1

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟

مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

147
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/03

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

كيف تكون معرفة الله هي الدليل إليه؟ ما هي المسؤوليّة الكبرى المترتّبة على القرب من الأولياء؟ ولماذا يُحاسَب المقرّبون أشدّ الحساب؟ وما خطورة تحريف الدين؟ تجيب هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة، شارحةً قول الإمام السجّاد عليه السلام «معرفتي يا مولاي دليلي عليك»، ومستشهدةً بمواقف من حياة العلامة الطهراني رضوان الله عليه وتجاربه حول الصدق وثقل الأمانة المعرفيّة والروحيّة.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟

  • مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثُّمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة الأولى

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ

  • و صلَّى اللَهُ عَلَی سيّدنا و نبيّنا أبي ‌القاسم مُحَمّدٍ

  • و علی آله الطّيبین الطّاهرین

  • و اللعنةُ عَلَی أعدائِهم أجمَعينَ

  •  

  •  

  • «مَعرِفَتي یا مَولايَ دَلیلي عَلَیك وَ حُبّي لَکَ شفیعي إلَیکَ وَ أنَا واثِقٌ مِن دَلیلي بِدِلالتِك وَ ساکِنٌ مِن شَفیعي إلی شَفاعَتِك»

  • استعراض صفات الله تمهيدًا لبيان حال العبد

  • كان الإمام السجّاد عليه السلام في الفقرات السابقة يبيّن صفات الله ويحمده بتلك الصفات. إلهي، أنت تقوم في مقام العدل. إلهي، أنت فتحتَ الباب للجميع ولم تغلقه قطّ. إلهي، أنت ربّيتني في صغري، ونوهّت باسمي في كبري. إلهي، أنت وعدتَ ووعدُك حقٌّ وكلامك صدقٌ. إلهي، أنت مَننتَ بعطاياك على أهل مملكتك. إلهي، أنت أقبلتَ عليَّ عندما كنتُ منك هاربًا.

  • جميع هذه الأمور التي بيّنها الإمام السجّاد عليه السلام إلى هنا، هي أوصافٌ يذكرها للّه تعالى. أوصافٌ لها طرفان: طرف الغنى والوجود [من جانب الله]، وطرف الضعف والقصور والنقصان من جانب العبد. وقد ذُكرت في السنوات الماضية للرفقاء أمور حسب حدود فهمي القاصر وبضاعتي المزجاة. الآن، وبعد هذه الصفات وبيان الحال الذي بيّنه عن الله، يريد الإمام السجّاد عليه السلام أن يوضّح مقامه وموضعه تجاه الله تعالى.

  • معرفتي دليلٌ عليك: كيف تكون المعرفة بالله طريقًا إليه؟

  • يقول: «مَعرِفَتي یا مَولايَ دَلیلي عَلَیك». يخاطب الإمام الله إنّ معرفتي بك هي دليلي عليك. فلو لم أكن أعرفك، كيف كان بإمكاني أن أهتدي إليك؟ هل رأيتم قطُّ أنّ إنسانًا يخرج صباحًا من منزله، ودون أن يقصد مكانًا معيّنًا، يطأطئ رأسه هكذا ويمضي؟ فعندما يخرج الإنسان صباحًا من المنزل، إلى أين يذهب؟ إمّا يذهب إلى المخبز ليشتري خبزًا ويُعدُّ الفطور، أو يذهب إلى المدرسة، أو يذهب إلى العمل. أينما ذهب، فلديه معرفة بذلك المقصد. هل رأيتم قطُّ أحدًا يفتح الباب صباحًا هكذا ويخرج دون أن يقصد مكانًا؟! 

  • ـ إلى أين تذهب؟ 

  • ـ أمضي هكذا وحسب. 

  • هذا لا فائدة منه. لا أحد يفعل هذا.

  • لا بدّ عند السير أن يكون الهدف المقصود محدّدًا. مثل هؤلاء الذين يذهبون إلى لجامعة، لإجراء مباراة الدخول، فيسألونهم: ماذا ستفعل في الامتحان؟ فيقول بعضهم: حسنًا، نحن نذهب إلى الجامعة الآن، نذهب، وسنحال في النهاية على أحد الفروع، وأيُّ فرعٍ أحلنا عليه سندرسه. فإن حصل هذا، فهو. وإن لم يحصل، فذلك الآخر. وإن لم يحصل، فذاك، ففي النهاية سنحصل على فرع ونلصق ورقةً على جدار المنزل ونقول: يا عزيزي، نحن أيضًا ذهبنا إلى الجامعة. هؤلاء يُقال لهم أناسٌ بلا هدفٍ، يطأطئون رؤوسهم ولا يدرون أين يذهبون. الإنسان الذي له هدفٌ، مقصده واضحٌ، والمكان الذي يريد الذهاب إليه واضحٌ. والطريق الذي يريد أن يسلكه قد عرفه مسبقًا.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

3
  • العلامة الطهراني رضوان الله عليه: من قرأ كتبي فتح له الباب

  • كان المرحوم العلّامة رضوان الله عليه يقول ـ وهذه الأمور التي أذكرها لكم هي أمورٌ سمعناها ونحن ننقلها بدورنا، فأنا وأنتم شركاء في هذه القضيّة. سواء عملنا بها أم لم نعمل. أنا أتحدّث عن نفسي. أقسمُ بأنّي أعترف بالنسبة لنفسي بأنّي قصّرت تجاه الأمور التي قالها والأمور التي كتبها، وكان ينبغي لنا أن نهتمّ بها قبل هذا وأن نجعلها محلَّ دقّةٍ وتأمّلٍ ـ كان المرحوم العلّامة يقول: مَن يقرأ كتبي سيُفتح له الباب، من يقرأ ويعمل. حسنًا، هو لم يكذب، ولم يرد أن يتلاعب بنا. ما الذي كان في ذهنه حتّى قال هذا الكلام الذي لا يصدق على الكتب الأخرى؟ ما القضيّة؟ ألم يكتب الآخرون كتبًا؟ فكم من الكتب كُتبت عن العرفان! وكم كتب عن الفلسفة! وكم عن الأخلاق! وكم عن الاجتماعيّات! وكم عن سياسة المدن! وكم عن العلاقات والمعاشرات وكيفيّتها وعن البرامج! وكم عن الحقوق والفقه والأصول وغيرها؟!

  • سرّ كتب العلاّمة: الصدق في نقل الحقيقة دون مجاملة أو تحريف

  • لماذا يقول هو هذا الأمر؟ فليفكّر الإنسان في سرّ ذلك. لأنّه لم يكن يكتب في مقام مجاملة الناس وتزيين الحقائق وإضفاء الألوان والإضافات عليها وتنميقها وتزيينها بالذهب والجواهر وجعلها موافقة للمصالح والمنافع اليوميّة وتغييرها من أجل منافع هذين اليومين الفانيين. بل كتب ما عرفه ورآه صحيحًا. هذه هي المسألة. وهذا شيءٌ نراه بالعيان ونحسُّه بالعيان. يُنقل أمرٌ ما فیقال: يا سيّد، هذا الموضع فيه خللٌ. نحن دائمًا نبحث عن التغطية، والتبرير، والتأويل. فنصحّحه بطريقةٍ ما ليصبح صحيحًا، حتّى لا يرد إشكالٌ على الدين، ولا يرد إشكالٌ على المذهب. حتّى لا يقال إنّ هذا المذهب متخلّفٌ. لا يقال إنّ هذا المذهب مهجورٌ. لا يقال إنّه لا ينفع لعالم اليوم. لا يقال إنّ هذا الكلام قديم.

  • کلاّ، ولكنّ الإسلام باق كما هو و المدرسة التي يمكن أن تُطرح بكلّ قوامها وبكلّ قوّتها كمدرسةٍ حيويّةٍ وفي حالة نموٍّ وتطوّرٍ ونشاطٍ وقدرةٍ في مواجهة الإجحافات والظلم والتقصيرات والتعدّيات، تلك المدرسة بالكيفيّة نفسها ثابتةٌ وصامدةٌ في كلّ حكمٍ من أحكامها واعتقاداتها وفروعها، سواء في العلاقات الأسريّة، ومسائل الإرث، ومسائل الحقوق، ومسائل العلاقات الزوجيّة، ومسائل التربية، فهي على ما هي دون زيادةٍ أو نقصانٍ، أنت لا تفهم حقيقتها، فليكن، هذا شأنك، ولكنّها هي على الحالة نفسها لم تتغيّر. والإسلام ليس مجرّد جهاد، الإسلام ليس مجرّد قتالٍ، الإسلام ليس مجرّد الضرب بهذا وذاك وهذه الأقاويل. واحدٌ بالمائة منه هو هذا، وتسعةٌ وتسعون بالمائة هي أشياء أخرى.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

4
  • من نماذج التحريف: كلام أمير المؤمنين عليه السلام حول المرأة

  • سمعتُ في مكانٍ ما أنّ أحدًا قال إنّ هذا الكلام الذي قاله أمير المؤمنين عليه السلام في حرب الجمل بشأن عائشة: «وأمّا عائشة فقد أدركها ضعف رأي النساء»۱. يعني أنّ عائشة أدركها نقص التفكير وضعف الأنوثة وأوقعها في هذا اليوم. فقد حدثت معركةٌ وتلك الحرب، ثمّ قال هذا الكلام بخصوص عائشة، ولا يمكن التمسّك به على عمومه. 

  • حسنًا، ماذا تقولون عن بقيّة مواضع نهج البلاغة٢؟ هذه الجملة كانت في حرب الجمل، فماذا عن تلك؟!

  • هؤلاء لو كتبوا ألف كتابٍ أيضًا، فلا تساوي درهمًا وحدًا. لماذا؟ لأنّهم يبحثون عن التزيين والتزييف لا عن قول الحقيقة كما هي.

  • قصّة رفض الصحف نشر مقالة العلامة حول الدستور

  • عندما كتب المرحوم العلّامة مقالةً في أوائل الثورة عن الدستور، أعطى هذه المقالة للصحف لتنشرها. في ذلك الوقت، أخذ أحد الرفقاء ـ حَفظَهُ اللَهُ ـ المقالة إلى بني صدر الذي كان ينشر صحيفةً باسم "انقلاب إسلامي" (الثورة الإسلاميّة). وكان يقول: عندما ذهبنا إليه، قرأها وقال: يا سيّد! هذه أقاويل تعود لألفٍ وأربعمائة عامٍ مضت، ولا تنفع الآن. فأمسكها ورماها جانبًا. قال: يا سيّد، انهض واخرج، فهذه الأقاويل لا تنفع. حسنًا، هذا واحدٌ. قال: فأخذناها إلى صحيفة "جمهوري إسلامي" (الجمهورية الإسلاميّة)، فقالوا لنا كلام السيّد بني صدر بعينه. فقلنا: حسنًا، الحمدُ للّه، هؤلاء أيضًا قالوا الكلام نفسه، الأمر واحدٌ عندهما. قال: أخذنا المقالة إلى صحيفة "كيهان"، قالوا: يا سيّد، ما هذا؟ يجبُ أن نحذف هذا، يجبُ أن تمنحونا تفويضًا تامًّا لنقلّل ما نشاء ونفعل ما نشاء. فأخذوا المقالة ومثّلوا بها وحذفوا، وأصبحت بشكلٍ عامٍّ لا رأس لها ولا ذيل. أنا بنفسي رأيتُ تلك المقالة، والآن كيهان أيضًا موجودةٌ، وذلك الشيء المتعلّق بتلك المسألة، صحيفة "اطلاعات" أيضًا مثل هذه، حذفت بعضها حسب رغبتها. فقط صحيفةٌ واحدةٌ، ظاهرًا كانت صحيفة المرتبطين بأنصار نوّاب الصفوي على ما يبدو وعلى ما أتذكّر إن لم أكن مخطئًا، فهي التي نشرت هذه المقالة وأثنت عليها كثيرًا.

    1. نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع) - ج ٢ - ص ٤٨: وأما فلانة فأدركها رأي النساء، وضغن غلا في صدرها كمرجل القين، ولو دعيت لتنال من غيري ما أتت إلي لم تفعل، ولها بعدُ حرمتها الأولى والحساب على الله تعالى
      وقال ابن أبي الحديد في شرحه ج ٩ - ص ١٩٢: فأما قوله: "فأدركها رأى النساء" أي ضعف آرائهن. وقد جاء في الخبر "لا يفلح قوم أسندوا أمرهم إلى امرأة ". وجاء: "إنهن قليلات عقل ودين" أو قال: "ضعيفات".
    2. من ذلك ما في تصنيف نهج البلاغة ص ٦٤۰: 
      (الخطبة ٦٩، ۱٢٤): و من خطبة له (ع) بعد فراغه من حرب الجمل، في ذم النساء و بيان نقصهن: «معاشر النّاس: إنّ النّساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول . فأمّا نقصان إيمانهنّ فقعودهنّ عن الصّلاة و الصّيام في أيّام حيضهنّ، و أمّا نقصان عقولهنّ فشهادة امرأتين كشهادة الرّجل الواحد، و أمّا نقصان حظوظهنّ فمواريثهنّ على الأنصاف من مواريث الرّجال . فاتّقوا شرار النّساء، و كونوا من خيارهنّ على حذر، و لا تطيعوهنّ في المعروف حتّى لا يطمعن في المنكر.»
      (الخطبة ۱٥٤، ٢۷٣) و قال من جملة وصاياه الحربية: «و لا تهيجوا النّساء بأذى . و إن شتمن أعراضكم و سببن أمراءكم، فإنّهنّ ضعيفات القوى و الأنفس و العقول، إن كنّا لنؤمر بالكفّ عنهنّ و إنّهنّ لمشركات (هذا حكم الشريعة الاسلامية في حفظ أعراض النساء حتى المشركات في الحرب) . و إن كان الرّجل ليتناول المرأة في الجاهليّة بالفهر (حجر يدق به الجوز) أو الهراوة (العصا) فيعيّر بها و عقبه من بعده.»
      (الخطبة ٢٥٣، ٤٥٣) و قال (ع) في تربية النساء: «و إيّاك و مشاورة النّساء، فإنّ رأيهنّ إلى أفن (ضعف و نقص)، و عزمهنّ إلى وهن. واكفف عليهنّ من أبصارهنّ بحجابك إيّاهنّ. فإنّ شدّة الحجاب أبقى عليهنّ. و ليس خروجهنّ بأشدّ من إدخالك من لا يوثق به عليهنّ. و إن استطعت ألاّ يعرفن غيرك فافعل. و لا تملّك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها. فإنّ المرأة ريحانة و ليست بقهرمانة (القهرمان هو الذي يحكم في الامور ويتصرف فيها بأمره). و لا تعد بكرامتها نفسها (أي لا تجاوز باكرامها نفسها، فتكرم غيرها بشفاعتها) و لا تطمعها في أن تشفع لغيرها. وإيّاك والتّغاير (من الغيرة) في غير موضع غيرة. فإنّ ذلك يدعو الصّحيحة إلى السّقم، و البريئة إلى الرّيب.» 
      (الخطبة ٢۷۰، ٤، ٤۸٩) المرأة عقرب حلوة اللّبسة (أي المعاشرة). 
      (٦۱ ح، ٥۷٦) و قال (ع) عن الزمان المقبل: «فعند ذلك يكون السّلطان بمشورة النّساء و إمارة الصّبيان و تدبير الخصيان.» 
      (۱۰٢ ح، ٥۸٣) «غيرة المرأة كفر، و غيرة الرّجل إيمان.» 
      (۱٢٤ ح، ٥۸۸) «خيار خصال النّساء، شرار خصال الرّجال (أي ما يعتبر من أفضل صفات النساء، و هو من أقبح صفات الرجال): الزهو و الجبن و البخل. فإذا كانت المرأة مزهوّة (أي فخورة) لم تمكّن من نفسها. و إذا كانت بخيلة حفظت مالها و مال بعلها. و إذا كانت جبانة فرقت (أي فزعت) من كلّ شي‌ء يعرض لها.»
      (٢٣٤ ح، ٦۰۸) «المرأة شر كلّها، و شرّ ما فيها أنّه لا بدّ منها.»

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

5
  • موقف العلامة من الرقابة والتحريف: وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام نموذجًا

  • عندما سمع المرحوم العلّامة هذا الأمر و انتبه له، كان ذلك في ليلة الثلاثاء في مسجد القائم، وكنتُ هناك. كان قد أحضر نفس الصحيفة، صحيفة "اطلاعات"، التي تتحدّث عن هذه المسألة التي يقولها أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في وصيّته للإمام الحسن عليه السلام، ظاهرًا في "حاضرين"، والتي حذفوها بالطبع ولكن أوردوا هذا الأمر بعدها. فعندما تحدّث عن أنّهم فرضوا رقابةً على كلّ أمورنا ولم يقبلوها. ثمّ جاء وقال: يا من تفسّر وصيّة أمير المؤمنين في "حاضرين"... وكانوا في ذلك الوقت يفسّرونها ويترجمونها في صحيفة "اطلاعات"، وهي وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام للإمام الحسن، وتتكرّر فيها عبارة يا حسن ويا حسن، وهي وصيّةٌ عجيبةٌ جدًّا. عجيبةٌ جدًّا! وهذه هي الوصيّة التي قال المرحوم العلّامة في أوّل وصيّته: مع وجود وصيّة أمير المؤمنين، فإنّ كتابة الوصيّة بالنسبة لنا أمر مخجل. هذه هي وصيّة أمير المؤمنين. وعلى جميع الرفقاء حتمًا في أوّل فرصةٍ أن يبدأوا من الغد بقراءة وصيّة أمير المؤمنين هذه في نهج البلاغة. أولئك الذين يستطيعون قراءتها بأنفسهم، وأمّا الآخرون فيقرأون نهج البلاغة مع ترجمةٍ صحيحةٍ لأنّ الكثير من ترجمات نهج البلاغة خاطئةٌ، ومن جملتها نهج البلاغة للدشتي هذا، ففد نظرتُ في الكثير من ترجماته وكان فيها الكثير من الأخطاء. مع ترجمةٍ صحيحةٍ، فليدرسوا هذه الوصيّة، لا أن يقرأوها قراءةً، بل ليدرسوها. لا مجرّد قراءةٍ. «مِنَ الوالِدِ الفانِ المُقرّ لِلزمان...» وهكذا تستمرّ. حقًّا توجد دورةٌ من تجربة التاريخ في هذه الوصيّة.

  • شرح وتحليل وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن عليه السلام حول النساء

  • ثمّ يقول الإمام هناك: «یا حَسَن وَ إنِ استَطَعتَ أن لا یَعرِفنَ غَیرک فَافعَل»۱. اعمل هكذا تجاه نسائك. إذا استطعتَ وكنتَ قادرًا على أن تفعل شيئًا بحيث لا يرين إلّا أنت ولا يعرفن إلّا أنت، فافعل هذا العمل، لا تقع أعينهنَّ على رجلٍ آخر ولا يعرفن رجلًا آخر. إن كنت تستطيع. أي أنّ الإمام يقول إنّك لا تستطيع. وهذا ليس شيئًا في العهدة، إن كنت تستطيع، فبقدر ما تستطيع، فافعل هذا. هل استطاع الإمام الحسن عليه السلام؟ كلا يا عزيزي، ألم تكن إحدى النساء هي جعدة؟ جلبت السمَّ من طرف معاوية، هذه جعدة اللعينة ـ لعنةُ الله عليها ـ التي قتلت زوجها، قتلت الإمام الحسن، ألم يكن لها ارتباطٌ بمعاوية؟ فمن أين حصلت على هذا السمِّ وأعطته للإمام الحسن عليه السلام؟

    1. نهج البلاغة - خطب الإمام علي (ع)، ج ٣، ص ٥٦: «واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن فإن شدة الحجاب أبقى عليهن، وليس خروجهن بأشد من إدخالك من لا يوثق به عليهن، وإن اسطعت أن لا يعرفن غيرك فافعل. ولا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع بغيرها.»

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

6
  • يقول الإمام: «وَ إنِ استَطَعتَ أن لا...» إن كنت تستطيع ولديك القدرة على فعل شيءٍ بحيث لا تعرف نساؤك غيرك ولا يفكّرن إلّا بك إلّا فيك ولا يرين رجلًا آخر. هذا أمير المؤمنين عليه السلام واسطة عالم الوجود يقول هذا. يعني الذي خلق الرجل والمرأة كليهما هو الذي يقول هذا. أمير المؤمنين عليه السلام خالق الأرضين والسماوات. فولاية أمير المؤمنين عليه السلام هي المنزِّلة للمشيئة الإلهيّة في عالم الإمكان. نفس أمير المؤمنين عليه السلام هي الخلّاقة لكلّ عالم الوجود، هو الذي يقول هذا الكلام. يعني الخالق نفسه يقول هذا الكلام. هو نفسه يقول هذا.

  • خطر الحذف والتأويل في نصوص المعصومين عليهم السلام

  • حسنًا، هؤلاء وصلوا إلى هنا، حذفوا هذا الجزء، قالوا إنّهم ترجموا الأعلى، وترجموا الأسفل. قال المرحوم العلّامة: بأيّ حقٍّ جئتم وحذفتم هذا الكلام؟ إن كان كلام أمير المؤمنين عليه السلام صحيحًا فكلُّه صحيحٌ، وإن كان خطأً فلماذا ترجمتم الأعلى والأسفل؟ ماذا حدث؟ هذا يصبح ماذا؟ تنميقًا، تزيينًا. يزيّن، ينمّق حسب الرغبة. الآن هل يمكن الاعتماد على هذه الترجمة؟ أبدًا. لماذا؟ لأنّ هذه ترجمةٌ حسب الرغبة.

  • قصّة تحريف مقالة عن سيرة العلّامة في إحدى الصحف

  • وعندما توفّي المرحوم العلّامة، طلبت منّا صحيفة "قدس" أن نكتب مقالةً عنه. قلتُ: أنا لا أكتب. قالوا: لماذا لا تكتب؟ قلتُ: تحرّفون. قالوا: نضمن لك ألّا نحرّف. فكتبتُ باختصارٍ شديدٍ، قبل أن يُدفن. كان ذلك بعد الظهر، بسرعةٍ كبيرةٍ، كتبتُ مقالةً، سيرةً ذاتيّةً مختصرةً جدًّا عنه وسلّمتها إليهم، وبالفعل نشروها هم أيضًا. وعندما نظرتُ رأيتُ عجبًا، ليتهم اكتفوا بالرقابة. ليس فقط رقابةً بل تحريفٌ أيضًا. كنتُ قد كتبتُ هناك أنّه كان مع قائد الثورة، مواكبًا ومنسجمًا معه في سنة اثنتين وأربعين۱ وكان من مؤسّسي الثورة الإسلاميّة. ولكنّ هؤلاء كتبوا: كان تابعًا ومقتديًا بقائد الثورة. انظروا! لماذا تكذب؟! نحن لم نعطكم المقالة لتكتبوها. أنتم بأنفسكم جئتم وقدّمتم ضمانًا إضافةً إلى ذلك. لهذا السبب لا يمكن الاعتماد على أيّ أحد. 

  • لماذا يُعتمد على كلام المعصومين عليهم السلام؟

    1. هجريّ شمسيّ، تقابل ۱٩٦٣م

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

7
  • أنا أكتب كتابًا ولكن في عباراتي، في كلماتي، أرتّبها بحيث تتقدّم الكلمات وفقًا لفكري، فلا فائدة. أيُّ كلامٍ يمكن الاعتماد عليه؟ على نهج البلاغة، أمير المؤمنين عليه السلام يقول الأمر بوضوحٍ حتّى النهاية، يقول: هو هذا. هذا الأمر هو هكذا. هذه الوظيفة وظيفة الرجل. هذه الوظيفة وظيفة المرأة. إن تخطّى هذا فهو مسؤولٌ، وإن تخطّت هذه فهي مسؤولةٌ. إن يسلك هو هذا الطريق فهو خطأٌ. وإن تسلك هي هذا الطريق فهو خطأٌ. لذلك يصبح نهج البلاغة أسوةً ومادّةً للتأسّي. القرآن يصبح أسوةً ومادّةً للتأسّي. الصحيفة السجّاديّة تصبح أسوةً ومادّةً للتأسّي. لماذا؟ لأنّ الإمام لم يأتِ ليزيّن، وينقص ويزيد حسب ميله ورغبته، فلنقل الآن شيئًا ولا نقول شيئًا آخر. لنقل قليلًا ونسكت عن قليل حسب المصلحة والمنفعة و...، اليوم المصلحة في أن يُقال هذا هنا. اليوم المصلحة في ألّا يُقال هذا. ما معنى اليوم يا سيّدي العزيز؟ ما معنى اليوم؟ يجبُ أن تقول كلمة الحقّ، مَن يشاء يستمع. ومَن لا يشاء لا يستمع. إن لم يستمع فشأنه وإلى جهنّم!

  • واجبنا: قول الحقّ دون الاكتراث بإقبال الناس أو إدبارهم

  • الناس لا يأتون نحو الدين. دعهم لا يأتون لمائة ألف سنةٍ! فما علاقتي أنا؟! هل نحن أوصياء على الناس؟! نحن أقصى ما يمكن أن نقوم به هو أنّ نبيّن للنّاس ما وصلنا كما هو. وذلك الذي يهرب من الحقّ لا ينبغي أن نشفق عليه. وذلك الذي يتّبع الحقّ لا ينبغي أن تحترق قلوبنا بسببه. إن كان أحدهم لا يريد أن يتّبع الحقّ، فإلى جهنّم! لا يريد أن يتبّعه، فهذا شأنه. لماذا يُحرم الذين يبحثون عن الحقّ من أجل إرضاء ذلك الذي يدوس على الحقّ؟! أيّة خيانةٍ هذه؟ وأيُّ ظلمٍ هذا؟! لا! يأتي إنسان واحد و يقول: يا سيّد أنا أريد أن أكون باحثًا عن الحقّ، قل لي الحقّ، لأفهم ما القضيّة؟ لأفهم الأمر ما هو؟ لأفهم المسألة ما هي؟

  • أهمّيّة البحث عن الحقّ وفتح القلب له قبل اتّخاذ القرار

  • وكم هو جيّدٌ أن يكون الإنسان دائمًا باحثًا عن الحقّ، باحثًا عن الواقع. كم هو جيّدٌ أن يكون هكذا. كم هو جيّدٌ أن يفتح الإنسان دائمًا صفحة قلبه للحقّ أوّلًا قبل أن يتّخذ قرارًا. ليَدَع الحقّ يأتي ويكون هو صاحب القرار. لا أن نتّخذ قرارنا أوّلًا ثمّ بعد ذلك يُعرض أمرٌ ما عليه، يظهر تيّار ما فنتّبعه لنرى بعد ذلك ماذا ستكون المسألة. لذلك يجبُ أن يُسلك الطريق كما أمروا، لا يُلتفت يمينًا وشمالًا، لا يُنظر إلى هذا الجانب وذاك.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

8
  • كان المرحوم العلّامة يقول: مَن يقرأ كتبنا هذه ويتأمّل فيها ويعمل بها سيصل إلى الحقيقة. فما هي هذه؟ إنّها دلالةٌ على الحقّ، ودلالةٌ على الواقع.

  • يقول الإمام السجّاد عليه السلام: ما الذي سبّب دلالتي عليك؟ معرفتي بك. فعندما عرفتك، أصبحت معرفتي هذه دليلي نحوك، دليلي على طريقك.

  • صفة "المأمون على الدين والدنيا"

  • يقول الإمام عليه السلام عن زكريّا بن آدم أنّه: «مأمونٌ علی الدّین و الدنیا»۱ أي هو أمينٌ على الدين والدنيا. يعني آمنٌ. يعني ليس من أهل الحيل. ليس من أهل الزيادة والنقصان. ليس من أهل مراعاة المريد. ليس من أهل إرضاء الرفيق. بحيث يتغيّر كلامه حيث تكون المسألة متعلّقةً بالرفيق، أمّا حيث تكون المسألة متعلّقةً بأفرادٍ آخرين فيقول الأمر بصراحةٍ تامّةٍ. عندما يتعلّق الأمر بالرفيق يصاب ببعض التلكّؤ في اللسان. عندما يتعلّق الأمر بالمريد تتغيّر العبارات والكلمات قليلًا! كلاّ، فهو ليس هكذا، بل «مأمونٌ علی الدّین و الدنیا». هو أمينٌ على الدين والدنيا معًا. يعني هو محلُّ أمانٍ. إذا أخطأت زوجته يقول بوضوحٍ: زوجتي أخطأت، أنتم لا تخطئوا. إذا أخطأت ابنته يقول بوضوحٍ: ابنتي أخطأت، والسلام. إذا أخطأ قومه وأقاربه يقول بوضوحٍ: هؤلاء أخطأوا. لا يلتفّ، لا يبرّر. ليس بالذي حين يتعلّق الأمر بالزوجة والأولاد والكنّة والأقارب والقوم والعشيرة وأمثالهم يخفّف من وطأة الأمر قليلًا ويجعله باهتًا، ولكن عندما يتعلّق الأمر بالآخرين يأتي بلسانٍ قاطعٍ جدًّا ليقول: الأمر هو هذا. فهذا ليس مأمونًا على الدين والدنيا. ليس كذلك. كلاّ! المأمون هو من يقول الحقّ وليُصِب مَن يُصِيب، ومَن لا يُصِبهُ فشأنه، هكذا كائنًا من كان. نعم، بعد مراعاة الجوانب وبعد اتّضاح القضيّة وبعد التحقيق والبحث الدقيق، والذي له مراتبه الخاصّة. ولكن عندما تتّضح القضيّة، لا يبالي أبدًا. هذا أخطأ، وهذا أصاب. وانتهى الأمر. ماذا يصبح هذا؟ يصبح مأمونًا على الدين والدنيا. ويصبح حينئذٍ دليلًا، فهذا يصبح دليلًا، يصبح مرشدًا، يقدّمه الإمام عليه السلام. ويقول: اتّبعوا هذا.

  • المعرفة هي سرّ اختيار طريق الله

  • الإمام السجّاد عليه السلام يقول: لماذا اخترتك؟ وما الذي دفعني لأن آتي نحوك وأعرض عن غيرك؟ ما الذي دفعني؟ ألم أكن مثل بقيّة الناس؟ ألم يفعل بقيّة الناس هذه الأعمال؟ أيُّ فرقٍ كان بيني وبين بقيّة الناس حتّى ذهبوا هم في طريقٍ، وراء الذهب والجواهر والدنيا والمنصب والرئاسة والاعتبارات، هذه الاعتبارات نفسها، أيُّ فرقٍ كان بيني وبين البقيّة حتّى جئتُ نحوك؟ يقول الإمام: ما الشيء الذي كان هنا ولم يكن في مكانٍ آخر؟ ما هو؟ قولوا جميعًا إذن، الإمام نفسه يقول: معرفتي. لأنّي عرفتك. البقيّة لم يعرفوا. ذهبوا إلى هذا الجانب، وذهبوا إلى ذلك الجانب. قال أحدهم: فلأذهب وراء هذا، وقال الآخر: لأحصل على هذا المنصب، وقال هذا: لأذهب للتجارة وأكسب المال، وقال ذاك: لا فلأذهب وأشتري الشيء الفلاني حتّى لا أخسر، وقال الآخر: فلأثِر الفتنة وأفوز أنا، وقال ذلك كذا وكذا.

    1. الاختصاص، ص ٨٧.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

9
  • هل ذهبتم إلى مستديرة "۷٢ تن" (الاثنين وسبعين شهيدًا) في آخر مدينة قُم؟ حيث يوجد سائقو سيّارات الأجرة. كنتُ قد ذهبتُ بالأمس إلى طهران، وعدتُ في وقتٍ متأخّرٍ من الليل، أراد الرفقاء أن يوصلوني. فقلتُ: لا! سأذهب بوسائل النقل العامّ هذه. فذهبت ونزلت هناك. فكان هذا يأتي ويجذبك من جانب، وذاك يجذب من آخر، يا حاجُّ تعال معي! وذاك يقول: يا حاجُّ تعال معي أنا. لا أدري، أنا آخذ كذا، أنا آخذ كذا! فتجمّعوا حولي! بحيث أنّ الإنسان يبقى حائرًا مع من يذهب؟ هذا يقول تعال إلى هنا، ذاك يقول: هذا جاء عبثًا. نعم، هذا بسبب ماذا؟ بسبب أنّهم لم يعرفوا الله. الله الذي هو الرازق، هل يقول اكسبوا الرزق بهذه الطريقة؟ لا يا عزيزي، تعال اجلس في سيّارتك، والراكب الذي يجبُ أن يأتي، سيأتي، سيأتي ويقف عند سيّارتك. يركب سيّارتك، لا حاجة لهذا الجذب وذاك الجذب وهذا النزاع، خمسة عشر سائقًا يتجمّعون حول الإنسان، هذا يريد أن يأتي، وذاك يريد أن يأتي، هذا يريد أن يأتي، هؤلاء لم يعرفوا رازقيّة الله.

  • يقول الإمام: هؤلاء الذين يطرقون كلّ هذه الأبواب وتلك، إنّما يطرقونها لأنّهم لم يعرفوك. ولو عرفوك مثلي، ماذا كانوا سيفعلون؟ كانوا سيفعلون ما فعلته أنا بعينه.

  • وحبّي لك شفیعي إليك: ما هي تبعات المعرفة والاقتراب من الأولياء؟

  • «معرفتي يا مولاي دليلي عليك وحُبّي لك شفیعي إلیك.» عرفتك وانتهت القضيّة. طبعًا، هذه المعرفة لها تبعاتٌ. فلا تظنّوا أنّ المسألة تنتهي بهذه السهولة. المعرفة تجلب المسؤوليّة. المعرفة التزامٌ بالتبعات، المعرفة مراقبةٌ للوازم. ما دام الإنسان لم يعرف، لا يُسأل. ولكن عندما يفهم أمرًا ما، فقد فهم الآن، لم يعد يستطيع أن يقول: لم أفهم. ما دام الإنسان في هذا الجانب وذاك وفي الأزقّة والأسواق والشوارع ولم يصل إلى سمعه أمرٌ، يُعامل وفقًا لمدركاته ووفقًا لعقله. ولكن بمجرّد أن يأتي وتصل إليه المعلومة بوسيلةٍ ما في النهاية، لم يعد يستطيع أن يتجاهلها. وليلتفت الرفقاء الجالسون هنا لهذه القضيّة، فبمقدار ما اكتسبوا معرفةً بهذا الطريق سيحاسبون غدًا، ليس الأمر هكذا. بمقدار ما حصلوا على معرفةٍ بالطريق، سيوضع ذلك في ميزانهم غدًا. بمقدار ما فهموا من مدرسة الأعاظم، إن لم يعملوا، سيُضربون بالعصا غدًا! هكذا هي القضيّة، لأنّهم عرفوا.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

10
  • لو لم نكن نحن نعرف، فلا شيء علينا، فهناك الآن الآلاف يسيرون في الشوارع أيضًا. ولكنّ الله تعالى تفضّل علينا بالمنّة أولاً وجعلنا ذوي بصيرة في الأمور، منّ علينا ونبّهنا لهذه القضايا، فالآن صار حسابنا يختلف. فقد أدركنا الآن كلّ حقّ لمن هو في النهاية، نعم هناك من نالوا نظرة عناية ولكن أين نحن من ذلك؟ لا معنى لهذا ولا أثر له. فبقدر ما تكون المعرفة أكبر، تكون المسؤوليّة والالتزام تجاه الأمور أكبر.

  • المسؤوليّة المضاعفة للمقرّبين: تجربة شخصيّة

  • وأنا أحسُّ بهذا الأمر تجاه نفسي. يعني حقًّا يرتجف بدني عندما أريد أن أطبّق أمرًا كهذا على نفسي وأرى نفسي مقارنةً بالآخرين، فقد سمعت أمورًا أكثر، ولي تجربة أكثر، وعاشرت الأعاظم أكثر. حقًّا عندما أريد أن أفكّر في هذه الأمور، يرتجف بدني وأشعر بأنّه يجبُ أن أفكّر في نفسي أكثر ولا أتعامل مع الأمر بسطحيّةٍ. القضيّة ليست قضيّةً سطحيّةً. فالمسألة ليست بهذه السهولة وأن يُقال للإنسان شيءٌ ويدرك الإنسان أمرًا ثمّ يقول: حسنًا سواء فهمنا الآن، أو لم نفهم. فبقدر ما يكون الإنسان قريبًا من شخصٍ، يكون أكثر مسؤوليّةً تجاه قوله. بقدر ما يكون الفرد منسوبًا إلى عظيمٍ، يتعرّض للمؤاخذة أكثر تجاه أفعاله. لا ينبغي أن نقول الآن مثلاً إنّنا اقتربنا من فلانٍ؛ فلنقل ما يحلو لنا ونرتكب أيَّ خطأٍ نريد، ونسلك أيَّ طريقٍ غير صائبٍ نريد، ثمّ نقول: نحن قريبون من فلانٍ وانتهت المسألة! لا يا عزيزي! سيسلخون جلد الرأس لدرجةٍ أن يرتفع الصراخ إلى السماء. المسألة حسّاسةٌ جدًّا، المسألة دقيقةٌ جدًّا.

  • قصّة خطأ المتحدّث وتأديب العلامة له: درس في مسؤوليّة القرب

  • أنا في زمن المرحوم العلّامة ارتكبت خطأً وقلت كلامًا ما كان ينبغي لي أن أقوله. بالطبع، بصراحةٍ، لم أتصوّر أنّ الأمر بهذه الدقّة. أمرٌ واحدٌ، شيءٌ عاديٌّ، سفرٌ أراد المرحوم العلّامة أن يذهب إليه ولم يرد أن يعرف أحدٌ، فأخبرت به واحدًا فقط. وذلك أيضًا من باب الخير، إن كان يريد أن يرتّب وضعه. وذلك أيضًا ذهب مباشرةً وأخبر آخر فجاء وقال للعلامة. فغير المرحوم العلّامة معاملته معي لمدّة ثلاث سنواتٍ! مدّة ثلاث سنواتٍ! وكان يريد أن يقول إنّ الأمور ليست هكذا يا سيّد. فحيث أنّك هنا وأنّك ابني، يجبُ أن يكون انتباهك أكثر من البقيّة. إن أردتَ أن تتخطّى، فنحن لا نمازح أحدًا. حينئذٍ يصبح هذا أسوةً، يصبح هذا قدوةً. يعني هذا فردٌ لا يراعي ابنه بأيّ وجهٍ أبدًا، مطلقًا. لماذا؟ لأنّ معرفتك أكثر، معرفتك بي أكثر، أنت الأقرب إليّ، لديك اطّلاعٌ عليّ أكثر من البقيّة، فلماذا يصدر عنك أنت مثل هذا؟ أمّا الآخرون فلا بأس أن يصدر عنهم، فهم بعيدون. فذلك الذي يأتي مرّةً في السنة إلى مشهد ويرى العلّامة، فمهما قال له، فقد قال فكأنّه قاله للجدار. قاله للجدار. ونحن أيضًا كنّا نسمع في ذلك الوقت، كنّا نسمع كلامًا من هنا وهناك، لم يكن يختلف الأمر لدينا. وعلى حدِّ قول المرحوم العلّامة: هؤلاء لا يقولون لنا هذه الأقاويل، يقولونها لعباءتنا، لا بأس، فليقولوا. هذه العباءة أيضًا معلّقةٌ على شمّاعة الملابس هذه، مهما أرادوا أن يقولوا، فلن يصيبنا من كلامهم شيء. ولكن ذلك القريب وذلك الذي يرى نفسه قريبًا، تكون أعماله تحت المجهر ألف مرّةٍ أكثر. وكلامه تحت المجهر أكثر. إذا قال "أنتَ" تُحسب عليه. إذا قال "حضرتك" تُحسب عليه. إذا عبس يُحسب عليه. إذا ضحك يُحسب عليه. لماذا؟ لأنّ المعرفة أكثر. المعرفة أكثر.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

11
  • قصّة طرد أحد المريدين بسبب إساءة استخدام المعرفة والقرب

  • سبب طرد ذلك الفرد الذي ذكره المرحوم العلّامة في كتاب "الروح المجرّد" والذي طُرد بشكلٍ كاملٍ، كان سببه أنّه في النهاية زادت معرفته بالمرحوم السيّد الحدّاد، واطّلع على أسرارٍ، وكان لازم الاطّلاع عليها الكتمان، ولكنّه لم يراعِ الكتمان، وأساء الأدب، فجاءت غيرة الله وضربته برأسه على الأرض بقوّةٍ، بحيث لم يرفع رأسه حتّى الآن. لماذا؟ لأنّه لو كان قد فعل هذا سابقًا، لما كان عقابه هكذا. لو قال هذا الكلام سابقًا لم يكن الأمر كذلك. أنت الذي اكتسبت المعرفة واطّلعت على هذا السرّ، فلماذا يصدر عنك ذلك؟ أنت لماذا قلت هذا؟ أنت لماذا جئت في وسط الجمع وأردت أن توضّح مسألة السيّد الحدّاد هذه للبقيّة وتضعه في هذا المأزق ليحكم لصالحك في هذا الموضوع؟ لماذا جئت وفعلت هذا؟ بينما كان الكثيرون يأتون، كنتُ أنا هناك، كان الكثيرون يتحدّثون كثيرًا. كانوا يطلبون الكثير من السيّد الحدّاد، وربّما كانوا يقولون كلامًا أيضًا. الآن هم موجودون أيضًا. أمّا ذلك الذي جاء واكتسب المعرفة، فهذا حسابه يختلف عن البقيّة. لماذا؟ لأنّ غيرة الله لا تسمح. نحن أعطيناك المعرفة، فلماذا أسأت استخدامها؟ مَن أعطاك هذه المعرفة؟ هل جلبتها من بيت عمّتك؟ هل جلبتها من بيت خالتك؟ هذا الجالس هنا هو الذي أعطاها لك، والآن أنت تردّها عليه؟ تريد أن تستغلّه؟ تريد أن تستفيد منه؟ تريد أن ينفق لك هذا الذي حصلت عليه؟ هو نفسه أعطاك والآن أنت تأخذ منه؟ عجيبٌ جدًّا. مثل أن أعطي أنا مثلاً ألف تومانٍ لشخصٍ، ثمّ يقول لي: حسنًا، أنت لديك ألف تومانٍ، وأنا أيضًا لديّ ألف تومانٍ، أصبحنا متساويين، الآن يجبُ أن تأتي وتقوم بهذا العمل. 

  • ـ يا عزيزي، الألف تومان أنا أعطيتك إيّاها. 

  • ـ لا ! فنحن متساويان، ماذا تقول؟ الآن ماذا تقول؟ الآن كلانا سواء. 

  • فيقول له الله في المقابل : حسنًا لا بأس، فاذهب حيث شئت فإنّنا معك، أينما تذهب فنحن معك. ثمّ يلقيه في جهنّم ولا يبالي، وأيُّ جهنّم! جهنّم التي أُلقي فيها فرعون، أُلقي فيها نمرود، أُلقي فيها جبابرة الزمان. أُلقوا جميعًا هناك. والسبب كان هذا فقط: المعرفة بوليّ الله وعدم التعهّد والالتزام بهذه المعرفة.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

12
  • الحذر والالتزام شرط الاقتراب

  • إذًا، إمّا أن يُبقي الإنسان نفسه في الخلف منذ البداية، أو إذا تقدّم واطّلع على المسائل واكتسب المعرفة واطّلع على الأمور وأُخبر بالحقائق وأصبح محلَّ اهتمامٍ، فيجبُ أن ينتبه. هنا لا مجال للعبثيّة. لا مجال لأن نقول: مهما قلنا ومهما فعلنا سيمضي الأمر في النهاية. يوقفون الإنسان ويسألونه ويطلبون منه ويحاسبونه.

  • كيف تثبّت المعرفة بالله صاحبها على الطريق؟

  • الإمام السجّاد عليه السلام يقول: لأنّي عرفتك، فقد وجدتُ دليلًا. الدليل يعني المرشد. لم يعد شيءٌ يستطيع أن يغيّرني، لم يعد شيءٌ يستطيع أن يبدّلني، لا أحدَ يستطيع أن يأخذ بيدي ويذهب بي إلى هذا الجانب أو ذاك. لأنّي عرفتك. لم يعد أحدٌ يستطيع أن يغويني، أن يخدعني. معرفتي كانت كما رأيتم، صفحتان أبيّنها لكم: إلهي، أنت هذا، أنت لديك هذه الخصوصيّة. أنت تتّصف بهذه الصفات. الجميع يغلقون أبوابهم، وأنت وحدك تترك بابك مفتوحًا. الجميع يدبرون عن الإنسان، وأنت وحدك تتحبّب إليه. الجميع يبحثون عن مصالحهم الخاصّة ما لم تلحق ضررًا بالآخرين. أو أنّهم يبحثون عن مصلحة الآخرين ما لم تلحق الضرر بمصالحهم الخاصّة، الجميع هكذا. ولكن أنت لا يصيبك ضررٌ ولا يصيبك نفعٌ، لا أحدٌ يستطيع أن يضرّك، حتّى تفكّر في ضرر نفسك ومنفعتها. أنت تفكّر فيَّ فقط. الجميع يبحثون عن أنفسهم أوّلًا، ثمّ عن الآخرين. وأنت لست تبحث عن نفسك، أنت لا تفكّر في نفسك، أنت تفكّر في عبادك. انظروا!

  • مقارنة بين عالم الخلق وعالم الحقّ: لماذا الاختلاف؟

  • كلّ ما نراه في العلاقات في هذه الدنيا، عندما ننظر إلى ذلك الجانب، نرى عكسه. وكلّ ما نراه في جانب التوحيد والانتساب إلى الله، عندما ننظر إلى أهل الدنيا، نرى عكسه. يريدوننا ما داموا في ضيقٍ، وبمجرّد أن يزول ضيقهم لا يذكروننا حتّى. يريدون الإنسان ما دامت لديهم مشكلةٌ، وعندما تُحلُّ المشكلة يغيبون ولا يبالون، ويصبح الاهتمام لديهم باهتًا. يريدك ما دام في ضائقة نفسيّة وأمثال ذلك، وعندما يكون في انبساطٍ، يهجرك ولكن الله ليس هكذا.

  • قصّة الرجل الذي نسي المعروف بعد زوال الضائقة

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

13
  • كان أحد الرفقاء ذا حال جيّد جدًّا، وكنتُ معجبًا جدًّا بحاله هذا. كان في علاقته مع الناس على العكس من ذلك؛ فقد كان إذا مرض أحد يذهب إليه حينها، يذهب به إلى المستشفى، يأخذه إلى الطبيب، يذهب لمساعدته، ولكن عندما يشفى يقول: لقد شُفي الآن. فبمجرّد أن يقع في ضائقةٍ، كان يذهب إليه، وهذا حالٌ جيّدٌ. بالطبع يجبُ أن يكون الإنسان إلى جانب الآخرين في كلتا الحالتين، نحن لا نؤيّد أن يكون معهم في حالةٍ واحدةٍ فقط، لا، بل في كلتيهما. ولكن إن كان من المقرّر أن يأخذ المرء جانبًا واحدًا، فليأخذ هذا الجانب، لا أن يأتي عندما تُبسطُ المائدة، أما عندما يكون الآخر في ضائقةٍ، فيغيب عنه ولا يظهر له أثرٌ. للوصول إلى ذلك المنصب يتشبّث بهذا وذاك وهذا وذاك، ولكن بمجرّد أن يصل ينسى كلّ شيءٍ. كلا فقد وصل، وأصبح رئيسًا. أصبح نائبًا، أصبح وزيرًا، فلا حاجة به إلى الآخرين، وانتهى الأمر، فيذهب لشأنه.

  • يروي أحد الأصدقاء الأعاظم عن أحدهم، يقول: كان هناك فردٌ في مكانٍ ما يجيد الاستخارة جيّدًا، فقد كانت استخاراته وتفرّساته مقبولةً جدًّا، وكان لديه بعض البصيرة تجاه الأمور وأمثال ذلك. وكان هناك رجل في نفس المسجد الذي يصلّي فيه يأتي بانتظامٍ، كان يأتي دائمًا، وكان يعيش في ضائقةٍ. كان في ضائقةٍ شديدةٍ. فكان يأتي بانتظامٍ إلى المسجد ويأتي إلى المجلس ويجلس في الصفِّ الأوّل وهكذا، وكان يهتمّ كثيرًا بالحضور. وذات يوم التفت إليه صاحب البصيرة ذاك وقال له: يا فلان لماذا تأتي إلى هنا كثيرًا؟ لماذا؟! قال: يا حاجُّ أنا في ضائقة. فقال له: حسنًا، اعمل العمل الفلاني فتزول ضائقتك. فعمل بما أمره. وقال: منذ أن بدأت، رأيت فجأةً أنّ الوضع تغيّر، فذلك الذي كان يطالبني بالمال جاء وقال: لا بأس فليبقَ المال عندك قليلًا، وذلك الذي كنّا نريد منه المال جاء في اليوم التالي وأعطاني المال عند باب بيتي. وهكذا سائر الموارد، فبدأت الأمور تتحسّن. لقد تغيّرت فجأةً وبشكلٍ عجيبٍ ومدهش. فاشتريت كذا وكذا، واشتريت هذه الأرض وفعلنا كذا بتلك، وتحسّن عملي كثيرًا ولم يبقَ لديّ أيّ مشكلة. 

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

14
  • قال: ثمّ رأيت أنّ هذا لم يعد يأتي إلى المسجد، وذهب بلا عودةٍ. وقال: بعد ثمانية أشهرٍ أو تسعة أشهرٍ، جاء إلى منزلي، وقد أحضر علبة حلوى بوزن كيلو واحدٍ، من هذه الحلوى التي هي بهذا الحجم. من باب الشكر على رفع الضائقة الذي فعله الحاجُّ له، فوضع هذه الحلوى ومضى . قال الناقل: فأخذها هذا العالم بدوره وهو يضحك وقال: انظر إلى أهل الدنيا! هذا الذي لم تكن صلاته خلفنا تُترك. الآن بعد أن تحسّن عمله، أحضر علبة حلوى بوزن كيلو واحدٍ ليشكرني ثمّ وضعها وذهب. فليذهب وليكن سعيدًا. قال: الآن أستطيع أن أفعل شيئًا، أفعل أمرًا ما ليعود كلّ شيءٍ إلى ما كان عليه ولكن لا لن أفعل، دعه يكون سعيدًا في تلك الحالة، دعه لا يأتِي إلينا أصلًا، لا أريد أن تقع عيني على هؤلاء بعد الآن. لا أريد أن تقع عليهم من الأساس. فالناس هكذا، أهل هذا الجانب هكذا، أمّا الله فليس هكذا.

  • الله معك في السرّاء والضرّاء

  • هو مع الإنسان في الضائقة ويأتي إليه في الانسباط أيضًا، في كلّ مكانٍ. إن كنتَ في يُسرٍ وقلت: يا الله، يقول: لبّيك. وإن كنتَ في عُسرٍ وقلت: يا الله، يقول لبّيك أكثر. لأنّ التوجّه يكون أكثر في هذه الحالة، التوجّه أكثر. وهو يريد التوجّه فقط، يريد الالتفات فقط، يريد هذا فقط لا غير. ولكن لننظر إلى هذا الجانب نرى أنّ الأمر مختلف . ما نأخذه في الاعتبار في جانب الوحدة وفي جانب الحقّ وفي جانب التوحيد تجدون خلافه ومقابله في هذا الجانب. هناك حقٌّ وهنا ظلمٌ. هناك عدلٌ وهنا عدم إنصافٍ. هناك رحمةٌ وهنا قسوةٌ. هناك رأفةٌ وهنا جلب الانتباه نحو الذات. هناك توحيدٌ وهنا أنانيّةٌ. كلّ ما لاحظتموه من صفات الله هناك، ترون نقيضه في الناس. ولا فرق في هذه القضيّة يا عزيزي بين معمّمهم وغير معمّمهم وبين تاجرهم وبين سوقيّهم، بين الطبيب وبين المهندس وأمثالهم لا فرق أبدًا، لا فرق إطلاقًا. فما دامت هذه النفس باقيةً، فهذه المقابلة باقيةٌ. إذا زالت النفس من البين، زالت المقابلة وحلّت الوحدة، كائنًا مَن كان صاحبها، كائنًا من كان مَن كان. وفي أيّ مكانٍ تُرفع هذه المقابلة تحلّ الوحدة.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

15
  • دعوة العرفان أهل الأديان كلّهم إلى تحقيق الوحدة؟

  • العرفان يأتي ليرفع هذه المقابلة. السلوك يأتي ليرفع هذه المقابلة؛ فيصبح الجميع واحدًا، يتّحد المسلم مع المجوسيّ ومع المسيحيّ ومع اليهوديّ ومع كلّ هؤلاء، فيصبح الجميع واحدًا. يا يهوديُّ تعال! ولكن لا تأتِ بأنانيّتك، تعال ولتكن بيننا وبينك وحدةً. واترك الأنانيّة، والذاتيّة، والغرض الشخصيّ، والعناد، وطلب الشخصيّة، أنت يهوديٌّ، فلتكن ما تشاء. ويا نصرانيُّ تعال، ولكن لا تكن لديك أنانيّةٌ، لا تصرّ على كلامك، لا تكن ذا غرضٍ شخصيّ، وإن سمعتَ الحقّ فاعمل به. أهلًا وسهلًا ومرحبًا كما يقول العرب. مرحبًا بك. لقد جئنا نحن ومشينا.

  • ألم يقل أمير المؤمنين عليه السلام لذلك اليهوديّ: «یا أخَ الیهود». أيّها الأخ اليهوديّ! لماذا قال هذا الكلام؟ لأنّ اليهوديّ جاء بلا غرضٍ شخصيّ، جاء ليتّضح له الحقّ، جاء ليتّضح له الحقّ. ذلك الذي على المنبر لم يستطع أن يجيبه، أبو بكر ذاك لم يستطع أن يجيبه، فجاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام.فناداه بـ «یا أخَ الیهود» أيّها الأخ اليهوديّ، إن جئتَ لتعرف الحقّ، فهذا هو الحقّ. هو أخٌ. يناديه بالأخ، «یا أخَ الیهود». إن كنت نصرانيًّا، شيوعيًّا، مجوسيًّا، بوذيًّا، في أيّ فرقةٍ كنت، لا تكن لديك أنانيّةٌ، أنت إنسانٌ على أيّ حالٍ، هذا هو التوحيد. أليس لليهوديّ إلهٌ؟! هل نحن فقط الذين لدينا إلهٌ؟! هل نحن فقط لدينا إلهٌ؟!

  • مشاركة جميع أهل الأديان في تشييع مولانا جلال الدين الرومي

  • وصلني مؤخّرًا كتاب شيّق جدًّا عن أحوال مولانا جلال الدين الرومي، كنتُ أطالعه وكان فيه حكايةٌ شيّقةٌ جدًّا، تذكّرتها الآن. فمَن كان مولانا هذا؟ كان مولانا عارفًا. كان موحّدًا، لم يكن لديه غرضٌ شخصيّ. لم يكن يفكّر في نفسه. ولم يكن يفكّر في لباسه. كان يفكّر في مدرسته، التي هي مدرسة التوحيد. هذه الأخلاق وهذا السلوك، أثّرا لدرجةٍ أنّ كلّ قونية أصبحت مريدةً لمولانا، كلّ قونية. عندما توفّي مولانا، جلال الدين، جاء اليهود، جاء النصارى، جاء المسلمون، جاء الشيعة، جاء السنّة، جاء جميع الأفراد إلى تشييعه. منع المسلمون اليهود والنصارى وأدّى الأمر إلى الضرب والشتم. قالوا لهم: مولانا ليس لكم، مولانا مسلمٌ، فلماذا جئتم؟! قالوا: مولانا ليس لكم. أنتم رأيتم النبيّ صلّى الله عليه وآله في مولانا، ونحن رأينا موسى عليه السلام في مولانا، ونحن رأينا عيسى عليه السلام في مولانا. فكما تشيّعونه أنتم، نشيّعه نحن أيضًا، هو ليس لكم. كان للجميع، فانظروا! هل هذا النوع من التعامل مع الناس جيّدٌ أم من نوع آخر؟ اليهوديّ يقول: رأينا موسى عليه السلام في مولانا، في سلوك مولانا رأيناه، ثمّ جاء يقول: نحن نشيّع موسى عليه السلام. والمسيحيّ يقول: رأينا عيسى عليه السلام فيه وفي أخلاقه وسلوكه؛ فنحن نشيّعه أيضًا. فهو ليس لنا كمسلمين!

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

16
  • الإمام المهديّ عليه السلام للجميع: شرط الانتفاع به

  • الإمام صاحب الزمان ليس لنا فقط. ليس لشيعتنا فقط، لا! لا نتخيّل أنّ الإمام صاحب الزمان لنا. لا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يقول لنا الإمام هذا الكلام ويقول: بقدر ما أنا للبقيّة، لستُ لكم. وإلّا فالإمام صاحب الزمان للجميع. هو للشيعة وللسنّة ولليهود وللنصارى وللمجوس. الآن لو قال مجوسيٌّ في ذلك الطرف من الدنيا: يا صاحب الزمان، وكان قلبه متّصلًا به، فكأنّما قالها أحدكم، لا فرق أبدًا. ولكن ماذا يقول الإمام صاحب الزمان؟ يقول: كن مخلصًا، ادعُني بإخلاصٍ فأنا لك. لا تدُس على الحقّ، لا تقف في وجه كلام الحقّ. لا تواجه الحقّ. 

  • هؤلاء السنّة الموجودون، بعضهم عجيبون حقًّا. كان المرحوم العلّامة يقول: لا شيء يداويهم إلّا سيف الإمام صاحب الزمان ذو الحدّين، لا يصلحون بأيّ وجهٍ أصلًا. بأيّ وجهٍ! تقول له: هذا ماءٌ، فيقول: كلّا هذا حجرٌ. فماذا نقول له بعد ذلك؟ نقول: يا سيّد هذا ينسكب. يقول: لا، بل هو حجرٌ ينسكب، ما هو الماء؟ ما هو الماء؟ فهذا لا يمكن أن يقوّمه إلا السيف. ولكن الكثير من أهل السنّة هؤلاء بسطاء، لم يدركوا الحقّ، لا يعرفونه، جاهلون، لم يصل الأمر إلى أيديهم. فلماذا يجبُ أن يدخل هؤلاء إلى جهنّم؟! والحال في اليهود كذلك، والنصارى كذلك، جميعهم كذلك. ولو وصل الحقّ إليهم لعملوا به. فهذه التعاليم تعاليم أيّة مدرسة؟ إنّها تعاليم مدرسة التوحيد. فالعرفان هو التوحيد . والسلوك هو التوحيد.

  • ما هي حقيقة السالك؟

  • إذًا السالك هو الذي ينحو في طريقه في معرفة الله نحو التوحيد. يتوجّه نحو التوحيد في حياته. يسلك جانب التوحيد في تعامله مع رفقائه. يعمل على أساس جانب التوحيد لا جانب الكثرة. فإذا عمل على أساس الكثرة فلا يكون سالكًا في تلك اللحظة. في ذلك الوقت ليس سالكًا. أمّا من يبحث عن التوحيد في علاقته مع الناس. يبحث عن التوحيد في سلوكه مع الناس. فهذا يصبح ماذا؟ هذا يصبح سالكًا.

  • حسنًا، إن شاء الله نأمل أن يوفّقنا الله تعالى للفهم والإدراك والعمل والتأمّل وتحقّق هذه الأمور إن شاء الله. وتتمّة الكلام للجلسة القادمة.

كيف تكون المعرفة بالله هي الدليل الموصل إليه؟ - مسؤوليّة القرب من الأولياء وخطر تحريف الدين

17
  •  

  • اللَّهم صلِّ علی محمدٍ و آلِ محمدٍ