المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التوضيح
هل يجوز المنّ على الله ورسوله بالإسلام والإيمان؟ ما هو معنى الميتة الجاهليّة؟ ما هي التضحيات التي قدّمها الأنبياء والأولياء في سبيل هداية الناس؟ ماذا ينبغي للسالك أن يفعله من أجل أن تنكشف الحقائق لديه؟ ماذا علينا أن نفعل لكي يستجيب الله تعالى دعاءنا؟ ما هي وظيفة الإنسان تجاه مسألة تربية الأطفال؟ ما هي فلسفة الحجاب وأبعاده الروحيّة والاجتماعيّة للمرأة؟ كيف يُمكننا التخلّص من خواطر السوء؟
هي تساؤلات سعى سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه الزكيّة للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي طرحها على مجموعة من النساء بمدينة قزوين
هو العليم
قضايا عقائديّة وتربويّة
مباني الإسلام، المحاضرات الفرديّة، جلسات النساء، رقم ٩٣٩
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدس الله سرّه
أعُوذُ بِاللَهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ
بِسمِ اللَهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
خطأ المنّ على الله ورسوله بالإسلام والإيمان
في ضمن الأحاديث التي أجريناها اليوم مع الرفقاء، والتي طالت بعض الشيء، عُرضت مسائل تتضمّن إلى حدّ ما إجابات لهذه الأسئلة والقضايا، ومع ذلك، فإنّنا سنتطرّق الآن مرّة أخرى للموضوعات التي ذكرها الأصدقاء هنا.
خطر ببالي أمر أُشيرَ إليه في مناسبات مختلفة، وذكرتُه مرارًا للرفقاء، ويبدو أنّ التذكير به الآن ونحن على أعتاب شهر رمضان المبارك، لن يكون بلا فائدة للأصدقاء وجميع الذين يبحثون عن هذه الموضوعات، وذلك الأمر هو قضية لطف الله تعالى وعنايته بعباده، وتهيئة الأرضية المناسبة لترقّيهم وتطوّرهم وحركتهم في هذه الأوقات المباركة!
فأحد الأمور التي كانت تخطر ببالي أحيانًا في زمن المرحوم العلاّمة وأساتذته، هو أنّني كنت أشعر بأنّ الأصدقاء الذين يتوفّقون للقائهم والرفقاء الذين ينتمون إليهم، قد صار لهم في الواقع حقٌّ على هذه المدرسة، بحيث يتعيّن عليها أن تستجيب لاحتياجاتهم؛ في حين أنّ هذه المسألة خاطئة جدًّا وغير مبرّرة!!
وبالمناسبة، فقد أُشير إلى هذا الأمر في آية قرآنية، وكأنّ هذه المشكلة كان يُعاني منها الجميع، وكانت موجودة على الدوام: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ۱؛ وهذا عجيب جدًا!
وإنّه ـ بحقّ ـ لأمر عجيب جدًّا، أن نتصوّر أنّ النبيّ ورسول الله صلّى الله عليه وآله الذي وضع الله تعالى تاج الكرامة على رأسه، وشرّفه بعرش الملك، وأعطاه مقامًا ومنزلة، وبُعث بعد ذلك إلى الناس، فبدأ هؤلاء يأتون، فيُرحّب بهم: «السلام عليكم، تفضّلوا»، لكن، ما إن يُسلموا، حتّى يلجؤوا إلى المنّ عليه قائلين: «لقد جئنا وأسلمنا، فلدينا هنا حقّ، فما هو حقّنا؟ فنحن جئنا وأسلمنا». ويقول آخر أيضًا: «لقد جئت وأسلمت».
يقول الله تعالى للنبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّهم يمنّون عليك بإسلامهم، ويمنّون عليك بأنّهم أسلموا. ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾٢؛ أي أنّ الله تعالى هو الذي يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان. فلو لم يأتِ النبيّ صلّى الله عليه وآله، ماذا كنتم ستفعلون؟ وفي أيّ وضع كنتم ستظلّون؟ فقد كنتم أناسًا تصنعون الأصنام من الخشب والحجر، وتنحنون لها وسط القبائل، و كنتم تصنعون إلهًا من التمر، وحينما يحلّ بكم القحط، تهجمون على إلهكم وتقطّعونه إربًا وتأكلونه! فكيف كانت أحوالكم الجاهليّة؟ وأيّة أفكار كانت لديكم؟!
معنى الميتة الجاهليّة
ولا أعلم هل بلغتكنّ المحاضرة التي ألقيتها قبل بضعة أيّام في يوم النصف من شعبان، أم لا؟ ففي شرحي للرواية القطعيّة الصدور عن الإمام عليه السلام التي يقول فيها: «من مات و لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» ـ أي أنّ كلّ من ينتهي عمره من دون أن يستفيد منه أيّ شيء و يعرف إمام زمانه، فموته جاهليّ ـ أوضحتُ أنّه لو كان المقصود من معرفة إمام الزمان معرفة والديه، فإنّ اليهود والنصارى أيضًا يعرفونهما، وهم يعلمون كذلك من هو والد إمام الزمان! حسنًا، من المعلوم أنّه الإمام العسكريّ عليه السلام، كما كانت أمّه السيدة نرجس خاتون من الروم ـ إيطاليا الحالية ـ ولها قصّة خاصة، حيث فقدت والدها في سنّ الخامسة؛ وهذه أمور ذُكرت في الكتب، وهم أيضًا يعرفونها، بل ربّما يعرفون عنها أكثر منّا!!
حسنًا، هل هذا هو كلّ شيء؟ لكن، ما هي الميتة الجاهلية؟ الميتة الجاهلية والموت الجاهليّ هو الموت في الاعتبارات والتخيّلات والأوهام.. هذا هو الذي يُسمّى ميتة الجاهلية. فإفناء العمر في الاعتبارات والسير فيها، والغرق في التخيّلات وعدم الوصول إلى الواقع، وعدم بلوغ حقيقة الولاية وكنهها، هذا هو معنى الميتة الجاهلية.
وأنا الآن أسأل الذين عاشوا تسعين سنة مع هذه الكتب ومع مختلف الناس، وظلّوا يتعاملون مع هؤلاء طيلة هذه التسعين سنة: «ما هي معرفتكم بإمام الزمان؟ وكم لديكم من معرفةٍ به عليه السلام؟»؛ فأيّ جواب لديهم ليقدّموه؟! أيّ جواب لديهم ليقدّموه؟!
كنتُ حاضرًا في مجلس يتواجد به عدّة من الأفراد المرموقين والمتعلّمين الذين وصلوا إلى سنّ السبعين، وفيهم العالم والمفكّر، فجرت الإشارة إلى حكاية مفادها أنّ مشكلة حدثت قبل فترة في زمن السيّد البروجرديّ رحمه الله؛ هذا، مع أنّ السيد البروجرديّ نفسه لم تكن له دخالة في هذا الأمر، بل إنّ أفراد آخرين كانوا من المقرّبين إليه والمحيطين به ومن أولئك الأفراد المعروفين أرسلوا أحدهم لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، وليتوسّل هناك، ويقول: «إنّ أختك السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام...»، وما أذكره لكنّ ليس من باب المزاح؛ أي أنّها أمور تبيّن مدى معرفة الناس؛ لأنّ المعرفة لا تتحقّق بواسطة بالعمامة؛ ولهذا، يُمكنكنّ وضع هذه العمامة على رؤوسكنّ، وبوسع أزواجكنّ وضعها على رؤوسهم. فليذهب إلى هناك ويتوسّل [للإمام الرضا]، ويقول: «إنّ السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام هنا لا تملك القدرة الكافية لاستجابة دعائنا، فتعالوا أنتم وتفضّلوا علينا، وساعدوا أختكم لكي تُرفع هذه الفتنة التي وقعت، وهذه البليّة التي حلّت، فيرفعها الله تعالى». فهذا هو مستوى معرفة علمائنا بالإمام! وهذا هو مقدار فهمهم!!
لقد ذكرت قبل ثلاثة أو أربعة أيّام في جلسة النصف من شعبان حكايةً مفادها أنّ أحد الأعاظم عندما كان يذهب للزيارة في النجف، كان يذهب أوّلاً إلى وادي السلام ليزور قبرًا هناك، ثم يذهب بعد ذلك لزيارة أمير المؤمنين عليه السلام، حيث كان من علماء أصفهان المعروفين. وعندما سُئل عن سبب فعله لهذا الأمر، أجاب بقوله: «إنّ الحقّ الذي في عنقي تجاه هذا الرجل أعظم من الحقّ الذي في عنقي تجاه عليّ عليه السلام؛ إذ افتُتنت في فترة شبابي بفتاة وعشقتها، ولم يكن لديّ مال وكنت فقيرًا، فجاء هذا الرجل، وهيّأ الأسباب وأعدّها، ثمّ ذهب لخطبتها لأجلي، حيث وهبني من ثروته بيتًا وأرضًا وكذا وكذا، وأصلح أحوالي؛ ولهذا، حينما آتي إلى النجف، ألا يجب عليّ أن أزوره أوّلاً؟!». انظروا، هذا هو مقدار فهم هذا السيّد، مع أنّ يبلغ الثمانين من العمر، وهو عالم، ومن أهل المسجد، وله مريدون وأتباع وأمثال ذلك! فنجده يتحدّث للناس عن أصول الدين، ولكنّ فهمه لا يصل إلى مستوى فهم عصفور، لكي يأتي إلى النجف ويزور ذلك الرجل أوّلاً!
والعجيب هنا أنّني كنت أحضر مجلسًا في إحدى المدن، وكان صاحب المنزل يتحدّث للناس ليلة الثامن والعشرين من صفر، حيث كنتُ أنا والمرحوم العلاّمة وكثير من علماء تلك المدينة حاضرين في ذلك المجلس، وذلك قبل وفاة المرحوم العلاّمة بسنوات قليلة، فكان بنفسه يؤيّد تلك القصّة بشكل مثير للاهتمام؛ وعندما ذكر هذا الكلام، ارتفعت أصوات الجالسين، وقال أحدهم: «كلاّ يا سيّدي، ما هذا الكلام الذي تقوله؟ ما هذه الأقوال؟ فإذا قام ذلك الرجل بشيء ما، فإنّ ذلك لا يعني أنّه يجب عليك القيام بذلك الأمر». يعني أنّ ذلك الخطيب الذي بلغ سبعين عامًا من العمر وصارت له لحية بيضاء يصل طولها إلى هنا، كان يتحدّث مؤيّدًا [لذلك الكلام]، ويقول: «أليس لي الحقّ الآن حين تشرّفي بزيارة النجف أن أذهب إلى هناك أوّلاً، وأزور وادي السلام؟». ومن كانوا هؤلاء أيّها السيّد؟ كانوا أفراد علماء، ودرسوا لسنوات، لكن، كم كان مقدار معرفتهم بأمير المؤمنين عليه السلام؟ فقط بمقدار أنّه جاء، وضرب بالسيف، وجاهد، وقضى على مجموعة من الأفراد، ثمّ ضربوه في المحراب وأسقطوه.. ليس أكثر من هذا.
ما هو مقدار معرفتنا بإمام الزمان عليه السلام؟ أنّه رجلٌ هو الإمام الثاني عشر، وقد أبقاه الله تعالى في غيبته، فلا يُظهر نفسه لنا، ومتى ما شاء الله أظهره، فيأتي ويدير الأمور، ويقيم العدل. ألم يقولوا: إذا ظهر إمام الزمان عليه السلام سيقوم بنفس الأعمال التي نقوم بها؟! ألم يذكروا هذه الأقوال؟! ألم نسمعها بأنفسنا؟! فما معنى ذلك؟ يعني أنّ إمام الزمان عليه السلام لا يختلف عنّا في أيّ شيء، وأنّه لا يختلف عنّا بتاتًا! وأنّه عليه السلام يُؤدّي نفس الأعمال التي نُؤدّيها نحن!
شاركتُ بنفسي في صلاة جمعة بإحدى المدن، فقال إمام الجمعة الذي هو الآن في عداد المتوفّين: «لو ظهر إمام الزمان عليه السلام، لفعل نفس الأعمال التي نقوم بها»؛ وعلى هذا، لم نعُد بحاجة إلى الظهور، فلماذا يأتي إمام الزمان عليه السلام؟ لماذا يأتي إمام الزمان عليه السلام؟!
فهذه المعرفة هي التي تُدعى بالمعرفة من خلال البطاقة الشخصيّة؛ أي أنّ هناك إمام زمان، وأمّه فلانة، وأبوه فلان، وأعمامه كذا، ووُلد في عام كذا، وقد بدأت غيبته الصغرى بعد خمس سنوات، واستمرّت هذه الغيبة خمسة وسبعين عامًا، ثمّ بدأت غيبته الكبرى، وسيظهر إن شاء الله تعالى!
فهذه أمور يجب أن نصل إليها، لكن، ما هو مقدار توصّلنا إلى هذه الموضوعات؟ ومدى قدرتنا على ذلك؟ وكم تهيّئت لنا الأرضيّة من أجل بلوغها؟
نزر من التضحيات التي قدّمها الأنبياء والأولياء في سبيل هداية الناس
ففي زمن الجاهليّة، لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله يتأوّه ليُصبح نبيًّا، ولم يكن يتحسّر ويتمنّى النبوّة! بل كان صلّى الله عليه وآله في عالمٍ وفي أجواء لم يكن ليُبادل ثانية واحدة منها بقَرنٍ من النبوّة والاقتتال مع المشركين والكفّار والمنافقين! وقد أجبره الله تعالى على الخروج من غار حراء، لكي يتوجّه إلى مكّة ويتعامل مع كفّارها ومشركيها، وإلاّ، أ فهل كان النبيّ صلّى الله عليه وآله يرضى بالمجيئ؟! لقد كان في عالم لو أُرِينا ثانية واحدة فقط منه، ثانية واحدة وحسب، وأُطلعنا على جانب منه (وليس كلّه)، لما نظرنا إلى أحد حتّى آخر العمر.. ثانية واحدة فقط! وإذا كنت أذكر هذا الكلام، فلأنّ البعض أُطلع على ذلك؛ ولهذا، لو أُرينا ثانية واحدة وطرفة عين واحدة ولمحة واحد من ذلك العالم، لما نظرنا إلى الدنيا وملذّاتها وهذه الجاذبيّات الدنيويّة وأمثال ذلك حتّى آخر العمر.. ثانية واحدة منه وحسب!! وحينئذ، تعالوا، وانظروا كيف كان هذا النبيّ يسير في هذه العوالم ليله ونهاره، وبمن كان يلتقي هناك، بحيث لم يكن ـ على حدّ قول المرحوم العلاّمة ـ يقبل في تلك العوالم بالتنزّل للحديث مع الملائكة، ولم يكن لينزل من أجل الكلام معها! وحينئذٍ، نرى أنّ الله تعالى يقول للنبيّ صلّى الله عليه وآله في هكذا ظروف: قم واذهب واشتبك مع أبي سفيان وأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد وخالد وهؤلاء! فهل فقد النبيّ صلّى الله عليه وآله عقله [ليقبل بذلك]؟! وهذا نظير أن تقول لإنسان ما: «تخلّ عن البستان الذي يقع في المكان الفلاني والمنطقة الفلانية من الشمال وما إلى ذلك، مع ما يتوفّر عليه من أوضاع وينابيع وما شابه، ثمّ اذهب إلى صحراء الملح وصحراء لوط، وانصب خيمة وعش هناك! أ فهل هو مجنون؟!! فهذه الظروف هي التي يقول عنها حافظ:
من كه ملول گشتمی از نفس فرشتگان | *** | قال و مقال عالمی میكشم از برای تو |
[أنا الذي مللتُ من أنفاس الملائكة *** صرتُ أحتمل جدال العالم من أجلك]
فحينما قام النبيّ صلّى الله عليه وآله من هناك، وجاء، وترك تلك الأجواء وتلك الخلوات التي كانت له مع الله...، وعندما أحدّثكم بهذه الأمور الآن، يمرّ أمام عينيّ شريط الأحداث التي مرّت بي مع الأعاظم وأولياء الله؛ فهؤلاء الذين جاءوا، وجلسوا معنا في تلك الفترة من حياتهم كانوا بدورهم يعيشون في هذه المقامات! ثمّ نأتي، ونقول على حدّ زعمنا: «أنعم به وأكرم، فقد كان للمرحوم العلاّمة تلامذة!»؛ في حين أنّ هؤلاء التلاميذ كانوا مصدر إزعاج له. فأنا ابنه، ولا يُمكنني أن أُلقي الكلام على عواهنه.. أ تظنّون أنّه كان سعيدًا بكونهم يلهجون بذكر اسمه: «آية الله الطهراني، آية الله الطهراني»، وبكون التلامذة يأتون إلى بيته، فيُفتح لهم الباب، ويُعقد هناك مجلس عزاء، و تُلقى خطبة في الصباح، فيأتي الناس ويذهبون؟!
فعندما كان في المستشفى على إثر إصابته بتمدّد الأوعية الدمويّة الأبهري في القلب، بدأ ينصحني قائلاً: «يا سيّد محسن، لا تقضِ وقتك مع هذا وذاك، واسع للاعتناء بنفسك، والاهتمام بمشاكلك. سيجتمع الناس حولك، فاحذر أن يُبعدوك عن مسارك». لقد أخبرني المرحوم العلاّمة عن كل هذه المسائل، حيث قال لي: «سيجتمع الناس حولك، فاحذر أن يجرّوك وراء أفكارهم وأذواقهم؛ وآنذاك، سيسلب هؤلاء من الإنسان دينَه ودنياه».
