17

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة

المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

344
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - قم


التوضيح

في هذه المحاضرة المخصّصة لاستعراض بعض مباني السير والسلوك المتعلقة بالمرأة و الأسرة، والتي ألقاها سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمد محسن الطهراني (قدس الله سره) على بعض الأخوات المؤمنات في قمّ المقدّسة تطرق إلى بعض الأحكام المختصة بالنساء ثم بيّن الهدف من أحكام الدين الإسلامي وآثار التساهل في تطبيقها، وبعدها وضّح أن أحكام المرأة متناسبة مع نفسها وفطرتها وذكر بعض النماذج من تأثير النفس في تنفيذ الأوامر الإلهية وفي النهاية أجاب عن بعض أسئلة الحضور.
/۲۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة

  •  

  • المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  •  

  •  

  • كان بحثنا في المجالس السابقة يدور حول موضوع سلوك المرأة، وما يجب على هذه الفئة من سالكي طريق الله مراعاته، على أنَّ هنالك بعض نقاط الاشتراك بين سلوك الجنسين، وإن كان محور البحث يدور حول ما يجب على المرأة على وجه الخصوص أن تهتمّ به بشكل أكبر.

  • يجري التساؤل حول هذا الموضوع كثيرًا، سواء كان ذلك في هذه المجالس أو في تلك التي تُعقد في طهران؛ فيتم طرح أسئلة مختلفة حول المواضيع التي يتمّ التحدّث بشأنها، ولهم الحقّ في أن يطرحوا مثل تلك الأسئلة، فأسئلتهم في محلّها، والسبب في ذلك يعود إلى التفاوت في وجهات النظر واختلاف الأفكار والرؤى التي يتم على أساسها طرح المباني الإسلامية؛ فيؤدّي كلّ ذلك إلى بروز مثل هذه الإشكالات، وإلى ظهور مثل تلك الأسئلة واختلاف الإجابات عنها.

  • حكم نظر المرأة للرجل

  • أتذكر بأنَّني كنت قد قلت في أحد المجالس بأنَّه كما لا يجوز للرجل أن ينظر إلى المرأة، فكذلك لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجل، وذلك لأنَّ مثل هكذا نظر يترك أثرًا سيئًا عليها. سألت بعض النسوة هذا السؤال فقالت: ولكن لماذا نرى حتى بعض المعمّمين ينظرون إلى المرأة التي تتكلّم في مجلس من المجالس؟ ولقد تمّ تصوير بعض تلك المجالس، وكان يظهر فيها كيف أنَّهم ينظرون إلى المتكلّمة بانتباه، فقلت لهم: إنَّني أطرح وجهة نظري هنا، وكلّ واحد سوف يكون هو المسئول عن أعماله ومعتقداته.

  • إنَّ نظر الرجل إلى المرأة حرام، وما يُقال عن استثناء الوجه والكفين من هذا الأمر ليس معناه أن ينظر إليهما؛ فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة، بل ويعتبر نظره هذا حرام، إلّا في بعض الموارد التي تقتضيها الضرورة؛ فالضرورة تُجبر الطبيب في النظر على سبيل المثال ، هذا مع ضرورة حفظ المرأة لنفسها، وإلّا ففي مثل هذه الأوضاع التي نشاهدها اليوم والتي يقولون فيها بأنَّ الطبيب هو بحكم المحرم، فكلّ هذا الكلام باطلٌ ويُعدّ من الخرافات، لا فرق في ذلك بين الطبيب وغيره من الناس، وهذه حقيقة قد بيّنها الإسلام من أجل حصول تكامل وترقّي لكلا الطرفين.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

3
  • سأقرأ لكم ما جاء في الرسالة التي كنت قد استلمتها من إحدى النساء في طهران، والتي كنت أقرأها قبل نزولي إلى هذا المكان، لتروا ما الذي تعانيه النساء من مشاكل، فقد كتبت في رسالتها: ما هو الحدّ المسموح به لنا في التكلّم مع الرجل الأجنبي؟ فكنَّا قد اعتدنا منذ بداية أمرنا أن نسلّم عليهم ويسلّمون علينا بكل أريحية، والآن نحاول أن نمتنع عن ذلك، فيتمّ التعامل معنا بشكل آخر. أو فيما يتعلّق بتغطية الوجه، فيقول لي زوجي: إنَّ التغطية لا تتجاوز قرص الوجه، هذا في الوقت الذي أرغب فيه أن أُغطّي الجزء الأكبر من وجهي، فهل إطاعة الزوج في مثل هذا المورد أمر صحيح، أم لا؟ وهل عليّ أن أُغطّي الجزء الأكبر من وجهي أم أتركه ظاهراً؟ وهكذا الأمر فيما يتعلّق بغيره من الأسئلة الأخرى المُشابهة.

  • هل يمكن للمرأة أن لا تغطي وجهها؟!

  • عليكم أن تنتبهوا إلى هذا الأمر! صحيح أنَّ بإمكان المرأة أن لا تغطي قرص وجهها، ولكن في أيّة بيئة ؟! إنَّ ذلك ممكن في البيئة التي يمتنع فيها الرجل من النظر إلى المرأة عادةً، أمّا في الظروف الراهنة التي نراها ونعيشها بالفعل والتي تعمل فيها تلك النظرات على ظهور الخيالات والأفكار في الذهن وبالتالی قد تجلب معها المشاكل، ففي مثل هكذا ظروف، أيّة شريعة وأيّ نبيٍّ يُجيز بمثل هذا الشيء؟ إنّ هذه الأمور لا تُبيّن وتُطرح الآن كما ينبغي، وإما أنَّها من الأمور التي يتساهل بها في مقام العمل.

  • إنَّ الكثير من الإنحرافات والمفاسد الأخلاقية تحصل نتيجة لعدم رعاية هذه المسائل. إنَّنا نعيش في نفس هذا المجتمع، فلم نأتِ من مكانٍ آخر، ولم نأتِ من كوكب آخر لكي نتكلّم بمثل هذا الكلام، بل نحن نعيش في نفس هذا المجتمع، ولقد شاهدنا ما كان قد جرى في الماضي، وها نحن نشاهد ما يجري الآن أيضاً؛ ولقد زرنا البلاد التي يحصل فيها اختلاط بين الجنسين، وشاهدنا بأنفسنا ما الذي يجري هناك، وأيّة مفاسد تترتب على مثل هذا الأمر، فنحن لا نتكلّم عن هذا الموضوع بعيونٍ مغمضة و آذان صمّ، ولعلّ بقية الأصدقاء يعلمون المفاسد التي تترتّب على هذا الأمر أكثر مما نعلمه نحن.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

4
  • الهدف من أحكام الإسلامية آثار عدم الإلتزام بها

  • في أحد الأيّام التي كان فيها المرحوم العلاّمة يرقد في إحدى مستشفيات طهران لغرض إجراء عملية جراحية لعينه، قال في إحدى المواقف: إنَّ أحكام الإسلام قد وُضعت من أجل بناء مجتمع سليم يعمل على التكامل النفسي والروحي للإنسان، ويعمل على أساس تنظيم وإعداد النفوس المستعدّة، ومعالجة النفوس المريضة من أجل أن تكتسب الصحة المتمثلة بكمالها وخروجها من وادي الجهل والضلالة والشهوة والحيوانية؛ فعلى هذا الأساس تمّ تدوين الأحكام الإسلامية؛ فعندما يضع الإسلام حكمًا، فهو يُريد أن يُخرج الإنسان بهذا الحكم من مرتبة الحيوانية والبهيمية، ويُخرجه من النفس الأمّارة، ويُبدّل تلك النفس إلى نفس ملكوتية ونفس ملائكية. نعم، تلك هي فلسفة وعلّة تدوين الأحكام الإسلامية. ثمّ قال: في الوقت الذي يمنع فيه الإسلام المرأة من التكلّم مع الرجل، تأتي من تقول: ها نحن نتكلّم معهم دون أن يحصل لنا شيء، وها نحن نذهب إلى السوق لغرض التسوق، ولم يحصل لنا شيء، ما هي تلك مشكلة التي تتحدثون عنها؟! فها نحن لا نشعر بشيء من ذلك، فما هذه التعقيدات التي تضعونها في طريقنا؟ وما هذه المضايقات التي تسببونها لنا؟ يقول المرحوم العلاّمة: إنَّ من يقول مثل هذا الكلام غافل عن أنَّ المرأة التي تقول بأنَّها تتكلّم مع الرجل الأجنبي وتتعامل وتتجادل معه هي امرأة مريضة وليست سليمة لكي تعرف الحال التي هي عليها! نعم، إنَّها مُصابة بحالة مرضية تجعلها لا تُدرك ما الذي يصيبها من جرّاء تعاملاتها تلك! ولهذا السبب تراها تقول بأنَّها لا تشعر بشيء غير طبيعي، فتقول: ها قد ذهبت فتكلمت مع البقّال، وتناقشت معه حول سعر البضاعة، ثمّ ذهبت فاشتريت قماشًا وملابسًا وفعلت الأمر نفسه وتمازحت مع صاحب المحلّ وتمازح معي، ولم أشعر بشيء غير عادي. إنَّها لا تعلم أيّة جواهر قد فقدت، وما الذي حصل لها نتيجة لتلك التعاملات؟ وكيف أنَّها قد عملت على إيقاف نفسها عن السير، تلك النفس التي كانت تمتلك القدرة على السير وطيّ الطريق. 

  • وهذا ما يحصل للرجل أيضاً، بهذه الكيفية. على الرجل أن لا يتكلّم مع المرأة الأجنبية وأن لا يتعامل معها، فإن أراد أن يفعل ذلك، فسيعمل هذا التعامل على إيجاد تغيّير وتحوّل نفسي لديه بالشكل الذي يعمل على إفقاده ذلك الوضع الذي يتمثّل بكونه الرجل الذي عليه أن يسير وفقًا لشاكلته وتركيبه الوجودي الذي خُلق على أساسه. ولهذا السبب فنحن نرى حتّى من يكون من أصدقاءنا سائرًا في طريق السير والسلوك، فهو إن لم يراعِ الضوابط اللازمة للتعامل مع النساء، نراه يتوقف عن السير، بل ويحصل له تراجع. إنَّ الأمر واضح ، فلا نتصوّر بأنَّه وبمجرد أن أُطلق علينا اسم سالك، سوف يجعلنا هذا في قلعةٍ حصينة وحرزٍ منيع بحیث يحمينا من وصول يد الشيطان إلينا، بل على العكس من ذلك، فالشيطان يكون قد أعدَّ لنا من تلك السهام الأشدّ حدّة والأكثر فتكًا، فنصبح بالشكل الذي نواظب فيه على الأذكار لمدة عشر سنوات دون أن نبرح مكاننا، ودون أن نخطو خطوة واحدة إلى الأمام، لماذا يحصل مثل هذا الشيء؟ لأنَّ الله يكون قد أعدَّ كلّ نفس [من نفوس الرجل والمرأة] على شاكلة وبناءٍ خاص، فلو حصل تداخل بينهما، فسوف لن يبقى هذا على وضعه ولا تلك، بل سيصبح أحدهم مثل الغراب الذي أراد أن يُقلّد مشية القطا، فأضاع المشيتين. وستكون النتيجة الهلاك التام.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

5
  • لهذا السبب نرى كيف كان المرحوم العلاّمة كان يوصي تلامذته من كلا الجنسين بعدم حصول تعامل أو تواصل بينهما قدر الإمكان، وهذا ما يمكن للإنسان أن يعرفه جيدًا، فهو لا يستطيع أن يخدع نفسه، ولا يشمل هذا الأمر تلامذته فقط، بل وحتى الأشخاص الآخرين؛ من أولئك الغرباء الذين يدور في رأس كلّ واحد منهم ألف خيال. إن كانت هنالك امرأة تريد أن تسلك هذا الطريق، فلماذا يأتي بها رجل إلى الطريق؟ وإن كان رجلًا، فلماذا تجلبه امرأة؟ فهل يمكن الوقوف بوجه قوّة الجاذبية تلك التي تحاول أن تجذب النفسين والتي تعمل عمل أقطاب المغناطيس المتخالفة؟ كلّا، لا يمكن ذلك، بل سينتج عن ذلك شيء آخر. هذا ما نراه بأنفسنا بالفعل، وليس لدي ما أفعله في هذا المجال سوى أن أقول ما أعرفه، وسوى أن أعمل على التذكير بشأنه، فليس لدي مسئولية تتعدّى ذلك.

  • نفس المرأة وخصوصياتها

  • إنَّ خصوصيّة نفس المرأة تقتضي منها أن تحفظ نفسها وتصونها، وكلّما كان سعيها في هذا الجانب أكبر، كلّما كانت حركتها أسرع، وكان عبورها للحجب ولعوالم النفس أيسر، وكان التأثير الذي تتركه العبادة والذكر في نفسها أكبر، [وعلى العكس] فكلّما كان اهتمامها بهذا الأمر أقلّ، كلّما كانت حركتها أبطأ، وسيستمرّ الأمر على هذا المنوال حتّى تتوقف عن الحركة كليّاً. نعم، كلّما أبعد الإنسان نفسه عن تلك الأمور، كلّما كان وصوله إلى مقصده أفضل وأيسر، وإلّا، فسوف لن يصل إلى هدفه الذي يبتغيه. اذهبوا لتروا بأنفسكم ما الذي يجري في البيئة الجامعيّة حيث يكون هنالك اختلاط بين الجنسين! نعم، علينا أن نذهب هناك لنرى ما الذي يجري! هل يجب أن تجري الأمور بهذا الشكل؟!

  • عندما يتكلّم المرء عن هذه المواضيع في بعض الأمكنة، تراهم يضحكون عليه ويهزؤون به كأنَّه قد جاء من كوكب آخر. نعم، لا بدَّ وأن يضحكوا علينا في مثل هذا الزمان الذي یكون الحاكم فيه هو الشهوة والحيوانية والافتراس، هذا الزمان الذي وصل فيه عدم الالتزام إلى الحدّ الذي يجعل الإنسان يخجل حتى من تصوّر حصول ما يجري. ولقد أصبح موضوع اختلاط الرجال بالنساء في المجالس يُنظر إليه على أنَّه مصدر فخر وطني واجتماعي، فمن الطبيعي أن يسخر أهل هذا الزمان مما نقوله والحال هذه. فلا وجود لمشترٍ لمثل هذا الكلام في تلك البيئة، ولا فائدة تُرجى منها هناك.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

6
  • كنت وبقية الأصدقاء ورفقاء الطريق نسمع المرحوم العلاّمة يُكرّر هذه الآية القرآنية الشريفة لمرات عديدة طوال فترة حياتنا، فكلّما كان موضوعًا من هذا القبيل يُطرح كان يقول ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ في‌ خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾۱، فلا تلتفت يمينًا أو شمالًا، ولا تقل: ما الذي سيقوله هذا أو ذاك؟ أو ما الذي سيتحدّثون به في ظهري؟ أو ما الذي سيقوله المجتمع؟ أو ما الذي ستقوله عنَّي أخت زوجي أو عمّتي، بل قل الله، فمن تكون العمّة؟ ومن تكون أخت الزوج أو أمّه؟ ومن تكون أمّ الزوجة؟ أو أقارب فلان من الناس؟ نعم، من يكون كلّ أولئك؟ وما معنى انزعاجهم أو رضاهم؟ إن أردنا أن نتوقف عند هذه الأمور، فسنخسر كلّ شيء؛ وسنمضي يومنا بهذا الکلام، ونمضي الغد بكلام آخر، وحتى يصل اليوم الذي نرى فيه بأنَّ عزرائيل قد حضر، وقد خُتمت صحيفة أعمالنا، حيث سيُقال لنا: ما الذي أحضرت معك، فسنقول عندها: لا شيء؛ إذ كنت قد أمضيت وقتي في محاولة استمالة قلب هذا وذاك. [سيُقال لنا:] ما هي علاقتك بما كان يجري؟ فمن تكون أنت؟ وما هي مسئوليتك؟ فلما كان الله قد قال لك: افعل هذا الأمر، فمن تكون حتى تحاول أن تستميل قلب هذا أو ذاك؟ ومن طلب منك ذلك؟ فهل كنت أنا الذي طلبت منك أن تستميل القلوب؟ لا يمكن لي أن أقول ذلك، بل كنت قد أمرتك بطاعتي. هذا ما سيقوله الله، فهو يقول: عليك أن تنظر لترى ما الذي كنت قد أمرتك به؟ وما الذي كنت قد رسمته لك؟ وأيّ برنامج قد وضعت لك؟ ما معنى أن تقول: أردت استمالة قلب فلان أو فلان؟ إنَّ تلك الموارد التي عليك أن تستميل فيها القلوب معروفة، وظروفها معلومة، فلا يجوز للإنسان أن يفعل كلّ ما يحلو له من أجل ألّا ينزعج فلان من الناس، أو من أجل أن يرضى غيره.

  • أتعلمون ما الذي جعلنا نصل إلى الحال التي نحن عليها بعد ارتحال المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه؟ وما الذي أدّى إلى حصول ما كان قد حصل؟ لأنَّنا لم نعمل على مجاملة هذا أو ذاك ولم نسعَ إلى إرضائهم، وإلّا فلقد كان بإمكاني أن أقوم بالتمثيل عليهم وبالشكل الذي لا يستطيع حتى نسلهم السابع من معرفة المكان الذي كانوا قد تلقّوا الضربة منه، فأنا خبير جدّاً في مثل هذه الأمور. ولكن ما الذي يعنيه التمثيل؟ وما الذي تعنيه هذه التحركات؟ وما معنى إرضاء الآخرين؟ إنَّ أول كلام كنت قد تكلّمت به مع الأصدقاء بعد ارتحال المرحوم العلاّمة هو أن قلت لهم: ليس لديّ ظاهر وباطن، فكلّ ما يجري في باطني، فها أنا أظهره وأطرحه في العلن. نعم، هكذا أكون، من شاء فليقبل، ومن لم يشأ، فلا يقبل.

    1. سورة الأنعام (٦) جزء من الآية ٩۱.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

7
  • لا ينبغي لنا أن نقوم بعمل لإسعاد شخص تكون نتيجته تشويه سمعة شخص آخر ، أو أن نستميل قلب أحد مقابل كسر قلب شخص آخر، أو أن نستميل قلب أحدهم ونُسعد حياته مقابل خسران مدرستنا وضياع المباني. إنَّ هذا ما يجري الآن بالفعل، وهذا ما يقوم به البعض حتّى في هذا المكان ـ بالطبع أنا لا أقصد هذا المجلس بالذات ـ فهنالك الكثير في وضعنا الراهن ممن هم غير راضين عن طريقة عملي وأسلوب تصرّفي، فلا يرضوا إذن! فمن يكون قد دعاهم للمجيء إلى هنا؟ ومن يكون قد وجّه بطاقة دعوة لهم للحضور هنا؟ على كلّ شخص أن يلتزم بما يؤمن به ويعتقده، وهذا أمر سارٍ في هذا المكان أو في غيره من الأمكنة، فما الفرق في ذلك؟ فلا يحصل أن نفقد أصل الموضوع ـ لا سامح الله ـ من أجل استمالة الآخرين، ولا يكون علينا أن نخسر الرأسمال الحقيقي والواقعي.

  • ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ في كلّ قضية تحصل وقبل أن تحسبوا حساب لأخت الزوج وعمّته وأمّه ولأمّ الزوجة وللأب والجدّ والشريك والأقارب، اجعل الله أمام عينيك، إذ إنَّ الشيطان يقوم بإرسال الشخص الأول إلى ذهن الإنسان، فيقوم بإيجاد بعض التغيّيرات، وما أن يرى الشيطان حصول بعض التبدّل، حتى يقوم بإرسال الثاني، فيقول له: وعليك أن تحسب لهذا حسابه أيضاً، ثمّ يقوم بعد ذلك بإرسال الثالث، ويستمر على هذا المنوال حتى يطرح الإنسان أرضًا، فقبل أن يأتي هؤلاء إلى الذهن، قل الله؛ أي: استحضر الله أمام عينيك مرّة واحدة ولا تدع الشيطان يُعطي الفرصة لقدوم العمّة والخالة والخال والشريك والجار وغيرهم، بل عليك أن تستحضر الله دفعة واحدة، لترى ما الذي يأمر به الله في مثل هذه المواقف، فإن كان الله يأمر بالطاعة فيها، فعليك الطاعة، وإلّا فلا.

  • إلى أي حد على المرأة أن تطيع زوجها؟

  • أرسلت إحدى النساء رسالة لي، لا أدري فيما إن كانت رسالتها ضمن هذه الرسائل التي بين يديّ أم لا. قالت في رسالتها: إنَّ زوجي يأمرني أن أسلّم على الضيف الأجنبي عند قدومه إلى بيتنا، وأن أستقبله وأضحك في وجهه، قلت: كلّا، لا يجوز ذلك، زوجك يخطأ في أن يأمرك بمثل هذا الأمر، تقول: إنَّه يهدّدني بالطلاق إن لم أفعل ذلك، قلت لها: فتطلقي منه إذن، فلا يجوز القيام بالعمل الحرام، نعم، إنَّني أقول هذا الأمر بكلّ صراحة هنا، فأقول: تطلقي منه، فطاعة الزوج تكون واجبة ما لم يأمر بالحرام، فإن أمرها بحرامٍ، فلا يجوز لها أن تطيعه، إن أرادت أن تجاريه على ذلك، فالأمر متروك لها، وإن كانت تريد لحياتها الزوجية أن تستمر، فهي المسئولة عن تصرفاتها؛ فكلّ شخص يستطيع أن يجد له المبرّرات بشكل أو بآخر.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

8
  • وفي مقابل هذا، جاءتني امرأة تقول لي إنَّ زوجها قال لها دعينا نسافر إلى شمال إيران في ليالي تاسوعاء وعاشوراء، فقلت لها: اذهبي معه، قالت: وهل يجوز الذهاب إلى الشمال في ليلة عاشوراء؟ قلت لها: إنَّ زوجك هو الذي يريد السفر لا أنت، فأنت تطيعين زوجك في سفرك هذا، والإمام الحسين على اطلاع بحالك، فما المانع من سفرك؟ فهو لم يسافر سفر معصية، ولم يأخذك إلى ...، بل كان قد قال لك: لنسافر إلى الشمال، فما دام لدينا يومين عطلة فلنسافر فيها، ولعله لم يكن منتبهًا إلى عدم جواز السفر الترفيهي في أيّام العزاء، ولو أنَّه كان قد سافر إلى مشهد لزيارة الإمام الرضا، لما كان في ذلك أي إشكال. إنَّ الرجل لم يكن منتبهًا إلى هذا الأمر، فما دام ليس منتبهًا، فلا شيء عليه، أمّا بالنسبة لك، فأنت امرأة وعليك أن تطيعيه وتذهبي معه، فإن قمت بهذا العمل طاعة لزوجك، فسيُكتب لك من قبل الإمام الحسين في سفرك هذا ثواب البقاء في مدينتك وأداء الزيارة وحضور مجلس العزاء، وأنا أتعهد بتسجيل كلّ ذلك لك.

  • أتلاحظون كيف يكون لكلّ شيء موقعه الخاصّ به؛ فعندما يأمر الرجل زوجته بالتكلّم مع الرجال الأجانب والضحك معهم، سيكون هذا العمل حرام، ويكون على الزوجة أن تقف بوجه زوجها، وتقول له: لا أفعل ذلك، فإن أردت أن تطلقني، فطلقني، وإن طلب منها أن تذهب إلى مكان آخر، فستكون المسئولية بعهدته؛ فإن كان مخطئًا، كان هو المسئول، وإن كان مُصيبًا، كان هو المسئول كذلك، فلما كان العمل عمل غير محرّم، فلا يجب على المرأة أن تُخالف زوجها وتقف في وجهه، بل عليها أن تقول له: إن كنت تريد أن تسافر، فسأسافر معك، ولكن من الأفضل أن لا يتمّ السفر في أيّام العزاء، فإن كنت مصرّاً على ذلك، فلا مانع لديّ من مرافقتك. نعم، يجب أن يكون كلّ شيء في محلّه وفي صراطه.

  • قالت لي إحدى النساء من رفقاء طريقنا: أصبحت مستطيعة، ووجب الحجّ عليَّ، ولكنَّ زوجي قد هدّدني بالطلاق إن ذهبت إلى الحج، قلت لها: فليُطلقك إذن، إنَّ الحجّ واجب، وعليكِ أن تحجّي، قالت: ولكنَّه سيطلقني، قلت: فليُطلقك، قالت:وماذا عن حياتي العائلية، قلت لها: إنَّ هذا الأمر يكون على عاتقك، إن كنت تسألين العبد عن مسألة شرعية، فأنا أقول: اطلبي منه الطلاق، وإن كنت تريدين أن تحافظي على حياتك العائلية، فالأمر متروك لك، فليس من مسئوليتي أن آمرك بخراب حياتك العائلية، بل تتضمن مسئوليتي بيان الحكم الشرعي. كيف يكون ذلك؟ لأنَّ سعادتك وكمالك أهمّ من حياتك العائلية. إنَّ هذا الأمر شبيه بهذا الموضوع الذي يُبتلى به الكثيرين؛ فقد يريد الرجل أن يُطبّق برنامجًا خاصًا من حيث الارتباط بالناس، فتخالفه زوجته في ذلك، وإن أراد أن يستمرّ في برنامجه، فقد تحصل له مشاكل. إن كانت المشاكل ستحصل، فلتحصل، فعلى الرجل أن يستمرّ في عمله وإن أدَّى ذلك إلى تطليق زوجته. إن أدّى الأمر إلى الطلاق، فليؤدِ إلى ذلك، لأنَّ عليه أن يقوم بتكليفه، بشرط ألّا يخدع نفسه والآخرين؛ فيقوم باعتبار الأمر ـ ومن أجل الميول النفسيّة ـ على أنَّه تكليف شرعي، أمّا إن قام بوزن الأمور، ورأى صواب رأيه، ومنعته زوجته من القيام بعمله، ثمّ أطاعها، فسيكون قد خسر القضيّة.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

9
  • إنَّ هدف الإسلام هو رشد الإنسان وترقيه، وهذا الأمر لا يتمّ بدون ثمن وبدون رأسمال، فهو لا يحصل للإنسان بيسر؛ فلا تكون الأمور دائمًا بالشكل الذي يجلس فيه المرء على مائدة من الحلوى والرز المُطعم بالزعفران، ثمّ يحصل له كلّ ما يريد، كلّا، بل إنَّ هذا الطريق محفوف بالمشاكل والابتلاءات، هذا فيما يتعلّق بالمشاكل العائلية، أمّا ما يتعلّق منه بالمشاكل الاجتماعية وغيرها، فذلك موضوع آخر، وقد تصل المشاكل هنا إلى حدود أعلى من تلك بكثير، فعلى الإنسان أن يصبر ويتحمّل.

  • هنالك رواية تقول بأنَّ الإمام الحسن العسكري عليه السلام قد كتب رسالة إلى عليّ بن بابويه القمّي يوصيه بها ببعض الأمور، وقال في آخرها: «وأوصيك وجميع شيعتي بالصبر إلى أن يظهر قائمنا». فعندما يظهر الإمام، فهل سيتجرّأ زوج بأن يأمر زوجته بالضحك بوجه الضيف الأجنبي، إن فعل ذلك، فسيوفيه حسابه! وهل ستتمكن امرأة من منع زوجها من القيام بعمل معين إن ظهر إمام الزمان؟ إنَّ الأمر يتعلّق بإمام الزمان هنا، لا بالمحكمة الفلانية، وما يقومون به هذه الأيّام من المبالغة في تعظيم البعض، بل يرتبط الموضوع بإمام الزمان هنا، فإن قامت المرأة بعمل ما، قيل لها: اذهبي واجلسي في بيتك من دون أن يحصل أيّ ردّ وبدل في الكلام. وهل سيجرأ رجل بأمر زوجته بالقيام بعمل باطل؟ كلّا وألف لا، فإن حصل مثل هذا الشيء، فستذهب المرأة إلى ممثل الإمام في الحال، حيث سيكون لإمام الزمان ممثلين في كلّ مدينة من المدن، فلا يمكن للإمام أن يتواجد في كلّ مكان في وقت واحد، بل سيكون مقرّه في الكوفة، نسأل الله أن يمنَّ علينا بإدراك زمن ظهور الإمام (عليه السلام) لنعرف عندها ما الذي كان قد أمر به الإسلام ؟ وكم كنا من الغافلين؟ وكم كنا من الخاسرين؟ نعم، ستراجع المرأة ممثّل إمام الزمان فورًا وتقول له: إنَّ زوجي يأمرني بالقيام بكذا عمل، فيطلبه ممثل الإمام ويأمره بتصحيح عمله وعدم تكرار خطأه، فلا يستطيع أن يُخالف بعد ذلك. إنَّ الإمام العسكري عليه السلام يقول هنا: إنَّ هذا الزمان هو ليس زمان الظهور، لذا عليكم أن تصبروا وتتحمّلوا، فتحمّل المشاكل هذا هو من صالحكم، فهو يبعث على رشدكم وتكاملكم، نعم، إنَّ كلّ ذلك سيبعث على كمالكم.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

10
  • كان المرحوم العلاّمة يقول في مثل هذه الموارد عليك أن تقول ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ في‌ خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ أي دعهم يخوضون في عالمهم النفساني والحيواني، ودعهم يتسلون بتلك الألعاب التي عملوها لأنفسهم، وينشغلون بأهوائهم النفسية التي أحاطوا أنفسهم بها والتي هي بمثابة خيوط العنكبوت. نعم ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ على أنَّ قُل هذه لا تعني مجرد اللفظ، بل تعني عليك أن تُحضر الله في وجودك، فإن قمت بإحضار الله في وجودك، فسترى كم ستكون الأمور يسيرة وسهلة عليك؛ إن قال هذا أو ذاك عنك شيئًا، فستقول: دعه يقول ما يقول، ودع كلّ من يريد أن يقول شيئًا أن يقله. إنَّك وعندما قلت الله، وجعلته هو الحاكم على وجودك، فإنَّك ستكون قد شطبت على كافة الاعتبارات والأهواء بالقلم الأحمر. إنَّ هذه الفطرة هي الفطرة التي تدعو الإنسان إلى الله.

  • أساس الدين مبنيّ على الفطرة

  • جاء في الآية الشريفة: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي‌ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها﴾۱ ما هو الأساس الذي يبتني عليه هذا الدين؟ إنَّه مبنيٌّ على الفطرة. إنَّ هذا يعني بأنَّ المرأة وعندما تريد أن تعمل وفقًا للفطرة، فعليها أن تعمل بما أمرها به الدين، لا بما يأمر به أنا وأمثالي، ولا بما نحبه نحن ونستسيغه، والذي نعتبره هو الدين وهو الطريق، كلاّ إنَّ هذا ليس بدين ولا فائدة تُرجى من العمل به. ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ تعني لذلك الدين الذي جعله الله لكل من الرجل والمرأة.

  • إنَّ الله الذي أمر المرأة بتغطية وجهها من الرجل الأجنبي هو نفسه الذي يأمرها بكشفه في حال الإحرام؛ فتأتي بعض النساء لتلعب لها لعبة من ألاعيب التديّن الخادع، فتضع على وجهها شيئًا، ثم تقوم بتغطية هذا الشيء بالبرقع، وهي تقول أنا لم أقم بتغطية وجهي. هل كان النبي عاجزًا عن استخدام الكلمات، فيقول لك: افعلي مثل هذا الشيء. أتعلمون لماذا أمر الله بمثل هذا الشيء؟ إنَّه قد أمر به لعاملين: يعود أحدهما إلى المرأة والآخر للرجل. أمّا ما يتعلّق من الأمر بالمرأة، أتعلمون من هنَّ النساء المأمورات بتغطية وجوههنَّ؟ إنَّهنَّ لستنَّ أولئك النساء اللواتي يمشين في الشارع وهنَّ يرتدين القميص والسروال، فلا يأمر الله هذا النوع من النساء بتغطية وجوههنَّ، وذلك لأنَّهنَّ قد كشفنَ كلَّ شيء من تلقاء أنفسهنَّ، فمن تمشي في شوارع طهران بهذه الكيفية، لا يمكن لها أن تُغطّي وجهها، بل تكون قد أخذت كامل حريتها. إنَّ الله يأمر تلك النساء اللواتي يحفظنَ أنفسهنَّ، واللواتي لا بدَّ وأن يفعلن مثل هذا الشيء، إنَّه يأمر هذا النوع من النساء بعدم تغطية وجوههنَّ [عند الإحرام]. نعم، إنَّ الله يأمر تلك المرأة التي لم يرَ الرجل الأجنبي أيّ جزء من وجهها طوال حياتها، يأمرها هنا بكشف وجهها. إنَّ الله يأمر الزهراء وزينب بكشف الوجه، وهو يأمر زوجة الإمام الحسين بذلك، وهذا ما حصل بالفعل، فلقد رأيتم ما الذي كان قد جرى في حادثة كربلاء، فهي نفس قضية الحجّ، فما الفرق بين الحالتين؟!

    1. سورة الروم (٣۰)، جزء من الآية ٣۰.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

11
  • إنَّ الله يأمر المرأة التي يكون كامل هدفها في حياتها الحفاظ على عفافها وحياءها، يأمرها بكشف وجهها، لا تلك التي تمشي في الشارع ويراها الجميع من أعلى رأسها إلى أخمص قدمها، وهي لا تعير هذا الأمر اهتمامًا، نعم، إنَّه يأمر بذلك تلك المرأة التي لا تدري أيّ حال ستتعرّض له إن أرادت أن تكشف وجهها؟ فهي تقول: يا للهول! ما الذي سيحصل لي الآن، فسيراني الجميع، فها هو المطاف، وها هم الرجال والنساء يطوفون في هذا المكان معًا، وقد يحصل تلامس بيننا! إنَّ الله يقول هنا: دعي عنك هذه الأفكار جانبًا، فمثل ذلك الحال يكون صالحًا لك هناك عندما تكونين في مدينتك ومحلّ سكنك، فعليك أن تقومي بمثل هذا الشيء؛ فلا ينبغي أن يرى أحد وجهك هناك، وكلّما حافظتي على هذا الأمر أكثر، يكون فوزك أكبر، أمّا في هذا المكان، فعليك أن تدعي هذا الكلام جانبًا، وعليك أن تُسلّمي للمشيئة والتقدير الإلهي، فهذا هو الأمر المهمّ هنا؛ لا تُبقي لك شيء من الأنانيّة، وعليك أن تعرفي السبب الذي من أجله أمرك من أمرك بكشف وجهك. إن كنت تعملين كلّ ما تعمليه لله، فعليك ومن أجل الله أن تكشفي عن وجهك هنا. ما الذي سيحصل في مثل هذا الحال؟ سيكون هذا هو الإحرام الصحيح، وسيكون هذا هو معنى الخروج الصحيح عن النفس، وسيكون هذا هو تصرّف أَمَة المولى التي لا تمتلك أيّة إرادة؛ [والتي يقول لسان حالها:] إن قلتَ لي: غطّي وجهكِ، فسوف أغطّيه، وإن قلت: اكشفي عنه، فسأكشفه، وسأفعل كلّ ما تأمرني به، فالأمر بالنسبة إليّ لا يفرق في جميع الأحوال. أمّا بالنسبة إلى أولئك المتظاهرات بالزهد، فترى الواحدة منهنَّ وبناءً على الزهد الباطل تقول: وهل يمكن أن يرى الأجنبيّ وجهي؟ هل يمكن أن يحصل ذلك؟! هل يمكن؟! كلّا، لا يمكن أن يتمّ مثل هذا الشيء أبدًا. لماذا لا يمكن أن يتمّ؟! ألم يأمر الله به؟!

  • تأثير النفس في تلقّي أومر الأستاذ

  • كان المرحوم العلاّمة قد أمر أحد الأفراد الجامعيّين بلبس العمامة والتلبّس بزيّ طلاب العلوم الدينية، فكانت العبارة التي قالها هي: إنَّ تهدّم بيتي عليّ هو أهون عليَّ من سماع مثل هذا الكلام من السيّد العلاّمة؛ فلو أنَّ سقف بيته قد تهدّم على رأسه [يكون أهون عليه من ذلك الأمر] أتلاحظون إلى أيّ حدٍّ تكون النفس قد تقدّمت؟! إنَّ نفسه قد تقدّمت إلى الحدّ الذي جعله لا يستطيع أن يتقبّل مثل هذا الأمر. نعم، إنَّه لا يستطيع ذلك، فكيف يترك الجوّ الجامعي، واللقب الذي يُشار إليه به، ويصبح مُعمّماً؟ هل يمكن أن يحصل مثل ذلك في الأساس؟ كنت قد تكلّمت معه في بيته وتباحثت معه حول هذا الموضوع لساعات طويلة، لعلّها كانت ثمان ساعات، وكان يُبرّر موقفه بالوضع الفعلي للمجتمع.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

12
  • سمعت أخيرًا ولا أدري هل كنت قد سمعت هذا الكلام بشكله الصحيح، أم سمعته خطأً؟ سمعت بأنَّ البعض قد أوصى طلاّب العلوم الدينية بخلع العمامة عندما يذهبون هنا أو هناك لغرض الوعظ الديني، وذلك بسبب الاشمئزاز الذي حصل للناس من الطبقة الروحانية، وهذا هو واحد من الأفكار الراقية والترشحات البِكر التي تصدر عن بعض السادة، فعلى الطلاّب أن يخلعوا عمائمهم لكون الناس قد أصبحت بهذا الشكل.

  • [قال الرجل] هذا ما أصبح عليه الوضع هذه الأيّام، وهذا هو الجوّ الحاكم على المجتمع اليوم؛ فيكون من الأفضل أن يتمّ الوعظ على هذه الهيئة، ومن أمثال هذه الخزعبلات التي نكون قد سمعنا مئات الآلاف منها؛ ففي مثل هذه الظروف لا تتقبل الناس الكلام منه إن كان يتزيّا بهذا الزّي، فعليه أن يخلع هذا اللباس، فلم يعد المجتمع على سابق عهده، ومن أمثال هذا الكلام، ولقد أغلقت بوجهه جميع هذه المنافذ، نعم، لقد أغلقتها بوجهه جميعًا.

  • وفي نهاية المطاف قلت له: دعني أسألك هذا السؤال، فأجبني عليه: هل تؤمن بأنَّ السيّد العلاّمة ـ وكان المرحوم العلاّمة على قيد الحياة حينها ـ إنسان صادق وملتزم ومسئول عن مبانيه وكلامه وأوامره ونواهيه، أم لا؟ قال: بل أؤمن بذلك، قلت: إن لبست العمامة، فهل سيكون للسيّد العلاّمة تلك الشجاعة والجرأة التي تجعله يدافع عن أمره الذي أمرك به في يوم القيامة وفي مقام الحساب أمام الله؟ هل يمتلك مثل هذا الشيء أم لا؟ قال: نعم، قلت: فما الذي يبعث على قلقك والحال هذه؟ فهو الذي أمرك بمثل هذا الشيء، وهو الذي سيأتي يوم القيامة ليقف ويقول: أنا الذي تسببت في حصول تغيّير في مكانته الاجتماعية، ذلك التغيّير الذي يراه سيتصادم مع انتشار الدين وسوف لن يُساعد على حلَّ المشاكل العالقة، وسيحصل له كلّ ذلك إن لبس العمامة. فسيكون السيّد العلاّمة هو المسئول عن كلّ ذلك، فما الذي تقوله والحال هذه؟ فكّر قليلًا، ثمّ قال: إنَّ نفسي لا تسمح لي بذلك، قلت له: ها قد شغلت وقتي وفكري لمدة ثمانية ساعات، فكان عليك أن تقول ذلك منذ البداية، فكان يلف ويدور، هذا في الوقت الذي كان شيء آخر يكمن في عمق قلبه.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

13
  • على أنَّ كلّ ذلك الكلام كان لا بدَّ وأن يُقال وذلك من أجل أن ينتبه إلى موطن الخلل في نفسه، فلا يخلط الأمور المتعلّقة بالله مع تلك التي تجري في النفس؛ فيأتي ويقول: ولكن المجتمع بهذا الوضع، وهذا وضع الجامعة اليوم، فإن فعلت ذلك، فما الذي سيقوله الناس عنَّي. عندما تُغلق كافة الطرق في وجهه، سيرى بأنَّ النفس هي التي تكون وراء كلّ ما كان يجري. قلت له: حسنًا جدًا، فهذا هو أمر آخر، فاذهب وابحث لك عن طريق للخلاص، ولا يزال أمره على ما هو عليه.

  • لازلنا ندور حول أنفسنا، نعم، لازلنا كذلك، وذلك لأنَّ أمر المرحوم العلاّمة لا يزال بدون تنفيذ، ولازلنا نخدع أنفسنا، ولازلنا نلّف وندور ولا نستطيع أن نتخلّص من ذلك الأمر، فترانا نعوّض ذلك بزيادة عدد الذكر، فنجعل ذكر اليونسية أربعمائة بدلاً من المائتين، ثمّ نرفعه إلى الأربعة آلاف والأربعين ألفًا، ونُطيل في صلاة الليل. إنَّ كلّ ذلك هو أمر واه لا أساس له يا هذا، نعم، إنَّه واه، بل كان عليك أن تبحث عن جذور القضية أين تكمن؟ فلو أنَّك لبست العمامة، لتقدّمت ألف سنة إلى الأمام، فما معنى أن تزيد من ركعات الصلاة، ومن إقامة مجالس العزاء في بيتك، فلا فائدة تُرجى من كلّ ذلك.

  • وهكذا يكون الأمر بالنسبة لي، فلا يفرق أمري عن غيري شيئًا، فلو أنَّني لن أُنفّذ ما يُقال لي، واستعضت عن ذلك بزيادة عدد المجالس وبتوسيع دائرة نشاطي، وزيادة عدد المراجعين لي؛ فأقوم بالتحدّث وطرح المواضيع وتأليف الكتب ودعوة الناس إلى الدين، سوف لن يكون كلّ ذلك إلّا هباءً لا فائدة منه وسوف لن يفيدني بمقدار رأس الإبرة.

  • قصة الشيح محمد باقر المجلسي بعد موته

  • يا له من أمر عجيب! يا له من أمر عجيب! لقد تذكرت الآن هذه الحكاية المتعلقة بالمرحوم الشيخ محمّد باقر المجلسي رضوان الله عليه والذي هو أحد أجدادي من ناحيتي الأب والأم معًا، هو ووالده المرحوم الشيخ محمّد تقي الذي كان من العظماء وكان من الأولياء والعرفاء، أمّا الابن الشيخ محمّد باقر فلم يكن من العرفاء، ولكنَّه كان رجلًا صالحًا عالِمًا مثابرًا، وهو صاحب كتاب بحار الأنوار هذا الذي بين أيدينا، فهذا الكتاب من تأليف الابن لا الأب. كان الشيخ محمّد باقر المجلسي ثريّاً، وكان ينفق ثروته في شراء الكتب؛ فكان يُرسل العلماء إلى هذا الجانب من العالم وذاك وكان يجمع الروايات؛ كان يرسل أفرادًا إلى أفريقيا والهند من أجل جلب الكتب، وخلاصة الأمر فقد وضع هذا الرجل كنزًا عظيمًا من المعارف الدينية تحت تصرّف مذهب الشيعة، رحمه الله.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

14
  • كان الشيخ يمرّ يومًا في أحد الأماكن في أصفهان، فرأى جمعًا من الناس يحيطون برجل ويصيحون بوجهه ويوجهون له الإهانات ويضربونه، سأل عن سبب ذلك، فقالوا له: لقد أخذ هذا الرجل منَّا أموالًا، ولم يعدها لنا، فقد خسر الأموال، وأفلس ولا يستطيع أن يعيد لنا أموالنا، ونريد أن نفعل بحقه شيئًا، فنادى الشيخ هؤلاء الناس وأخذهم معه إلى بيته، وأعطاهم الأموال التي يطلبونها من الرجل، فقد كان رجلًا ثريّاً، ثمّ أعطى ذلك الشخص مقدار من المال وقال له: اعمل بها، فانتهت الخصومة بحمد الله بهذا الشكل.

  • وبعد وفاته رآه في المنام أحد تلامذته والذي يُعدُّ من الملازمين له إلى حدٍّ ما وهو السيّد نعمة الله الجزائري، فقال له: كيف استُقبلت هناك، فلا بدَّ وأن تكون قد استُقبلت بمزيد من الترحيب والاحترام، قال له: لا، لم يحصل مثل هذا الشيء، فعندما ذهبت هناك، قيل لي: ما الذي جلبت معك؟ قلت: قمت بالعمل الفلاني، قيل لي: عملته لنفسك، قلت: وقمت بذاك العمل، فأُجبت: عملته من أجل نفسك. لا يحصل كذب في ذلك العالم، بل يجلبون النفس وتُظهر ما لديها. لقد تمكنت وبعد ثمانية ساعات من إراءة نفسه له هنا [إشارة لقضية الرجل الذي رفض أن يلبس العمامة] ، أمّا هناك، فلا يكون الأمر بهذا الشكل، بل يتعاملون معه بكلّ شفافية، فيقولون له: لقد فعلت ذلك الشيء من أجل نفسك، فتعال وانظر بنفسك، فيرى بأنَّه قد فعله من أجل نفسه، قال: قمت بتأليف كتاب بحار الأنوار، قالوا: كتبته من أجل نفسك، أتتذكّر تلك الخاطرة التي خطرت على ذهنك في اليوم كذا؛ بأنَّ كتاب بحار الأنوار قد أصبح كذا، فهذا لا يفيدك بشيء هنا هو الآخر، يقول: فبقيت متحيّرًا لا أرى لي مخرجًا، فتذكرت مرّة واحدة تلك القضية التي حصلت بينما كنت ماشيًا في السوق، ورأيت الناس تجرّ ذلك الشخص، وكيف أنجيته من تلك المحنة، فقالوا لي: نعم، نقبل منك هذا العمل، وفتحوا لي الطريق. أتلاحظون؟!

  • لا تتصوّروا بأنَّ هذه المجالس وما يجري من تردّد عليها يعني شيئًا، فإن كانت من أجل النفس [فسوف لن تعني شيئًا] فأنا وعندما أحضر هذا المجلس، فبأيّ هدف يكون مجيء هنا؟ فإن كان ذلك من أجل اجتماع رفقاء الطريق والأصدقاء بحمد الله، ومن أجل أن أتحدّث معهم بحديث، فسيكون هذا الهدف باطلًا، هذا بالنسبة لي، وأمّا بالنسبة لكم، فإن كان حضوركم المجلس لله ومن أجل العمل بما يُطرح فيه، والوصول إلى الهدف المنشود من دون أن يختلط ذلك بأمر آخر، فسيكون هذا الحضور صحيحًا، أمّا إن كنَّا نقول في أنفسنا ونحن نذهب إليه: لنذهب على أيّة حال، فإن لم نحضر، فسوف لن يكون ذلك جيدًا لنا، أو أن نقول: لنذهب حتى يرانا الآخرون، فستُفسد مثل هذه النيّة عملنا، ها أنا أقولها من دون مجاملة، ستُفسد هذه النيّة عملنا. لكل واحدٍ منَّا حسابه الخاص به، فلي ملفّي الخاص بي، ولكل واحد من الحاضرين ملفّه الخاص به. لذا علينا أن نكون مراقبين لتصرفاتنا، وعلينا أن ننتبه بشكل كامل إلى هذه الحقيقة وهي أن نأخذ الله بنظر اعتبارنا ولا غير ﴿قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

15
  • لقد طال بنا الحديث، فكنت أريد أن أُجيب على الأسئلة التي طُرحت هنا وفي مجلس طهران أيضاً بشكل سريع وعابر، فقمت بانتخاب عدد من الأسئلة لأُجيب عليها في هذا المجلس، فقد لا تحصل لي الفرصة للإجابة عليها في ذلك المجلس، وسأبدأ بهذا السؤال الذي طُرح هنا أولاً وهو:

  • الجواب على أسئلة الحضور

  • بسم الله الرحمن الرحيم، فيما يتعلّق بتعريفكم للملائكة الذي ذكرتموه في مجلس عنوان البصري، أرجو منكم أن توضّحوا لنا هذا الأمر وهو: هل أنَّ الملائكة قد حازت مرتبة الفعليّة منذ البداية؟ أم يكون عليهم أن يطوّوا المراحل مثلنا لكي يصلوا إلى مرتبة الفعليّة؟ بل وكيف خُلقت الملائكة من الأساس؟

  • الجواب: اتفقنا على أن تكون الأسئلة ضمن نفس نطاق الموضوع الذي يتمّ طرحه في المجلس، وعلى كلّ حال فسأشرح ذلك بما لديّ من فرصة فأقول: لدينا مجموعتان من الوجود في عالم الخلق، وهما: المُبدعات: وهي تلك الموجودات الخارجة عن الزمان مثل عالم العقول وعالم الغيب والملائكة، فلا تحتاج هذه المخلوقات إلى الزمان في وجودها، والمجموعة الثانية هي: المُكونات والطبيعيات: وهي التي تحتاج الزمان في وجودها، مثل وجودنا المادّي المحدود بالزمان، والذي لا بدَّ وأن يكون مسبوقًا به.

  • إنَّ الملائكة هي من المجموعة الأولى، فهي من المُبدعات، وكيفية خلقها يكون مساويًا للرتبة التي هي فيها، مَثلها في ذلك مَثَل القالب الذي يُصبُّ فيه مقدار من الطين من أجل أن يتمّ صنع الطابوقة، فسوف لن يتغيّر حجم هذه الطابوقة زيادة أو نقصانًا وإن مضى عليها مائة ألف سنة، وستبقى على نفس حالها، لقد صُنعت هذه الطابوقة بواسطة القالب، وهي على عكس بذرة النبات التي تُزرع في الأرض، فتنمو وتصل إلى مرحلة الإثمار.

  • للملائكة وجود ثابت، وستبقى سعتها الوجودية على ما هي عليها، وستكون قدرتها بنفس مرتبتها الوجودية؛ وذلك لكون الملائكة تمتلك قدرات مختلفة؛ فبعض الملائكة تكون ملازمة للإنسان في مراتب وجوده المختلفة؛ فإن ترقّى الإنسان من الناحية الوجودية، [صاحبته] ملائكة أعلى، وحتّى يصل به الأمر إلى الملائكة الأعظم شأنًا وهم الملائكة المشرفون والمسيطرون على الملائكة الذين يكونون دونهم؛ فعلى سبيل المثل، فعزرائيل يكون رئيسًا لأعوانه من الملائكة، وجبرائيل رئيسًا للملائكة المسئولة عن إنزال العلم، وإسرافيل رئيس الملائكة الموكلة بالرزق والحياة. بناءً على هذا، فلا يترقّى أي صنف من الملائكة عن الرتبة التي هو فيها، بل يكون سير الملائكة سيرًا عرضيّاً لا طوليّاً؛ لأنَّ السير الطولي يخصّ الإنسان؛ فهو يُزيح ما أمامه من الحُجب الواحدة تلو الأخرى في سيره هذا، ويتكامل ويحصل له الرُقيّ، أمّا بالنسبة إلى الملائكة فلا يحصل لها صعود ولا نزول، بل يكون كلّ واحد منهم في نفس مرتبته التي جعله الله فيها حيث يصله الفيض الإلهي في نفس رتبته هذه.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

16
  • لنضرب مثالًا على ذلك، بشخص يدخل بستانًا مملوءً من النِعم ومن الفاكهة وغيرها، غير أنَّ هذا البستان محاط بسياج، إي إنَّه محدود، ولا يستطيع هذا الشخص أن يخرج من هذا البستان، غير أنَّه وما دام متواجدًا في هذا البستان، فهو يستطيع أن يتنعّم بما فيه، فهكذا يكون حال الملائكة على وجه التقريب.

  • سؤال: مع الأخذ بنظر الاعتبار البحث الذي جرى حول موضوع نقصان عقل المرأة، وطغيان الأحاسيس عليها، فهل سيكون حسابها على نفس أساس توزيع الميراث؟ أم إنَّ الأمر يكون من حيث الرؤية التوحيدية واحد؟

  • الجواب: ما كان يجب الاستشهاد بموضوع الإرث هنا، فلا علاقة لهذا الموضوع بالسؤال المطروح، فلا تكون حصّة الإرث مبنيّة على نقصان العقل، بل إنَّها مبنيّة على أساس الأمور الاجتماعية والإمكانات [المالية] التي عمِلت القوانين الإسلامية على تنظيم حياة المرأة والرجل على أساسها، ولا علاقة لهذا الموضوع بموضوع نقصان العقل؛ فحتّى لو كان لإحدى النساء ما لابن سينا من قوة عقلية، وكان زوجها مجنونًا، فسيبقى توزيع الإرث على حاله في مثل هذا الفرض.

  • لا يمكن طرح موضوع جنس الشخص وكونه رجلًا أو امرأة هنا أبدًا، وذلك لأنَّ الله يُحاسب كلّ شخص وفقًا لسعته الوجودية ووفقًا لمدركاته العقليّة. ها قد حضرتي هذا المجلس وسمعت من العبد ما طرحه وآمنت به، فبناءً على هذا سيكون حسابك على هذا الأساس، فلو لم تكوني قد حضرتي هنا، ولم تكوني قد استمعت إلى هذه المواضيع، ولم تكن تلك المواضيع قد وصلت إلى مسامعك أبدًا، فسيكون حسابك على هذا الأساس. وهذا هو الأمر الذي كنت أذكره مرارًا وأقول: إنَّ حسابنا سيكون أشدّ من غيرنا؛ فها نحن قد أدركنا الأمور، أمّا غيرنا فلم يدركها، لذا سيكون حساب من كان قد أدركها أشدّ. سيأخذ الله بتلابيبنا يوم القيامة ويقول لنا: لقد أدركتم الأمور، فلماذا لم تعملوا بها؟ ولماذا لم تلبسوها لباس العمل؟ فبالنسبة لذلك الشخص الذي يمشي الآن في الشارع، فنحن لا نعلم العالم الذي يعيشه في علاقته مع ربه!

  • بناءً على هذا، فموضوع الحساب والعتاب والمؤاخذة، لا يعتمد على كون الشخص المُحاسب هو امرأة لها ما لها من مرتبة وجودية ومن سعة، بل سيكون الجميع من هذه الناحية على السواء. قد تتعرّض إحدى النساء إلى حساب أشدّ مما يتعرّض له رجل من الرجال، وذلك لكون إدراكها وسعتها الوجودية تفوق الرجل، فكلّما كان سطح المنزل أعلى، كان الثلج المتجمّع عليه أكثر۱. وقد يحصل العكس أيضاً. لذا يكون موضوع الحساب والكتاب منفصل عن هذا الموضوع.

    1. هذا مثل إيراني. [المترجم]

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

17
  • سؤال: ما هي الحدود المسموح بها في التكلّم مع الأجنبي، لقد كنَّا نتبادل السلام معهم بحرّية، والآن وعندما نحاول أن نتجنّب ذلك، يتمّ التعامل معنا بشكل آخر.

  • الجواب: يستطيع الإنسان أن يتجنّب مواجهة الأجنبي بشكلٍ أو بآخر، لأنَّه وعلى أيّة حال يكون هنالك إشكال في التكلّم مع الأجنبي.

  • سؤال: وماذا عن كشف الوجه الذي يأمر به الزوج؟!

  • الجواب: قلت حينها بأنَّه لا يحقّ للزوج أن يجبر زوجته على كشف وجهها، بل يكون هذا الأمر من حقّ المرأة؛ فهي التي تعرف ما يترتب عليها من تكليف شرعي في هذا المجال.

  • سؤال: فيما يتعلّق بالموسيقى الصادرة عن جهاز التلفاز، فنحن لا نرغب في الاستماع إليها، غير أنَّ أفراد العائلة لا يستمعون لنصائحنا، فما الذي علينا أن نفعله في مثل هذا الحال، هل يكون علينا أن نجبرهم على إطفاء الجهاز؟ أم ماذا؟

  • الجواب: لا يجوز الاستماع إلى الموسيقى، وهي حرام، وبالنسبة لمن لا يستمع إلى النصيحة، فيجب أن يتمّ التعامل معهم بشكل من الأشكال، فإمّا أن يتمّ إجبارهم على ترك الاستماع أو توفير ظروف أخرى لهم تجعلهم يمتنعون عن الاستماع. إنَّ الموسيقى بشكل عام هي حرام، ويُحرّم الاستماع إليها.

  • سؤال: قال المرحوم العلاّمة في كتاب معرفة المعاد: إنَّ الملائكة لا تدخل البيت الذي لا تلبس فيه المرأة غطاء الرأس، ما المقصود من هذا؟

  • الجواب: نعم، هكذا يكون الأمر، على أنَّنا يجب أن نأخذ هذا الموضوع بنظر الاعتبار أيضاً، وهو: إنَّ الله قد فرض على المرأة وفقًا للبيئة التي تعيش فيها وظائف وتكاليف متنوعة، فلا يكون الأمر بالشكل الذي يُؤخذ فيه جانب واحد بنظر الاعتبار، ويتمّ نسيان الجوانب الأخرى؛ فعندما يُقال بأنَّ الملائكة لا تدخل بيتًا، فلا يعني هذا بأنَّ الشيطان سيتسلّط على البيت عند عدم دخول الملائكة له، فعكس ما جاء في الشعر الذي يقول: إنَّ الملائكة تدخل البيت متى ما خرج منه الشيطان، ليس صحيحًا هنا، فلا يكون الأمر بالشكل الذي ستدخل فيه الشياطين البيت إن خرجت منه الملائكة.

  • إنَّ لعلاقة الملائكة بالبيت كيفيات مختلفة، ترتبط إحداها بالجانب العبادي، فتقوم الملائكة بجلب ذلك النوع من البركة إلى البيت متى ما اشتغل أهله بأحد الجوانب العبادية، غير أنَّ هذا لا يعني بأنَّ الحال العبادي الخاصّ هو الذي يجب أن يكون السائد على جوّ المنزل دائمًا، كلّا، لا يكون الأمر بهذا الشكل. إنَّ المنزل الذي يكون جوّه مبنيّاً على أساس الإسلام، والذي تملأه المحبة والأنس والألفة ترتاده عادةّ نوع من الملائكة حتّى وإن لم تكن المرأة فيه محجّبة، فعلاقة الملائكة بالمنزل تكون على أشكال مختلفة؛ فبالنسبة إلى الملائكة الموكلة بالجانب العبادي والتي تجلب معها فيضًا خاصًا، فمثل هذه الملائكة لا تعمل ما لم تكن المرأة مغطية لرأسها، ولهذا السبب يُوصى بعدم دخول أحد على المرأة في غرفة صلاتها حيث تكون في كامل حجابها. نعم، في مثل هذا النوع الخاص من الارتباط الذي يحصل في وقت الصلاة، فلا بدَّ وأن تكون المرأة مرتدية للمقنعة، أمّا أن تكون المرأة على هذا الحال في جميع أوقات تواجدها في البيت، فلا يكون الأمر بهذا الشكل، بل يكون ذلك من الزهد الريائي المرفوض. متى ما كانت ظروف المنزل إسلامية، وموجبة لرضا الله، فالملائكة تعمل على ترك آثارها الخاصة بها على ذلك المنزل.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

18
  • سؤال: هل يجب أن يكون مقدار احترام الرجل لوالديه وإخوته وأخواته أكثر مائة بالمائة من احترامه لزوجته؟ أم يجب أن يكون بنفس المقدار؟ أم أقلّ؟

  • الجواب: لم أعرف القصد من السؤال، فهل يعني أن يكون احترام الرجل لعائلته أكبر من احترام المرأة لعائلتها؟ إن كان هذا هو المقصود، فلا، لا يوجد أيّ فرق بين الرجل والمرأة فيما يتعلّق بهذا الموضوع، وذلك لكون الاحترام يعود إلى الجانب الأدبي، وهو مختلف عن موضوع إطاعة المرأة لزوجها؛ فعلى كلا الطرفين أن يوليا والديهم وأقربائهم الاحترام الذي أمر الله به، فإن كان أحد الأقارب إنسان غير صالح، فلا يجب احترامه، ويجب أن يتمّ التعامل معه وفقًا لما أمر الله به؛ إن كان الله قد أمر باحترامه، فعلى المرء أن يحترمه، وإن كان قد أوصى بتكليف آخر بشأنه، فعليه أن يتعامل معه على هذا الأساس سواء كان الشخص من إخوته أم لم يكن كذلك. 

  • إنَّني ثابت الآن على المباني في فترة ما بعد ارتحال المرحوم العلاّمة، دون أن يختلف أمري عن سابقه شيئًا، وهذا ما يعرفه الجميع؛ فالجميع يعرف بأنَّني لم أحِد عنها قيد شعرة، بل وأصبحت متمسكًا بها مائة ضعف أكثر ممّا كنت عليه في السابق. وهكذا يجب أن يكون الأمر بالنسبة إلى المرأة؛ فإنَّ الله قد كلّف المرأة القيام ببعض الواجبات من قبيل احترام الوالدين والأقارب وصلة الرحم ورعاية الآداب والأخلاق وحُسن المعاشرة والنصيحة، على أن يكون كلّ ذلك ضمن إطار طاعة الزوج. ولا يجوز للمرأة أن لا تحترم الوالدين، على أنَّ هنالك فرق بين تعمّد هذا الأمر وبين عدم التمكّن منه. بالطبع فإن منع الرجل المرأة من التواصل مع بعض أقربائها، فسوف يكون هذا أمر آخر، وسيكون عليها في مثل هذا الحال أن تستمع إلى كلام زوجها، وهذا لا يعني عدم احترامهم؛ فهو لا يعني بأنَّها إن حصل لها وقابلتهم، فستبدأ بسبّهم وإهانتهم؛ فهنالك فرق بين الاحترام وباقي المسائل الأدبيّة وبين إطاعة الرجل في الموارد التي أمر الله المرأة فيها بطاعته، إذ لا يجب على المرأة طاعته إن أمر بحرام.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

19
  • سؤال: إن كان الرجل يعمل على مضايقة زوجته روحيّاً أو بدنيّاً، ويعمل على تعريضها إلى الضغط والأذى، وهي تصبر على تصرفاته تلك لله، فهل يكون تصرفها هذا مستحسنًا؟ ألا توجهون له أمرًا أو توصية بشأن ما سيلاقيه في ليلته الأولى في القبر؟

  • الجواب: لا يوجد شيء خاصً يمكن أن يُقال في هذا المجال؛ فعندما يكون عمل المرء لله، فسوف لن يتركه الله بدون أجر.

  • سؤال: نحن أربعة أشخاص نعيش في هذا البيت، وما عدا ابننا الأكبر الذي له علاقة بمشاهدة البرامج التلفزيونية، فلا أستطيع أنا وأبوه أن نجبره على ترك التفرّج عليها، فما هو تكليفنا والحال هذه؟

  • الجواب: إنَّ ما كنت قد قلته في هذا المجال هو في غاية الوضوح والشفافية، أمّا كيفية التطبيق العملي فلا تقع على عاتق هذا العبد؛ فلا أستطيع أن آمر بضربه أو طرده أو نصيحته، بل يقع هذا الأمر على عاتقكم. أنا لا أقول بحرمة مشاهدة التلفزيون؛ فهنالك برامج مفيدة حقًا وهنالك برامج علمية من تلك البرامج التي تُبثّ من التلفزيون، من مثل البرامج الخاصّة بالطبيعة والحيوانات؛ فتلك هي برامج تفيد الإنسان في الاطلاع عليها، غير أنَّ هنالك برامج أخرى تكون فاسدة مائة بالمائة ويُحرّم مشاهدتها؛ من مثل البرامج الخاصة برياضة الرجال، فيُحرم على المرأة بشكل قطعي وبدون أدنى شكٍّ أن تشاهدها، وكذا الأمر بالنسبة إلى ما يتمّ الترويج له في بعض المسلسلات والأفلام من برامج مخالفة للتعليمات الإسلامية، والتي تطرح العلاقات الأسرية على خلاف تلك التعليمات، وهكذا بالنسبة إلى البرامج التي تثير الأعصاب وتضرّ بالحالة النفسية للإنسان وتسلبه هدوءه، سواء ما يُعرض من ذلك في الأفلام الأجنبيّة المليئة بمشاهد القتل والعنف والأمور الباطلة المحرمّة، أو تلك البرامج العبثية التي ليس فيها غير السخرية وتلف الوقت. لا بدَّ وأنَّك شاهدتم كيف يجري إتلاف ساعتين من الوقت بالكلام الفارغ والسخرية، فتقع مسئولية كلّ ذلك على عاتق الأفراد أنفسهم؛ فهم الذين يعرفون كيف سيتصرفون تجاهها. أمّا الكيفية التي سيتصرفون بها، فهذا الأمر متروك لهم؛ فيستطيعون أن يرشدوهم وينصحونهم، وإن لم يتمكنوا من ذلك، فهم لا يتمكنون إذن.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

20
  • سؤال: لا يستطيع زوجي أن يرافقني في الذهاب إلى الزيارة من مثل زيارة السيّد عبد العظيم أو قبر السيّدة المعصومة، ولكنَّه يأذن لي بالذهاب برفقة الصديقات، فهل تأذنون لي بذلك أيضاً؟ وبعبارة أخرى: هل سيضرّ ذلك بسلوكي أم لا؟

  • الجواب: لا بأس بهذا الأمر فيما يخصّ زيارة السيّد عبد العظيم والسيّدة المعصومة. إنَّ ما كنت أؤكّد عليه هو ضرورة مسافرة المرأة برفقة زوجها جهد الإمكان؛ فإن أرادت أن تسافر إلى مشهد من أجل زيارة الإمام الرضا، فيجب أن يكون ذلك مع زوجها حيث يكون ثواب هذه الزيارة أكثر، أمّا إن كان الزوج لا يستطيع أن يقوم بذلك بالفعل، أو أنَّه لا يرغب بالسفر، فتستطيع المرأة أن تسافر مع مجموعة تستطيع أن تحافظ على نفسها، فلا إيراد في مثل هذا الشيء. إنَّ ما كنت قد قلته هو في حالة الإمكان، على أن لا يجري ذلك بالشكل المتعارف عليه هذه الأيّام بأن تتفق مجموعة من النساء فيما بينها ثمّ تقرّر السفر. لقد قال الله: ﴿بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‌ نَفْسِهِ بَصيرَةٌ ، وَ لَوْ أَلْقى‌ مَعاذيرَهُ﴾۱إنَّ الإنسان أبصر بما يجري في نفسه، وهو أقدر على اختلاق الأعذار، وهو أعرف من غيره فيما إن كان السفر الذي يريد أن يقوم به هو من أجل زيارة الإمام الرضا، أم أنَّه لغرض السياحة والنزهة، ثمّ يتمّ حضور مجلس أو ما شابه ذلك.

  • سؤال: لو أمر الزوج زوجته بالجلوس إلى جنبه والتفرّج على أحد البرامج التلفزيونية معه، أو عندما يكون التلفزيون مفتوح بشكل مستمرّ عندما يكون الزوج حاضرًا في البيت، فما هو تكليف المرأة في مثل هذه الأحوال؟

  • الجواب: كما قلت آنفًا، فإن كان البرنامج يتضمّن الموسيقى، فلا يمكن لها الاستماع لها، وعليها أن تخبر زوجها بعدم قدرتها على الاستماع بسبب وجود الموسيقى في البرنامج، وكذا يكون الأمر إن كان البرنامج يخالف التعليمات الشرعية، فعليها أن تواجهه بالأمر بكلّ صراحة، أمّا إن كان الزوج لا يريد أن يكون لوحدة أحيانًا، ويريدها أن تجلس معه، فلا بأس بذلك في مثل هذه الحالة، فإن كانت لا تريد التفرّج على البرنامج، فتستطيع أن تصرف ذهنها إلى مكان آخر.

    1. سورة القيامة (۷٥)، الآيتان ۱٤ و ۱٥.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

21
  • سؤال: ما هو مقصودكم من التكاليف التي تشيرون إليها في الكثير من إجاباتكم؟ فهل هي البرامج السلوكية، الواجبات أم أنَّها شيء آخر؟

  • الجواب: إنَّ ما يقصده العبد من التكاليف، هو عبارة عن تلك الأمور التي يأمرنا الله بها من أجل رشدنا وترقّينا ووصولنا إلى المقصد المطلوب. يحصل في كثير من الموارد أن يؤدّي القيام ببعض المستحبات إلى التسريع في حركة السالك بأكثر ما تفعله الواجبات؛ وذلك لكون الواجبات إلزامية، أمّا الإتيان بالمستحبات وترك المكروهات، ولما كانت غير مُلزمة فقد يجري الإتيان بها بتحميلها على النفس تحميلًا. إنَّ ما يبعث على رشد وتكامل الإنسان ـ وهو الأمر الذي لا يستطيع الإنسان أن يخدع نفسه فيه ـ هو كيفية ارتباطه بالآخرين، وكيفية التكلّم معهم سواء كان ذلك فيما يتعلّق بالمرأة تجاه الرجل، أو الرجل مع المرأة، أو كلاهما مع أبنائهم أو الجميع مع أقاربهم ومع الآخرين؛ وهو ما يشمل العمل الذي يريد أن يقوم به أحدهم، أو السفر الذي ينوي القيام به، أو الملابس التي يريد شراؤها أو نوع الزينة التي تريد أن تتزيّن بها، فكافة هذه الأمور تعتبر برنامجًا عامًا، والكثير منها ليست من الواجبات، غير أنَّها تعتبر أهمّ منها. إنَّ جميع تلك الأمور تعتبر برنامج سلوكي أو أخلاقي عام لا بدَّ من رعايته.

  • سؤال: ينزعج الزوج مما يقوم به الأطفال من شغب، فيعاقبهم، ثمّ يندم على ما فعل. ما الذي يجب فعله في مثل هذه المواقف؟

  • الجواب: على الإنسان أن يضع نفسه مكانهم في مثل هذه الحالات، ويقوم بتقيّيم مواقفهم، وعليه أن يعلم بأنَّهم في حاجة إلى الترفيه عنهم والتعامل معهم بحرفية. إنَّ هذا لا يعني أن يتمّ تركهم أحرارًا في أن يفعلوا كلّ ما يريدون في جميع الأحوال، بل يجب تأديبهم بما يتناسب مع العمر الذي هم فيه، وذلك من أجل أن لا يتجاوز الطفل حدوده.

  • سؤال: عندما يحصل لنا غمّ شديد، هل يجوز لنا أن نفتح صدورنا إلى أصدقائنا ونشكو إليهم حالنا. وهل يجوز هذا الشيء إن كان الأمر يتعلّق بالزوج وعائلته؟

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

22
  • الجواب: قطعًا يكون في هذا الأمر إشكال.

  • بقيّة السؤال: ومن أجل ألّا يحصل تكدّر خاطر، وغمّ، هل يجوز الكذب في مثل هذا الحال؟

  • الجواب: إنَّ هذين السؤالين يختلفان عن بعضهما، أمّا فيما يتعلّق بالشكاية للغير، فلماذا يفعل الإنسان ذلك؟ فبدلّا عن الشكاية وذكر عيب شخص للآخرين، كان على أحدهم أن يجلس مع رفيق طريقه ويبدأ حديثًا آخرًا. يحصل كثيرًا أن نعاني من انقباض القلب والتألّم، وعندما نجلس مع أحد رفقائنا، فنحن لا نتكلّم بشأن هذه الحالات أبدًا، بل نقوم بطرح موضوع آخر، أو نقوم بنقل حكاية عن العظماء والأولياء، والمواضيع الخاصّة بأهل البيت ومن دون أن تتمّ الإشارة إلى معاناتنا أبدًا، وإذا بنا نرى بأنَّ معاناتنا قد انتهت بشكل كامل. كلّما سعى الإنسان إلى كتم هذه الأمور في قلبه وامتنع عن إفشائها، كلّما كان الثواب الذي يحصل عليه أكثر. أمّا إن أراد أحدهم أن يفشي عيب شريك حياته والآخرين، فإنَّ مثل هذا العمل هو عمل حرام قطعًا، وهو مما يوجب سخط الله.

  • سؤال: قلتم في بحث عنوان البصري بأنَّ على المرأة أن تكون مطيعة لأمر زوجها طاعة محضة، ما لم يأمر بمعصية، فإن كان الرجل مدمن على المخدرات، وهو لا يهتمّ بأمر عائلته أبدًا، فلا يأمر ولا ينهى، فهل يجب طاعته في مثل هذا الحال أيضاً؟ وإن كان الرجل يظهر عدم رضاه من زوجته في أغلب الأحيان، فيتركها معرّضة للعن الملائكة من المساء وحتّى الصباح. [سماحة السيّد] إنَّها تريد أن تقول هنا بأنَّ يستغلّ هذا الأمر لصالحه. [انتهى تعليق سماحة السيد] فما هو تكليف الزوجة هنا؟ هذا في الوقت الذي تحاول فيه الزوجة أن تقوم بأعمالها وفقًا لرضا الله، وهي تقوم بأداء وظائفها.

  • الجواب: أمّا فيما يتعلّق بالجزء الأول من السؤال، فموضوع طاعة المرأة للرجل محفوظ في محلّه، سواء كان الرجل مدمنًا أو لم يكن كذلك، وسواء كان يرتكب بعض المفاسد أم لم يرتكبها، فموضوع الطاعة ضمن تلك الحدود ثابت في محلّة. إنَّني كنت قد كرّرت هذا الأمر مرارًا وقلت: على المرأة وهي تطيع زوجها أن لا تأخذ بنظر الاعتبار كونه رجلًا وهي امرأة، نعم، لا يجب عليها أن تنظر إلى الأمر من هذا المنظار، بل عليها أن تعلم بأنَّ الله قد مدَّ هذه المائدة ـ لا يمكنني أن أوضح الأمر بعبارات أفضل من هذه العبارات ـ فكلّما تناول الإنسان منها أكثر، كلّما كانت استفادته أكثر، فسواء كان الرجل مدمنًا أم لم يكن كذلك، فما هي علاقتك به؟ إنَّ هذه المائدة قد بُسطت في هذه الدنيا من أجل تكامل المرأة، أمّا بالنسبة إلى الرجل، فإن كان يريد أن يتلف عمره بالبطالة ويُضيّع رأسماله الحياتي، ثمّ يُعرّض نفسه للمحاسبة على كلّ ذلك في العالم الآخر، فهذا الأمر يخصّه هو لا المرأة، أمّا فيما يتعلّق بالمرأة، فالمرأة تقصد طاعة الله هنا، لا طاعة ذلك الرجل المُدمن، وهي تتبع أوامر الله، لا أوامره، إذ لا يكون ذلك الرجل سوى وسيلة، وحامل رسالة، وواسطة تعمل على إيصال المرأة إلى الكمال. على أنَّ كلّ هذا يجب أن يجري ـ وكما ذكرت ـ بحيث لا يتضمّن شيء ممّا يُخالف الشريعة.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

23
  • أمّا بالنسبة إلى تلك الرواية التي جاء فيها بأنَّ على الزوجة أن تحرز رضا زوجها، فإن وضعت رأسها على الوسادة [وزوجها غير راضٍ عنها ...] إنَّها رواية عجيبة حقّاً، وهي رواية عن النبي الأكرم يُخاطب بها أمير المؤمنين عليه السلام على ما يبدو، أو إنَّه كان يُخاطب بها أبا ذرٍّ أو أحد الصحابة. إنَّني لا أتذكّر نصّ هذه الرواية الآن، وكنت أقرأها للأصدقاء، وفيها الكثير من المطالب العجيبة؛ فيتعجّب الإنسان ويقول: كم يكون الله قد بسط رحمته من أجل أن يتكامل الناس. فلو نامت المرأة وزوجها غير راضٍ عنها، فسوف تلعنها الملائكة. إنَّ هذا الموضوع صحيح، فعلى المرأة أن تُرضي زوجها بما كان الله قد أمر به، فإن كان الرجل من النوع كثير اللوم، وممن يُضخّم الأمور، وممن يستشكل على الصغيرة والكبيرة، فسيكون هذا من الموارد المستثناة والخارجة عن محلّ كلامنا.

  • إنَّ ما يقصده العبد هو: إن حصل خلاف بين الرجل والمرأة، ولم يكن موضوع الخلاف موضوعًا شرعيّاً، بل كان يتعلّق بالذهاب أو عدم الذهاب إلى مجلس معين، فصحيح أنَّه قد تمت الدعوة لحضور هذا المجلس، ولكن هل سيكون حضوره واجبًا؟ قد يرفض الرجل حضوره، بينما تُصرّ المرأة على ذلك، وهي تقول: إنَّ جميع أفراد عائلتنا يحضرونه الآن، فيجب علينا أن نذهب، فيردّ الرجل عليها ويقول: كلّا، لا أريد أن أذهب، فعلى المرأة في مثل هذه الحالة أن تُطيع زوجها وتمتنع عن الذهاب. وقد يختلفون على شراء سلعة، فيقول الرجل: لنشتري هذه السلعة، فتقول المرأة: بل الأفضل لنا أن نشتري تلك، فعلى المرأة في مثل هذه الحالة أن تطيع زوجها، ويمكنها هنا أن تطرح وجهة نظرها وتقدّم نصيحتها، فإن أصرّ الرجل على كلامه، وقال: بل لا بدَّ من شراء هذه، فعلى المرأة أن تسكت عنه وتوافقه، ولتفترض بأنَّ عملية الشراء لم تتمّ أصلًا. هذا فيما يتعلّق بمثل هذه الموارد، أمّا أن يعترض الرجل على كلّ ما تقوم به المرأة، حتّى وإن كان ذلك يتعلّق بقيامها بتكاليفها الشرعيّة، فيبدأ باللوم والتوبيخ وإظهار عدم الرضا، فلا يحق له أن يفعل مثل هذا الشيء هنا.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

24
  • سؤال: يرجى بيان ظروف الاستطاعة ووجوب الحج، فهل سيرتفع هذا التكليف بنظركم عند عدم امتلاك منزل، أو عدم امتلاك المال؟

  • الجواب: كنت قد بيّنت ظروف الاستطاعة بالطبع؛ فمن لم يكن يمتلك المستلزمات الضرورية للحياة، ولكنَّه يتمكّن من الذهاب إلى الحجّ، فسيكون الحجّ واجب عليه في مثل هذه الحالة. أمّا فيما يتعلّق بالمرأة التي لديها رضيع، أو طفل صغير يحتاج من الناحية النفسية إلى تواجد أمّه إلى جنبه ـ إنَّ الأطفال تتفاوت من هذه الناحية، فمنهم من لا يتأثر لفقدان والدته وإن غابت عنه لمدة شهر، لوجود من يرعاه، بينما يتأثر غيره بسبب هذا الأمر كثيرًا، وتحصل له صدمة ـ فسيكون ذهاب مثل هذه المرأة إلى الحجّ باطلًا، وتعتبر غير مستطيعة. أمّا ما يُفتي به البعض من إمكانية الاستغناء عن الأم بإطعام الطفل بالحليب المُجفّف، فهو أمر غير صحيح، وسيكون حجّها باطلًا، فلا بدَّ من بقاء المرأة إلى جانب طفلها وإرضاعه، وينطبق نفس هذا الأمر على من لديها طفل صغير يكون بحاجة إلى رعاية أمّه من الناحيتين الروحيّة والنفسيّة.

  • سؤال: هل يكون انتخاب الزوجة أو الزوج تابع للقسمة والمشيئة الإلهية مائة بالمائة؟

  • الجواب: على المرء أن يلتزم بما أمرت به الشريعة في هذا المجال بالطبع؛ فيأخذ المسائل الدينية بنظر الاعتبار، ولا يغفل المسائل العقلية، فيدرس الخصائص التي يتمتع بها الطرف الآخر وأخلاقه، فإن أحرز كلّ ذلك، يعمل عندها بما جرت التوصية به، فيصلّي صلاة الاستخارة ويُسلّم أمره ويفوّضه إلى الله، فسيكون كلّ هذا عبارة عن المشيئة الإلهيّة، أمّا إن كان الاختيار مبنيّاً على بعض الأمور، كالأمور الظاهرية وأمثالها، فسوف لن يكون هذا من المشيئة الإلهية، بل هو إنَّ فعل الإنسان نفسه.

  • سؤال: لدينا طفل يتأذّى من الناحية الروحية كثيرًا عندما نمنعه من التفرّج على التلفزيون، وهو مولع ولعًا شديدًا بمتابعة برامج الأطفال، فماذا تقولون عن برامج الأطفال؟

  • الجواب: ليس لي اطلاع عن برامج الأطفال بالطبع، وإن كنت طفلًا بالفعل، غير أنَّي لم أشاهد هذه البرامج، ولكنَّني سمعت من بعض أهل الاختصاص قولهم بأنَّ برامج الأطفال هذه تسبب انحراف روحي للطفل؛ فهذه البرامج تستورد من الخارج، ويجري العمل على إعدادها من قبل متخصّصين في علم النفس، حتى أنَّ بعض الأخصائيّين قد قال بأنَّ هذه البرامج هي أسوأ من البرامج المعدّة للكبار. فإن كان ولا بدَّ وإن أعيتكم السبل، ومن أجل أن لا يتأذّى الطفل كثيرًا، فيمكن ومن أجل تشجيعه [على تركها] أن يُسمح له بمشاهدتها بشكل محدود، وبالشكل الذي لا تحصل فيه للطفل مشكلة [نفسية] حقيقية.

انسجام الأحكام الإسلامية مع الفطرة - المرأة والأسرة – قم – الجلسة السابعة عشرة

25
  • سؤال: ما هو تعريف الموسيقى، وهل أنَّ جميع النغمات التي تُبثُّ من الراديو والتلفزيون هي موسيقى؟

  • الجواب: كلّ تلك النغمات التي تُبثُّ هي موسيقى.

  • سؤال: هل إنَّ مشاهدة الأفلام العبثية التي يُقصد منها بحسب ظاهر الأمر جلب الضحك، غير أنَّها تمسّ الدين الإسلامي في واقع الأمر، هل يكون مشاهدتها حرام؟

  • الجواب: لا يوجد أيّ شك في حرمة مشاهدة تلك الأفلام التي تهزأ من المباني الإسلاميّة، أمّا الأفلام التي تحمل الجانب الفكاهي الصرف، فلا تكون مشمولة بهذا الحكم، بل يكون حكمها مختلفًا.

  • نسأل الله أن يؤيدنا ويُثبّتنا ويوفقنا لما فيه رشدنا وتعالينا.

  •  

  • الّلهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد.