13

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة

لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

23
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1427

التاريخ 1427/09/27

جلسات المجموعة(8 جلسة)

التوضيح

ما هي دوافعِ إبرازِ الذات؟ وما علاقة الفصاحةِ بالإيمان؟ وما هو تأثيرِ المجالسِ على القلب؟ ولماذا لم يجعل الإمام السجّاد العمل شفيعًا بل المعرفة؟ وكيف يجب أن ننظر إلى العمل؟ تجيب هذه المحاضرة عن كلّ ذلك مبيّنة وجهة نظر مدرسةِ التوحيدِ عبرَ قصصٍ واقعيّةٍ عن العلماء والأولياءَ.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة

  • لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۷ هـ - الجلسة الثالثة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیمِ

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیمِ

  • وصلَّى اللَهُ عَلَى سیِّدنا ونبیِّنا أبی‌القاسمِ مُحَمَّدٍ

  • وعلى آلِهِ الطَّیِبینَ الطّاهِرینَ

  • واللَعنةُ عَلَى أَعدائِهم أَجمَعینَ

  •  

  •  

  • «مَعْرِفَتِي‌ يَا مَوْلَايَ دَلِيلِي عَلَيْكَ وَ حُبِّي لَكَ شَفِيعِي إِلَيْكَ وَ أَنَا وَاثِقٌ مِنْ دَلِيلِي بِدَلَالَتِكَ وَ سَاكِنٌ مِنْ شَفِيعِي إِلَى شَفَاعَتِكَ»

  • معرفتي بكَ يا مولاي هي دليلي ومرشدي إليكَ، ومحبتي لكَ هي شفيعي لديكَ، وأنا على ثقةٍ ويقينٍ بأنَّ هذا الدليلَ سيوصلُني إلى الدلالة عليكَ، ومطمئنُّ القلبِ بأنَّ هذا الشفيعَ سيشفعُ لي عندكَ.

  • إنها لكلماتٌ عجيبةٌ حقًّا، هذه العباراتُ للإمامِ السجادِ عليه السلام. وكلّما قرأناها أكثر وتحدّثنا حولَها أكثر، أدركنا عظمةَ مدرسةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام أكثر؛ حيثُ إنهم حقًّا لم يتركوا في هذهِ المدرسةِ شيئًا لأنفسِهم، وجعلوا كلَّ شيءٍ لهُ تعالى، على عكسِ سائرِ المدارسِ التي يكونُ الإنسانُ فيها هو المحورَ في المقامِ الأوّلِ فيما يُعرَضُ من مواضيعَ. عندما نحلِّلُ المسائلَ نرى أنَّ الإنسانَ نفسَهُ هو المحورُ، ولكنَّهُ يعرضُ أمورًا أيضًا في سياقِ إبرازِ ذاتِهِ وشخصيّتِهِ.

  • كيف يبرز الإنسان ذاته؟ وما هي دوافعه؟

  • في الواقعِ، هذهِ المواضيعُ هي لإبرازِ الذاتِ. إنَّ إبرازَ الإنسانِ لذاتِهِ يتطلَّبُ وسيلةً في نهايةِ المطافِ، وعلى الإنسانِ أن يُبرِزَ ذاتَهُ بوسيلةٍ ما؛ إمّا أن يكونَ ذا جمالٍ فيُبرِزَ ذاتَهُ بذلكَ الجمالِ. وإن لم يكن الإنسانُ ذا جمالٍ بينَ الناسِ في حالِ كانَ الجمالُ أحدَ عواملِ الجذبِ فبأيِّ شيءٍ يُبرِزُ ذاتَهُ؟ لا شيء، إذا كانَ ذا شكلٍ ومظهرٍ عاديٍّ. أو أن يكونَ ذا علمٍ فيُبرِزَ ذاتَهُ بالعلمِ، أو أن يكونَ ذا حرفةٍ وفنٍّ فيُبرِزَ ذاتَهُ بها؛ نجّارًا ماهرًا جدًّا يستطيعُ إخراجَ أشياءَ نفيسة جدًّا، أو حدّادًا يستطيعُ عرضَ مصنوعاتٍ جذّابةً جدًّا، أو مهندسًا معماريًّا يستطيعُ رسمَ مُخطَّطاتٍ لافتةً للنظرِ ومتنوِّعةً جدًّا.

  • خُلاصةُ القولِ، يجبُ أن يكونَ للإنسانِ حُسنٌ جذّابٌ ما ليتمكَّنَ من خلالِهِ إبرازَ ذاتِهِ؛ كأن يكون بطلًا يستطيعُ بقوةِ ساعدِهِ لفتَ انتباهِ الناس. أمّا إذا كانَ الفردُ ذا قوّةٍ عاديّةٍ، فلن يلتفِتَ إليهِ أحدٌ، أو إذا كانَ علمُهُ علمًا عاديًّا ومألوفًا فلن يلتفِتَ إليهِ أحدٌ. دائمًا يتَّجِهُ الاهتمامُ نحو أمرٍ غيرِ عاديٍّ وغيرِ مألوفٍ، سواءٌ كانَ ذلكَ الأمرُ ذا قيمةٍ أم لا. لنفترض قاتلًا مُحترِفًا جدًّا، أو سارِقًا ولِصًّا مُحترِفًا جدًّا يشتهِرُ اسمُهُ في كلِّ مكانٍ. هذا أيضًا نوعٌ من إبرازِ الذاتِ. أو مُقامِرًا مُحترِفًا جدًّا، هذا أيضًا نوعٌ من إبرازِ الذاتِ. أو مُجرِمًا قاسيَ القلبِ جدًّا؛ فهؤلاءِ الذينَ برزوا في التاريخِ كـ«نيرون» و«جنكيز» و«تيمور» و«الإسكندر»، ومن المُحدَثينَ مثل «هتلر» وهؤلاءِ الأفرادِ الذينَ كانوا مؤخَّرًا ولم يكن لِقسوتِهم حدٌّ ولا مدى. هؤلاءِ أيضًا أسماؤهم موجودةٌ في التاريخِ والجميعُ يعرفونَهم. مَنْ ذا الذي لا يعرفُ جنكيز؟ إذًا، إبرازُ الذاتِ لا يقتصِرُ على الصِّفاتِ القيِّمةِ، بل بظهورِ الصِّفاتِ والأمورِ غيرِ العاديّةِ وغيرِ المألوفةِ أيضًا. وأحدُ تلكَ الأمور الجذّابة ووسائِلِ إبرازِ الذاتِ هوَ العلمُ. إنسانٌ يتحدَّثُ جيِّدًا، يتكلَّمُ ببلاغةٍ فائِقةٍ.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

3
  • البلاغة والخطابة: هل تكفي لإثبات الإيمان؟

  • في الزمنِ السابِقِ، كانَ هُناكَ رجلٌ يتحدَّثُ ببلاغةٍ فائِقةٍ، كانَ من الخُطَباءِ البلِيغينَ جدًّا. وأنا في أيّامِ طُفولتي تلكَ، ورغم صِغَرِ سِنّي، كنت من بين العَديدينَ الذينَ كانوا يستَمِعُون إلى حديثِه، وكانَ يُعجِبُني كثيرًا، وكنتُ أرى أنَّهُ يتحدَّثُ ببلاغةٍ فائِقةٍ وينطِقُ بالجُمَلِ بتأنٍّ شديدٍ. كانَ في تركيب كلماتِهِ واختيارها ماهرًا للغايةِ، وكانَ يختارُ أفضلَ الألفاظِ لأفضلِ المفاهيمِ التي يقصِدُها. ثمَّ لأسبابٍ ما لم نعُد نستَمِع لأحاديثِهِ. ذاتَ يومٍ كنّا نمُرُّ بِمَكانٍ معَ المرحومِ العلامةِ، فقالَ أحدُهم: فلان! كنتم تدعونَ السيِّدَ فلانٍ سابِقًا، وكانَ يتحدَّثُ بِجَمالٍ وبَلاغةٍ، وكانَ يتحدَّثُ جيِّدًا جدًّا، فلماذا لم تعودوا تدعونَهُ؟! فقالَ المرحومُ العلامةُ: نعم، فُلانٌ هكذا كما تقولُ، ولكِن لديهِ نُقطةُ ضَعفٍ واحدةٌ ،طبعًا أنا لا أقولُ ما هوَ ذلكَ الأمرُ، لأنّي لا أعلَمُ إن كانَ حيًّا الآنَ أم لا. طبعًا إذا كانَ حيًّا فهُناكَ مَحذورٌ، وإن لم يكن حيًّا فـ اذْكُرُوا مَوْتَاكُمْ بِالْخَيْرِ.۱ وعلى كلِّ حالٍ، لأنَّ المجلِسَ كانَ خاصًّا، قالَ سماحتُهُ هذا الأمرَ. وحتّى ذلكَ الحينِ كانَ الأمرُ عَجيبًا جدًّا بالنسبةِ لي، إذًا هذا أيضًا لديهِ نُقطةُ ضَعفٍ كهذهِ ومسألةٌ كهذهِ؟! كانَ المَعنى أنَّهُ ليسَ للهِ شأنٌ كبيرٌ في الأمرِ. أقولها بِشكلٍ مُغلَقٍ ومَستورٍ!

  • أوَدُّ أن أُذكِّرَكم بأمرٍ سابِقًا؛ في تلكَ الليلةِ التي تحدَّثتُ فيها عن أنَّ المرحومَ العلامةَ عندما كانَ يُؤلِّفُ كتابَ «مَعرِفة الإمام»، صادَفَ قضيّةً تتعلَّقُ بعُمَرَ حيثُ أُخِذَت امرأةٌ بَريئةٌ وطاهِرةٌ وحُكِمَ عليها بالزِّنا ورُجِمَت. وقالَ لي إنَّهُ لِعِدَّةِ ساعاتٍ كانَ يذرِفُ الدُّموعَ لا إراديًّا بِشأنِ هذهِ القضيّةِ ولم يكن الأمرُ بيدِهِ أبَدًا. ثمَّ أخبَرتُ الرُّفَقاءَ، فذهَبوا وبَحَثوا فوَجَدوا أنَّ القضيّةَ تتعلَّقُ بِعُثمانَ لا بِعُمَرَ. أرَدتُ أن أقولَ هذا للرُّفَقاءِ.

  • البلاغة الظاهرية وظلمة القلب: حديث الإمام الصادق عليه السلام

  • يقولُ الإمامُ الصَّادِقُ عليه السلام: «تَرَى الرَّجُلَ لَا يُخْطِئُ بِلَامٍ وَ لَا وَاوٍ خَطِيباً مِصْقَعاً وَ قَلْبُهُ أَشَدُّ سَوَاداً مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَ تَرَى الرَّجُلَ لَا يَسْتَطِيعُ يُعَبِّرُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ بِلِسَانِهِ وَ قَلْبُهُ يُزْهِرُ كَمَا يُزْهِرُ الْمِصْبَاحُ». فقد تُصادِفُ إنسانًا مَعروفًا، مثلًا يقولونَ «سَحبان بن وائِل»، فقد كان على مَرِّ السِّنينَ، وأينَما تحدَّثَ لا يستَخدِم لفظًا مُكَرَّرًا، كانَ عَجيبًا جدًّا! «تَرَى الرَّجُلَ لَا يُخْطِئُ بِلَامٍ وَ لَا وَاوٍ» لا يضَعُ واوًا مَكانَ فاءٍ ولا فاءً مَكانَ واوٍ. خَطِيباً مِصْقَعاً أي بارِعًا جدًّا في إلقاءِ الكَلامِ، بارِعًا جدًّا في الخَطابةِ... 

    1. كشف الخفاء العجلوني، ۱/۱۱٤: ذُكِرَ عند النبيِّ صلَّى اللهُ عليه [وآله] وسلَّم هالِكٌ بسُوءٍ فقال: لا تَذْكُروا هَلْكَاكُم وفي روايةٍ مَوْتَاكُم إلا بخيرٍ.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

4
  • كانَ هُناكَ سابِقًا رجلٌ، من خُطَباءِ زَمَنِ الشَّاهِ، كنتُ في مَكانٍ ما ذاتَ مرَّةٍ وكانَ الشيخ مُطَهَّري رحمه الله حاضرًا، فكانَ يقولُ للمرحومِ العلامةِ: دَرَجَتُهُ في الخَطابةِ عِشرونَ من عِشرينَ. وحقًّا عندما كانَ يتحدَّثُ كانَ غَريبًا وعَجيبًا جدًّا، وكانَ يَسحَرُ الناس تمامًا في جَذبِ النُّفوسِ واختيارِ التَّعابيرِ، كانَ أُستاذًا ماهرًا للغايةِ. فهذا أيضًا فَنٌّ. والكثيرُ من الأعمال لها فُنونٌ وذَوقٌ خاصٌّ؛ مثلًا الشِّعرُ. والذَّوقُ الشِّعريُّ لا يختَصُّ بالمُؤمِنينَ فقط. 

  • فكم من الفُسَّاقِ والفُجَّارِ كانَ لهم طَبعُ شِعريّ سَلِسٍ ولكِنَّهم كانوا أُناسًا فاسِقينَ. هذا أيضًا كذلكَ. الخَطابةُ وإلقاءُ الكَلامِ لا يحتاجانِ إلى إيمانٍ، مِثلُ القُوَّةِ. هل كلُّ قَويٍّ مُؤمِنٌ؟ سَلمانُ الفارِسيُّ رحمه الله، مِسكينٌ، ماذا كانَ بهِ؟ هل تقولونَ إنَّ رُستَمَ دَستان هذا من المُوَحِّدينَ وأولياءِ اللهِ؟ أو عَمرَو بنَ عَبدِ وُدٍّ الذي جاءَ في غَزوةِ الخَندَقِ بالجَيشِ القويّ، أو هؤلاء الأبطال الذينَ لا دينَ لهم، هذهِ أيضًا إحدى الصِّفاتِ والغَرائِزِ والمَواهِبِ التي لا تحتاجُ إلى إيمانٍ. إلقاءُ الكَلِماتِ والخَطابةُ لا يحتاجُ إلى إيمانٍ.

  • أثر المتكلم في كلامه: كيف يُظلم القلبُ بسماع بعض الخطباء؟

  • [فقد كان ذاك الخطيب حاذقًا] ولكِن كَلامُهُ أسوَدُ. عندما يسمَعُ الإنسانُ هذهِ الكَلِماتِ وعندما يستَمِعُ لِهذهِ الأشرِطةِ المسجّلة لذلكَ الرجل، بِمُجرَّدِ أن يستَمِعَ يَرى أنَّ قلبَهُ قد اسوَدَّ. أنا شَخصيًّا جرَّبتُ مِرارًا، وكلَّما استَمَعتُ ِحَديثه حتّى الآنَ يتَكَدَّرُ قلبي ويَسوَدُّ. فمِمَّ هذا؟ بِسَبَبِ التَّأثيرِ النَّفسيِّ الذي يخرُجُ بِواسِطةِ الكَلِماتِ. المرحومُ السيِّدُ الحَدَّادُ ذهَبَ ذاتَ مرَّةٍ إلى قَبرِ هذا الفَردِ معَ أحدِ الأقارِبِ، وبِمُجرَّدِ أن فتَحوا البابَ قالَ: يا له من مكان مظلم! قالَها ثلاثَ مرَّاتٍ: يا له من مكان مظلم، لِنَعُد. لِنَعُد! العَجيبُ أنَّ النَّاسَ غافِلونَ، النَّاسُ لا ينتَبِهونَ. كم يُهَلِّلُ النَّاسُ ويُكَبِّرونَ! كم يستَقبِلونَهُ! كم يبتَهِجونَ ويشعرون بالانبساط! فما حقيقة الأمر؟ كم نحنُ بَعيدونَ عن المَعنَويّاتِ!

  • لماذا يترك البعض مجالس الحق؟

  • يا سيِّدُ، أنتَ الذي كنتَ تأتي كلَّ يومِ جُمعةٍ إلى مَجلِسِ المرحومِ العلامةِ في ذلكَ الزَّمَنِ السَّابِقِ وكنت تقول كلّ تلكَ المَدائِحَ له، فما الذي حدَثَ؟! مُنذُ أن ذهَبتَ لِتستَمِعَ حَديث ذاك تُرِكَت جَلَساتُ صَباحِ الجُمعةِ عندَ العلامةِ! فما الذَّنبُ الذي ارتَكَبَهُ العلامةُ؟ لماذا لم تُفَكِّر في هذهِ المسألةِ في نفسِكَ؟

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

5
  • مَنزِلِ دِل نیست جایِ صُحبَتِ اَغیار***دیو چو بیرون رَوَد فِرِشتِه دَر آیَد 
  • ...***رو که دَر یِک دِل نِمی‌گُنجَد دو دوست
  • يقول: 

  • ليسَ مَنزِلُ القَلبِ مَكانًا لِحَديثِ الأغيارِ *** إذا خَرَجَ الشَّيطانُ دَخَلَ المَلَكُ

  • ... *** لا يُمكِنُ أن يَجتَمِعَ حَبيبانِ في قَلبٍ واحِدٍ

  • يَجِبُ أن تأتيَ إلى مَجلِسِ العلامةِ بِطَهارةٍ، هل تذهَبُ لِتستَمِعَ لِحَديثِ ذاك؟! فاللهُ أيضًا يطرُدُكَ من هُنا. ذاتَ يومٍ قُلتُ للمرحومِ العلامةِ: هل أذهَبُ معَ فُلانٍ...؟ قالَ: لا يا سيِّد، هؤلاءِ إذا ذهَبوا فلن يَعودوا، هذا الرَّجُلُ يَمسَخُهم ويَسحَرُهم لِدرجةِ أنَّهُ يَسلُبُهم قُوَّةَ التَّفكيرِ والتَّعَقُّلِ. عَجيبٌ! عندما كنتُ أتحدَّثُ معَهم لم يكونوا يَفهَمونَ شيئًا! كنتُ أقولُ هذا ماءٌ، فيَقولونَ لا هذا لفت وشمندر. أي هكذا كانَ الأمرُ في أذهانِهم وفي مُخيِّلَتِهم. وهذا عَجيبٌ جدًّا. و{خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ}۱ مَعناهُ هذا. الإنسانُ يَرى النُّورَ ويُنكِرُهُ، يصِلُ الإنسانُ إلى هذا الحدِّ؛ يَرى النُّورَ ويُنكِرُهُ. الآنَ متى سيَأخُذُ اللهُ بيدِ الإنسانِ مرَّةً أُخرى؟ هل سيَحدُثُ أم لا؟ وهل سيَأتي ذلكَ أم لا؟! وهؤلاءِ الذينَ كانوا يَقَعونَ في شِباكِهم كانوا يَذهَبونَ ولا يَعودونَ. في زَمَنِ المرحومِ العلامةِ، كانَ هُناكَ أفرادٌ يَحضُرونَ حَديثَ العلامةِ. كانوا يَترُكونَ أعمالَهم مُبَكِّرًا في اللَّيالي ليَأتوا إلى حَديثِ العلامةِ في المسجِدِ. كانوا يَأتونَ يومَ الجُمعةِ. ولكِن بِمُجرَّدِ أن حدَثَ هذا الأمرُ وذهَبَ هؤلاءِ وجَلَسوا يستَمِعونَ إلى هذهِ الأحاديثِ، انتَهى كلُّ شيءٍ. فما الذي حدَثَ؟ هل أصبَحَ السَّيِّدُ الطِّهرانيُّ أُمِّيًّا؟ إذًا أينَ كنتم حتّى الآنَ؟ هل كنتم تتبعونَ رجلًا أُمِّيًّا حتّى الآنَ؟! هل أضَعتَ عُمرَكَ حتّى الآنَ؟ هل جَلَستَ لِتُفَكِّرَ في نفسِكَ لماذا لم يَعُد قَلبُكَ يَنجَذِبُ إلى مَسجِدِ القائِمٍ؟ هل جَلَستَ لِتَتأمَّلَ كيفَ خَرَجَ هذا السَّيِّدُ من قَلبِكَ؟ ما الذي فعَلَهُ هذا السَّيِّدُ؟ إنَّهُ يُصلِّي نَفسَ صَلاتِهِ التي كانَ يُصلّيها سابِقًا، ولديهِ نَفسُ الخُطبةِ والمَوعِظةِ التي كانت لديهِ سابِقًا، ولم يتَغَيَّر. فلِماذا لم تَعُد قَدَماكَ تأتيانِ؟ لماذا لم تُفَكِّر في هذا؟

  • كيف تختبر نفسك؟ ولماذا يجب أن نُدقِّق فيمن نأخذ عنه العلم؟

  • هذهِ الأمورُ التي أقولُها للرُّفَقاءِ هيَ من أجلِ أنفُسِنا. لقد وضَعَ اللهُ للإنسانِ مِحَكًّا ومِلاكًا، وعلى الإنسانِ أن يَختَبِرَ نفسَهُ بِاستِمرارٍ ليلًا ونَهارًا. مِثلُ المُختَبَرِ، ولكِنّ أهلَ المُختَبَراتِ يقولونَ: تَعالَوا كلَّ سِتَّةِ أشهُرٍ مرَّةً لأخذ الدَّمِ وإجراءِ الفَحصِ وكذا. هذا المُختَبَرُ الذي لَدينا، هوَ مُختَبَرٌ كلّ أربَعٍ وعِشرينَ ساعةً.

    1. سورة البقرة (٢) الآية ۷.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

6
  • قالَ رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وآله: «طوبى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيبُهُ عَن عُيوبِ النَّاسِ»۱ ، طوبى لِذلكَ المُؤمِنِ الذي يأخُذُ نفسَهُ إلى المُختَبَرِ مرَّةً كلَّ أربَعٍ وعِشرينَ ساعةً. يَجلِسُ مرَّةً كلَّ أربَعٍ وعِشرينَ ساعةً لِيُفَكِّرَ في نفسِهِ: كم كانَ بالأمسِ مُتعلِّقًا بالعِباداتِ، وكم هوَ اليومَ؟ كيفَ كانَ يَحكُمُ على القضيّةِ الفُلانيّةِ بالأمسِ، وكيفَ يَحكُمُ اليومَ؟ نحنُ لا نقولُ كلّ يوم لزومًا، بل كلَّ أُسبوعٍ أو كلَّ شَهرٍ مرَّةً على الأقَلِّ، لا أن نَترُكَ الأمرَ كُلِّيًّا ونَنظُرَ إلى كلِّ ما يَحدُثُ بِنَظرَةٍ عابِرةٍ فقط، لا بِنَظرَةِ تَفَكُّرٍ وتَأمُّلٍ. 

  • أنتَ الذي ذهَبتَ إلى هُناكَ، لماذا لم تَعُد تأتِي إلى مَسجِدِ القائِمٍ؟ لماذا تَغَيَّرَ هذا المَيلُ والاشتِياقُ لَديكَ وقَلَّ وانتَهى؟ لماذا؟ هُنا يَجِبُ على الإنسانِ دائِمًا أن يَضَعَ كَلامَ الإمامِ الصَّادِقِ عليه السلام نُصبَ عَينَيهِ في تَفسيرِ الآيةِ الشَّريفةِ - الرِّواياتُ هُنا كثيرةٌ جدًّا، مِنها هذهِ - الآيةُ الشَّريفةُ: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَىٰ طَعَامِهِ}٢. يقولُ الإمامُ الصَّادِقُ عليه السلام: «عِلْمَهُ الَّذِي يَأْخُذُهُ عَمَّنْ يَأْخُذُهُ»٣. يَجِبُ على الإنسانِ أن يَنظُرَ إلى هذهِ الأمورِ التي يَسمَعُها، مَنْ هوَ قائِلُها؟ غَيرَ المَوضوعِ نَفسِهِ، نَفَسُ القائِلِ وَراءَ القضيّةِ. أتَقولونَ لا؟ انهَضوا واذهَبوا واقرَؤوا، اقرَؤوا أحدَ هذهِ الكُتُبِ، وانظُروا هل تَستَطيعونَ اداء صَلاةَ اللَّيلِ أم لا؟ استَمِعوا لأحَدِ تلكَ الأحاديثِ، ثمَّ انظُروا هل لَدَيكم حُضورُ قَلبٍ بعدَ ساعةٍ من الاستِماعِ أم لا؟ لقد جَرَّبنا. استَمِعوا لِحَديثِ العلامةِ لِمُدَّةِ ساعةٍ، استَمِعوا لِحَديثِ المرحومِ العلامةِ لِمُدَّةِ نِصفِ ساعةٍ، وقارِنوا حالَكم بعدَ نِصفِ ساعةٍ بِما قَبلَهُ. اقرَؤوا فَصلًا من كُتُبِ المرحومِ العلامةِ ثمَّ انظُروا وَضعَكم...

  • ما هو سرُّ النورانيّة والتأثير في مجالس الإمام الحسين عليه السلام؟

  • مَجلِسُ الإمامِ الحُسَينِ عليه السلام، لماذا يَقولونَ إنَّهُ يَجلِبُ النُّورَ ويُحَسِّنُ حالَ الإنسانِ؟ لماذا؟ لأنَّ نَفَسَ سيِّدِ الشُّهَداءِ عليه السلام يتَجَلّى ويَظهَرُ في ذلكَ المَجلِسِ. الإمامُ الحُسَينُ عليه السلام ليسَ جَسَدَهُ، جَسَدُهُ في كَربَلاءَ. عندما تَذهَبونَ إلى كَربَلاءَ فهل تذهبون لِزيارةِ جَسَدِهِ؟! أنتم لا تَذهَبونَ لِزيارةِ الجَسَدِ، الجَسَدُ لا يُزارُ. أنتم تَذهَبونَ إلى كَربَلاءَ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ النَّفسِ الأكبَرِ بالجَسَدِ وحُضورِ الرُّوحانيّةِ الأكبَرِ، تَذهَبونَ لإدراكِ هذا الأمرِ. إذا لم تَستَطيعوا الذَّهابَ، فاجلِسوا في المَنزِلِ واقرَؤوا زِيارَةَ عاشوراءَ. الإمامُ الحُسَينُ عليه السلام في ذلكَ المَنزِلِ نَفسِهِ، وسَيِّدُ الشُّهَداءِ عليه السلام هُناكَ. سَيِّدُ الشُّهَداءِ عليه السلام لا شَرقَ لهُ ولا غَربَ ولا كَربَلاءَ ولا نَجَفَ ولا إيرانَ ولا عِراقَ. سَيِّدُ الشُّهَداءِ عليه السلام، نَفَسُهُ قد مَلأَ المُلْكَ والمَلَكوتَ، ليسَ فقط حُدودَ الحَرَمِ، حائرَ سَيِّدِ الشُّهَداءِ! ذاكَ المحدود ليسَ سَيِّدَ الشُّهَداءِ، هوَ أيضًا أحدُ الأفرادِ العاديّينَ. سَيِّدُ الشُّهَداءِ الذي هوَ سَيِّدُ الشُّهَداءِ هوَ الذي مَلأت وَلايتُهُ شَرقَ عالَمِ الوُجودِ وغَربَه. فماذا يَعني ذلك؟ يَعني أنَّنا الآنَ هُنا نَذكُرُ اسمَ سَيِّدِ الشُّهَداءِ عليه السلام فنَشعُرُ بِشَيءٍ في قُلوبِنا. يَعني هذا. لو لم يكن مَوجودًا، فلِماذا شَعَرتُم بِشَيءٍ؟! لماذا تَغَيَّرَ حالُكم؟ لماذا تَغَيَّرتُم؟ إذا لم يكن بَينَنا وبَينَهُ ارتِباطٌ، وكانت الغُربةُ والثُّنائيّةُ والغَيريّةُ قائِمةً، فمِن أينَ هذا التَّغَيُّرُ في الحالِ؟ هذا الصَّفاءُ والنُّورانيّةُ...

    1. الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، الخطبة ۱۷٦.
    2. سورة عبس (۸۰) الآية ٢٤.
    3. عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} قال: قلت ما طعامه؟ قال: علمه الذي يأخذه، عمن يأخذه.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

7
  • كيف تؤثّر رحمة سيد الشهداء عليه السلام في النفوس؟

  • لِذا، عندما يَرى الإنسانُ أنَّ نفسَهُ في ضيقٍ وثِقَلٍ بِشأنِ بَعضِ الأمورِ، بِمُجرَّدِ دُخولِهِ مَجلِسَ الإمامِ الحُسَينِ عليه السلام يَرى أنَّهُ قد خَفَّ. إنسانٌ لديهِ ظُنونٌ وأوهامٌ تُجاهَ إنسانٍ آخَرَ، يقولُ سأذهَبُ وأفعَلُ له كذا وكذا. ولكن بِمُجرَّدِ دُخولِهِ مَجلِسَ الإمامِ الحُسَينِ عليه السلام واستِماعِهِ لِمُصيبته يَرى أنَّهُ قد انصَرَفَ عن ذلكَ. لماذا؟ لأنَّهُ دَخَلَ في رَحمةِ سَيِّدِ الشُّهَداءِ عليه السلام. يقولُ: يا عَزيزي، دَعهُ وشأنَهُ، لِنتَجاوَز عَنهُ. هذا بِسَبَبِ هذا المَجلِسِ. سابِقًا لم يكن هكذا، كانَ يقولُ سأفعَلُ كذا و كذا، أو إنسانٌ يَطلُبُ مِنكَ شيئًا أو أمرًا أو حاجةً أو دَينًا أو قَرضًا، فتَقولُ: لا يا عَزيزي، دَعهُ وشأنَهُ. وعندما تأتي إلى المَجلِسِ تَقولُ: هذا العَبدُ المِسكينُ مُبتَلًى، لماذا لا نُعطيهِ؟! هذا بِسَبَبِ المَجلِسِ. أي أنَّ تلكَ النَّفسَ والرُّوحَ قد وَقَعَت تحتَ سِعَةِ رَحمةِ سَيِّدِ الشُّهَداءِ عليه السلام التي هي {لا شَرقيّةَ ولا غَربيّةَ}۱. جُزءٌ من تلكَ الرَّحمةِ قد جاءَ وأخَذَهُ إلى ذاتِهِ وجَذَبَهُ نَحوَهُ. تلكَ الرَّحمةُ قد ظَهَرَت في هذا بِمِقدارِ نَفسِهِ. هذهِ هيَ وَلايةُ سَيِّدِ الشُّهَداءِ عليه السلام. لِذا، الإنسانُ يتَجاوَزُ عن الكثيرِ من الأمورِ في هذهِ المَجالِسِ، ويَحُلُّ الكثيرَ من المَسائلِ النَّفسيّةِ في حَديثِ الأعاظِمِ. 

  • ای لِقایَت جَوابِ هَر سُؤال

  • يقول: يا مَنْ لِقاؤُكَ جَواب لكلِّ سُؤالٍ

  • أثرُ لقاء الأولياء: لماذا تتلاشى الأسئلة في حضرتهم؟

  • لَدينا أسئِلةٌ كثيرةٌ، ولكِن عندما نَصِلُ إلى أحد الأعاظم نَرى أنَّ الأسئِلةَ كلَّها قد حُلَّت. لماذا هذا؟ لأنَّ تلكَ النَّفسَ تأتي و تذهب ، ثمَّ عندما نَذهَبُ هُنا وهُناكَ تَظهَرُ الأسئِلةُ مرَّةً أُخرى. وعندما نأتي مرَّةً أُخرى نَرى أنَّها قد حُلَّت. الكثيرُ من هؤلاءِ الرُّفَقاءِ والأصدِقاءِ كانوا يَقولونَ سابِقًا: نحنُ من المناطق البعيدة - رَحِمَ اللهُ المَرحومَ الشيخ بَيات - كانَ يقولُ: عندما أُريدُ أن آتيَ من هَمَدانَ إلى طِهرانَ، لَدَيَّ أسئِلةٌ عِرفانيّةٌ وسُلوكيّةٌ، ولكِن بِمُجرَّدِ أن آتيَ وتَقَعَ عَيني على سَيِّدِكم أرى أنَّني لم يَعُد لَدَيَّ سُؤالٌ! مَهما فكَّرتُ: يا عَزيزي، كانَ لَدَيَّ سُؤالٌ كهذا في هَمَدانَ، ولكِن ماذا أسألُ الآنَ؟ ليسَ لَدَيَّ شيءٌ لِأسألَهُ. ما هذا؟ هذهِ هيَ نَفسُ وَليِّ اللهِ، بِمُجرَّدِ أن تَصطَدِمَ بِكَ تُلقي القاعدة في القَلبِ. وعندما تقَعُ تلكَ القاعدة، لا يَبقى شيءٌ فيه. عندما يأتي نورُ الذَّاتِ ونورُ التَّوحيدِ إلى القَلبِ، فأيُّ سُؤالٍ يَبقى؟ السُّؤالُ من الكَثرَةِ، من الدُّنيا. يا سيِّدُ، لا نَعرِفُ هذا ولا نَعرِفُ ذاكَ، وما هذهِ المُشكِلةُ وما تلك؟ كلُّ أسئِلَتِنا حين نَذهَبَ لِخِدمةِ إمامِ الزَّمانِ عليه السلام هي: يا ابنَ رسولِ اللهِ! ـ وليسَ الأسئِلةَ الدُّنيويّةَ، لا! بل الأسئِلةَ الأُخرَويّةَ ـ يا ابن رسول الله ليسَ لَدينا مَعرِفةٌ ولَدينا جَهلٌ ولَدينا كذا ولَدينا كذا. فيقولُ الإمامُ عليه السلام: «تَعالَ واجلِس هُنا، ألَست أنا لديك؟». فما سُؤالُكَ؟ نَقولُ: لا شيءٌ. عندما يأخُذُكَ هوَ إلى جِوارِهِ، فأيُّ سُؤالٍ يُطرَحُ بعدُ وأيُّ مَسألةٍ تكونُ؟ هذا الاختِبارُ يَجِبُ على الإنسانِ أن يُجريهِ كلَّ يومٍ، وأن يَختَبِرَ نفسَهُ كلَّ يومٍ مُقارَنةً بالسَّابِقِ؛ مَحَبَّتَهُ، عَلاقَتَهُ، عِشقَهُ، اهتِمامَهُ. كلَّ هذهِ يَجِبُ أن يُحضِرَها ويَنظُرَ فيها مُقارَنةً بالماضي. المرحومُ العلامةُ كانَ يُوصي كثيرًا بِهذا الأمرِ.

    1. سورة النور(٢٤)، مقطع من الآية ٣٥.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

8
  • مقارنة عجيبة: الخطيب المصقع ذو القلب المظلم والرجل الألكن ذو القلب المضيء

  • يقولُ الإمامُ الصَّادِقُ عليه السلام: «تَرَى الرَّجُلَ لَا يُخْطِئُ بِلَامٍ وَ لَا وَاوٍ خَطِيباً مِصْقَعاً وَ قَلْبُهُ أَشَدُّ سَوَاداً مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ»۱. مِثلُ اللَّيلِ المُظلِمِ يَبقى قَلبُهُ. هؤلاءِ هم، هذا السَّيِّدُ الخَطيبُ، خَطيبٌ جدًّا ومِصقَعٌ جدًّا في الكَلامِ وفي إلقاءِ الخُطبةِ ولكِن قَلبُهُ مُظلِمٌ! ظُلمانيٌّ. اذهَبوا وانظُروا قَبرَهُ، ما الخَبَرُ هُناكَ؟ ظُلمَةٌ وكُدورةٌ. الآنَ، على الرَّغمِ من أنَّنا لا نَفهَمُ هذهِ الأمورَ، ولكِن لِنَقبَل كَلامَ الأولياءِ على الأقَلِّ! لا نَأتِ ونَقولُ إنَّهُ من مَفاخِرِ الإسلامِ. لا نَأتِ ونَقولُ اقرَؤوا كُتُبَهُ! لا نَقولُ هذهِ الأقوالَ بعدَ الآنَ! لا نَأتِ بعدَ الآنَ ونَأخُذُ كِتابَهُ كَكِتابٍ نَموذَجيٍّ نَختارُهُ من بَينِ كلِّ هذهِ الكُتُبِ ومن بَينِ كلِّ هذهِ الكِتاباتِ. لِنَفهَم أنَّ الأعاظِمَ لم يَتَكلَّموا عَبَثًا. لِنَترُك المَصالِحَ جانِبًا. لا نُضَحّي بالوَلايةِ من أجلِ دُنيا يَومَينِ. لا نُضَحّي بالإمامةِ ومَدرَسةِ الشِّيعةِ من أجلِ مَصالِحِ أيّامٍ قَليلةٍ. ولا نَرضى لأنفُسِنا بِغَضَبِ وَليِّ نِعمَتِنا. مَنْ هوَ وَليُّ نِعمَتِنا؟ إمامُ الزَّمانِ عليه السلام. لا شأنَ لنا بِغَيرِهِ. 

  • هذهِ فِئةٌ، والفِئةُ الأُخرى: «وَ تَرَى الرَّجُلَ». تَرى رجلًا لا يَستَطيعُ أصلًا أن يُعَبِّرَ عَمّا في ضَميرِهِ بالكَلامِ. أي أنَّهُ ألكَنُ إلى هذا الحدِّ، لا يَستَطيعُ أن يُبَيِّنَ ما يَدورُ في ضَميرِهِ. اطِّلاعُهُ على التَّراكيبِ قَليلٌ، كَلامُهُ قَليلٌ. إنسانٌ أُمِّيٌّ،. «وَ قَلْبُهُ يُزْهِرُ كَمَا يُزْهِرُ الْمِصْبَاحُ». مِثلُ المِصباحِ يُزهِرُ قَلبُهُ.

  • قصّة الحاج هادي الأبهري رحمه الله: الأمّي الذي يستشيره المرجع!

  • مثل مَنْ؟ مثل المَرحوم الحاج هادي الأبهَريُّ - رَحِمَهُ اللهُ - لم يكن يَستَطيعُ التَّحَدُّثَ، لم يكن لَدَيهِ علم هذا العَبدُ المِسكينُ. كانَ قد صَنَعَ خَتمًا في جَيبِهِ. فإذا أراد أن يُوَقِّعَ، كانَ يُخرِجُ كيسَهُ. كانوا قد صَنَعوا لهُ خَتمًا، يَضَعُ الخَتمَ في الحِبرِ ويَلصِقُهُ على الوَرَقِ. لم يكن يَعرِفُ كيفَ يُوَقِّعُ. ولكِن هذا الحاج هادي الأبهَريُّ نَفسُهُ، قَلْبُهُ يُزْهِرُ، مِثلُ المِصباحِ كانَ يُزهِرُ قَلبُهُ. كانَ يُخبِرُ بالنِّيّاتِ ويُمَيِّزُ النِّفاقَ من غَيرِ النِّفاقِ. كنتَ تأتي وتُسَلِّمُ عليهِ فيَقولُ: «أيُّها الكاذِبُ!». وكانَ صَريحًا جدًّا أيضًا! كانَ يَضَعُ الحَقَّ في بين يديك مُباشَرةً! من هؤلاءِ الأتراكِ! كانَ بِلا مُجامَلاتٍ! المرحومُ العلامةُ كانَ يُنَبِّهُهُ كثيرًا: يا حاج لا تَفعَل ذلك، راعِ، هناك حِسابٌ وكِتابٌ [للإخبار عن هذه الأمور] ، لم يكن يَفهَمُ، كانَ يَفعَلُ ما يَراهُ. كانَ يَقولُ: أنا في هذهِ الدُّنيا رَأيتُ عالِمًا واحِدًا فقط وهوَ السَّيِّدُ مُحَمَّد حُسَين، سَيِّدٌ جَليلٌ وهوَ السَّيِّدُ مُحَمَّد حُسَين. كانَ صافيًا جدًّا، وكانَ يُحِبُّنا كثيرًا أيضًا. أنا في ذلكَ الزَّمانِ، كانَ عُمري تَقريبًا حَوالي سَبعةَ عَشَرَ عامًا عندما تَوفّيَ رَحِمَهُ اللهُ. كنّا نَجلِسُ عندَهُ ونَقولُ لهُ: احكِ لنا، فكانَ يَحكي قَضايا وقِصَصًا من تجاربه. وأحيانًا كنّا نَقرَأُ عندَهُ بَعضَ الأشعارِ، طبعًا لم يكن لَدَيهِ إدراكٌ عِرفانيٌّ. أحيانًا عندما كنّا صِغارًا كنّا نُمازِحُهُ أيضًا! وعلى كلّ حال فقد كان المَرحومُ السَّيِّدُ الميلانيُّ – كما نَقَلَ عنهُ المَرحومُ الوالِد - يَقولُ: في المَسائلِ المُهِمَّةِ التي كانت تَعرِضُ لي وأتَحَيَّرُ فيها ماذا أفعَلُ، كنتُ أستَشيرُ الحاجَّ هادي الأبهَريَّ. مَرجِعُ تَقليدٍ! السَّيِّدُ مُحَمَّد هادي الميلانيُّ، رَجُلٌ عَظيمٌ. السَّيِّدُ الميلانيُّ رحمه الله كانَ رجلاً قالَ عنهُ المَرحومُ العلامةُ: بعدَ السَّيِّدِ عَبدِ الهادي الشِّيرازيِّ، لم أُعَيِّن فَردًا للمَرجِعيّةِ غَيرَ السَّيِّدِ مُحَمَّد هادي الميلانيِّ. كانَ رجلًا من أصحاب القلوب، ومن أهلَ المَعنى، مُتَهَجِّدًا، والخُلاصة أنّه كانَ يَختَلِفُ عن الآخرين، وكانَ عالِمًا. كانَ عِلمُهُ بالمَسائلِ جيِّدًا، وكانَ فَهمُهُ للفِقهِ فَهمًا جيِّدًا. وفي أواخِرِ عُمرِهِ أيضًا، كانَ المَرحومُ العلامةُ يَقولُ: ذهَبتُ لِزيارته، فرَأيتُ فيهِ حالَ الانقِطاعِ. رَحِمَهُ اللهُ. انظُروا، مَرجِعُ تَقليدٍ يَقولُ: في المَسائلِ المُهِمَّةِ كنتُ أقولُ للحاجّ: يا حاجّ، ماذا تقول بِشأنِ هذهِ القضيّةِ؟ فكانَ يَقولُ: افعَل هذا. أقولُ: من أينَ عَرَفتَ؟ يَقولُ: قَلبي يَميلُ لِذلكَ الطَّرَفِ. وكانَ هوَ أيضًا يَعمَلُ بهِ. المَرحومُ السَّيِّدُ الميلانيُّ لم يكن رجلًا عاديًّا. لم يكن رجلًا عاديًّا لِنَقولَ: يا سيِّدُ، بِأيِّ دَليلٍ وبِأيِّ حِسابٍ وفُلانٍ، وهذا لا يَجوزُ، وأن يأتيَ أحدُهم ويَقولَ شيئًا. كانَ مَعلومًا أنَّهُ هوَ نَفسُهُ من أهل المَعنى والفَهمٍ بالمَعنى الذي لَستَ أنتَ عليهِ. هوَ أيضًا كانَ عِلمُهُ أكثَرَ مِن علمكَ يا مَنْ تَعتَرِضُ، وتَقواهُ أكثَرَ مِن تقواكَ. لِذا، فالرُّجوعُ إلى هذا الرَّجُلِ هوَ رُجوعٌ إلى رَجُلٍ يَستَمِدُّ من الغَيبِ. هذا الحالُ كانَ حالَ استِمدادٍ من الغَيبِ. «وَ قَلْبُهُ يُزْهِرُ كَمَا يُزْهِرُ الْمِصْبَاحُ». لِذا، في الكثيرِ من الأحداث السابقة، كنّا إذا أرَدنا أن نَعرِفَ الأفرادَ وكنّا حينها صِغارًا وفُضوليّينَ أيضًا، إذا أردنا أن نَتَدَخَّلَ في القَضايا ـ وقد تَرَكنا هذه الأمور جانِبًا ـ كنّا نَذهَبُ إلى الحاج هادي ونَقولُ: كيفَ هوَ فُلانٌ؟ ماذا يَقولُ: دَعهُ وشأنَهُ، هوَ لا يَنفَعُ. وبَعضُهم كنّا نُريدُ مِنه تَوضيحًا أكثَرَ بقَليل، فكانَ يَقولُ أشياءَ هيَ من الأسرارِ التي لا تُقالُ! في النِّهايةِ كانَ يَقولُ لنا: لماذا تَسأل عن هذا وذاكَ إلى هذا الحدِّ؟! لَديكَ أبٌ لا نَظيرَ لهُ في الدُّنيا. فهل التفتُّم! ثمَّ نحنُ أنفُسُنا سَمِعنا هذا الكَلامَ نَفسَهُ من السَّيِّدِ الحَدَّادِ، الذي كانَ مَقامُهُ أصلًا لا يُدرَكُ ولا يُوصَفُ. هذا الحاج هادي الأبهَريُّ «وقَلْبُهُ يُزْهِرُ...» فهكذا يَقولُ الإمامُ الصَّادِقُ عليه السلام وهكذا يُرشِدُنا إلى الطَّريقِ.

    1. الكليني، الكافي (روضة الكافي)، ج ۸، ص ٢٢٩، ح ٢٩٣.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

9
  • مدرسة الإمام السجاد عليه السلام: التوحيد الخالص ونبذ الأنا

  • الآنَ، ماذا يَفعَلُ الناس لِجَذبِ الأنظارِ وإبرازِ أنفُسِهم؟ يُمارِسونَ شيئًا في النِّهايةِ. إحدى تلكَ المَسائلِ التي هيَ وَسائلُ لإبرازِ الذَّاتِ هيَ قَولُ الكَلامِ الحَسَنِ. أن يَقولَ الإنسانُ كَلامَ الأئِمَّةِ عليهم السلام، كَلامَ الأعاظِمِ، يتَحَدَّثُ عن العِرفانِ، عن الفِقهِ، عن التَّفسيرِ، يتَحَدَّثُ عن هذهِ المَسائلِ. تَنظُرُ إلى باطِنِ القضيّةِ فَتَراهُ يتَحَدَّثُ عن نَفسِهِ. تَنظُرُ إلى باطِنِ الأمرِ فَتَراهُ يتَحَدَّثُ عن نَفسِهِ. ولكِن في مَدرَسةِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام لا وُجودَ للذَّاتِ. هذا الإمامُ السَّجَّادُ نَفسُهُ الذي هوَ مُستَيقِظٌ من اللَّيلِ إلى الصَّباحِ ومن الصَّباحِ إلى اللَّيلِ، مُناجاتُهُ كذا وكذا، حتّى اشتُهِرَ بَينَ الأئِمَّةِ بِزَينِ العابِدينَ! قَضاياهُ معَ الأصمَعيِّ في مَكَّةَ، له قَضايا مُفَصَّلةٌ. معَ طاووسَ اليَمانيِّ الذي يَقولُ: كنتُ أطوفُ في جَوفِ اللَّيلِ حَولَ الكَعبةِ فسَمِعتُ صَوتَ نَحيبٍ، وهيَ قصّة مُفَصَّلةٌ جدًّا. وأحضَرتُ مِصباحًا ونَظَرتُ فرَأيتُ شابًّا قد تَعَلَّقَ بِأستارِ الكَعبةِ وهوَ يُناجي ويَبكي. ثمَّ يَقولُ: رَأيتُهُ قد أُغمِيَ عليهِ وسَقَطَ. أتَيتُ ووَضَعتُ رأسَهُ في حِجري ـ ولها قَضايا مُفَصَّلةٌ جدًّا ـ فوجدت أنّه كانَ الإمامَ السَّجَّادَ عليه السلام، والجَميعُ كانوا يَعرِفونَ حالَ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام. هذا الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام يَقولُ: مَا لِي عَمَلٌ صَالِحٌ أَسْتَوْثِقُ بِهِ قَدْ جِئْتُكَ رَاجِياً، تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ.۱ ليسَ لَدَيَّ عَمَلٌ صالِحٌ أثِقُ بهِ، فقط ما بَقِيَ فيَّ هيَ نيّةٌ باقيةٌ؛ نيَّتي أن أتَوَكَّلَ عليكَ وأن يكونَ أمَلي فيكَ فقط يا رَبّي! هذا هوَ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام الذي يُبرِزُ ويُحيي ويُظهِرُ مَدرَسةَ التَّوحيدِ. نحنُ جَميعًا نُحيي مَدرَسةَ الأنانيّةِ. نَقولُ كَلامَ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام ونَشرَحُهُ ونُفَسِّرُهُ ولكِنَّنا نُبرِزُ أنفُسَنا! يا سيِّدُ، أنا الذي أشرح دُعاءَ أبي حَمزةَ! أنا الذي أشرَحُ دُعاءَ كُمَيلٍ! أنا الذي أقم بهذا العَمَلَ. الحَمدُ للهِ، المَجلِسُ ليسَ سَيِّئًا والأفرادُ يَأتونَ كثيرًا والإقبالُ جيِّدٌ وهذا العامُ أفضَلُ من العامِ الماضي واهتِمامُ النَّاسِ أكبَرُ. نَقولُ الكَلام عينه، ولكِن هذا الكَلامَ لهُ جانِبانِ؛ جانِبُ نورٍ وجانِبُ ظُلمَةٍ. نَعوذُ بِاللهِ أن نَكونَ في جانِبِ ظُلمَتِهِ. جانِبُ نورِهِ هوَ التَّوَجُّهُ إلى المَعنى بِواسِطةِ الكَلامِ. جانِبُ ظُلمَتِهِ هوَ الاستِنادُ إلى النَّفسِ. الكَلامُ كَلامُ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام ولكِنَّني أنسِبُهُ إلى نَفسي. أنا أشرَحُ، اجلِسوا وفَكِّروا وانتَبِهوا، أنا أشرَحُ وأُوَضِّحُ وأُبَيِّنُ. ولكِن الإمامَ السَّجَّادَ عليه السلام وأولياءَ اللهِ، في حَديثِهم لا وُجودَ لِلاستِنادِ إلى الذَّاتِ أصلًا.

    1. ورد في دعاء أبي حمزة: لست أتكل في النجاة من عقابك على أعمالنا. بل بفضلك علينا لأنك أهل التقوى وأهل المغفرة. تبدئ بالإحسان نعمًا وتعفو عن الذنب كرمًا.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

10
  • لماذا يقول الإمام السجاد عليه السلام "ما لي عمل صالح أستوثق به"؟

  • انظُروا ماذا يَقولُ الإمامُ عليه السلام؟ يَقولُ: مَعرِفَتي بِكَ هيَ دَليلي. الكَلامُ صَحيحٌ. يَقولُ: إلهي، لقد عَرَفتُكَ، هذا لا يُمكِنُكَ إنكارُهُ، وأدركتُ أنَّكَ مَوجودٌ، أدركتُ أيَّ ذاتٍ أنتَ وما هيَ أسماؤُكَ وصِفاتُكَ، أدركتُ هذهِ الأمورَ، ولا أستَطيعُ إنكارَ هذا. فَهِمتُ كم هيَ رَحمَتُكَ وعَطفُكَ وإغماضُكَ، وفَهِمتُ كم هوَ عَفوُكَ ومَقامُ رَحمانيَّتِكَ ورَحيميَّتِكَ، أدرَكتُ كلَّ هذا. وعندما أدرَكتُ، فمن الواضِحِ أنَّني لا أستَطيعُ الذَّهابَ إلى مَكانٍ غَيرِ هذا. يَقولُ اللهُ: الآنَ وقد أدرَكتَ هذهِ الأمورَ، كيفَ تُريدُ أن تَدخُلَ؟ 

  • يَقولُ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام: ليسَ لَدَيَّ عَمَلٌ! مَا لِي عَمَلٌ صَالِحٌ أَسْتَوْثِقُ بِهِ. لم أقُم بِعَمَلٍ صالِحٍ لأثِقَ بهِ، فقط جِئتُ إلى هُنا بِأمَلِ كَرَمِكَ ورَحمَتِكَ، قَدْ جِئْتُكَ رَاجِياً. هل كانَ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام يَمرَحُ معَ اللهِ حقًّا؟ أم يَمرَحُ مَعَنا؟ إذًا ما ذلكَ البُكاءُ وما ذلكَ النَّحيبُ وما ذلكَ السَّهَرُ وتلكَ الجِباهُ التي صارَت عليها آثارُ السُّجودِ؟ إذًا ما آثارُ السُّجودِ تلكَ على الرُّكبَتَينِ؟ من أينَ أتَت هذهِ؟ إذا كانت هذهِ مَوجودةً، فلِماذا يَقولُ: مَا لِي عَمَلٌ صَالِحٌ؟ ليسَ لَدَيَّ عَمَلٌ يَليقُ بالعَرض على حَضرَتِكَ. نحنُ حقًّا لا نَفهَمُ، ولكِن يَجِبُ أن نَفهَمَ في النِّهايةِ. نحنُ لا ندرك لماذا يقول الإمامَ السَّجَّادَ عليه السلام: ليسَ لَدَيَّ عَمَلٌ صالِحٌ، فهل توجَدُ في الدُّنيا صَلاةٌ أعلى من صَلاةِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام؟! إذا وُجِدَت فأرونا إيّاها. وهل يوجَدُ رُكوعٌ أعلى من رُكوعِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام؟! هل يوجَدُ سُجودٌ أعلى من سُجودِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام؟! لو خَلَقَ اللهُ إنسانًا سُجودُهُ هو الأعلى والأسمى، فمَنْ سيكون غَيرَ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام؟ لن يكون أحدٌ. هم الأئِمَّةَ عليهم السلام؛ أميرُ المُؤمِنينَ والإمامُ الحَسَنُ والإمامُ الحُسَينُ والإمامُ الرِّضا والإمامُ الجَوادُ والإمامُ الهادي والنَّبيُّ صلّى الله عليه وآله الذي هوَ أبوهُم جَميعًا. هؤلاءِ الأربَعةَ عَشَرَ مَعصومًا. لو خَلَقَ اللهُ إنسانًا على وَجهِ الأرضِ يُؤَدّي أعلى مَرتَبةٍ من مَقامِ الخُضوعِ والخُشوعِ والعِبادةِ، فمَنْ هو غَير الأئِمَّةِ عليهم السلام؟! لا أحدٌ. فلماذا يَقولُ الأئِمَّةُ عليهم السلام إنَّنا لم نَقُم بِعَمَلٍ صالِحٍ؟ ما النُّكتَةُ الكامِنةُ هُنا بِحَيثُ أنَّنا عندما نَنظُرُ إلى فِعلِ الإمامِ عليه السلام نَقولُ: وَداعًا لكم! نحنُ ذاهِبونَ، لَسنا هُنا، أينَ نحنُ وأينَ هم؟! وعلى حَدِّ قَولِ القائِلِ: يا عَليُّ، إن كنتَ تأملُ أن نُصلِّيَ الصَّلاةَ التي تُصلّيها أنتَ، فيَجِبُ أن تأخُذَ ذلكَ الأمَلَ إلى حَوضِ الكَوثَرِ. هذهِ صَلاتُنا! وبينها وبين صلاتهم فَرقٌ طَفيفٌ، لا أكثَرَ! سواء لوحظ أم لم يلحظ. 

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

11
  • والآنَ يأتي هذا الإمامُ عليه السلام فيصلّي، ونحنُ نَنظُرُ فنَعي، أليسَ كذلكَ؟ وتلكَ الصَّلاةُ التي قالَ عَنها السَّيِّدُ الحَدَّادُ قَبلَ لَيالٍ للرُّفَقاءِ، تلكَ الصَّلاةُ التي قالَ: إجلالًا لِشَأنِهِ العَظيمِ! المُصلّي عندما يُريدُ أن يُصلِّيَ، تَحصُلُ وَحدةٌ بَينَ العَبدِ والمَعبودِ بِحَيثُ تُرفَعُ الثُّنائيّةُ! انظُروا، هذهِ الصَّلاةُ بِذلكَ الوَضعِ الذي يَقولُهُ السَّيِّدُ الحَدَّادُ، هيَ قَطعًا في الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام في مَرحَلَتِها الأتَمِّ. الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام يَقولُ: ليسَ لَدَيَّ عَمَلٌ صالِحٌ!. يَجِبُ أن نَقولَ للإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام: ما القضيّةُ؟ أخبِرنا ما هذهِ المسألةُ لِكي نُفَكِّرَ بها. أنت الذي [تصلّي هذه الصلاة كيف تقول ذلك؟] فما جَوابُ الإمامِ عليه السلام؟! 

  • جَوابُ الإمامِ عليه السلام هوَ أنَّ العَبدَ في مَقامِ العُبوديّةِ لا يَستَطيعُ أن يُقَدِّمَ شيئًا لِمَولاهُ. فنحنُ الآنَ نَحسِبُ صَلاتَنا لأنَّنا لم نَعرِف المَولى وتَخَيَّلْنا أنَّ هذا المَولى إنسانٌ أفضَلُ من البَقيّةِ. حسنًا، أنتَ تَقومُ بِعَمَلٍ لِإنسان ما، فإن لم يُعجِبهُ تَقولُ: يا سيِّدُ، هل لكَ فَضلٌ أيضًا؟ ماذا حصل؟ الآنَ بِشأنِ اللهِ نَقولُ إنَّهُ أعلى، ونَضغَطُ على أنفُسِنا قَليلًا ونَجعَلُ صَلاتَنا أكثَرَ إحكامًا ونُقَلِّلُ الخَيالاتِ قَليلًا، ولكِن نَقولُ إنَّنا فعَلنا هذا، صَلَّينا صَلاتَنا وصُمنا صِيامَنا. فهل يَبدو لأنفُسِنا أنَّنا لم نَفعَل شيئًا؟!

  • المنُّ بالأعمالِ والتظاهرُ بها: كيف يُفسدُ ذلك قيمة العمل؟

  • أتَذَكَّرُ مرَّةً أنَّني قَرَأتُ في مَكانٍ ما أنَّ أحَدَهم كتَبَ أنَّ رجلًا من هؤلاءِ العلماء المَوجودينَ أراد أن يَضَع الحَجَرَ الأساسِ لِمَسجِدٍ، فجاءَ صاحِبُ تلكَ الأرضِ وتَقَدَّمَ أمامَ الجَمعِ وقالَ: يَجِبُ أن يَضَعَ حَجَرَ الأساسِ مَنْ لم تَفُتهُ صَلاةُ اللَّيلِ مُنذُ بُلوغِهِ حتّى الآنَ. ولم يتَقَدَّم أحدٌ، فجاءَ هوَ نَفسُهُ وأخَذَ المِعوَلَ وضرَبَهُ في الأرضِ. حسنًا أيُّها الأحمَقُ، ماذا تُريدُ أن تَقولَ بِعَمَلِكَ هذا؟ أنَّني مُنذُ بُلوغي حتّى الآنَ أُصلّي صَلاةَ اللَّيلِ؟ هل يأتي الإنسانُ لِيَمُنَّ على الآخَرينَ بِصَلاةِ اللَّيلِ؟ هذا المِعوَلُ لا فائِدةَ مِنهُ. دَع هذا المَسجِدَ جانِبًا. يَجِبُ أن يَضرِبَ هذا المِعوَلَ في الجَمعِ ذلكَ الذي يَرى نَفسَهُ أشقى من الجَميعِ أمامَ اللهِ. هوَ يَجِبُ أن يأتيَ ويَضرِبَ، وإن لم يكن يُصلّي صَلاةَ اللَّيلِ، وإن كانت صَلاتُهُ قَضاءً أيضًا. اللهُ يُريدُ قَلبًا مُنكَسِرًا لا عَمَلًا مُتَظاهَرًا بهِ، لا عَمَلًا لافِتًا للنَّظَرِ، لا عَمَلًا يُريدُ الإنسانُ أن يَستعرِضَهُ أمامَ الأفرادِ. ذاكَ لا يَنفَعُ. أنتَ لو كوَّكتَ آلةً ووَضَعتَ فيها قُوَّةً، من هذهِ التي يَصنَعونَها لها يَدٌ ورأسٌ وتَعمَلُ وفي المَصانِعِ توجَدُ، من هذهِ الدُّمى التي يَصنَعونَها، لو وَضَعتَ فيها قُوَّةً ووَصَلتَها بالكَهْرَباءِ تمامًا وتَرَكتَها تُصلّي، فهيَ تُصلّي أكثَرَ مِنكَ أيضًا! ليسَ فقط صَلاةَ اللَّيلِ، بل كلَّ نَوافِلِ الظُّهرِ واللَّيلِ وصَلاةَ جَعفَرٍ الطَّيّارِ وسَلمانَ والاستِسقاءِ والزِّلزِلةِ أيضًا تُصلّيها! تُصلّي أكثَرَ، ولكِن لا فائِدةَ. لماذا؟ لأنَّها روبوت. ليسَ لَديه قَلبٌ في هذهِ الصَّلاةِ. يَجِبُ أن يَضرِبَ المِعوَلَ مَنْ لم تَفُتهُ صَلاةُ اللَّيلِ! أنتَ بِكَلامِكَ هذا قد أضَعتَ كلَّ ثَوابِ صَلاةِ اللَّيلِ التي صَلَّيتَها حتّى الآنَ. فلماذا هذا؟ بِسَبَبِ الجَهلِ. الآنَ هوَ ليسَ رجلًا سَيِّئًا، ولكِن هذا ما يُسَمّى بالجَاهِلِ. الجَاهِلُ هوَ مَنْ لا يُدرِكُ مَوقِعَ الظَّواهِرِ والأحداثِ، لا يَفهَمُ ماذا يَجِبُ أن يَفعَلَ وأينَ. يَقولونَ صَداقَةُ أنثى الدُّبّ۱. لا يَفهَمُ أينَ يَستَخدِمُ الصَّداقَةَ وأينَ يستخدم العَداوَةَ، وأينَ يُبَلِّغُ وأينَ يَتَظاهَرُ، وأينَ يُخفي وأينَ يُظهِرُ. لا يَفهَمُ. ليسَ لَدَيهِ إدراكٌ ولا شُعورٌ.

    1. مَثَلٌ فارسيٌّ يُشيرُ إلى الصَّداقَةِ الضَّارَّةِ بِسَبَبِ الجَهلِ

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

12
  • لماذا يكره الله أن نَمُنَّ عليه بأعمالنا؟

  • تقدّم للرُّفَقاءِ ليلةَ أمسِ أنَّنا بِأعمالِنا وبِأفعالِنا نُريدُ أن نَمُنَّ على اللهِ. إلهي، لقد صَلَّينا وصُمنا وأدَّينا حَجَّكَ وجِئنا وفعَلنا هذهِ الأعمالَ. واللهُ لا يُعجِبُهُ الإنسانُ الذي يُريدُ أن يَعرِضَ هذهِ الأمورَ على حَضرَتِهِ. لقد جِئنا إلى هُنا، كنّا هُنا لِخَمسَةَ عَشَرَ عامًا وكنّا في ِخِدمةِ المرحوم العلاّمة، وكنّا بعده، في النِّهايةِ هُناكَ حِسابٌ وكِتابٌ... . اللهُ لا يُعجِبُهُ مَنْ يُريدُ أن يَستعرِضَ هذهِ الأمورَ أمامه. فليسَ الأمرُ بيدِ العَبدِ، بل بيدِ اللهِ. ولكِن أقولُ: اللهُ، كما عَرَفتُهُ، لا يُعجِبُهُ، أمّا كيفَ عَرَفتُموهُ أنتم، فلا علم لي.

  • كما عَرَفناهُ نحنُ وقيلَ لنا في كَلامِ الأعاظِمِ والأئِمَّةِ عليهم السلام، اللهُ يَكرَهُ مَنْ يُريدُ أن يَستعرِضَ عَمَلَهُ. إلهي، لقد فعَلتُ هذا العَمَلَ من أجلِكَ. بِمُجرَّدِ أن يَقولَ من أجلِكَ، يَضَعُهُ اللهُ أمامه: لماذا فعَلتَ العَمَلَ الفُلانيَّ بالأمسِ؟! ماذا حدَثَ؟! هذا التَّوفيقُ الذي وَجَدتَهُ لِتُصلِّيَ، مَنْ أعطاكَ هذا التَّوفيقَ؟! هل جَلَبتَهُ من مَنزِلِ عَمَّتِكَ أم خالَتِكَ؟! هذا الحالُ الذي حدَثَ لكَ بِحَيثُ لم تُشارِك في المَكانِ الفُلانيِّ وجِئتَ وشارَكتَ هُنا، مَنْ أعطاكَ هذا الحالَ؟! الشَّيءُ الذي أعطَيتُكَ إيّاهُ ورأسُ المالِ الذي أعطَيتُكَ إيّاهُ تَمُنُّ بهِ عَلَيَّ؟! القُوَّةُ التي أعطَيتُكَ إيّاها تَستعرِضُها أمامي؟ هذا ظُلمٌ كبيرٌ أن يُعطيَ الإنسانُ مالًا لِآخر، ثمَّ يَذهَبَ ذلك الآخر ـ ورغم أنّ المالُ والقُوَّةُ من غيره ـ يشتري شيئًا ويَقولَ: أنا اشتَرَيتُ هذا! فمَنْ أعطاكَ هذهِ القُوَّةَ؟! مَنْ أعطاكَ هذا التَّوفيقَ؟! كونُكَ الآنَ هُنا وإخوَتُكَ في مَكانٍ آخَرَ، مَنْ أعطاكَ هذا؟ كونُكَ الآنَ أنتَ هُنا وكانوا يُريدونَ أن يأخُذوكَ إلى المَجلِسِ الفُلانيِّ ولم تَذهَب، مَنْ أوجَدَ لكَ هذا التَّوفيقَ؟ كونُكَ في هذا المَوقِفِ وفي حالةٍ أنَّ رُفَاقكَ ومَنْ هم في سِنِّكَ وشَريكَكَ في مَكانٍ آخَرَ.

  • انظُروا الآنَ في هذهِ اللَّيلةِ السَّادِسةِ والعِشرينَ من شَهرِ رَمَضانَ، ما الخَبَرُ في المَنازِلِ؟ ما الخَبَرُ في السَّهَراتِ اللَّيليّةِ؟ في الأماكِنِ المُختَلِفةِ؛ ضِحكٌ وقَهقَهةٌ وعَبَثٌ. والآنَ لا نَقولُ فَسادٌ وذَنبٌ وفِسقٌ وفُجورٌ وهذهِ الأمورُ، لا! الناس العاديّونَ، هؤلاءِ النَّاسُ العاديّونَ والصَّائِمونَ والمُصَلّونَ. الآنَ الأحاديثُ التي تَدورُ في البُيوتِ والمَجالِسِ، أيُّ أقوالٍ وأيُّ مَواضيعَ؟ يا سيِّدُ، لا أعلَمُ، البَلَدُ الفُلانيُّ هَدَّدَ، يَصنَعونَ قَنابِلَ، يَصنَعونَ قنابل نَوَويّة، يَصنَعونَ هذهِ الأشياءَ و ليلةُ شَهرِ رَمَضانَ تَنتَهي بِأحاديثَ تافِهةٍ، ولا نَتيجةَ من الصِّيامِ والعِبادةِ والتَّوَجُّهِ و كلُّ الأشياءِ التي اكتَسَبوها في النَّهارِ يَفقِدونَها في اللَّيلِ، ويَومٌ جَديدٌ ورِزقٌ جَديدٌ. تَرتَفِعُ الأصواتُ وشِجارٌ، كنتُ هُناكَ! في النِّهايةِ يَذهَبُ الجَميعُ مُتعَبينَ وهالِكينَ. يا عَزيزي، لن تَحصُلَ على شيءٍ من كلِّ هذا الصُّراخِ والصِّياحِ ومُمارَسةِ الأسَاليبِ وإظهارِ الحَميّةِ القَوميّةِ والمَسائلِ الأُخرى. لن تَحصُلَ على شيءٍ، اذهَب وأنقِذ نَفسَكَ، يَجِبُ أن تَسلُكَ مَسارًا آخَرَ. اذهَبوا وانظُروا ما الخَبَرُ وما هيَ الأقوالُ؟ يتَحَدَّثونَ ثلاثَ ساعاتٍ، سَجِّلوا تلكَ السَّاعاتِ الثَّلاثَ واستَمِعوا إليها، سَتَضحَكونَ أنتم أنفُسُكم: انظُروا إلينا يا لَلعاطِلينَ، مَزَّقنا حَناجِرَنا وأوجَعنا أدْمِغَتَنا بِمَسائلَ لا تتَعَلَّقُ بي ولا بِكم.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

13
  • ولكِن تَوفيقَ اللهِ هوَ أن تَنهَضوا وتَأتوا إلى هُنا تَتلونَ القُرآنَ وتَقرَؤونَ دُعاءَ الافتِتاحِ. هذا التَّوفيقَ قد أعطاكُم إيّاهُ اللهُ. دَعوا كَلامَنا جانِبًا. كَلامُ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام لهُ مَكانُهُ، تلكَ النُّورانيّةُ في المَجلِسِ هيَ للقُرآنِ ودُعاءَ الافتِتاحِ، لا يَنسى الرُّفَقاءُ هذا، كلُّ شيءٍ في مَكانِهِ. هذا التَّوفيقَ لِكم إنسان أعطاهُ اللهُ؟ ثمَّ نَأتي ونَجلِسُ، أيُّها الرُّفَقاءُ، حَديثٌ بين الأحبّة والرفقاء وكَلامٌ ؟ الآنَ نَأتي ونَقولُ: إلهي، لقد جِئنا في لَيالي شَهرِ رَمَضانَ وجَلَسنا وقَرَأنا القُرآنَ وقَرَأنا دُعاءَ الافتِتاحِ واستمعنا إلى المحاضرة؟ فهل نَترُكُها تَذهَبُ هكذا عَبَثًا؟ أينَ ذهَبَت مَلائِكَتُكَ فلِيَأتوا ولينظروا إلينا؟ يَقولُ اللهُ: مَن الذي أتى بِكَ إلى هُنا؟ مَن الذي مَنَعَكَ من الذَّهابِ إلى مَكانٍ آخَرَ والمُشارَكةِ في هذهِ المَجالِسِ الأُخرى وقَضاءِ عُمرِكَ من اللَّيلِ إلى الصَّباحِ في البَطالةِ؟ هُناكَ لا مَكان للإنكارِ، بِدِقَّةٍ ووُضوحٍ يأتي الإنسانُ ويَرى الواقِعَ. نعم، هذا كانَ فِعلَ اللهِ، فيُطَأطِئُ الإنسان رأسَهُ. في النِّهايةِ لا يَبقى شيءٌ، عندَها يصِلُ إلى كَلامِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام. الآنَ كَلامُ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام لِيَبقى لِوَقتٍ لاحِقٍ، لِلَّيالي القادِمةِ إذا وَفَّقَ اللهُ.

  • كيف نتعامل مع أعمالنا؟ وصيةٌ عمليةٌ: امحُ عملك بعد فعله!

  • نحنُ ننظر إلى عَمَلَنا من مَوقِعِنا نحن. فهو عَمَلٌ أمامَهُ ألفُ سُؤالٍ، عَمَلٌ فيهِ ألفُ خَيالٍ، عَمَلٌ أمامَهُ ألفُ عَلامَةِ استفهامٍ. أينَ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام؟ أينَ عِبادَةُ الأئِمَّةِ عليهم السلام؟ كنّا نَقومُ بِعَمَلٍ، نَنهَضُ ونَذهَبُ إلى المرحومِ العلاّمةِ: يا سيِّدُ، لقد قُمنا بِهذا العَمَلِ، فلماذا حدَثَ كذا؟ ولماذا لم يَحدُث كذا؟ ثلاثُ سَنَواتٍ ونحنُ هُنا، لَدينا ألفُ طَلَبٍ وأُمنيّةٍ وكذا من هذا وذاكَ. ذَكَرتُ للرُّفَقاءِ في اللَّيلةِ السَّابِقةِ، على الإنسان أن لا يحسب حساب العَمَلِ الذي يَقومُ بهِ. العَمَلُ الذي قُمتُم بهِ امسحوه فورًا مِثلما تصنعون على جهاز الكُمبيوتَرِ عندما تَضغَطونَ مفتاح «Delete»، فإذا به قد مُحِيَ وذهَبَ وانتَهى. فكلّ عَمَلٍ تَقومونَ بهِ، اضغَطوا مفتاح «Delete» ذاكَ. افعَلوا هذا، إن لم تَفعَلوا خَسِرتُم وتضرَّرتُم وخَسِرنا. إن لم تَفعَلوا. فلِنَأتِ ولنتَعَلَّم من الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام الذي يَقولُ هُنا: أنا لم أقُم بِعَمَلٍ. مَعرِفَتي يا إلهي، كانت بتَوفيقكَ، فقد شَمِلَني توفيقك وعرفت، الآنَ وقد عرفتُ وأدركت فلا يُمكِنُ فِعلُ شيءٍ حِيالَ تلك المعرفة. هذهِ المَعرِفةُ جَذَبَتني نَحوَكَ. الآنَ لِنَنتَقِل إلى المَحَبَّةِ، وليبق البحث حول المَحَبَّةُ لوقت آخر لندرس لماذا يَطرَحُ الإمامُ عليه السلام المَحَبَّةَ. فعندما يأتي دورُ العَمَلِ، الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام قد مَسَحَ الجَميعَ! يَقولُ: مَا لِي عَمَلٌ صَالِحٌ، ليسَ لَدَيَّ عَمَلٌ صالِحٌ.

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

14
  • لقد قُلتُ للنَّاسِ أحكامًا وأحاديثَ لأربَعينَ عامًا، وقد مَسَحتُها كلَّها. لقد عَبَدتُ لأربَعينَ عامًا، مَسَحتُها كلَّها. لقد قُمتُ بالإمامةِ لأربَعينَ عامًا بعدَ أبي، مَسَحتُها كلَّها. أمامَ اللهِ ليسَ لَدينا إمامةٌ، ليسَ لَدينا قِيادَةٌ وزَعامَةٌ أمامَ اللهِ، أمامَ اللهِ لَدينا فقط عُبوديّةٌ. هذا ما يُعَلِّمُنا إيّاهُ الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام. ألم يكن الإمامُ السَّجَّادُ عليه السلام إمامًا؟ هل قالَ: إلهي، أنا إمامٌ على الخَلقِ؟! هل أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام في أحاديثِهِ يستعرض ذلك؟ نَعَم! عندما يتَحَدَّثُ معَ النَّاسِ يَقولُ: يَجِبُ أن تَأتوا إلينا. أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام عندما يَخطُبُ بالنَّاسِ يَقولُ: أيَّ مَكانٍ تَذهَبونَ إليهِ غَيرَ هذا المَنزِلِ فقد ذهَبتُم إلى جَهَنَّمَ ولا عَودَةَ مِنهُ. ويَقولُ صِدقًا، ولا يوجَدُ في الدُّنيا كَلامٌ أصْدَقُ من كَلامِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام، أبَدًا! إذا تَقَدَّمتُم خَسِرتُم، وإذا تَأخَّرتُم خَسِرتُم. يَجِبُ أن تَأتوا إلى هُنا فقط. هذا يَقولُهُ بِضِرسٍ قاطِعٍ أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام والإمامُ الحَسَنُ عليه السلام والإمامُ الحُسَينُ عليه السلام والإمامُ الرِّضا عليه السلام.

  • في تلكَ الرِّوايَةِ المَعروفةِ حول الإمامةِ والوَلايةِ، يَقولُ الإمامُ عليه السلام للنَّاسِ: أصلًا عُقولُكم أوهامٌ بالنِّسبةِ للإمامةِ، ليسَ لَدَيكم عَقلٌ، عُقولُكم أوهامٌ. أي أنَّ عَقلَكم أصلًا لا يَستَطيعُ بِسَبَبِ نَقصِهِ الوُجوديِّ أن يُدرِكَ مَرتَبَةَ الإمامِ۱. ويَقولُ صِدقًا. مَنْ ذا الذي يَستَطيعُ أن يَعرِفَ الإمام إلا أن يكونَ وَليًّا للهِ لِيَستَطيعَ مَعرِفةَ الإمامِ؟ أينَ نحنُ لِنَستَطيعَ مَعرِفةَ الإمامِ؟ عَقلُنا بالنِّسبةِ لِمَرتَبَةِ الإمامةِ وَهمٌ وخَيالٌ. نَعَم! الإمامُ رَجُلٌ عَظيمٌ ولَدَيهِ قُدرَةٌ وكذا، ولكِن حقًّا لو تَجَلّى لنا الإمامُ عليه السلام، فهل سيكون موافقًا لمُدرَكاتِنا تلكَ؟ كلا. هذا الذي أبيّنه لكم قد جَرَّبناه في زَمَانِ أولياءِ اللهِ. كنّا نَسمَعُ أمورًا ومَسائلَ ونَقومُ بِتَوجيهاتٍ في أذهانِنا، ثمَّ عندما تَنكَشِفُ لنا القضيّةُ كنّا نَقولُ: «يا وَيلَتاه!». 

  • ماذا كانَ يُريدُ أن يَقولَ هوَ، وماذا كنّا نُفَكِّرُ نحنُ وكيفَ كنّا نُوَجِّهُ؟ كنّا نتَخَيَّلُ أنَّ المسألةَ هي بِسَبَبِ هذهِ القضيّةِ، ولكِن لا يا عَزيزي، أصلًا ما يَدورُ في أذهانِنا لا عَلاقَةَ لهُ بِذلك. فعَمَلُ أولياءِ اللهِ هكذا. كلُّ هذا مَحفوظٌ في مَكانِهِ، ولكِن كلَّ هذا في عَلاقَةِ الإمامِ بالنَّاسِ. هم أنفُسُهم في عَلاقَتِهم بِاللهِ ومَقامِ العُبوديّةِ والمُناجاةِ، على أيّة حالةٍ كانوا؟ هل كانوا يَرَونَ أنفُسَهم أئِمَّةً هُناكَ؟! إلهي، أنا إمامٌ، انتَبِه جيِّدًا، اِعرِف مَنْ يقف أمامكَ!! أهكذا؟ أم لا؟ بل لا خَبَرَ عن الإمامةِ ولا خَبَرَ عن الزَّعامةِ ولا خَبَرَ عن الحَربِ والسَّيفِ، ولا خَبَرَ عن معركة النَهرَوانَ والجَمَلِ وصِفِّينَ، أبَدًا! أميرُ المُؤمِنينَ عليه السلام كانَ يُحارِبُ في النَّهارِ ويَمسَحُ في اللَّيلِ. طبعًا عَليٌّ عليه السلام كانَ يُحارِبُ في اللَّيالي أيضًا، في حَربِ صِفِّينَ. كانَ يَعمَلُ من الصَّباحِ إلى المَساءِ، وفي اللَّيلِ يَمسَحُ الجَميعَ ويَقِفُ ويَقولُ: اللهُ أكبَرُ! يَمسَحُ الجَميعَ ثمّ يَقولُ: اللهُ أكبَرُ! وطبعًا هو لم يكن يَمسَحُ، نحن الذين علينا أن نَمسَحَ، هوَ أصلًا كانَ طاهِرًا ولم يكن بِحاجَةٍ إلى مَسحٍ وتَطهيرٍ، نحنُ يَجِبُ أن نَفعَلَ هذا، فقد أخطَأتُ التعبير، هم لم يكونوا يَمسَحونَ، نحنُ يَجِبُ أن نَفعَلَ ذلك. هوَ أصلًا طاهِرٌ، لماذا هوَ طاهِرٌ؟ لأنَّهُ عَبدٌ. نحنُ لأنَّنا لا نَرى أنفُسَنا عَبيدًا يَجِبُ أن نَمسَحَ، يَجِبُ أن نَضغَطَ ذلكَ الزِّرَّ. وإلا لو وَصَلنا إلى مَرتَبَةٍ لا نَرى أنفُسَنا، فهُناكَ سَيكونُ الزِّرُّ مَضغوطًا تِلقائيًّا حتّى النِّهايةِ ولا حاجَةَ للضَّغطِ باليَدِ.

    1. الاحتجاج - الشيخ الطبرسي - ج ٢ - الصفحة ٢٢٨: فَمَنْ ذَا الَّذِى يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الإمَامِ؟ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟
      هَيْهَاتَ! هَيْهَاتَ! ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَ تَاهَتِ الْحُلُومُ، وَ حَارَتِ الالْبَابُ، وَ خَسَأَتِ الْعُيُونُ، وَ تَصَاغَرَتِ الْعُظَمَآءُ، وَ تَحَيَّرَتِ الْحُكَمَآءُ، وَ تَقَاصَرَتِ الْحُلَمَآءُ، وَ حَصَرَتِ الْخُطَبَآءُ، وَ جَهِلَتِ الالِبَّاءُ، وَ كَلَّتِ الشُّعَرَآءُ، وَ عَجَزَتِ الادَبَآءُ، وَ عَيِيَتِ الْبُلَغَآءُ؛ عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، وَ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَآئِلِهِ؛ وَ أَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَ التَّقْصِيرِ.
      وَ كَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ؟ أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ؟ أَوْ يُفْهَمُ شَىْ‌ءٌ مِنْ أَمْرِهِ؟ أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَ يُغْنِى غِنَاهُ؟ لَا.
      كَيْفَ؟ وَ أَنَّى؟ فَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ وَ وَصْفِ الْوَاصِفِينَ.
      فَأَيْنَ الاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَ أَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَ أَيْنَ يُوجَدُ مِثْل‌ هذا. 

تجنّب التوقّع والمَنّ على الله: سبيل العبودية الحقّة - لسانٌ فصيحٌ وقلبٌ مُظلمٌ أم لسانٌ ألكَنٌ وقلبٌ مُضيءٌ؟

15
  • ولكِنَّنا لم نَصِل بَعدُ. يَجِبُ أن نَجهَدَ الآنَ ونُراقِبَ ونَنتَبِهَ الآنَ. نتَحَدَّثُ للنَّاسِ، ثمّ بعدَ الجَلسةِ نَمسَح. نُصلّي، بعدَ الصَّلاةِ نَمسَح. نَصومُ، عندَ الإفطارِ نَمسَح. إلهي، أنا لم أصُم، إلهي، أنا لم أصَلِّ. فلنَفعَل هذا لِمُدَّةٍ ثمّ لنَرَ ماذا سيَحدُثُ؟ لِنَرَ كيفَ سَتصبحُ الأمور؟

  • مرَّةً أُخرى الوَقتُ يَمُرُّ اليومَ. إن شاءَ اللهُ نأمَلُ من الله التوفيق، نَخشى أن يَنتَهيَ شَهرُ رَمَضانَ ونحنُ لا نَزالُ في هذهِ الفِقرَةِ. إن شاءَ اللهُ نأمَلُ بِبَرَكَةِ أنفاسِ الإمامِ السَّجَّادِ عليه السلام أن يَرزُقَنا اللهُ من طَرَفِ أولئكَ الأعاظِمِ تَوفيقَ التَّحَوُّلِ والتَّبَدُّلِ، وأن يُعطونا لَمحةً مِمّا لديهم، قَطرَةٌ وذَرَّةٌ تَكفينا. الحَديثُ هوَ أنَّ تلكَ الذَّرَّةَ لم تُعطَ. لِيُذيقونا قَطرَةً من بَحرِ مَعرِفَتِهم ذاكَ، حتّى نَستَطيعَ أن نَأخُذَ تلكَ القَطرَةَ نَفسَها ونَأخُذَ تلكَ النافذة نَفسَها ونَصِلَ بأنفُسَنا، ونَصِلَ إلى تلكَ المَعاني والمَعارِفِ التي كانَ أولئكَ الأعاظِمُ بِصَدَدِ بَيانِها وتَوضيحِها وإظهارِها. إن شاءَ اللهُ يُوَفِّقُنا اللهُ. 

  •  

  • اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وآلِ محمَّدٍ.