8

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة 1426 هـ ق - الجلسة الثامنة

432
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/12

جلسات المجموعة(1 جلسة)

التوضيح

هل تكفي المعرفة العامّية بالله وبعوالم الربوبيّة ومقام الولاية أم لا بدّ من معرفة أعمق؟ وهل هناك فائدة من التعمّق بذلك أم لا؟ وما هي تلك الفائدة إن وجدت؟
هل مستويات الجنّة واحدة بالنسبة إلى الأنبياء والأولياء والعوام أم أنّها تختلف باختلاف مستويات معارفهم؟
ما هو دور الفلسفة والعرفان في زيادة المعرفة بالله وأوليائه؟
تبحث هذه المحاضرة حول هذه المواضيع من خلال شرح فقرة: معرفتي يا مولاي دليلي عليك من دعاء أبي حمزة.
/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – الجلسة الثامنة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني 

  • قدّس الله سره.

  •  

  •  

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم

  • و صلَّی‌ اللَه عَلَی سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ

  • و على آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَی أعدائِهِم أجمَعينَ 

  •  

  •  

  • هل تكفي المعرفة العاميّة بالله بعوالم الربوبيّة؟

  • «مَعرِفَتي یا مَولاي دَلیلي عَلَيك وَ حُبّي لَك شَفيعي إلَيك» 

  • ذكرنا في الليالي السابقة وخصوصًا ليلة أمس للرفقاء أنّ الذين يرون أنّ معرفة الله وعالم الوجود والأسماء والصفات والإلهيّة بأكثر من هذا المقدار المتعارف العرفيّ والعاميّ لا فائدة منها، كم هم سائرون في طريق خاطئ وضالّ! وليسوا فقط أنفسهم يُضلّون، بل هم يسوقون معهم خلقًا عظيمًا إلى الضلال الضياع والهلاك! والدليل على ذلك واضح أيضًا، الدليل هو أنّ تصوّر هؤلاء الأفراد عن النعم الإلهيّة هو تصوّر سطحيّ وبسيط، فهؤلاء يظنّون أنّ الجنّة عبارة عن هذا التفّاح والإجّاص والعنب والتمتّع بالنعم الإلهيّة بهذه الطريقة من التمتّع الغريزيّ الذي يتمتّعون به في هذه الدنيا، أن يكون طعامهم لذيذًا، ولباسهم ثمينًا قيّمًا، وحياتهم مرفّهة، واستمتاعهم بالغرائز الماديّة والغرائز النفسيّة كاستمتاع الحيوانات، وفي هذه الحدود لا أكثر. ولا يشغل أفكارهم وعقولهم إلا هذه الأمور، وهم يظنّون أنّ يوم القيامة هو هكذا أيضًا.

  • حسنًا إن كان لا بدّ أن تكون النعم الإلهيّة يوم القيامة هكذا فلماذا يميتنا الله ثمّ يحيينا؟! فهنا يوجد من هذا التفّاح والإجّاص والبرتقال واليقطين والبطّيخ، لقد كانت في هذه الدنيا. نقول إنّها ألذّ، حسنًا فقد كان بإمكان الله أيضًا أن يعدّ هنا ما هو ألذّ أيضًا، فبالنسبة إلى الله ماذا يحتاج ذلك؟! التفّاح في ذلك العالم ألذّ منه في هذا العالم، حسنًا فلنضف قليلاً من موادّه هنا ولنعدّل نسبة الأسمدة والضوء بما يكفي ونهتمّ به فإنّه سيكون ألذّ، فلماذا الجنّة؟!

  • ما معنى فلسفة الجنّة إذن هنا؟ إن كان لا بدّ أن يكون جميع الناس ابتداء من الذي لا يميّز الهرّ من البرّ وانتهاء بالرسول الأكرم جميعًا على درجة واحدة من الاستفادة من المواهب الإلهيّة فما الفرق إذن بين رسول الله وبيننا نحن؟! ما الفرق بين ذلك العاميّ وذلك الذي يسير في عوالم لا يرقى إليها عقل أيّ إنسان؟ فما الفرق بينهما إذن؟ إلى أين يذهب هؤلاء؟ إلى أين يتوجّهون في طريقهم؟ وهل هم أنفسهم يدركون ما يقولون؟! هؤلاء الذين يقولون إنّ المعرفة الإلهيّة محدودة ولا تحتاج إلى تفكّر وتأمّل وغور واطّلاع على المعارف بأكثر من هذا المقدار المعتاد والطبيعيّ المتعارف والعاميّ، فهذا يعلمه الجميع، النساء تعلمه والرجال، الأطفال يعلمونه والكبار، الجاهلون يعلمونه والعلماء، الجميع في مستوى واحد، في النهاية هم يقولون إنّ هناك إلهًا، هناك إلهًا، كما لو فرضنا أنّ إنسانًا لا يعرف التيّار الكهربائي، فيقولون له: هناك شيء ما في هذه الأسلاك. فنحن لا نعرفه إلا بمستوى أنّه إن كان موجودًا اشتغلت هذه المروحة والأجهزة وهذا المكبّر للصوت وأمثال ذلك، فبهذا الحدّ نحن نعرف، أمّا كيفيّة ذلك فلا علم لنا بها. فليكن فماذا ينفعنا علمنا بذلك؟! هؤلاء يقولون إنّ مستوى معرفة الإنسان عن العوالم الربوبيّة أصلاً لا تحلّ لنا مشكلة، كيف هو عالم المشيئة الإلهيّة؟! وكيف هو عالم التقدير؟ وكيف هو الارتباط بين الله وبين العباد؟ وكيف يفيض العلم على الخلائق؟ وكيف يتحقّق الرزق؟ وكيف تسبّح الموجودات؟ يقولون: ماذا يفيدنا ذلك؟ ما فائدة ذلك؟ ما نتيجة ذلك؟ لقد قال الله تعالى: صلّ صلاة الصبح ركعتين. فنحن نصلّي ركعتين، وبهذا يرتفع التكليف ونضمن لأنفسنا الجنّة، أفهل يتمكّن أحد أن يسلبها منّا؟! قضي الأمر وانتهى. حسنًا لقد ضمنتم الجنّة لأنفسكم بهاتين الركعتين، ولكنّ الكلام هو في أنّ الجنّة هل هي هذه فحسب؟! إن كانت الجنّة هي مجرّد التفّاح والإجّاص إن لم تذنبوا، الجنّة هي فقط التفّاح والإجّاص والجبن والجوز والخضار والخبز واللفت والشمندر وأمثال هذه الأمور ﴿وَ فِيهٰا مٰا تَشْتَهِيهِ اَلْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ اَلْأَعْيُنُ﴾۱ وأنّ الله يعطي الإنسان هناك ما يطلبه هنا… [فهي لا تليق بالإنسان]

    1. سورة الزخرف‌، الآية ٧١

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

3
  • كان هناك رجل من الذين يقرأون القرآن عند القبور في مقبرة الشيخ، وكان يحبّ الدبس والطحينة، وكان المرحوم العلاّمة يحدّثنا عنه ويقول: كان هذا الرجل معاصرًا لنا وكان يأكل الدبس والطحينة عند الصباح وعند الظهر وعند المساء، كان يشتريهما من سوق الخان ويأكلهما. وعند احتضاره سألوه ماذا تطلب من الله؟ فقال لهم: أطلب منه الدبس والطحينة. ففي حال الاحتضار كان يقول أريد ذلك في ذلك العالم، والله يقدّم له أيضًا الدبس والطحينة، فهناك له ما تشتهيه الأنفس أيضًا، كلّ ما يريد، فهذا جنّته أيضًا هي الدبس والطحينة! بهذا المستوى وبهذه الكيفيّة، ومن يقول ذلك الكلام فهو كهذا وإن كان لا يتلفّظ باسم الدبس والطحينة، ولكنّه يريد أن يقول هذا، يريد أن يقول هذا. 

  • رحم الله أحد أقاربنا بينما هو في حال احتضار سألوه: بما أنّك تغادر هذه الدنيا فماذا تتوقّع من الله هناك؟! وكان رجلاً يهتمّ كثيرًا بالزواج، فقال: فقط أريد من الله عددًا يسيرًا من الحور العين لا أكثر، ولكنّه لم يكن يعلم أنّه في ذلك العالم لا خبر عن هذه الأشياء، في ذلك العالم لا وجود لمسائل النفس، لا وجود لمسائل الغريزة، لا وجود للشهوة، فالشهوة هناك تتحوّل إلى شهوة روحانيّة، وهي تتنافى مع هذه الأمور، ولكنّه لم يكن يعلم، كان يخال أنّ الله سيضاعف له من توفيقه الذي كان في هذه الدنيا في هذا المجال، لقد كان إنسانًا متديّنًا تقيًّا وكان له علم وحميّة وغيرة وأمثال ذلك، ولا كلام لنا في هذا، ولكن الكلام هو في مستوى الإدراك ومستوى المشاعر وأنّ الناس كيف يفكّرون؟ هو عالم ومحصّل ولكن دراسته وعلمه هذا لم يرفعا إدراكه عن مستوى الفهم العرفيّ. لماذا؟ لأنّه لم يدرس دروسًا أخرى، لأنّه لم يرفع معرفته عن مستوى المعرفة المتداولة، لم يفعل ذلك. 

  • مناقشات المرحوم العلاّمة مع والده حول المحاضرات العرفانيّة التي كان يحضرها 

  • كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه يقول: لقد كنت في مرحلة شبابي أشارك في محاضرات الخطباء ـ وقد كان الخطباء في السابق مهرة للغاية، منهم الشيخ الدريّ فقد كان أيّ خطيب! وكان منهم الواعظ الطبسي والذي كان خطيبًا أديبًا جميل الكلام وجذّابًا، وكان المرحوم الشيخ عبد الله ترك، فقد كان هؤلاء من أفضل الخطباء، ولا زلت أذكر الشيخ عبد الله ترك في مسجد سبه سالار والذي لا يزال موجودًا، فعندما كان يتحدّث فكأنّه كان يبيّن دورة من بحار الأنوار في محاضراته فقد كان حافظًا لبحار الأنوار للعلامة المجلسي فقد كانوا هكذا، أمّا الآن فالأمر ممتاز جدًّا! ماذا أقول؟! فقد ذهبت يومًا إلى مجلس فسمعت الخطيب وكان شيخًا يتحدّث في يوم تاسوعاء ويقول: نعم اليوم هو يوم تاسوعاء، وإنّما سمّي بتاسوعاء لأنّ أبا الفضل استشهد فيه، ففي مثل هذا اليوم استشهد أبو الفضل. فقلت: ما شاء الله على كلّ هذا العلم الذي يفور حتّى فاض إلى الخارج، غاية الأمر أنّه فاض هكذا وأنّه لأنّ أبا الفضل العبّاس قد استشهد في مثل هذا اليوم فقد سمّي بيوم تاسوعاء، فإذن اليوم السابع الذي هو يوم عليّ الأكبر قد استشهد فيه عليّ الأكبر قبل سيّد الشهداء ببضعة أيّام، وهذا من علامات آخر الزمان حيث يتغيّر الوعّاظ ويصبح الجهلاء وعّاظًا وخطباء للنّاس، هذا من علامات آخر الزمان. 

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

4
  • قال المرحوم العلاّمة: كنت أشارك في شبابي في الحضور في مجالس هؤلاء الخطباء وكانوا يتحدّثون حول العرفان ومراتبه العالية وحول الأسماء الإلهيّة، وكانت محاضراتهم جيّدة مثل الشيخ عبد الله ترك في مسجد سبه سالار. كان المرحوم العلاّمة يقول: كنت أذهب إلى المجلس ثمّ أرجع إلى المنزل فأطرح الأفكار التي سمعتها على الوالد. لقد كان والده رجلاً جليلاً وعالمًا وكان صاحب عرق ديني وحميّة، وكان متديّنًا بقوّة وثابتًا راسخًا في تديّنه. ولكنّه كان مخالفًا لهذه الأفكار، فكان يقول: كلاّ لا يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه الحقائق وهي تختصّ بالمعصومين ونحن مكلّفون بهذه الأمور الظاهريّة. وكان العلاّمة يقول: كنت أناقش مع الوالد فكان يغضب منّي ويقول: يا سيّد محمّد حسين الأمر كما أقول أنا. فكنت أقول: حاضر أنا أسمع كلّ ما تقول. ولكن مع ذلك كنت أشارك في تلك المجالس، فعندما كنت أرجع من المعهد الفنّي كنت أذهب إليها، وفي الليل مثلاً كنت أشارك في مجلس الحاجّ الشيخ عبد الله في مسجد سبه سالار لأنّي كنت أدرك أنّ هذا الكلام صحيح، فالله قد أعطى الإنسان عقلاً ووجدانًا وفطرة، وعلى الإنسان أن يقيس الأفكار بعقله على الموازين الشرعيّة والنقليّة الصحيحة عن المعصوم عليه السلام، أمّا أنّ السيّد فلان يقول إنّها خاطئة فـ{إنّها كلمة هو قائلها}۱ ما شأني أنا بها؟! وكان يقول: منذ ذلك الحين تغيّرت أحوالي وظهرت لديّ رغبة بالمعارف الدينيّة والمعارف العقليّة منذ ذلك الحين. لذلك فعندما كان يبحث ويتتبّع حينها لم يكن من طلاّب العلوم الدينيّة بعد بل كان طالبًا في الجامعة يدرس هذه الدروس المعتادة والظاهريّة، ولكن عندما بدأ بدراسة العلوم الدينيّة التفت إلى أنّ هذا الإنسان الذي خلقه الله يمتلك استعدادًا للوصول إلى المراتب العالية، فلو كان لا يمتلك ذلك فلا بأس. أنت تقول: لا يمكن للإنسان أن يتخطّى قاعدة اثنين ضرب اثنين تساوي أربعة! فلنفترض أنّ إنسانًا قال أو أنا قلت: اثنان ضرب ثلاثة تساوي ستّة فماذا تقول؟! وبما أنّي وصلت فماذا تقول؟! اثنان في أربعة تساوي ثمانية فماذا تقول عنها؟! 

    1. اقتباس من سورة المؤمنون (٢٣) الآية ۱۰۰. 

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

5
  • يقول: كلاّ لا يمكن التجاوز عن قاعدة اثنين ضرب اثنين تساوي أربعة. أقول: حسنًا ثلاثة ضرب خمسة تساوي خمسة عشر، فهل تجاوزتُ أم لم أتجاوز؟! تجاوزتُ أم لا؟! 

  • ماذا نقول لمن يقول: لا يمكن قراءة الفلسفة؟

  • هؤلاء الذين يقولون لا يمكن قراءة الفلسفة، نقول لهم: ها قد قرأناها فهل كفرنا؟! هل نقص اعتقادنا حول الأئمّة؟! هل نقصت ولايتنا لأمير المؤمنين؟! كلاّ بل هي أضعاف ما عندكم! هناك ألف مشكلة ومشكلة في فهمكم وأدمغتكم وأفكاركم الفارغة، ألف إشكال وإشكال، وفي كلّ سطر كتبتموه عشر أخطاء ومشاكل، فلماذا؟ بسبب أنّكم أنزلتم المعصوم إلى مستواكم أنتم فأينما وضعت يدك على كلامك وجدتَ فيه مشكلة، وذاك هو السبب. 

  • أمّا العلاّمة الطباطبائي فلا مشكلة لديه، فقد سار ووصل، وصل إلى الولاية، لقد أدرك ولاية أمير المؤمنين، وقد تصوّر صدر المتألّهين حقيقة ولاية أمير المؤمنين في جميع عالم الوجود. لا ذلك العالم الذي يقول في الجواهر إنّ الأئمّة يخطئون ويقولون اشتباهًا، ويمكن أن لا يكون لديهم اطّلاع على المسائل الرياضيّة۱. إنّه لم يدرك شيئًا، لم يدرس سوى الفقه والأصول، إنّه لم يدرك شيئًا. 

  • ولا ذلك الذي يكتب الآن كتابًا ويشكّك في فدك وأنّه من قال إنّها للسيّدة الزهراء؟! 

  • ولا ذلك الذي يكتب الآن كتابًا وينكر علم الإمام عليه السلام وينكر جميع الأخبار الغيبيّة لسيّد الشهداء! حسنًا ألا تعي أيّها الحقير؟! من الواضح أنّك لا تعي. لماذا لا تعي؟ لأنّك لست أهلاً لذلك. ففي الوقت الذي ينقل سبط بن الجوزي السنيّ إخبار أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين بالغيب يأتي علماؤنا من الشيعة ويرفضونه! أفتعلمون أين هو موقع هذا الهتك للحرمة؟! فالسنّة ينقلونها والشيخ سليمان القندوزيّ في كتابه انظروا كم نقل من الأخبار الغيبيّة لأمير المؤمنين! الحنفيّ الشيخ سليمان الحنفي. والبلاذري انظروا في كتابه كم حوى من إخبار أمير المؤمنين عن الغيب في كتابه هذا، والجاحظ السنّي قال: لو قلنا إنّ هناك على وجه الأرض إنسانًا يخبر عن الغيب كإخبار الله فهو عليّ المرتضى. فهؤلاء كلّهم سنّة. ويقول الشافعيّ:

    1. قال المحاضر في كتابه أسرار الملكوت ج۱ ص ۱۸۱ حول هذا الأمر : مرجع التقليد الكبير وركن الفقه والدراية في عصره المرحوم‌ آية الله الشيخ محمد حسن صاحب كتاب «جواهر الكلام»، حيث يقول في باب الطهارة، الجزء الأول، صفحة ۱۸٢، بعد نقله بعض الأخبار المتعلّقة بتحديد ماء الكر واختلافها فيما بينها:
      ويُدفع أولًا بأنّ دعوى علم النبيّ والأئمّة عليهم السلام بذلك [في مسألة تحديد ماء الكرّ] ممنوعة ولا غضاضة، لأنّ علمهم عليهم السلام ليس كعلم الخالق عزّ وجلّ، فقد يكون قدّروه بأذهانهم الشريفة وأجرى الله الحكم عليه.ومراده أنّه لا إشكال في عدم كون الإمام عالماً بهذه الأمور، لأنّ علمهم عليهم السلام ليس كعلم الله تعالى، لأنّ الأئمّة إنّما حكموا بهذا الحكم بواسطة ما حفظوه من روايات عن النبي الأكرم، ومن الممكن أنّهم قد اشتبهوا في نقلهم له، والحال أنّ الله تعالى قد جعل الحكم على أساس ذاك الحدّ الواقعي والنفس الأمري.
      هذا الأمر عجيب واقعاً! ما هو الفرق بين هذا الكلام وبين كلام أهل العامّة بالنسبة لأئمتنا؟ والحال أنّ هذا الكلام صادر عن عالم لديه هذا التبحّر في الفقه والروايات. والمضحك من جهة أخرى، أنّه يقيس الذهن المبارك للإمام عليه السلام على الأذهان العاديّة للناس، ويعتبر أنّ الروايات والأحكام التي يرويها الأئمّة المعصومون عليهم السلام، كالحكايات والأخبار التي يذكرها عامّة الناس، وبما أنّنا نرى الكثير من الزلّات والاشتباه والسهو في نقل كلمات العلماء وتصحيف مطالبهم إلى ما شاء الله، فيجب أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لكلمات الأئمّة عليهم السلام!
      إنّ هذا لمضحك حقّاً؛ فهو لا يعلم أنّ ذهن الإمام عليه السلام ونفسه المقدّسة، بارتباطها المباشر بصقع الملكوت ومنبع الوحي الإلهي، تتلقّى الأحكام من نفس مبدأ الجعل والوضع وبعد ذلك يبيّنها للناس. لا أنّه ينقلها إليهم بنحو الحفظ والكتابة كما هو حال سائر الأشخاص الذين ليس لديهم حظّ من هذه النعمة واللّطف الإلهي الأعظم الذي منحه الله لأوليائه.

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

6
  • لو أنّ المرتضى أبدى محلّه***لخرّ الناس طرًّا سجّدًا له 
  • ومات الشافعيّ ولم يدر***عليّ ربّه أم ربّه الله۱
  • يقول: لو أنّ عليّ بن أبي طالب كشف قليلاً من مقامه لسجد له العالم كلّه… فمن الذي قال هذا الكلام؟ 

  • مات الشافعيّ ولم يدر عليّ ربّه أم ربّه الله

  • ثمّ بعد ذلك يردّ علماؤنا الشيعة هذا ويقولون من الذي قال إنّه كان لعليّ علم الغيب؟ فهذا الكلام كلّه هراء. لماذا؟ لأنّ في الآية القرآنيّة: ﴿وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ اَلْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ اَلْخَيْرِ﴾٢ يا لك من أحمق! حقًّا. الآية تقول: أنا في لباسي البشري لو علمت الغيب لكنت مثلكم أستكثر الخير، وأسعى إليه على الدوام، ولكنّ علم الغيب الذي لديّ لا يرتبط بجانبي البشريّ، فعلمي للغيب يرتبط به هو ولا يرتبط بي أنا. فهو لم يفهم هذه الآية فألّف كتابًا كبيرًا حول أنّ الأئمّة لا يعلمون الغيب. لا يعلم الغيب إلا هو. لم يقرأ {إلاّ مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}٣ فجاء يقول هذا الكلام. 

  • فقد جاءت كلّ هذه الأخبار عن إخبارات أمير المؤمنين والأئمّة بالغيب في كتب أهل السنّة، أهل السنّة المعادين لنا، فماذا تصنعون بهذه الأخبار أيّها السادة؟! فهؤلاء لم يكونوا شيعة، إنّهم من أهل السنّة فماذا تقولون في هذا؟ 

  • يقولون: من الذي قال إنّ سيّد الشهداء عليه السلام ليلة عاشوراء أطلع أصحابه على مراتبهم؟ لقد اخترعوا ذلك! من الذي قال إنّ سيّد الشهداء قال: «خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة كأنّي بأوصالي تتقطّعها عسلان الفلوات…»٤؟! وما قاله عندما التقى بالفرزدق في الطريق أو في مكّة؟ وكذا كلمات أمير المؤمنين عند رجوعه من صفّين وعند نزوله في كربلاء حيث غفا الإمام وقال أرى هذه الصحراء مليئة بالدماء، وماذا حصل وابني… كلّ هذا الكلام فارغ وكذب وكلّه اختلقه المغالون في الأئمّة والمفرطون! وحدكم أنتم من يقول الصواب! كلّ هذا ما هو سببه لأنّه لا معرفة. 

  • عندما يحصل الإنسان على معرفة بالإمام يدرك أنّ هذه أمرها سهل، وأنّ هذا النوع من الكلام يعرفه أطفال هذه المدرسة لا أمير المؤمنين! المبتدئون يمكنهم أن يقولوا هذا الكلام فهو ليس ذو بال، فقد سمعت بنفسي من الأصدقاء مئات الموارد من الإخبار بالغيب في زمان المرحوم العلاّمة رغم أنّ المخبرين لم يكونوا الإمام ولا أمير المؤمنين ولا النبيّ ولا الإمام الحسين، كانوا من عامّة الناس، هذا فضلاً عمّا سمعته من المرحوم الوالد نفسه فماذا تقولون؟! فهو ليس نبيًّا، لم يكن نبيًّا، ولم يقل لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وأمثال ذلك فمن أين جاء بهذه الأمور؟ لماذا هو حصل عليها وأنت لم تحصل عليها؟! 

    1. موسوعة المصطفى والعترة الحاج حسين الشاكري، ج٩ ص ٦٢٢. 
    2. سورة الأعراف‌، الآية ١٨٨.
    3. سورة الجنّ، الآية ٢۷. 
    4.  مثیر الأخران، ص ٤١. وقال العلامة الطهراني في لمعات الحسين عليه السلام: وقد نُقلت هذه الخطبة في الكثير من الكتب، و من جملتها «اللهوف» ص ٥٣، وكتاب «نفس المهموم» ص ۱۰۰؛ كما وردت في «مقتل الخوارزميّ» ج ٢، ص ٥ و ٦ …
      إلى أن يقول: كما وردت في «كشف الغمّة» ص ۱۸٤ طبقاً لعبارة «اللهوف»؛ و رواها في «ملحقات إحقاق الحقّ» ج ۱۱، ص ٥٩۸، ج ۱۱ عن «مقتل الخوارزميّ» إلى جملة وَ تُنْجَزُ لَهُمْ وَعْدُهُ؛ كما أوردها عن ‌العلّامة المدوخ في كتاب «العدل الشاهد» ص ٩٥ طبقاً لعبارة «اللهوف»

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

7
  • كان المرحوم العلاّمة قد سافر إلى الحجّ برفقة عدد من الرفقاء، وذات يوم كنّا في منزل أحدهم في أيّام الشاه في العهد السابق، كنّا في منزل أحد الأصدقاء فقال: أتدرون أين هو السيّد الآن؟ إنّه في موضع كذا، إنّه يدخل المسجد الآن، وفلان وفلان وفلان معه، وهم يدخلون المسجد، وقد التقوا بفلان وبدأ بنقل ما يجري معهم بشكل مباشر، الآن هم يفعلون كذا، والآن يفعلون كذا، تكلّم لساعة ثمّ قال: أيكفي هذا؟ هل أغلق؟! فقلت: أغلقه في النهاية. وعندما جاؤوا اتّضح أنّ كلّ ما قاله كان دقيقًا مائة بالمائة، حسنًا فهل كان هذا إمامًا؟ هل كان الإمام الحسين؟ فما هذا الكلام الفارغ؟! ما هذه المزخرفات؟! وأنّ الإمام هو كذا وكذا فإثبات هذه الكرامات للإمام هو عار على الإمام وأن نقول إنّ الإمام يعلم الغيب فهذا عار على الإمام ويوجب الخجل والحياء، فأن نأتي ونعرّف إمام الزمان بأنّه يعلم الغيب فهذا أمر مخجل، فالرادار أيضًا يعلم الغيب، فلتضع صحنًا على السطح فترى أنّه يلتقط البث من تلك الناحية من الكرة الأرضيّة، فهذا ليس بشيء مهمّ، فنحن ضعفاء من حيث المعارف إلى درجة، ومستوانا ضعيف إلى درجة، وجهلاء إلى درجة تجعلنا ننكر أبده مراتب المعرفة التي يعترف بها أهل السنّة، فهذه مصيبتنا. 

  • ما هي فائدة دراسة الفلسفة والعرفان؟ 

  • وما يقوله المرحوم العلاّمة الطباطبائي وأمثاله من أنّه لا بدّ من دراسة الفلسفة ودراسة العرفان فهو لأجل هذا، لكي تدركوا أنّ هذه الأمور ليست مهمّة، فمن يقرأ الفلسفة والعرفان يرتقي فهمه، وتزداد معلوماته، وتصبح الأمور الخارقة للعادة بالنسبة إليه أمورًا غير خارقة للعادة، تصبح أمورًا متعارفة متعارفة، كلّها تصبح أمورًا متعارفة، أمّا من لم يدرس فإنّه يبقى الأمر بالنسبة إليه عجيبًا وغريبًا ومهمًّا، ويعدّ هذا بالنسبة إليه أمرًا عظيمًا، أن كيف يمكن أن يخبر إنسان ما عمّا سيحدث بعد سنة؟! ليس صعبًا يا عزيزي، فلتر ذلك في عالم الرؤيا حيث يخبرونك عمّا سيجري بعد سنة، لتره في عالم الرؤيا، فإنّه ليس بشيء. 

  • لقد كنت في الثانية عشرة من عمري، وهذا أمر يحدث كثيرًا للأطفال حيث يرون منامًا أو ينكشف لهم أمر وهم في عمر العشر سنوات أو اثنا عشر سنة، فكثير من الأمور التي ستقع يراها الإنسان في عالم الرؤيا، ماذا سيحدث غدًا وماذا سيحدث بعد غد، وماذا يحدث بعد أسبوع. كان المرحوم العلاّمة يريد أن يزور كربلاء وكان دأبه أن لا يخبر أحدًا في مثل هذه الموارد، حتّى إنّه في اليومين أو الأيّام الثلاثة الأخيرة لا يكون قد أخبر الوالدة بعد، وكنت أنا قد رأيت في عالم الرؤيا قبل عشرة أيّام أنّه اشترى بطاقة وخبّأها في مكان ما خلف كتاب، فقمت وذهبت إلى ذلك المكان فوجدت بطاقة السفر ونظرت إليها، وقلت: أيّها الناس تعالوا لأخبركم! انظروا إنّ الوالد عازم على السفر إلى كربلاء بعد أسبوع، فغضب وقال لي: من أخبرك؟! 

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

8
  • فهذا ليس بالأمر المهمّ، لقد كنت حينها لا أعرف شيئًا، كنت طفلاً، وإلا لقلت له: أنت بنفسك قلت هذا… ولكنّي لم أكن أعرف هذه الأساليب حينها. وعلى كلّ حال فهذا أمر مضحك أن نحاول إثبات هذه الأمور البسيطة، وعندما يتحدّث أهل الحقّ وأهل المعرفة عن هذه الأمور يريدون أن يلفتوا انتباهنا ويذكّروننا ويحرّكوننا. 

  • لماذا اتّهِم السيّد القاضي بالتصوّف والفسق؟

  • ولكن يأتي هؤلاء ويسخرون منهم ويتّهمونهم ويسمّونهم بالدراويش وبالفاسقين وبالصوفيّة. ألم يسمّوا السيّد القاضي هذا في النجف بالفاسق؟! ألم يقولوا إنّه نجس؟! ألم يقولوا ذلك في مجالسهم؟! ألم يقولوا إنّه نجس؟! أفّ لكم! حقًّا أفّ لكم إذ تنسبون الفسق لشخصيّة كهذه والتي يقول السيّد الخوئي رحمه الله عنها أنّه في ليلة وفاة السيّد القاضي رأيت بعيني تناثر النجوم، فهذه النجوم ألا ترونها في بعض الليالي تتهاوى وتحدث شهبًا؟! كان يقول: بقي تناثر النجوم إلى وقت السحر. فقد سمعنا من السيّد عبد العزيز الطباطبائي الذي كان يسكن في قم حين ذهبنا لزيارته فقال: لقد قلت للسيّد الخوئي أيمكن أن تتناثر النجوم لأجل إنسان عاديّ؟! فقال: لقد رأيتها بعيني فإن شئتم أن تنكروا فأنكروا! هذا شأنكم، وقد رأيت ذلك. 

  • فهذا مرجع وليس أيّ إنسان، ولكنّهم يقولون: إنّه كان فاسقًا، إنّه ـ ونعوذ بالله ـ نجس. لماذا؟! لأنّه كان يقول: تعالوا واحصلوا على المعرفة! تعالوا واحصلوا على الكمال. 

  • ألم يكن السيّد القاضي يدرّس الفقه؟! لقد كان يدرّس الفقه. هل كان السيّد القاضي يحمل الكشكول على ظهره ويمشي في الشوارع؟! هل كان يحمل فأسًا۱؟ هل كان يطيل شاربه إلى هنا كما يفعل الدراويش؟! لم يكن يفعل ذلك. فلماذا كانوا يواجهون بالمخالفة؟! لماذا؟ إنّه العناد يا عزيزي، لأنّهم يخالفون أمير المؤمنين. لأنّهم يخالفون التوحيد ويخالفون الله. لأجل هذا. لقد كان السيّد القاضي يدرّس هذا الفقه، وكان يدرّس الأصول ضمن درس الفقه، وزياراته وتوسّلاته وعبادته معروفة، فلماذا يجب أن ينتهي الأمر إلى أن تعزم جماعة على قتله؟! عجبًا عجبًا أيقتلونه؟! وأيّ ذنب ارتكب؟! 

  • إلى ماذا دعا السيّد حسن المسقطي؟

    1. كانت من عادة الدراويش أن يحملوا إناءً يضعون فيه أغراضهم يسمّى بالكشكول وآلة تشبه الفأس. (م)

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

9
  • وأيّ ذنب ارتكب السيّد حسن المسقطي سوى أنّه كان يقول: الله؟! هل قال: اشربوا الخمر! هل قال والعياذ بالله: ازنوا! هل قال: اسرقوا؟! أم لا بل قال: تعالوا ودعوا الهوى جانبًا، دعوا النفس جانبًا، دعوا المقام والسلطة جانبًا، دعوا الأنا والنحن جانبًا، دعوا أنا وأنت وصناعة الجماعة وتوزيع المسؤوليّات هذا إلى هنا وذاك إلى هناك وهذا لهذا المكتب وذاك لتلك الطاولة وأمثال ذلك دعوا كلّ هذا جانبًا، تعالوا لنجلس جميعًا على مائدة واحدة، لتكن قلوبنا متّحدة، ولا يغتب هذا ذاك، ولا يغتب ذاك هذا لأجل المقامات إلى هذه الدرجة، وانظروا إلى جميع هذه المراتب والمراحل على أنّها من الله، انظروا إلى عناية الله، فالعرفان يقول هذا، والتوحيد يقول هذا. 

  • لقد كان أمير المؤمنين هكذا، وعندما كان يجلس مع ميثم وحبيب ورشيد وأمثالهم كان كأحدهم، كان يجلس بينهم ويضحك ويتحدّث، هل كان يجعل نفسه أمير المؤمنين ويقول لهم: تعالوا وسيروا خلفي! فعندما أسير لا بدّ أن يسير خلفي صفّ طوله كيلومتر من الناس بحيث إذا دخلت يدخلون خلفي؟! أهكذا؟! أهكذا كان يسير أمير المؤمنين في الكوفة؟! أهكذا كان يعاشر الناس؟! هل كانت لديه هذه الأمور؟! كلاّ! فلماذا لم تكن لديه؟! لأنّ أمير المؤمنين كان عبدًا، والعبد لا يمكنه أن يتفضّل ويتمايز عن عبد آخر، فالعبد عبد، هذا العبد هو للمولى وذاك العبد هو للمولى أيضًا وكلّ منهما عبد. فلماذا نفتخر على بعضنا إذن؟! نعم أحيانًا يكون المقام مقام تكليف، ومسألة التكليف مختلفة، فهذا يمكنه أن يفعل هذا وذاك لا يفعله. حسنًا، ولكنّ أمير المؤمنين لم يكن يرى نفسه والله وبالله أعلى من سلمان وأبي ذرّ ومقداد ورشيد وسائر الأصحاب وأمثالهم ممّن كان يحيط به. والله لم يكن يرى نفسه أرفع، لقد كان هو أرفع منهم ولكنّه لم يكن يرى ذلك، لم يكن يرى نفسه أرفع، كان يرى الله أرفع، نعم تارة يتجلّى الله في عليّ فيرفعه وتارة يتجلّى في سلمان فيرفعه فما شأن سلمان وما شأن عليّ؟! هذا ما كان يميّز أمير المؤمنين والذي جعله صاحب الولاية، صاحب الولاية المطلقة، جوهرة عالم الوجود، جعله إكسير عالم الوجود وكيمياءه، وحقيقة عالم الوجود، والأئمّة والأولياء أيضًا بتبع مقامهم هم تحت ولاية الأئمّة، فهم جالسون إلى هذه المائدة.

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

10
  • ولكنّنا نقول: كلاّ يا عزيزي كلّ هذا الكلام فارغ، فما معنى المعرفة؟! وما هذا الكلام؟! واللطيف أنّ ذلك الوالد كان يناقش في هذه الأمور مع المرحوم العلاّمة ويرفضها والآن كلاهما انتقلا إلى ذلك العالم، إنّه ينظر الآن إلى ولده فيقول: آه عجيب كم خسرت في هذا الأمر؟! وطبعًا مراتبه هو أيضًا عالية نظرًا إلى مقدار تديّنه والتزامه وأمثال ذلك، وحقًّا كان من القلّة القلائل، وللإنصاف كان بحسب مرتبته هو ملتزمًا جدًّا، ولكنّ الكلام هو عن مرتبة المعرفة والوجود، فهو ينظر ويقول: هذا ابني وقد جاء حينها وناقش معي حول هذه الأمور وكنت أنا أرفضها وقد مضى الآن والتحق بتلك المراتب العالية أفهل يمكن التفكير به أصلاً؟! 

  • وإنّي وإن كنت ابن آدم خلقة***فلي فيه معنى شاهد بأبوّتي۱
  • فانظروا لقد التحق ويقول لنا: على الإنسان أن يرفع من مستوى معرفته، يقول لنا: يمكن الوصول إلى حيث الإمام، وقد وصل إلى ذلك المقام تحت ولاية الإمام. 

  • هل الإمام إمام في عالم واحد أم في جميع العوالم؟

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: الإمام هو الإنسان الذي يكون إمامًا على كلّ حال وليس في مرتبة واحدة بحيث يأخذ بأيدينا إليها ثمّ يتركنا بعدها نعتمد على أنفسنا، فهذا يعني أنّك لست إمامًا لنا من تلك المرتبة فصاعدًا. الإمام هو الذي يكون إمامًا للإنسان في جميع المراتب، فهو المتقدّم والإنسان خلفه، في أيّ مرتبة، في عالم البرزخ هو إمام، وفي عالم المثال الأعلى هو إمام، وفي الملكوت الأسفل والملكوت الأعلى والجبروت واللاهوت وفي جميع هذه العوالم إمام الزمان هو إمام، إمام لنا، أي إنّ أيدينا في يده وهو يقول: تعال أنا آخذك إلى حيث أنا.

  • ما الفرق بين الإمام والمأموم؟

  • ولكنّ السعة الوجوديّة تختلف وذاك أمر آخر، فهذا الكوب يستوعب هذا المقدار من الماء، وهذا الخزّان يستوعب هذا المقدار، ولكن كلاهما ماء، فالسعة أمر آخر، حتّى هناك اختلاف بين سعة النبيّ وسعة أمير المؤمنين، وهذا أمر آخر. ولكنّ الكلام هو في هذه المرتبة، الكلام هو في مستوى التحليق، الكلام هو في أفق الرؤية، فأفق الرؤية واحد عند الإمام وعند وليّ الله. هذه هي المسألة، أفق الرؤية، فعندما يقول الوليّ افعل هذا فإنّ إمام الزمان أيضًا يقول ذلك، ولا يقول سوى ذلك. وعندما يقول إمام الزمان لا تفعل ذلك فإنّ وليّ الله يقول: لا تفعل ذلك أيضًا. ولا يمكن أن يقول افعله، لا يمكن، مستحيل. لأنّ أفق الرؤية بالنسبة إلى المصالح وبالنسبة إلى الزوايا والخفايا وما هو لدى الأفراد والمسائل، أفق الرؤية واحد، هذا الأمر يحتوي على هذا العيب وهذا العيب وهذا العيب، ودواؤه أيضًا هو هذا وهذا وهذا، فلو ذهبت إلى إمام الزمان أيضًا لقال لك: لديك هذه العيوب وهذا دواؤها، لا يقول: قلّل من هذا وزد من هذا، يقول عين هذا الكلام، هذا دواؤه هذا، إن كان ذلك وليًّا واصلاً لا أنّه فقط في مقام الأسماء والصفات، فهذا لا يكفي، إذا كان قد حاز من حيث السعة الوجوديّة جميع مراتب الوجود حينها هو في ظلّ إمام الزمان عليه السلام، والظلّ لا يختلف عن ذي الظلّ، بماذا يختلف؟! 

    1. تائيّة ابن الفارض. 

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

11
  • كيف يمكن للإنسان أن يغلق على نفسه باب المعرفة رغم كلّ هذه الحقائق التي يشاهدها؟! ماذا يصنع بذلك؟! الذين يبحثون عن المعرفة هم لا يمشون هكذا خبط عشواء، إنّهم رأوا شيئًا حتّى بحثوا، هؤلاء الأعاظم الذين كانوا يسعون إلى كسب المعارف ويريدون أن يوسّعوا من أفهامهم وقلوبهم وأسرارهم وضمائرهم بالنسبة إلى عوالم الوجود ويجعلونها أوضح لديهم ويدركونها بشكل أفضل هؤلاء لم يأكلوا العلف، لقد كانت أدمغتهم أقوى من أدمغة الآخرين، وكانت عقولهم أقوى، وكان استعدادهم أشدّ، وكلّ شيء لديهم كان أقوى، ومع ذلك فقد بحث هؤلاء عن ذلك، وعندما يقول الإمام الصادق عليه السلام: عندما أبدأ بالحمد وأصلّي إذا وصلت إلى {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} لا زلت أكرّرها حتّى أسمعها ممّن أصلّي له، من قائلها وأقولها على لسانه {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وعندها يغشى على الإمام ويسقط على الأرض۱. فهل هذه الصلاة هي والصلاة التي نصلّيها نحن ولا ندري ماذا جرى لـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فيها ثمّ نقول {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} على نحو الحكاية والمجاز لا على نحو الواقع فنحن لا نقول إيّاك نعبد فنحن لا نعبد حقًّا، فهل هاتان الصلاتان بمستوى واحد؟!

  • هل علينا أن نقرأ القرآن في الصلاة على نحو الحكاية أم الإنشاء؟ 

  • وذلك الذي يفتى بأنّه إذا قلت: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} فلا تقصد معنى {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} بل قلها بنحو الحكاية٢ لأنّ الله يقول لنبيّه: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ}. ونحن بدورنا نقول: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ} وإلا ففي الحقيقة هل نزلت علينا نحن {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} حتّى نقولها. نعم نحن في الصلاة نقول يا الله أنت قلت لنبيّك ونحن لا علاقة لنا بالأمر ونحن نقول: {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ}. أمّا النبيّ وأمير المؤمنين فقد كانا يقولون حقًّا: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. نحن لم نكن نقولها، الأمر لا يرتبط بنا أبدًا، بما أنّك أمرتنا فنحن نقول ذلك، ولو لم نقل لعاقبتنا، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ثمّ ننهي صلاتنا هكذا ونقول: حسنًا لقد رفعنا التكليف، ولم يبق في عهدتنا شيء تفضّل! فهذا نوع من الصلاة. فصلاة الإمام الصادق نوع من الصلاة وهذه الصلاة التي نصلّيها بهذه الفتاوى هي صلاة أخرى، ونوع آخر. 

    1. إشارة إلى ما ورد عن الشيخ البهائي، حيث قال: «وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُصَلِّي فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَخَرَّ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَسُئِلَ بَعْدَهَا عَنْ سَبَبِ غَشْيَتِهِ فَقَالَ "مَا زِلْتُ أُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ [يعني آية {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}حَتَّى سَمِعْتُهَا مِنْ‌ قَائِلِهَا"». (مفتاح الفلاح [ط قديمة]، ص ٣۷٢).
      ونلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ العلامة الطهراني رضوان الله عليه أشبع البحث في هذه الرواية من ناحية المعنى والسند في البحث التاسع والعاشر من كتاب معرفة الله، ج ۱، ص ٣۰٥ و ما بعدها. وراجع أيضًا أسرار الملكوت ج٢ هامش ص ۸٢.
    2. راجع موسوعة مستمسك العروة الوثقى ج٦، ص ٢۸۸؛ السيّد الخوئي، ج۱٤، ص ٣٣۷.

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

12
  • هل القرآن حجّة للمشافهين به؟ 

  • وذلك العالم الذي يقول: إنّ القرآن لا يفيدنا نحن؛ لأنّ القرآن يخاطب المشافهين في زمان رسول الله۱، والآن هو لا يفيدنا وظهوره ليس حجّة بالنسبة إلينا، فما معنى هذا الكلام؟! يعني إنّ القرآن ساقط عن جميع منافعه! ضعوه في المكتبة لأجل مجالس الفاتحة، فلا هو يفيد في استنباطنا الفقهيّ ولا يفيد في مسائلنا الأخلاقيّة ولا مسائلنا الاجتماعيّة ولا عقائدنا ولا مراتبنا المعرفيّة! لقد جاء القرآن لزمان النبيّ، ومن خوطب بالقرآن وخوطب بالوحي هم من يفهمه، ونحن جئنا بعد ألف وأربعمائة سنة فما علاقة هذا القرآن بنا نحن؟! ما علاقته بنا؟! فكم من فرق بين هذا القائل وبين من يقول: إذا قرأت القرآن فتصوّر أنّ الله تعالى هو الذي يقرؤه وأنت تسمع٢، فهل هذان يفكّران بأسلوب واحد من التفكير؟! هل طريقة تفكيرهما واحدة؟! حينها تدرك آثار ذلك القرآن. 

  • عندما يقول الإمام الصادق: إذا أردت أن تتكلّم مع الله فصلّ، وأمّا إذا أردت أن يتكلّم الله معك فاقرأ القرآن، فهل كان يفتي فتوى ذلك العالم؟! فالإمام الصادق لم يخاطب بالقرآن، الإمام الصادق جاء بعد مائة وخمسين عامًا بعد الوحي، مائة وثلاثين عامًا مائة وأربعين عامًا بعد الوحي. ألم يكن الإمام الصادق يعرف هذا الكلام، هذه الحقائق تكشّفت لاحقًا، ليتهم يجدون الإمام الصادق ليقولوا له: ماذا تقول يا ابن رسول الله؟ لقد جئت بعد زمان القرآن بمائة وخمسين عامًا ثمّ تقول: إن أردت أن يتحدّث الله معك فاقرأ القرآن؟! ما علاقتنا نحن بذلك؟! هذا القرآن هو لزمان النبيّ ذاك. نحن جئنا بعد مائة وخمسين عامًا. نعم من باب الثواب لأنّهم قالوا إنّ له ثوابًا، مثل هؤلاء الذين يلعبون بالأفاعي حيث يقرأون أشياء من الأحراز وأمثال ذلك ممّا لا يعلم ما هو، فاقرؤوا القرآن هكذا فلقراءته ثواب، هذا القرآن الذي لا صلة له بنا ولا آياته لها صلة بنا، كلاّ بل هي لذلك الزمان سواء استفاد منها أهله أم لا فقد مضوا، فلمن قال الإمام الصادق هذا الكلام وأنّه إن شئتم أن يكلّمكم الله فاقرؤوا القرآن؟! فلو لم تكن ظواهر القرآن حجّة بالنسبة إلينا وكان هذا القرآن حجّة على من خوطب به ونحن عنه غرباء لا تربطنا به رابطة فلمن قال الإمام الصادق هذا الكلام؟! ولماذا نقرأ القرآن أصلاً؟! فلنذهب ولنحلّ جدول الكلمات المتقاطعة في جريدة كيهان، مثل ذلك الذي قيل له: لماذا لا تقرأ القرآن وتقرأ الشعر بدلاً عنه؟! فيقول: إنّ شعر بستان سعدي كلّه قرآن ومن قرأ بستان سعدي فقد ختم القرآن. أيّها الأحمق التعيس الحظّ أتعدّ كلام سعدي وكلام الوحي واحدًا؟! أتقول إنّ هذا هو القرآن، حسنًا فلتقرأ في ليالي شهر رمضان أيضًا بضع غزليّات بدلاً من قراءة حزب من القرآن وجزء من القرآن لتنال عين ذلك الثواب، اقرأ غزلاً من سعدي واقرأ أواخره أيضًا فإنّ أواخر كليّات سعدي أفضل! فما هذا يا عزيزي؟! هذا كلّه جهل وحماقة. 

    1. راجع كفاية الأصول ص ٢۸٢؛ فرائد الأصول، ج۱ ص ۱٦۰.
    2. راجع: الدر النضيد في الإجتهاد و التقليد، ص: ۸٥

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

13
  • المؤمن فطن، المؤمن ضنين على وقته، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «المؤمن كيّس»۱، وهو ضنين على وقته٢، وضنين يعني يراقب وقته كي لا تفوت منه لحظة، كي لا تفوته لحظة واحدة.

  • إدراك أثر العلاقة مع أولياء الله

  • وعندما أشعر أنّي جالس عند وليّ من أولياء الله وقد أثّر الحديث معه فيّ ورفع من مستوى فهمي فهل أنا حمار حتّى لا أدرك أنّه ليس هناك شيء أرفع من ذلك؟! فأنا بنفسي أرى. وعندما ذهب الشيخ مطهّري إلى السيّد الحدّاد وأبطل له السيّد الحداد صلاة خمسين سنة وقال له: أيّة صلاة هذه التي صلّيتها حتّى الآن؟! تعال وصلّ بهذه الطريقة، وعندما عاد من عنده نحن ذهبنا إلى منزله برفقة المرحوم العلاّمة لزيارته فكان مبتهجًا من زيارة السيّد الحدّاد إلى درجة أنّه كان يقول: إنّ ثمرة سفري إلى كربلاء هي لقاء السيّد الحدّاد في هذين اليومين، والحال أنّه التفى بكثيرين سواء في النجف أم في الكوفة، فقد التقى بالمراجع، والتقى بكثيرين، ولكنّ عبارته هكذا كانت: ثمرة سفري هو لقائي السيّد الحدّاد لمرّتين. 

  • فهل كان إنسانًا من العوامّ؟ هل كان جاهلاً؟! لقد كان يدرك أنّ هناك شيئًا ما، فماذا أدرك حتّى قال هذا الكلام؟! هل يمكننا أن ننكر؟! هل يمكن أن ننكر؟! لو أنّه كان يذهب إلى السيّد الحدّاد ويتناول الشاي فحسب، لما تكلّم بذلك ولما استفاد شيئًا ولخرج هكذا، ولقال: لا شيء ذهبت إليه وشربت الشاي وخرجت. فهذا اللقاء حصل وهذا الرجل العالم خضع لتأثير السيّد الحدّاد. فيا سماحة الشيخ محمّد علي الكاظمي ماذا تقول هنا؟! أيّ كلام تقول هنا؟! أنت الذي تقول إنّ هذه المعارف لا تنفع، أنت الذي تقول إنّ هذه الأمور لا تنفع شيئًا، والفلسفة والتوحيد والعرفان لا فائدة منها، فماذا تقول عن هذا اللقاء؟! هذا اللقاء الذي يحصل أمام الأعين أمام هاتين العينين وليس حدسًا فماذا تقول فيه؟! هل يمكن أن تقول: كلاّ لقد قال هذا الكلام هكذا عبثًا، لقد كان ذلك تخيّلاً منه، كان توهّمًا منه. لقد رأى منامًا، لقد سُحرَ! لا يمكنك أن تقول هذا فأيّ جواب لديك؟! إنّه يقول: إنّ صلاتي بعد هذا اللقاء تغيّرت، ولم أعد أصلّي تلك الصلاة السابقة، إنّه يقول: إنّ أفكاري بعد هذا اللقاء قد تغيّرت. إنّه يقول: إنّ حالي بعد هذا اللقاء قد تغيّر، أفهل ننكر ذلك؟! هل نغمض أعيننا؟! هل نعاند إلى هذه الدرجة بحيث نتغافل عن كلّ هذه المحسوسات لا الوجدانيّات بل ما نراه بأعيننا؟! 

    1.  دعوات الراوندي، سلوة الحزين ص ٣٩. 
    2. ورد في الحكمة ٣٢٥ من نهج البلاغة: وَ قَالَ عليه السلام فِي صِفَةِ الْمُؤْمِنِ: «الْمُؤْمِنُ بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ أَوْسَعُ شَيْ ءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَيْ ءٍ نَفْساً يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ يَشْنَأُ السُّمْعَةَ طَوِيلٌ غَمُّهُ بَعِيدٌ هَمُّهُ كَثِيرٌ صَمْتُهُ مَشْغُولٌ وَقْتُهُ شَكُورٌ صَبُورٌ مَغْمُورٌ بِفِكْرَتِهِ ضَنِينٌ بِخَلَّتِهِ سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَ هُوَ أَذَلُّ مِنَ الْعَبْدِ»

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

14
  • الذين كانوا يشاركون في مجلس السيّد القاضي كانوا يتأثّرون، يتبدّلون، وكانت حالتهم تتغيّر، فلم يكن هؤلاء حجارة أو حديدًا، لقد كانوا بشرًا، كانوا علماء، كانوا فضلاء، كانوا مدرّسين. 

  • قصّة لقاء السيّد الحداد مع أحد العلماء في منزل السيّد الكشميري

  • كان أحد الرفقاء يقول: إنّ السيّد عبد الكريم الكشميريّ رحمة الله عليه هذا الذي توفّي حديثًا وقد كان رجلاً جليلاً سالكًا طوى مراحل من الطريق وكان من أهل الطريق ومن أرباب القلوب ومن أصحاب الحالات وأهل المعنى ـ كان يقول: تشرّف السيّد الحدّاد بزيارة أمير المؤمنين في النجف ورجع، وجاء إلى منزلنا، وكان مدعوًّا أن يتناول طعام الغداء عندنا ظهرًا، فكان جالسًا، وكان أحد علماء النجف القريب من الوصول إلى المرجعيّة يريد أن يكتب رسالة عمليّة، وكان حاضرًا هناك، وفجأة بدأ السيّد الحدّاد بالحديث عن أضرار المرجعيّة وكتابة الرسالة العمليّة والاختلاط بالعوام والاشتغال بالكثرات. وقد جاء بجميع أفكار ونوايا ذلك الرجل وقدّمها إليه بين يديه. وكان السيّد عبد الكريم يقول: كنت قد تعجّبت أن لماذا يتكلّم السيّد الحدّاد بهذا الكلام؟! لقد تكلّم مدّة ربع ساعة ثمّ لم يتكلّم بعدها بشيء أبدًا. ثمّ أحضرت المائدة وتناولنا الطعام، وعندما ذهب السيّد الحدّاد قال ذلك الرجل: هل كان هذا إمام الزمان جاء إلى هنا؟! لم يكن يعرف السيّد الحدّاد فقلت له: لا! فقال: من كان؟ قلت: لا! قال: لا بدّ أن يكون إمام الزمان ولا يمكن أن يكون غيره، لقد أخبرني عن جميع أفكاري ونواياي واحدة واحدة وقدّمها إليّ، حتّى الأمور التي لم تطّلع عليها زوجتي، والمكتوب الذي أخفيته في الخزانة ولا اطّلاع لأحد عليه أخبرني عنه. لا يمكن إلا أن يكون إمام الزمان. فقلت له: كلاّ لم يكن إمام الزمان. وقال: ولم أخبره حتّى النهاية. وربّما عرفه. 

  • فماذا تقولون يا عزيزي؟! تفضّل! ماذا تقول؟ هل المرتبة الكماليّة لهذا السيّد مساوية لهذا الرجل؟ لقد عجز هذا الرجل أمامه في النهاية، لقد عجز مرجع التقليد هذا أمامه في النهاية، لقد أخبرك عن كلّ ما لديك، فتفضّل وأخبرنا عن شيء من أخباره أنت رغم كلّ دروسك.

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

15
  • ـ كلاّ! 

  • ـ فتعال نتبادل إذن مواقعنا فننظر كم حقيقة يمكنك أن تخبر؟! 

  • فإذن لا يمكن أن نعتقد الكمال لإنسان ما ولكن نسلبه مرتبة المعرفة، ونقول: لا يملك معرفة، لا يملك معرفة، أي هو إنسان مساو للحيوان. فالحيوان من أوّله إلى آخره على وتيرة واحدة، هذا الطائر منذ أن كان فرخًا كان يلتقط الحبوب ويبقى هكذا حتّى يفارق الدنيا، لا يدرك شيئًا آخر، لا يدرك شيئًا، أمّا الإنسان فماذا؟! الإنسان يختلف حاله. 

  • من تساوى يوماه من حيث المعرفة فقد قال النبيّ عنه إنّه مغبون.۱ لقد خدع إذا لم تتغيّر معرفته غدًا عن معرفته اليوم. يستيقظ صباحًا من نومه ويمضي نحو عمله وكسبه وميزانه وأموره الأخرى من متاع الدنيا ووسائلها، وعند الليل يرجع إلى بيته ثمّ ينام من جديد، وفي اليوم التالي يقوم هكذا، فيوماه مستويان، لقد خدع. إذا جاء يوم جديد فيمكن أن تقرأ صفحة من كتاب، اقرأ رواية عن الإمام الصادق، حديثًا عن الإمام السجّاد، تدبّر في واحد من أدعية هذه الصحيفة السجّاديّة، لقد بيّن لنا الأئمّة كلّ هذه المعارف، كلّ هذه المعارف الموجودة في مفاتيح الجنان فكم قرأنا من أدعية أمير المؤمنين عليه السلام والإمام السجّاد والإمام الهادي وهذه الزيارة الجامعة التي تتحدّث عن الأئمّة عليهم السلام كم مرّة قرأناها؟! كم فكّرنا في مضامينها؟ لمن قال الأئمّة كلّ هذه الحقائق التي قالوها؟! هل لأجل أن يرفعوا من مستوى معرفتنا؟ أم لا فقط لنحصل على ثواب ما؟ نحصل على ثواب فنقرأ شيئًا ونأخذ ثوابًا ولو لم نتمكّن من ذلك نقرأ جريدة! ولو لم نتمكّن نقرأ رواية أدبيّة! ولو لم نتمكّن نقرأ شيئًا نسلّي به أنفسنا في النهاية! 

  • عندما يقول الإمام السجّاد: «معرفتي يا مولاي دليلي عليك». فعلينا أن ندرك أنّه بدون معرفة لا دليل عليك، لا بدّ أن تكون هناك معرفة لكي يصدق هذا الدليل عليك ويكون صحيحًا. وبدون معرفة لا وجود لدليل عليك، ولا طريق إلى الله، ولا دلالة، شرط الوصول إلى الله هو المعرفة، فأيّة معرفة؟ أهذه المعرفة التي يقولون عنها؟ أم لا بل تلك المعرفة التي يعلّمنا إيّاها الإمام في دعاء أبي حمزة هذا، اعرفوا الله هكذا. فإذا عرفتموه هكذا أمكنكم أن تجدوا الطريق إليه. وإلاّ فالذي يقول إنّه لا حاجة بنا إلى تلك المعرفة، يقول الله له: فلتبق هكذا! ابق هكذا! ابق هكذا! لا طريق لك إلى الله. من كان يقول: تكفينا اثنان ضرب اثنين تساوي أربعة، هذه المعادلة الظاهريّة وهذه المعرفة العاميّة تكفينا، فلماذا نتلف أوقاتنا عبثًا هكذا؟! ضعوا صلاته إلى جانب صلاة السيّد القاضي وحينها عليه أن يغوص في باطن الأرض خجلاً، علينا أن نجعل توسّله في هذا الجانب وتوسّل السيّد القاضي في ذاك الجانب وحينها عليه أن يغرق في عرقه خجلاً وحياءً. 

    1. الأمالي (للصدوق): ص ٦٦٨: قال الصادق علیه السلام: من استوی یوماه فهو مغبونٌ.

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

16
  • أثر مستوى المعرفة بإمام الزمان على طريقة التعاطي معه

  • ماذا يفكّر هو عن الإمام؟! ماذا يفكّر عن إمام الزمان؟! هو يبحث عن إمام الزمان في أيّ عوالم؟ إنّه يعتقد فقط أنّ إمام الزمان هو مجرّد إنسان مختبئ خلف الجبال هذه ولا أدري خلف أيّ جبل هو الآن! لقد اختبأ حتّى لا يقتله الناس، وفي النهاية ستتهيّأ ظروف خروجه فيخرجه الله. هكذا يعتقد لا أكثر. 

  • أمّا أنّ إمام الزمان ماذا يصنع الآن؟ ما هو نوع علاقته؟ كيف يرتبط بالعباد؟ حقيقة ليلة القدر هي نفس إمام الزمان عليه السلام، فيتعاطى مع إمام زمانه على أساس هذه العلاقة، وعلى أساس هذه المعرفة، فلو أنّ معرفتنا بإمام الزمان كانت أفضل ألا يكون تعلقنا به وارتباطنا به أفضل؟ أليس من المضحك حقًّا أن نقول إنّه لا يختلف؟! أنتم لديكم اطّلاع إجماليّ ـ لا بذلك المستوى الأرفع ـ على كيفيّة ولاية إمام الزمان وتصرّف إمام الزمان وارتباط إمام الزمان وإشراف إمام الزمان وسيطرته، أفلا يختلف ارتباطكم به عن ارتباط من لا يعرف شيئًا عن ذلك؟! ألا يختلف أبدًا؟! أنا الآن أعلم أنّ هذه الحقائق التي أقولها قد مرّت قبل أن أقولها على نفس الإمام، وصورة تلك الحقائق تخرج من فمي، فهل علاقتي بالإمام لا تختلف عن علاقة من لا يعرف ذلك أبدًا بل يقول إنّ إمام الزمان لا علم له بهذا الكلام الذي أقوله؟ هل يستوي صاحبا هذين الاعتقادين؟! هو يقول: لا خبر لديه، ولو شاء الله لألقى في قلبه، ولو لم يشأ لم يلقِ. وأنا الذي أعتقد أنّ وجودي لا فقط كلامي فأمر الكلام سهل، بل وجوديّ هو وجود ظليّ وتبعيّ لوجود إمام الزمان كيف أفكّر حول علاقتي مع إمام الزمان؟ هل يمكنني أن أراه لحظة واحدة غائبًا عن نفسي؟! هل يمكن تصوّر ذلك؟! هل يمكن أن أراه غائبًا؟! هل يمكن أن أشعر أنّه غافل عنّي؟! هل يمكن أن أشعر أنّه غافل؟! 

  • تعامل الإمام معنا حسب نظرتنا إليه (توسّل ثلاث ليال لفضح مخادع)

  • هناك قصّة معروفة، وقد وقعت في بعض الأزمان ويبدو أنّها في زمان السيّد ابن طاووس، وهي قصّة معروفة ينقل فيها أنّ وزيرًا ناصبيًّا أخذ حبّة رمّان ـ وهذه القصّة أيّدها المرحوم العلاّمة وقال إنّها وقعت ـ وجعل أسماء عمر وأبي بكر وعثمان وأمثالهم تبدو أنّها مكتوبة بشكل طبيعيّ على حبّة الرمّان، وأخذها إلى الملك بعنوان دليل على صواب مذهب أهل السنّة، أن انظر فقد ظهر اسم أبي بكر على ثمرة رمّان، فلو لم يكن محقًّا فلماذا ظهر اسمه على ثمرة الرمّان؟ عثمان ذو النورين، عمر الفاروق، وفي النهاية أيضًا اسم عليّ، وقد أتقن خدعته بشكل دقيق بحيث تحيّر الجميع حين رأوها ولم يدروا ماذا يصنعون، واجتمع العلماء واختاروا ثلاثة ليتوسّلوا بإمام الزمان ليعرفوا ماذا عليهم أن يفعلوا. فهذا ليس بالشيء الذي يمكنهم أن يقولوا فيه لذلك الرجل: صنعت شيئًا فماذا صنعت؟! يقولون: إنّ الإمام حيّ وحاضر ويجتمعون ويختارون ثلاثة من صلحائهم ويقولون: في كلّ ليلة يذهب واحد منهم إلى الصحراء ويبتهل ويتضرّع ويستمدّ من الإمام. وفي الليلة الأولى يذهب أحدهم ولا يجد خبرًا، وفي الليلة الثانية يذهب أحدهم ولا يجد خبرًا، وفي الليلة الثالثة يذهب أحدهم وفجأة يرى راكبًا قد جاء وترجّل وقال: ماذا تريد؟ فالتفت هذا العالم وانكبّ على رجلي الإمام يقبّلهمها أن يا ابن رسول الله أدركنا فالأوضاع كما ترى. 

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

17
  • فقال الإمام: لا شيء مهمًّا، اجمع الناس واذهبوا إلى منزل الملك وقولوا إنّا نجيبك على هذا الأمر في منزل الوزير، واذهبوا إلى منزل الوزير وقولوا إنّ الجواب هو في إحدى الغرف، ولن يسمح لكم، فاذهبوا إلى داخل الغرفة وقولوا إنّ الجواب هو في الصندوق، وافتحوا ذلك الصندوق، وفي داخله صندوق آخر، فإذا فتحتموه فإنّ في داخله قالبًا… .

  • لقد رأيتم أمثال هذه القوالب؟! قوالب بلاستيكيّة، كان قد أعدّ قالبًا ووضع فيه الرمّانة عندما كانت صغيرة، فلمّا كبرت وكان قد حفر في القالب أسماء عمر وأبي بكر وعثمان ظهرت هذه الأسماء على قشر الرمّانة. فقالوا: تفضّلوا هذه هي الخدعة التي خدعكم بها، والدليل الآخر هو أنّكم إذا فتحتم هذه الرمّانة فإنّ في داخلها رمادًا ودخانًا أسود يملأ المكان، وفي الصباح ذهبوا… وكان هذا العالم قد التفت إلى الإمام… ـ وهنا الأمر اللطيف الذي كنت أودّ أن أقوله ـ في الصباح تحّقق كلّ شيء وافتضح الوزير وعلّقه الملك على المشنقة. 

  • ولكنّ ذلك العالم سأل الإمام أن لماذا صبرت حتّى هذه اللحظة يا ابن رسول الله؟! فقال الإمام: أنتم أردتم بعد ثلاث ليال، فلو أنّكم طلبتم من الليلة الأولى لأتيت من الليلة الأولى، كان بإمكانكم أن لا تمهلوني ثلاثة ليال، أنتم قلتم بعد ثلاث ليال، وأنا أيضًا قلت بما أنّكم تريدون بعد في ليال ثلاث فقد أتيت في الليلة الثالثة… هذا هو إمامنا. 

  • فهل خسر من رفع من مستوى معرفته بالإمام وولاية الإمام؟! حقًّا أسأل أليس من الحماقة أن نشكّك ونقول لا فائدة هل نرفع من مستوى معرفتنا أم لا؟ هل يختلف الأمر أم لا؟ ما دمنا نرى تأثير ذلك في أفعالنا وحركاتنا مع الولاية فماذا نريد أن ننكر بعد ذلك؟! ماذا نريد أن ننكر ونقول لا وجود له؟ فإذن من المعلوم أنّ الأمر ليس هكذا يا عزيزي! ولا بدّ من القول: 

  • ای مگس عرصه سیمرغ نه جولانگه توست***عرض خود می‌بری و زحمت ما می‌داری
  • يقول: أيّتها الذبابة ليس مكان السيمرغ موضعًا لتجوالك *** إنّما تفضحين نفسك بذلك وتؤذيننا

ضرورة تعميق معرفتنا بالله وبمقام الولاية - شرح دعاء أبي حمزة الثمالي – سنة ۱٤۲٦ هـ ق - الجلسة الثامنة

18
  • ره چنان رو که رهروان رفتند***...
  • يقول: اطو الطريق كما طواه الطاوون له قبلك

  • نعم! إن كان أحدهم لا يريد ولا قدرة لديه ولا همّة فهذا شأنه، فهناك من يريد وهناك من يتابع الأمر ويهتمّ به وفي النتيجة تشمله العنايات. 

  • حسنًا وهذه الليلة نقول كما قلنا ليلة أمس: 

  • مجلس تمام گشت و به آخر رسید عمر***ما همچنان در اول وصف تو مانده‌ایم
  • يقول: انتهى المجلس وبلغ العمر آخره، ولا زلنا في بدايات وصفك حيارى 

  • أفهل للحديث عن الإمام نهاية؟!

  • هل يمكن أن ينتهي هذا الكلام؟! 

  • كنت أريد الليلة أن أنهي الكلام حول هذه الفقرة ولكن يبدو أنّ مشيئة الله وتقديره كانت على التأخير والتأجيل. نأمل من الله ببركة أوليائه وببركة صاحب مقام الولاية إمام الزمان عليه السلام أن يجعلنا يومًا بعد يوم أقرب إلى ولايتهم ومعرفتهم، وأن يديم أيدي هؤلاء الأعاظم فوق رؤوسنا. 

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد