3

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها

كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

53
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1427

التاريخ 1427/09/05

جلسات المجموعة(3 جلسة)

التوضيح

تبحث هذه المحاضرة في عمق المعرفة الشهودية الحقيقية المقرّبة إلى الله، وتميّزها عن المعارف السطحية والاعتبارات الدنيوية. تجيب عن أسئلة حول قصور العلوم الظاهرية، ومعنى عمى القلوب، وخصائص عصر ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ونظرة الأولياء لحقائق الوجود. تكشف المحاضرة أثر البصيرة الداخلية في السلوك إلى الله وتنتقد المظاهر الزائفة والسطحية في فهم الدين والحياة.

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

1
  • هو العليم

  •  

  • حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها

  • كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۷ هـ - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدّس الله سره

  •  

  •  

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّیطانِ الرَّجیم

  • بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحیم

  • و صلَّى‌ اللَهُ عَلَى سیّدنا و نبیّنا أبی‌القاسم مُحَمَّدٍ

  • و على آله الطَّیبین الطّاهرین

  • و اللعنةُ عَلَى أعدائِهم أجمَعینَ

  •  

  •  

  • المعرفة والحبّ: هل هما دليلك وشفيعك إلى الله؟

  • «معرفتِي یا مولاي دلیلي عليک و حبّي لک شفيعي إليک و أنا واثقٌ من دليلي بدلالتک و ساکنٌ من شفيعي إلى شفاعتک»

  • معرفتي بك يا مولاي هي دليلي إليك، وحبّي لك هو شفيعي لديك، وأنا على يقين بأنّ هذا الدليل سيدلّني ويهديني إليك، أنا على يقين. وهذا الشفيع الذي قدّمته بين يديك وهو عبارة عن محبّتي لك سيُوصلني إلى شفاعتك ويربطني بها، بمنتهى الطمأنينة والسكون وراحة البال.

  • ما وراء الكتب: كيف تُنال المعرفة الحقيقية؟

  • فيما يتعلق بمسألة المعرفة، تمّ عرض بعض الأمور على الرفقاء، واتضحت المسألة إلى حدٍّ ما، وهي أنّ ميزان قيمة الإنسان هو بمقدار معرفته بعالم الحقائق وعالم الواقع. وبقدر ما تكون معرفته أعمق، تكون درجته أعلى. وهذه المعرفة لا تحصل لأحد بهذه السهولة، ولا تُنال بقراءة الكتب. نعم! القراءة تساعد وترشد وتزيل الموانع، ولكنّ هذه المعرفة التي يقصدها الإمام عليه السلام، يتطلّب تحصيلها سبيلًا خاصًّا، ويتطلّب الوصول إليها مسارًا معيّنًا. هذه المعرفة هي معرفة الواقع ومعرفة حقيقة عالم الوجود، ومعرفة الذات الأقدس للّه تعالى وآثارها الذاتيّة والوجوديّة، وكيفيّة تجلّي حقيقة الوجود بواسطة الأسماء والصفات الكلّية في المظاهر الجزئيّة؛ هذه هي المعرفة.

  • وإلا، فبمجرّد التدريس والدرس والتعليم والتعلّم والمطالعة، ستحصل للإنسان محفوظاتٌ، وهذه المحفوظات لا يمكن أن تترسّخ وتنْفُذ في وجود الإنسان بحيث تغيّر حالة الجهل الحاكمة على النفس والتي تتمحور حول التخيّلات والأوهام والمشاعر؛ لو كان الأمر كذلك، لكان ينبغي لجميع العلماء أن يكونوا مصونين عن الخطأ، لأنهم درسوا بما فيه الكفاية. لكان ينبغي لجميع الفضلاء أن يكونوا معصومين، لأنّ ما هو متوفر من النصوص والأدلة لرفع الخطأ والاشتباه يكفي، نعم يكفي. في حين أنّنا نرى أعاظم منّا قد وقعوا في أخطاء كبيرة، وزلّات جسيمة جدًّا.

  • نور الباطن أم ظلمات العلوم؟ لماذا تفشل المعارف الظاهريّة وحدها؟

  • العلوم التي يجب أن نسعى إليها للوصول إلى معارف الشريعة وأسسها، هي علوم ترشد العقل وتساعده وتعينه على بلوغ المقصود. ولكن، بما أنّ تلك الهويّة التي تستخدم هذه العلوم وتستعملها للوصول إلى الأهداف والمقاصد هي هوية ممزوجة بالوساوس والتخيلات والأهواء والغرائز والصفات الحسنة والسيئة، ولأن هذه الهوية والحقيقة التي تستخدم هذه العلوم تتسم بمثل هذه الخصوصية، لذا لا يستطيع الإنسان أن يطمئن إلى النتائج والثمرات الحاصلة من استعمال واستخدام هذه العلوم من قِبَل هؤلاء الأفراد؛ لا يستطيع. ففي مجال استنباط الأحكام والاجتهاد بها، فإنّ نتائج الاستنباط والاجتهاد - كما نقول - كلّها ظنّية، باستثناء عددٍ من الأحكام الضروريّة، فالبقيّة أيضًا ظنّية. لأنّ الظنّ إمّا في الدلالة وإمّا في الطريق (السند).

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

3
  • قلّة السالكين: ندرة المطبّقين لمبادئ المعرفة الحقيقيّة

  • أيّ مجتهدٍ جاء وطبّق الروايات على تلك الأسس المعرفية المستقاة من عالم الوحي وعالم الشريعة وعالم الملاكات (العلل والمعايير)، وميّز صحة الأحاديث وسقمها بناءً على مطابقتها لتلك الملاكات؟ من الذي قام بمثل هذا العمل؟ نعم! إلا ما شذّ وندر، فربما وُجد أفراد قليلون جدًّا في هذا المسار، في هذه الحقبة، في هذا التاريخ، كانوا يستفيدون من ذلك النور الباطني والمصباح الذي أوقده الله تعالى في نفوسهم للوصول إلى حقيقة القضايا والحوادث والأحكام.

  • سفينة النجاة: عصمة الأولياء في هداية الأمة

  • أولياء الله يستفيدون من هذا الأمر في شؤونهم، حيثما يتعلق الأمر بتربية الأفراد ويتّصل بالقضايا الاجتماعية وصلاح الأمّة، لذا فهم لا يخطئون في هذا المجال. يستحيل أن يخطئوا. هذه العلوم، وإن كانت قد انبثقت من منبع الوحي ونفوس المعصومين المطهّرة عليهم السلام، لكن من حيث رسوخها في النفس - على فرض صحّتها وتماميتها - فإنّ مسألة الرسوخ في النفس تقع محلّ تساؤل وتأمّل: إلى أيّ مدى استطاعت هذه العلوم أن تؤثّر في نفوس المخاطبين؟

  • آذان صمّت وقلوب أُقفلت: لماذا لم يؤثر القرآن في أبي جهل ومعاوية؟

  • إنها ليست بأعلى منزلة من آيات القرآن! فهل استطاعت آيات القرآن أن تغيّر أبا جهل وأبا سفيان؟ هل استطاعت آيات القرآن أن تبدّل معاوية ويزيد والحجّاج بن يوسف الثقفي؟ بعض هؤلاء كانوا يحفظون القرآن كلّه، وبعضهم نصفه، وبعضهم أكثره. أو أولئك العلماء الذين كانوا في ذلك الزمان وكانوا يخدمون البلاط والسلاطين والخلفاء، ألم يكونوا يستخدمون هذه العلوم نفسها و آيات القرآن نفسها؟ ألم يكن هؤلاء يسمعون كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ ألم يكن هؤلاء مع النبيّ صلّى الله عليه وآله؟ ألم يكن هؤلاء يجلسون أمام النبيّ صلّى الله عليه وآله ويفهمون الأمور مشافهةً من شفتي رسول الله صلّى الله عليه وآله؟ فهل استطاعت هذه المسألة أن تغيّرهم؟ لا يوجد لدينا من هو أعلى من النبيّ صلّى الله عليه وآله. كلّا! لماذا؟ لأنّ عالم التربية والتشريع هو عالم الامتحان والاختيار؛ إنه الاختيار. والتربية يجب أن تتمّ على أساس الاختيار والإرادة.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

4
  • مفتاح الهداية: هل تفتح أذنيك للقرآن؟

  • إذا لم يُرِد شخصٌ أن يستمع للقرآن، فلو قرأتَ عليه القرآن من أوله إلى آخره، فإنه سيضع يده في أذنه. القرآن لا يستطيع أن يُخرج اليد من الأذن. هل تدركون؟ القرآن يستطيع أن يُفهم معانيه لمن فتح أذنيه، لا لمن أغلقها.

  • {خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}۱. لقد جاء الله ليختم بالبطلان على آذان وأعين وقلوب أمثال هؤلاء. الختم يعني الطبع، يعني بلوغ النهاية؛ بلوغ النهاية. يعني أنّ هذا البصر لم يعد يُجدي نفعًا! إنه يرى، ولكن هذه الرؤية لا تُحدث فيه أثرًا. يرى البئر، ويمضي ويمضي حتى يسقط فيه! لا أنّه لا يرى البئر، بل يراه! وهذا عجيب!

  • رؤية بلا أثر: كيف يعمل الختم على القلب والبصر؟

  • تارةً لا يرى الإنسان، يكون نائمًا، أعمى، مغلق العين. ولكن تارةً أخرى يرى، لكنّ هذه الرؤية مجرّد انعكاس للضوء، لا أكثر. لا يترتب أثرٌ على هذا الانعكاس الضوئي. فالآن أمامي هذا العمود، وأنا أريد أن أتحرّك وأذهب. حسنًا، أنا أراه، هذا العمود أمامي. بمجرد أن أريد التحرّك - حتّى الطفل يفعل ذلك، طفل في الثانية من عمره، فلماذا نتحدّث عن رجل في الأربعين أو الخمسين؟ طفل في الثانية من عمره عندما يريد أن يتحرّك، بمجرد أن تقع عينه على العمود، فإنه لا يسير هكذا ليصطدم رأسه به! لا! يسير، وعندما يقترب من العمود، تراه فجأة ينعطف يسارًا. لماذا؟ لأنّ هذه الرؤية جعلت ذهنه يتحرك، جعلت فكره يتحرك. لو لم يتحرك، لمضى واصطدم رأسه. أما نحن، فنرى ونمضي ونسقط في البئر أيضًا! هذا هو معنى الختم. ليس أنهم لا يرون.

  • لا تعمى الأبصار ولكن..! ما هو العمى الأخطر؟

  • تلك الحقيقة، حقيقة العمى التي تُذكر في آيات القرآن: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}٢، أيّها الناس، هذا العمى الذي تتصورونه ليس هو العمى ،بل هو ظاهرة خارجية تحدث للإنسان بسبب علل وعوارض، أحيانًا تزول وأحيانًا تبقى، إنها مسألة جسدية، مادية. هذا لا يُسمى عمىً. العمى هو العمى الذي يُلقي بحقيقة الإنسان في الشقاء والضلالة والضياع. فكيف نعالج ذلك العمى؟

    1. سورة البقرة (٢) الآية ۷.
    2. سورة الحج (٢٢) الآية ٤٦.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

5
  • هذا العمى، يكون مع الإنسان فترةً، وبانتهاء عمره، سينتهي عمر هذا العمى أيضًا، ينتهي الأمر. الذين هم عمي في هذه الدنيا لا معنى للعمى بالنسبة إليهم في عالم المثال والبرزخ، لا معنى له. هناك يوجد البصر، لأن الإدراك هناك ليس بالإدراك الظاهري، وإدراك المادة لا مكان له في عالم المثال والملكوت، وهذه العين وهذا العضو المخصوص لا سبيل له إلى هناك أصلًا. هذا يخصّ هذه الدنيا. ما يتحقق للإنسان في ذلك العالم هو عمى القلب.

  • سؤال المحشر المفزع: {رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ}؟

  • هناك آية عجيبة حقًّا تقول: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا}۱. يا لها من آية عجيبة! هذه الآية تتعلّق بوضعنا في هذه الدنيا نفسها. بدلًا من أن نواجه هذه الآية يوم القيامة، تعالوا الليلة نطبّق هذه الآية على وضعنا الحالي، ولا نَدَع الأمر يصل إلى القيامة. تقول الآية إنّ هؤلاء الناس يوم القيامة لا يرون أي شيء. لا يرى يمينه ولا يساره ولا أمامه. له عين لكنه لا يرى. يقول: يا ربّ، كيف حشرتني أعمى؟ كيف بعثتني أعمى وقد كنتُ في الدنيا ذا بصرٍ أرى، بينما الآن لا أرى أي شيء؟

  • لا أنه لا عين له، بل له عين ولكنّه لا يرى مكانًا، لا يرى أمامه. الحقائق التي يوجدها الله تعالى في ذلك الوقت في عالم القيامة هي حقائق لا تراها أعين الأفراد الظاهرية. أهل النار لا يرون الجنة، لا يرون أشجار الجنة، لا يستطيعون رؤية ثمار الجنة. لماذا؟ لأنّ ثمار الجنة ونعمها هي بكيفية تجعلها قابلة للرؤية بتردّد خاص بها، لا بما يتناسب مع الوضع الموجود في الدنيا.

  • أبعد من الحواس: هل نسمع ونرى كل ما يحيط بنا؟

  • الآن، هذه الأمواج التي تصل إلى آذاننا مضبوطة على تردد معين بحيث يتوافق وضع الأذن الفيزيائي مع ذلك التردد، فيسمع الإنسان. فإذا ارتفع التردّد عن ذلك الحد أو انخفض، فإنّ أذننا لا تسمع. الآن توجد أصوات كثيرة لا تسمعها آذاننا. لماذا؟ لأنّ الوضع الفيزيائي للأذن - صماخ الأذن، العصب، العظيمات الموجودة في مقدّمة الأذن، ثمّ توصيل الأمر إلى العصب، ثمّ حركة سلسلة الأعصاب - مصمّم بكيفيّة لا تمكّنها من سماع الأصوات التي تتجاوز حدًّا معيّنًا، سواء أعلى أو أدنى. وأعيننا كذلك. فقد تكون هناك الآن صور كثيرة في هذا المكان، في المكان الذي نجلس فيه، في هذه الحسينيّة، توجد صور غير قابلة للرؤية بالنسبة لنا، غير قابلة للرؤية. ولكن لماذا هي غير قابلة للرؤية؟ لأنّ أعيننا، من حيث وضعها الجسمي والمادي، هي بكيفية تستطيع أن تلتقط الضوء بطول موجي معيّن وينعكس، وتقوم الشبكيّة بتركيز هذا الضوء في تلك النقطة، البقعة الصفراء، ومن هناك تنقله إلى الدماغ. فإذا ارتفع طول الموجة الضوئية أو انخفض، لا تستطيع العين أن ترى، لا تستطيع أن تدرك.

    1. سورة طه (٢۰) الآية ۱٢٥ 

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

6
  • ليس الأمر أننا الآن نرى هذه الصور ونرى الرفقاء بجانب بعضنا البعض وأنّ المسألة تقتصر على هذا. فلو أنّ وضْعنا - من حيث الاقتدار الروحي، وسيطرة النفس، واستخدام الأعضاء بالقوة النفسانية - وصل إلى حالة يستطيع فيها أن يحكم القوانين المنطبقة على أجزاء النفس والبدن، حينها سنسمع أصواتًا لا يسمعها الآخرون، ونرى أشياء لا يراها الآخرون؛ لا يراها الآخرون. حتى هذه الأشياء المادية وهذه الصور المادية هي بهذه الكيفية، فكيف بالصور المعنوية والأمور المعنوية؟

  • شهادة النبيّ لعليّ: «تسمع ما أسمع وترى ما أرى»

  • يقول أمير المؤمنين عليه السلام: عندما كنتُ أذهب مع النبيّ صلّى الله عليه وآله إلى غار حراء، كنتُ أسمع تسبيح الملائكة ومناجاتهم والأحاديث التي كانوا يتبادلونها، تمامًا كما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يسمع. وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول لأمير المؤمنين عليه السلام: «أنت تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلا أنه لا نبيّ بعدي»۱. فأنت تسمع ما أسمعه وترى ما أراه، ولكنّك لست نبيًّا.

  • هِبَاتٌ ربانية: هل فيض الروح القدس حكرٌ على الأنبياء؟

  • ليس من الضروري أبدًا أن يكون الإنسان نبيًّا حتى يصل إلى هذه الأمور، لا! فالله تعالى قادر على أن يهب لغير الأنبياء تلك المواهب التي وهبها للأنبياء. 

  • فیض روح القدس ار باز مدد فرماید***دگران هم بکنند آن چه مسیحا می‌کرد
  • يقول:

  • لو أنّ فيض روح القدس أعان مرّة أخرى *** لَفعل الآخرون أيضًا ما كان يفعله المسيح.

  • عالم الاختيار: لماذا يتفاوت أثر كلام النبيّ في النفوس؟

  • إذًا، هذه العلوم وهذه المسائل ليست أمورًا تأتي لتغيّر حقيقة نفس الإنسان دون أن يريد هو ذلك. عالم الشرع والتربية هو عالم الاختيار. أولئك الذين كانوا يأتون ويجلسون عند رسول الله صلّى الله عليه وآله، كانوا يجلسون جميعًا معًا في مكان واحد، وكان النبيّ صلّى الله عليه وآله يقول كلامًا واحدًا للجميع. هذا الكلام النبويّ كان له تأثير خاص في كل فرد من الأفراد الحاضرين في ذلك المجلس؛ في أحدهم بنسبة مائة بالمائة، وفي آخر بنسبة تسعين بالمائة، وفي آخر بنسبة ثمانين بالمائة، وفي آخر بنسبة ثلاثين بالمائة، وفي آخر بنسبة اثنين بالمائة، وفي أحدهم لم يؤثّر أصلًا، وفي آخر كان تأثيره أسوأ! كان يخرج ويسخر! يستهزئ قائلًا: ماذا يقول؟ انظروا ماذا يقول؟ هذا الذي يقول "انظروا ماذا يقول" كان يجلس بجانب الذي تأثر مئة بالمائة. فكيف يؤثر فيه مائة بالمئة ولا يؤثر في هذا؟

    1. الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، نهج البلاغة (جمع: الشريف الرضي)، الخطبة ۱٩٢ (المعروفة بالخطبة القاصعة)

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

7
  • قصة نشر كتاب واجه العواصف: "وظيفة الفرد المسلم في حكومة الإسلام"

  • للمرحوم العلاّمة كتاب بعنوان "وظيفة الفرد المسلم في حكومة الإسلام"، جمع فيه - إلى حد ما، بنسبة مئوية معيّنة - المسائل التي كانت في الزمن الماضي. قال لي ذات يوم: يا فلان! هذا الكتاب لو نُشر، برأيك أيّ تأثير سيُحدث؟ قلت: قطعًا ستُتّخذ مواقف ضدّ هذا الكتاب وسيُواجَه، هذا أمر مؤكّد لا مفرّ منه؛ هذه مسألة. ولكنها موجة ستُثار، ثمّ شيئًا فشيئًا بمرور الزمن وإن شاء الله بتكامل العقول، ستخمد تدريجيًا، وعندما تصل إلى الشاطئ، لن يبقى أثر لتلك الموجة. فقال: نعم! الأمر كذلك. لم يمض وقت طويل حتى رأينا الضجة قد بدأت. نهض رجل من مكان وكتب شيئًا، وقال آخر من مكان آخر أمرًا، وآخر من على المنبر - وكنتُ جالسًا بنفسي في مسجد ما، وبالطبع لم يذكر اسم الكتاب، ولكن كان واضحًا من يقصد وما هو الموضوع فبدأ بالحديث. نعم! جاء بعضهم في هذا الكتاب يريدون أن يطرحوا أنفسهم في مقابل آخرين!

  • حسنًا يا عزيزي! هناك الآن من يريد أن يطرح نفسه، فليطرحها. هل هذا الكلام الذي قاله كذب أم صدق؟ لماذا لا تبحث أولًا عن صدقه وكذبه يا عزيزي؟!

  • الإنسان هو الإنسان: هل تغيرت طبائعنا بعد ۱٤۰۰ عام؟

  • لماذا؟ عندما يواجه الإنسان أمرًا ما - وهذا هو القرآن نفسه، لا يختلف الأمر فيه- لماذا نتعجّب الآن من أنّ أفرادًا كانوا في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله يسمعون كلامه ثم يسخرون؟ حسنًا، تفضل الآن، في هذه الليلة ليلة الإثنين - أليست الإثنين؟ - في هذا الوضع الحالي. الإنسان بعد ألف وأربعمائة سنة من الإسلام هو نفس الإنسان قبل ١٤٠٠عام، لا يختلف أبدًا، لا فرق أبدًا. مدركاته واحدة، نفسانياته واحدة، صفاته واحدة، ميوله واحدة، أغراضه واحدة، رغبته واحدة، إرادته واحدة. غاية ما في الأمر أنّ أسباب ووسائل الوصول إلى الأهواء في زمنٍ ما أكثر منها في زمنٍ آخر.

  • عبء السلطة الزائفة: هل كان الإسكندر وكسرى سعداء حقًا؟

  • سابقًا كان هناك نيرون وجنكيز والمغول وتيمور وشابور وداريوش والإسكندر وأمثالهم. كانوا يجيّشون الجيوش من هنا إلى هناك، و يقولون لنأخذ هذا البلد وذاك البلد. فلماذا نذهب ونأخذ البلاد؟ لماذا نذهب ونفتح هذا البلد؟ لماذا؟ لكي نحكم نحن! نحن، نحن، نحن، نحن! الآن يا جناب الإسكندر، لو لم تذهب وتأخذ مكانًا ما، فهل كان سينقص من عمرك شيء؟ هل كان سينقص من خبزك وطعامك؟ لا! ربما كنتَ أكثر راحةً أيضًا، لأنّ فتح البلدان فيه متاعب، إذ عليه أن يفكّر في شؤون منطقة واحدة، ولكن بعدها عليه أن يفكّر في شؤون منطقة أخرى أيضًا. فالأوضاع لا تهدأ؛ اليوم اضطراب هنا، وغدًا ثورة في مكان آخر، وبعد غد في مكان ثالث. لا تظنّوا أنّ هؤلاء الذين كانوا يذهبون هنا وهناك ويجيّشون الجيوش كانوا ينامون نومًا هنيئًا، لا! نحن من ينعم بالنوم الهانئ. نحن مرتاحون. أما الإسكندر وداريوش وأمثالهم فلم يكن لديهم نوم هانئ. دائمًا في أذهانهم: هل ثارت تلك المنطقة أم لا؟ هل تمرّد أهل ذلك المكان أم لم يتمرّدوا؟ هل دفعوا الضرائب أم لم يدفعوها؟ هل خرج أهل ذلك المكان عن إدارة وحكم جلالة الملك مثلًا أم لم يخرجوا؟ كانوا دائمًا في هذه الأفكار.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

8
  • بريق التيجان الخادع: هل المظاهر ترفع الإنسان أم تهبط به؟

  • كانوا يضعون على رؤوسهم تيجانًا، وزن الواحد منها عدة "أمنان تبريزية" مثلاً. وعندما ينظر المرء إليه يتعجّب! ويخاف! ما هذه القصة؟ هذا الإنسان نفسه لو خرج من هذا القالب لما كان له وزن، إنه يزيد وزنه بالتاج والأثقال! لو رُفع ذلك التاج عن رأسه، ولو نُزعت هذه العلامات التي على كتفه ورُميت، ولو نُزعت هذه الملابس وصارت قميصًا وسروالاً، لما نظر إليه أحد أصلًا، لما نظر إليه أحد حتى. يظنّ المرء أنه لا يختلف عن بائع الخيار أو الخضار الذي يسير في الشارع. هذا الإنسان يرى نفسه ضعيفًا، فيأتي بوسائل وأدوات خارجيّة ودنيويّة، يضيفها إلى نفسه باستمرار ليصبح كبيرًا بواسطتها. يضع تاجًا على رأسه بهذا الحجم! تاج كذا! يرتدي عباءة كذا، يلبس رداء كذا، يعلّق حبلًا هنا. كنا نرى هؤلاء في السابق، في زمن النظام البائد، هؤلاء الذين كانوا يعلّقون هذه الحبال، لا أعرف كم كيلوغرامًا من الحبال هكذا هنا وهناك، ألم يكونوا يشعرون بوزنها؟ كانوا يمشون. حقًا عندما كانت تقع عين الإنسان عليهم، كان عليه أن يجلس وينظر ويتأمل. السيد جالس في الصندوق الخلفي! عفواً، في المقعد الخلفي! لا فرق، كلّه صندوق. جالس وينظر إلى الخارج. نحن في ذلك الوقت، أحيانًا عندما كنا نعبر الشارع ونراهم، كنا نراهم يأتون ويذهبون بسياراتهم. كان مشهدًا يستحقّ المشاهدة حقًّا! يستحق المشاهدة: في أيّ عالم يسير هذا الآن؟ إلى أين يذهب؟ يأتي الإنسان ليرى هذه الدنيا، ليأتي ويتأمّل هذه التخيّلات ويعتبر، لا أن ينظر فقط؛ هكذا.

  • عبرة سقوط عروش الطغاة

  • وعندما تأتي إرادة الله تعالى ومشيئته فجأة، وتنزل تلك الصاعقة من الجلال على رؤوس هؤلاء الظالمين، فلا يبقى لا دار ولا ديّار. يفرّ واحد من هنا وآخر من هناك، ويُقبض على هذا ويُعدم ذاك ويُفعل بذاك كذا، ويطوى البساط بأكمله بحيث {كَأَنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا}! سلطنة دامت ٢٥٠٠عام ذهبت كلّها أدراج الرياح! كلها ذهبت أدراج الرياح! وكأنّ آلاف السنين قد مرّت على هذه القصة! تغير الحال من النقيض إلى النقيض. هذه عبرة لنا! هذه بالنسبة لنا {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}۱.

    1. سورة الحشر (٥٩) الآية ٢.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

9
  • قصة إيوان كسرى: صلاة أمير المؤمنين عليه السلام في أطلال الغابرين

  • عندما مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بطاق كسرى، إيوان المدائن - في طريقه إلى صفين على ما يبدو - عندما وصل إلى هناك، جاء إلى إيوان المدائن وصلّى ركعتين وقرأ هذه الآيات هناك: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ...}۱ كم تركوا من جنات الدنيا وعيونها وذهبوا! كم سعوا في الدنيا لبنائها! عمّروها، وأفنوا أعمارهم فيها، وشغّلوا الناس، وأهدروا مصالح الناس للوصول إلى ملذّاتهم، وأفْنوا إمكانيات الأمّة لتحقيق مآربهم، كل ذلك من أجل يومين في الدنيا. الآن تعالوا انظروا ماذا بقي؟ يُستحب للإنسان إذا ذهب إلى هناك أن يصلي ركعتين. ليس لأنّ المكان ذو قيمة! لا! هذا كان قصر سلاطين الظلم والجور والفسق، كان قصر أنوشروان الفاسق والفاسد والظالم، كان قصر السلاطين الساسانيين هناك. ولكن الصلاة للتقرّب. يقول الله: صلِّ لترى ما فعلتُ بهؤلاء وما فعلت الدنيا بهم؟ توجّه إليّ في هذا المكان حتى تترسّخ حالة الاعتبار هذه في نفسك. لهذا يقولون صلِّ. هذه الحالة من الارتباط في مثل هذا الموقف، تغيّر قلبك وروحك ونفسك وتبدّلها وتحوّلها.

  • بين المعرفة والاعتبارات: قصّة بطاقة دعوة تكشف حقيقة ما نبحث عنه

  • الناس يبحثون عن الاعتبارات. يقول الإمام السجاد عليه السلام: «معرفتِي يا مولاي دليلی علیک». المعرفة التي أمتلكها هي دليلي إليك. ولكن ماذا عن الناس؟ هل يبحث الناس عن المعرفة؟ لا! يبحثون عن الاعتبارات. يبحثون عن التخيّلات. قبل فترة، وصلتنا دعوة من مكان ما بخصوص حدث يتعلق بالأئمة والمهدويّة وأمور كهذه. عندما نظرت إلى البطاقة، رأيت أنه دُعي إليها علماء، ولكن ما لفت نظري في هذه الدعوة هو اسم المسؤول الفلاني بخط أخضر عريض وواضح، وأنه شيء مهمّ! هناك كلمة أيضًا لمثل هذا المسؤول. في حين أنني قدّرتُ أنّ مستوى معلومات هؤلاء عن الإمام عليه السلام هو في حدود العرف العام. المجيء وإقامة مجلس للإمام عليه السلام ثمّ بهذه الطريقة، ما معناه؟ ما معناه؟ فهذا إنسان [لا يمتلك شيئًا من الناحية العلميّة]! ولكن لأنّ المسألة هي مسألة الخصوصيات وهذه الألقاب والحيثيات، ومثل هذه الأمور، يأتي هذا الأمر فيبدو كبيرًا جدًّا أمام عين الإنسان ويتجلّى بحيث يطغى على حقيقة العلم والمعرفة بالإمام. حسنًا، كان من الأفضل ذكر اسم العالم الفلاني، وكان من الأفضل ذكر اسم الفاضل الفلاني، فلان...، ولكن لا! نقيم مجلسًا للإمام عليه السلام ولكن بناءً على التخيلات والأوهام.

    1. سورة الدخان (٤٤) الآية ٢٥.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

10
  • عصر الظهور: كيف يضع الإمام المهدي يده على الرؤوس فتكمل العقول؟

  • هناك رواية عن الإمام الباقر عليه السلام يقول فيها: «إذا قام قائمنا وضع اللَهُ یده علی رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وکملت به أحلامهم»۱ عندما يظهر قائمنا، يضع الله يده على رؤوس العباد، فيكتمل بها إيمانهم وعقولهم. لماذا هكذا؟

  • سر كمال العقول: هل هو تدخل إعجازي أم بيئة عقلانية؟

  • عندما يظهر الإمام عليه السلام، ليس الأمر أنه يتصرّف في الأفراد كحقنة؛ يحقنون المريض فيشفى، يحقنونه بالبنسلين، يعطونه اللقاح. الإمام لا يأتي بمصل ويحقن الأفراد واحدًا تلو الآخر، أو يأتي بحقن؛ لا! لا يتصرف بهذا المعنى. الإمام يأتي ويجعل البيئة بيئة عقلانية. العلاقات بين الأفراد كلها علاقات عقلانية، لم تعد قائمة على الحيثية والشخصية والعلو والدنو والرئاسة والمرؤوسية؛ العلاقات كلها عقلانية. في مثل هذا الوضع، يأتي المنطق ليحكم أعمال الإنسان شاء أم أبى. عندما يذهب لمراجعة مسؤول، لا يجب أن ينتظر ساعة خلف الباب ثم يقولون له إن لديه مؤتمرًا أو ندوة أو ما شابه! لا! عندما يذهب، الباب مفتوح، والمسؤول جالس أيضًا، ليس خلف مكتب، بل على الأرض! على الأرض. كل هذه المكاتب والأرائك والكراسي والمظاهر والأجهزة وما إلى ذلك، كلها يضعها إمام الزمان عليه السلام جانبًا ويعطيها للحطّاب - للمدفأة التي تعمل بالحطب، لتكون مفيدة. كلها تذهب إلى هناك، ويُفرش المكان بشكل جميل وتوضع المساند! نعم، اجلسوا على الأرض، كلكم اجلسوا على الأرض. 

  • قصة مجلس عزاء بطبقتين: كراسي للوجهاء وأرض للبسطاء!

  • في الزمان السابق، كنّا نحضر مجلس عزاء مرّة في السنة برفقة المرحوم العلامة رضوان الله عليه، كان عزاء الإمام الحسين عليه السلام يقيمه شخص قريب من منزلنا، من المعارف - لم يكن صديقًا بالمعنى الدقيق ولكنه كان من المعارف - وكان رجل دين جيدًا، ولم يكن منقطع الصلة بأولئك الأفراد المنتسبين إلى الجهاز الحاكم، أي لم يكن هو نفسه تابعًا للجهاز، ولكن من حيث القرابة وما إلى ذلك، كانت له علاقات بهم. في مجلس عزائه، كان هؤلاء الأفراد يحضرون أيضًا. وكان قد قسم مجلس العزاء إلى قسمين: قسم وُضعت فيه الكراسي على الجانب، وقسم للناس. أولئك السادة الذين كانوا يأتون بوضعهم الخاص ذاك، كانوا يذهبون ويجلسون على تلك الكراسي، وبقيّة الناس المساكين يجلسون على الأرض. ونحن كنا من ضمن هؤلاء الناس الذين يأتون ويجلسون على الأرض، وخلاصة الأمر، أحيانًا كان هناك مكان للاستناد وأحيانًا لم يكن، فكنا نجلس في الوسط.

    1. المصدر مثل: الكافي ج۱، كتاب العقل والجهل، ح٢۱

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

11
  • في محضر الإمام الحسين عليه السلام: هل للمقامات الدنيوية مكان؟

  • لا ينبغي في عزاء سيّد الشهداء عليه السلام أن يجلس أحد على كرسي والآخرون على الأرض! يجب أن يجلس الجميع على الأرض. تقسيم المجلس إلى قسمين لا معنى له. هل تريد أن تحافظ على اعتبارك وحيثيتك في عزاء ومجلس الإمام الحسين عليه السلام؟ لا يا عزيزي! هذا الأمر لا مشتري له هنا، لا فائدة منه هنا. من يشارك في مجلس ومناسبة دينية يجب أن يكون كسائر الناس، أيًّا كان. فإذا جلس الجميع على الكراسي، فليجلس هو أيضًا. وإذا جلس الجميع على الأرض، فعليه هو أيضًا أن يجلس على الأرض. فما الفرق؟! ولكنّهم، لأنهم كانوا يرون أنفسهم فئة متميزة، كانوا يضعون الكراسي هناك ويذهبون جميعًا ليجلسوا على الكراسي، لأنهم كانوا يأنفون من أن يكونوا جزءًا من الناس ويجلسوا هناك! هذا يصبح ماذا؟ هذا يصبح اعتبارات.

  • مجتمع المهدي المنتظر: كيف تزول الفوارق وترتقي العقول؟

  • في عصر ظهور إمام الزمان عليه السلام، المجلس واحد. هذا يصبح مجلسًا عقلانيًّا. ثمّ كلّ من يأتي إلى هناك، حتى لو كان له نفس ونفسانيات، ويبحث عن كرسي، يقال له: يا سيد، لا تتعب نفسك عبثًا، الكراسي هنا كلها أعطيناها للخارج مثلًا! اجلس كالبقيّة بشكل لائق، إما أن تجلس أو تذهب! فيضطرّ أن يكيّف نفسه، فيرتقي عقله. مجرّد مجيئه وتكييف نفسه يعني أنه رفع مستوى عقله. أما لو جاء [وجلس متميّزًا فلا يحدث ذلك]!

  • تفضّل يا سيّد! أحضروا كرسيًا لهذا السيّد، أحضروا كرسيًا لهذا السيّد، ليكون أعلى من البقية برأس ورقبة ليراه الجميع مثلًا، ليجلس. هذا وإن كان يرتفع ظاهرًا عن سائر الناس، فإن عقله ينخفض عنهم. فالميزان هكذا يا عزيزي! والتناسب عكسيّ؛ يرتفع الظاهر وينخفض العقل، وينخفض الظاهر فيرتفع العقل.

  • في عصر إمام الزمان عليه السلام، العلاقات كلها قائمة على العقل وعلى المنطق وعلى الواقع. يذهب الإنسان إلى هنا فيرى أنه لا خبر عن الاعتبارات، يذهب إلى هناك فيرى أنّه لا خبر، ويذهب إلى هناك فيرى أنّه لا خبر. وشيئًا فشيئًا يبدأ بتغيير نفسه وتبديلها، ويطبّق نفسه مع ذلك المسار التربويّ والمدرسة الحقيقيّة لإمام الزمان عليه السلام، فيرتفع عقله. هذا هو معنى «وضع اللَهُ یده»، لا أنّ الإمام عليه السلام يأتي بمصل ويحقن الجميع واحدًا تلو الآخر، لنفترض أنّ عقولهم فجأة ترتفع من درجة ضئيلة إلى واحد...! ثمّ تصبح المعرفة معرفة حقيقيّة.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

12
  • معرفة توصل إلى الله ومعرفة سطحية: عودة إلى دعاء الإمام السجاد عليه السلام

  • إذًا، نستنتج من كلام الإمام السجاد عليه السلام أنّ ما يقرّب الإنسان إلى الله تعالى هو مسألة المعرفة. والإمام عليه السلام يقول: يا إلهي! يا مولاي، لقد حصلتُ على معرفة بك. ليست معرفة تذكرة الهويّة والمعلومات السطحية، وأنه لا بدّ من وجود إله ما في عالم الوجود، فكلّ بناء له بانٍ، فإذًا لا بدّ أن صانعًا قد سبق هذا المصنوع! حسنًا، يقول الله: شكرًا جزيلًا لك، لو لم تقل هذا أيضًا فماذا كنت ستفعل؟ حسنًا، على الأقل قلتَ إنّني موجود، ولم تقل إنّ ذلك الصانع غير موجود وهذا الكلام كله باطل! لا! 

  • يقول الإمام السجاد عليه السلام: يا إلهي، لقد وصلتُ إلى مقام معرفتك، فلم أعد أستطيع تركك.

  • قصة الفهم السطحي لحديث نبوي: هل أراد النبيّ إحصائيات للمواليد حقًا؟

  • قبل فترة، كان أحد الفضلاء يتحدّث - وهو رجل جيد بالمناسبة، رجل جيد - لدينا رواية أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال لأصحابه: «من وُلد له منكم مولود فليؤذِنّي به، ومن مات منكم فليؤذِنّي به». كان هذا الشخص يقول: نعم! النبيّ صلّى الله عليه وآله كان يفعل ذلك ليكون لديه إحصاء بعدد الناس! كان يقول هذا جادًّا! هذا هو مدى فهمه! لتكون الإحصائيّات لديه! هل كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يحمل معه دفترًا مثل هؤلاء الكتبة ليكتب الأسماء ويفعل كذا؟ هل أراد النبيّ صلّى الله عليه وآله حقًا أن تكون لديه إحصائيات؟ هاه؟ ما هي الرؤية التي كانت لدى النبيّ صلّى الله عليه وآله في هذا الطلب الذي كان يطلبه من الناس؟ ماذا كان يجول في نفسه؟ وكان يتحدّث للجميع! فماذا كان يجول في نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله؟

  • عندما قال النبيّ صلّى الله عليه وآله: إذا وُلد طفل فأخبروني، كان يشعر بأنّ مظهر جميع آثار جمال وجلال الله تعالى قد دخل إلى عالم الوجود، يا فلان! إنّ الوجود المتنزّل للحقّ قد تجلّى في هذا العالم، فلنذهب ونره. لنزره. حقيقة {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي}۱ قد تجسّمت الآن في عالم الأعيان، الوجود المتنزّل لحضرة الحقّ قد وطئ عالم الدنيا، هذا ما يفهمه النبيّ صلّى الله عليه وآله. عندما كانوا يأتون بطفل ملفوف في قماطه إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله، هل تظنون أنه كان ينظر إليه كأحد الأشياء؟

    1. سورة الحجر (۱٥) الآية ٢٩ و سورة ص(٣۸) الآية ۷٢. 

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

13
  • بين اللامبالاة والتقديس: كيف ننظر نحن للرضيع وكيف نظر إليه النبيّ؟

  • حقًا، ما هي الرؤية التي لدينا الآن تجاه طفل رضيع ملفوف في قماط حديث الولادة؟ نحن، أمثالنا، في أي مرتبة كنّا، لو لم يأتوا به ويعطوه لنا ويبقى هنا ساعة، لما أعرناه اهتمامًا. أي أننا لا نفرّق بينه وبين صغير حيوان وُلد! أليس الأمر كذلك؟ أنا أقول هذا لأني رأيت، لذلك أقوله؛ رأيت. كأن لا شيء، كأنّه ليس موجودًا ذا روح باسم إنسان، وباسم خليفة الله، وباسم المظهر التامّ لأسماء الله وصفاته جالس هنا، موجود هنا؛ كأن لا شيء.عندما يرتفع صوته، يكون قد جاع، تعالوا أرضعوه ؛ هذا كلّ ما في الأمر! تعالوا أرضعوه فقد جاع، خذوه ونظّفوه، خذوه ونظّفوه، خذوه وأرضعوه، خذوه وافعلوا كذا.

  • أعمق من المظهر: ماذا رأى النبيّ في الطفل الرضيع؟

  • ولكن ما هي رؤية النبيّ صلّى الله عليه وآله تجاه الطفل؟ عندما يعطون الطفل للنبيّ صلّى الله عليه وآله، يشعر النبيّ صلّى الله عليه وآله أنّ وجودًا قد وُضع الآن في حضنه قد أحاط بشرق العالم وغربه بهيمنته وقدرته النفسيّة والولائيّة، وإن كان الآن صغير الحجم، وإن كان وزنه لا يتجاوز كيلوغرامين أو ثلاثة، ولكن له روح ونفس، تلك الروح والنفس قد شملت عالم الوجود بأسره وهضمته في ذاتها، وتريد أن تتحرّك لتصل إلى مقام التفصيل؛ هذا ما يشعر به النبيّ صلّى الله عليه وآله. لذا يقول: فلأذهب لرؤيته. لأحصل على إحصائيات؟ ما شاء الله! ما شاء الله! لأذهب لرؤيته، لأذهب وأبارك لذلك الأب والأم، لأقول لهما أيّ أمر وبركة قد رزقهما الله؟ لأقول لهما أيّ فيوضات سيكتبها الله لهما من هذا الولد ما دام في هذه الدنيا؟ لأذهب وأقول هذه الأمور. لأقول أيّ نسل سيأتي منه وأيّ بركات سيُوجدها في هذا العالم؟ لأذهب وأقول أيّ ظهورات لحقيقة الوجود سيُبرزها الله بواسطته؟ كلّ هذا يدركه النبيّ صلّى الله عليه وآله ويفهمه. لذا يقول: «تناكحوا تكاثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسِّقط»۱ يا أمتي، تزوجوا وأنجبوا الأطفال، أنجبوا أطفالًا كثيرين، حتى لو كان الطفل سقطًا فلا بأس، يُحسب واحدًا من أمتي! لماذا السقط أيضًا؟ لأنه بمجرد أن تتشكل حقيقة الطفل الوجودية، فإنه سيكون مظهرًا لأسماء الله وصفاته، سواء سقطَ أو وُلد سالمًا، فلا فرق بعد ذلك.

    1. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج ٢۰، ص ۱٥ (باب ۱، حديث ۱۰)

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

14
  • "إني أباهي بكم الأمم": مباهاة بالعدد أم بالحقائق الوجودية؟

  • يعني هل المباهاة التي يريد النبيّ صلّى الله عليه وآله أن يباهي بها الأمم هي مباهاة بالعدد؟ يعني هل سيقول لموسى عليه السلام: لنفترض أنّ أمتك كان تعدادها ٢٠٠٠٠٠نسمة، أما أمتنا فتعدادها ٢ مليار نسمة! هل هذا فخر؟! هل سيقول لعيسى عليه السلام يوم القيامة: لنفترض أنّ أمتك - كم عدد المسيحيين الآن؟ - مليار وخمسمئة مليون نسمة، أما تعداد أمتنا نحن المسلمين فهو ٣ مليارات تقريبًا - طبعًا أقل. الإحصائيّة التي نريد أن نأخذها يوم القيامة ستكون أكبر! هل يريد أن يقول هذا؟ هل يريد أن يقول ذلك لإبراهيم عليه السلام؟ يعني هل كثرة العدد هي الملاك لتفاضل أنبياء الله على بعضهم!؟ حسنًا، فما علاقة هذا بعيسى عليه السلام؟ وما علاقته بموسى عليه السلام؟ أمتنا أكثر عددًا. حسنًا، أكثر عددًا فلتكن، هل الكثرة فضيلة؟ أم أنّ الأمر ليس كذلك!

  • كثرة الأمة وكمال النبيّ: كيف ترتقي الأمة بنبيها؟

  • بل بواسطة الكثرة التي تتحقّق لأمّة النبيّ صلّى الله عليه وآله، تتحقّق حقائق في عالم الوجود يستفيد منها حتى وجود رسول الله صلّى الله عليه وآله وتستفيد منها نفسه. يرتفع هو ببركات هذه النفوس، وببركات الظهورات في عالم الكثرات، تؤثر في وحدته وترفعه وتزيد من سعته وتستجلب المظاهر الإلهيّة. تُظهر الأسماء والصفات الإلهيّة على الوجود...

  • بحر الكمال اللامتناهي: كيف تزيد الصلاة على النبيّ من مقامه؟

  • عندما نصلي على النبيّ صلّى الله عليه وآله - اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد - فما هي نتيجة صلاتنا هذه للنبيّ صلّى الله عليه وآله وللأئمة عليهم السلام؟ ألم يصل إلى مقامات الكمال؟ بعضهم يقول: حسنًا، لقد وصل. الجواب هو: هل للكمال حدٌّ يقف عنده؟ هل الكمال محدود؟ لو وصلنا يومًا إلى درجة استطعنا فيها أن نطّلع على نهاية الذات الإلهيّة، لتوقّفت الكمالات هناك أيضًا. ولكن أليست الذات الإلهية لا متناهية؟ أليست مطلقة؟ هل هي محدودة؟ عندما تكون الذات محدودة، فإنّ آثارها ستكون محدودة أيضًا. وعندما تكون الذات غير محدودة، فإنّ آثارها ستكون غير محدودة أيضًا. إذًا، فرسول الله صلّى الله عليه وآله، رغم حيازته لمراتب الكمال، فإنّ سعته ستزداد ومراتبه ستزداد وبركاته من ناحية الله تعالى ستزداد مع أبديّة الله، ومن جُملة أسباب ذلك الصلاة التي نصلّيها عليه [صلوات الله عليه وآله].

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

15
  • رحلة الصلاة المباركة: من أفواهنا إلى الله ثم إلى قلب النبيّ

  • هذه الصلاة تجعل الفيض يأتي باستمرار، يصعد إلى الأعلى ويصل إلى الله، وعندما يصل إلى الله، ينزل من هناك ويصل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله. هذا السلام منّا، في مقام اتصال نفسنا بذات الله تعالى، بمقدار إخلاصنا ومعرفتنا، يصل إلى ذات الله تعالى، ثم ينعكس، ويرتد هذا الانعكاس إلى نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله. عندما يأتي من هناك إلى نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله، يختلف عمّا صعد من هنا، هناك يكتسب بعدًا لا نهائيًا. فما صعد من ناحيتنا هو ٢٪، وما جاء من ناحية الله هو مليار يصل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله.

  • مفتاح الثواب الأعظم: نصيحة لإهداء ثواب الأعمال للموتى

  • لذا كان المرحوم العلامة يقول: إذا أردتم أن تفعلوا خيرًا لأمواتكم، فأرسلوا ثوابه إلى روح النبيّ صلّى الله عليه وآله، يصبح أكثر. إذا أردتم أن تقرأوا القرآن لأمواتكم، فاقرأوا القرآن للنبيّ صلّى الله عليه وآله، فإنه يعود، لأنه هو الأصل، يصل الثواب إليهم من نفس النبيّ صلّى الله عليه وآله، وليس من نفسكم. فكم سيصل من الثواب إلى ذلك الميت والمتوفى من نفسكم؟! ثلاثة بالمائة، أربعة بالمائة، عشرة بالمائة. ولكن الآن بما أنكم أهديتم ثوابه إلى لنبيّ صلّى الله عليه وآله، فسيصل إليه مليون. تريدون أن تؤدّوا الحج، فأدّوه عن النبيّ صلّى الله عليه وآله. تريدون أن تطوفوا، فطوفوا عن النبيّ صلّى الله عليه وآله. تريدون أن تصلوا، فاجعلوا ثوابها للنبيّ صلّى الله عليه وآله. تريدون أن تقرأوا القرآن، فاجعلوا ثوابه للنبيّ صلّى الله عليه وآله. تريدون أن تنفقوا، فأنفقوا عن النبيّ صلّى الله عليه وآله أو عن إمام الزمان عليه السلام، لا فرق، أي المقصود هو المعصوم.

  • من يفهم هذه الأمور؟ هل تُكتسب هنا وهناك؟ لهذا قلتُ إنّ المعرفة لا توجد في كل مكان. يأتي أحدهم ويقول: النبيّ صلّى الله عليه وآله يريد أن يستخرج الإحصائيّات، لتكون الإحصائيات بيده!

  • قصة تجربة عرفانية للمرحوم العلامة: الشعور بالاتحاد مع الجنين في رحم أمه

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

16
  • كان المرحوم العلامة يقول: عندما أسير في الشارع، بمجرد أن أرى امرأة حاملاً، أشعر بأنني متحدٌ مع تلك المرأة في مجرى نزول ذات الله تعالى. هذا الكلام يا عزيزي لا يفهمه أحد أصلًا! لا يفهمه! حسنًا، فماذا يعني هذا يا سيّد؟ ماذا يعني الاتحاد؟ ثم يأخذون ويكتبون مقالة وينتقدون كتاب "الروح المجرد"! نعم!

  • لماذا يُنكر أهل الظاهر تجارب العارفين؟

  • السيد الحداد رحمه الله الذي كان يسير في الحافلة وتلك القصة عن عدّ الأفراد، ما هذا الكلام يا سيد؟! ما هذه الأمور؟! من الذي ينتقد؟! السادة الذين يلقون دروس الخارج ولديهم رسائل عمليّة! أمرٌ بهذه البداهة، بهذه البساطة، والذي حدث لنا عشرات المرات في حياتنا، ننكره! لماذا؟ لأننا وضعنا أصابعنا في آذاننا. وإلا يا عزيزي! أنت لا تعرف هذه الأمور، حسنًا تعال واسأل ليجيبوك. سيجيبونك ببساطة اثنين زائد اثنين تساوي أربعة. فعندما يغفل ذهن الإنسان عن نفسه، ينشغل بالآخرين ويغفل عن ذاته. يحدث هذا لنا أيضًا، ويحدث كثيرًا. بهذه البساطة. ثم نأتي ونبدأ بالسخرية! نكتب كتابًا ونسخر! نستهزئ بكلام أولياء الله. ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني؟ أفراد كانوا من الناحية الظاهريّة أعلم منك بمراتب كتبوا هذه الكتب، فما بالك بالباطن؟ هذا معنى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}۱. وعندما يُتحدّث معهم ليتراجعوا عن الأمر، يقولون: لا لا، ليست هناك مشكلة، ويمضون.

  • قيمة الوجود الإنساني في ميزان العرفان مقابل ثقافة "أبناء أقل"

  • كان المرحوم العلامة يقول إنّ كلام رسول الله صلّى الله عليه وآله: «إني أباهي بكم يوم القيامة ولو بالسِّقط»، ليس إحصائيات. معناه أنّ حقيقة وجود ذات الله تعالى، كلما ظهرت أكثر في هذا العالم، كان أفضل. الكثرات الوجودية تكون أكثر. الآن نحن بعد تسعين عامًا من الدراسة، نظرتنا ورأينا واعتقادنا تجاه الأفراد لا يختلف عن اعتقاد الإنسان تجاه الحيوانات والفئران والقطط: كلما قلّ عدد الأبناء كانت الحياة أفضل٢! لا فرق. تمامًا كالحيوان! كيف مثلًا لو كثر حيوان ما في مدينة، يأتون ويضربونه ويأخذونه. هؤلاء الأطفال الذين يولدون هم حيوانات أيضًا! حيوانات! كلما قلّوا كان أفضل! هؤلاء يتسبّبون في تعطيل حياتنا، تضيق علينا المؤونة، تزداد مشاكلنا؛ تمامًا كالحيوانات!

    1. سورة الحج (٢٢) الآية ٤٦.
    2. يشير سماحة السيّد رضوان الله عليه إلى الشعار الذي كان مطروحًا لتحديد النسل.

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

17
  • لا فرق بينهم. هو ماذا يفكر، ونحن ماذا نفكر؟ هو يقول: عندما أرى امرأة حاملاً، أجد نفسي في مجرى واحد مع المجرى الوجودي لذات الله تعالى التي تنزّل حقيقتها في هذا العالم، أجد نفسي متحدًا مع ذلك الطفل في بطن تلك المرأة التي لا علاقة لي بها، أشعر أنّي متّحد معه.

  • ونحن نأتي ونقول: من هؤلاء الأطفال أصلاً؟ لنفترض أنّا أسقطناه فما المشكلة؟! ولو أسقط قبل أربعة أشهر فقد أسقط فهذا لا يحتاج إلى شيء! لو كنتم تجدون فيه مشكلة، فأخرجوه وارموه بعيدًا! تخلوا عنه وارموه في سلة المهملات و...! من أين أتت هذه؟! من أين أتت هذه الأفكار؟! ومن أين أتت تلك الأفكار؟ من أين أتت هذه المعرفة؟! من أين أتت تلك المعرفة؟! هذه معرفة لا توجد في الكتب.

  • ومن ناحية أخرى، يقول النبيّ صلّى الله عليه وآله: عندما يموت أحد، فأخبروني. هل يريد أن يقوم بإحصائيّة بعدد الذين نقصوا!

  • لا! يريد أن يذهب ويزور، يعزّي الباقين، يواسيهم، يدعوهم إلى الصبر، ينصحهم، يتحدّث إليهم، يلقي عليهم كلامًا فيه وعظ ونصح، يبعث فيهم الأمل في الطريق.

  • مآتم اليوم: مسرح للمظاهر والاعتبارات الزائفة؟

  • ماذا يفعلون الآن؟ انتهى الديكور والمسرحيّة و...! من البداية، أيّ إعلان ننشره؟ لنحضر باقات الزهور! لنخبر الحافلات! لنكثر الجمع، كلما زاد الجمع! ما شاء الله! لا تعلم يا سيد كم مشاركًا حضر في تشييع فلان؟ كم مشاركًا؟ عندما يتحدّثون مع بعضهم البعض: ألا تعلم يا سيد أيّ جمع كان؟ ألا تعلم يا سيد أيّ تكريم حصل؟ ألا تعلم يا سيد أيّ أمور...؟ ثمّ يحضرون الكاميرات واحدة تلو الأخرى، واحدة توضع هناك وواحدة هنا. عندما يذهب المرء إلى مجلس الفاتحة، يظنّ أنه في استوديو تصوير! عندما يرى اللافتات، لا علاقة لها أصلًا بهذا الميّت.عمّة حفيد ابنة عمّ ابنة خال أحدهم ماتت، والآن أصحاب المراتب الرفيعة يعزّون هذا! اذهب يا رجل! حمات ابن خالة ابنة عمّ جده السابع ماتت...! لا يعرف المرء إلى ماذا ينظر هناك؟ هل ينظر إلى القرآن؟ أم إلى اللافتات واحدة تلو الأخرى؟ عدة أثواب قماش هكذا حول المسجد والحسينية! أصحاب المراتب قدّموا التعازي! قالوها لعمّتهم! تجّار السوق الفلاني قدّموا التعازي! حسنًا يا رجل، كان بإمكانك أن ترفع سماعة الهاتف وتعزيه، ما هذه الألاعيب؟ ثم يحضرون الكاميرات إلى الساحة ويصوّرون الأفراد واحدًا تلو الآخر...!

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

18
  • قصّة مجلس عاشوراء في طهران: حين تطغى الكاميرات على الدموع!

  • شاركتُ في مجلس يوم عاشوراء بعد الظهر في طهران، كان يخصّ أحد المشاهير، فلم أفهم هل أبكي لمصاب سيّد الشهداء عليه السلام أم لمصاب هذا المسكين الذي أقيم هذا المجلس في بيته؟ أمام الأفراد كاميرا بهذا الحجم، يصورون هؤلاء السادة الذين يأتون ويدخلون المجلس ويجلسون، واحدًا تلو الآخر! ألا تخجلون؟ بعد ظهر عاشوراء، الخطيب يقرأ العزاء بصوت عالٍ والناس يبكون، وشخصان واقفان، واحد في هذه الزاوية وآخر في تلك الزاوية، والآن لا يتركون الأمر، ينهضون ويأخذونها إلى الأمام! يأخذونها إلى رأس كل فرد ليروا كيف يبكي؟ كيف يلطم على جبهته؟ واحدًا تلو الآخر، بشكل جميل، السيد فلان، السيد فلان. هل هذا أصبح عزاء للإمام الحسين عليه السلام، بالله عليكم؟ عجيب حقًا! متى نفيق؟ متى نكتسب المعرفة؟ متى نترك هذه المسرحيّات جانبًا؟ متى يجب أن نتركها؟ إنه أمر مخجل حقًا!

  • مجالس عصر الظهور: عودة للروحانية الخالصة بلا تصنع

  • تمام الأعمال قائمة على الإظهار ومقام الإثبات، وهذا كلّ شيء! قائمة على...! الإمام عليه السلام عندما يأتي، يزيل هذه المسائل. يصبح العزاء - لا أنه لا يوجد عزاء في زمن إمام الزمان عليه السلام، بل على العكس، أول قارئ عزاء لسيد الشهداء عليه السلام هو إمام الزمان عليه السلام نفسه. نفس العزاء، الذي هو عزاء الحسين - من الناحية المقدسة، يأتي الإمام ليقرأه عند رأس قبر جده. مجالس العزاء موجودة في عصر إمام الزمان عليه السلام، ومجالس التبليغ موجودة، ومجالس الوعظ موجودة، كل هذه. ولكن لا يوجد مسرح بعد الآن، لا لافتات ولا كاميرات. الجميع يجلسون بأدب، ينتبهون، يتّعظون، يقبلون، وعندما يخرجون يعملون. هذه تصبح مجالس عصر ظهور إمام الزمان عليه السلام. لا يوجد ديكور بعد الآن، لا أفلام، لا ألاعيب. لذا تكتمل عقول الجميع.

  • ختام الرحلة: أي معرفة تقود إلى الله وأيها تصنع آلهة زائفة؟

  • حسنًا، لقد تحدّثنا كثيرًا عن مسألة المعرفة، إن شاء الله نصل إلى بقية العبارة. يقول الإمام عليه السلام: هذه المعرفة التي لديّ، معرفتي هذه هي دليلٌ إليك. لقد هدَتني إليك. ليست معرفة سائر الأفراد. معرفة سائر الأفراد لا يُعلم هل تدعو الإنسان إلى هناك أم لا. إنها تدعو إلى الذات. نعم! ألم تكونوا تعلمون أيها الرفقاء كم إلهًا لدينا؟ ما شاء الله!

حقيقة المعرفة الشهوديّة للذات الإلهيّة وآثارها - كيف نميز بين المعرفة الحقيقيّة والعلوم الظاهريّة؟

19
  • احذر الإله الكامن فيك! خطر تأليه الذات

  • بعدد كل النفوس التي خلقها الله، يوجد آلهة أيضًا! كل واحد منّا إله، ولكن الآلهة الموجودة تختلف؛ إله صغير وإله كبير، وبعضهم لديهم إله تفوّق على ذلك الإله الحقيقي! إنه كبير جدًّا، ما شاء الله، وعظيم جدًّا بحيث لا يمكن فعل شيء له أصلًا، لا يمكن تصغيره! كبير جدًّا يا سيد هذا الإله! لقد جئنا ونفخنا الإله! نحن بأنفسنا! يقول الإمام عليه السلام: تلك المعرفة التي لديّ بك، تلك المعرفة هي التي جعلتني أجد الدلالة والإرشاد إليك. ولكن المعارف الموجودة في هذه الدنيا كلّها تدلّ على آلهة زائفة، آلهة مصطنعة. أيّة معرفة ترشد إلى الإله الحقيقي؟

  • إن شاء الله، تتمة الموضوع، إذا وفّق الله، في الجلسات القادمة.

  •  

  • اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد