشمّام، إنّها مسألةُ عُمْرٍ كامل عندما ينتهي لا يعود. هكذا نقومُ من هنا ونذهبُ إلى هناك حيث يتحدّثون؛ ثمّ نقومُ مرّةً أخرى ونذهبُ إلى هناك، هناك يقولونَ هذا؛ نقومُ مرّةً أخرى ونذهبُ إلى هنا، هنا يدعونَ بهذا الدعاء؛ هناك يتحدّثونَ بهذا الحديث، هنا يُلقونَ هذهِ المحاضرة، هناك يقرأونَ هذهِ المرثيّة، هناك يُقيمونَ هذا الاحتفال، هناك لديهم هذا المجلس، من هنا إلى هناك، الوقت كلُّه في حالةِ ذهابٍ وإيابٍ والحياةُ تنتهي والأيّامُ والليالي تمرُّ هكذا. كلاّ يا عزيزي! قمْ واذهبْ وحقِّقْ، انظرْ إلى المجالسِ، انظرْ إلى الأفرادِ، انظرْ إلى الخطباءِ، اختبرْهم واحدًا تلوَ الآخر، ثمّ اذهبْ وقفْ عندَ الذي تطمئنُّ إليه. القضيّةُ هي هذه، المسألةُ هي هذه. وعندما تجدُ اليقينَ، فلا تستمعْ إلى كلامِ هذا وذاك، وما دُمْتَ لم تجدِ اليقينَ ولم تجدِ الاطمئنان فلا تخدعْ نفسَك ولا تُغمِضْ عينيك. إذا أردْتَ أن تُغمِضَ عينيك، فهناكَ مَنْ عيونُهم مفتوحةٌ ولا يمكنكَ أن تُغمِضَ عيونَهم. لا يمكنكَ أن تُغمِضَ عيونَ الملائكة. الآنَ الأيّامُ تسيرُ وفقَ أهوائِنا ونحنُ نأتي في هذا المسارِ وفي هذا الطريقِ ونتقدّمُ بشكلٍ ما. لا يا عزيزي! غدًا يُوقِفونَنا ليُحاسِبونا على كلِّ خطوةٍ من هذهِ الخطواتِ وعلى كلِّ كلمةٍ من هذهِ الكلمات: لماذا ذهبتَ إلى هناك؟! لماذا دعوْتَ إلى هناك؟! لماذا دعوْتَ الناسَ إلى هناك؟! لماذا أبعدْتَ الناس عن هذا المكان؟! يضعونَ أمامَ الإنسانِ الكثيرَ من «لماذا» حتّى أنّنا نعلَقُ في «لماذا» الأولى. هذهِ الأمورُ ليستْ بهذهِ السهولة، العيونُ مفتوحة. لماذا اخترْتَ هذا؟! لماذا اخترْتَ ذاكَ الطريق؟! لقد أعطيتُكَ عُمْرًا، فلماذا صرفتَه في علمٍ لا ينفعُك؟! إذا قلْتَ: «يا إلهي، لقد رغِبْتُ في هذا التخصّصِ وأعجبَني فاخترْتُه». يقولُ اللهُ: «لقد أخطأْتَ في اختيارِك! فهل الأمرُ بيدِك حتّى تقول: هكذا، اخترْتُ؟!»

    1. سورة عبس (۸۰) الآية ٢٤
    2. الكافي، ج۱، ص ٩۷: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عمن ذكره، عن زيد الشحام عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} قال: قلت ما طعامه؟ قال: «علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه.»

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

9
  • ـ «لقد أعجبتْني تلكَ المهنةُ فجئْتُ واخترْتُها».

  • ـ «لقد فعلْتَ ذلكَ بدونِ وجهِ حقّ، هل العُمْرُ بيدِك؟!» حسنًا، اخترْتَ، فاذهبْ إلى تلكَ الحظيرةِ في الجنّة، هذا يكفيك.

  • ـ «يا إلهي، يا نبيّي! يا فلان، أنا لم أرتكِبْ ذنبًا». 

  • يقولُ اللهُ: «أنا أيضًا أعلمُ أنّكَ لم ترتكِبْ ذنبًا، ولكنّك استفدْتَ من عُمْرِكَ بهذا المقدار فقط، ونحنُ أيضًا نُعطيكَ حظيرةً في الجنّةِ وإسطبلًا، فاذهبْ إلى هناك. وأنت استفدْتَ من عُمْرِكَ أكثرَ بقليل، وتعلّمْتَ المعارف، فوجدْنا لكَ نُزُلًا أو شيئًا من هذا القبيل هناك، ونُعطيكَ غرفة. وأنت استفدت بدرجة أكبر وأكبر فلك مراتب أعلى وأعلى وهكذا...»

  • مكانةُ تلميذِ الإمامِ الصادقِ عليه السلام في القيامة 

  • يُؤتى بأحدِهم فيقول: «يا إلهي، لقد صرفْتُ عُمْري كلَّهُ لكَ وحدَك». حينَها يقولُ الله: «أصلًا جنّتي لا تسعُك. يجبُ أن تأتيَ إليّ». هؤلاءِ الأولياءُ يذهبونَ إلى هناك. هؤلاءِ رفقاؤنا المنشغلونَ بطلبِ العلم، فليعرفوا قدرَ أنفسِهم، ولا يُضيِّعوهُ عبثًا! أنتم تلاميذُ الإمامِ الصادقِ عليه السلام. فماذا يعني هذا؟ يعني أنّ الإمامَ الصادقَ عليه السلام في الآخرةِ يأخذُكم إلى جانبِه. أينَ الإمامُ الصادقُ عليه السلام؟ ليسَ في الجنّة. الإمامُ الصادقُ عليه السلام لا تسعُهُ الجنّة. تلميذُ الإمامِ الصادقِ عليه السلام يذهبُ إلى جانبِ الإمامِ الصادقِ عليه السلام. بقيّةُ الناسِ لهم أماكنُ مختلفة. أحدُهم يذهبُ إلى باستور، وآخرُ يذهبُ إلى كوخ۱، وآخرُ يذهبُ إلى إديسون، وآخرُ يذهبُ إلى هؤلاءِ المكتشِفينَ وأمثالِهم. فكلُّ إنسانٍ لهُ مكانُه. طبعًا مرتبةُ السَّعةِ هي ما ذكرته من أنّها من حيثُ الإيمان، لا أنّهم ليسوا في الجنّة، فهم في الجنّة، ولكنْ مراتبُهم منخفضة، وإلّا فمِن غيرِ المعلومِ أصلًا أن لا يكونَ لهم مكانٌ في الجنّة، فاللهُ أعلم بهم. ولكنّ الذي هو تلميذُ الإمامِ الصادقِ عليه السلام، ماذا يعني؟! يعني أنّه يقول: «لقد وطِئْت قدمي الدنيا وخصّصْتُ أربعًا وعشرينَ ساعةً من وقتي للإمامِ الصادقِ عليه السلام»، أليس كذلك؟! والإمامُ الصادقُ عليه السلام أيضًا، حكومةُ الآخرةِ بيدِه. هناك إديسون وماديسون وروبرت كوخ وباستور وهؤلاء، هناك لم تعدْ هذهِ الأحاديثُ موجودة. هؤلاءِ لا شأنَ لهم هناك. هناك الحكومةُ بيدِ الإمامِ الصادقِ والإمامِ الباقرِ والإمامِ المجتبى والإمامِ العسكريِّ وإمامِ الزمانِ وهؤلاءِ عليهم السلام. لذلكَ يجبُ أن نقدِّر، أن نقدِّرَ وضعَنا، وأن نعلمَ أيَّ توفيقٍ أعطانا اللهُ ولم يُعطِهِ لكثيرين، فمع كلِّ هذهِ الخيالاتِ وهذا التجوالِ هنا وهناك والأشياءِ والألوانِ والزخارفِ والمكسّراتِ ورقائقِ البطاطسِ الموجودةِ هنا وهناك، جاءَ اللهُ ووضعَنا في طريقٍ يقولُ فيهِ الإمامُ الصادقُ عليه السلام لشيعتِه تعالوا واختاروا هذا الطريق، جاءَ وقالَ تفضّلوا، تفضّلوا مجّانًا.

    1. روبرت كوخ رائد علم البكتيريا. (م) 

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

10
  • سببُ اهتمامِ أولياءِ اللهِ بتحصيلِ علومِ أهلِ البيتِ عليهم السلام 

  • لهذا السببِ كان المرحومُ العلامةُ يهتمُّ كثيرًا بطريقِ الدينِ وعلمِ الدين. حسنًا، كان هناك أفرادٌ آخرونَ أيضًا، جميعُ السادةِ كانوا يقولونَ إنّه من الجيّدِ أن يكونَ أحدُ أبنائِنا معمَّمًا ليُحافِظَ على هذا التخصّص، ليُحافِظَ على هذهِ السلسلة، حتّى لا ينقطعَ هذا النبعُ الرقيق. يا سيّد، هذهِ كلُّها شعارات! ما معنى ألّا ينقطعَ النبعُ الرقيق؟! نريدُ أن ينقطعَ لألفِ عام. الآنَ هل يجبُ بالضرورةِ أن يبقى رجلُ دينٍ كنوعٍ من التيمُّنِ والتبرُّكِ وهذهِ الأمورِ بينَ أفرادِ العائلة. كان هناك أحدُ الأفرادِ في زمنِ المرحومِ العلامة، مرّةً واحدةً في السنةِ ـ كانتْ هذهِ أيّامُ عاشوراءَ أو أيّامُ شهرِ صفر ـ كان لديهِ مجلسُ عزاءٍ في منزلِه، فكان المرحومُ العلامة يذهب إليه. ولا أدري هل هو على قيدِ الحياةِ الآنَ أم لا؟ لأنّه كان كبيرًا في السنِّ في ذلكَ الوقت. ربّما كان عُمْرُهُ أكبرَ من عُمْرِ المرحومِ العلامة، وكان منزلُهُ قريبًا من منزلِنا. فكان المرحومُ العلامة يذهبُ مرّةً واحدةً في السنة. حسنًا، كان مرتبطًا ببعضِ الأماكنِ وهذهِ الأحاديثِ والعلاقات. كان هو نفسُهُ رجلًا صالحًا ونقيًّا. هذا المسكينُ لم يدرسْ كلمةً واحدةً من العلومِ الدينيّة، كان مهندسًا، ولكنْ لأنّ والدَهُ كان معمَّمًا، عندما تُوفّيَ والدُهُ رأوا أنّه ليسَ لديهِ ابنٌ آخرُ معمَّم، فجعلوهُ ـ كنوعٍ من الفخر ـ معمَّمًا وهو مهندس؛ في سنٍّ متقدّمة، ربّما كان عُمْرُهُ خمسينَ أو ستّينَ عامًا عندما لبس العمامةَ. طبعًا كان رجلًا صالحًا، رجلًا صافيًا وصاحبَ إخلاص.

  • لزومُ الاستقامةِ والإخلاصِ في النيّةِ في مسيرِ السلوك

  • أتذكّرُ أنّنا ذهبْنا يومًا ما إلى مجلسِ عزاء، وكان المجلسُ مقسَّمًا إلى قسمين، قسمٌ للكراسي حيثُ كان السادةُ والمسؤولونَ الحكوميّونَ وهؤلاءِ يأتونَ ويجلسونَ حولَها، ثمّ عامّة الناسُ على الأرض. فجاءَ المرحومُ العلامةُ وجلسَ على الأرض، ونحنُ أيضًا جلسْنا على الأرض. جاءَ وقال: «يا سيّد تفضّلوا إلى الأعلى على الكرسي». فقال: «أنا في مجلسِ سيّدِ الشهداءِ عليه السلام المكوَّنِ من طابقين، لا أجلسُ على الكرسي». جلس جانبًا وجلسْنا بجانبِه. وفي هذهِ الأثناءِ ـ و هنا الأمر المهمّ، هذا ما أريدُ أن أقولَهُ ـ في هذهِ الأثناءِ جاءَ عبدُ اللهِ رياضي الذي كان رئيسًا للمجلسِ في زمنِ الشاه. وهؤلاءِ السادةُ الذينَ كانوا يأتونَ ويذهبونَ ويجلسون، لم يكونوا يخلعونَ أحذيتَهم حتّى! كانوا يأتونَ بالحذاءِ والعصا، ويذهبونَ ويجلسونَ على هذهِ الكراسي التي تحيط بالأطراف وكأنّهم يستمعونَ إلى العزاء. فقام له جميعُ الحاضرين، والوحيدُ الذي لم يقمْ هو المرحومُ العلامةُ وأنا. حتّى المعمَّمونَ من بينِ الأفرادِ الذينَ كانوا هناك قاموا. فهل التفتّم؟! هذا ما يُسمّونَهُ الاستقامة. الإنسانُ المستقيم. مستقيمٌ على مبدئِه. ثابت. مستقيمٌ في ذلكَ الوقتِ ومستقيمٌ بعدَ ذلك، كلاهما، مستقيم! وبعدَ ذلكَ أيضًا كانوا هكذا. في أحدِ مجالسِ الفاتحةِ التي حدثَتْ في أواخرِ حياتِه، شاركَ في مشهد المقدّسة، ثمّ جاءَ إنسانٌ مشهورٌ جدًّا، فقامَ الجميعُ إلّا هو وأنا، ويبدو أنّ أخي الأكبرَ كان موجودًا أيضًا ـ لأنّني لم أتذكَّرْ ولكنْ بعدَ ذلكَ قالَ إنّه كان موجودًا أيضًا ـ نحنُ فقط لم نقمْ. قامَ الجميع. ولكنّه لم يقمْ. حتّى إنّه لم يُدِرْ رأسَهُ ليُلقيَ عليهِ السلام. قالَ فقط: «السلامُ عليكم»، وهو أيضًا ورأسُهُ مستقيم قال: «وعليكمُ السلام» هكذا فقط! حتّى إنّه لم يُدِرْ رأسَه. هذا ما يُسمّونَهُ رجلًا مستقيمًا. إنسانٌ يكونُ إلهُهُ حاضرًا وناظرًا بجانبِهِ في كلِّ حال. فالمسألةُ لا تختلف في ذلكَ الزمان وفي هذا. فالباطل باطل. في نفسِ الزمانِ السابقِ مَنْ يقومُ بعملٍ صحيحٍ فهو مُخلِص، وفي غيرِ ذلكَ الزمانِ مَنْ يقومُ بعملٍ خاطئٍ فهو غير مُخلِص. {هو الذي في السماءِ إلهٌ وفي الأرضِ إله}. في كلِّ حالٍ اللهُ إله! هذا الطريقُ هو طريقُ العظماء، طريقُ الأولياءِ. عندَها يمكنُ لهذا أن يكونَ دليلًا عليه. هذا الذي يكون اللهُ في وجودِه في كلِّ حالٍ، سواءٌ في حال الاتّصال {في السماءِ إلهٌ} وفي العوالمِ الربوبيّة، أو {في الأرضِ إلهٌ}، في كلِّ مكانٍ هو الله، سواءٌ في العوالمِ الفوقيّةِ أو في الكثرات، سواءٌ في جانبِ التوحيدِ أو في جانبِ الكثرةِ هو الله! ليسَ الأمرُ أنّه عندما يحينُ وقتُ الصلاةِ يكونُ هو الله ولكنْ عند الارتباطِ بالناسِ لا يكون الله بل يتنحّى جانبًا وتتقدّم الأصنامُ والأوثانُ. بل في كلِّ حالٍ اللهُ هو المنظورُ واللهُ هو المتقدِّم. بناءً على ذلك، ولكي يتمكّنَ الإنسانُ من فتحِ الطريق، عمَّن يجبُ أن يبحث؟ يجبُ أن يبحثَ عن ذلكَ الفردِ الذي يُوجِدُ للإنسانِ معرفةً بالله ودلالة «عليك»، لا معرفةً بالأنا وإدراكًا للأنا، ولكنْ في قالبِ مظاهرِ اللهِ وفي قالبِ شعاراتِ الله. يقولُ: اللهَ. ولكنّه يقولُ تعالوا إليّ. تعالوا اقبلوا إليّ أنا.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

11
  • الفرقُ بينَ معنى «دليلي عليكَ» و«دليلي إليكَ»

  • في هذهِ الفقرةِ يقولُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام: «معرفتي يا مولايَ دليلي عليكَ». معرفتي، دليلي عليكَ. لماذا لم يقلِ الإمامُ عليه السلام «دليلي إليكَ»؟! فذلكَ أيضًا ممكن، ولا إشكالَ فيه. لأنّ «دَلَّ» يتعدّى بـ «عَلى» ويتعدّى بـ «إِلى». دَلَّ عَلَيهِ ودَلَّ إِلَيه. «دَلَّ إِلَيهِ» يعني نحوَهُ وإليه، دلالةً على الاتّجاهِ والجهة. تقول: «يا سيّدُ أينَ منزلُ فلان؟!» نقول: «يا عزيزي هناك في الشارع الفلانيّ زقاقُ كذا، فاذهب إلى هناك في تلكَ المنطقةِ واسأل، فسيدلّونَك»، فهذا يُسمّونَهُ «دليلٌ إليهِ» أي نحوَه. أمّا «دليلي عليكَ» فيكونُ عندما يقولون: «يا عزيزي الزقاقُ الفلانيُّ، المنزلُ الفلانيُّ، هذا منزلُ هذا الإنسان، هذا لباسُهُ، هذهِ خصوصيّتُه، طولُهُ مترٌ وسبعةٌ وسبعونَ سنتيمترًا، ثمانونَ سنتيمترًا، هذا وزنُهُ، هذا علمُهُ، هذا فلانٌ»، وفي النهايةِ يأخذونَ بيدِ الإنسانِ ويقولون: «يا عزيزي هذا هو هنا، فتفضّل». هذا معنى «دليلي عليكَ». يقولُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام: «معرفتي ليستْ فقط دليلي إليكَ ونحوَك. فهذه دلالة فقط باتّجاهِك وصوبَك ونحوك، على الرغمِ من أنّ ذلكَ أيضًا هو في هذا السياق». وبعبارةٍ أخرى، الحركةُ نحوَ الأسماءِ والصفات؛ الحركةُ نحوَ مظاهرِكَ وأوصافِكَ وجنّتِكَ وآثارِك، آثارِكَ الأُخرويّةِ وجنّاتِكَ ونعمائِكَ، الحركةُ نحوَ ذلك. صلّوا ليُعطيَكمُ اللهُ جنّةَ الحورِ العين! ما شاء الله! ما أجملَ ذلك! وأيُّ حورٍ عين؟! وصفوها بأنّ رأسَها في مغربِ العالمِ وقدمَها في مشرقِ العالم؛ يجبُ على الإنسانِ أن يركبَ القطار ليصل من أوّلها إلى آخرها، وذلك بعدَ أربعٍ وعشرينَ ساعة، كم كيلومترًا يقطع، اللهُ يعلم؟! أيُّ شمائلَ لها، أيُّ شكلٍ لها! هذا كلُّهُ صحيح! إذا وقعَتْ عليها نظرةٌ واحدة، فإنّ الإنسانَ يُغمِضُ عينيهِ عن كلِّ ما سوى ذلكَ في هذهِ الدنيا! هذا كلُّهُ صحيحٌ ولكنْ ما هي في النهاية؟! آثار! آثار. صلّوا حتّى تصلوا إلى نِعَمِ الجنّة، إلى التفّاحِ والإجاص، إلى القرعِ والشمندرِ، وهناك يبيعونَ اللفت أيضًا، وإلى الأطعمةِ و{أَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى}۱، اللبنُ والخمرُ وهذهِ الأمورُ و...، هذهِ مراتبُ مختلفةٌ لها. صوموا لكي تنالوا في ذلك العالم جمالَ الحِسانِ، خاصّةً أولئكَ الذينَ كان حظُّهم قليلًا في هذهِ الدنيا وكان نصيبُهم قليلًا، هؤلاءِ طبعًا يُصلّونَ الصلاةَ بنيّةِ قُربةٍ من آخر، فيصلّون صلاتهم بمزيدٍ من الانتباهِ! فهذا كلُّهُ ماذا؟ هذا كلُّهُ «دَلالة إليهِ». دلالةٌ نحوَهُ، باتّجاهِهِ وآثارِه. ولكنْ هل رأيتم حتّى الآنَ أحدًا يأتي يتحدّثُ للناس، يقول: «أيُّها الناس، لدينا أشياء أخرى ليستْ من الحور العينِ وأمثال ذلك؛ قُربُ اللهِ ومُصاحبةُ اللهِ ومقامُ التجرُّدِ، فهذهِ أمورٌ أصلًا أعلى من الحورِ العين هذهِ». يقول: «أريد من تلك الأمور السفلى يا عزيزي، واتركْ هذهِ لنفسِك، أعطِنا حورَ العينِ تلكَ، فهي تكفينا، واحتفظْ بتلكَ لنفسِك». لماذا؟! لأنّ الناسَ يُفكِّرون في هذا النطاقِ من الأحاسيسِ. الناسُ أذهانُهم وحواسُّهم ولذّاتُهم هي في نطاقِ الأحاسيس.

    1. سورة محمد (٤۷) الآية ۱٥

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

12
  • نظرةُ أهلِ الدنيا إلى اللذّاتِ والأفراح

  • يرونَ اللذّةَ في هذا، يرونَ الفرحَ في هذا، يرونَ عالمَ البهجةِ والسرورِ في الأكل. الآنَ في الخارجِ وهنا أيضًا الشيء نفسُه عندما يُدعى الأفراد، يكونُ فرحُهم في المجلسِ ـ طبعًا هذا قسمٌ منه، وهناك أقسامٌ أخرى أيضًا موجودة ـ هو أن يأكلوا باستمرارٍ من أوّلِ المجلسِ حتّى آخرِه. أن يعملَ هذا الفمُ باستمرار. فإذا لم يعملْ لدقيقتين، يقولون: لا لا يمكن! يأتونَ بشيءٍ ثمّ يذهبونَ بعدَ نصفِ ساعةٍ ويأتونَ بشيءٍ آخر. يأتونَ بالمكسّراتِ ثمّ بطعامٍ آخر، يأتونَ بالكثيرِ حتّى ينتهيَ المجلس. أي عندما يأكلونَ جيّدًا ويُسرّونَ جيّدًا ويمضي المجلسُ جيّدًا، يقولون: «لقد أحسنَ الضيافة! أحسنَ الضيافة». هذهِ الضيافةُ كانتْ ضيافةً جيّدة، وللأسفِ هذهِ العادةُ صارت بينَنا أيضًا. فإذا أقاموا مجلسًا، وكان هناك ضيافةٌ مختصرةٌ، وطعامٌ مختصر، لا يُمدَح؛ ولكنْ إذا ذهبَ ذلكَ المسكينُ واقترض، ودعا إلى مائدة بالدَّينِ والمشقّةِ وبألفِ صعوبةٍ وأحضَرَ الحلوى الفاخرة والفاكهةَ المميّزة وماذا يفعل، يأتونَ ويقولون: «ما شاء الله ما شاء الله! كم وضعْتَ من الطعامِ الوفير!» كم فعلْتَ من الأشياء! ما هذا؟! هذا كلُّهُ باطل. هذهِ المسائلُ باطلة أصلًا، ومخالفة للشرع. عل حتمًا يجبُ أن يكونَ الأمر هكذا؟! هذا يعني أنّ ثقافتنا خاطئة. فالناسُ هكذا، لديهم اهتمام بالظواهر، واهتمامُ بالمسائلِ البسيطة. واللهُ أيضًا خلقَ لهؤلاءِ الناسِ مقدارًا من أسبابِ التسلية، سواءٌ في هذا العالم أو في ذاك. لِمَنْ هذا؟! هذا للناسِ العاديّين. أمّا أولئكَ الذينَ قيمتُهم فقط في الاتّصالِ بذاتِ اللهِ تعالى، فبهجتُهم في الفناء وسرورُهم في التجرُّد وفرحتُهم في الانغمارِ في الأنوارِ الإلهيّة. تلكَ الأنوارُ التي لا شكلَ لها، لا صورةَ لها، لا ثِقَلَ لها، لا مذاقَ لها، لا طعمَ لها، فالمسألةُ هنا تختلف. لماذا؟! لأنّهم وصلوا إلى تلكَ الحقيقةِ التجرُّديّة. وتلكَ الحقيقةُ التجرُّديّةُ لم تعدْ تستطيعُ أن تشبِعَ بالصورةِ وبالشكل. فالصورةُ والشكلُ هما للمقامِ الأدنى، ذلكَ لعالَمِهِ المثاليّ، لملَكوتِهِ السُّفليّ، لعالَمِهِ البرزخيّ، لعالَمِهِ الصوريّ. لأنّه لا يعلم، لا يُدرِك. ولكنّ الإمامَ عليه السلام يقول: «لا أريد ذلك! أنا أُريدُ أن أجدَ معرفةً بكَ ودلالة عليك لا إليك». فمعرفتي يا مولاي، ليستْ بالحورِ والجنّاتِ والغِلمانِ واللبنِ والجبنِ والزبادي الذي في الجنّةِ وهذهِ الأمور؛ كلاّ، فأنا لديَّ معرفةٌ بكَ، ومعرفتي دليلي عليكَ لا إليك. وقد فسّروا هنا [في هذه الترجمة لمفاتيح الجنان] «عليك» بمعنى «نحوَك»، وهذا خطأ. فمعرفتي هي بذاتِك. وهذا هو الأمر المهمّ. وسواء أعطيتَني الجنّةَ أم لم تُعطِنيها، أنا أُريدُ أن أجدَ دلالةً عليك. أعطيتَني في الجنّةِ حورًا أم لم تُعطِني، أنا أُريدُ معرفةً بك. ماذا أفعلَ بالحور؟! 

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

13
  • فکر حوری و بهشت غلمان کجا کند***دلداده عاشقی که نگارش مقابل است 
  • أي: أنّى للعاشق المتيّم الذي معشوقُهُ أمامَهُ، أن يُفكِّرَ بالحورِ والجنّةِ والغِلمان!

  • حقيقةُ العشق 

  • هل رأيتم عندما يلتقي عاشقانِ محبّانِ؟ فهل يُفكِّرانِ في شيءٍ آخرَ غيرَ الحديثِ مع بعضِهما؟! البرتقالُ أمامَهما، فهل يقولانِ لنأخذِ البرتقالَ ونأكلهُ؟ المكسّراتُ أمامَهما، هل يأخذانِ قليلًا من المكسّراتِ ويتحدّثانِ كلمتينِ، حسنًا كيفَ حالُكَ؟ أينَ كنْتَ؟ متى أتيْتَ؟ بماذا أتيْتَ؟ تقولُ له: اذهبْ إلى شأنِكَ! هذا يدّعي المحبّة! أصلًا المحبّ لا يرى ما أمامَهُ، هل هي مكسّرات، هل هي موجودةٌ أم لا؟ هل توجدُ حلوياتٌ أم لا! لماذا؟ لأنّ تلكَ اللذّةَ التي يشعرُ بها في الحديثِ مع محبوبه ليستْ في أيِّ شيءٍ آخر. وبمجرّدِ أنّه ينظرُ إليهِ هكذا، تلكَ اللذّةُ التي يشعرُ بها، يقولُ أصلًا لا أُريدُ أيَّ شيءٍ أمامي. لا يُريدُ أيَّ شيءٍ، حتّى إنّه يرى الاتّصالَ بهِ نقصًا ومَنقصةً لنفسِه. فقط يُريدُ أن يجلسَ وينظرَ إليه. في بعضِ الأوقاتِ حتّى الحديثَ يراهُ نقصًا ومَنقصة، فقط هكذا. أي هذهِ العلاقةُ تصبحُ لطيفةً ورقيقةً ودقيقةً لدرجةِ أنّه حتّى الحديث يكونُ مُضرًّا ويُنزِلُهُ، حتّى إنّه لا يتحدّثُ معهُ! فالمسألةُ دقيقةٌ إلى هذا الحدّ. استشعروا هذا الأمر في علاقتِكم باللهِ تعالى، أولياءُ اللهِ هم هكذا. هذا ما يُريدُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام أن يقولَه. يُريدُ أن يقول: «يا إلهي، أنا حتّى الحديثَ معكَ في العالمِ البشريّ، هذا الحديثَ أيضًا أعتبرُهُ تنزُّلًا إلى مقامِ الواحديّةِ والتكلُّم». {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا}۱. هذهِ لم تكنْ مرتبةَ كمالٍ، هذهِ إحدى مراتبِ التجلّي في الأسماء، الاسمُ الناطقُ والاسمُ المُكلِّم، ولكنّ تلكَ المرتبةَ من التعلُّقِ بالذاتِ أعلى من هذهِ الأحاديث. 

  • ذاتَ مرّةٍ كنت في محضر المرحومِ العلامة، فقلْتُ إنّ فلانًا، أقصد أحدَ تلامذة المرحومِ العلامة الطباطبائيِّ رحمه الله، ذهبَ لعيادتِهِ عندما كان في المستشفى ـ في مرضه الذي توفّي فيه، في أواخرِ حياتِه ـ فرآهُ يتحدّث. فجاءَ وقالَ للآخرين إنّ هذا المقامَ الذي هو فيهِ الآنَ هو مقامُ التكليمِ {وَكَلَّمَ اللَّهُ...} فقلْتُ هذا للمرحومِ العلامة، فقالَ: «هذا ليسَ مقامًا مهمًّا للعلامةِ الطباطبائيِّ!» فهل تدركون؟! يقولُ هذا ليس مقامًا مهمًّا للعلامةِ الطباطبائيِّ! فهذا ليسَ بشيء! الآنَ يظنُّ أنّ {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ} شيءٌ عجيبٌ أيضًا. لا! على الرغمِ من أنّ التكلُّمَ من ناحيةِ اللهِ تعالى عظيمٌ جدًّا، لأنّه استنادٌ إليهِ كما قالَ البُلغاء، ولكنّ الحديثَ هو في أنّ اللهَ قد وضعَ في هذا الإنسانِ شيئًا أعلى من هذهِ الأمور. وهو الارتباط بالذاتِ والتعلُّقُ بذاتِ اللهِ تعالى نفسِها، وذلكَ المقامُ هو مقامُ «هو». وهناك لا يعود معنى للتكلُّم، ولا يعود معنى للأثر، ولا يعود معنى للالتفات؛ فمَنْ يلتفتُ إلى مَنْ؟! ولا يعود معنى للإشارة، ولا يعود معنى للثنائيّة. هناك ليسَ جلوسًا إلى الجانب، هناك وحدة، هناك واحد. فهذا أيُّ مقامٍ يصبح؟! هذا مقام «دليلي عليكَ».

    1. سورة النساء (٤) الآية ۱٦٤.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

14
  • مرادُ الإمامِ السجّادِ عليه السلام من المعرفةِ بالله

  • يقولُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام: «أنا لا أريد الجنّةِ والحورِ والجنّاتِ والغِلمانِ وهذهِ الأمور، فهذهِ لا أُريدُها! فهذهِ لعوامِّ الناس. كلا، فمعرفتي، هي التي تهديني إلى ذاتِكَ أنت، لا إلى أسمائِكَ ولا إلى صفاتِكَ، ولا إلى آثارِكَ، ولا إلى علمِكَ، ولا إلى قدرتِكَ، ولا إلى رزقِكَ، ولا إلى رأفتِكَ، ولا إلى قهّاريّتِكَ، وعلى الرغمِ من أنّ هذهِ ليستْ منفصلةً عنكَ، ولكنّني أُريدُ أن أتجاوزَ وأعبر من هذهِ كلِّها. أنا أطلبُ ذاتَكَ فقط وهذهِ المعرفةُ لديّ». أي لديَّ معرفةٌ، تلكَ المعرفةُ تجذبُني إليك. هؤلاءِ الذينَ يقولونَ لا طريقَ إلى ذاتِ اللهِ تعالى! نقول لهم: دليلُنا هو أنّ الإمام السجّاد عليه السلام يقولُ هنا إنّ الطريق موجود. فأنا لديَّ معرفةٌ وهذهِ المعرفةُ تهديني إليكَ، إلى ذاتِك. هنا يدركُ الإنسانُ كلامَ أولياءِ اللهِ عندما يقولون: «لا تتحدّثوا باستمرارٍ عن هذا وذاك، لا تتحدّثوا باستمرارٍ عن الأعلى والأسفلِ، لا تتحدّثوا عن الجنّةِ والنارِ، لا تتحدّثوا عن الملائكةِ، لا تتحدّثوا عن عوالمِ المشيئةِ والتقديرِ وأمثال ذلك. لا تتحدّثوا دائمًا عن رؤيةِ إمامِ الزمانِ عليه السلام الظاهريّةِ وهذهِ الأمور، لا تتحدّثوا باستمرارٍ عن المكاشفاتِ والأحلامِ وهذهِ الأمور». فعن ماذا نتحدّث إذنْ؟! تحدّثوا عن اللهِ فقط وكفى، فكلّما نزلْتُم عمّا سواهُ خسرتم، خسرتم.

  • معرفةُ إمامِ الزمانِ عليه السلام

  • يقولون: «في هذا الوقتِ يظهرُ إمامُ الزمانِ عليه السلام، إذا ظهرَتْ تلكَ العلامةُ يظهر». وهكذا نُضيِّعُ الليلَ موصولاً بالنهارِ وهذهِ المجالسَ بهذهِ الأحاديثِ التي لا يُساوى مائة منها فلسًا واحدًا. حسنًا، يظهرُ فليظهرْ. أنا بدلًا من أن أجلسَ دائمًا أتحدّثُ عن هذهِ الأمور، أذهبُ وأُصلِحُ نفسي. أذهبُ وأرى أيَّ بؤسٍ أنا فيه؟ ماذا حلَّ بي؟ أيَّ شقاءٍ أنا فيه؟ إمامُ الزمانِ عليه السلام لا يُريدُ إنسانًا مُتسكِّعًا هكذا. إمامُ الزمانِ عليه السلام يُريدُ إنسانًا يكونُ حولَهُ. إنسانًا! لا أن أفعلَ شيئًا يجعلُ الجميعَ يهربونَ ويفرّون. يبحثون عن إمامِ الزمانِ عليه السلام من حيثُ الرتبةُ وهذهِ الأمور، لقد كان والدُهُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام أعلى. هؤلاءِ الذينَ كتبوا رسائلَ للإمامِ الحسينِ عليه السلام ودعوه. كتبوا أربعة آلافِ رسالة! يا عزيزي، ليسَ الأمرُ مزحة، أربعةُ آلافٍ تصلُ إلى السقف، قالَ الإمامُ عليه السلام لذلكَ الرجل أحضِرْ تلكَ الرسائل، فأُلْقِيَتْ في الصحراء، فقال لهم: من أينَ جاءَتْ هذهِ الرسائل إذنْ ؟! هل جاءَتْ من أستراليا والقارّةِ الأفريقيّة؟! وطبعًا أنا أقول هذا. ألمْ تأتِ هذهِ الرسائلُ من الكوفة هذهِ؟! ألستم أنتمُ الذينَ جئْتُم الآن كتبتم هذهِ الرسائل؟! يا عمرَ بنَ الحجّاج، أنتَ الذي أرسلْتَ هذهِ الرسالة، «اخضرّ الجناب وأينعت الثمار ونحن جند لك مجنّدة». ثمّ جئْتَ بأربعةِ آلافِ جنديٍّ وسددْتَ شريعةَ الفرات، ألا تخجل؟! في النهايةِ أنتَ كتبْتَ هذهِ الرسالة! ماذا قالوا؟! هكذا أطرقوا برؤوسَهم وقالوا: «لقد مضى الأمرُ الآن، في ذلكَ الوقتِ كتبْنا هكذا، والآنَ تغيّرَ الوضع، تغيّرَ الزمان، ثمّ أنتَ عليك أن تبايع». فقالَ الإمامُ عليه السلام: «تغيّرَ فليتغيّرْ، بالنسبةِ لي لم يتغيّرْ. بالنسبةِ لكم تغيّر، افعلوا ما تشاؤون، بالنسبةِ لي لم يتغيّرْ، إن أرتدتم أن تقتلوا فاقتلوا». ووقفَ حتّى النهاية؛ قالَ اقتلوا وقتلوهُ، وانتهى الأمر. كلُّ هذهِ الرسائل! حسنًا، ماذا كان هؤلاء؟! ألمْ يكونوا يقبلونَ بالإمامَ الحسينَ عليه السلام؟! فجأةً ماذا حدث؟! حسنًا، الآنَ إمامُ الزمانِ عليه السلام أيضًا هكذا يا عزيزي. إمامُ الزمانِ عليه السلام أيضًا هكذا. لا يوجدُ أيُّ فرقٍ بينَ إمامِ الزمانِ عليه السلام والإمامِ الحسينِ عليه السلام. الإمامُ إمامٌ وطريقُهُ أيضًا واحد، لا يختلف. لهُ مسارٌ واحد. لا يوجدُ أيُّ اختلاف. افعلْ هذا ولا تفعلْ ذاك. 

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

15
  • ـ أفعلُ هذا؟! فكثيرٌ من الأعمالِ لا تتناسبُ مع مزاجِنا. حسنًا، ماذا يجبُ أن نفعل؟! 

  • ـ لا شيء.

  • حينها نحنُ أيضًا نصبحُ من أولئكَ الذينَ أرسلوا الرسائل. ولكنْ لا نشهر السيفَ على إمامِ الزمانِ عليه السلام، إنْ شاءَ اللهُ إذا وفّقَنا الله. فعلى الأقلِّ لا نذهبُ مع المخالفينَ مرّةً أخرى، إنْ شاءَ اللهُ يجعلُنا الإمامُ عليه السلام من أصحابِه، نحنُ الآنَ نتكلّم بقليل من الجرأة ونتحدّثُ مع الرفقاءِ ببعضِ الصراحة، ولا عيبَ في ذلك، مزاحٌ وجدٌّ، وبعضُ الأشياءِ تُقالُ لا بأسَ بها. على الأقلِّ لا نشهر السيفَ على إمامِ الزمانِ عليه السلام، ولكنْ إذا أمر إمامُ الزمانِ عليه السلام فهل أنفّذ أمره؟ مهما كان؟!

  • مراتبُ المعرفةِ بإمامِ الزمانِ عليه السلام

  • فلننظرْ قليلًا إلى أنفسِنا، حقًّا! الآنَ واحدًا تلوَ الآخرِ لننظرْ إلى أنفسِنا. إذا قالَ الإمامُ عليه السلام: «يا فلان، أعطني عباءتكَ هذه»، نقولُ حسنًا ونُعطيها بسهولة، فهذا ليسَ بالأمرِ الصعبِ فكم ثمنُها؟! حسنًا، هذهِ أعطيْناها. نرى لا، بهذا القدرِ نحنُ واللهِ تقدّمْنا. الآنَ نتقدّمُ قليلًا، «قباؤكَ أيضًا اخلعْهُ». حسنًا، لا بأسَ، الآنَ نمشي قليلًا بالقميصِ والسروالِ، فما المشكلة؟! إنّه الإمام، إمامُ الزمانِ عليه السلام، لا يمكنُ فعلُ شيءٍ معهُ في النهاية. لو طلب منّا غيره، لقلْنا له: إنّ هذا فيه إشكال شرعًا ! نعم! و {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ}۱ يجبُ ارتداءُ الملابسِ في الحرِّ والبرد. فهذا ما يقولونَه. ثمّ الإمامُ عليه السلام يقولُ: «الآنَ مكتبُكَ هذا الذي تُحبُّهُ كثيرًا واشتريْتَهُ بمئة، مائة وخمسين، مئتي تومان، أحضِرْهُ وأعطِهِ لفلان أو أوقِفْهُ للمؤسّسةِ الفلانيّة»، نقولُ: «حسنًا، الآنَ هذا أيضًا لنرَ، نُفكِّرُ قليلًا، نُقلِّبُ الأمور». لا، في النهايةِ سيكتبونَ لنا ثوابًا، في النهايةِ هذا كلامُ إمامِ الزمانِ عليه السلام. نضعُهُ في حسابِ الثوابِ ونُعطيهِ أيضًا. شيئًا فشيئًا نتقدّم، نتقدّم، لنرَ إلى أينَ نقف. الإمامُ عليه السلام يقول: «تعالَ البيتَ أيضًا أعطِه». نُجاهِدُ كثيرًا، سنةً كاملةً نُفكِّرُ فيه. بعدَ أن نكون قد أرهقْنا أنفسَنا نقولُ في النهايةِ: «حسنًا!» حاضر، هذا أيضًا، هذا أيضًا أنفقناه في سبيلِ الله، فماذا تُريدُ أيضًا؟! ثمّ وشيئًا فشيئًا يأتي إلى قضايا أخرى، مسائلَ عاطفيّةٍ وحسّيّة، وفجأةً إمامُ الزمانِ عليه السلام يقولُ: «يجبُ أن تُقدّم ابنَك، ابنكَ يجبُ أن تُقدّمه». ألمْ يقلِ اللهُ لإبراهيمَ عليه السلام: «يجبُ أن تُقدّم ابنَك»؟! يجبُ أن تذبحه.

    1. سورة النحل (۱٦) الآية ۸۱

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

16
  • قصّةٌ للعلامةِ الطهرانيِّ رحمه الله حولَ المعرفةِ بإمامِ الزمان

  • ذاتَ مرّةٍ كنّا في خدمةِ المرحومِ العلامة، جاء أحدُ السادةِ الذينَ لديهم رسالةٌ أيضًا، فقد كان صاحب رسالة في مشهد، ويبدو أنّه تُوفّيَ قبلَ بضعِ سنوات. وكنّا في أواخرِ العهدِ السابق، زمنِ الشاه، قد ذهبْنا لبضعةِ أيّام إلى مشهد وأقمْنا في أحدِ هذهِ الفنادق التي فيها. في فندقِ «رز» الذي هو الآنَ في ساحةِ الحرم. ذاتَ ليلةٍ كنّا جالسين، ويبدو أنّها كانتْ ليلةَ عرفة. كنّا جالسين، فجاءَ أحدُ هؤلاءِ السادةِ وطرقَ الباب، هذا الإنسان المعروفِ وصاحب الرسالة، والذي تُوفّي. جاءَ وطرقَ البابَ فقلنا له: تفضّل. فجاءَ وقال: «السلامُ عليكم»، فجأةً رأى أنّ المرحومَ العلامةَ في الغرفة، وكان قد أخطأَ الغرفة، واتّضحَ له أنّه كان يُريدُ غرفةً أخرى، جاءَ يبحثُ عن فردٍ آخر، فأخطأوا في إرشادِهِ من الأسفلِ إلى غرفتِنا. وعندما عَلِمَ أنّ المرحومَ العلامةَ في تلك الغرفة، دخل وقال: «يا سيّد، لقد كان هذا نِعْمَ البدلَ وأمثال هذا الكلام ...». فقالَ المرحوم العلاّمة: «لا يا سيّد، {إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ}۱، والحاصل أنّه ضحِكَ وجلسْنا. وفي أثناءِ الحديث، طُرِحَ حديثٌ حولَ ما إذا كان الإمامُ عليه السلام يستطيعُ أن يقولَ: «طلِّقْ زوجتَك» أم لا؟! هناك البعضُ يُريدُون أن يقولَ لهم الإمام «طلِّقْوا»، وهم ينتظرونَ أن يقول ذلك، وإن لم يأمرهم يُطلِّقونَ ويقولون الإمامُ أمرنا. فهذا قسم من الناس. فالإمامُ عليه السلام لا يقولُ لهؤلاءِ لأنّهم ينتظرون، تُريدُ أن تُطلِّقَ ثمّ تُلقيَ اللومَ علينا، أنتَ ذكيٌّ جدًّا؟ لا، أنتَ تُريدُ أن تُطلّق، طلّق ولا تُلقِ اللومَ علينا. الإمامُ عليه السلام يذهبُ ويضعُ يدَهُ على حالاتٍ معيّنة، على أشياءَ تكونُ المسألةُ فيها صعبة. الآنَ نحنُ واللهِ نأتي ونُؤذي الإمامَ عليه السلام هكذا. الإمامُ عليه السلام يقول: «مَنْ أنتَ؟ جالسٌ هنا وتُعرِّفُنا على شيعتِنا بهذهِ الطريقة!» على كلِّ حالٍ، في النهايةِ نحنُ أيضًا نتحدّثُ كأصدقاءٍ ونمزحُ. فتارة يأتي الإمامُ عليه السلام ويقول: «يجبُ أن تُطلِّقَ زوجتَك». 

  • فنقول: يا للهول! يا بنَ رسولِ الله! ماذا حدث؟! لم يأمرْ جدُّكَ المكرّمُ أحدًا بمثلِ هذهِ الأوامرِ أبدًا، كيفَ جئْتَ أنتَ تطرحُ مثلَ هذهِ المسائل؟! 

    1. سورة البقرة (٢) الآية ۷۰

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

17
  • فيقولُ الإمامُ عليه السلام: «حسنًا، على كلِّ حالٍ القضيّةُ والمسألةُ هي هذه». 

  • حسنًا، الآنَ إذا طلّقْتُها، هل يمكنُني أن أتزوّجَها مرّةً أخرى؟ 

  • يقولُ الإمامُ عليه السلام: «لا! سأقولُ لآخرَ أن يتزوّجَها». 

  • يا للهول! لقد ساءَ الأمرُ كثيرًا. في النهايةِ، هناك البعضُ يُطلِّقونَ ثلاثًا ويندمون، وتُطرح قضيّةُ المُحلِّلِ، والكلام هنا كثيرٌ والحكاياتُ كثيرة. 

  • ـ «لا يا عزيزي! زوجتُكَ التي تزوّجْتَها منذُ عام، وبدأْتُما للتوّ تُحبّانِ بعضَكما البعضَ ، يجبُ أن تُطلِّقَها، وبعدَ ذلكَ يتزوّجُها آخر، قضي الأمر. ولن تحصلَ على شيءٍ آخر.»

  • كان الكلام حول أنّ الإمامَ عليه السلام هل يمكنُهُ أن يأمر مثلَ هذا الأمرِ أم لا؟ 

  • قال: «نعم، نحنُ عندما كنّا في النجفِ ـ وفي ذلكَ الوقتِ كان السيّدُ الخمينيُّ رحمه الله لا يزالُ موجودًا، وكان لا يزالُ في زمن الشاهِ في النجف ـ فكنّا في مجلسٍ عندَ السيّدِ الخمينيِّ رحمه الله، فالتفتَ إليه فلانٌ، أحدُ العلماء وهو الآنَ في طهران من العلماء المعروفينَ فيها، ولا أدري ما هو رأيُ السيّدِ الخمينيِّ رحمه الله؟ فهو لم يطرحْ هذا. ولكنْ قالَ إنّ ذلكَ العالم قالَ: «يا سيّد!» والتفتَ ـ وطبعًا هو كان يُعبِّر بتعبير آخر ـ التفتَ إلى السيّد روحِ الله وقال: «سيّدنا، إنّ مشهدي۱ حسن بائعُ اللبنِ أيضًا والذي كان في رأسِ الزقاق، مشهدي حسن في النجف لا يقولُ مثلَ هذا الكلام، فما بالك بأن يأتيَ الإمامُ ويقولَ مثلَ هذا!» حسنًا، انتهَتْ هذهِ القضيّةُ ولم يقلِ المرحومُ العلامةُ أيَّ شيءٍ، وذهبَ ذلكَ العالم. فقلْتُ: «سيّدنا، ماذا يقول هذا السيّدُ؟ وما هذهِ التُّرّهاتُ؟ ماذا كان يقولُ من أنّ مشهدي حسن...!» فقال: «يا عزيزي، هذا قدرُ فهم هؤلاءِ للإمامِ، هذا قدرُهُ». مشهدي حسن بائعُ اللبنِ أيضًا لا يقولُ مثلَ هذا الكلام، فما بالك بالإمام؟!.

  • استدلالٌ قرآنيٌّ على ولايةِ إمامِ الزمانِ المطلقةِ على جميعِ الأمور 

  • المسألةُ حيّةٌ وحاضرة، أسألُكم سؤالاً واحدًا ، فأجيبوا عن سؤالي، لا حاجةَ إلى الرسائلِ والمكاسبِ والكفاية٢، فقط هذا السؤالُ الواحد. هل الخضرُ عليه السلام قطعَ رأسَ طفلٍ معصومٍ ابنِ عشرِ سنواتٍ أم لم يقطعْهُ؟! هذهِ آيةٌ قرآنيّة {فَانْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ}٣. غلامٌ، غلامٌ يعني طفل، الطفلُ الذي لم يبلغْ سنَّ البلوغِ بعدُ يُسمّى غلامًا، أو حتّى بعدَ البلوغِ يُقالُ له ذلك. حسنًا، الطفلُ الذي لم يُكلَّفْ بعدُ بريء. فأمسكَهُ و يا للعجب! أمامَ أعينِنا أخرجَ سكّينَهُ وجزَّه جزًّا وانتهى الأمر. وهنا اشتدَّ غضبُ موسى عليه السلام، «يا ويلتاه! ماذا تفعل؟!» فعلْتَ كذا، وفعلْتَ كذا، خرَقْتَ سفينةَ المساكين ولم نقلْ لكَ شيئًا، فعلْتَ بالجدارِ كذا، ثمّ هذا الطفلُ لمَاذا قتلْتَه؟! قال: حسنًا. ثمّ بدأَ يشرحُ له. يا عزيزي، العملُ الذي فعلْتُهُ بخصوصِ السفينةِ كان لهذا السبب، كانتْ لهُ حكمة. وهذا الجدارُ الذي أقمْتُهُ كان كذا، وهذا الطفلُ كان كذا. وهذا الطفلُ لو كبُرَ لأصبحَ سيّئًا ولتسبّبَ في انحرافِ والديهِ أيضًا. فأنا الآنَ قتلتُهُ حتّى لا يُعذَّبَ هذا أوّلًا، وثانيًا ليبقى والداهُ في أمان، وثالثًا، اللهُ أيضًا يُعوِّضُ عن هذا بطفلٍ آخرَ يكونُ صالحًا. هنا هدأ، وقال: «حسنًا جدًّا، فهمْتَ الأمرَ، فاذهبْ الآن، لا يمكنكَ أن تكونَ معي، لأنّني هكذا». غدًا أذهبُ وأقطعُ رأسَ آخر، بعدَ غدٍ أذهبُ وأُخرِّبُ مكانًا آخر، وحيث إنّك لا تستطيعُ أن تبقى معي، فوداعًا. هل كان عملُ الخضرِ عليه السلام صحيحًا أم لا؟! فاللهُ أيّدَهُ، إنّه الخضرُ عليه السلام. فهل تطليقُ الزوجةِ أهمُّ أم قطعُ رأسِ طفلٍ ابنِ عشرِ سنوات؟! أصلًا ما علاقتُهما ببعضِهما البعض؟ هل الخضرُ عليه السلام أعلى أم إمامُ الزمانِ عليه السلام؟ أي هل إمامُ الزمانِ عليه السلام أقلُّ من الخضرِ عليه السلام حتّى لا يمكنه أن يقولَ: «يا سيّد، طلِّقْ زوجتَك»؟ حاصل ضرب اثنينِ في اثنينِ أربعة. فجميعُ الرفقاءِ أدركوا بهذهِ السهولة. يا سيّد، بهذهِ السهولةِ ألا يدركون! اللهُ هنا يقول: «الخضرُ عليه السلام جاءَ وفعلَ هذا الذي فعلَهُ وكان صحيحًا وكان السببُ كذا». الخضرُ عليه السلام أعلى أم إمامُ الزمانِ عليه السلام أو أميرُ المؤمنينَ عليه السلام أو الإمامُ السجّادُ عليه السلام، أيُّهم أعلى؟ لا يمكنُكم أن تقولوا إنّ الخضرَ عليه السلام أعلى. الخضرُ عليه السلام لا يصلحُ حتّى أن يكونَ خادمًا لهؤلاء. صحيح؟! الآنَ يأتي إمامُ الزمانِ عليه السلام ويقول: «طلِّقْ زوجتَك». فيقولون: مشهدي حسن بائعُ اللبنِ أيضًا لا يقولُ هذا الكلام. 

    1. لقب مشهدي يشبه لقب الحاجّ ويطلق في إيران على من يزور مشهد. (م)
    2. من أهمّ الكتب الدراسيّة في المعاهد العلميّة التخصّصيّة وتدرس في المرحلة المتقدّمة. (م)
    3. سورة الكهف (۱۸) الآية ۷٤.

كيف تكون معرفتك دليلك إلى الله لا إلى سواه؟ - ولاية إمام الزمان عليه السلام المطلقة

18
  • عجبًا! فهل عرفنا الآنَ مَنْ يجبُ أن يدلَّ على الله؟ الإنسانُ الذي يعرفُه. لا يمكنُ الذهابُ إلى أيِّ مكان. هؤلاءِ الذينَ أُحدِّثُكم عنهم، كانوا ممّنْ لديهم رسالةٌ عمليّةٌ ومُقلّدونَ! ولكنّ المسألةَ هي هذه. يقولُ الإمامُ السجّادُ عليه السلام: يا إلهي، معرفتي بذاتِك دليلي عليك.

  •  

  • اللَهُمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّدٍ.