المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التوضيح
هو العليم
حقيقة الفطرة وعلاقتها بالسلوك
المرأة والأسرة – قم – الجلسة الثامنة عشرة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلَّى الله على سيِّدنا ونَبيِّنا أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطاهرين
واللّعنة على أعدائِهم أجمعين
من الآن إلى يوم الدين
إن كان لدى السيدات أسئلة تتعلق بما كان قد تمّ طرحه في المجلس السابق، فلتتفضل بطرح سؤالها. لقد تمّ تقديم بعض الأسئلة هنا، وهي وإن كانت غير بعيدة عن المواضيع التي تمّ التحدّث عنها، غير أنَّها ترتبط بموضوع الأحكام. إن كان لدى الأصدقاء سؤال يتعلّق بما كان قد تمّ التحدّث عنه سابقًا، فلتتفضّل بطرحه قبل أن نكمل البحث الذي كنَّا قد بدأناه.
[ينتظر سماحة السيّد قليلًا ثمّ يقول:] إن بدا لكم شيء، فتستطيعون أن تكتبوه وتقدّموه.
كان حديثنا يدور في المجالس السابقة حول طبيعة سلوك المرأة، وما يميزه عن سلوك الرجل، وحول الطريق الذي عيّنه الله تعالى لكلٍّ من الجانبين بعنوانه الطريق الأفضل والأصحّ الذي من شأنه أن يُوصل كلّ منهما إلى كماله المطلوب، والذي إن تمّ تجاوز ما هو مرسوم لهما فيه من وظائف، فسيؤدّي ذلك -بطبيعة الحال- إلى عدم التمكّن من الوصول إلى الكمال المطلوب ، حتى وإن سعوا سعيهم في هذه الدنيا، وتحمّلوا الصعاب والمجاهدة والمراقبة ـ المراقبة المقصودة هنا هي ليست تلك المراقبة المُوصى بها في البرامج السلوكية ، بل التي يقومون بها من تلقاء أنفسهم ـ وأتوا بالعبادات.
تمت الإشارة في المجالس السابقة إلى أنَّ طريق السير والسلوك إلى الله، هو طريق الفطرة، أي: لا يوجد هنالك أيّ طريقٍ ومسيرٍ لتربية النفس وتكاملها غير طريق السير والسلوك إلى الله، ذلك الطريق الذي إن سار فيه أحد، فسوف يصل إلى المطلوب، وإن لم يطوه، فلن يصل، وسيضيع عمره ويفسد، وسوف لن يجني منه غير التواجد [لأيّام معدودةٍ] في هذه الدنيا و التجول فيها. مَثله في ذلك مَثَل من يذهب إلى مدينة؛ فيتفرّج على شوارعها وبيوتها ومتنزهاتها ثمّ يعود، ما الذي يكون قد جناه وكسبه من رحلته هذه؟! سوف لن يجني أيّ شيء. أو يكون مَثَله مَثَل من يذهب في رحلة للتفرّج على صحراء، حيث لن يبقى في ذهنه شيء غير الصور التي رآها هناك. إنَّ من يعيش في هذه الدنيا ويكدح فيها؛ فيمضي فيها مدة يكون مشغولًا بأمور الحياة العادية والعمل والتكسب وأمثال ذلك، بينما يكون غافلًا عن السير والمسير الأصلي والأساسي، فلن يجني شيئًا من عمره هذا.
كيفية خلق وإيداع الفطرة
قد تحدثنا سابقًا مع الأصدقاء عن هذا المطلب ، بأنَّ الفطرة عبارة عن تلك المواهب التي خمّر الله تعالى [طينة] الإنسان عليها وخلقه على أساسها. فالخصائص الموجودة في نفس الإنسان وروحه عبارة عن تلك الخصائص المتنزّلة من مقام الذات ومقام أسماء الله وصفاته التي تمّ إيداعها في الإنسان.
لا يكون الأمر بالشكل الذي يُودع الله في أحدهم صفة من الصفات بشكل مزاجي، ويُودع في غيره صفات أخرى على أساس الاعتبار والخيال، فمثلاً عندما يريدون تحضير دواء معين في المختبرات الكيميائية، فهم لا يقومون بخلط مواد مختلفة مع بعضها ويصنعون منها ذلك الدواء ثمّ يُعطي هذا الدواء النتيجة المرجوة منه، كلّا، لا يكون الأمر بهذا الشكل، بل تراهم يقومون بأخذ نسب معينة من هذا النبات وذاك، ويستخلصون عصارة هذه النباتات، ثمّ يقومون بمعالجتها في ظروف خاصة وحرارة معينة، ويخلطونها ببعضها فينتج دواء معين منها. إنَّ كيفية خلق العالم وخلق الإنسان على وجه الخصوص،وما نحن بصدد الحديث عنه من موضوع خلق الرجل والمرأة لا يجري بهذا الشكل، ولا يُسمى هذا الشيء بالفطرة.
إنَّ ما هو موجود في نفس الإنسان، وما يمتلكه كلّ من الرجل والمرأة هو عبارة عن تلك الحقائق الموجودة في ذات الله بعنوان أسمائه وصفاته والتي تكون مطلقة وكليّة ولا نهاية لها. إنَّ الله وبناءً على حكمته وإرادته جعل خلق العالم مبنيّ على نزول هذه الأسماء والصفات، على أنَّ هذا الأمر لا يخصّ الإنسان وحده. إنَّ هذه المطالب التي أطرحها عليكم هي مطالب مهمّة للغاية وأساسيّة تتضمّن سرّ السير والسلوك إلى الله، وسأتحدّث للأصدقاء بمشيئة الله عنها. هذه الأمور غير مختصّة بالإنسان سواء الرجل منه أو المرأة، بل هي موجودة في الحيوانات بنفس الكيفية، فلا يوجد حيوانان بنفس الشكل؛ بل هنالك تفاوت بين الأسد والنمر من حيث السنخية، ولكل منهما روحيّة وصفات خاصة به، وتختلف طبيعة حياة أحدهم عن الآخر. إنَّ بعض الحيوانات يمكن أن تصبح أليفة، بينما لا يمكن ذلك لغيرها، كما وتتفاوت الحيوانات من حيث الوفاء، فالبعض منها معروف بالوفاء، بينما البعض الأخر على العكس من ذلك.
أتذكر بأنَّني عندما كنت طفلًا، وعندما زارنا المرحوم السيّد الحدّاد رضوان الله عليه في طهران، أراد أحد الأصدقاء من أقاربنا، ومن أجل أن يضفي بظنّه حالاً من البهجة على هذا السفر، أراد أن يأخذ السيّد في جولة ترفيهية. فقد كانت أغلب المجالس تُقام في المنازل، ولم تكن هناك فرصة للذهاب إلى أماكن أخرى، بل كان ينتقل من بيت إلى آخر، فجاء في أحد الأيّام ليأخذه مع بعض الأصدقاء إلى حديقة حيوانات طهران كنوع من تبديل الجوّ وفقًا للأفكار والأوهام الصبيانيّة الموجودة لدينا جميعًا.
وعندما ذهب السيّد الحداد هناك لاحظ الآخرون كيف كان السيّد يمضي وقتًا طويلاً في التفرّج على هذه الحيوانات، فكان يقف إلى جنب قفص أحد الحيوانات مثلًا ويتفرّج عليه كثيرًا، ثمّ يقف أمام القفص الثاني فيتفرّج عليه لعدة دقائق على سبيل المثال. كان الآخرون يتصوّرون أنَّه كان يفعل ذلك لعدم رؤيته لمثل هذه الحيوانات والمخلوقات من قبل، وها هو يتفرّج على مواصفاتها الظاهرية وكيفية حركتها. كان المرحوم العلاّمة يرافقه، وعند عودتهم التفت السيّد الحداد إليه وقال: يا سيّد محمّد حسين كم هي عجيبة تجليات الله ، نعم، كم هي عجيبة تجلياته؛ فلكل حيوان من هذه الحيوانات تجلٍّ من تجليات الله وخصوصيّة تختلف كليّاً عن غيرها، ولكلّ حيوانٍ روحية خاصة به، وله خصوصيّة متنزّلة من الجانب الكلّي لله والذي هو مقام أسماء وصفات الحقّ، فعندما تنزّلت الصفات أوجدت هذا الحيوان الذي لا يشبه غيره من الحيوانات أبدًا، فهذا يكون في عالم وذاك في عالم آخر، ولهذا الحيوان أفكار، ولذاك أفكار أخرى، ولهذا حال ولذاك حال آخر، ولهذا نوع من التوجه إلى الله يختلف عن توجّه غيره، كما وأنَّ الأذكار التي يردّدها كلّ منهم تختلف عن الأذكار التي يأتي بها غيره. ألم يأتِ في الآية القرآنية: ﴿وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبيحَهُمْ﴾۱، إنَّ الجميع مشغولون بذكر الله، غير أنَّكم لا تفقهون ذلك، وذلك لكون آذانكم لا تستطيع سوى سماع الكلام الظاهري، وآذانكم الباطنية صمّاء، لذا فأنتم لا تستطيعون أن تفقهوا تسبيح بقيّة المخلوقات. والعجيب في الأمر أنَّ كلّ حيوان من هذه الحيوانات له ارتباط بالوليّ الإلهي وفقًا للروحية التي يمتلكها، فهو يعرف هذا الأمر ويُدركه ، وهذا الأمر عجيب حقًا. وهنالك من الأمور والأسرار ما لا يسعها هذا المجلس، فإن أردنا أن نتحدّث عنها، فنخرج عن موضوع وغاية هذه المجالس. لقد أودع الله في كلّ واحدٍ من هذه المخلوقات الفطرة بكيفيةٍ خاصّة.
أثار العمل على خلاف الفطرة
إنَّ الفطرة هي عبارة عن تلك المواهب التي مُنحت وفقًا للإرادة والمشيئة الإلهيّة. كما وأنَّ كيفية نزول الأسماء والصفات الإلهية تختلف في الإنسان من حيث كونه رجل أو امرأة؛ فإن الله تعالى قد خلق المرأة على هيئة خاصة، وجعل لها روحيّة وظروف خاصة تختلف عن التي جعلها الله للرجل، بحيث إن حاول أي طرف منهما أن يعمل بخلاف هيئته الخاصة ويتعدى إلى قالب الطرف الآخر، فسيكون عمله خلاف الفطرة وخلاف ما جعل الله كلّ واحد منهما عليه. وسيكون ذلك أشبه ما يكون بسيارتين تعمل إحداهما بالبنزبن، والأخرى بالمازوت (الديزل)، فإن صببت المازوت (الديزل) في السيارة التي تعمل بالبنزين، فما الذي سيحصل عندها؟ سوف يختلّ نظام عملها وتنطفئ وتتوقف عن الحركة. وكذا الحال عندما نصبّ المازوت (الديزل) في خزان وقود الطائرة بدلًا عن البنزين؛ وذلك بأن يقول الفاعل: إنَّ المازوت (الديزل) قابل للاشتعال، فإن كان البنزين قابل للاشتعال، فزيت الغاز قابل للاشتعال أيضاً، والنار هي نفس النار، إذن فبدلًا من أن يتمّ صبّ البنزين، والذي هو ليس بالبنزين المعتاد، بل هو بنزين الخاص بالطائرات، يتمّ صبّ المازوت (الديزل) فيها، فإن صببت المازوت (الديزل) أو النفط أو القير فيها، فما الذي سيحصل عندها؟ ستكون نتيجة هذا العمل أن تبقى الطائرة التي تبلغ قيمتها المئات من الملايين متوقفة في أرض المطار، وسوف لن تساوي قيمتها الريال الواحد عندئذٍ، وذلك لعدم إمكانية الاستفادة منها، حيث ستبقى عاطلة عن العمل ومتوقفة، ما لم يقوموا بفتح محركاتها وتفريغ خزاناتها وغسلها وتنظيفها وما إلى ذلك. كيف يحصل هذا؟ وذلك لأنَّ المصنع الذي صنعها قد صمّم نظام عملها على هذا النوع من الوقود، فإن أردت استبداله، فسوف تتعطّل هذه الآلة. إنَّ الإنسان مشمول لهذه القاعدة أيضاً.
إنَّ الله تعالى قد جعل نظام المرأة بشكل معين، ونظام الرجل بشكل آخر، ووضع لكل منهما برنامجه الخاصّ به. إنَّ روحية المرأة وحالها يتطلّب ظرفًا خاصًا بها، فإن حاولت المرأة أن تتخطّى تلك الظروف، فسوف تستمرّ حياتها الظاهرية العادية، ولعلها لن تغادر الدنيا حتى بيومٍ واحدٍ قبل موعدها المحدّد لها، بل ستعيش نفس العمر المكتوب لها، غير أنَّها سوف لن تبلغ هدفها المنشود، وسوف لن تجني من حياتها أيّة ثمرة؛ فستكون قد جاءت إلى الدنيا وتجولت فيها، واشتغلت ببعض الفعاليات ولا شيء غير ذلك، ثمّ يأتي اليوم الذي سيُقال لها فيه: تفضلي واخرجي من الدنيا، ستقول عندها: أهكذا تكون نتيجتي مع كلّ ما عملته في هذه الدنيا؟ فتُجاب عندها: لقد عملت كلّ ما عملتيه من تلقاء نفسك، ولم تعملي طبقًا للبرنامج الذي وضعناه لك، بل كنت قد وظّفتِ أفكارك هناك ووصلتِ إلى هذه النتيجة التي يجب أن تصليها، فما دمت قد كدحتِ، فها قد تمكنتِ من جمع هذا المبلغ من المال، ذلك المال الذي لا يعني هنا شيئًا، فدعيه للورثة، كما ستقول: ولقد أتعبت نفسي وقمت بتلك النشاطات، فيُقال لها: يكفيك ما حصلت عليه من مدح وثناء، ما الذي جلبتيه لنا؟ هل كنت قد عملتِ بما أمرناك به، أم أنَّك عملت بما كان يحلو لكِ؟
الهدف من سلوك طريق الفطرة
إنَّ الأمر الذي يهمنا والذي يجب أن ندقق فيه هو معرفة أنَّ طريق السلوك هو طريق الفطرة ذاته، ولقد كرّرت هذا الأمر مرارًا وقلت بأنَّ طريق الفطرة هو ذلك الطريق الذي من شأنه أن يُخرج الإنسان من الجزئيات ويُوصله إلى الكُليّات، أي: من شأن كلّ واحدة من الصفات التي أودعها الله في وجود الإنسان أن تصل إلى الإطلاق عن طريق التحمل والتربية الصحيحة.
إنَّ الله جميل، وهو الذي جعل في وجودنا طبيعة الانجذاب نحو الحُسن والجمال، لذا نرى كيف يريد كلّ واحد منَّا أن يكون جميلًا، ونراه يحب الجمال. عندما تذهبين إلى السوق تريدين شراء لوحة فنيّة، فسوف تقومين بإلقاء نظرة على جميع اللوحات الموجودة، لماذا تنظرين إليها؟ لأنَّك تريدين أن تختاري الأجمل منها، أليس كذلك؟ هل حصل أن اخترتِ اللوحة الأقل جمالًا من بين اللوحات المعروضة هناك؟ لا أحد يفعل مثل هذا الشيء. وعندما تريدين أن تشتري حزمة ورد، فستذهبين إلى محل بيع الزهور وتشترين الحزمة الأجمل، بغض النظر عن قدرتك المالية على شراء تلك الحزمة من عدمها فهذا أمر آخر، غير أنَّ النظر ينجذب نحو الأجمل. الإنسان يسعى دائماً كي يظهر بين الآخرين بالمظهر الأجمل، ما هو مصدر حبّ الجمال الذي يحسّه الإنسان سواء كان ذلك بالنسبة إلى نفسه أو إلى ما يراه من جمال خارجي؟ إنَّ ذلك من عند الله، وهو موجود لدى الإنسان، ويسعى الإنسان إليه ولا يستطيع أن يشبعه حتى يصل إلى الجمال المطلق، فإن وصل إلى الجمال المطلق، فسوف لن يسعى وراء الحصول على جمال، وذلك لأنَّه يكون قد تحقّق في وجوده بشكل مطلق وغير محدود، وسوف لن يريد الجمال بعدها، ولن يسعى إلى جلب أنظار الآخرين إليه، فلا يوجد لديه ما يدفعه لذلك.
يُقال بأنَّ للقمان وجه غير جميل، ذات يوم سخر منه أحدهم بحضور جمع ٍمن الناس، وتكلّم بكلام غير موزون مستهزأً بشكل وجهه، فقال له لقمان: أتعيب بهذا على النقش أم على النقّاش؟! لماذا قال لقمان مثل هذا الكلام؟ ذلك لأنَّه قد وصل إلى الجمال المطلق، فلا فرق عنده بين هذا الوجه ووجه شخصٍ مشهور ٍبالجمال؛ فنفسه قد وصلت إلى هذه الحقيقة بالفعل، ولم يعد لديه حاجة. هذا الطريق يُسمّى بطريق الفطرة.
يسعى الإنسان دائماً للحصول على العلم، فتراه ـ أينما كان ـ يريد أن يكتسب معلومات جديدة، فإن كان يجلس في البيت دون أن يكون له شيء يشتغل به، تراه ينظر إلى ساعته ليرى متى يحلّ موعد نشرة الأخبار، فيقوم بتشغيل الراديو. ما الذي يعنيه إن سمع في الأخبار بأنَّ هزّة أرضية قد حصلت في المكان الفلاني؟ أو أنَّ حيوانًا قد وُلِدَ في المكان كذا، أو أنَّ قضية ما قد حصلت في أحد الأمكنة. لماذا يفعل الإنسان ذلك؟ إنَّه يفعله لأن الله أودع فيه الحاجة لطلب العلم، وإلّا لما كان ليتابع الأخبار. عندما يكون هناك عدد من الأشخاص يجلسون في مكان واحد، ويكون اثنان منهم يتكلّمون مع بعضهما، ترى الآخرين يحاولون التنصّت عليهم لكي يعرفوا الموضوع الذي يتكلّمان به؟! وهذا العمل قبيح جداً ، لماذا تراهم يفعلون مثل هذا الشيء؟ إنَّه بسبب الشعور بالحاجة إلى طلب العلم، غير أنَّهم لا يعرفون كيف يستغلّونها في مكانها الصحيح. إنَّه يحاول أن يعرف ما الذي يقوله ذلك الرجل، ما أنت وما يقول؟! إنَّه يشعر بحاجة، والشعور بالحاجة لزيادة المعلومات موجودة لدى جميع الناس، نعم، إنَّ الشعور بالحاجة إلى التقدّم العلمي موجود لدى الجميع. ترى أحدهم يقول: أريد أن أعرف ما الذي يجري هناك! أو ما الذي يقوله ذلك الشخص؟ أو ما الذي يفعله؟ يبقى هذا الشعور لدى الإنسان ما دام يحسّ الخلأ والنقصان في وجوده، ثمّ ما إن تصل فطرته إلى مرتبة الإطلاق العلمي، أي: لتلك المرتبة التي يكون فيها علم الله اللانهائي فتنتفي حاجته للعلم؛ فإن رأى شخصين يتكلمان مع بعضهما، فسوف يستمرّ بالقيام بعمله دون أن يعنيه أمرهما شيئًا، وإن جلس كافة الناس يتباحثون حول موضوع معين، فلا يعنيه ذلك شيئًا، وإن حصل أمر ما في أحد الأمكنة، فلا يعنيه أمره شيئًا، بل سيقول: هو أمر قد حصل، وإن اخترع أحدهم جهازًا، فسيكون عارفًا بكلّ ما يتعلّق بهذا الاختراع وهو جالس في مكانه، وإن حصل اكتشاف لأمر ما، فسيكون قد وصل إلى مكان لا تصل مائة مليار من تلك الاكتشافات إلى درجته.
يا له من كلام عجيب ذلك الكلام الذي قاله المرحوم المغربي رحمه الله في ديوان شعره عندما قال:
خيال وصل دو عالم نیاورد به خيال | *** | دلى كه يافت دمى لذت وصال حبيب |
(يقول: إنَّ القلب الذي ذاق شيء من لذة وصال الحبيب، لا يخطر على باله نيل ما موجود في كلا العالَمين أبدًا)
لا يمكن أن يخطر على قلبه شيء مما هو موجود في عالم القيامة وعالم الدنيا، ذلك الذي قد نال لحظة واحدة من لحظات وصالك، كيف؟ وذلك لكونه قد وصل إلى العلم المطلق والجمال المطلق والقدرة المطلقة والحياة المطلقة، فلا حاجة له للبحث والتحرّك في هذه الكثرات والماديات.
تفسير آية الفطرة في القرآن الكريم
جاء في الآية الشريفة: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾۱ إنَّ الله قد خلق كافة الناس على أساس الفطرة، ولا يحصل تبديل في خلق الله. لا تتصوّروا بأنَّ المرأة تستطيع أن تقوم بالأعمال المطلوبة من الرجل، كلّا، لا يحصل تبديل هنا، إن فعلت ذلك، فستكون قد خدعت نفسها، كما ولا تتصوّروا بأنَّ الرجل يستطيع أن يقوم بوظائف المرأة، فسيكون قد خدع نفسه إن أراد أن يفعل مثل هذا الشيء. لا تبديل لخلق الله، وسوف لن تجلب هذه الأعمال أيّة نتيجة. إنَّ هذه الروحيّة وتلك الصفات والنفس هي من خلق الله، وها نحن نريد أن نجري عليها بعض التغيّيرات؛ فنعمل على تلوينها وتزيّينها وتقطيعها وإعادة تركيبها ونحتها ثمّ نقوم بوضعها بين أيدي الناس وفقًا لأميالنا. أتلاحظون!
إنَّ الأنبياء والأولياء قد جاءوا لكي يرشدوا الناس إلى الطريق الذي يعمل على إيصال الفطرة إلى درجة الكمال، فهم يقولون لهم: لا تسلكوا الطرق الملتوية ولا تُتعبوا أنفسكم في ذلك، فلن تحصلوا على أيّة نتيجة؛ أي: إن سلكتم هذا الطريق، فسوف تصلون إلى الغاية المطلوبة، وإلّا، فلا. إنَّ توصيات الأولياء والعظماء وإرشاداتهم والتعليمات التي يلقونها إلينا، هي من أجل تعليمنا كيف علينا أن نتحرّك باتجاه تلك الفطرة، وكيف نتقدّم إلى الأمام بواسطتها. نعم، إنَّ كلّ ذلك يحصل من أجل أن يتحقق هذا الهدف.
العلاقة بين السلوك والفطرة
إنَّ السلوك يعني التطابق الكامل بين الحركة الظاهرية للإنسان في هذه الدنيا وبين الفطرة التي أودعها الله فيه، فهذا هو أفضل معنى للسلوك، وأفضل ما يمكن أن يُعرّف به السلوك؛ فعلى الإنسان أن يجعل مسيره في هذه الدنيا بالشكل الذي تتطابق أعماله مع الفطرة المُودعة فيه بشكل كامل ومائة في المائة. ولا يستطيع أحد أن يُوجد مثل هذا التطابق للإنسان غير ذاك الذي طوى بنفسه هذا الطريق، ويكون قد اطلع على جميع الخبايا والزوايا في هذا الطريق، فهذا الأمر لا يحصل بمطالعة الكتب، ولا بالذهاب إلى هذا المكان أو ذاك، وهو لا يحصل إلّا على يد الأنبياء والأئمة وأولياء الله الذين يكونون قد أوصلوا فطرتهم إلى الدرجة المطلقة وإلى مرتبة الكمال بالفعل، لا ادعاءاً.
كان أحد المُدعين قد أنشد شعرًا، وهو شعر مشهور، فكنت أجلس مع المرحوم العلاّمة يومًا وجرى الحديث عن هذا الشعر وهذا الغزل، فقال لي المرحوم العلاّمة: يا فلان ما هو تفسير هذا الشعر برأيك؟ فقرأت له هذا البيت من شعر الشيخ حافظ:
ای مگس عرصه سیمرغ نه جولانگه توست | *** | عرض خود میبری و زحمت ما میداری |
(يقول: يا أيتها الذبابة، إنَّ المكان المُخصص للعنقاء هو ليس المكان الملائم لك للطيران فيه، إذ إنَّك ستفضحين نفسك من جانب، وستزيدين من معاناتنا بعملك هذا من الجانب الآخر)
لقد قام هذا الرجل باقتطاع مقاطع من كلمات العرفاء، وأعادة تركيبها، فعمل منها شعرًا. خذ بيتًا واحدًا من غزل الشيخ حافظ وتفكّر فيه، لترى هل ترتوي من هذا الغزل في واقع الأمر؟ نعم، هل يمكن أن ترتوي منه؟! تعال وقارن بينه وبين ما أنشده الكثير من الشعر، فكم من الشعر قد ألّفه الآخرون؟! فضعها إلى جنب بعضها البعض وقارن بينها، خذ هذا الغزل من شعر حافظ الذي يقول فيه:
ألا يا أيّها الساقي أدر كأسًا فناولها | *** | كه عشق آسان نمود اول ولى افتاد مشكلها |
به بوی نافهای کاخر صبا زان طره بگشاید | *** | ز تاب جعد مشکینش چه خون افتاد در دل ها |
(يقول: ألا يا أيّها السّاقي أدر كأسًا فناولها، لقد بدا لي العشق سهلًا أول الأمر، ولكنّه لم يمض وقت حتّى ظهرت مشاكله، هبّ نسيم صبا آخر الليل فحلّ عقدة سرّة الغزال وجعل المسك يفوح منها، ولقد داعب هذا النسيم شعرها الأسود المجعّد المصفوف فجعله يتناثر، لا تدري أيّ ألم قد اعتصر قلبي لرؤيتي مثل هذا المنظر؟!)
كنت أجلس مع المرحوم العلاّمة يومًا، فقال لي: ما هو تفسير هذا المصرع من الشعر الذي يقول فيه: (ز تاب جعد مشکینش چه خون افتاد در دل ها)؟ فقمت بقول وطرح ما كنت اعتقده صحيحًا، ولا أدري فيما إن كان صحيحًا بالفعل أم لم يكن كذلك، فقال لي: يا سيّد محسن، لو أنَّنا ألفنا كتابًا بعشرة أجزاء في تفسير هذا البيت من الشعر، لما وفيّناه حقّه؟ لا أتذكّر فيما إن كان قد قال عشرة أجزاء أم عدّة أجزاء، ولكن أن يكون ذلك عدة أجزاء هو أمر مُسلّم به. من يستطيع أن يفهم معنى هذا الشعر؟ لا يفهم ذلك غير الوليّ الإلهي الذي طوى جميع تلك العوالم، وهو يعلم بأنَّ الشيخ حافظ قد وضع قدمه هناك، نعم، هو وحده الذي يفهم معناه.
به بوی نافهای کاخر صبا زان طره بگشاید | *** | ز تاب جعد مشکینش چه خون افتاد در دل ها |
إنَّ بيت الشعر هذا يوضح جميع تحركات العالم من خلال سيرها إلى الله في كلّ من قوسي الصعود والنزول، ثم نأتي نحن وننظم شعرًا؟ ونريد أن نضع أقدمنا مكان قدم الشيخ حافظ؟! ما الذي سينتج؟ سوف لن نجني من عملنا هذا غير الفضيحة والخجل والإسراف في الحبر والورق!
الحاجة إلى استاذ في الحركة الفطرية
إنَّ هذه الحركة الفطرية وهذا السير إلى الله عبارة عن الرشد والترقّي، وينبغي أن يحصل هذا الترقي على يد من له اطلاع دقيق كيفية الحركة ومسائلها. النكتة التي يجب أن يُشار إليها هنا: أن مثل هكذا حاجة موجود عند الجميع، فنحن نرى كيف يأتي من يضع برنامجًا لحياته من تلقاء نفسه، ويرسم فيه خطوات لكي يسير على ضوئها، ماذا ستكون النتيجة؟ تراه يقول: سأعمل على تكامل فطرتي وستكون طريقة تربيتي بهذا الشكل :سأقوم بانجاز العمل كذا، وحضور المجلس كذا، وأردّد الذكر كذا، فأقوم بكذا وكذا من الأعمال، وأتعامل مع أقربائي وأصدقائي بالطريقة كذا، لماذا تراهم يفعلون مثل هذا الشيء؟ لأنّهم لا يريدون أن يسلموا ويقيدوا أنفسهم بنهج الأنبياء؛ وذلك لكونه صعب عليهم وفالأمر لا ينسجم مع شخصيتهم وخصائصهم النفسية، لذا تراهم يحاولون أن يتملّصوا من تلك القيود والالتزامات. ومن أجل إقناع أنفسهم وإرضائها تراهم يضعون لأنفسهم برامجًا خاصّةً بهم يشغلون أنفسهم بها، وهم يقولون: سنضع لأنفسنا برنامجًا، فنقوم بكذا وكذا من الأعمال. إنَّ ذلك يحصل لكونهم لا يريدون أن يتركوا الطريق بشكل كامل، ولا يستطيعون أن يهدموا كلّ شيء في لحظة واحدة، لذا فهم يعملون على إشغال أنفسهم ببعض الفعاليات، فهذا الأمر يزيد الفاصلة والزاوية بينهم وبين الطريق الصحيح، ويستمرّ الأمر على هذا المنوال إلى أن يؤدّي بهم دفعة واحدة إلى مآل آخر! إنَّ الطريق الذي يُرشد إليه الأولياء هو عبارة عن ذلك الطريق الذي يُوصل الإنسان إلى هدفه المنشود.
الطريق الفطري للمرأة
قالت السيدة الزهراء: إنَّ طريق المرأة ليس ذلك الطريق الذي يسمح لها بالتحدّث مع الرجال والضحك معهم، بل يتمثل مسيرها في أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل، نعم، فهذا هو طريق المرأة. أما الآن فها نحن نطرح الأمر بشكل آخر ، فنقول: إنَّ هذا الكلام يعود إلى ذلك الزمان أي ما قبل ألف وأربعمائة سنة، فهكذا كان الوضع في تلك الأيام، أمّا الآن، فالأوضاع تغيّرت ، وحصل ترقٍّ للمرأة، ففي السابق كان وزن عقلها ثمانمائة غرام أما الآن فقد أصبح وزنه ثمانية كيلوغرامات، وبدلًا أن يكون عدد كريات دمها خمسمائة ألف في السنتمتر المكعب كما في سابقًا، أصبح عددها خمسة ملايين في هذه الأيام، فقد تبدّل الأفكارها والأذهان، وتبدّلت الدنيا، فلا بأس بأن نتصرف بشكل آخر، نعم لا بأس به إذن. ألم يكن بمقدور السيّدة الزهراء أن تقول بأنَّ كلامها ذاك يخصّ نساء زمانها فقط؟ ثمّ يأتي زمان تصبح فيه النساء أفضل منِّي أنا الزهراء! وتكون أفكارها أكثر تنوّرًا منِّي! وسيفهمنَ ما لا أستطيع أنا فهمه! ولا يمكن له أن يخطر على بالي. لماذا لم تقل الزهراء مثل هذا الكلام؟ هل نسيت أن تقوله؟! أم أنَّنا نحن الذين نخدع أنفسنا. إنَّ الأمر يهون إن كان يتعلّق بنا وحدنا ـ ها أنا أقولها بكلّ وضوح ـ بل حتّى وإن جاء ألف ضعف من أمثالنا وحاولوا أن يخدعوا أنفسهم كما نخدع أنفسنا، فإنَّ الله قد أعدَّ المكان المناسب لكل هذه الأعداد في ذلك العالم، بل ولأكثر من ذلك!
طريق السير والسلوك إلى الله هو عبارة عن الطريق الذي منَّ الله به علينا وجعله طريقًا لنا كي نسلكه، ثم نأتي ونمنَّ على الله بالصلاة التي نصلّيها، فلو لم يشرع الله لنا هذه الصلاة، فما الذي كنَّا سنفعله حينها؟! لو لم يتم اكتشاف مادة البنسلين، فما هو حجم المعاناة التي سيعانيها المريض الذي يكون بحاجة إليها ؟! إنَّه سيموت بلا شك. فبدلًا من أن نقوم بمتابعة أمورنا والبحث بأنفسنا [عما يجب فعله]، ترانا نتعامل معاملة وكأننا أصحاب الفضل، ونرفع مستوى توقعاتنا [بالنتائج]. لم يكن العظماء يتعاملون بهذا الشكل، بل كانوا يبحثون بأنفسهم كما يبحث العطشان الذي يوشك أن يموت من العطش، نعم، هكذا كانوا يبحثون، وهكذا كانوا يتوسلون، وكانوا يتمرغون بالتراب ألف مرّة، دون أن يعرفوا إن كانوا سيحصلون على استجابة لطلبهم أم لا. أمّا الآن فالأمور قد وُضعت بين أيدي الجميع بالمجّان، غير أنَّنا لا نعرف قدر هذه النعمة؛ فإن قيل لأحدهم: عليك أن تقوم بهذا العمل، تراه يقول: ألا تسمح لي بأن أقوم بغيره، وإن قيل له: يجب أن يُنجز هذا العمل بهذه الكيفية، تراه يقول: ألا يمكن لي أن أنجزه بتلك الكيفية؟ نعم، يجوز وبدون أيّ إشكال، فباستطاعة الإنسان أن يضع له برنامجًا خاصًا به، ولكن كم سيكون هذا البرنامج متوافقًا مع السلوك والفطرة؟! الله أعلم بذلك. ولهذا نرى كيف يحصل الانحراف التدريجي.
يبدو بأنَّني قد تكلمت شيئًا ما عن هذا الموضوع في الجزء الثاني من كتاب أسرار الملكوت، وقلت هناك: بإنَّنا لا نتبع الأوامر الإلهية، ثمّ نقوم بزيادة عدد الأذكار. كلّا، يا عزيزي، لا فائدة من زيادة عدد الأذكار، نعم، لا فائدة من هذا الأمر، فلو أنَّك أتيت بذكر اليونسيّة أربعة آلاف مرّة بدلّا من الأربعمائة مرّة، فلن تكون له أيّة فائدة ما لم تعمل وفقًا للبرنامج الذي أعطاك إياه المرحوم العلاّمة، ذكر اليونسية أربعة آلاف مرة في اليوم، ألا يقولون ذلك الآن؟!
إنَّ الكثير من أهل السنّة هم من أهل الذكر، بل ويأتون بالذكر بأكثر مما نأتي به نحن، فهم يمضون أوقاتهم من الصباح إلى المساء بالذكر ، نعم هذه الأذكار لها آثار، غير أنَّ حركتهم ستكون ضمن نطاق حدود النفس، وفي إطار تخيلاتهم، فلماذا لا يستطيعون الحركة ولا يستطيعون التقدّم؟
آثار إنقياد السالك للأستاذ في السير والسلوك إلى الله
كان هناك شخص من تلامذة المرحوم الشيخ الأنصاري، وكان يشتغل بالأذكار وبعض الأعمال وويقيم المجالس من تلقاء نفسه، وهو الآن على قيد الحياة باقٍ في نفس المرتبة التي كان فيها. قال المرحوم العلاّمة عنه: إنَّ فلانًا من أهل الذكر والتهجد وصلاة الليل، ولكن أتعلمون لماذا لا يترقّى؟ إنَّه لا يترقّى لأنَّه لا يريد أن ينصاع لأوامر الأستاذ فقط، فتراه يشتغل بالأذكار والتهجّد، وهو إنسان من أهل الخير، ولكنَّه لا يمتلك النفس التي تمكّنه من الإنصياع لأوامر الأستاذ وتنفيذ برامجه؛ فعندما يأمره الأستاذ بالقيام بعمل ما، تستثقله نفسه ولا يستطيع تقبّله، ثمّ يقوم بالخلق الأمور ويبدأ مصنعه بالإنتاج؛ فيقول: سأفعل هذا، وأعمل على زيادة هذا والتقليل من ذاك، فتحصل له مكاشفات، فأنا لا أقول بعدم حصول مكاشفات له، ولكنه بيقي عند ذلك الحدّ، لا يتقدّم خطوة واحدة، فيبقى متوقفًا عند الأمور الصورية والظاهرية.
وفي مقابل ذلك، نجد شخصاً سلّم نفسه للأستاذ؛ فإن نهاه عن القيام بعمل معين قال: سمعًا وطاعةً، فتراه لا يمتلك أموراً كثيرة من تلك المطالب، غير أنَّ أمورًا جديدة تحصل له، وترى أفكاره تتبدّل وهو يتقدّم في السير، فترى حاله قد اختلف عمّا كان عليه قبل ستة أشهر. لماذا يحصل كلّ ذلك؟ لأنَّه قد أوجد تطابقًا بين سلوكه وبين القضايا الفطرية، ولأنَّه تابع شخصاً على اطلاع كامل بخصائص نفسه، فأخذ منه برنامج سلوكي وعمل بموجبه.
كان هنالك شخص يقيم مجالس العزاء لمدة عشرة أيام في أشهر محرم وصفر، وكان قد أعلن عن موعد المجلس وفقًا لعادته السنوية، وعندما حضر عند المرحوم العلاّمة ليخبره بهذا الأمر، قال له المرحوم العلاّمة: لا، لا تقيم هذه المجالس عندك فليقيمها فلانٌ في بيته. إنَّ الرجل كان قد أعلن عن المجلس في بيته وأخبر الناس بهذا الأمر، وإذا بالمرحوم العلاّمة ينهاه عن ذلك ويهدم له كلّ شيء، ويقول له: دع فلان يقوم بهذا الأمر، ماذا عليه أن يفعل؟ كان عليه أن يقول: سمعًا وطاعةً. ولكن ما الذي حصل؟ تبدأ النفس بالتحرك في مثل هكذا موقف، فتراه يقول: إنَّ الإمام الحسين، هو الإمام الحسين، سواء عُقد المجلس في هذا المكان أو ذاك، ولقد كنت أُقيم هذا المجلس في بيتي كلّ عام، فلماذا تعامل معي المرحوم العلاّمة بهذا الشكل؟ فتبدأ التساؤلات ويزيد ترديد كلمات لماذا؟ ولماذا؟ حينئذٍ تُفتح نافذة في قلبه وتبدأ بالاتساع شيئًا فشيئًا إلى أن تستولي على قلبه كاملاً، فهذا الشخص الذي كان يُعاتب من لا يحضر يومًا واحدًا من المجالس، وكان يقول له: لقد خسرت مجلس عزاء الإمام الحسين يا فلان، إذ به يحضر المجلس يوم و يغيب آخر. إنَّ الإمام الحسين هو الإمام الحسين نفسه سواء أُقيم المجلس في هذا المكان أو ذاك، وهل يفرق الأمر بالنسبة للمرحوم العلاّمة إن عُقد المجلس في هذا المكان أو ذاك؟! إنَّه موجود في مشهد، فما الفرق بالنسبة إليه؟ هذا ما يُسمى بالتطابق بين السلوك والمسائل الفطرية. إنَّه يعلم بأنَّ عليه أن يسلك هذا الطريق، ولكنَّه يسلك الطريق المعاكس، فيصبح الإمام الحسين بالنسبة له صنمًا، ويصبح المجلس الذي يقام له معبدًا للأصنام. والحال أن الإمام الحسين ليس صنماً، بل هو المرآة الخالصة لله، وبالتالي فهو لا يضع قدمه في تلك الأماكن.
حضرت أحد مجالس العزاء كان في يوم الأربعين، وعندما دخلت قلت في نفسي: كيف يكون هذا المجلس، مجلس الأربعين وفيه كلّ هذه الكدورة والظلمة؟! بعدها قال لي بعض الأصدقاء الذين هم مورد ثقتي، قالوا: أيّ مجلس هذا؟! لماذا كان بهذا الشكل؟! قلت له: هذا لم يكن مجلساً، بل كان مسرحية! فالإمام الحسين لا يضع قدمه في مجلسٍ كهذا، نعم، لا يمكن للإمام الحسين أن يضع قدمه في مجلسٍ أُقيم من أجل اظهار النفس والأنانيّة، ولا يمكن أن يحضره، إذ لا يجتمع النور مع الظلمة. لكن الأشخاص يسعون لتبرير أعمالهم، ويفعلون ما يفعلون من أجل تثبيت مكانتهم، فتراهم يقومون بتجميع وحياكة الأدلّة من أجل إثبات صحة عملهم.
ماذا يقول المرحوم العلاّمة؟ إنَّه كان يقول: عندما يضع السالك قدمه في طريق السلوك، فعليه أن يتخلّى عن نفسه، فإن قيل له: هذا نصيبك، عليه أن يقول: سمعًا وطاعةً، وإن أُعطي ما هو أصغر منه، فعليه أن لا يعترض ويقول: ولكنَّ هذا أصغر، بل عليه أن يقول: سمعًا وطاعةً، لا يقول: هذا أصغر من ذلك، أو يقول: ولكن هذا أكثر بياضًا من ذلك، بل عندما يُقال له: هذا نصيبك، فيجب أن يكون الأمر منتهيًا بالنسبة له، ولا يفكر أبدًا في الأمر.
ارتكب أحدهم خطأً، فقام المرحوم العلاّمة بتوبيخه، ومنعه من حضور في الجلسات لمدة أربعين يومًا، فأرسل إلى المرحوم العلاّمة أن فلانًا وفلانًا قد فعلوا نفس الشيء، فلماذا لم توبخهم؟ يا هذا لعلّه لا يريد أن يوبّخهم! هذا هو المورد الذي يُقال فيه: على المؤمن أن يكون نبهًا وكيّسًا. فإن طُرح أمرٌ، فعليه أن يعتبر نفسه هو المخاطب ويُحصّل الإستفادة، فلا يقوم باستبعاد أن يكون هو المقصود من هذا الكلام أو ذاك.
لا بدَّ وأنَّكم قد لاحظتم عندما يقومون بجمع الطلاب قبل الامتحانات ويخبرونهم بالظروف المتعلقة والخاصة بالامتحان، كيف تتوجّه الأذهان نحو الشخص الذي يلقي الكلام عليهم؟ وكيف يكتبون النقاط التي يُشير إليها واحدة واحدة؟ فإن رأى أحدهم نقطة ضعف عنده، يقوم بتثبيتها لكي يتلافى الوقوع بمثلها في الأسبوع القادم، فلا تراه يقول: إنَّ هذا الكلام لا يخصني. إن كنت تعتبر أنه لا يخصك، فستفشل، فلعل بعض النقاط تخصك أنت، وإهمالها سيؤدّي إلى فشلك في الإمتحان.
على الإنسان الذي يسير في طريق السلوك أن يمتلك هذا الحالة، يعني أن يكون مهتمّاً ويقظًا على الدوام، فإن طُرح أمرٌ ـ إن كان غير موجّهٍ إليه ـ فعليه أن يقول في نفسه: أنا المقصود من هذا الكلام، وأنا الشخص المُشار إليه في هذا الحديث؛ فعليَّ أن أعمل على إصلاح نفسي. فلم يُصب بمكروه من أصلح نفسه. ففي مثل هذا الحال، إن استمرّ أحدهم في سيره، وأراد يطوي مسير الفطرة بحسب ما يراه هو، فيسير في الطريق على هذا النحو، فإنَّه سوف يبتعد عن الفطرة بشكل تدريجي، وستبقى نفسه في تلك المرتبة من الجهل والضلال. فإن حصل هذا الأمر، سوف تسير جميع أموره بالإتجاه المضادّ للفطرة؛ فإن تكلّم، لم يكن كلامه لله، وإن تحدّث،كان حديثه كله يدور حول الدنيا وحول نفسه، فتراه يأخذ أولًا مصالحه الدنيوية بنظر الاعتبار، ثمّ يقوم بصياغة الكلمات على ضوء ذلك، وتراه يفكر في كلامه ليرى هل سيمسّ مصالحه الشخصيّة أم لا، ثمّ يقوم بتزيّين وتزويق الكلمات بحيث لا يعود الكلام عليه بسوء. واقعاً هذا الأمر عجيب! نعم، إنَّه عجيب للغاية!
يقول المرحوم العلاّمة: عندما كنت في النجف ذات يوم كنت أتحدّث مع أحد علماء النجف حول وجوب أن يعمل العالِم الديني على مطابقة كافة أموره مع ما أمر به الإسلام، ومع ما يُرضي الله، فقال: لا، لا يُشترط ذلك، بل قد تقتضي المصلحة في كثير من الأحيان أن يعمل الإنسان بخلاف ما يرضي الله! كيف يحصل أن يعترض شخص قد اكتسب العلم، ووصل إلى مرتبة معينة من العلم ففي نهاية المطاف هو له ممارسة مع الآيات القرآنية، وأحاديث الأئمة وكلمات العظماء لمدة ستين، سبعين أو ثمانين سنة، كيف يعترض على مثل هذا الكلام، ويقول: على الإنسان أن ينظر أين يكمن الصلاح، وقد يحصل أن يكون الصلاح في ترك ما يكون فيه رضا الله؟! نعم، يصل الأمر بأحدهم لأن يقول: ما الفائدة من قراءة القرآن؟! فالقرآن يخصّ الأفراد المعاصرين لرسول الله، وقد سمعوه، أمّا نحن فما هي فائدة قراءته لنا؟! فما جاء فيه من مسائل أخلاقية، فنحن نعرفها، وبالنسبة إلى المواضيع الفقهيّة، فهي موجودة في الروايات، وما فيه من قصص وأحداث تأريخية، فهي موجودة في الكتب، فلأيّ شيء نقرأ القرآن ؟! وبهذا تمضي السنوات الواحدة تلو الأخرى، والقرآن موضوع فوق الرفوف لا يفتحه أحد. إنَّ هذا الكلام واقعي وليس بمزحة.
ترى أحدهم يُقيم مجلس عزاء لسيّد الشهداء لا لشيء إلّا لأن فلان أقام مجلسًا، فسيكون من عار عليه أن لا يقيم مجلسًا له؛ فتراه يقول: لا بدَّ وأن يُقام مجلس فيه أُلفة بين المتواجدين، فيجتمع الناس والمريدون حول بعضهم، ولا بدَّ أن يكون للعظماء مجلس يليق بهم فيجتمعون فيه ويشعرون أنهتم محاطون بأشخاص، ثمّ يصعد أحدهم المنبر ويمدح صاحب المجلس...
كنت في أحد الأماكن يومًا، وجرى الحديث عن أحدهم، فقالوا بأنَّه كان قد نذر نذرًا بأن لا يتحدّث في مجلسه عن غير الله أبدًا، وعندما يحضر ذلك الشخص أحد المجالس الخاصة، تراه لا يتحدّث إلّا عن الشخص المُقيم للمجلس. ألم يُقم الآخرون مجالسًا، فلماذا لا تمدحهم؟ ولماذا لا تدعو لهم؟ لماذا لا تدعو إلّا لذاك الذي يسلمك ظرف النقود؟ سوف يسمّون هذا الحال بأنَّه خلوص وأنَّه لأجل الإمام الحسين. إنَّ كلّ هذا يعتبر مخالف للفطرة.
إنَّ ما يكون موافقًا للفطرة هو الذي يوصي به وليّ الله الواعظ بقوله: عندما ترتقي المنبر فعليك أن تضع الله نصب عينيك فقط، وتضع نُصب عينيك صاحب المجلس الذي هو بقيّة الله أرواحنا فداه ولا غير، وعليك أن لا تذكر اسمي، فإن فعلت ذلك، فسوف لن أدعوك للمجالس القادمة، ماذا يُقال عن هذا؟ إنَّ هذا العمل هو الموافق للفطرة. أمّا إن أراد الواعظ أن يمدح فلانًا ويُشير في خطبته إلى أحاديث فلان، فما الذي سيحصل عندها؟ سينحرف المجلس تجاه النفس والدنيا والترويج. وستكون النتيجة أن يبقى الإنسان يدور حول نفسه لمدة ستين أو سبعين سنة دون أن يبرح مكانه، ودون أن يتقدّم ولو لمتر واحد إلى الأمام.
لم نصل اليوم إلى ما كنَّا نبغي الوصول إليه، فقد كان هدفي أن أستمرّ بالحديث هذا اليوم لكي أصل إلى موضوع المباني الفطرية، غير أنَّ هنالك أسئلة أراها مهمّة، لذا سأبدأ بالإجابة عنها، وسأتحدّث عن الموضوع في فرصة أخرى إن شاء الله.
الجواب على أسئلة الحضور
سؤال: إن لم نتمكّن من أداء الصلاة في أول وقتها بحضور القلب بسبب ظروف العمل، فهل نستطيع أن نُعيدها فيما بعد عندما نكون في ظروف نحصل فيها على حضور القلب؟ أو هل نستطيع تأخيرها إلى أن نحصل على مثل تلك الظروف؟
الجواب: لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، بل يجب أداؤها في وقتها، وعلى المُصلّي أن يحافظ على حالة الهدوء والسكينة، ولا حاجة لإعادة الصلاة، وستكون مقبولة إن شاء الله.
سؤال: ما هو حكم أخذ الصورة للمرأة، وتصويرها فيديويًا؟
الجواب: لا إشكال في ذلك إن كانت المصوّرة امرأة وتراعي أمر حفظ الصور والأفلام بعيدًا عن عيون الغرباء، وبصورة عامة فإنَّ هذا الأمر يعود إلى الشخص نفسه، فإن كان يستطيع أن يحفظها بشكل كامل عن عيون الغرباء أو الطفل المميّز، فلا إشكال في ذلك، أمّا إن كان يحتمل عدم الأمانة ويحتمل أن تكون الصور والأفلام في معرض رؤية الآخرين لها، كأن يتمّ وضعها على رفّ أو مكان مكشوف، فلا يعتبر هذا من الحفظ المُشار إليه، ولا يصحّ أخذ الصور والأفلام في مثل هذه الحالة.
سؤال: هل يجب على المرأة أن تردّ سلام الرجل الأجنبي؟
الجواب: إنَّ ردّ السلام على الأجنبي واجب، ولا فرق في ذلك بين الرجل أو المرأة، ولكن يفضّل أن تقوم المرأة بخفض صوتها كثيرًا وبالشكل الذي لا يكون فيه واضحًا.
سؤال: ما هو حكم لبس المرأة للقميص (البلوز) والسروال وسط جمع من النساء أو المحارم؟
الجواب: كنت قد أخبرت رفقاء الطريق بأنَّ واجبي يتمثّل في نقل ما سمعته من المرحوم العلاّمة، ولقد كان يعارض لبسها، فها أنا أقولها لكم بكلّ صراحة: يجب على المرأة أن تلبس الجلباب (التنّورة) على أنَّ هذا الوجوب هو ليس وجوبًا شرعيّاً، بل يكون من الناحية الأخلاقية ومراعاةً للرزانة. كان المرحوم العلاّمة يعترض على لبس البلوز والسروال، والأفضل أن تمتنع النساء عن لبسها جهد الإمكان، إلّا في بعض الموارد كأن تلبسها من أجل زوجها، وهكذا يكون الحكم في لبسها بحضور المحارم؛ ففيما يتعلّق بالزينة الظاهرية، فلا يجب تجنّبها عن الأجانب فقط، بل وحتى عن المحارم أيضاً وذلك لأن الجميع يمتلك هذه النفس التي قد تتأثّر من مشاهدة الخصائص الظاهرية. بناءً على هذا فلا بدَّ من رعاية هذه المسائل الأخلاقية التي قد يؤدّي عدم رعايتها إلى بروز التخيلات والخواطر غير الصحيحة وغير المناسبة، تلك الخواطر التي يتحتّم منع حصولها.
سؤال: ماذا عن لبس الملابس الضيّقة؟
الجواب: الحكم السابق بنفسه ينطبق على هذا السؤال، فالأفضل عدم لبسها أمام المحارم وبنفس الكيفية التي بيّنتها للأصدقاء.
سؤال: ما هو حكم لبس القميص ذو الأكمام القصيرة؟
الجواب: يُكره لبسه، ومن الأفضل أن تلبس المرأة القميص ذا الأكمام الطويلة عندما تكون بين جمع من النساء أو المحارم. لا يوجد إشكال من هذه الناحية فيما يخصّ النساء، إذ إنَّ كراهة لبس القميص ذو الأكمام القصيرة تعود إلى قصر الأكمام نفسها لا إلى أمر آخر.
سؤال: ماذا عن لبس الملابس السوداء؟
الجواب: مكروهة.
سؤال: ما هو حكم لبس الحلقة أو الخاتم في اليد اليُسرى؟
الجواب: من المُستحسن أن يتم لبس الحلقة أو الخاتم في اليد اليُمنى، ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء. من علامات المؤمن التختّم باليمين، ولقد عمد معاوية على لبسها في اليسار، وها هم أهل السنّة يتبعونه في ذلك.
سؤال: ما هو حكم لبس النساء للحذاء ذي الكعب العالي؟
الجواب: إنَّ لبس الحذاء ذي الكعب العالي مضر؛ فهو يضرّ بالجسم وبالأعصاب ولا أُوصي بلبسه، هذا مع عدم وجود أيّ إشكال في الحذاء نفسه، أمّا إن كان يجلب نظر الآخرين عند مشي المرأة في الشارع، فسوف لن يخلو لبسه من الإشكال.
سؤال: ما هو حكم استلام الهدايا التي تُقدّم في نوروز بعنوان عيدية؟ هل يجب الامتناع عن استلامها؟
الجواب: لا يوجد لدينا عيد باسم نوروز، فهذا ليس من الأعياد الإسلامية، بل هو عيد المجوس، فإن جاء أحد لزيارتكم في أيام نوروز، فعليكم أن تنبّهوه على هذا الأمر، والأفضل أن لا تقبلوا منه العيدية، وتقولوا له: إن كنت تريد أن تُعطينا عيدية، فلا مانع من أن تُقدمها لنا في عيد الغدير أو في النصف من شعبان أو في عيد الفطر أو أحد الأعياد الإسلامية. لا أريد أن أقول هنا بأنَّ في استلام هذه الهدية إشكال، ولكنَّني أريد أن أقول بأنَّ من يتبع الثقافة الإسلامية، ويريد أن يشيع هذه الثقافة بين أفراد عائلته، فعليه أن يرفض استلام مثل هكذا هدية.
سؤال: فإن انزعج من ذلك؟
الجواب: فلينزعج إذن!
سؤال: ما هو حكم زيارة الأئمة عليهم السلام، والسيدة المعصومة والسيّد عبد العظيم في المساء؟
الجواب: من الأفضل أن لا تتمّ الزيارة في المساء، ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء. لقد سمع هذا العبد من المرحوم العلاّمة قوله: إن كنت تريد أن تزور الأئمة، فلتكن زيارتك لهم في فترة ما بين الطلوعين وفي النهار، وبالنسبة إلى الأئمة عليهم السلام، فنستطيع أن نقول: إنَّ من لم يتمكّن من زيارتهم في النهار، فليزرهم في الليل، أمّا بالنسبة إلى بقية الأماكن المباركة مثل السيّدة المعصومة والسيّد عبد العظيم، فتتمّ زيارتهم في النهار.
سؤال: إن تمت الدعوة للإفطار أو لتناول طعام العشاء في الليل، وقبل وليّ أمر المرأة هذه الدعوة، فهل يكون من الأفضل لها أن تذهب إلى هناك، أم أن تمتنع عن الذهاب؟
الجواب: قد يقبل وليّ الأمر الكثير من الأمور، غير أنَّ على الإنسان أن ينظر إلى نفسه، وما الذي يقتضيه مسيره.
سؤال: بالنظر إلى المحاضرات التي ألقيت في العشرة الأولى من شهر محرم حول تفسير الآية: قد جاءكم بصائر من ربكم، فمن أبصر ... سمعت بأنَّه لو وصل إلى مسامعنا شيء، فعلينا أن نعمل بموجبه دون أن نتشاور مع أحد حول صحة الأمر من عدمه؟
الجواب: لا أعتقد أنه قد طُرح شيء من هذا القبيل.
سؤال: هل يمكن أن ينطبق هذا الأمر مع ما كان قد طُرح؟ كيف؟ يُرجى بيان ذلك.
الجواب: إن حصل للإنسان يقين بصحة المطلب، فيمكنه أن يعمل بموجبه؛ ففي حالة اليقين، لا يحتاج الإنسان إلى الاستشارة وذلك لكون اليقين حجّة بحدّ ذاته، ولا يحتاج الإنسان إلى حجّة أخرى بعد توفّر الحجّة، أمّا إن شكّ في صحة أمر أو عدم صحته، فلا بدَّ له من أن يستشير غيره بشأنه.
سؤال: هل نستطيع أن نعمل بما نعتقد صحته فيما يتعلّق بالأمور الحياتية الجزئية؟ أم لا بدَّ من أخذ رأي الأستاذ في هذا الشأن؟
الجواب: لا حاجة للاستشارة بشأن المسائل البسيطة والجزئية، بل يستطيع الإنسان أن يعمل بما يعتقده صحيحًا. كان المرحوم العلاّمة قد قال في السنوات الأخيرة من حياته، أي في السنوات العشر أو الاثنى عشر الأخيرة من حياته، قال لأقربائه وللرفقاء: لا تراجعوني بشأن المواضيع التالية: أولًا: موضوع الزواج، فلا يستشيرني أحد بشأنه، بل عليكم أن تدقّقوا وأن تستشيروا الآخرين بشأنه، فإن وصلتم إلى نتيجة ما، فعليكم أن تعملوا بما تمت التوصية به من التوسّل والتوكّل على الله والاستخارة، واجعلوا أمركم مبني على الصلاح ورضا الله: إن كان الصلاح في ذلك، فلنُقدم عليه، وإلّا فلا، ثانياً: أمور العمل والانتقال من مكانٍ إلى آخر وبقية المسائل الدنيوية. ثم قال المرحوم العلامة: يمكنكم أن تراجعوني في خصوص الأحكام الشرعية و المسائل السلوكية، وأنا أطرح نفس المطلب بصفتي أحد الرفقاء. لقد كان المرحوم العلاّمة وليّاً إلهيّاً وأستاذًا، أمّا أنا فأنا لست سوى رفيق طريق، وها أنا أتعامل مع الرفقاء على هذا الأساس، غير أنَّ الأصدقاء وبناءً على حسن ظنهم بالعبد يُعيرون القليل من الاهتمام لهذا الأمر، ولكن عليهم أن يعرفوا بأنَّني لا أستطيع أن أتخطّى تعليمات المرحوم العلاّمة، سواء كان ذلك فيما يتعلّق بموضوع الزواج أو غيره من المواضيع، فكان قد نهاني من التدخّل في هذه الأمور. بناءً على هذا يكون واضحًا للجميع عدم وجود مانع من المراجعة بشأن الأحكام الشرعية أو المسائل السلوكيّة، أمّا ما عدا ذلك، فالأمر ما أوصى به العظماء.
سؤال: هل إنَّ التقويم القمري الذي تمت طباعته أخيرًا هو مورد قبولكم؟ وذلك لكون بداية الشهر القمري تتعيّن بالرؤية فقط.
الجواب: إنَّ هذا السؤال هو سؤال جيد جدًا، فالشهر القمري يثبت بالرؤية فقط، ولكنَّهم ولما كانوا يريدون أن يُعدّوا تقويمًا، فلم يكن أمامهم وسيلة غير هذه، أي عندما نريد أن نجعل الأساس الذي نعتمد عليه هو التقويم القمري، فلا بدَّ وأن تُعتمد طريقة الحساب لإنجاز مثل هكذا تقويم، أمّا في مقام العمل ، فلا بدَّ من الأخذ بنظر الاعتبار ما وصلنا عن طريق الشريعة بوجوب تحديد بداية الشهر عن طريق الرؤية الشرعية.
سؤال: ما الذي تقصدونه من عدم جواز الخروج من البيت ليلًا في جميع الأحوال؟ وهل يجري هذا حتى في موضوع صلة الرَحِم؟
الجواب: لم يقل العبد بعدم جواز الخروج ليلاً في جميع الأحوال، بل ما طرحته هو: إن خرجت المرأة من بيتها ليلًا، فسوف تخسر، فيستطيع كلّ واحد أن يتعامل مع هذا الأمر بما يراه صحيحًا.
سؤال: إن كانت المرأة تراعي ما يلزم رعايته فيما يتعلّق بحفظ صورها وأفلامها، فكيف إن حصل ورآها الأجنبي؟
الجواب: سيكون هذا الأمر خارج عن إرادة الإنسان، ولا يترتب عليه شيء. غير أنَّني أريد أن أقول أمر هنا للأصدقاء وهو: إن لم تكن هناك ضرورة في استمرار حفظها، ولما كان هناك احتمال من أن يحصل مثل هذا الشيء، فلماذا تقوم بالاحتفاظ بها والحال هذه؟! على أيّة حال، فإن كان يُحتمل أن يراها الأجنبي، فمن الأفضل لها أن تتلفها، وإلّا، فإن كانت محفوظة في مكانٍ آمن، وكانت تثق بمن حولها، فسيكون هذا أمر مختلف، ونستطيع أن نقول بجواز الاحتفاظ بها، ففي هذه الحالة إن رآها الأجنبي ، فلن يترتب على صاحبها شيء.
سؤال: ما هي مسئولية المرأة تجاه العائلة ورفقاء الطريق؟
الجواب: لا يترتب على المرأة مسئولية تجاه أيّ احد غير زوجها وأبنائها. وإن كان لكل واحد منهم مكانته الخاصّة به. اعلموا بأنَّ حسن تبعّل المرأة وطاعتها لزوجها هو الأساس الذي يبتني عليه ارتباطها بالله تعالى، أي: إنَّ المرأة إن أرادت أن ترتبط بالله تعالى، فعليها أن تضع نفسها في هذا الإطار (طاعة الزوج)، ولو فرضنا أن الزوج يطلب منها بعض الأمور، فسيكون هو المسئول عن ذلك، وسيُحاسب عليه. أمّا بالنسبة إلى المرأة فلا ينبغي لها أن تصرّ على فعل ما تريد فعله.
تذكرت هذه الحكاية الآن وهي: كان أحد الأشخاص قد تزوج في عهد المرحوم العلاّمة من امرأة من بلد آخر، فقال له المرحوم العلاّمة: عليك أن ترسل زوجتك إلى بلادها لكي تزور والديها، فلم يعمل هذا الشخص بما أوصاه العلامة، وقال: إن أرسلتها، فستؤثّر أفكارهم على روحيتها، وستذهب كلّ جهودي التي بذلتها هدرًا. نعم، لم يستجب هذا الشخص، وكان يبرير عمله هذا. قلت لهذا الشخص: أنت مخطأ تمامًا في هذا المجال، فإن كان وليّ الله لا يعلم بأنَّ ذهابها سيترك تأثيرًا عليها، وسيكون هذا التأثير مضرًّا لك، فسوف لن تكون لمثل هكذا وليّ أيّة قيمة. عليك أن تعمل بما قال لك وليّ الله حتى وإن حصل الأمر الذي كنت تخشاه. أتلاحظون!
لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الاتصال بوالديها، فإن فعل ذلك، فسيكون هو المسئول عن عمله هذا يوم القيامة، غير أنَّه إن فعل مثل هذا الشيء، فلا يجوز للمرأة أن تصرّ على رأيها وتعمل بخلاف ما يأمر به، وستنال هي ثوابها، ويُعاقب هو بالعقاب الإلهي يوم القيامة على عمله الذي قام به، فلكل واحد موقفه الخاصّ به.
إن كان أحدهم يريد أن يقوم بعمل رغبة منه في ذلك، فعليه أن لا يُحمّل عمله هذا على الله. سمعت أخيرًا بأنَّ إحدى النساء قد فرضت على زوجها أخذها لزيارة أختها في الطرف الآخر من العالم لغرض صلة الرحِم. إنَّ هذا العمل هو عمل خاطئ وغير صحيح، فعندما يكون الزوج غير راضٍ، فسوف لن يكون هذا العمل صحيحًا، وستكون قد اشترت سخط الله لنفسها. [وهكذا يكون الأمر] بالنسبة إلى والديها الذين هم أقرب لها من أختها. إن كان لدى المرأة رغبة شخصية في زيارة والديها، فلا تُحمّل الله ذلك، وإن كانت تريد القيام بصلة رَحِمٍ، فعليها أن تلتزم بما يأمر به الزوج، وتُعطي الأولوية لكلامه، فسيزداد رضا الله عنها في مثل هذه الحالة.
سؤال: هل يجوز العمل بما جاء في ظهر هذا التقويم من أعمال الأيام؟
الجواب: لم تكن لدي فكرة عن ذلك، وسأقوم بالتذكير ببعض المطالب في التقويم اللاحق إن وفقني الله لذلك. كانت هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها هذا التقويم. نسأل الله بالطبع أن يُؤجر صديقنا العزيز الذي أقدم على القيام بمثل هذا العمل اللائق جدًا، والذي يُعتبر ابتكارًا إلهيّاً حقًا، وإنَّ الذي جعل الله يوفقه للقيام بمثل هذا الابتكار هو عِرقه الديني وحميته الدينية والسلوكية، نسأل الله أن يستمر العمل بهذه الكيفية. أمّا فيما يتعلّق بما جاء في التقويم، فسألقي نظرة عليها، وسأخبر رفقاء الطريق والأصدقاء بما يمكنهم أن يعملوا به.
سؤال: في بعض الأحيان يرى الإنسان كلّ ما حوله جميل، ويرى جميع الأشياء عاشقة لله، ويقوم بالأعمال بدافع العشق، غير أنَّ هذا الأمر لا يستمر ولا يدوم، فما الذي علينا أن نفعله من أجل أن يدوم ذلك؟
الجواب: لا بدَّ من مراعاة المراقبة هنا، أمّا فيما يتعلّق بكيفية دوام ذلك، فسيتمّ شرحه في المجالس القادمة إن شاء الله، ولما كان هذا الأمر هو أمر عام ولا يخص النساء وحدهنَّ، فسيتمّ طرح هذا الموضوع في مجالس عنوان البصري إن وفقنا لذلك.
يبدو عدم وجود شيء آخر للتكلّم بشأنه، كما وأنَّ المجلس قد طال.
نسأل الله أن يوفقنا للثبات والاستقامة والاستمرار بالعمل بما يكون مورد رضاه الكامل وبما يُرضي أولياءه.
الّلهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد.