16

معنى: النساء ناقصات العقول

والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

2180
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - قم


التوضيح

في هذه المحاضرة المخصّصة لاستعراض بعض مباني السير والسلوك المتعلقة بالمرأة و الأسرة، والتي ألقاها سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمد محسن الطهراني (قدس الله سره) على بعض الأخوات المؤمنات في قمّ المقدّسة ، في البداية بجيب سماحتة السيد رحمه الله عليه على بعض الأسئلة التي تتعلق بالمرأة ومشاركتها في مجالس العرس، ثم يتعرض لشرح وتوضيح معنى نقصان العقل والإيمان في كلام أمير المؤمنين عليه السلام بشكل مفصل وفي النهاية يبيّن مسألة اعتراض السيدة الزهراء عليها السلام على أمير المؤمنين عليه السلام بشكل مفصل ويدفع بعض الإشكالات.
/۲۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

1
  • هو العليم 

  •  

  • معنى: النساء ناقصات العقول

  • والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

  • المرأة والأسرة – قم – الجلسة السادسة عشرة

  •  

  • محاضرة ألقاها 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلَّى الله على سيِّدنا ونَبيِّنا محمّد وآله الطاهرين 

  • واللّعنة على أعدائِهم أجمعين

  •  

  •  

  • يبدو وأنَّ هنالك بعض الأسئلة التي لا تزال عالقة في الأذهان بشأن ما تمّ التحدّث عنه في المجلس السابق، حيث يبدو بأنَّه لم يتم شرح الموضوع شرحاً وافياً؛ وإنَّه لأمر طبيعي أن لا يتم إيفاء حقّ بعض المواضيع بشكل كامل في جلسة واحدة، بل يتطلّب الأمر التفكير المتواصل والتأمّل بشأنها، ويتطلّب استمرار شرحها في مجالس متوالية حتّى تأخذ وإلى حدٍّ ما مكانتها في النفوس؛ وخاصة وأنَّ المواضيع التي يتم طرحها تتفاوت من حيث العمق، فبعض المواضيع من الدقّة بحيث يعجز عن إدراكها حتّى البعض من العظماء، ومنها الموضوع الذي أشرت إليه في المجلس السابق والمتمثّل باعتراض السيِّدة الزهراء سلام الله عليها على أمير المؤمنين عليه السلام، وكيفية إمكان حصول مثل هذا الأمر من السيِّدة الزهراء التي تمتلك مقام العصمة، أو موضوع تألمها الشديد على فقدان والدها، وكيفية تبرير هذا الأمر.

  • أتذكر بأنَّني كنت قد ذهبت مع المرحوم العلاّمة إلى منزل أحد العلماء الكبار والمعروفين في مدينة مشهد والذي لا يزال على قيد الحياة يوماً؛ وكان الرجل مشغولاً بشرح خطبة السيِّدة الزهراء سلام الله عليها، ولقد تمت طباعة ونشر الكتاب والذي يحمل اسم شرح خطبة السيِّدة الزهراء بالفعل.

  • لقد ألقت السيِّدة الزهراء سلام الله عليها خطبة عجيبة وبليغة جداً وذات معنىً عميق في مسجد الرسول وبحضور جمع كبير من الناس، وكان ذلك بعد أيامٍ من غصب أبو بكرٍ وعمر للخلافة من أمير المؤمنين وإيجادهم لتلك الفتنة؛ ولقد كانت تلك الخطبة من الخطب المتميزة والتي تعتبر من ميراث مالكي زمام أمورنا والأئمة والمعصومين، فلقد تضمنت الإشارة إلى أمور عجيبة جداً، وفضحت فيها أبا بكرٍ وعمراً وأتباعهم بالشكل الذي كانت فيه وكأنَّ رسول الله هو الذي كان يتكلّم؛ وكانت الكلمات والعبارات التي تستخدمها وكأنَّها تخرج في تلك اللحظة من فم رسول الله.

  • لقد كان هذا العالم مشغولاً بتأليف ذلك الكتاب؛ وأنا أتذكر كيف كان يستشكل على موضوع اعتراض السيِّدة الزهراء في ذلك الوقت، وكان يطلب من المرحوم العلاّمة توضيحاً ومحملاً يُحمل عليه ذلك الاعتراض؛ وأنا أتذكر كيف أنَّه لم يستطع فهم التوضيحات التي كان قد قدّمها إليه المرحوم العلاّمة في ذلك المجلس، ولم يقتنع بها، هذا مع ما كان عليه الرجل من الدرجة العلمية ومع كونه من الفضلاء البارزين، وذلك لكون الموضوع على تلك الهيئة التي تجعل أولئك الناس لا يستطيعون إدراك كنهه؛ وأنا أعتقد بأنَّ هذا الموضوع ربما لا يزال مبهماً بالنسبة إليه ولم يأخذ طريقه للحلّ بعد.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

3
  • لقد كنت أفكر صباح هذا اليوم بشأن الموضوع الذي سأتحدّث عنه في هذا المجلس، فهل سأعود لمواصلة حديثي عن نفس الموضوع الذي كانت تدور حوله هذه المجالس والمتمثّل في الإحتياجات الفطرية للمرأة السالكة طريق الله واستعدادها الفطري وطريق وصولها إلى الكمال؟ وفي تلك الأثناء وقع بصري على إحدى الرسائل التي كنت قد استلمتها، فشعرت بأنَّه لعل من المناسب أن أقوم هذا اليوم بتقديم إيضاحات أكثر عن هذا الموضوع.

  • وقبل الخوض في هذا الموضوع، أريد هنا الإجابة عن سؤالين أو ثلاثة من تلك الأسئلة التي قُدمت إليَّ: 

  • قراءة المرأة للقرآن عند العذر الشرعي

  • أولها يتعلّق بتكليف المرأة بالإتيان بالأذكار والأوراد وقراءة القرآن عند العذر الشرعي، حيث تتكرّر الأسئلة حول هذا الموضوع، فهل تجوز قراءة القرآن في مثل هذه الحالة؟

  • ج: لا يجوز للمرأة قراءة أكثر من سبع آيات من القرآن عند العذر الشرعي، كما لا يجوز قراءة حتّى آية واحدة من آيات أربعة سور من القرآن التي هي سور العزائم وهي السور التي تتضمن الآيات التي يجب السجود عند قراءتها.

  • س: هل يجوز قراءة القرآن دون الجهر بالصوت حين القراءة؟

  • ج: كلاّ، لا يجوز ذلك؛ أمّا ترديد آيات القرآن في القلب، كأن يريد أحدهم أن يحفظ القرآن، فلا مانع من النظر إلى القرآن وحفظ الآيات في القلب ومن دون التلفّظ بكلماتها؛ فليس المقصود من عدم جواز قراءة القرآن هو عدم جواز النظر إلى تلك الآيات، بل يمكن النظر إلى الآيات القرآنية في مثل تلك الحالة، ولا إشكال في ذلك، فالإشكال يتمثّل في التلفّظ بكلمات الآيات؛ فبناءً على هذا يجوز حفظ القرآن على ظهر القلب، أو إمرار الآيات على القلب لغرض الحفظ أو لأيّ غرض آخر في مثل تلك الحالات.

  • هل يجوز الحضور في صالات الاحتفالات والمسابح وما شاكل؟

  • السؤال الآخر الذي طرحته بعض النساء يتعلّق بمنع المرحوم العلاّمة ــ في حياته ــ النساء من الذهاب إلى الأعراس التي كانت تُقام في قاعات الاحتفالات، وبناءً على منعه الرفقاء والأصدقاء يجتنبون الذهاب إلى تلك الأعراس ؛ والسؤال هو: ما هو التكليف في عصرنا هذا، وهل يسمح العبد بالمشاركة في مثل هذه الاحتفالات أم لا؟

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

4
  • ج: يجب عليَّ أن أقوم بتوضيح هذا الأمر أولاً وهو: إنَّني لست في ذلك المقام الذي يسمح لي بتجويز هذا الأمر أو عدم تجويزه؛ فما يمكنني القيام به ــ إن أعانني الله ومنحني التوفيق للقيام به ــ هو بيان بعض الأمور، وذلك إن استطعت وبمشيئة الله من رعاية الأمانة في إيصال تلك الأمور إلى الآخرين على ما هي عليه؛ أمّا موضوع سماحي أو عدم سماحي للآخرين بهذا الأمر، فهذا مما لا يمكن طرحه هنا، فأنا لا أرى في نفسي القابلية على التصدِّي لمثل هذه المسئولية.

  • السبب الأول: انعدام الثقة بتلك الأماكن

  • ولكن عليَّ أن أقوم بتقديم بعض التوضيحات عن هذا الموضوع هنا: نعم، لقد كان المرحوم العلاّمة يمنع من الذهاب إلى تلك الحفلات، وكان يطرح أدلته على الموضوع، ومن بين تلك الأدلّة هو موضوع انعدام الثقة وإمكانية عدم رعاية الموازين الإسلامية في مثل تلك الأماكن العمومية؛ ولقد كان يرى بأنَّ هنالك أصنافاً مختلفة من الناس ممن يتردّدون على هذه الأماكن، ولا يمكن أن يكون جميع المشاركين في تلك الاحتفالات من الناس الصالحين، وبناءً على هذا فسيكون مثل هكذا مجلس مجلس معصيةٍ، خصوصاً وأنَّ [هذه المجالس ليست مختصّة بالنساء فقط] بل قد يشارك فيها الرجال أيضاً؛ ومن المعلوم بأنَّ المشاركة في مجالس المعصية غير جائز لجميع الناس؛ فبناءً على هذا فسيكون الحاضر لمثل هذه المجالس قد حضر في مكان كانت قد ارتكبت فيه معصية؛ هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى فلا يمكن الثقة والاطمئنان إلى تلك الأماكن؛ ولعلّ هنالك مسائل أخرى لم يكن المرحوم العلاّمة يرغب في بيانها، وكان يرى في هذا المقدار الذي أوضحه ما يكفي للردع عن المشاركة.

  • ولكنَّه وبما أنَّني لا أمتلك ما يؤهلني للمنع عن المشاركة أو الأمر أو النهي في هذا المجال، بل كلّ ما يمكنني فعله هو بيان الأمر وفقاً لما أمتلك من معلومات، لذا فعليّ أن أتصرف ضمن هذه الحدود؛ فمن وجهة نظر الحقير، ونظراً لكون قاعات الاحتفالات تعتبر أماكن غير آمنه، فسيكون هنالك إشكال في الذهاب إليها، ولقد شوهدت حالات غير سليمة فيها؛ فكيف يمكن المشاركة في مثل هذه الأماكن التي يخرج فيها ترتيب وتنظيم الأمور عن إرادة المرء وسيطرته؟

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

5
  • فمن يريد الاهتمام بأمور نفسه، فمن الطبيعي له أن يراعي أمر المراقبة بشكل أكبر، فالأمر المهم بالنسبة لهكذا إنسان هو أن يصل إلى الهدف المطلوب؛ أمّا ما يتعلّق من الأمر بتشخيص المصداق، فأنا لا أتعهد بمثل هذا الشيء؛ فلعل أحدهم يقول: إنَّ الأمر ليس كذلك بل أنا أعرف قاعة أستطيع أن أثق فيها من هذه الناحية بأكثر مما أثق في بيتي، ففي مثل هذه الحالة سيكون من يرى ذلك هو المسئول عن عمله، ولا أستطيع أن أنهاه عن المشاركة في ذلك الحفل ما دام يطمئنّ لذلك المكان بالشكل الذي يصفه.

  • وهذا الأمر ينطبق على جميع الأماكن العمومية كالملاعب الرياضية والمسابح وأمثالها؛ فأنا لا أثق في مثل هذه الأماكن أبداً، وأنا إذ أقول هذا، فإنَّما أقوله بناءً على تجربتي الشخصية وبناءً على ما يصل إلى مسامعي بهذا الشأن، ولعل الجميع قد سمع بما حصل أخيراً؛ فمع وجود كلّ هذه الأمور، فكيف يستطيع أحدنا أن يُقنع نفسه بإمكانية الذهاب إلى هذه الأماكن؟! فإن تمكّن أحدكم من إحراز الطمأنينة بنفسه، ورأى بأنَّ ظروف ذلك المكان تسمح له بالذهاب إليه، فسيكون هو المسئول عن تصرفه والحال هذه، فلا اشكال في مثل هذه الحالة.

  • السبب الثاني: الأثر السلبي لهذه الأماكن على النفس

  • هذا من ناحية، ومن الناحية الثانية، فقد كان المرحوم العلاّمة يقول: يحضر هذه الأماكن أصنافٌ مختلفةٌ من الناس، وتعتبر مثل هذه الأماكن أماكن فسقٍ عادةً، وتكون هيمنة الجوّ الحيواني على مثل هذه الأماكن أكثر من هيمنة الجوّ الروحاني؛ فما يحصل في مثل هذه المجالس يكون مبنيّاً على التظاهر، فتقوم النساء باستعراض ملابسهنَّ أمام الأخريات، والتفاخر عليهنَّ بما يعلّقنَ على رقابهنَّ من ذهبٍ ومجوهراتٍ، كما ويتفاخرن على بعضهنَّ البعض بمكانتهنَّ العائلية؛ فعلى من تتفاخرين أيّتها المرأة؟ فهل تتفاخرين على تلك التي هي بأمسّ الحاجة إلى الحصول على قوتها اليومي؟ أم على تلك التي لا تستطيع شراء خاتم لتضعه في أصبعها؟ فمن يُشاركنَ في تلك المجالس عادةً هن أولئك النسوة اللواتي يسعين لجلب أنظار الآخرين إليهنَّ بما يظهرنَ به من مظهر قبيح ووقح، حيث تلازم مثل هذه البيئة وجود تلك النظرات المريبة والشهوانية.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

6
  • فبناءً على هذا، يُحرّم الحضور في مثل هذه المجالس سواء انعقدت في قاعات الاحتفالات أو في مكان آخر؛ فالهدف الذي تُقام على أساسه المجالس، يجب أن يكون هدفاً إلهيّاً؛ وهذا إضافة إلى ما يحصل من حضور الزوج في ذلك المجلس الذي تحضره النساء وهن يرتدين ــ بكلّ تأكيد ــ العباءة المعدّة لصلاة الليل [تهكم من سماحة السيّد] حيث تعمل جميع أولئك النسوة على تغطية وجوههنَّ بالخمار؛ فمثل هذه المجالس، هي مجالس شيطانية بحتة، وجميع النفوس التي تحضرها هي نفوس شيطانية؛ [ويستطيع المرء ملاحظة ذلك بنفسه] فما أن يدخل أحدنا تلك الأماكن، إلاّ ويشعر بأنَّ الظلمة والكدورة قد هيمنت على كلّ قلبه؛ فبناءً على هذا تكون المشاركة في مثل هذه المجالس مضرّة للمرء.

  • حضرت في أحد تلك القاعات يوماً، أنا أحضر الاحتفالات التي تُقام في القاعات بالطبع، فلا مانع من حضور الرجال لها، وذلك لأنَّ ظروف الرجل تختلف عن ظروف المرأة، فلا تنطبق السلبية الأولى والمتعلّقة بجانب الوثوق بهذه الأماكن على الرجال بالطبع، أمّا السلبية الثانية والمتعلّقة بالكدورة فهي باقية على حالها؛ فحضرت قبل مدّة أحد المجالس المتعلّق بأحد أقاربي والذي أُقيم في إحدى القاعات في مدينة طهران ــ وأنا أعلم بكون مثل هذه المجالس لا تناسبني ــ فما أن دخلت المجلس، إلاّ ورأيت الظلمة مهيمنة على جوّ المجلس بالشكل الذي لم أتمكن فيه من البقاء في القاعة لأكثر من ثلاثة أو أربعة دقائق؛ وكان الموجودون هناك يُصرّون عليّ بالبقاء ويقولون: إنَّ العشاء جاهز، فاعتذرت منهم وقلت لهم: عليّ الذهاب إلى مكان آخر، فما الذي يمكنني قوله لهم؛ ولقد كان عدد من العلماء والشخصيات الدينية يحضرون ذلك المجلس، وكانوا مشغولين في الحديث والضحك وكأنَّ شيئاً لم يحصل؛ وهم غير متأثرين بما يحصل، ومن الطبيعي بالنسبة لهم ألاّ يتأثّروا، وذلك لأنَّهم بعيدون عن هذا المسار؛ فتراهم يقولون: نبارك لكم المناسبة، وإنَّه لأفضل مكان انتخبتموه وإنَّ مثل هذا العمل يعتبر من العبادات.

  • والملفت للنظر هنا هو إنَّ أحد الإخوة ممن كان قد تعرّف على هذه المدرسة للتّو كان يرافقني في الذهاب إلى ذلك المجلس، وكان قد شعر بكدورة المكان هو الآخر، فما أن دخلنا حتّى قال: يا له من مكان مظلم، فروحي تكاد أن تفارق بدني، فأيّ مكان هذا؟! فقلت له: نعم، هكذا يكون الأمر؛ ثمّ قال: كيف لا يشعر أولئك الجالسون هنا بهذا الأمر؟ فقلت له: اسألهم أنفسهم عن ذلك!

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

7
  • إنَّ الأمر يكمن في أنَّ مثل هذه المجالس لا تضرّ الآخرين، وذلك لكونهم يسيرون فعلاً في نفس ذلك الاتجاه الذي تسير فيه تلك المجالس؛ فالمريض الواقع تحت التخدير، لا يتألم ومهما غرست في بدنه من الإبر، بل يتألّم منه هو من يكون يقظاً صاحياً حيث ستتأثّر أعصابه وسيشعر بالألم من جرّاء ذلك؛ لذا فسوف لن يكون لحضور الناس العاديين لمثل تلك المجالس ذلك الأثر السلبي عليهم، فترى مثل هؤلاء الناس يقولون: وما الذي يتكلّم به هذا السيِّد عن موضوع الكدورة، فها قد ذهبنا هناك ولم نلمس أيّ شيء من هذا القبيل؛ نعم، صحيح ما تقولون، وهذا ما يجب أن يحصل؛ أمّا أولئك الناس الذي هم بصدد تهذيب نفوسهم فسيكون الأمر بالنسبة لهم كما بيّنت.

  • هل مشاركة النساء في الدروس الفنيّة جائز؟

  • س: هل للمشاركة في الدروس الفنيّة التي تُعطى للنساء، من قبيل دروس تعليم الخياطة، نفس حكم الحضور في القاعات الرياضية، أم لا؟

  • ج: إنَّ الأمر يختلف هنا عمّا هو عليه مع القاعات الرياضية، فالقاعات الرياضية قد صمّمت أساساً لذلك الغرض، وما يُسمع عنها كان بسبب هذا الأمر؛ فلا يبدو بأنَّ لهذه الدروس تلك السلبية المترتبة على القاعات الرياضية، بل هي دروس عادية شأنها في ذلك شأن غيرها من الدروس، فلو توجهت المرأة إلى نفسها، فلعل ذلك سيؤدِّي إلى انتفاء ما سيترتب عليها من تلك الآثار، إلاّ اللهمّ إن خرج الجوّ المهيمن على هذه الأماكن عن الوضع المعتاد، فسوف ينطبق عليه نفس حكم القاعات الرياضية عندئذٍ.

  • ما هو المراد من نقصان العقول والإيمان؟

  • هنالك سؤال طرحته إحدى النساء تقول فيه: ذكرتم في المجلس السابق بأنَّ نقصان العقل والإيمان هو بمعنى تلك المحدودية الوجودية اللازمة للبقاء ولاستمرارية الحياة في هذه الدنيا، وسؤالي هو: لماذا استخدم أمير المؤمنين عبارة النقصان هنا؟ لأنَّ ما استفدته من كلامكم هو أنَّ تلك المحدودية هي عين الكمال بالنسبة للمرأة وهو مما يتطلبه بنائها الوجودي.

  • ج: كما بيّنت لكم هذا الأمر في المجلس السابق، فإنَّ معنى النقصان هو النقصان في المرتبة والدرجة لا بمعنى أنَّه عيب من عيوب المرأة؛ فقد تعطي كلمة النقص معنى العيب والقلّة وفقدان الفائدة، ولكنَّنا لا نستطيع استفادة هذا المعنى من كلام أمير المؤمنين؛ فلا يمكن الاستفادة من هذا الوصف على أنَّه ذكر لعيب من عيوب المرأة، لأنَّ هذا العيب سيُنسب بالنتيجة إلى الله؛ فمن الذي جعل هذا العيب في المرأة؟ [سيكون الجواب:] إنَّه الله، فلا بدّ وأن يعود هذا العيب على الله.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

8
  • كان لقمان على نبينا وآله وعليه السلام جالساً في مكانٍ ما، وكان إلى جنبه رجل يميل لون بشرته إلى السواد أكثر من المعتاد؛ فجاء آخر وقال له: من أين جئت بهذا الشكل؟ فالتفت إليه لقمان قائلاً: تعيب بهذا على النقش أو على النقّاش؟!۱ فهو لم يأتِ بهذا الشكل من عنده؛ فلنرى الأمر الآن بالنسبة إلى هذا النقص، فهل يعتبر النقص هنا عيباً وعاراً يوجب الانتقاد والمؤاخذة؟ أم أنَّه ليس بعيب، بل هو بيان لأمرٍ واقعي؛ فمعنى النقص هو القلّة، فعندما تتم مقارنة شيئين مع بعضهما، وكان الشيء الأول يرجح على الشيء الثاني في صفة من الصفات، فيُقال هنا عن الأول بأنَّه كامل ويُقال عن الثاني ناقص؛ فهذا هو معنى النقص وهو غير العيب؛ ولو كانت هنالك مسطرتان طول إحداهما أربعين سنتيمتراً وطول الأخرى ثلاثين سنتيمتراً، فسيُقال عن الأولى كاملة وعن الثانية ناقصة أي إنَّها أصغر من الأولى؛ ولو كان طول رجلٍ متراً وستين سنتيمتراً، وطول آخر متراً وخمسين سنتيمتراً، فسيكون الثاني ناقصاً مقارنة بالأول؛ ولو كان أحدهم على درجة من العلم وكان آخر أقلّ منه علماً، فسيُعتبر الثاني ناقصاً بالمقارنة مع الأول، وهلمّ جرا، فكلّ مرتبة من الكمال، تكون المرتبة الأدنى منها ناقصة بالمقارنة معها، وهي كاملة بالنسبة لها، وهكذا يتدرج كمال الشيء حتّى يصل إلى تلك الدرجة من الكمال المطلق.

  • مراد أمير المؤمنين عليه السلام من نواقص العقول

  • فبناءً على هذا فوصف أمير المؤمنين للنساء بنواقص العقول لم يكن بهدف ذكر عيب من عيوبهنَّ أو لغرض تعيِّيرهنَّ؛ بل هو وصف لهنَّ وهو يعني النقصان في إدراك الأمور والنقصان في السعة الوجودية وخصوصاً فيما يتعلّق بالعقل العملي للنساء، وهو العقل الذي يعمل على إدارة الأمور في هذا العالم وفقاً لما لديه من ملاكات، وهو غير العقل النظري، الذي يكون هو المسئول عن اكتشاف المجاهيل وتبيِّينها وتوضيحها، والذي يعمل على نقل صاحبه من مرتبة الجهل إلى مرتبة العلم؛ إنَّ العقل النظري قد يتساوى لدى كلّ من الرجل والمرأة؛ وبعد أن يتّضح للمرء هذا المجهول، تأتي هنا مرحلة التطبيق العملي للموضوع، وهذا هو أمر آخر؛ فيعلم الإنسان الكثير من الأمور عادةً، ولكنَّه وعندما يأتي وقت تطبيقها العملي، يجد نفسه غير قادر عليه.

    1. تفسير الثعلبي، ج ۷، ص ٣۱۸.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

9
  • قالت لي إحدى النساء: قلت لزوجي: إنَّني وكلّما فكّرت في موضوع منعك من الزواج من امرأة أخرى لم أجد ما يبرّر لي هذا المنع من ناحية الوجدان أو العقل أو الشرع، وذلك لأنَّ الشريعة الإسلامية قد أجازت لك ذلك، كما وأجازه العرف.

  • فكم هو مقدار الحاجة العرفية لهذا الأمر في هذا الوقت؟ فكم يوجد في هذا الوقت من النساء من هنَّ بحاجة إلى من يتكفّلهنَّ معيشياً، وأن يكون لهنَّ ربّ أسرة، وهن يعانين الأمرّين من العيش في الوحدة؟ كم يوجد من أمثال تلك النسوة الآن؟ فإن نظرنا إلى هذا الموضوع من الناحية العقلية، نجد بأنَّ العقل يؤيّد ذلك، فما دام أحدهم قادراً على إعالة امرأة أخرى، فلماذا لا يُقدم على ذلك؟ على أنَّني كنت قد تطرقت إلى هذا الموضوع سابقاً.

  • تقول تلك المرأة: فعندما أفكّر في جميع هذه الأمور، أجد بأنَّ الطريق مسدود عليَّ، فأنا أؤمن بكل ذلك، غير أنَّني لا أمتلك الجرأة على الموافقة وعلى تشجيعك على الإقدام على هذا الأمر، وذلك لعلمي بعدم قدرتي عليه؛ فهذا هو المقصود من العقل العملي، وهنا تبرز الأخطاء ويبرز العجز؛ أمّا ما يتعلّق من الأمر بالجانب النظري، فقد تجد الكثير من النساء من يكنَّ قادرات على اكتشاف بعض الأمور، بل ويتقدّمن على الرجال في ذلك؛ فلو طُلب من مجموعة من الطلاب والطالبات المتواجدين في صفٍّ واحد حلّ مسألة رياضية، فلعل بعض الطالبات يتمكّنَّ من حلّها قبل الطلاب؛ وهكذا يكون الأمر فيما يتعلّق بالدروس الفقهية أو العلوم الحديثة، فلعلّ بعض النساء تتقدّم على الرجال في اكتشاف بعض المسائل العلمية وفي فهمها.

  • فمقصود أمير المؤمنين من كلامه ذاك هو ليس الجانب النظري من الأمر، بل كان يقصد جانبه العملي؛ فعندما يصل الأمر إلى مرحلة التطبيق العملي، فسيتّضح هناك مقدار الجرأة والشهامة في تطبيق الأمر عملياً؛ ولهذا نرى تلك المرأة تقول لزوجها بأنَّها إن أرادت أن تمنعه من الإقدام على ذلك الزواج، فستكون قد ارتكبت عملاً مخالفاً للشريعة، وإن أرادت الموافقة، فليس لها القدرة على ذلك، لذا فقد فوّضت إليه هذا الأمر، فسمحت له القيام به شريطة ألاّ يصل خبر زواجه إلى مسامعها؛ [فمع كلّ ما في الأمر من إشكال] فهي قد تجرأت كثيراً على اتخاذها لمثل هذا القرار، الأمر الذي لا تستطيع الكثير من الأخريات فعله؛ فتكون هذه المرأة قد تقدّمت حتّى في جانب العقل العملي، فما جعلها تفعل ذلك هو عقلها العملي إذاً.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

10
  • السبب في خروج عائشة على أمير المؤمنين عليه السلام

  • إنَّ عائشة زوج النبي تعلم بأنَّ رسول الله كان قد حرّم مقاتلة المسلمين، نعم، هي تعلم ذلك جيداً، فإن كانت عائشة لا تعلم ذلك، فمن الذي يعلمه إذاً؟ أيمكن أن لا تعلم هذا الأمر تلك المرأة التي عاشت في بيت النبي؟!! ألم تكن عائشة تعلم بأنَّ الله قد حرّم على المرأة الخروج من بيتها والظهور والتبرّج أمام الرجال؟ ألم تكن عائشة تعلم بأنَّ هذه الآية الشريفة قد نزلت في نساء النبي: وَ قَرْنَ في‌ بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى۱؛ أي اجلسن في بيوتكنَّ، ولا تدعينَّ إلى الاستعلاء؛ نعم إنَّ عائشة تعلم كلّ ذلك؛ أولم تكن عائشة تعلم مقدار قرب أمير المؤمنين من النبي؟! ألم تسمع عائشة من النبي ولمرات عديدة قوله بأنَّ عليّاً بمثابة نفسه؟! ألم تكن تحسده على ذلك؟ ألم تكن عائشة تعلم بأنَّ أمير المؤمنين هو الخليفة، وإنَّ مقاتلة خليفة المسلمين وخليفة رسول الله حرام؟! ألم تكن عائشة تعلم بأنَّ رسول الله كان قد نصب أمير المؤمنين في يوم الغدير بعنوان خليفة ووصيّ له؟! نعم لقد نصبه نصباً ولم ينتخبه لهذا المنصب انتخاباً، وذلك لعدم وجود رجل غير عليّ لكي ينتخبه الرسول لهذا المنصب، فلا وجود لأحدٍ على سطح الكرة الأرضية غير عليّ، ولا وجود لألف مرشح للخلافة لكي يقوم النبي باختيار واحداً منهم، نعم، لا وجود لسواه، لذا فقد نصبه الرسول خليفة له؛ ألم تكن عائشة تعلم ذلك؟! فلقد حصل كلّ ذلك قبل شهرين فقط من وفاة الرسول، فالمدة الفاصلة بين عيد الغدير ووفاة الرسول كانت شهرين لا أكثر، فلم يكن قد مضى على الحادثة خمسين عاماً لكي تكون عائشة قد نسيت الموضوع! ألم تكن عائشة تعلم بأنَّ أمير المؤمنين بريء من دم عثمان؟ وأنَّ أولئك الذين تمتدحهم عائشة والذين هم طلحة والزبير هم من بين قتلة عثمان؟! فقد كانوا قد كسروا باب داره واقتحموا عليه الدار وقتلوه، ألم تكن تعلم ذلك؟! بلى لقد كانت تعلم ذلك جيداً؛ ألم تكن عائشة تعلم بأنَّها تظلم أمير المؤمنين بتوجيه هذه التهمة إليه؟! ألم تكن عائشة هي العدو اللدود لعثمان؟ ألم تردّد عائشة هذه الجملة مراراً في المدينة، ألم تقل: اقتلوا نعثلاً فقد كفر؟ فقد كانت تُشّبهه بنعثل اليهودي الكافر؛ بالطبع فإنَّ عائشة كانت قد قالت ذلك بسبب تخفيض عثمان لعطائها! ألم تكن عائشة تعلم بأنَّها كانت أكثر الفرحين بمقتل عثمان؟! بلى هي تعلم كلّ ذلك جيداً، فلماذا تكون قد خرجت لقتال أمير المؤمنين والحال هذه؟!

    1. سورة الأحزاب (٣٣)، جزء من الآية ٣٣.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

11
  • لقد فعلت عائشة ذلك بسبب خديعتها من قبل طلحة والزبير، فلقد كانا قد أتيا إليها وقالا لها: لماذا أنت جالسة؟ فها قد أصبح عليّ خليفة وهو لم يعتنِ بنا، ولم يمنحنا أي منصب بعد كلّ هذه المدة الطويلة التي بلغت خمسة وعشرين سنة والتي صبرناها في عهد أبي بكرٍ وعمرٍ وعثمانٍ والتي لم نتكلّم خلالها بشيء، وها قد جاء عليّ ليعزلنا جانباً، وليقوم بإطفاء المصباح الخاص ببيت المال ويجلب مصباحاً من بيته ويقول لنا: ما دام الأمر الذي جئتم لأجله هو أمر شخصي، فلا يمكنني والحال هذه من استخدام هذا المصباح العائد إلى بيت المال، بل عليّ استخدام مصباحي الشخصي.

  • فما الذي حصل لعائشة هنا؟ لقد استولى عليها الضعف وخُدعت وتمّ التأثير عليها من قبل الآخرين؛ ولا تتصوّروا هنا بأنَّ هذا الأمر خاصّ بالنساء وحدهنَّ، بل ويحصل للرجال أيضاً، فقد حصل أن تمّ التأثير على الكثير من الرجال بواسطة التعرّض إلى فتنة معينة وسماع كلمتين من هذا وذاك؛ فهذا صحيح، غير أنَّ الله قد جعل مسألة غلبة الأحاسيس والمشاعر تطغى على المرأة أكثر من طغيانها على الرجل.

  • ولقد رأينا مثل هذا الأمر بأنفسنا، وذلك فيما حصل بعد ارتحال المرحوم العلاّمة، فقد حملت النساء جُلَّ ثقل تأثير الأحاسيس والمشاعر في تلك الأحداث؛ فقد كنَّ من يقف من ورائها؛ إنَّني إذ أقول هذا، فأنا أقوله لكوني كنت مواكباً لتلك الأحداث؛ فأيّة حادثة كانت تحصل ــ وعندما كنَّا نُحقّق فيها ــ كنَّا نجد بأنَّ مشاعر وأحاسيس النساء هي التي كانت من ورائها؛ ومن جهة آخرى رأينا بعض النساء كنَّ قد اتخذن مواقف صلبة وثبتنَ على تلك المباني، وقلن: هذا هو الحق، ولا غير، وليحصل ما يمكن أن يحصل.

  • أمّا ما قاله أمير المؤمنين والذي جاء في كتاب نهج البلاغة عندما قال: وأمّا عائشة فقد أدركها ضعف رأي النساء۱، فهو يعود إلى موضوع غلبة الأحاسيس والمشاعر على أحدهم بالشكل الذي تجعله يتخلّى عمليّاً عمّا بين يديه من ملاكات والتي هو مؤمن بها بعقله النظري، وتجعله ينساها ولا يأخذها بنظر الاعتبار؛ فنرى كيف وصل الأمر بعائشة إلى الحدّ الذي بدأت فيه بإرسال الرسائل التي كتبت فيها: من عائشة زوجة رسول الله وأمّ المؤمنين إلى هذا وذاك؛ الأمر الذي جعل أولئك المساكين وسيئي الحظ وبمجرد قراءة اسم عائشة التي هي أمّ المؤمنين يُخدعون، وذلك لجهل البعض منهم.

    1. جاء في نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، ص ٢۱۸: وأَمَّا فُلَانَةُ فَأَدْرَكَهَا رَأْيُ النِّسَاءِ. [المترجم]

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

12
  • أستطيع القول هنا بأنَّ ما يقارب من التسعين في المائة ممن كان قد شارك في معركة الجمل لم يكن ليعلم أي شيء عمّا كان يحصل، وكانوا لا يعلمون شيئاً عن أمر الخلافة، بل كانوا ينظرون إليها على أنَّها أمرٌ عادي ومثل ما يحصل اليوم من انتخاب أحدهم لمنصب رئاسة الجمهورية أو عضوية المجلس أو تعيين وزير، فكانوا ينظرون إلى أنَّ تنصيب أمير المؤمنين كان بانتخاب الناس الذين تجمهروا أمام بيته، أمّا مكانة ولقب أمّ المؤمنين فكان يعني لهم الكثير، وكانوا يرون مكانة عليٍّ أقل من مكانتها وذلك لكونها هي أمّ لجميع المؤمنين وهي زوجة الرسول ولا بدّ من حفظ حرمة رسول الله فيها، علاوة على كونها كانت قد عاشت لسنوات مع النبي وهي تحفظ الكثير من أحاديثه، وهي تعرف بالطبع أكثر مما يعرفون؛ فهكذا كان حال أولئك الأغبياء الذين هم كالأنعام، فما إن كانت رسائل عائشة تصل إلى أيديهم، إلاّ وكانوا يشهرون سيوفهم ويتركون بيوتهم وعيالهم من أجل الالتحاق بجيش عائشة؛ فهكذا كان حال معظم من خرج مع عائشة، فلم يخرج معها عن غرض إلاّ نفر معدود من الناس مثل طلحة والزبير وعدد ممن كان يهيأ لإشعال نار الحرب؛ أمّا ما سواهم، فلم يكن لهم علم بشيء؛ بمجرد أن عرفوا أنها أم المؤمنين اتبعوها من دون تفكير في المسألة، وهكذا يكون حال معظم الناس عادةً.

  • وقوع الشك لأحد جنود أمير المؤمنين في حرب الجمل

  • لقد حصلت شبهة لأحد أفراد جيش أمير المؤمنين، فكان الرجل يرى عائشة ويرى طلحة والزبير اللذين كانا من أصحاب رسول الله، وكانا ممن يصلّي في الصف الأول خلف النبي، كان يراهما يقفان في ذلك الطرف؛ علماً بأنَّ طلحة والزبير كانا من بين أولئك الرجال الثمانية الذين بقوا يدافعون بمفردهم عن رسول الله في معركة أحد، وكان ذلك بعدما ارتفع النداء في جيش المشركين بانتهاء أمر محمد، ففرّ عندها جميع المسلمين ما عدا ثمانية رجال، كان أولهم أمير المؤمنين والذي كان يلازم النبي، كما كان من بين من صمد هو أبو دجانة الأنصاري وآخرون، وكان طلحة والزبير من بين هؤلاء الرجال؛ ولقد كان الناس يعلمون هذا الأمر جيداً.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

13
  • إنَّ هذا الأمر هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا، فعلينا أن لا نحكّم مشاعرنا في مثل هذه المواقف، فهذا أمر خطير يجب الالتفات إليه؛ فهل تتصوّرون بأنَّ الشيطان وعندما يريد أن يُغوي أحدهم، فهو يأتيه من الطريق الواضح، كلاّ، بل إنَّ للشيطان ألف شبكةٍ وفخٍ لإغفال الناس؛ فهو يأتي إليهم عن طريق رجل لا يحتمل الآخرون حتّى كونه كان قد ارتكب خطأً واحداً في حياته، أو أنَّه كان قد داس على نملة في يوم من الأيام؛ لا نحتمل ذلك! فهو ينتخب مثل هكذا رجل ليعطيه مركز الصدارة، فمن يستطيع أن يثبت في مثل هذه الحالة؟ فهنا يجب أن يتم اختبار السالكين ليُعرف موقفهم تجاه طريقهم.

  • نعم، لقد وقع الشك في قلب أحد جنود أمير المؤمنين؛ فكان يقول في نفسه: صحيح إنَّ لعلي ما له من المكانة، ولكن ها أنا أرى زوجة رسول الله ــ نعم، إنَّ لمقام زوجة رسول الله درجة مرموقة ــ تقف في الطرف الآخر وهي تطالب بدم مقتولٍ؛ لم يكن هنالك من كان عليه أن يقول لعائشة: إن كان عثمان قد قُتل، فقد قُتل إذاً، فما معنى تسعيرك لنار الحرب هذه؟ فكم هو عدد أولئك الذين قتلوا عثمان؟ إنَّهم لم يكونوا ليتجاوزوا العشرة أو العشرين أو حتّى وإن كان عددهم يبلغ المائة أو المائتين، فأولئك هم الذين كانوا قد شهروا سيوفهم بوجهه؛ [على أنَّ حكم الشريعة] لا يقضي بقتلهم، بل يقضي بأخذ دية المقتول منهم؛ فلو تمّ قتل أولئك العشرين، للزم على أولياء دم المقتول أن يقوموا بدفع ديتهم إلى ذويهم؛ ثمّ إن كنتِ تطالبين بدم عثمان باعتبارك زوجة لرسول الله يا عائشة، فإنَّ هؤلاء العشرين نفراً موجودون الآن، فإن كنت تستطيعين، فاذهبي واقتليهم؛ فلما كنتِ غير قادرةٍ على قتلهم ــ إذ إنَّ من بينهم رجال مثل مالك الأشتر على سبيل الفرض ــ فلماذا تدفعين بالآخرين إلى ميدان القتل؟! نعم، لو كنت تعتقدين بأنَّ تكليفك الشرعي يحتمّ عليك ذلك، كان عليك الاقتصاص من القتلة!

  • إنَّ هذا الموضوع هو واحد من تلك المواضيع التي يمكن التوسّع في الحديث عنها، فعلى أيّة جانب من جوانب الموضوع تضع يدك، تجد هنالك خللاً؛ ولم يكن هنالك من يقول لعائشة: وما علاقتك أنت بهذا الأمر؟ فأنت امرأة وأنت زوجة رسول الله، فيتحتّم عليك الجلوس في بيتك، فهذا العمل هو من اختصاص الرجال، فالرجال هم من يفترض بهم أن يقوموا به؛ ثمّ ما هي علاقتك أنت بعثمان؟! فهل أنت من ورثة عثمان؟! وهل أنت ابنة عثمان؟! أم أنَّك من أولياء دم عثمان؟! فما هو موقعك من هذه القضية؟! بل لقد كنت من أعداء عثمان؛ ولقد كانت عائشة ساكتة لمدة خمسة وعشرين سنة، فهي لم تكن تتكلّم بشيء، فما إن قُتل عثمان، حتّى تفتّحت أزهار مشاعرها الدينية وانبرت للدفاع عن الله وعن الإسلام؛ فكأنَّها كانت ميتة خلال تلك السنوات الخمسة والعشرين ولم تعد إلى الحياة إلاّ في هذه اللحظة.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

14
  • فحصلت حالة من الشكّ والتردّد لدى أحد أفراد جيش أمير المؤمنين، فكان الرجل يرى [أمير المؤمنين] في هذا الجانب ويرى أولئك النفر في الجانب الآخر، فوقع الشك في قلبه؛ فالوقوع في الشّك لا يكون بيد الإنسان نفسه، فما الذي يفعله المرء عندما يقع في الشّك؛ يقول الرجل: ما إن حصلت لي حالة الشكّ تلك، إلاّ وأخذ الله بيدي ورفع عنِّي حالة الشّك، فنظرت إلى جيش أمير المؤمنين، فلم أرَ فيه امرأة، فقائد الجيش هو أمير المؤمنين، والمقاتلون هم من الرجال مثل مالك الأشتر وغيره؛ وعندما ألقيت نظرةً على الجانب الآخر، وجدت بأنَّ قائدهم امرأة والتي هي عائشة، حيث صارت هي قائدة الجيش؛ فتذكرتُ كلام رسول الله حينها وذلك عندما قال: لن يفلحَ قومٌ ولّوا أمرهم امرأة۱، وعرفت بأنَّ الحقّ مع علي، فارتفع عنِّي الشك؛ ولقد حصل بعد ذلك ما حصل.

  • أرأيتم كيف أنَّ رسول الله لم يُعادِ أحداً، فهو رسول للرجل والمرأة معاً، ولقد جاء في إحدى الآيات خطاب الله للنبي بكونه مرسلاً إلى كافة الناس٢، كما أنَّ أحاديث رسول الله تدلّ على هذا الأمر أيضاً، فنرى كيف أنَّ الرسول فرض القتال على الرجال فقط، وأمر النساء بلزوم بيوتهنَّ لإدارة أمور المنزل، فلماذا لم يعكس رسول الله الأمر؟ ولماذا أخذ جانب النساء هنا؟

  • نعم لقد أجاز الإسلام للمرأة المشاركة في تضميد الجروح؛ فقد كانت النساء تتولّى هذه المهمة التي لا يستطيع الرجال القيام بها لانشغالهم بالقتال، كما كنَّ يتولين أمر إخلاء الجرحى من ساحة المعركة لغرض تضميد جراحهم؛ فقد أجاز الإسلام للنساء القيام بهذا العمل؛ أو في حال تعرّضت البلاد الإسلامية إلى هجوم من قبل الأعداء مع عدم تمكن الرجال من القيام بمهمة الدفاع لوحدهم ففي هذه الحالة يجب على النساء المشاركة في القتال إلى جنب الرجال.

  • أتلاحظون كيف أنَّ الإسلام لم يهمل أمر المرأة ولم يعزلها، بل يكون قد احترمها ووضع عنها القتال في الحالات العادية وأوجبه على الرجال فقط، ولم يُوجب عليها القتال إلاّ في حالات التعرّض إلى الخطر؛ هذا فيما يتعلّق بهذا الجانب، أمّا بصورة عامة، فإن دار الأمر في برهة زمانية معينة بين تولّي الرجل أو المرأة لإدارة المجتمع، فستكون الأولوية هنا لتولي الرجل لهذه المهمة وللأسباب التي تمت الإشارة إليها هنا؛ على أنَّ الإسلام قد أوكل للمرأة مهمة القيام بتلك الأعمال التي تخصّ النساء، مثل شهادتها في القضايا التي لا يستطيع الرجل الشهادة فيها، كشهادتها على حادثة قتل [تكون قد شاهدتها] مثلاً، أو الشهادة على غصب حقٍ كغصب منزلٍ أو سرقة مالٍ، فستكون شهادة امرأتين معادلةً وبحسب النصّ القرآني لشهادة رجل واحد، حيث جاء في الآية فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ، لماذا؟ إنَّ الآية تذكر السبب في ذلك هنا عندما تقول: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى٣، أي إن تردّدت إحداهما في أداء الشهادة على الوجه المطلوب وتحيّرت في أمرها، فستعمل المرأة الثانية على تذكيرها بتفاصيل الموضوع.

    1. بحار الأنوار، ج ٣٢، ص ۱٩٤؛ البخاري، ج ٥، ص ۱٣٦.
    2. لعلّ سماحته يشير إلى هذه الآية: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشيراً وَ نَذيراً وهي الآية ٢۸، من سورة سبأ (٣٤). [المترجم]
    3. جزء من الآية ٢۸٢ من سورة البقرة والتي جاء فيها: وَ اسْتَشْهِدُوا شَهيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَ امْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى‌.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

15
  • لقد فسّر البعض ممن ألّف كتاباً في هذا الشأن كلمة تضلِّ بالنسيان، فقال: بما أنَّ المرأة تنشغل كثيراً بأمور المنزل، لذا فقد تعتريها حالة النسيان بأكثر مما تعتري الرجل؛ وللجواب عليه أقول: أولاً: إنَّ الضلالة لا تعني النسيان، أفلم يكن الله قادراً على أن يقول: إن نسيت، وثانياً: فلا يعمل كثرة العمل في المنزل على إيجاد النسيان، فعمل الرجل خارج المنزل هو أكثر من عمل المرأة في منزلها، وكان يجب أن يتعرّض الرجل للنسيان بأكثر مما تتعرّض له المرأة؛ وثالثاً: من يستطيع أن يدّعي بأنَّ ذاكرة المرأة أضعف من ذاكرة الرجل؟ بل يوجد الكثير من النساء ممن تكون ذاكرتهنَّ أقوى من ذاكرة الرجل، وهي قادرة على حفظ الأمور في ذهنها وبكل تفاصيلها، فلا يمكننا أن ندّعي هنا برجحان الرجل على المرأة من هذه الناحية؛ فإمّا أن تكون ذاكرة كلّ من الرجل والمرأة على نفس المستوى، أو قد تكون ذاكرة المرأة ــ وبحسب ما يقوله البعض ــ هي أقوى من ذاكرة الرجل، وهذا الأمر هو خارج عن موضوع بحثنا.

  • بل إنَّ المقصود من أن تضلَّ هو الضلالة، فما هو السبب وراء هذه الضلالة؟ إنَّها تعود إلى أنَّ تلقي بعض الأمور أو بيانها يخضع وفي الكثير من الحالات إلى تدخّل الأحاسيس والمشاعر، أي إنَّ الموقف العاطفي للمرأة من قضية معينة يعمل على منعها من الفهم الصحيح لها، فلا يسمح طغيان العواطف لديها على تلقي الأمر على ما هو عليه؛ فها أنا أعترف ولكوني أتعامل مع هذه القضايا لسنوات طويلة بأنَّ هذه الآية الشريفة تتطابق تماماً مع واقع الحال، فلقد مرّت عليّ الكثير من الحالات التي كنت أجد فيها الأمور ــ وبعد إجراء التحقيقات اللازمة ــ تختلف في واقع الحال مع ما تمّ بيانه.

  • طغيان مشاعر المرأة يناسب دورها

  • فلا يمكننا والحال هذه من اعتبار هذا الأمر بمثابة منقصة للنساء وذلك لأنَّ الله قد منح المرأة هذا النوع من المشاعر والعواطف من أجل ترتيب وتنظيم أمور الأسرة، وهو الأمر الذي لا يقتصر على تربية الأطفال فقط، بل وينعكس على التعامل مع الزوج أيضاً؛ فإن كان للمرأة نفس تلك الحالات الروحية التي يمتلكها الزوج وكانت لها طبيعة رجالية، لما استمرت الحياة الزوجية ما لم يتحوّل الرجل إلى امرأة، أي أن يتخلّى عن طبيعته الرجولية ويتقمّص الطبيعة النسائية، فإن كان هنالك من يرغب في مثل هذا الشيء، فالأمر متروك له [مزحة]؛ فإن لم يكن الأمر كذلك، فمن سيمنح المنزل تلك اللمسة العاطفية إذاً؟ لا شكّ وأنَّ المرأة هي وحدها القادرة على ذلك، فالمرأة وبواسطة روحها اللطيفة تعمل على تبديل نفس الرجل إلى نفس منزلية، أي إنَّها تعمل على تبديل طريقة تعامله التي كان يتعامل بها مع الآخرين خارج المنزل بما يتلاءم مع الحياة العائلية عند دخوله إلى البيت؛ فلو استمر الرجل بالتعامل مع عائلته بنفس تلك الطريقة التي كان يتعامل بها في السوق من الأمر والنهي، لتنغّصت عليهم معيشتهم ولما تمكنوا من الاستمرار في حياتهم الزوجية؛ فتعمل المرأة هنا وبفعل ما لروحها من اللطافة على تبديل طريقة تعامل الرجل فتجعلها تتلاءم مع الجوّ المنزلي؛ فهذا هو واجب المرأة في البيت؛ فلا تقتصر طريقة تعامل المرأة بتلك اللطافة والرحمة ــ المطلوبة في التعامل مع الأطفال ــ في تعاملها مع أطفالها فقط، بل يجب عليها التعامل مع الزوج بنفس هذه الروحية.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

16
  • إنَّ هذا الأمر لا يعتبر أمراً هيناً، فلو أنَّ الله جعل صفات كلّ من الرجل والمرأة على نحو واحد، لأدّى ذلك إلى تلاشي النظام العائلي؛ إذ لو كان كلا الزوجان يحملان الصفات الرجالية، لأدّى ذلك إلى حصول حالة من الكآبة والانتكاسة لدى الأطفال، حيث ستتلوّث أرواحهم البريئة نتيجة لما سيلاقونه من تعامل قاسٍ وسيفشلون في حياتهم؛ وإن هيمنت صفة الأنوثة على الرجل وأصبح أسير المشاعر والأحاسيس، فكيف سيتعامل مع المجتمع خارج المنزل والحال هذه؟! وكيف سيتصرّف في ميدان المعركة؟! وكيف سيتمكن من إدارة العمل والتعامل مع الكادر الذي يترأسه؟! فلجميع هذه الأسباب أوجد الله ذلك التفاوت في طبيعة كلّ من الرجل والمرأة؛ ولقد ذكرت سابقاً بأنَّ هذا التفاوت لا يؤثّر على الدرجات الكمالية لكلا الطرفين، فكلّ منهما يستطيع طيّ مسيره التكاملي إن أطاع الأوامر وعمل على الالتزام بالتعليمات.

  • فقد يشاهد الزوج في ذلك العالم كيف أنَّ زوجته قد طوت الطريق ووصلت إلى الكمال في الوقت الذي لم يبرح فيه هو منعطف الزقاق، أو قد يحصل العكس، فيكون الرجل قد بلغ مرتبة الكمال، في الوقت الذي تكون فيه الزوجة قد شغلت نفسها بهذه الأمور الدنيوية وتوقفت في مكانها؛ فلا علاقة لبلوغ درجة الكمال بالاختلاف في العقل العملي الموجود بين الرجل والمرأة وفي كيفية التعامل مع ما يجري في الخارج.

  • خلاصة الجواب

  • فبناءً على هذا يكون معنى كلام أمير المؤمنين عندما وصف النساء بنواقص العقول هو: إنَّ العقل العملي للمرأة أضعف مما هو عليه لدى الرجل؛ وهذا هو واقع الحال، وهو مما لا يمكن لأحد إنكاره؛ ولهذا يحصل كثيراً أن يفقد الرجل التوفيق في حياته، نعم يحصل الكثير من هذا الأمر ويكون ذلك بالطبع بسبب سلوك نسائهم لمسير آخر مما يجعلهنَّ ينظرنَ إلى الأمور بشكل مغاير، فتجد الكثير من النساء تنزعج من مشاركة زوجها في مجالس الدعاء؛ فلو أنَّ زوجك يا أيّتها السيِّدة كان يحضر مجالس من نوع آخر، فهل كنت ستفرحين بذلك؟ أنا إذ أقول هذا الكلام، فأنا لا أقوله اعتباطاً، بل أنا على علم بمثل هذه الأمور؛ فترى بعض النساء لا تبالي بذهاب زوجها إلى أماكن كالسينما وساحل البحر حيث مظاهر عدم الاحتشام، أمّا إن حضر زوجها لساعة أو ساعتين في مجالس الذكر أو المجالس الحسينية، فستجدها وكأنَّ السماء قد وقعت على رأسها؛ فإن اختلط زوجها بألف من أولئك الرجال المنحرفين والمدمنين والمهربين وشاربي الخمور وغير الملتزمين، فهي لا تبالي بذلك، ولكنَّه وبمجرد جلوس زوجها مع عدد من إخوته للتحدّث عن المسائل الدينية، تراها وكأنَّما يكون جبل قد تهدّم على رأسها؛ إنَّ السبب في كلّ ذلك يعود إلى طغيان المشاعر والأحاسيس على المرأة؛ كما ويحصل العكس أيضاً، فقد تجد بعض النساء ممن وفقهنَّ الله لمعرفة حقيقة الأمر، تجدها تسعى بكلّ طاقتها من أجل تطبيق ذلك في بيتها.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

17
  • فهذا هو مغزى كلام أمير المؤمنين عليه السلام؛ على أنَّنا يجب أن نقول هنا بأنَّ هذا لا يعتبر قانوناً شاملاً للجميع، فكما وتوجد هنالك استثناءات في القوانين، فتوجد مثل هذه الاستثناءات في عالم الخلق أيضاً؛ فيحصل أن تكون بعض النساء متقدّمة على زوجها من ناحية العقل والدراية ورعاية الموازين كثيراً؛ ولقد رأيت بنفسي مثل ذلك، فهنالك من النساء من تكون أفضل من زوجها في فهم ما يجري وفي التطبيق العملي وفي تنظيم الأمور، بل ويكون زوجها عاجزاً عن التصميم واتخاذ القرارات، فهل يمكننا في مثل هذه الحالة من أن نقول بتخلف عقل هذه المرأة عن زوجها؛ كلاّ، بل إنَّ عقلها أفضل مائة مرّة من عقل ذلك الرجل؛ فتلك ليست بقاعدة عامة، بل إنَّ كلام أمير المؤمنين مبني على الحالات الغالبة؛ فالحالة الغالبة في عالم الخلق تكون على تلك الكيفية؛ وهنالك الكثير من الأمثلة على ذلك. 

  • إشكالات على مسألة اعتراض السيدة الزهراء على أمير المؤمنين عليهما السلام 

  • فلنبدأ الآن بالحديث عن موضوع السيِّدة الزهراء؛ فبما أنَّ الموضوع هو موضوع عالٍ وراقٍ، فيبدو للوهلة الأولى وكأنَّه موضوع معقّد، وإن لم يكن الأساس الذي يبتني عليه الموضوع معقّداً، بل هو يتطلب الإدراك الوجداني أكثر مما يتطلب من التفكير والتأمّل؛ وأنا لا استطيع أن أضمن فهم الأمر الذي أنا بصدد الحديث عنه بصورة كاملة من قبل أولئك الذين هم في طريق التكامل ولم يحصل لهم الانكشاف الشهودي والوجداني والوصول إلى الفعلية بعد؛ ولكنَّني سأعمل بالحد الذي أتمكّن فيه من تقريب هذا المعنى إلى الأذهان.

  • مقام السيدة الزهراء عليها السلام

  • إنَّ الاستشكال المطروح هنا هو: هل كانت السيِّدة الزهراء سلام الله عليها معصومةً، أم لم تكن كذلك؟ [والجواب عليه هو:] نعم، إنَّ السيِّدة الزهراء كانت معصومة بكل تأكيد، وهي أحد المعصومين الأربعة عشر، بل وأكثر من هذا، فالسعة الوجودية للسيِّدة الزهراء هي أكبر من سعة جميع الأئمة باستثناء أمير المؤمنين عليه السلام، وإنَّ الفيض يصل إلى جميع الأئمة عليهم السلام عن طريق أمّهم.

  • إنَّ جميع عالم الوجود قائم الآن بوجود إمام الزمان، وهو واسطة الفيض بين الله وبين جميع عوالم الوجود، ولا أقصد بعوالم الوجود الأرض والسماء والمجرات، فهي لا تعادل مقدار جناح بعوضة مقارنة بسماء عوالم الغيب الغير متناهية، فجميع عالم الوجود بما فيه من جبرائيل وميكائيل وجميع الملائكة، يستمدون الفيض من إمام الزمان، فلولا وجود إمام الزمان، لكان جميع عالم الوجود عدم محض.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

18
  • أتلاحظون كيف أنَّ المصابيح الموجودة في هذا المكان مُضاءة، كما وأن النور يشع على المكان من الخارج، فلو قمتم بإطفاء المصابيح من جهة، ووضعتم ستارة سوداء على النوافذ من الجهة الأخرى، لعمت الظلمة التّامة كلّ المكان، فهكذا يكون الأمر مع وجود إمام الزمان والفيض الذي يصل منه إلى جميع عوالم الوجود، فلو سُلبت عناية الإمام عن العالم للحظة واحدة، لانعدمت جميع عوالم ما سوى الله، أي لما بقي وجود لجبرائيل أو ميكائيل أو الملائكة أو عالم البرزخ أو عالم الملكوت أبداً، على أنَّ انعدام عالم المادة سيكون سابقاً لانعدام جميع العوالم الأخرى، وسوف يفقد كلّ شيء حيثيته الوجودية تبعاً لذلك؛ فهذه القوة والإرادة والقدرة التي يمتلكها إمام الزمان هي عائدة إلى السيِّدة الزهراء؛ أيّ إنَّ نفس السيِّدة الزهراء هو الذي يعمل الآن، ولكنّه يعمل عن طريق ابنها، وها هو يتحقّق في الخارج بهذه الكيفية؛ فهكذا هي شخصية السيدة الزهراء عليها السلام.

  • إنَّ السيدة الزهراء هي أحد المعصومين الأربعة عشر وأحد الخمسة [أصحاب الكساء]، الذين نزلت فيهم الآية ــ إنَّ الآية تشمل جميع المعصومين الأربعة عشر بالطبع، ولكنَّه ولما كان عددهم في وقت نزول الآية خمسة فقط، فقد نزلت الآية بشأن أولئك الخمسة ــ إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً۱، أي: لقد تعلقت الإرادة والمشيئة القاهرة الإلهية بتطهيركم من كلّ نوع من أنواع النقص والرجس والقبح والتعلّق بالكثرة أيّها الخمسة وأولادكم، أي أولادهم من الأئمة لا جميع أولادهم، ألا وهم الإمام السجّاد والإمام الباقر والإمام الصادق والإمام موسى بن جعفر والإمام الرضا والإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري والإمام بقية الله ، وتعلقت تلك الإرادة بإيصالكم إلى مقام الطهارة المطلقة؛ فهذه الآية قد نزلت في الخمسة والتي كانت السيِّدة الزهراء واحدة منهم.

  • هل تصرّف السيِّدة الزهراء عليها السلام ناقص أو كامل؟

  • فبناءً على هذا، ألا يوجد في تصرّف السيِّدة الزهراء مع أمير المؤمنين شيء من النقص؟ فهل كان تصرفها تصرفاً كاملاً؟ لو كان تصرفها كاملاً، لما كان أمير المؤمنين قد استشكل عليها؛ ولماذا عمل أمير المؤمنين على تهدئتها في ذلك الوقت؟ ولماذا كان يمنعها من القيام ببعض التصرفات؟ فقد كانت السيِّدة الزهراء تنوي الدعاء على القوم، فلو كانت قد فعلت ذلك، لانعدم كلّ شيء؛ فلماذا أمر أمير المؤمنين سلماناً بالذهاب إليها ومنعها من الدعاء عليهم؟ هذا في الوقت الذي لو كانت السيِّدة الزهراء قد دعت فيه عليهم، لاستجاب الله دعاؤها، فهذا مما لا شكّ فيه.

    1. سورة الأحزاب (٣٣)، جزء من الآية ٣٣.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

19
  • اختلاف مقامات العصمة

  • يجب عليّ القول هنا وبصورة مجملة بأنَّ للعصمة درجات متفاوتة، فقد تكون العصمة في الظاهر أحياناً، أي لا يستطيع صاحبها من ارتكاب أيّ ذنبٍ ظاهري، هذا في الوقت الذي قد يرتكب فيه ذنوباً في الباطن، فعلى سبيل المثال فقد لا يبالي أحدهم من ارتكاب ذنب في باطن نفسه، وهو يقوم بتجسيم هذا الذنب في ذهنه، غير أنَّه يخاف من الإتيان به في الخارج ويمتنع عن القيام به، أي إنَّه لا يريد أن يتحقّق ذلك في الخارج؛ فقد يميل أحدهم في ذهنه لتناول بعض الأشياء، وذلك بأن يكون مبتلىً في السابق بتناول بعض المواد ــ على سبيل المثال ــ ثم عمل على ترك تناولها وتاب عنها توبة نصوحاً، فقد يتذكّر هذه الأمور أحياناً، وتتجدّد الرغبة لديه في تناولها، فيتذكّر بأنَّه قد تاب عنها، فيمتنع نتيجة لذلك عن تناولها؛ ففي مثل هذه الحالة، لا يقدم هذا الرجل على ارتكاب الذنب في الظاهر؛ أو قد يكون قد تاب عن القيام بعمل حرام، ثمّ إنَّه وعندما يتذكره يرى بأنَّه لا يستقبحه، غير أنَّ مخافة الله تمنعه عن العودة إلى مزاولته؛ فهذه الدرجة من العصمة تُسمى العصمة في الفعل.

  • فبناءً على هذا فيجب أن يكون جميع الأنبياء معصومين في الفعل، أي لا يمكن أن يصدر منهم فعل مخالف لرضا الله في الخارج، فهم لا يمكن أن يرتكبوا العمل المحرّم أو المعصية، أمّا في عالم النفس وعالم الذهن، ألا يرتكب الأنبياء أيّ خطأٍ؟ بلى، قد يرتكبون مثل هكذا خطأ؛ فلنضرب مثالاً على ذلك بقصة نبي الله داود عليه السلام عندما جاءه رجلان وهو في المحراب، فاشتكى أحدهما أخيه قائلاً: إنَّ لأخي تسعة وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة، وهو يريدها منَّي، فقال له نبي الله داود: قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى‌ نِعاجِهِ۱، ثمّ تنبّه نبي الله داود إلى خطأه في قضائه، فلعلّ المائة نعجة تعود بأجمعها إلى الثاني، فإن كان الأمر كذلك وكانت النعاج المائة تعود إليه ولا يملك أخيه أي شيء، فلم يكن قد ظلم أخيه بسؤاله نعجته والحال هذه؛ فهل يتوجّب عليه عدم المطالبة بنعجته ما دام يمتلك تسعة وتسعون من النعاج؟! فسيكون هذا النوع من القضاء على نحو ما يجري في عالمنا اليوم، حيث يقولون بأنَّ الآخر وما دام لا يملك شيئاً، فيتوجّب أن يُعطى منها، وهو ما يقول به الشيوعيون؛ كلاّ، بل لعل المائة نعجة تعود بالفعل إلى الثاني؛ فمسألة إعطاء أخيه شيء منه أو عمد إعطائه هي مسألة أخرى؛ فانتبه النبي داود لخطأه وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ، فالتفت النبي داود، فلم يجد منهما أحداً؛ فعرف عندها بأنَّ هذا كان اختباراً له من الله، وأنَّ الرجلان كانا ملكين وقد ظهرا أمامه على هيئة رجلين ليخبرانه بأنَّه لا يزال أمامه الكثير ليقوم به.

    1. سورة ص (٣۸)، جزء من الآية ٢٤.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

20
  • أنا أحتمل بأنّ خطوراً ما قد يكون خطر على نفس النبي داود ــ فلقد كان معروفاً عن النبي داود بأنَّه ومن بين جميع الأنبياء كان يقضي بين الناس وفقاً للباطن، فعندما كان يأتيه اثنان للاحتكام إليه، لم يكن يطلب شهوداً أو بيّنات أو قرائن منهما، بل كان يعطي الحقّ لأحدهما ويحكم على الآخر ــ فلعلّه كان قد قال في نفسه يوماً: ــ وهذا ما أحتمله أنا شخصيّاً ــ لقد وصلت إلى درجة من طهارة السّر تجعل الحقائق مكشوفة أمامي، فلم تبقَ أيّة نقطة جهل في سرّي وفي ضميري؛ فأراد الله أن ينبّهه إلى خطأه ويقول له: لا تعتقد بأنَّ الأمر يقف عند حدّ تخويلك بالقضاء، بل لا يزال أمامك الكثير لكي تستطيع القضاء بتلك القضايا المعقدة المختفية في أعماق القلب، فذلك هو المهم بالنسبة لي؛ فها أنت تحكم الآن بشأن قضية قتل والد أحدهم مثلاً، فتحكم على القاتل بالقصاص دون أن تستمع لما يدّعيه من براءته وإشهاده لله والنبي على صدق كلامه، فإن أصرّ القاتل على براءته، فها أنت تأمر بحفر مكان معين لتقوم باستخراج خنجرٍ، فيشهد الخنجر على القاتل بأنَّه هو الذي قتل والد الفتى، فهكذا كان النبي داود يقضي بين الناس؛ فعندما يتكرّر هذا النوع من القضاء، يعلم الجميع عندها بأنَّ قضاءه لا يحتاج إلى بيّنة أو قرينة أو حجّة.

  • فخطر على قلب النبي داود بأنَّ كلّ ما يفعله هو مطابق لواقع الأمر، فأراد الله تنبيهه إلى خطأه، فأرسل إليه ملكين على هيئة رجلين يحتكمان لديه، فأخطأ في القضاء بينهما، وقال بأنَّ النعجة تعود للمدّعي، فمجرد أن قال ذلك اختفى الرجلان، فراجع نفسه وقال: يا للعجب! فانا لم أتحقّق في الأمر، فلعلّ المدّعى عليه يملك مائة نعجة وليس تسعة وتسعين، فها قد قضيت بينهم بدون تروّي فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ فخرّ ساجداً لله واستغفر عن ذنبه؛ فاستغفاره هنا كان عن ذلك الخطور الذي كان يختلج في صدره أحياناً.

  • فهذه إحدى درجات العصمة؛ فذلك الخطأ الذي صدر عن النبي داود كان قد حصل في عالم المثال، أمّا فيما لو حصلت مثل تلك القضية في العالم الخارج، ولما كان داود نبيّاً، فلا يمكن له أن يخطأ هناك؛ فيُقال لهذا النوع من العصمة بالعصمة في الفعل، ولجميع الأنبياء عصمة في أفعالهم، أي إنَّهم معصومون في مقام الفعل الخارجي، غير أنَّهم قد لا يكونون معصومين في مقام السّر والباطن، وربما لا يكونون قد وصلوا إلى مقام الطهارة المطلقة، وربما لا يكونون قد وصلوا إلى درجة الصفاء المحض حيث لا مجال لورود الأحاسيس والتخيالات والأوهام إلى أنفسهم.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

21
  • مفاد آية التطهير

  • إنَّ الآية الشريفة بصدد إثبات هذا النوع من الطهارة للسيِّدة الزهراء؛ فالله يقول في الآية: أنا ربّكم أريد أن أوصلكم إلى مقام الطهارة المطلقة حيث لا وجود لأيّة نقطة ضعف أو نقصٍ أبداً؛ وتكون العصمة مهيمنة في جميع مراتبها الطولية عليكم، كعصمة الضمير والسّر؛ فالآية القرآنية تشير إلى شمول السيدة الزهراء بتلك الإرادة الإلهية؛ ولكن هل يوجد في الآية ما يؤكِّد وصول السيدة الزهراء في ذلك الوقت إلى هذا المقام، الذي هو مقام العصمة التامة بالفعل؟ أم أنَّ الوصول إلى العصمة التامة يتطلب المزيد من الفعاليات والمحاولات؟ فهل تتصوّرون بأنَّ النبي قد نهض من فراشه صباحاً ليجد نفسه قد أصبح نبيّاً؟ وهل حصل نفس الأمر مع أمير المؤمنين؟ أو السيدة الزهراء عليها السلام؟ بل قد عانوا الأمرّين حتّى وصلوا إلى هذا المقام، وهكذا كان الأمر مع الإمامين الحسن والحسين.

  • فعندما شرع النبي بالدعوة، قام المشركون بأمر أطفالهم بضربه بالحجارة بحيث كانت جبهته وأقدامه تُدمى، وكانوا يتبعونه إلى جبال مكّة ــ فمكة محاطة بالجبال ــ حيث كانت خديجة تلك المرأة العظيمة تقف لتصدّ عنه الحجر، كما كان أمير المؤمنين وفي الوقت الذي كان فيه صبيّاً بعمر الاثني عشر عاماً كان يقوم بضرب الأطفال وإبعادهم عن النبي.

  • لقد جلس النبي هنالك ليستريح بعد أن كان قد أُجهد، فنزل عليه جبرائيل وقال له: إنَّ الله يُقرؤك السلام ويقول لك: لقد سخّرت جميع القوى في العالم من الصواعق والرعد والبرق والزلازل والرياح لتكون طوع أمرك، فما أن تُشير بيدك إلاّ وتقوم الريح باكتساحهم الآن، وما أن تأمر الزلازل إلاّ وتجعل الأرض تنشق بمكة وتبتلعها، ولقد كان جبرائيل جاداً في ذلك؛ فقال النبي هنا: وما الذي سأجنيه من دعائي عليهم؟

  • إنَّنا وعندما نقرأ الآية: إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً، فنحن نقول: هنيئاً لهم، ويا ليتنا كنّا مكانهم، في الوقت الذي لسنا مستعدين فيه لسماع كلام فيه إهانة من أحدهم؛ فقال جبرائيل: لقد سخّر الله جميع هذه القوى لتكون طوع أمرك، فقال النبي: إن كان لا بدّ لي من أن أنطق بشيء، فلماذا أنطق بالدعاء عليهم؟ ــ كم هو من مقام عظيم ــ ولماذا لا أدعو لهم؟ أفلا يكون ذلك أفضل؟ علينا أن نتعلّم من ذلك، فندعو حتّى لعدوّنا! لماذا؟ فعسى الله أن يهديه هو أيضاً! فهو قد اعتدى عليّ بسبب جهله وغفلته.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

22
  • عندما تشرفت لأداء مراسم العمرة في سفري الأخير، كنت أدعو في بعض الأحيان للأصدقاء؛ فعندما كنت مشغولاً بالدعاء للأصدقاء والأحبة والإخوة الذين تربطني بهم علاقة، كانت أسماء أولئك الناس تخطر على بالي أيضاً، فكنت أدعو لهم أيضاً، فكنت أدعو لكلّ من يخطر اسمه على بالي، فلم أكن لأمتنع عن الدعاء لأيّ أحد منهم أبداً؛ لماذا؟ لأنَّه وما دام الله قد وفّقك للحضور في هذا المكان، فأنت لم تأتِ إليه بنفسك، بل لقد منَّ الله عليك وجاء بك إلى هذا المكان، فلست ممتناً على الله في ذلك، بل الله هو الذي منَّ عليك؛ فما دام الأمر كذلك، فادعو لكلّ من تتذكّر اسمه؛ هذا في الوقت الذي نرى فيه النبي يدعو لهم مع كلّ ما عملوه معه وإلى الحدّ الذي قال فيه النبي: ما أُوذي نبي مثل ما أُوذيت۱، ومع كلّ هذا نراه يدعو لهم هنا ولقد حصل نفس هذا الشيء في معركة أُحد أيضاً.

  • كان المرحوم العلاّمة يقول: لو أنَّ النبي كان قد دعا على قومه، لاستُجيبت دعوته، ولأصابت قومه الزلازل والصواعق والرياح، ولفُني الكفار عن آخرهم، غير أنَّه سوف لن يحصل على مقام: إِنَّما يُريدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهيراً، فعندما يريد الله أن يوصلهم إلى مقام الطهارة، فلا يحصل ذلك بنفخة واحدة، بل يتم ذلك بتحريك القوم عليه لكي يضربوه بالحجر، ثمّ يأتي جبرائيل ليعرض عليه الدعاء عليهم، فيمتنع النبي عن ذلك ويقول: هم من عبادك يا ربِّ، وهم أمتي، فحتّى وإن كانوا من الكفرة، فلماذا يكون عليّ أن أدعو عليهم؟ فيقول له الله هنا: ما دمت لم تدعو عليهم، فها قد وهبتك مقام الطهارة.

  • حصول سيد الشهداء على مقام الشفاعة الكبرى

  • إنَّ سيِّد الشهداء كان إماماً وكإمام الزمان وبقية الأئمة؛ فجاءه الخطاب بأنَّ الله قد قدّر عليك أن تحصل لك واقعة عاشوراء، فبإمكانك أن تقول: لا أريد أن أرى ما سيحصل فيها من تلك الفجائع التي لا يستطيع أحدنا بيانها، فإن كان مجرد بيانها يعتبر أمراً شاقاً على المرء، فكيف برؤيتها أمام العين؟ فقال له الله: إن كنت لا تريد أن تذهب إلى كربلاء، فسوف لن يؤثّر ذلك على إمامتك وعلى مقامك، غير أنَّك سوف لن تنال مقام الشفاعة الكبرى؛ ما الذي يعنيه مقام الشفاعة الكبرى؟ إنَّه يعني قدرتك على الشفاعة لمن شئت في يوم القيامة من أول الخلق إلى آخره، ومهما يكن ميزان عصيان المرء؛ على أنَّ تلك الشفاعة لا تشمل حالات المعصية فقط، بل وتشمل هداية الآخرين أيضاً، وحتّى رفع مقام الصالحين إلى درجات أعلى؛ فمن يتمكّن من ذلك؟

    1. الوافي للفيض الكاشاني، ج ٢، ص ٢٣٥.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

23
  • فلأجل نيل هذا المقام، فلا بدّ من حصول واقعة كربلاء؛ هل تعتقد بأنَّ واقعة كربلاء كانت واقعة هينة؟ فهل تستطيع تحمّل أمراً واحداً مما حصل فيها؟ بل ولا يستطيع الإنسان حتّى مجرّد التفكير فيما وقع فيها من أحداث؛ إنَّ من وصل إلى مقام الشفاعة والطهارة، فهو لم يصلها بيسر، ولم يصلها باستقباله من قبل الحور العين، بل لا بدّ وان يتعرّض لأمثال هذه المصاعب؛ فسوف يقومون بتقطيع جسدك قطعة قطعة، ثمّ سيقومون بسحقه تحت حوافر الخيول، ثمّ ستأتي أحداث ما بعد عاشوراء والتي هي أقسى مائة مرّة مما وقع في يوم عاشوراء نفسه؛ [يقول الله لسيِّد الشهداء هنا:] ها قد عرضت عليك جميع ما سيحصل لك، وها أنت تراه بنفسك؛ فقال سيِّد الشهداء: رضيت بكلّ ذلك.

  • فأين هذه العصمة من تلك العصمة المتمثّلة في مقام الفعل فقط؟ فما منَّ الله به على النبي داود هو عصمته من ارتكاب الذنب في الخارج؛ فأين هذه العصمة ــ وإن كانت قد منحت لنبي ــ من العصمة التي منحت لسيِّد الشهداء؟ بل لا توجد أية نسبة بينهما؛ فهذه العصمة يمكن تشبيهها بحجرٍ صغير مُلقى في صحراء إن قورنت بتلك العصمة، أو بقطرة تُلقى في المحيط الهادئ، فأين هذه من تلك؟

  • وصول السيدة الزهراء عليها السلام لمقام الطهارة والشفاعة

  • فما يتعلّق من الأمر بعصمة السيِّدة الزهراء، فالسيِّدة الزهراء كانت معصومة، غير أنَّها ومن أجل أن تصل إلى تلك الدرجة من العصمة، فإنَّ هذا الأمر يتطلّب المزيد من العمل، فما حصل لها هو ما كان يلزمها من أجل الوصول إلى تلك الدرجة؛ لقد كان أمير المؤمنين قد وصل إلى ذلك المقام، وهو يريد الآن إيصال السيِّدة الزهراء إلى نفس المقام؛ إنَّه ليس بالأمر الهيّن، فهو ليس من قبيل تناول الشراب المنعش، بل لا بدّ وأن يحصل غصبٌ للخلافة وغصبٌ لفدك ولا بدَّ من أن يتم القضاء على كافة القيِم التي أسس لها النبي طوال ثلاثة وعشرين سنةً؛ فلقد قضوا على كلّ ذلك بحسب الظاهر، أمّا في الباطن فلقد كان الإمام يفعل ما يريد فعله؛ فقاموا بغصب الخلافة، أتعلمون ما الذي يعنيه غصب الخلافة؟ إنَّه يعني إبطال جميع ما قام به النبي وإلقائه جانباً؛ فلقد عاش النبي أياماً ثم رحل وها قد استلموا زمام الأمور من بعده وسيفعلون ما يحلو لنا؛ فعملوا على تبديل الصلاة والأحكام وقاموا بحذف حيّ على خير العمل من الآذان وإبدالها بالصلاة خير من النوم، وحلّلوا حرام الله، وحرّموا حلاله، وفعلوا كلّ ما يحلو لهم؛ إنَّه ليس بالأمر الهيّن!

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

24
  • لقد حصل أمراً ما [لمدرسة] المرحوم العلاّمة، فماذا كان المرحوم العلاّمة؟ لقد كان أحد الصالحين الذي بذل الجهد الكبير وأدّى التكليف المترتب عليه بأحسن ما يمكن لعبدٍ صالحٍ ومخلصٍ ومطيعٍ لله وحريصٍ على القيام بواجبه أن يؤدِّيه، فلم أستطع تحمّل رؤية ما حصل من انحراف في مدرسته بعد وفاته، فكان يحصل لي نزف للدّم في المعدة، ولم أكن أتمكّن من النوم طوال الليل من جرّاء ما كان يحصل، وحصلت لي أمور لن أتحدث عنها تلافياً لحصول الملل، ولقد مرت سنين ولا يعلم ما الذي كان يجري في نفسي غير الله، وقد كان الآخرون يتعاملون مع الأمر بشكل طبيعي؛ فمن كان يعلم ما الذي كان يحصل وأيّة جنايات كانت قد ارتكبت؟ نعم لقد ارتكبت جنايات بالشكل الذي جعل أحد العظماء يزورني الليلة قبل البارحة ويقول لي: أتعلم بأنَّ سمعة مدرسة والدك قد تشوهت؟ فقلت له: نعم، أعلم ذلك، فقال: من هو المسئول عن ذلك؟ قلت له: إنَّ أمره لا يعنيني كائن من يكون؛ هذا في الوقت الذي كان فيه آخرون يمضون حياتهم بشكل عادي ولا يبالون بما يحصل، فهم يعيشون عالمهم الخاص بهم، أمّا أنا فقد كان يحصل لي نزيف للدم في المعدة من جرّاء ما كان يحصل.

  • فانظروا الآن إلى موقف السيِّدة الزهراء، فهي تشاهد بأنَّ جميع الجهود التي بذلها والدها لمدة ثلاثة وعشرين سنةً قد ذهبت هباءً، فها قد جلس على منبر رسول الله ذلك الأحمق الجاهل الذي لايفهم بقدر ماعز، كما وأصبح ذلك الجاهل الجلاّد الفاسق الفاجر معاوناً له؛ ثمّ يتوجّب على جميع الناس أن تقوم بتقليده، وإلاّ تم رميهم خارجاً، كما وكانوا يرسلون الجيوش لمقاتلة من خالفهم، فيقتلونهم ويزنون بنسائهم؛ نعم، هكذا كان حال أولئك المسلمين المؤمنين الذين خلفوا رسول الله؛ على أنَّ التأريخ يعيد نفسه دائماً؛ أمّا ذلك النهج القويم فسوف لن يتأثّر بما يحصل وهو يبقى مستمراً على ما هو عليه.

  • فما الذي تعمله السيدة الزهراء سلام الله عليها والحال هذه، فمن جانب فهي لم تحز تلك السعة التي أراد الله إيصالها إليها، ومن الجانب الآخر، فقد سخّر لها الله جميع القوى ووضعها تحت تصرّفها، كالصواعق والرياح والزلازل؛ فلو أنَّ السيِّدة الزهراء كانت قد دعت عليهم في تلك اللحظة، لابتلعت الأرض مسجد المدينة بمن فيه، ولجلس أمير المؤمنين مكان الرسول؛ ولكن هل كان يجب أن تجري الأمور بهذا الشكل؟ نعم، لقد سخّر الله جميع القوى من صواعق ورياح وزلازل وأرض ونار للسيِّدة الزهراء، فما أن تنبس ببنت شفة وتدعو عليهم، إلاّ ويتزلزل العالم في لحظة واحدة، غير أنَّ مقام الطهارة والشفاعة يتطلّب منها الصبر على ما وقع؛ فجاء أمير المؤمنين هنا لنجدتها، فساعدها وأرشدها إلى الطريق الأصوب، فقال لها: صحيح بأنَّ الله سيستجيب لك لو دعوت على القوم، ولكن أليس هدفك هو الوصول إلى ذلك المقام؟ فما دمت تريدين ذلك، فعليك التزام الصمت؛ فالسيدة الزهراء شأنها في هذا الأمر شأن النبي وأمير المؤمنين وسيِّد الشهداء تريد الوصول إلى ذلك المقام؛ أفلم يمرّ أمير المؤمنين بنفس تلك الظروف، على أنَّ أمير المؤمنين لم يكن بحاجة إلى أن يدعو على القوم، بل كان يكفيه أن يشهر سيفه في وجوههم، فمن كان سيستطيع التقدّم نحوه، هل كان عمر ليجرؤ على التقدم نحوه خطوة واحدة، فلم يكن أمير المؤمنين بحاجة إلى أن يدعو عليهم! فنرى أمير المؤمنين لم يخرج سيفه من غمده ونراه يصبر على ما حصل، وهو يقول للقوم [في نفسه]: إن كان هذا ما تريدون، فمبارك لكم ما اخترتم، فما دمتم لا تريدونني أن أكون خليفة عليكم، فلا إصرار لي على هذا الأمر، وها أنا استودعكم الله وأنصرف، فهذا ما كنت أطلبه من الله طوال عمري، فهل أنا مثل بقية الناس من أولئك الذين يفعلون كلّ شيء، ولا يأبون الخوض في أيّة فتنة من أجل الوصول إلى الرئاسة وما شابه ذلك؟ كلاّ، فأنا كنت أتمنّى أن أعتزلكم في بيتي، وها أنتم تفقدون هذه النعمة؛ ثمّ إنَّكم كنتم سترون أنفسكم ممتنين عليَّ إن قبلتم بخلافتي.

معنى: النساء ناقصات العقول - والجواب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالحفلات والأعراس

25
  • خلاصة الجواب

  • فلا تنافي بين عصمة السيدة الزهراء وبين ما حصل؛ فما كانت السيدة الزهراء تريده كان بدافع حفظ الدين والشعور بالحمية والإخلاص والحرص على رسالة النبي، غير أنَّ هنالك ما هو أسمى من ذلك، وذلك ما كان يعرفه أمير المؤمنين، والذي وصلت إليه السيِّدة الزهراء في نهاية المطاف نتيجة لصبرها، فتساوت في ذلك مع أمير المؤمنين؛ فإن كانت السيِّدة الزهراء تريد الوصول إلى ذلك المقام، كان عليها ألّا تدعو على القوم وألّا تعترض على أمير المؤمنين وكان عليها التسليم للتقدير والمشيئة الإلهية.

  • سيتم الإجابة على بقية الأسئلة التي سألتها الأخت المحترمة والتي تستفسر فيها عن كيفية تقوية العقل العملي في المجلس القادم إن شاء الله، فهذا الموضوع يدخل ضمن تلك المواضيع التي تتطلّب الحديث المتواصل عنها.

  • أسأل الله التوفيق والسداد للجميع.

  •  

  • اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد