10

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟

الفرق بين العلم والمعرفة

125
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1426

التاريخ 1426/09/17

جلسات المجموعة(11 جلسة)
/۱٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ 

  • الفرق بين العلم والمعرفة

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثُّمالي ـ سنة ۱٤٢٦ هـ ـ الجلسة العاشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللّهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ

  • بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیمِ

  • و صلَّى‌ اللَهُ عَلَى سیِّدنا و نبیِّنا أبِي‌القاسم مُحَمَّدٍ

  • و علی آله الطَّیِّبین الطّاهرین

  • و اللَّعنةُ عَلَى أعدائِهم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • «معرفتي يا مولايَ دليلي عليكَ وحُبِّي لكَ شفيعي إليكَ»

  • ما هي المعرفة الحقيقية؟ وهل تختلف عن مجرد التصورات والمعلومات؟

  • ذُكرَ للرُّفقاءِ أَنَّ مسألةَ المعرفةِ عبارةٌ عن إدراكٍ وإحساسٍ باطنٍ، ولیستْ مجرَّدَ تصوُّراتٍ ومجموعةِ تصدیقاتٍ وخطراتٍ وذهنیَّاتٍ، فهذه لا تُسمَّى معرفةً. المعرفةُ عبارةٌ عن كیفیَّةِ الارتباطِ العلميِّ لِلإنسانِ بذلكَ المعروفِ والمعلومِ. وهذه المعرفةُ هي التي تدلُّ علَى المطلوبِ، لا مجرَّدَ التَّصرُّفاتِ والخطراتِ التي تحصلُ لِلإنسانِ. وذكرتُ اللَّیلةَ الماضیةَ أَنَّ الشَّریطَ الصَّوتيَّ لدیهِ الكثیرُ مِنَ المعرفةِ، والكثیرُ مِنَ المعلوماتِ. ولكن ما في الشَّریطِ لا روحَ فیه، وإنّما هي مفاهیمُ أُدرجتْ فيه علَى هیئةِ صوتٍ، فالآن أنا أتحدَّثُ للرُّفقاءِ، والرُّفقاءُ ینتبهونَ لكلامي ویستمعونَ، فما یخرجُ مِنْ فمي عبارةٌ عن أصواتٍ، هو صوتٌ، لا شيءَ غیرَ هذا. أمَّا أنا نفسِي، هل أعترفُ بهذه الأُمورِ أَمْ لا؟ فتلْكَ مسألةٌ أُخرَى. قد أقبلُ هذه الكلماتِ التي أقولُها للرُّفقاءِ، وقد لا أقبلُها، فأقولُ لأنَّ الرُّفقاءَ طلبوا منِّي، فلنقضِ لیاليَ شهر رمضانَ بهذه الكلماتِ، یمكنُ أَنْ یكونَ الأمرُ هكذا أیضًا . أنا نفسِي لا أقبلُ كلماتي، كقولِ ذلكَ اليهوديّ الذي كانَ یُؤذِّنُ لِلمسلمینَ، فیقولُ: علَى قولِ المسلمینَ اشهد أَنَّ محمَّدًا رسولُ اللّهِ، علَى قولِ المسلمینَ. حسنًا، استأجروهُ وأعطوهُ مالًا، وهو أیضًا جاءَ یُؤذِّنُ. لا أعرفُ هل هذا الأذانُ الذي یُبثُّ مِنَ الإذاعةِ، أحیانًا مثلاً في السَّحرِ ونحوهِ، ویقولونَ فلانٌ، الأفرادُ الذینَ لیسوا إیرانیِّینَ، هل هم أیضًا مِنْ هذا القبیلِ، أَيْ أُعطوا مالًا، أَمْ أَنَّ هذا حقًّا آذان؟ لأنّهم یقولونَ "اشهدوُ أَنَّ علیًّا وليُّ اللّهِ. هؤلاء سُنَّةٌ، ولیسوا شیعةً. حسنًا، في النِّهایةِ المالُ یحلُّ المشاكلَ، ویُصلحُ كلَّ شيءٍ. یقولونَ دینُنا عینُ سیاستِنا، یقولونَ المالُ یُصلحُ كلَّ شيءٍ، وإلَّا فمِنَ المستبعدِ أَنْ یكونوا شیعةً. هؤلاءِ یقولونَ "أشهدُ أَنَّ علیًّا وليُّ اللّهِ. أتعجَّبُ، أظنُّ أنَّهُ سُنِّيٌّ، فلماذا قضیَّتُهُ هكذا؟ علَى كلِّ حالٍ... .

  • هل صوت المتكلم يختلف عن صوت المسجل؟ وأين يكمن الفرق الجوهري؟

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

3
  • هذا الصَّوتُ الذي یخرجُ مِنْ فمِ الإنسانِ، هذا الصَّوتُ الذي یخرجُ مِنْ فمي، هو صوتٌ. لا یختلفُ أبدًا عن ذلكَ الصَّوتِ الذي یخرجُ مِنْ جهازِ التَّسجیلِ. الآن هذه الأجهزةُ التي تُسجِّلُ صوتي، لاحقًا تستمعونَ إلیهِ، عندما تسمعونَ هذا الصَّوتَ تقولونَ: السَّیِّدُ یقولُ هذا الكلامَ، حسنًا، أنا لا أقولُهُ، بل جهازُ التَّسجیلِ هو الذي یقولُهُ، ولكنَّكم تقولونَ هو الذي یقولُ. هذا صوتٌ. هذا الصَّوتُ لهُ مفهومٌ. إلَى أَيِّ مدًى یدلُّ هذا المفھومُ علَى المطلوبِ؟ الحدیثُ في هذا. إلَى أَيِّ مدًى یدلُّ علَى المطلوبِ؟ 

  • قصة الخطيب البليغ المنحرف: هل يكفي حسن البيان لإثبات الصلاح؟

  • حقًّا یجبُ علَى الإنسانِ أَنْ یلجأَ إلَى اللّهِ. یرَى الإنسانُ شخصًا بلیغًا، خطیبًا، حسنَ الحدیثِ، حسنَ البیانِ، مُلمًّا بِالموضوعِ تمامًا، يحيط بالموضوعِ تمامًا، یُؤدِّي حقَّ الموضوعِ تمامًا. كنتُ یومًا مع المرحومِ العلَّامةِ في مجلسٍ، وكانَ هناكَ عددٌ مِنَ العلماء، بعضُ هؤلاءِ العلماء الحالیِّینَ الذینَ هم في موقعِ المسؤولیَّةِ كانوا موجودینَ، في زمنِ الشَّاهِ، في ذلكَ الزَّمانِ السَّابقِ، لیسَ في هذا الزَّمانِ الجدیدِ. كانَ الحدیثُ عن فردٍ یعرفُهُ الجمیعُ، كانَ خطیبًا. یرتدي بدلةً. یتحدَّثُ ویكتبُ كتبًا، وكانَ منحرفًا جدًّا، منحرفًا جدًّا. كانَ الحدیثُ عنهُ وجرت مقارنةٌ بینَهُ وبینَ الخطیبِ المعروفِ في ذلكَ الوقتِ المرحومِ الشيخ فلسفي، كانوا یقارنونَ. جمیعُ الأفرادِ اتَّفقوا علَى أنَّهُ لو أُعطینا موضوعًا لِلشيخ فلسفي ولِهذا الرجل، لكانَ هذا الرجل أقدرَ علَى بیانهِ. رجلٌ حليقُ اللِّحیةِ، یرتدي ربطةَ عنقٍ ویتحدَّثُ في الحسینیَّةِ. یروّجُ لِلإمامِ الحسینِ علیهِ السَّلامُ بربطةِ عنقٍ ولحیةٍ حلیقةٍ. الجمیعُ كانوا یقولونَ، كانَ هناك اتِّفاقٌ علَى أنَّهُ أقدرُ علَى تناولِ هذا الموضوعِ ، مع أَنَّ المرحومَ الشيخ فلسفي كانَ خطیبًا بلیغًا جدًّا، وحسنَ الحدیثِ جدًّا، وكانَ حقًّا مِنَ النَّادرینَ في القدرة على بیانِ الأُمورِ. ولكن علَى كلِّ حالٍ، المسألةُ هكذا، ولكن قلب ذاك الخطيب كالَّلیلِ المظلمِ، أسودُ، أسودُ، أسودُ، لماذا؟ لأنَّهُ هو نفسُهُ لا یعتقدُ بِالأُمورِ التي یقولُها. هي لعبةٌ، تمثیلٌ، مسرحٌ. لا یعتقدُ. یأتي لیتحدَّثَ عن الإمامِ الحسینِ علیهِ السَّلامُ ساعةً أَو ساعتَینِ، وأحیانًا یطولُ الحدیثُ ثلاثَ ساعاتٍ، ویعرِّفُ بنهجِ الإمامِ الحسینِ علیهِ السَّلامُ ومدرسته. فماذا كانَ نهجُ الإمامِ الحسینِ علیهِ السَّلامُ ومدرسته؟ إقامةُ الصَّلاةِ وإقامةُ العدلِ وإحیاءُ ولایةِ أبیهِ أمیرِ المؤمنینَ علیهِ السَّلامُ. «أُریدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهى عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَسِیرَ بِسِیرَةِ جَدِّي وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ»۱. ألم یكنْ هكذا؟ ألم ینهضِ الإمامُ الحسینُ علیهِ السَّلامُ یومَ عاشوراءَ وقتَ صلاةِ الظُّهرِ وصلَّى في أثناءِ الحربِ، ألم یكنْ كذلكَ؟ حینئذٍ هذا السَّیِّدُ نفسُهُ لا یصلِّي. نُقلَ شاهدُ عیانٍ لِوالدِنا، وهو المرحومُ المطهّريُّ نفسُهُ، وكنتُ حاضرًا، أنَّهُ قالَ: أنا علَى یقینٍ أَنَّ هذا الرجل لا یصلِّي. أنا بنفسِي سمعتُ. وماذا عن كلامهِ؟ لا یعتقدُ بهِ. یأخذُ مالًا ویتحدَّثُ. یتحدَّثُ في هذا المجلسِ ویتحدَّثُ في ذاكَ المجلسِ. كم ستدفعونَ أكثرَ؟ هنا كم ستدفعونَ أكثرَ؟ نذهبُ. ما شاءَ اللّهُ كم یتحدَّثُ بشكلٍ جمیلٍ، ما شاءَ اللّهُ كم یتحدَّثُ بشكلٍ جیِّدٍ، ما شاءَ اللّهُ كم یتحدَّثُ بشكلٍ رائعٍ!

    1. لمعات الحسين ص ۱۱. 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

4
  • ما هو تأثير كلام من لا يعتقد بما يقول؟

  • ولكن كانَ عجيبًا، عجيبًا. هؤلاءِ الذینَ كانوا یذهبونَ لِلاستماعِ إلَى حدیثِه، عندما كانوا یخرجونَ، كانوا كالحیوانات الممسوخِة. كانوا ممسوخینَ، مُرتبِكینَ. عندما كنتُ أتحدَّثُ معهم، كنتُ أرَى أنَّهم أصلًا لا یفهمونَ، لم یكونوا یفهمونَ! لم یكونوا یفهمونَ. كنا نتحدَّثُ فیقولونَ شیئًا آخرَ. یعني عندما كانَ یتحدَّثُ هذا الرجل... وهذا الأمرُ العجیبُ واضحٌ في كتبهِ أیضًا. تقرأُ صفحةً مِنْ كتبهِ فیأخذُكَ الظَّلامُ والكدرُ لدرجةِ أنَّكَ تریدُ أَنْ ترميَ الكتابَ. كیفَ تُؤثِّرُ نفسُ الإنسانِ مع بیانهِ وبنانهِ، كیفَ تأتي هذه النَّفسُ وتُؤثِّرُ؟ فهذا الذي یقولونَهُ: لا تقرأوا أَيَّ شيءٍ، لا تقرأوا أَيَّ مقالةٍ، لا تستمعوا لأَيِّ كلامٍ، لا تنظروا إلَى كلامِ أَيِّ متكلّم، هو لِهذا السَّببِ. لا یقلِ الإنسانُ: لا يا سیِّدي! نذهبُ ونتحدَّثُ ونستمعُ ونحلِّلُ ونمیِّزُ الصَّحیحَ مِنَ السَّقیمِ، لا، فذلكَ التَّأثیرُ یقعُ. أحیانًا تقتضِي الضَّرورةُ، نعم، أنا أیضًا قرأتُ معظمَ كتبِ هذا الرجل لأنَّ الضَّرورةَ كانتْ تقتضِي، مع أنَّني تكدَّرتُ أیضًا، ولكن مع ذلكَ قرأتُ، حسنًا، هذه مسألةٌ. ولكن لا أَنْ یتطفَّلَ الإنسانُ هنا وهناكَ، لنرَ ماذا هناكَ، ولنرَ ماذا هنا. لنرَ هذا هنا وذاكَ هناكَ، یأخذُ مِنَ الإنسانِ، ینتزعُ، یقتطعُ جزءًا. یسلبُ مِنَ الإنسانِ، یقتلعُ مِنَ الإنسانِ، مِنْ قلبِ الإنسانِ یقتلعُ بِاستمرارٍ. كالَّلیلِ المظلمِ. أسودُ، لأنَّهُ لا یعتقدُ. لِنتحدَّثْ ثلاثَ ساعاتٍ عن حضرةِ الزَّهراءِ عليها السَّلامُ ونُلقِيَ محاضرةً ونقدِّمَ مؤتمرًا، مَنْ كانتْ فاطمةُ الزَّهراءِ عليها السَّلامُ؟ هي التي قالتْ إنَّ خیرَ نساءِ العالمینَ هي المرأةُ التي لا ترَى رجلًا ولا یراها رجلٌ. هذا كلامُ حضرةِ الزَّھراءِ عليها السَّلامُ. فهل قالتِ الحقَّ؟ لا أعلمُ. نعوذُ بِاللّهِ، نعوذُ بِاللّهِ، هل أخطأتْ؟ لا أعلمُ، هذا الكلامُ كلامُ حضرةِ الزَّهراءِ عليها السَّلامُ. الآن هذا الرجل نفسُهُ، یجبُ أَنْ یرَى الجمیعُ أقربَ محارمهِ بِلا حجابٍ. حسنًا، أَيُّ حضرةِ زهراءَ هذه التي تتكلّم عنها أنت؟ أَيُّ مؤتمرٍ هذا التذي تقيمه؟ وأَيُّ حدیثٍ هذا؟ وأَيُّ تبلیغٍ هذا؟ بمَنْ تسخرونَ؟ أَيُّ تبلیغٍ هذا؟ 

  • هل اختُزلت الشريعة في جانب الجهاد والسياسة فقط؟

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

5
  • لقد جئنا ولخَّصنا كلَّ معرفةِ الشَّریعةِ في جانب واحدٍ فقط، جانب الجهادِ فقط، جانب السّیاسةِ فقط. كأَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللّهُ علیهِ وآلهِ حتَّى إمامَ الزَّمانِ علیهِ السَّلامُ إلَى زمانِنا هذا لم یعرفوا شیئًا سوَى الجهادِ یضربونَ، ويهرُبونَ، ویفعلونَ كذا، مثلَ المغیرينَ هنا وهناكَ، لا عملَ آخر لديهم، لا یصلُّونَ ولا یحجُّونَ ولا یدعونَ، ولا یستغیثونَ، لا یبتهلونَ، ولا یبكونَ، ولا یقولونَ يا اللّهُ، لا یذكرونَ الله، لا شيء، لا شيء، لا یعرفونَ أَيَّ عملٍ هؤلاءِ، فقط الجهادُ. ولو أَنَّ أحدَ الأئمَّةِ عليهم السَّلامُ، لا سمحَ اللّهُ، لا سمحَ اللّهُ، لا سمحَ اللّهُ، قصَّرَ في أحدِ هذه المیادینِ الجهادیَّةِ، ولو قلیلًا، لنشأ لدينا قلقٌ واضطرابٌ وقلنا: ما هذا ولنرَ ما الأمرُ ولعلَّ خطأً قد وقعَ! لعلَّ...! لو أردنا أَنْ نُرفقَ بذلكَ الإمامِ كثیرًا، نقولُ: لم یستطعْ أَنْ یُؤدِّيَ واجبَهُ كما یجبُ، لم یستطعْ، لم تكنِ الظُّروفُ مواتیةً لهُ، خلاصةَ القولِ، عندما نُریدُ أَنْ نردَّ علَى الإمامِ السَّجَّادِ علیهِ السَّلامُ بِأدبٍ، نعبِّرُ هكذا، بِأدب! 

  • فما حال هذا؟ إنّه لا یملكُ معرفةً. ركَّزَ مجموعةً مِنَ الأُمورِ في ذهنهِ ثُمَّ یأتي لیلعبَ بهذه التَّخیُّلاتِ، یلعبَ مسرحیَّةً، یُمثِّلَ. غایةُ المسألةِ هي هذه، وهي مؤسفةٌ جدًّا، مُخجلةٌ ومؤسفةٌ جدًّا، أَنْ نشاهدَ ونرَى أنَّهُ في بعضِ الأوقاتِ، تصلُ إلَى أسماعِنا أَو تُرى تأییداتٌ لأُمورِ هذا الرجل مِنَ البعضِ! فلنتجاوز عن هذا. 

  • ما هي حقيقة المعرفة وكيف تتحقق في القلب؟

  • هذه المعرفةُ عبارةٌ عن تلكَ الحقائقِ العلمیَّةِ التي یضعُها اللّهُ تعالَى في قلبِ الإنسانِ تُجاهَ نفسهِ وتُجاهَ أسمائهِ وصفاتهِ، وتلكَ الحقائقُ العلمیَّةُ تتسبَّبُ في توجیهِ الرُّوحِ نحو تلكَ الحقائقِ والوقائعِ. هذا هو السَّببُ. «العلمُ نورٌ یقذفُهُ اللّهُ في قلبِ مَنْ یشاءُ العلمُ»۱، نورٌ المعرفةُ نورٌ یُلقیهِ اللّهُ في قلبِ مَنْ یشاءُ. 

  • تقدّم للرُّفقاءِ في اللَّیالي الماضیةِ أَنَّ الاطِّلاعَ علَى المباني الحكمیَّةِ والفلسفیَّةِ یفتحُ طریقَ الإنسانِ نحو المقصودِ ونحو المحبوبِ، والاطِّلاعَ علَى المباني العرفانیَّةِ یُنیرُ قلبَ الإنسانِ ویجلوه ویُهیِّئُ أفكارَ الإنسانِ لِلحقائقِ المكنونةِ والمخزونةِ ویُنیرُها. فمَنْ لم یدرسِ الفلسفةَ، لو درسَ الفقْهَ ألفَ عامٍ، لا یستطیعُ أَنْ یفهمَ خصوصیَّاتِ اللّهِ تعالَى. مسائلُ الزَّكاةِ والخُمسِ والتِّجارةِ ما علاقتُها بمعارفِ ومبادئِ المبدأِ والمعادِ؟ ما علاقتُها؟! مسائلُ الطَّهارةِ والنَّجاسةِ والاستصحابِ والتَّذكیةِ وعدمِ التَّذكیةِ والطَّهارةِ ما علاقتُها بمباني المبدأِ والمعارفِ الإلهيَّةِ؟ هي أحكامٌ تتعلَّقُ بِالجوارحِ ولا علاقةَ لها بِالجوانحِ. وعلَى الإنسانِ أَنْ یسیرَ في حیاتهِ في هذه الدُّنیا وفقَ المسلكِ الصَّحیحِ الذي حدَّدهُ الشَّرعُ وهو الفقْهُ نفسُهُ، ولكنَّ المسائلَ الاعتقادیَّةَ لا علاقةَ لها بهذا. لا علاقةَ لها، یجبُ أَنْ یبحثَ عن شيءٍ آخرَ.فلو درسَ الفقْهَ ألفَ عامٍ، لن یعرفَ اللّه؟ ما هي الأسماءُ الإلهیَّةُ؟ ما هي الصِّفاتُ الإلهيَّةُ؟ فهل هذه الأُمورُ موجودةٌ في الفقْهِ؟ هل هذه الأقوالُ هي في الفقْهِ؟! هل هذه الأقوالُ هي في الأُصولِ؟! ما لم تُدركْ جیِّدًا مسألةَ قاعدةِ "بسیطِ الحقیقةِ" فلا یمكنُكَ أَنْ تشاهدَ جانبَ الوحدةِ في الكثرةِ. ما لم تصلْ إلَى قانونِ العلِّیَّةِ، فلا یمكنُكَ أَنْ تُدركَ مسألةَ اتِّحادِ الاسمِ والرَّسمِ مع الذَّاتِ وتوحیدَ الأسماءِ وتوحیدَ الأفعالِ. ما لم نصلْ إلَى قاعدةِ صرافةِ الوجودِ في الفلسفةِ والعرفانِ النَّظريِّ، فلا یمكنُنا أَنْ نفهمَ آیاتِ القرآنِ {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهرُ وَالْبَاطِنُ}٢، بماذا تُفهمُ هذه؟ هل تُفهمُ برواياتِ الزَّكاةِ؟ هل تفهم هذه الآیاتُ برواياتِ الغلَّاتِ؟ هل تُفهم أَمْ أنَّها تحتاجُ إلَى مفتاحٍ آخرَ، وطریقٍ آخرَ؟ 

    1.  مصباح الشريعة، ص ۱٦
    2. سورة الحدید (٥۷) الآیة ٣.

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

6
  • هل تكفي القراءة والمطالعة لتحصيل المعرفة الحقيقية؟

  • ولكنَّ الحدیثَ هو أنّه هل تكفِي مجرَّدُ القراءةِ والمطالعةِ أَمْ لا؟! بل یجبُ أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مصحوبةً بِالتَّوجُّهِ حتَّى یُؤدِّيَ ذلكَ التَّوجُّهُ إلَى استجلابِ النُّورِ ویركِّزَ هذه الحقائقَ في النَّفسِ ویحفرَها. كم مِنْ الناس كانوا من أهلَ الفلسفة وضلُّوا الطَّریقَ؟ إلَى ما شاءَ اللّهُ. كانوا أساتذة في الفلسفة، ولكنَّهم وقعوا في الانحرافاتِ، وانجرُّوا إلَى الانحرافاتِ. كم مِنْ الناس انتهَى بهم المطافُ إلَى المادَّةِ والمادیَّاتِ! وهذا الطَّرفِ وذاكَ وإلى الخارجِ وأمریكا! وانشغلوا بالمقام والموقع والأمر والنهي، وهم أنفسُهم كانوا من أهل الفلسفة وأساتذة في الفلسفة أیضًا؟ نعم؟ كم مِنْ الأفرادِ كانوا كذلك! 

  • قصّة طالب الشفاء مع الأستاذ الفيلسوف المنغمس في الدنيا: هل يمكن أخذ العلم ممن لا يطبّقه؟

  • قالَ أحدُهم ذهبنا إلَى فلانٍ لِأخذِ درسٍ، كانَ في مكانٍ ما. كانَ مِنْ هؤلاءِ الذینَ قضوا معظمَ عمرِهم في الخارجِ وأمریكا وأُوروبَّا، وإلقاءِ المؤتمراتِ في لندنَ والمؤتمراتِ في أمریكا، ومِنْ هذه الألاعیبِ التي لا تُساوي مائةٌ منها قرشًا واحدًا، وبِاسمِ التَّكلیفِ الشَّرعيِّ ینحرفُ الإنسانُ بكلِّ الطُّرقِ، وهذا الطَّرف وذاكَ الطَّرف، والالتذاذات النَّفسیَّة، ویبرِّرُ لنفسهِ بِالتَّكلیفِ الشَّرعيِّ. تریدُ أَنْ تشتهرَ، يا عزیزي، فاجلسْ في مكانِكَ. اجلسْ في بیتِكَ. تریدُ أَنْ تبلِّغَ، یمكنُكَ التَّبلیغُ في قُمَّ نفسِها، وفي طهرانَ أیضًا یمكنُكَ، وفي مشهدَ أیضًا یمكنُكَ، هل یجبُ حتمًا أَنْ تذهبَ إلَى بلادِ الكفرِ ومحلِّ العیَّاشینَ والمستعمرینَ والظَّالمینَ، وهناكَ یجبُ أَنْ تبلِّغَ حتمًا؟ ما هي النَّتیجةُ؟ قالَ: ذهبنا إلیهِ لِنأخذَ درسَ الشِّفاءِ، وعندما دخلنا منزلَهُ، وجدنا أنّه ـ ما شاءَ اللّهُ ما شاءَ الله! ـ وضعَ أریكةً في منزلهِ قیمتُها عدَّةُ ملایینَ، وجلسَ علَيها، وقد نزعَ عمامتَهُ عن رأسهِ وارتدَى روب الحمّام، ووضعَ ساقًا علَى الأخرَى، ثُمَّ هنا تمثالُ كذا وهناكَ تمثالُ فینوسَ وهناكَ تمثالُ فلانٍ. فهذا الرجل أرادَ أَنْ یُدرِّسَنا كتاب الشفاء لابنِ سینا! قسمَ الإلهیَّاتِ! قالَ: في هذه النِّصفِ ساعةٍ التي جلسناها لم نطرحِ الموضوعَ أصلًا. استحوذَ علینا مِنَ الكدرِ والظُّلمةِ منهُ ومِنْ حدیثهِ لدرجةِ أنَّنا بعدَ نصفِ ساعةٍ قلنا: سیِّدي، جئنا لِزیارتِكَ لم نطرحْ أصلًا لماذا جئنا إلَى هنا؟ كانوا عدَّةَ أشخاصٍ، فهنضوا وخرجوا. فمَنْ كانَ هذا الرجل؟ كانَ أوَّلَ مدرِّسٍ لِلفلسفةِ والأسفارِ، وفلسفةِ الغربِ، حسنًا، كانَ فلانًا! وقد توفِّيَ الآن رحمهُ اللّهُ، مهما كانَ. حسنًا، ما حقيقة الأمر؟ مجموعةُ محفوظاتٍ بِلا نورٍ. كلُّ الأحادیثِ تدورُ حولَ إلقاءِ النَّدوةِ الفلانیَّةِ في لندنَ عن وحدةِ الوجودِ، وإقامةِ الجلسةِ الفلانیَّةِ في كندا عن الشُّهودِ في عرفانِ محیي الدِّینِ، والمشاركةِ في المؤتمرِ الفلانيِّ لِلأدیانِ في أمریكا! كلُّ الأحاديث. فيا عزیزي، أینَ تلك الأبحاث التي درستها؟ هذه الأُمورُ التي قرأتَها، إلَى أینَ أدَّتْ في النِّهایةِ؟ أنتَ الذي تقضِي كلَّ وقتِكَ في مؤتمرِ كذا وكذا وأشیاءَ أُخرَى، في إقامةِ النَّدواتِ وهذه الأُمورِ! ماذا بقِيَ في النِّهایةِ لديك؟! 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

7
  • قصة الأستاذ الجامعي وكتب المرحوم العلامة: لماذا تؤثر كتب العرفاء أكثر من غيرها؟

  • ذهبَ أحدُ الرُّفقاءِ، حفظَهُ اللّهُ، إلَى طهرانَ لِزیارةِ أحدِ الأفرادِ المعروفینَ جدًّا. جامعيٌّ، مِنْ أساتذةِ الجامعةِ، وشخصٌ معروفٌ جدًّا في الفلسفةِ والعرفانِ وهذه الأُمورِ، ويبدو أنّ لدیهِ أبحاثًا وتحقيقًا. فالتقَى بهِ، وقالَ كلامًا جیِّدًا. عندما علمَ أنَّهُ مرتبطٌ بمدرسةِ المرحومِ العلَّامةِ وكتبِ المرحومِ العلَّامةِ وأمثالِ ذلكَ، قالَ: سأقولُ لكَ شیئًا. قالَ: أنا لا أعرفُ ما القضیَّةُ؟ نحنُ بكلِّ هذه الفخفخةِ والأُبّهةِ، ونذهبُ إلى هنا ونذهبُ إلى هناكَ، ونُترجمُ الكتبَ. ونُقیمُ النَّدواتِ والمؤتمراتِ في العرفانِ والفلسفةِ ونكتبُ الكتبَ، لا نعرفُ ما حقيقة الأمرُ، إنَّ كتبَ السَّیِّدِ الطِّهرانيِّ هذه تهدِي الناس وتُخرجُهم مِنَ الظُّلمةِ إلَى النُّورِ وتُنقذُهم مِنَ الحَیرةِ، وإنَّ خمسینَ كتابًا مِنْ كتبِنا لا یستطیعُ واحدٌ منها أَنْ یفعلَ هذا. لا نعرفُ سرَّ القضیَّةِ! كلامُهُ یُغیِّرُ الناس مِنْ هذا الطَّرفِ إلَى ذاكَ، ونحنُ مهما تحدَّثنا فإنَّ حديثنا یخرجُ فقط مِنْ أفواهنا ولا يؤثّر شیئًا.ولا نعرفُ السِّرَّ في ذلك. قالَ هذا رجلٌ یرتدي بدلةً، یرتدي بدلةً ومِنْ أهلِ هذه الأُمورِ. لماذا؟ لأنَّ كلامَهُ فیهِ نورٌ. هذا هو السَّببُ. كلامُهُ فیهِ نورٌ. وبینَ اللّهِ الذي تتحدّث عنه أنتَ واللّهِ الذي يتحدّث عنه السَّیِّدُ الطِّهرانيُّ فرقٌ كبیرٌ. بینَ الأمرِ الذي تقولُهُ أنتَ والأمرِ الذي یقولُهُ هو فرقٌ كبیرٌ، فرقٌ كبیرٌ جدًّا. 

  • قصة المرحوم العلامة والمرحوم المطهري حول الرثاء في كتاب المعاد: ما سر ارتباط المعرفة بالولاية؟

  • كنَّا جالسینَ ذاتَ یومٍ في طهرانَ، وجاءَ الشيخ مطهَّري رحمهُ اللّهُ لِزیارةِ المرحومِ العلَّامةِ. كانَ یأتي مرَّةً كلَّ أُسبوعٍ، طبعًا في البدایةِ، ولكن في الأواخرِ صار يأتي مرَّةً كلَّ أُسبوعَینِ. وذاتَ یومٍ كانَ یتحدَّثُ عن كتابِ معرفة المعادِ لِلمرحومِ العلَّامةِ، والذي یوجدُ في نهایتِهِ رثاءٌ بعدَ كلِّ مجلسٍ. فكانَ یتحدَّثُ عن هذا، وقالَ لِلمرحومِ العلَّامةِ: "سیِّدنا، لو حذفتم هذه المراثيَ في أواخرِ المجالسِ، لأصبحَ الكتابُ أكثرَ إیجازًا وتنظیمًا، وخلاصة القولِ تقتصرُ الأُمورُ علَى البحثِ العلميِّ وهذه الأُمورِ. فقالَ لهُ المرحومُ العلَّامةُ: لن أحذفَ كلمةً واحدةً مِنْ تلكَ المراثي التي كتبتُها، كتابي هو هذا. فماذا یعني هذا؟ هذا الكلامِ الذي نقلتُهُ الآن عن المرحومِ العلَّامةِ والشيخ مطَهّري رحمهُ اللّهُ .

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

8
  • فلنجلسْ أیُّها الرُّفقاءُ ونُفكِّرْ فنصل إلَى أُمورٍ كثیرةٍ، كثیرةٍ جدًّا. ماذا كانَ في ذهنِ المرحومِ العلَّامةِ عن الرِّثاءِ؟ ماذا كانَ في ذهنهِ؟ أَيَّ هدفٍ كانَ یسعَى إلیهِ مِنْ كتابةِ المعارفِ؟ أَيَّ هدفٍ كانَ یسعَى إلیهِ؟ في أَيِّ حالٍ وجوٍّ كانَ المرحومُ العلَّامةُ عندَ كتابةِ هذه الأُمورِ؟ وفي أَيِّ حالٍ وجوٍّ هم الآخرونَ؟ نعم؟! فهل أدرك الرُّفقاءُ أَمْ لا؟ أَمْ یجبُ أَنْ أُوضِّحَ؟ لا، أدركتم، فهمتم. نحن نقولُ حسبَ فهمِنا: المرحومُ العلَّامةُ كانَ یعتبرُ رثاءَ سیِّدِ الشُّهداءِ علیهِ السَّلامُ حالًا وجوًّا ونورًا یُعطَى لِلحقائق التي كتبَها في هذا المجلسِ، لماذا؟ كلُّ هذه الأُمورِ یجبُ أَنْ یكونَ إمضاؤُها بِإمضاءِ الولایةِ. الولایةُ یجبُ أَنْ تُمضِيَ نهاية الأمرِ. فإن أمضتْ، یصبحُ هذا الأمرُ نورًا، وإن لم تُمضِ، یصبحُ مثلَ سائرِ الأُمورِ. الأمرُ الذي یكونُ سندُهُ الولایةَ، تلكَ الفلسفةُ، ذلكَ الفقْهُ، ذلكَ التَّفسیرُ، ذلكَ الأُصولُ، ذلكَ التَّاریخُ، ذلكَ العرفانُ، ذلكَ العرفانُ النَّظريُّ الذي سندُهُ الولایةُ ویعتمدُ علَى الولایةِ، یعتمدُ علَى الإمامِ علیهِ السَّلامُ، هو الذي لهُ قیمةٌ، وإلَّا یصبحُ ماذا؟ ذكرتُ لكم تمثیلًا. التَّمثیلُ هو هذا. فهل تذكرونَ ما ذكرتُهُ لكم قبلَ بضعِ لیالٍ؟ وإلَّا یصبحُ خطاب ذلكَ السَّیِّدِ نفسِهِ. هو نفسُهُ لا یصلِّي، ثُمَّ یأتي ویُقیمُ ندوةً لمدَّةِ ثلاثِ ساعاتٍ عن الإمامِ الحسینِ علیهِ السَّلامُ. أحدُ الرُّفقاءِ لیس حاضرًا هنا، وهو في إحدَى المحافظاتِ، قالَ لي بنفسهِ: ذهبتُ لیلةً إلَى محاضرة لهذا الرجل وكنتُ قد صلَّیتُ قبل أن يشرع، فكانَ یُلقِي محاضرةً حتَّى السَّاعةِ الحادیةَ عشرةَ والنِّصفِ، وعندما انتهى أحاط به الناس وبدأوا یتحدَّثونَ، فقلتُ لهم: يا جماعة، إنّه لم یُصلِّ، فاسمحوا لهُ أَنْ یذهبَ لیُصلِّيَ. فخرجَ أحدُهم وقالَ: يا سیِّدي، تنویرُ الأفكارِ أوجبُ مِنَ الصَّلاةِ، ولم یُصلِّ وقضَى صلاتَهُ. شاهدُ عیانٍ آخرُ قالَ لي. حسنًا الآن، ثلاثَ ساعاتٍ ليست بشيء، فلنفترضْ أنَّهُ أقامَ ندوةً عن الإمامِ الحسینِ علیهِ السَّلامُ ثلاثینَ ساعةً، أو مؤتمرًا، فلا شيء، ما الفائدةُ؟ فهذا لا نورَ فیهِ. لا نورَ فیهِ. هو حدیثٌ، تسلیةٌ، قضاءُ وقتٍ. انظروا إلَى الذینَ یخرجونَ من مجلسه، انظروا ماذا ترونَ في وجوههم؟ هل ترونَ نورًا أَمْ لا؟ لا، كلُّ مَنْ یخرجُ تراهُ ممسوخًا ویخرجُ. ممسوخًا. 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

9
  • مثال هتلر: هل قوة التأثير دليل على الصلاح؟

  • هتلرُ، رئيس ألمانیا، یقولونَ إنَّهُ كانَ عجيبًا جدًّا في الحدیثِ. كانتْ لهُ نفسٌ قویَّةٌ جدًّا أیضًا، وكانَ یتحدَّثُ بجاذبیَّةٍ وهیبةٍ ونفوذٍ كبیرٍ. كانَ ساحرًا في حدیثهِ لدرجةِ أَنَّ الناسَ عندما كانوا یخرجونَ مِنْ حدیثهِ ـ كانَ یتحدَّثُ أحیانًا ساعتَینِ، ساعتَینِ ونصفٍ ـ عندما كانوا یخرجونَ لم تكن لدیهم مشاعرُ، كانوا یفعلونَ أَيَّ شيءٍ یقولُهُ، كأنَّهُ كانَ ینوِّمُهم مغناطیسیًّا. كانَ هكذا. حسنًا الآن، فهل هذا إنسانٌ جیِّدٌ؟! فلأنَّهُ یفعلُ هذا هل هو إنسانٌ جیِّدٌ؟! كلاّ يا سیِّدي، هو أوَّلُ جلَّادٍ، أوَّلُ ظالمٍ، أوَّلُ فاسدٍ. لقد جرَّ العالمَ كلَّهُ إلَى الخرابِ والدِّماءِ. لیسَ إنسانًا جیِّدًا. 

  • متى يكون العلم (التفسير، الفلسفة، العرفان) ذا قيمة حقيقية؟

  • ذلكَ التَّفسیرُ الذي لهُ قیمةٌ هو الذي لُوحظَ فیهِ الاتِّصالُ بِالولایةِ.و تلكَ الفلسفةُ التي لها قیمةٌ هي التي تكونُ نتیجتُها تثبیتَ الولایةِ، هذع هي التي لها قیمةٌ، وإلَّا فالفلسفةُ لا قیمةَ لها. حسنًا، اللّهُ واحدٌ، حسنًا، نعم هو موجودٌ، سواءٌ علمنا أَمْ لم نعلمْ، هو موجودٌ، فما فائدةُ ذلكَ لنا؟ ذلكَ العرفانُ النَّظريُّ الذي لهُ قیمةٌ هو الذي یربطُ فیهِ الإنسانُ نفسَهُ بصاحبِ الولایةِ، بِإمامِ الزَّمانِ علیهِ السَّلامُ، بذلكَ الوليِّ الحيِّ الذي لدیهِ حیاةٌ، فیُحْیِي نفسَهُ ویُحْیِي قلبَهُ. لا أَنْ یأتيَ فقط ویقولَ مبدأً عرفانیًّا ویكونَ قادرًا جدًّا علَى تناولهِ، لا! لا إشكالَ، لیتمكَّنَ منهُ ویتحدَّثَ عنهُ وعن جوانبهِ العلویَّةِ والسُّفلیَّةِ وجمیعِ جهاتهِ بشكلٍ جیِّدٍ، وعندما یقومُ الإنسانُ مِنْ حدیثهِ یرَى أنَّهُ سمعَ فقط مجموعةً مِنَ الأُمورِ، عینَ جهازِ التَّسجیلِ. كیفَ هو جهازُ التَّسجیلِ؟ لیسَ لدیهِ هذا الشُّعورُ أصلًا، یدورُ مِنَ الأوَّلِ حتَّى یصلَ إلَى الآخرِ. لا شُعورَ لدیهِ. لا یفهمُ. 

  • لماذا كان المرحوم العلامة يُضمّن مجالسه بالرثاء الحسيني؟

  • عندما یأتي المرحومُ العلَّامةُ بِالرِّثاءِ في آخرِ كلِّ مجلسٍ، فلیقرأِ الرُّفقاءُ الرِّثاءَ أیضًا، لا أَنْ لا یقرأوهُ ویذهبوا إلَى درسٍ آخرَ. لا، بل اقرأوا الرِّثاءَ، فإذا قرأتم الرِّثاءَ، فإنَّ الأُمورَ التي قرأتموها تثبتُ حینئذٍ في قلوبِكم. لماذا؟ لأنَّ رثاءَ سیِّدِ الشُّهداءِ علیهِ السَّلامُ یمنحُ الحیاةَ. رثاء سیِّدِ الشُّهداءِ علیهِ السَّلامُ یُثبِّتُ نَفَسَ الولایةِ في قلوبِنا بهذه الألفاظِ، هذا هو السَّببُ. ذلكَ المسكینُ لم یكنْ یفهمُ هذا الأمرَ. كانَ یقولُ: سیِّدي، احذفوا تلكَ المراثيَ مِنَ المجالسِ، احذفوا مراثيها. أتُحذفُ المراثيُ؟! إذا حُذفتِ المراثيُ، فماذا سيبقى؟! تبقَى مجموعةٌ مِنَ الأُمورِ الجافَّةِ هكذا. طبعًا، لدینا كتابٌ بعدَ كتابٍ، حسنًا، في بعضِ الكتبِ یجبُ علَى الإنسانِ أَنْ یُراعيَ المسألةَ، حسنًا، لیسَ واجبًا كلَّما كتبَ شیئًا أن یكتب رثاءً في آخرهِ أیضًا، لا. فعندما تُطرحُ الأحاديثُ في المجلسِ وتُناقشُ وتكونُ مع الرِّثاءِ، فلماذا یجبُ حذفُ الرِّثاءِ؟ هذا الشَّریطُ الذي نُشرَ لِلمرحومِ العلَّامةِ، جاءُوا إلَيَّ وقالَ الرُّفقاءُ: سیِّدي، هل نحذفُ مراثیَهُ؟ قلتُ: أبدًا، أبدًا. ھل كانَ حدیثُهُ مع الرِّثاءِ أَمْ لا؟ أنتم تریدونَ حذفَ الرِّثاءِ؟ لماذا؟ لماذا تریدونَ الحذفَ؟ انظروا كیفَ بیَّنَ الرِّثاءَ في الرِّثاءِ؟ كیفَ یشرحُ؟ كیفَ ینقلُ ذلكَ الحالَ والأحوالَ؟ حینئذٍ نرى امتیازَهُ عن بقیَّةِ المراثي. قالوا: هل نحذفُ صوت المادح؟ قلتُ: لا. ذلكَ المادحُ أیضًا كانَ في ذلكَ المجلسِ، یجبُ أَنْ یكونَ هو أیضًا. لا داعي لِلحذفِ. یجبُ أَنْ تكونَ كلُّ هذه الأُمورِ موجودةً. حینئذٍ یصبحُ هذا ماذا؟ نورًا. یصبحُ حیاةً، یصبحُ معرفةً، یصبحُ صفاءً. 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

10
  • بين كلام الولي وكلام غيره: كيف نميز مصدر النور من مصدر الظلمة؟

  • لیجلسِ الإنسانُ ساعةً يستمع فيها حدیثِ أحدِ أولیاءِ اللّهِ، وليٍّ مِنْ أولیاءِ اللّهِ، ثمّ لیخرج مِنَ المجلسِ ویرَى أَيَّ حالٍ وجوٍّ لدیهِ؟ ولیذهبْ ویجلسْ ثلاثَ ساعاتٍ عندَ آخر، مِنْ هؤلاءِ، ولیرَ أَيَّ حالٍ وجوٍّ سيكون لدیهِ؟ كلاهما تحدَّثا، وكلاهما حسبَ زعمهِما قالا عن اللّهِ والنَّبيِّ والمعارفِ، وكلاهما نقلا مِنْ هذه المباني نفسِها، ولكن ما هي القضیَّةُ؟ القضیَّةُ هي أَنَّ ذلكَ فیهِ نورٌ وهذا لا نورَ فیهِ. ذلكَ یُرشدُ وهذا لا یُرشدُ. كلَّما مرَّ الوقتُ، أصبحتِ الوجوهُ كلُّها أكثرَ مسخًا، وأكثرَ اعوجاجًا. 

  • كانَ أحدُهم یأتي إلَى جلسةِ المرحومِ العلَّامةِ أیضًا، كانَ یأتي لیلًا، كانَ یأتي لیاليَ الثُّلاثاءِ، كانَ یأتي أیَّامَ الجمعةِ. يا سیِّدي، لا یأتي اللّهُ بیومٍ سیِّئٍ لأحدٍ، منذُ أَنْ جاءَ ذاك الرجل وأقامَ المحاضراتِ في طهرانَ انجذب إليه هذاو لم يعد یأتِي بعدَ ذلكَ أبدًا! تُركتْ أحادیثُ المرحومِ العلَّامةِ أبدًا! بدأتِ السَّخریَّاتُ والاسْتهزاءاتُ ثُمَّ أمور أخرى. لماذا؟! لماذا تسبَّبَ ذلكَ الحدیثُ في عدمِ المجیءِ إلَى هنا؟ لأنَّ هذینِ لا یجتمعانِ. مع أَنَّ یومَ الجمعةِ الذي كانَ المرحومُ العلَّامةُ یعقدُ فیهِ الجلسةَ لم تكنْ فیهِ محاضرةُ لأُولئكَ المساكینِ، ولكنَّهُ لم یعدْ یأتي. القدمُ التي یجبُ أَنْ تأتيَ إلَى مسجدِ القائمٍ، تلكَ القدمُ لا تستطیعُ الذَّهابَ إلَى حسینیَّةِ الإرشادٍ. والقدمُ التي تذهبُ إلَى حسینیَّةِ الإرشادٍ، لا تستطیعُ المجیءَ إلَى مسجدِ القائمٍ. إمَّا هذا أَو ذاكَ. والأمرُ لیسَ بیدهِ أیضًا. لا یأتي بعدَ الآن. یُقالُ لهُ: "يا عزیزي، انهضْ وتعالَ، اذهبْ إلَى هناكَ وتعالَ إلَى هنا أیضًا. 

  • ـ لا، نجلسُ نشاهدُ التِّلفازَ الآن، فنحن في النِّهایةِ مع زوجتِنا وأولادِنا یومَ الجمعةِ ولدينا مشاريعنا، أنتَ كنتَ تأتي يا عزیزي؟ فماذا حدثَ؟ یتغیَّرُ الحالُ والجوُّ، تتغیَّرُ الذِّهنیَّاتُ، تتغیَّرُ الأفكارُ، تتغیَّرُ المیولُ. كانَ یمیلُ إلَى شيءٍ، والآن یمیلُ إلَى شيءٍ آخرَ. هو نفسُهُ لا يعي مِنْ أینَ یتلقَّى الضَّربةَ؟ وهنا المشكلة. یتغیَّرُ الحالُ والجوُّ كلُّهُ. كانَ یأتي حتَّى الآن، ولم یعدْ یأتي الآن. هو كسل، لا میلَ لدیهِ لِقراءةِ القرآنِ. كانَ یقرأُ سابقًا، كلَّما وجدَ فرصةً فتحَ القرآنَ. الآن یأخذُ كتابَ فلانٍ ویقرأُهُ. آهٍ آهٍ! هل یعني هذا أَنَّ كتابَ هذا أصبحَ أعلَى مِنَ القرآنِ؟ لم یعدِ القلبُ یمیلُ نحو القرآنِ، لم یعدِ القلبُ یمیلُ نحو دعاءِ كمیلٍ، لم یعدِ القلبُ صباحًا عندما كانَ یقرأُ دعاءَ الصَّباحِ، لم یعدِ الآن یمیلُ نحو دعاءَ الصَّباحِ، فورًا یأخذُ الكتابَ ویقرأُ. فورًا یأخذُ المقالةَ الفلانیَّةَ ویقرأُها، لماذا؟ لأنَّ هذینِ لا یجتمعانِ. 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

11
  • ...***رو كه در يك دل نمى‌گنجد دو دوست 
  • يقول: 

  • ... *** امض فلا یسعُ قلبٌ واحدٌ حبيبين.

  • فهذا قانونٌ، قانونٌ كلِّيٌّ، ولا یشكُّ الرُّفقاءُ في هذه القضیَّةِ أیضًا أبدًا. 

  • قصة الرجلين مع رسول الله صلى الله عليه وآله: لماذا يرى كل شخص النبيّ بشكل مختلف؟

  • كانَ رسولُ اللّهِ صلَّى اللّهُ علیهِ وآلهِ جالسًا، فجاءَ رجل وقالَ: "يا رسولَ اللّهِ، كم أرَى وجهَكَ قبیحًا!" فقالَ: "صدقتَ. وجاءَ آخرُ مِنَ المؤمنینَ، فقالَ: "يا رسولَ اللّهِ، كم وجهُكَ جمیلٌ ورائعٌ!" لم أرَ وجهًا بهذا الجمالِ! فقالَ النبيّ صلّى الله عليه وآله: "صدقتَ. كلاكما تقولانِ الحقَّ. كان هناك شَّخصُ جالسًا قالَ: "يا رسولَ اللّهِ، قلتَ لِكليهما صدقتَ". فقالَ: "أنا مرآةٌ، وذلكَ الذي یقولُ أنّي قبیحٌ، یراني من خلال نفسهِ، فحالُ هذا قد تغیَّر، وبعد أن تغیَّر الحالُ، لم یعدْ یستطیعُ أَنْ یراني صافیًا ومنزَّهًا وطاهرًا، لا یستطیعُ أَنْ یرَى. لا یستطیعُ. توجدُ هنا أسرارٌ، أصلًا لیسَ مجالًا لِلحدیثِ. توجدُ هنا حقًّا مسائلُ كثیرةٌ جدًّا. خلاصةَ القولِ، سأقولُ شیئًا بِإیجازٍ، یمكنُ لِلإنسانِ أَنْ یمتحنَ نفسَهُ بهذه الكیفیَّةِ. قلتُ هذا بِإیجازٍ ولن أُوضِّحَ أكثرَ. فحال الإنسان یتغیَّرُ. 

  • ما هي المعرفة التي تكون دليلاً على الله؟ وكيف نميّزها؟

  • ولكن إذا كانتْ هذه المعرفةُ مصحوبةً بِالنُّورِ، فهناكَ یقولُ الإمام : «معرفتِي يا مولايَ دلیلِي علیكَ»، هناكَ الدَّلالةُ. هناكَ الدَّلالةُ، ولكن هذه لم تعدْ دلالةً، هذه ضدُّ الدَّلالةِ. اذهبوا واستمعوا إلى هذه الأحاديثِ، أحاديث أهلِ الدُّنیا، استمعوا لأهلِ الدُّنیا، یتحدّثون عن اللّهِ نفسِهِ، وعن هذا النَّبيِّ نفسِهِ. یشرحونَ هذا الدُّعاءَ نفسَهُ، یشرحونَ دعاءَ كمیلٍ، یشرحونَ نهجَ البلاغةِ، یُفسِّرونَ. ولكنَّ الإنسانَ یرَى أَنَّ رغبتهُ لِاكتسابِ المعارفِ قد قلَّت بدلًا مِنْ أَنْ تزدادَ. تقلُّ بِاستمرارٍ، تقلُّ بِاستمرارٍ! مِنْ أینَ قد قلَّ ذا؟ لأنَّ الذي یقولُ هذ الكلام هو نفسُهُ لا نصیبَ لهُ منها. یقولُ الكلامَ بِلا نورٍ. الكلامُ بِلا نورٍ یصبحُ ظُلمةً. 

  • إذًا، مجرَّدُ دراسة الفلسفةِ أَو العرفانِ النَّظريِّ كما ذُكرَ، مجرَّدُ ذلك وحده لیس "دلیلًا علیكَ". لا، بل المعرفةُ هي أَنْ یُخزِّنَ الإنسانُ تفكیرَهُ في نفسهِ تُجاهَ اللّهِ تعالَى وذاتهِ وأسمائهِ وصفاتهِ وآثارِ عالمِ الوجودِ، مصحوبًا بِالنُّورِ، فماذا یصبحُ هذا؟ "دلیلًا علیكَ". هذا یدلُّ، لماذا؟ لأنَّ النُّورَ دائمًا متَّصلٌ بمصدرِ النُّورِ. الآن هذا المصباحُ المضاءُ هنا، نورُ هذا المصباحِ الآن جاءَ ووصلَ إلَى أعینِنا، وبمجرَّدِ أَنْ نفتحَ أعینَنا نرَى أَنَّ هذا المصباحَ مضاءٌ هنا، لماذا لا نقولُ إنَّ هذه المروحةَ مضاءةٌ؟ لماذا؟ لأنَّ هذه لا نورَ فيها، المروحةُ لا نورَ فيها. هذا النُّورُ الذي یأتي مِنْ هناكَ یدلُّنا علَى ذلكَ المكانِ نفسِهِ، لا مترًا إلَى هذا الجانبِ ولا مترًا إلَى ذاكَ الجانبِ. هذا الجانبُ ظلامٌ، والمروحةُ لا نورَ فيها. وهذا الجانبُ أیضًا ظلامٌ. والوسطُ فقط فيه نورُ. فهل رأیتم كیفَ أَنَّ الإنسانَ بمجرَّدِ أَنْ یستیقظَ مِنَ النَّومِ، إن كان فوقَ رأسهِ مصباحٌ، یظلُّ یوجِّهُ عَینیهِ نحو المصباحِ؟ فیصطدمُ ذلكَ النُّورُ بعَینهِ ويهدِي هذه العینَ إلَى ذلكَ المكانِ نفسِهِ. إن كانَ ما في داخلِنا ونفسِنا منيرًا، فهو یدلُّ علَى اللّهِ. وإن لم یكنْ منيرًا، فلا یدلُّ. حتَّى لو كنَّا أعلمَ أهلِ الدَّهرِ، وكنّا أوَّلَ مرجعٍ، فلا یدلُّنا. لو كانتْ فینا كلمةٌ واحدةٌ بنورٍ، فبقدرِ تلكَ الكلمةِ الواحدةِ لدینا توجُّهٌ إلَى المبدأِ، ولو كانَ لدینا مقدار قليل مِنَ الأُمورِ بِلا نورٍ، فلا نملكُ توجُّهًا إلَى المبدأِ بقدرِ كلمةٍ واحدةٍ. ندورُ دائمًا في هذه الأُمورِ. مِنْ هذا الكتابِ إلَى ذاكَ، ومِنْ ذاكَ الكتابِ إلَى هذاِ، نبیِّضُ المسوَّدةَ ونسوِّدُ المبیَّضةَ، وخلیطٌ غیرُ متجانسٍ؛ انظرْ إلَى هذا وانظرْ إلَى ذاكَ وأجبْ هذا واسألْ عن ذاكَ. أصلًا، مسكینٌ أنتَ نفسُكَ، فماذا؟ ماذا حدثَ؟ هل المهمّ أَنْ نعلقَ في هذه الأقوالِ صعودًا وهبوطًا، وهي لا تفتحُ لِلإنسانِ طریقًا نحو اللّهِ؟ هذه الأُمورُ نفسُها تصبحُ حجابًا یحبسُنا في داخلِنا ولا یدعُنا نمزِّقُ ذلكَ الحجابَ ونرَى نورَ الشَّمسِ. ندورُ بِاستمرارٍ في ذلكَ الحجابِ، ندورُ هكذا. نذهبُ إلَى هذا، نقولُ لِذاكَ، ننقلُ أمرًا مِنْ هذا، نسمعُ كلامًا مِنْ ذاكَ، حسبَ زعمِنا نبلِّغُ وأمثال ذلك. ولكنَّنا ندورُ بِاستمرارٍ في أنفسِنا وفي ذواتِنا، دورانٌ، دورانٌ. یجبُ أَنْ نفتحَ، یجبُ أَنْ نخرج. 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

12
  • قصّة الرجل الذي أمره المرحوم العلامة بترك كثرة المطالعة: متى يكون العلم حجاباً؟

  • ذاتَ یومٍ قالَ المرحومُ العلَّامةُ لأحدهم: "كم تُطالعُ؟! فبدلاً مِنَ المطالعةِ، تعالَ وحرِّرْ فكرَكَ قلیلًا، افتحْ فكرَكَ. تشتري الكتبَ بِاستمرارٍ وتقرأُ بِاستمرارٍ. اتركْ هذه الأُمورَ جانبًا، اهتمَّ بنفسِكَ قلیلًا. قالَ لي: أتعجَّبُ كیفَ أَنَّ السَّیِّدَ، مع وجودِ هذا الاستعدادِ لديَّ، كانَ یرتدي بدلةً، لم یكنْ طالبَ علومٍ دینیَّةٍ، كانَ موظَّفًا. أنا الذي لديَّ مثلُ هذا الاستعدادِ لِلمطالعةِ، ولديَّ مثلُ هذه الفرصةِ الآن أیضًا، جاءَ وحرمني مِنْ قراءةِ الكتبِ. قلتُ: نعم! أصلًا ما شأنُكَ بهذا السَّیِّدِ؟ اتركْهُ جانبًا، فانهضْ واقرأْ كتابًا. لماذا أصلاً تطيعه؟! قلتُ لهُ: أَيُّ سیِّدٍ هذا إنّه یقولُ لكَ كنْ أُمِّیًّا، فهل هذا أصبحَ سیِّدًا؟ فانهضْ وطالع الكتب!" 

  • فقالَ: ماذا تقول؟ 

  • فقلتُ: يا عزيزي، هو یریدُ أَنْ یُنقذَكَ مِنْ نفسِكَ، لقد علقتَ في نفسِكَ وفي كومةٍ مِنَ الأُمورِ الجوفاءِ التي في رأسِكَ الأجوفِ. كنتُ أقولُ لهُ هكذا، ولست أمازحُ أحدًا. قلتُ: لقد ملأتَ كومةً مِنَ الأُمورِ الباطلةِ في رأسِكَ الأجوفِ، وهي لا تدعُكَ تخرجُ، لا تدعُكَ تُحرِّرُ فكرَكَ. وهو یریدُ أَنْ یُصلحَ هذا. هذه الأُمورُ مفیدةٌ إلَى حدٍّ ما، نافعةٌ إلَى حدٍّ ما، بحیثُ یُحفظُ جانبُها النُّورانيُّ. یُحفظُ جانبُها الطَّریقيُّ، لا أَنْ تصبحَ هي نفسُها الموضوعَ، لا أَنْ تصبحَ هي نفسُها الأصلَ، ولا أَنْ تصبحَ هي نفسُها حجابًا. 

  • ما هي المعرفة التي دعا إليها الإمام السجاد عليه السلام؟

  • لذا یقولُ الإمامُ السَّجَّادُ علیهِ السَّلامُ: "معرفتِي بكَ"، معرفةٌ لم أقرأْ فيها فقط شفاءَ ابنِ سینا وكتابَ صدرِ الدِّینِ القونَويِّ والشَّیخِ شهابٍ السُّهرورديِّ. لديَّ معرفةٌ بكَ. هذه الأُمورُ في ذهني عنكَ قد ملأتْ قلبي، جاذبیَّتُهُ قد شدَّتْ قلبي نحوها، شدَّتْني نحوها، هذه الحقائقُ قد جذبتِ انتِباهَ قلبي نحوها. هذا یتسبَّبُ في أَنْ أُنجذبَ نحوَكَ. هذه المعرفةُ. إذًا، المعرفةُ التي یقولُها الإمامُ السَّجَّادُ علیهِ السَّلامُ عبارةٌ عن معرفةِ اللّهِ تعالَى، هذه المعرفةُ بِاللّهِ تعالَى مقترنةٌ بِالنُّورانیَّةِ لا بِالظُّلمةِ. المعرفةُ المقترنةُ بِالظُّلمةِ لیستْ "دلیلًا علیكَ" لأنَّ هذینِ متناقضانِ. ذلكَ الذي یقرأُ الفلسفةَ لیتمكَّنَ مِنَ الرَّدِّ علَى الشُّبهاتِ ویشتهرَ اسمُهُ هنا وهناكَ، لیسَ علمه "دلیلًا علیكَ"، مائةَ عامٍ یدورُ حولَ نفسهِ كحمارِ الرَّحَى. ذلكَ الذي یُدرِّسُ العرفانَ لِمجرَّدِ أَنْ یكونَ لدیهِ شغلٌ، ولكنَّهُ لا یُقیِّدُ نفسَهُ ولا یُكلِّفُها ولا یُلزمُها بِاتِّباعِ تلكَ الأُمورِ والحقائقِ، فهذا ممثِّلٌ بصراحةٍ تامَّةٍ. هذا لیسَ "دلیلًا علیكَ". لذا نرَى في التَّوجُّهاتِ، بدلًا مِنْ أَنْ یتوجَّهوا نحو الحقِّ، یتوجَّهونَ نحو الباطلِ. لماذا؟ لأنَّهم لا یملكونَ نورًا. في الوقائعِ والحوادثِ التي تقعُ، بدلًا مِنْ أَنْ یتَّجهَ نحو الواقعِ والنُّورِ، یتَّجهُ نحو الطَّرفِ الآخرِ. يا سیِّدي، اذهبْ وافعلْ هذا العملَ، حسنًا، هذا العملُ فیهِ إشكالٌ، خطأٌ، لا نورَ فیهِ، القلبُ متوجِّهٌ إلَى غیرِكَ. یُرشدُ ولكن لیسَ نحو اللّهِ، بل نحو غیرِ اللّهِ. يا عزیزي، أنتَ كنتَ أُستاذَ فلسفةٍ لِثلاثینَ عامًا، فلماذا حدثَ هكذا؟ فأَيُّ یدٍ أمسكتْ بكَ؟ هذه المطالعاتُ، هذه الدُّروسُ، هذه المعاناةُ، أَيُّ یدٍ أمسكتْ بكَ؟ هذا الذي یجبُ أَنْ یُظهرَ نفسَهُ هنا، فلماذا ظهرَ هكذا؟ لأنَّ القلبَ لم یكنْ متَّجهًا نحو ذلكَ الاتِّجاهِ. القلبُ متَّجهٌ نحو اتِّجاهٍ آخرَ. عندما یكونُ القلبُ متَّجهًا نحو اتِّجاهٍ آخرَ، فإنَّ الأُمورَ التي تمرُّ علَى ذلكَ القلبِ، تلكَ الأُمورُ لا اتِّجاهَ لها نحو المبدأِ، بل فیها انحرافٌ. حسبَ مقدارِ انحرافِ القلبِ، بذلكَ المقدارِ. بنفسِ القدرِ الذي ألزمنا أنفسَنا بِالانقیادِ والطَّاعةِ، بنفسِ ذلكَ القدرِ لدینا توجُّهٌ إلَى المبدأِ، بنفسِ ذلكَ القدرِ. الآن سواءٌ كانَ العلمُ كثیرًا أَمْ قلیلًا، مرتبةُ المعرفةِ تكتسبُ هذه الرُّتبةَ وتتفاوتُ شدَّةً وضعفًا بِواسطةِ النُّورِ الذي في القلبِ. 

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

13
  • هل يمكننا الوصول إلى مراتب المعرفة التي وصل إليها الأئمة عليهم السلام؟

  • الآن لا ینبغِي أَنْ نقولَ إنَّ الإمام السَّجَّادِ علیهِ السَّلامُ عندما یقولُ مثلَ هذا الأمرِ كانَ إمامًا، فهو یقولُ: «معرفتِي يا مولايَ دلیلِي علیكَ». ونحنُ لسنا مثلَ الإمام السَّجَّادِ علیهِ السَّلامُ. متى نصلُ نحنُ إلَى مستوَاه؟ لا، لقد قیلَ ذلك ولكنّ النُّور دائمًا یدلُّ علَى النُّورِ. فإن كانَ لدینا مصباحٌ بقدرةِ واط واحدٍ، فبذلكَ القدرِ یدلُّ علیهِ، وبقدرةِ ٢ واط و۱۰ واط ومائةِ واط، حتَّى یصلَ إلَى الشَّمسِ. لأنَّ النُّورَ یدلُّ علَى النُّورِ. عندما یكونُ القلبُ منوَّرًا بِالنُّورِ، فإنَّ هذا النُّورَ یتسبَّبُ في أَنْ یُجذبَ الإنسانُ نحو المبدأِ، وبِالانجذابِ تزدادُ معرفتُهُ، ثُمَّ تُهیِّئُهُ لِانجذابٍ أكبرَ، وهكذا حتَّى یصلَ إلَى ذلكَ المقامِ والمرتبةِ التي یحدثُ فيها الانكشافُ الكلِّيُّ والانفتاحُ الكلِّيُّ ویتجلَّى سُلطانُ المعرفةِ لِلإنسانِ ویستولي علَى كلِّ وجودِ الإنسانِ. فما هذا؟ إنّه حقیقة المعرفةِ. 

  • ما الفرق الدقيق بين "دليلي عليك" و"دليلي إليك"؟

  • لذا یقولُ الإمام هنا: «معرفتِي يا مولايَ دلیلِي علیكَ». معرفتِي دلیلٌ علیكَ، لا یقولُ دلیلٌ إلیكَ. لدینا "دلَّ علیهِ" ولدینا "دلَّ إلیهِ". مدلولٌ علیهِ ومدلولٌ إلیهِ. المدلولُ علیهِ یعني ذاتَهُ هو. حسنًا، هذا إنْ شاءَ اللّهُ إذا سمحَ الرُّفقاءُ، نتركْ توضیحَه إنْ شاءَ اللّهُ لِلجلسةِ القادمةِ. لأنَّه یحتاجُ إلَى بعضِ الحدیثِ، وفي هذه الأواخرِ قد نفدتْ قوانا أیضًا. مع أَنَّ الشَّوقَ والحماسَ والحمدُ لِلَّهِ والهمَّةَ كبيرة، أغبطُكم، وهذا واضحٌ مِنْ وجناتِ الرُّفقاءِ. 

  • دعوة للأنس بذكر الله والتفكر في حقائق الوجود

  • ولكن حسنًا، إنْ شاءَ اللّهُ نأملُ أَنْ یوفِّقَنا اللّهُ وفي هذه اللَّیالي مِنَ الشهر المباركِ، وفي جلساتُ الأُنسِ هذه، فهذه أُنسٌ. فلنأتِ ولنجلسْ ونتحدَّثْ معًا ونقولُ أمرًا ویتمُّ التَّبادلُ والأُمورُ حتَّى نجدَ ذریعةً، نجدَ ذریعةً، یقولونَ الجنَّةُ لا تُعطَى بِالثَّمنِ بل بِالذَّریعةِ. فلِنجدْ ذریعةً حتَّى نعطى.

  • ...***در ره دوست به هر حيله رهى بايد زد 
  • يقول: 

  • ... *** في طریقِ الحبیبِ یجبُ طرقُ كلِّ بابٍ بكلِّ حیلةٍ

  • ولنقضِ ذكرَنا وأوقاتَنا بذكرِ عوالمِ الواقعِ والحقیقةِ والمسائلِ الرُّبوبیَّةِ، فإنَّ خیرَ الدُّنیا والآخرةِ حقًّا في هذا، ولنجلسْ حقًّا ولنُفكِّرْ مع أنفسِنا كم مضَى مِنْ عمرِنا بالنِّسبةِ لِلمسائلِ التي ینشغلُ بها سائرُ الأفرادِ مِنْ كلِّ مجموعةٍ ومِنْ كلِّ فئةٍ ومِنْ كلِّ مدرسةٍ ونحلةٍ، والأحادیثُ الدَّائرةُ. نحنُ أیضًا كنَّا في هذه الأُمورِ، نحنُ أیضًا كنَّا قلیلًا أَو كثیرًا في هذه المدارسِ، وفي هذه المجالسِ، وتحدّثنا بهذه الأحاديث. وقد تعبنا، رأینا يا عزیزي أَنَّ هذه الأحاديث لا نهایةَ لها، لا نهایةَ لها! إذًا الآن عندما تظهرُ هذه الحقائقُ نفسُها لِلإنسانِ وتُفهمُهُ الواقعَ، فلنسألِ اللّهَ أَنْ یُقدِّرَ لنا أیضًا توفیقَ الوصولِ إلَى هذه الحقائقِ وإدراكِ هذه الحقائقِ والالتزامَ بهذه الحقائقَ.

لماذا لا تكفي دراسة الفلسفة والعرفان؟ - الفرق بين العلم والمعرفة

14
  • ‌ 

  • اللَّهمَّ صلِّ علَى محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