فقلت له: «وماذا عنك أنت يا سيّدي؟! فإذا كنت تُوجّه إليّ هذا الكلام، فماذا عن الضجّة التي حدثت هنا؟! وماذا عن هذه الترتيبات والتجهيزات التي أُقيمت هنا؟! فتقضون وقتكم هنا، ليأتي فلان ويأخذ موعدًا، ويأتي علاّن؟!»، فقال لي: «يا سيّد محسن، لولا وصيّة أستاذي لي بأن: "يا سيّد محمّد حسين، من الواجب عليك أن تستمرّ في هذا الطريق" (انتبهوا)، لما قضيتُ ساعة واحدة من عمري مع أحد!». وحينئذ، كان رفقاؤنا في ذلك الزمان يأتون، ويقولون: «لقد اجتمع الناس حول المرحوم العلاّمة ولله الحمد، أجل، وقد كان أحدهم من أصفهان ولله الحمد، وصارت الأوضاع عجيبة هنا، والأجواء دافئة، واجتمع الكثيرون حول المرحوم العلاّمة ولله الحمد»، يا عزيزي، ما معنى: لقد اجتمعوا حول المرحوم العلاّمة؟! اتركه وشأنه، واذهب إلى بيتك؟! فما شأنك بهذا السيّد؟!! أقسم عليك بالله وبكل ما تعبد، دع هذا السيّد لشأنه، فقد وصل إلى هذا الحال بسببك وأمثالك.
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾۱. يمنّون عليك بأن أسلموا، ويمنّون عليك بأن اجتمعوا حولك، ويمنّون عليك بأن أصبحوا من السلاّك، ويمنّون عليك بأن جاءوا إلى هذا المنزل! ويمنّون عليك بأن شاركوا في هذا المجلس، ويمنّون عليك بأن جاءوا إلى هنا، وخلاصة القول أنّه صار لهم اسم وعنوان!! ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾٢. فلو أُغلق باب منزل السيّد، فأين كنت ستذهب؟ وأين سيكون مكانك؟ حسنًا، فالأمر واضح بطبيعة الحال: سيكون هو نفس المكان الذي أنت فيه الآن! ولهذا، حينما يرتحل السيّد عن هذا العالم، ستعود إلى زمان جاهليّتك.. ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾. قال لي المرحوم العلاّمة في ذلك الوقت: « يظنّ هؤلاء السادة الذين اجتمعوا حولنا أنّه إذا لم يكونوا ـ مثلاً ـ موجودين، فإنّنا سنُعاني من الهمّ والغمّ؟»، حيث كان يقول لي بنفسه هذا الكلام!
ففي بعض الأحيان، كان يأتي أحدهم إلى المسجد، وكان يأتي [في البداية] متحمّسًا، وفجأةً، نكتشف أنّه لم يعُد موجودًا، بل غادر، ثمّ يتّضح بعد ذلك أنّه ذهب للاستماع إلى إمام جماعة المسجد الفلانيّ، فأفسد عليه الأمر بقوله: «ما هذا المكان الذي تذهب إليه؟! إنّ ذلك السيّد صوفيّ، ومن الدراويش». وباختصار، فإنّه كان يدفعه للعدول عن رأيه بقوله: «من المحتمل وجود إشكال في الصلوات التي تُؤدّيها [هناك]». كما كنت أشاهد بعض الأفراد الذين كانوا يأتون إلى جلسة عصر الجمعة أنّهم كانوا ـ بعد أن يصلّوا وراء المرحوم العلامة ـ يذهبون إلى الخلف ويعيدون صلاتهم! فهل تعلمون إلى أين وصل الأمر؟ كانوا يُعيدون الصلاة التي أدّوها خلف العلاّمة الطهرانيّ! ثم اتّضح بعد ذلك أنّ هذا الشخص قد تردّد على أحد الأفراد، فقال له أيضًا: «يوجد ـ في الأساس ـ إشكال شرعيّ في الصلاة خلفه!». أ فهل أنت مجبر على المجيء هنا؟! أطال الله عمرك، قم واذهب من هنا، فلماذا تأتي [إلى هذا المكان]، لكي تعيد الصلاة لاحقًا؟! ومن أجبرك على ذلك؟ ولا يخفى أنّه قد سُلب بعد ذلك التوفيق عن هؤلاء، وانفصلوا. فقد كانوا يتصوّرون أنّه: بما أنّ الذين جاءوا إلى هنا من ذوي الألقاب والعناوين، فإنّ مجلس العلاّمة أصبح بدوره ذا لقب وعنوان! فكانوا يقولون: «لقد جاء فلان الذي يمتلك الخصائص الفلانيّة، وأصبح من تلامذة العلاّمة!»؛ في حين أنّني كنت هناك، وكنت مطّلعًا على ما يوجد هناك من أمور، وما هي العوالم التي كان يعيش فيها هو، وكم من المشاقّ كان عليه تحمّلها للتواصل مع الناس! كلّ هذا لأنّ تصوّراتنا هي تصوّرات خاطئة، وتصوّرات جاهلية! فنعتقد بوجود مسألة ما، وبأنّ هناك حسابًا وكتابًا، وبدلاً من أن نفكّر في مكانتنا، وفي مستقبلنا، وفي علاج دائنا العضال، نسينا أمراضنا، وقدّمنا أنفسنا كأطبّاء! لقد تبادل المريض والطبيب مكانيهما هنا.
فعندما يكون الإنسان مريضًا، فإنّ الطبيب لا يبعث إليه رسالة من منزله يقول فيها: «أرجوكم أنّ تشرّفوني بالمجيء إلى العيادة»، بل هو الذي يبحث جاهدًا، ليجد عيادة هذا الطبيب ويعرض عليه مرضه، لا أنّ الطبيب يرسل إليه رسالة. ولكنّ الحديث هنا أنّنا نرى إلى أيّ حدّ قد أنزل هؤلاء الأطبّاء [المعنويّون] والأعاظم والأولياء أنفسهم في مقام العبوديّة والتواضع والمحبّة، بحيث صاروا وكأنّهم يبعثون رسائل إلى أبواب منازل الناس، وأنّهم هم الذين يدعونهم قائلين: «تعالوا!». وبدلاً من أن يكون الأمر بالعكس، فيقوم هؤلاء الناس، ويأتون، ويهتمّون بمتطلّباتهم، ويبحثون عن علاج لآلامهم، جلسوا هناك ليروا ماذا يقول هذا السيّد، وعن أيّة مسائل يتحدّث! هل هذا واضح؟
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾۱. فلو لم ينزل رسول الله صلّى الله عليه وآله من غار حراء، لما أسلمتَ، ولبقيتَ في الشرك! ولو لم يُخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله نفسه من تلك الأجواء، ولم يتحمّل ـ امتثالاً لأمر الله ـ كلّ تلك المصائب في سبيل هدايتي وهدايتكم، لما كان معلومًا المكان الذي سنوجد فيه الآن، وفي أيّ عالم من الجاهليّة كنّا سنغرق! حسنًا، اذهبوا وانظروا إلى هذا العالم، وشاهدوا النصارى واليهود والملحدين! فكلّ ذلك إنّما حصل ببركة نزول [النبيّ صلّى الله عليه وآله] من غار حراء، حيث ظهر الإسلام، وصار لدينا مسلمون. ولو أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله كان كبقيّة الأنبياء الذين لم يكونوا مأمورين بالتبليغ، فجلس هو أيضًا في أجوائه الخاصّة، وخلا بالله تعالى، لما كنّا أنا وأنت الآن مسلمين، ولما وصلت هذه القافلة إلى هنا، ولظلّ يعيش في تلك الأجواء [لوحده]، أو مع تلك الثلّة التي كانت حوله؛ نظير أمير المؤمنين عليه السلام وخديجة عليها السلام وزيد وأمثالهم. ونفس هذا الأمر ينطبق على علاقة أولياء الله بالناس.
عندما هاجر والدنا المرحوم إلى مشهد، وحطّ رحاله في رحاب العتبة المقدّسة لعليّ بن موسى الرضا عليهما السلام، قال له أحد علماء طهران يومًا: «ما هو سبب مجيئكم إلى مشهد؟!»، فقال: لقد جئت إلى مشهد من أجل دين هؤلاء الناس الذين قاموا بالثورة، وبذلوا الدماء، وقدّموا أبناءهم وآباءهم وأمّهاتهم ونساءهم وأطفالهم في سبيل الإسلام! حسنًا، ما الذي حصلوا عليه في المقابل؟ وأيّ شيء جنوه؟ وما هي الثمرة التي ظفروا بها من هذه الأمور؟ حسنًا، يجب أن يأتي أحدهم ليوضّح! وينبغي أن يأتي أحدهم ليُسلّط الضوء على المسائل، ويُخبرنا بالذي علينا أن نفعله ولا نفعله! فمن هو يا ترى؟! فإذا لم آتِ أنا، ولم أسكن في مكان مناسب، ولم أقطع علاقتي بعموم الناس ـ وليس بالرفقاء والأصدقاء ـ فلن أجد أجواء مناسبةً لتأليف هذه الكتب؛ ولهذا، جئتُ إلى مشهد حتّى يحصل الناس على التشيّع الذي يرومون الوصول إليه؛ أي التشيّع العلويّ الخالص؛ فآتي أنا وأقول: يا سيّدي، هذا هو التشيّع، وهذا هو الشيعيّ، وهذه هي مبادئه، وهذه هي أعماله، وهذا هو الأمر الذي يجب أن يقوم به على مستوى الأمور الاجتماعيّة، وهذا هي المسألة التي ينبغي عليه أن يلتزم بها في مجال الشؤون العائليّة وفي علاقته بالزوجة والأبناء والرحم، وهذا هو الذي يتعيّن عليه فعله في دائرة القضايا السياسيّة؛ فتحدّثتُ عن السياسة، وألّفت فيها كتبًا؛ كما جئت إلى هنا، وصنّفت في مجال الأمور الاجتماعيّة والقضايا الأخلاقيّة والأحكام والمسائل الشخصيّة، ثمّ وضعت ذلك بأجمعه في متناول اليد، وقلت: تفضّلوا، من شاء فليعمل، ومن لم يشأ فلا يعمل.
أمران ضروريّان لانكشاف الحقائق للسالك: الشعور بالألم والحاجة والعمل بوصايا العظماء
قبل فترة من الزمان، قرأتُ مقالاً طالعتُ فيه أنّ أحد تلامذة المرحوم العلاّمة من الذين قضوا عنده سنوات طويلة ومن المُلمّين بمبانيه وآرائه كتب مقالاً يخالف فيه تمامًا هذه المباني والآراء، حسنًا، ما فائدة هذه السبعة عشر أو الثمانية عشر عامًا من الارتباط؟ ما فائدتها؟ أ فهل تخشى أن يُقال إنّ السيّد فلان لم يقُل بهذا الكلام، ولم يأتِ بهكذا عبارات، وأن يقلّلوا من مكانتك؟! فليفعلوا ذلك! وإلاّ، فلأيّ شيء أنت حيّ؟ ولأيّ شيء تريد أن تعيش؟ ولأيّ شيء تريد هذه الحياة؟ هل هذا واضح؟! فهذا هو الأمر الذي علينا أن نتوصّل إليه، بحيث يتوجّب علينا الانتباه إلى أنّه إذا كان هؤلاء الأعاظم قد جاءوا إلى هنا، وأنزلوا أنفسهم، وأصبحوا متوافقين معنا في القلب واللسان لبعض الوقت، فإنّ ذلك ليس لكي نمنّ عليهم ونقول: «لقد أتينا، وملأنا مجالسكم وما إلى ذلك!!». فأنا بنفسي لا أستطيع أن أكون حتّى ترابًا تحت أقدام هذه العتبة، وهذا لا أقوله من باب التواضع! فأنا لستُ من أهل التواضع [الزائف]، بل أذكر الأمور كما هي. فعندما وصل الأمر إلى هذا الحدّ، ورأيتُ أنّ بعض الذين يشاركون في جلسة «عنوان» يجعلون حسابًا خاصًّا لمشاركتهم هذه، وبمجرّد أن شعرتُ بذلك، أوقفتُ كلّ شيء، وقلت: قوموا واذهبوا لحال سبيلكم، وافعلوا ما يحلو لكم؛ فهذه الجلسة وهذه الأمور قد أوقفت بأجمعها. لماذا؟ لأنّ مجلس «عنوان» لا تفوح منه رائحة الإمام الصادق عليه السلام، إلاّ إذا كان فيه إخلاص وصفاء وشعور بالألم [والنقص]، لا أن يسوده الفخر والغنى والاستغناء والتفاخر بهذا وذاك ونظير هذه الأمور الاعتباريّة، والتخيّل والتوهّم بأنّنا نأتي إلى هذا المجلس! لا تأتِ من الآن إلى مائة عام يا عزيزي!! أ فهل تظنّ أنّني أقضي الليل ساهرًا إلى الصباح في التفكير بعقد جلسة «عنوان»؟! بل كلّما نبّهني الرفقاء إلى هذه الجلسة، كنتُ أؤجّلها بطريقة ما، حتّى أقول أخيرًا: «حسنًا، لنعقدها هذا الأسبوع». فإذا كان من المقرّر أن تصل المسائل إلى أسماع الجميع، فإنّها ستصل إليهم أيضًا عن طريق جلسة «عنوان» تضمّ عشرين مشاركًا. ألا يحصل ذلك الآن؟ حيث تُعقد نفس هذه الجلسة بعشرين أو ثلاثين فردًا، وأحيانًا أكثر قليلاً. وهذا كافٍ، ولا حاجة لأكثر من ذلك؛ إذ بوسع الجميع أن يُشاهدوها، بل يُمكنهم سماعها ولو كانوا في الطرف الآخر من العالم، فيسمعها الجميع بعد ساعة واحدة، وتصل هذه المسائل إلى أسماع الجميع ويُشاهدونها أيضًا.. هل هذا واضح؟! فيجب أن نحافظ على هذه الحالة فينا إذا أردنا أن تتكشّف لنا الأمور، ونتخلّص من المصاعب والمشاكل، ويُفتح لنا الباب! هذا، مع أنّ هناك أفرادٌ ـ وهم ليسوا قلّة ـ سواء من الأخوات المخدّرات أو من الأصدقاء والرفقاء الرجال الذين نتواصل معهم قد وفّقهم الله، وفُتح لهم الباب، فأصبحوا يُدركون ثلّة من الحقائق، وانكشفت لهم بعض الآفاق، فصرتُ أنا بنفسي أغبطهم على حالهم؛ وهم موجودون وليسوا قلّة، لماذا؟ لأنّهم عملوا، ويعملون، فيصلون إلى تلك الحقائق.
فتجدني أُنبّه الرفقاء باستمرار، لكنّني أرى عدم ترتيب أيّ أثر على ذلك، ثمّ يبدؤون في كتابة رسائل مضمونها: «يا سيّدي، نحن في حالة قبض! يا سيّدي، لدينا مصاعب!». حسنًا، أنتم لا تعملون.. هي هذه القضيّة. حتى النبيّ صلّى الله عليه وآله لم يكن ليتصرّف في أحد، بل كان يقول: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾۱. كان المرحوم العلاّمة يقول: نحن لا نتصرّف في أحد، ولا نعطي الحقنة لأيّ أحد، بل نقدّم الوصفة وحسب. فإذا أخذت وصفةً، وذهبت بها إلى الصيدليّة، وأخذت الدواء، ووضعته على الرفّ، فلن تحصل على أيّة نتيجة؛ فهذا هو الأساس، وهذه هي المسألة، وهذه هي القضيّة. وكلّ من يخطو خطوة في هذا الطريق، ويكون لديه إخلاص، فإنّ ذلك الاتّصال يتمّ تلقائيًّا، وإلاّ، فلا.
ولهذا، فإنّ أهمّ شيء يوجد لدينا هنا قبل أداء الصلاة والصيام وأداء الواجبات وترك المحرّمات وقبل كلّ هذه الأمور هو أن نرى هل نشعر بالألم أم لا؛ فهو أهمّ من الصلاة الواجبة، بحيث إذا صلّيت من دونه، فلن تجني فائدة كبيرة، ولن تحصد أيّة نتيجة. وإذا صُمت بدون هذه الحالة، فلن يكون لك نصيب أو نتيجة كبيرة. وهنا، نجدهم يقولون: «تفكّر ساعة خير من عبادة سبعين سنة»؛ أي: لو صلّيت سبعين سنة، وكنت بمستوى سنتيمتر واحد، لبقيتَ على هذا السنتيمتر الواحد، وظللت بهذا المقدار. ثمّ، لو أصبحت هذه السبعون سنة ثمانين سنة، لبقيت أيضًا في ذلك السنتيمتر الواحد، وهكذا أيضًا إذا صارت مائة سنة. وسبب ذلك أنّه لا يوجد فكر في هذه العبادة، ولا يوجد فيها ألم، ولا حاجة، ولا تعقّل، ولا سعي للوصول إلى مقام ومكانة شخصيّة. فحينما نؤمر بالصلاة، نصلّي، وعندما نُؤمر بالصيام، نصوم، لكن بمستوى واحد، وعلى وتيرة واحدة. ولهذا، تجد ذلك الشخص يُصلّي ويصوم سبعين سنة، ثمّ يقول: « عندما أذهب إلى النجف، يجب أن أزور أوّلاً ذلك الرجل في وادي السلام، وأؤدّي حقّه، ثم أزور الإمام عليّ عليه السلام بعد ذلك»! مع أنّه صام لمدّة سبعين سنة! كما أنّ الذي ذكر هذا الكلام على المنبر قد صام بدوره سبعين عامًا، ولديه مسجد أيضًا، ومريدون كُثر، وعندما يصلّي جماعة، يتجمّع الناس وراءه إلى أن يصلون [من كثرتهم] إلى خارج المسجد، ولكن ما حقيقة ذلك؟ ليس لديه فهم للولاية بمقدار فهم عصفور! ولهذا، نراه يؤيّد، ويقول: « يجب أن يذهب أوّلاً إلى وادي السلام، وهناك يفي بعهده، ويبرئ ذمّته، ثم يقوم، وإذا سنح له الوقت، يقرأ زيارة أمين الله في الحرم». هل هذا واضح؟! فالجميع هم بهذا النحو؛ أي أنّ هذا هو تصوّر الجميع وفهمهم.
لقد ذكرت لكم سابقًا (في الجلسة المعقودة قبل يومين أو ثلاثة أيام في الخامس عشر من شعبان): إنّ غاية فهمنا ومعرفتنا بإمام الزمان عليه السلام هي أنّه إذا شاء الله علِم، وإذا لم يشأ الله لم يعلم، وإذا شاء الله، اطّلع على ما وراء الجدار، وإذا لم يشأ الله لم يفعل!! حسنًا، أنا أيضًا هكذا، فما الفرق بيني وبينه إذن؟ فأنا أيضًا مثله! وإذا شاء الله، علمتُ من يوجد خلف هذا الباب، وإذا لم يشأ الله لم أعلم بذلك! حسنًا، سمّوني أنا أيضًا إمام الزمان! يعني: لا وجود بتاتًا للعلم بالغيب وعوالمه والاطّلاع عليها، ولا وجود لإدراك كيفيّة الإشراف العلّي ـ لا العلميّ ـ والولاية التكوينيّة والولاية العلّية.. لا شيء بتاتًا، بل إنّهم ـ في الأساس ـ يضحكون من هذا الكلام، ثمّ يقولون: ما هذه الأقوال؟! إنّها أقوال اختلقها العرفاء للأئمّة، مثلما جاءت جماعة من الغلاة، وابتدعت الزيارة الجامعة، وجاءت جماعة، واختلقت خطبة البيان، وجاءت جماعة من الغلاة، ونسبت للإمام كلامًا لم يقُله؛ في حين أنّ الإمام مثلنا، والنبيّ أيضًا مثلنا! فالآية القرآنيّة بنفسها تقول: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ ۱؛ أي: «أنا بشر مثلكم، آكل وأنام، وأنمو، ويعتريني الضعف والوهن في سنّ الشيخوخة والهرم، وإذا شاء الله أن يستجيب دعائي فعل، وإن لم يشأ لم يفعل». وأنا أيضًا أقرأ الفاتحة على المريض، فإن شاء الله شفاه، وإن لم يشأ لم يشفه، والنبيّ صلّى الله عليه وآله كذلك؛ فسمّوني نبيًّا أيضًا. فإذا كان الأمر بهذا النحو، فنحن أيضًا أنبياء وأئمّة، بل سيوجد أئمّة بعدد الأفراد على وجه الأرض! لكن، ما حقيقة هذا الأمر؟ هذا هو المراد من الميتة الجاهليّة، سواءً تعلّق الأمر برجل يلبس قبّعة أو يضع عمامة، وسواء نزع عمامته أو كانت له لحية أو لم تكن لديه، فهو كذلك؛ فهذا بأجمعه عبارة عن ميتة جاهلية، ومن الوحيد المُفلح؟ ذلك الذي وصل إلى مرتبة المعرفة والولاية، فهو الوحيد الذي لم يعُد موته موتًا جاهليًّا، وأولئك هم الموحّدون الذين وصلوا إلى التوحيد، والذين جعلوا الألم حاجةً في وجودهم؛ وعند ذلك، ذهبوا يبحثون عن العلاج؛ مع أنّ الطبيب بدوره ليس بخيلاً، بل يأخذ الوصفة ويضعها في متناول اليد.
ولهذا، يجب علينا في هذا المقام أن نعرف أنّه: حينما جاء أولياء الله والأنبياء إلى هذه الدنيا، لم يأتوا ليكتسبوا سُمعة وجاهًا من خلال الارتباط بنا، كلاّ يا سيّدي! فهم لديهم سمعة وجاه، وقد جاءوا ليعطونا نحن سمعة وجاهًا، ويهبونا إيّاهما، ويبذلوهما لنا، ويرونا ذلك الطريق؛ فهذا هو سبب هذه المسألة؛ وحينئذ، "هذا هو الفرس، وهذا هو الميدان"، لنرَ إلى أيّ مدى يمكننا أن نوفّق!
فيما يخصّ الأسئلة التي طرُحت، علينا أن نرى هل يوجد لدينا متّسع من الوقت من أجل تناولها.
[سؤال]: هل الصيام مضرّ للمرأة الحامل والمرضع؟
جواب: لقد أجبتُ سابقًا عن هذا السؤال؛ فالإشكال الذي يُطرح بخصوص الصيام في حدّ ذاته يعود إلى مسألة هل إنّه يؤثّر في الرضاعة أم لا؟ فإذا أثّر فيها، ولو بمستوى التقليل من كمّية الحليب بحيث يؤثّر ذلك في نموّ الطفل، فالصيام يكون حرامًا، ولا يجوز للمرء السعيُ لتعويضه بمكمّلات وأشياء أخرى؛ ولكن، إذا لم يكن حليب الأمّ كافيًا لوحده، بحيث يتعيّن إعطاء الطفل طعامًا معه، ولا يكون للصيام تأثيرًا كبيرًا في هذا الأمر، فهنا يجب الصيام؛ وكذلك إذا لم يؤثّر الصيام في مقدار تغذية الطفل، فهناك أيضًا يجب الصيام. وعلى كلّ حال، فإنّ الأمر يعود إلى نفس التأثير الذي قد يتركه وقد لا يتركه الصيام على تغذية الطفل، وإلاّ، فإنّ صيام المرأة هنا في حدّ ذاته لا إشكال فيه، شأنها في ذلك شأنه بقيّة الأفراد.
إضاءة بديعة على مسألة استجابة الدعاء
سؤال: عندما لا يُستجاب الدعاء في بعض الأحيان، كيف نعرف هل: إنّ استجابة هذا الدعاء لم تكن في مصلحتنا، أم أنّنا لم نعرف كيف ندعو؟ وفي ضمن ذلك، إذا كان هناك دعاء أو ذكر خاصّ لا تُردّ استجابة الدعاء عند الإتيان به، هل يمكنكم ـ من فضلكم ـ تزويدنا به؟ وأيضًا، من بين المشاكل التي أعاني منها، أنّه تُواجهني في بعض الظروف الخاصّة مشاكل كثيرة، وكلّما أردتُ التشرّف بسماحتكم لم أصل إلى نتيجة، فهل يمكنكم ـ من فضلكم ـ إرشادي في هذا المجال؛ لأنّ الرفقاء لم يتمكّنوا من مساعدتي في هذا الأمر.
جواب: قلتُ للرفقاء سابقًا: إنّ الأمر لا يتعلّق بلقائي ومقابلتي، وكم مرّة قلت: إنّ القضية لا تتعلّق بشخصي، فأنا أيضًا مثلكم محتاج وفقير.
كان المرحوم العلاّمة يقول: «يظنّ هؤلاء أنّه يتحتّم عليهم بالضرورة أن يأتوا ويروني حتّى يتحقّق ـ مثلاً ـ أمر ما، ولا يعلمون أنّ ارتباطنا بالناس هو ارتباط باطنيّ». فكلّ إنسان في هذه الدنيا يُعاني من مجموعة من الحدود والقيود، وأنا أيضًا لديّ حدود وقيود، شأني في ذلك شأن بقيّة الناس. فأنتم تعيشون الآن في جوّ عائليّ، ويتعيّن عليكم أن تقضوا وقتكم في هذا الجوّ في أمور معيّنة، من تدبير شؤون المنزل والتربية وأمثال ذلك؛ ولو كان من المقرّر أن يأتي في كلّ يوم كلّ واحد ويطرق الباب، هل ستفتحون له هذا الباب؟ أي: هل ستسمحون بتعرّض حياتكم للاختلال؟ فقبل أن يرحل الأوّل، يأتي آخر ويضغط على الجرس: «جئتُ إلى هنا لكي أسأل عن أحوالك»، ثمّ بعد أن يذهب، يأتي الثاني، والثالث... كفى يا عزيزي! فكم مرّة يجب أن نفتح الباب في اليوم؟! ففي نهاية المطاف، لكلّ إنسان أعماله الخاصّة، ولديه حياة وظروف وأحوال معيّنة.
في هذه السنة الأخيرة، حذّرني الرفقاء والأصدقاء الأطبّاء بأنّني إذا أردتُ الاستمرار في هذا الوضع من العلاقات، فإنّ خطر الموت يتهدّدني. أي أنّ وضع حالتي ومزاجي أصبح بنحوٍ كلّفوني معه شرعًا بإجراء تغييرات على أوضاعي. ولهذا، بدأتُ أشعر منذ فترة طويلة بأنّ تلك الارتباطات التي كانت لديّ سابقًا بالرفقاء والأصدقاء فضلاً عن أنّها لم تعد ضروريّة الآن، فإنّني قد أُؤاخذ عليها من قِبل الله أيضًا؛ هذا، مع أنّ ارتباطي بالرفقاء مستمرّ على نحو الجلسة العامّة، كما أنّ بعض الارتباطات الخاصّة الضروريّة ما زالت مستمرّة. فبالنسبة للمسائل التي يجب أن تصل إلى أيدي الرفقاء، فإنّ الرفقاء والأصدقاء يبذلون ـ ولله الحمد ـ جهودًا من أجل إيصالها، كما أنّني أسعى بنفسي ـ قد الإمكان ـ إلى طرح هذه المسائل. ولعلّ الرفقاء رأوني في هذا السفر منهمكًا في تدوين هذه الموضوعات، حيث أكتبها وأُسلّمها.
فلا ينبغي للمرء أن يقضي وقته في الكلام وفي هكذا قضايا؛ ومن جانب آخر، فإنّ هذه المسائل قد وصلت إلى أيدي الرفقاء، وما نقوله هناك هو نفس ما كنّا سنقوله لو كانت هناك مقابلة خاصّة. كنتُ مرّة [أتحدّث] في جلسة «عنوان»، حيث استمرّت هذه الجلسة حوالي ساعتين، وعندما نزلتُ، جاء أحدهم وقال: «يا سيّدي، انصحنا!»، فقلتُ له: إذن، ماذا كنتُ أفعل هناك في الأعلى لمدّة ساعتين؟! فأنا لم أكن أتحدّث مع الجدار لمدّة ساعتين! بل كنت أنصح لمدّة ساعتين! حسنًا، ما هي النصيحة؟ هي هذه. ثمّ قلتُ له: خذ جملة واحدة فقط من هاتين الساعتين، فلو ذهبتَ وعملتَ بها، لانتهى أمرك. فما هي النصيحة؟ وماذا تريد أن تفعل بالنصيحة؟ إذا أردنا أن نكون أهل عمل وعاملين، فالمسائل متوفّرة، [ولكنّنا] لا نريد ذلك؛ هل هذا واضح؟! فلقائي لا يشفي داءً ولا يحلّ مشكلة. والمسائل هي نفسها التي ذكرتها، وأذكرها، وذكرها قبلي الأعاظمُ، وجلسنا نحن على مائدتهم لنُبيّنها؛ غاية الأمر أنّه يحتاج الإنسان إلى توفيق الله تعالى حتّى يتمكّن من الوصول إليها.
وأمّا سؤالكم عن الدعاء، وهل إنّ دعاءكم في مصلحتكم أم لا، فليس من الضروريّ أن نفهم ذلك أو لا نفهمه، بل واجبنا هو أن ندعو الله ونطلب منه، سواء في المشاكل المادّية أو المعنويّة، ونطلب منه تعالى أن يرفع عنّا المصاعب ويحلّها، هذا هو الذي علينا أن نرغب فيه، وأمّا الاهتمام بمسألة هل سمعه الله أم لم يسمعه، وهل رفعته الملائكة أم لم ترفعه، [فإنّ ذلك لا يهمّنا].
يكتب لي بعضُهم أمرًا في رسالة، حيث يرون منامًا.. حسنًا، لقد ذكرتم منامكم، وانتهى الأمر، فلماذا تريدون متابعة هذه المسألة؟ لقد انتهى الأمر؛ وإذا استدعت الضرورة، سأجيبكم بنفسي، وأمّا إذا رأيتم أنّ الجواب لم يأتِ، فلا يجب عليكم المتابعة، ولا حاجة لكم إلى ذلك! [يقولون:] ماذا نفعل؟ لا شيء! فماذا كنتم تفعلون حتى الآن؟ استمرّوا الآن أيضًا في ذلك. فلا حاجة لأن تسألوا: «يا إلهي، هل سمعتَ أم لم تسمع؟!!»، ولنفرض أنّ الله قال: «لقد سمعتُ». حسنًا جدًّا، ما هو جوابك الآن؟ سيقول الله: «ما شأنك بما أجيب، فأنت دعوتَ وأنا سمعتُ، فاستمرّ في عملك». فليست في مصلحتنا متابعة هذا الأمر؛ أي أنّها تُعيقنا، وتُبقينا في ذلك الأفق المنخفض. فما يريده الله منّا هو التسليم لما يُواجهنا، والعمل بالتكليف.. هذا كلّ شيء، وهذا الذي عليّ أن أطلبه من الله وحسب. فإذا قوّينا هذا الأمر في أنفسنا، سنصل إلى مكانة لا يُمكننا الوصول إليها فيما لو استُجيب دعاؤنا، فهذا هو الأمر الذي ذكرته. فحتّى لو استُجيب دعاؤنا، لما وصلنا إلى هذه المسألة. فما أكثر المصاعب التي يوجدها الله تعالى لكي يضعنا في هذه المكانة، لكنّك تجدنا بأنفسنا نهرب منها.
وعليه، فإنّ تكليفنا هو التسليم لمشيئة الله وإرادته، والدعاء، بل يجب علينا القيام بهذا الدعاء، حيث صنّف المرحوم العلاّمة كتابًا من جزئين عن هذا الموضوع باسم «أنوار الملكوت»، وقد صار في متناول الرفقاء، فليطالعوه، كما قمتُ بترجمة هذين الجزئين المؤلّفين باللغة العربيّة، لكن، لأجل من؟ لقد فعلتُ ذلك لأجلكنّ. وأنا الآن أسألكنّ: «كم منكنّ قرأن هذا الكتاب من أوّله إلى آخره؟». فقد خصّصتُ شهر رمضان الماضي لترجمة هذا النصّ العربيّ؛ لأنّني لم أكن بحاجة إلى الترجمة لنفسي، بل ترجمتُه لأجلكم؛ أي أنّني بذلتُ في سبيل ذلك شطرًا من وقتي ولم أنم عدّة ليال حتّى الصباح، وبذل رفقاؤنا ـ وأنا كنت أقلّهم ـ كلّ الجهود حتّى لا تكتبوا لي هذه الرسالة الآن؛ ولو كنتم قد قرأتم ذلك الكتاب، لأدركتم أيّة مسائل مكنونة فيه، وما هي الموضوعات التي طرحها الأعاظم، وأيّة روايات انتقوها، وأيّ مفتاح لفكّ الرموز وضعوه في أيدينا! لكن، تجدنا نأخذ الكتاب بهذا النحو، ونقول: «ما شاء الله، كم هي جميلة كتب العلاّمة! كم هي رائعة!». كلاّ، فهذا لا فائدة منه، بل يجب على الإنسان أن يُطالع هذه الكتب، ويستفيد منها بنفسه، ويحصل منها على نصيبه، ولا حاجة لأن يسعى الإنسان إلى الوصول إلى الأمور بشكل منفصل ومستقلّ.
سؤال: ماذا يجب أن نفعل بشأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في هذا الزمان؟ فقبل فترة، واجهتني حالة، واضطررتُ إلى تنبيه الطرف المقابل، ممّا أدّى في النهاية إلى تصرّفه بقلّة أدب، وتوجيهه اتّهامات لي، حيث كان الأمر يتعلّق برسالة نصّية قصيرة أُسيء فيها إلى الأئمّة عليهم السلام. وبعد هذه الحادثة، انتابني القلق بخصوص هل كان يجب عليّ أن أقدم على هذا العمل أم لا.
جواب: نعم، كان يجب عليك الإقدام على ذلك الأمر، حيث ينبغي على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، غير أنّ للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب وحالات، وله مكان خاصّ، ويجب على الإنسان أن يراعي هذا المكان. ففي بعض الحالات، قد يُسبّب ذكر أمرٍ ما أمام الملأ هتكًا لاحترام الإنسان وحرمته، ممّا قد يدفعه للمواجهة. وعلى كلّ حال، يجب على الإنسان أن يعلم أنّ التنبيه مفيد؛ ولكن، لا يجب أن يكون هذا التنبيه عنيفًا، بل تنبيهًا من شأنه أن يكون مرشدًا ومؤثّرًا. وفي بعض الحالات، إذا شعر الإنسان بأنّ هناك تعدّيًا على حريم مقدّساتنا، وأنّ هؤلاء الأفراد يتجرّؤون بعض الشيء، فهناك يجب أن يصل الأمر حتّى إلى المواجهة، وينبغي أن تكون التنبيهات أشدّ غلظة وقسوة؛ فهذه أمور يجب على الإنسان أن يراعيها حسب كلّ مكان وكلّ حالة.
وظيفة الإنسان تجاه مسألة تربية الأطفال
سؤال: فيما يخصّ تربية أبنائنا، أشعر بأنّه نظرًا إلى أنّنا لا نفرض عليهم الكثير من القيود، وباعتبار أنّ المدارس والمجتمع ليسا ناجحين كثيرًا في التربية الدينيّة للأطفال، فهل هذا الأمر يدعو للقلق، أم أنّه قابل للحلّ بمرور الوقت ونموّ عقل الأطفال؟
جواب: فيما يخصّ هذه المسألة، فإنّ الأمر هو بهذا النحو أيضًا؛ إذ يجب على الإنسان في نهاية المطاف أن يراقب حال الأطفال، وعليه في الوقت ذاته ألاّ يُقلق نفسه كثيرًا بشأن ما سيحدث. أتذكّر أنّه حينما كنتُ أذهب إلى المدرسة، كان والدي يسألني عادةً مرّة أو مرّتين في الأسبوع حين رجوعي إلى البيت، ويقول: «حسنًا، ماذا قرأت في الصفّ؟ وعن ماذا سألك المعلّم؟»؛ فكان يسألني أحيانًا عن هذه الأشياء. وأذكر مرّة، أنّني كنتُ في الصفّ الرابع أو الخامس، فأحضر معلّمنا إلى الصفّ نصًّا منقولاً عن "صادق هدايت" وقرأه، حيث كان هذا النصّ يتعلّق بمكان ما؛ ولا يخفى أنّ صادق هدايت كان رجلاً منحرفًا، وكثير من كتاباته سيّئة، ولها تأثير سيّئ جدًا ـ خصوصًا على جيل الشباب ـ وتُسبّب حالةً من التشاؤم واليأس، وسمعتُ في تلك الأوقات أنّ البعض أقدموا حتّى على الانتحار جرّاء قراءة كتبه؛ وهو بنفسه قد انتحر في نهاية الأمر! لقد كان رجلاً منحرفًا، غير أنّ أسلوبه كان بديعًا، وكانت مؤلّفاته ورواياته جذّابة جدًا. فعندما أخبرت والدي بهذا الأمر، كتب في اليوم التالي رسالة لمدير المدرسة يسأله فيها: «لماذا تُقرأ نصوص صادق هدايت وأمثاله في الصفّ؟ وما هو المبرّر لحصول هذه المسألة؟». فيجب على الإنسان أن يُراقب طفله، وعليه أن يعرف من هم أصدقاؤه، وما هي الأمور التي لديه، وأمّا أن يُقلق نفسه إلى هذا الحدّ، ويقول: «يا ويلي، لقد حدث الآن كذا وكذا»، فهذا غير صحيح؛ إذ يجب علينا في نهاية المطاف أن نترك مجالاً للأمور التي ليست بأيدينا، وهي أمور ليست بالقليلة.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: يجب أن تبذلوا سعيكم في حفظ أبنائكم وتربيتهم، وأن تؤدّوا تكليفكم، ولكن، لا تظنّوا أنّ هذا هو كلّ شيء وحسب، كلاّ! لأنّ هناك بعض الأمور والقضايا التي ليست بأيدينا، وقد تأتي، وتغيّر المسار وتحوّله. فعلينا أن نُؤدّي تكليفنا بأخلاق حسنة وسلوك جيّد، بل وأحيانًا عن طريق بعض التنبيهات، ويجب أن يُترك الباقي لله تعالى.
سؤال: لقد أصبحت واجباتي في المنزل ثقيلة جدًا لدرجة أنّني صرت مرهقةً طوال اليوم من شدّة العمل، وأؤدّي صلاتي وعباداتي في كلّ الأحوال وأنا متعبة، مع أنّني أتمنّى أداء أعمال أكثر وأفضل، فماذا عليّ أن أفعل؟
جواب: هذا الأمر يقع بيدكِ، وأنتِ تعرفين ماذا تفعلين! فأنا لا أتواجد في منزلك لأقول [ماذا عليك أن تفعلي]، بل يجب عليكِ أنتِ أن تنظّمي أمور المنزل بحيث يمكنكِ أداؤها بهدوء أكبر. افترضي أنّكِ تقومين بأعمال المنزل، فتتلقّين مكالمة هاتفيّة، وترين أنّه لا مبرّر ولا ضرورة لأن تتحدّثي في الهاتف لمدّة ربع ساعة أو عشرين دقيقة! فلماذا [كلّ هذا الوقت]؟ يكفي أن نقول: «السلام عليكم، كيف حالكِ، في أمان الله تعالى». فنحن أنفسنا نأتي، ونتسبّب ـ بسبب شؤوننا الاعتباريّة ـ في إضاعة أوقات عمرنا؛ في حين أنّه بوسعنا تهيئة الظروف لتوفير مساحة عشر دقائق، أجل، إذا لم يكن ذلك ممكنًا بأيّ حال، فلا بأس، والله تعالى يقبل ذلك منّا، خصوصًا بالنسبة للسيّدات اللواتي لديهنّ أطفال صغار يحتاجون إلى رعاية مستمرّة، حيث إنّ نفس الاهتمام بالطفل يُؤدّي إلى انتقال الفيوضات التي تتنزّل عليه إلى الأمّ؛ لأنّ الطفل معصوم ونفسه طاهرة وصافية؛ ولهذا، حينما تسعى الأمّ إلى رعايته وتربيته، فإنّها تأخذ من ذلك الجانب، وتستفيد من تلك الفيوضات، فلا يوجد أيّ داعٍ للقلق أو الانشغال.
فلسفة الحجاب وأبعاده الروحيّة والاجتماعيّة للمرأة
سؤال: أُجبرتُ في طفولتي على الحجاب، واستمرّ هذا الإجبار بعد الزواج أيضًا، ولكن، بعد أن قبلتُ الآن بالحجاب بإرادتي ورغبتي، بقيت عقدة في داخلي ناجمة عن الإكراهات الماضية، ممّا تسبّب في سعيي أحيانًا إلى تجربة بعض الحرّيات، بما في ذلك عدم التزامي بالحجاب أثناء السفر، فأردتُ أن أسأل: ماذا أفعل بمشكلة العقد الماضية هذه؟
جواب: حسنًا، انظري، الحديث هنا هو أنّنا لم نفهم مسألة الحجاب كما يجب، فنظنّ أنّ الحجاب أمر إجباريّ، وأنّه عبارة عن أجواء مفروضة علينا، وأنّنا وُضعنا في هذه الأجواء الاضطراريّة والإجباريّة من أجل احترام أجواء الغير؛ في حين أنّ هذا أمر خاطئ. يجب أن ننتبه إلى المسألة التالية: يوجد موضوعان في مسألة الحجاب؛ الموضوع الأوّل أهمّ بكثير من الموضوع الثاني، لدرجة أنّ هذا الأخير لا يُعدّ شيئًا أمامه. سأتحدّث بدايةً عن الموضوع الثاني ثمّ أتطرّق بعد ذلك للأوّل، حيث يتعلّق هذا الموضوع الأوّل بالإنسان نفسه، في حين أنّ الموضوع الثاني الذي لا يتعلّق بالإنسان هو من المسائل الاجتماعيّة.
فأحد أسباب مسألة الحجاب يرجع إلى المصالح الاجتماعيّة، بحيث إذا غابت هذه المسألة، سيحدث فساد في المجتمع، مثلما نرى ونشاهد؛ هذا، مع أنّ الحجاب لا يقتصر فقط على ارتداء "الشادور"۱ وتغطية الشعر! انتبهوا، فالحجاب يرتبط بالعلاقة القائمة بين الرجل والمرأة، وليس التغطية وحسب؛ أي يرتبط بمسألة التحدّث والاتّصال الهاتفيّ والمزاح بينهما، وبالتقدّم إلى الأمام حينما يدخل الرجل والتسليم عليه ومفاكهته، وكذلك بالسؤال عن أحوال بعضهما البعض.. هذه هي مسألة الحجاب، والتي تُعدّ تغطية الشعر وأعضاء الجسم جزءًا منها. فهذه المفاسد الموجودة الآن في المجتمع، والتي تطرّقتُ إليها في وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام التي ترجمتُها وقدّمتُ شرحًا موجزًا لها، ونرجو من العليّ القدير ـ إن شاء تعالى ـ أن يُوفّقنا في القريب العاجل لإنهاء مقدّمات إعدادها وطباعتها... وقد كان المرحوم العلاّمة يرغب كثيرًا في [نشر] هذه الوصيّة التي أوصى بها أمير المؤمنين عليه السلام الإمام الحسن عليه السلام بحاضرين؛ وهي وصيّة تشغل حوالي عشرين صفحة من نهج البلاغة. وقد أبدع أمير المؤمنين عليه السلام حقًّا في هذه الوصيّة على مستوى المسائل الاجتماعيّة والعائليّة والعلاقات الشخصيّة والعبادات وأمثال ذلك، حيث تطرّق في قسم منها إلى ثلّة من المسائل المتعلّقة بالعلاقات الشخصيّة والعلاقة بين الرجل والمرأة، وحتّى أنّ بعض الذين ترجموها قاموا بحذفها ولم يذكروها معتبرين أنّ ذكر هذه المسائل ينتقص من شأنهم. فجئتُ أنا هنا، وقُلت بكلّ صراحة: بالمناسبة، فإنّ معجزة أمير المؤمنين عليه السلام تكمن في أنّ هذه الفقرات تصلح لزماننا هذا، وقد جاءت بنفسها لهذا الزمان! وهي لهذا العصر! أي: كأنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان ينظر إلى زماننا هذا ـ أي ليلة الجمعة هذه ـ وإلى أجوائنا هذه، فذكر هذه المسائل وبيّنها لأجلنا نحن.
إنّ كلّ الفظائع التي تحدث الآن في هذا العصر ـ سواء في بقيّة البلدان أم هنا ـ إنّما هي بسبب العلاقات والارتباطات التي تنشأ بين الرجل والمرأة، والتي ذكرتُها مرارًا وتكرارًا! وأنا أعرف في نطاق علاقاتي الخاصّة حالات عديدة، منها خمسة عشر حالة أدّت إلى تفكّك الأسرة، حيث تسببّت نساء متزوّجات ولديهنّ ثلاثة أطفال أو طفلين أو طفل واحد ـ أو أنّهم بدون أطفال ـ في تفكّك أسرهنّ، فما هي علّة ذلك؟ ليس ذلك لأنّ المرأة لم تكن ترتدي شادورًا، كلاّ! بل بسبب أنّه كانت لديها علاقات! حيث كانت لديها علاقات عبر الهاتف المحمول، والإنترنت وتطبيقات الدردشة وهذه الأشياء التافهة؛ فبواسطة هذه الأمور، حصل ذلك! وهذا ما حدث فقط في نطاق علاقاتي الخاصّة، والله يعلم ما هي الأمور التي يعرفها أولئك الذين يتوفّرون على إحصائيّات ويُديرون المسائل الاجتماعيّة، وأنا أيضًا مطّلع عليها، لكنّني لا أستطيع الآن البوح بها. فمن أين حصلت هذه الأمور؟ حصلت بسبب هذه الارتباطات، ولا علاقة لها بالحجاب؛ أي أنّ نفس هذه الارتباطات أوجدت هذه المشاكل، ولا ينبغي علينا أن نظنّ بأنّ الشيطان يذهب فقط عند الذين لا يكونون ملتزمين كثيرًا، كلاّ! ففي هذه المسائل، زلّت أقدامُ أناسٍ لا يتركون أداء صلاة الليل! فالشيطان شيطان، والفتنة فتنة، والنفس نفس، وهذه النفس الأمّارة بالسوء هي التي تأتي، وتأمر بالسوء ﴿إِلاّ مَا رَحِمَ رَبِّي﴾؛ ولهذا، يُقال: «لا ينبغي للمرأة أن تكون لها علاقة بالرجل».
كنتُ بالأمس في مكان ما؛ وبالمناسبة، دار الحديث نفسه عن الحجاب، وكانت هناك إحدى السيّدات، فسألتني [عن هذا الموضوع]. فقلتُ لها: في مسألة الحجاب وفي مسألة العلاقات، لا يرتبط الأمر بكِ أنت فقط! لنفرض أنّك قلت لي: «يا سيّدي، حينما أتحدّث مع رجل، لا يحدث لي أيّ شيء!»، لكن، هل يُمكنكِ أن تضمني ألاّ يحدث له هو أيضًا أيّ شيء؟! هذا إذا فرضنا أنّكِ تملكين ضمانًا بشأن نفسكِ، مع أنّك لا تملكينه بتاتًا! فإذا كنتِ تملكين ضمانًا بعدم الزلل وبالثبات، فهل تملكين ضمانًا بأنّ الطرف المقابل لن تزلّ قدمه؟ هل يمكنكِ ذلك؟ كلاّ! لماذا؟! لأنّ الناس لا يخضعون لإرادتنا، وأنفسهم ليست في أيدينا ولا تقع تحت سيطرتنا. [فيحصل ارتباط] لمرّة واحدة، ومرّتين، وثلاث مرّات، وأربع مرّات، وهكذا شيئًا فشيئًا، [إلى أن تتعالى الأصوات:] يا سماحة السيّد، أنقذنا!! ماذا حدث؟ ماذا عساي أن أفعل، [فذلك الرجل] لم يعُد يخرج من فكري وخيالي! الويل لكِ! ألم أقل لكِ: عندما يتّصل أحدهم هاتفيًّا ليتحدّث مع زوجكِ، لا تجيبي أنتِ؟! فقد كنت أذكر تلك المسألة لأجل هذا اليوم. ألم أقل: عندما يتّصلون هاتفيًّا: «هل السيّدان محمود وحسن موجودان في المنزل؟»، فعليك أن تقولي: «حاليًا، لا.. في أمان الله»؟! فما معنى أن تقولي بعد ذلك: «كيف حالك؟ كيف حال الزوجة؟ اسمح لي بالتحدّث معها لاحقًا»؟! فما علّة ذلك بأجمعه؟ ولماذا تتحدّثون بهكذا كلام؟ وأيّ مرض هذا؟! [ثمّ يُقال:] «إنّ هذا السيّد جافّ، وأفكاره جافّة، ولا علم له بالقضايا المعاصرة، وهو يعيش في فضاء آخر». فلو فرضنا أنّني كنت رطبًا، فماذا كان سيحصل؟! أ فهل أنا جافّ؟! أ فهل أنا متحجرّ؟!
فبالأمس فقط، ذكرت هذا الأمر لتلك السيّدة، حيث نجدهم يقولون: «يجب السعي نحو البناء الثقافيّ»، وقرأتُ في بعض هذه الصحف أنّ هذا الجوّ الذي يخلقونه ليفصلوا بين الرجل والمرأة هو أمر خاطئ، فينبغي السعي نحو البناء الثقافيّ! لكن، ما الذي ستفعله الثقافة؟! حسنًا، تفضّلوا أنتم وابنوا هذه الثقافة، ثمّ لا تشربوا الماء من الآن إلى ما بعد ثلاثة أيّام، ولنرَ ما الذي يُمكنكم القيام به. ابنوا الثقافة، ولننظر هل بوسعكم تلبية حاجتكم من الماء! وقولوا: «كلاّ، نحن لا نحتاج إلى الماء، ولا نفتقر مثلاً إلى هذه العلاقة، ولن نشرب الماء أيضًا، ويكفينا هذا الهواء، فنحن نريد أن نبني الثقافة». ولننظر هل تستطيعون بواسطة هذه الثقافة منع أنفسكم من الإغماء بعد يومين من الامتناع عن شرب الماء!! وهل يُمكنكم عن طريقها رفع حاجتكم إلى الأكسجين؟ فبعد أربع دقائق من انقطاع الأكسجين، تتوقّف خلايا الدماغ عن العمل.. أربع دقائق فقط! ابنوا ثقافةً لنرَ ما الذي سيحصل! [وقولوا:] «كلاّ، نحن لا نحتاج إلى الأكسجين، بل نجلس هكذا، ونفكّر ونتأملّ، وبواسطة هذا التفكير، نلبّي حاجيات الجسم». إنّ للبدن مجموعة من المتطلّبات، فما معنى: بناء الثقافة؟! والجسم يحتاج إلى الماء، فإن لم تشرب، ستموت، وتُصاب باليبوسة وجفاف الخلايا وتموت. وإن لم نأكل، فإنّنا نموت. و إن لم يصل الأكسجين إلى الدماغ لأربع دقائق، نموت، ولا علاقة لذلك بالثقافة ولا بأيّ شيء آخر. وقد خلق الله تعالى هذه الحاجة في الجسم، وخلقها في الرجل، وخلقها في المرأة أيضًا؛ وهما عبارة عن قطبين مغناطيسيّين متقابلين، فالموجب يجذب السالب، والسالب يجذب الموجب، والأمر هو هكذا شئنا أم أبينا. فما معنى الثقافة هنا؟! وما الذي بوسعها أن تفعله هذه الثقافة؟!
أنا كنتُ متواجدًا في كلّ هذه المسائل.. ألم يسعَ الغرب من أجل البناء الثقافيّ؟ حسنًا، ماذا حدث؟ وما هي نتيجة البناء الثقافيّ في الغرب؟ لا تذهبوا إلى تلك الأماكن، لكي تروا ماذا يقولون، وبماذا يصفون هذه الأمور! فما هي ثمرة البناء الثقافيّ لهذه الأمم المتحضّرة في الغرب؟ أن يقوم رجل في الثلاثين أو الخامسة والعشرين من عمره عاريًا تمامًا، ويُمارس كرة المضرب أمام الناس! فهل هذه هي النتيجة المرجوّة من البناء الثقافيّ في الغرب؟! وأن تقوم امرأة في العشرين أو الثلاثين، وتفعل ذلك وهي عارية تمامًا! ثمّ نجدهم يصيحون: «يجب بناء الثقافة». فماذا تريد أن تفعل؟ هل تريد ببناء الثقافة أن تغيّر الحقائق والواقعيّات؟ حسنًا جدًا، تعال وقم بذلك، ولننظر ماذا عساك أن تفعل! أ فهل بوسعنا عن طريق البناء الثقافيّ تغيير الحقائق، وتحويل الرجل إلى امرأة والمرأة إلى رجل؟! فالرجل رجل، وله احتياجاته ورغباته وصفاته وغرائزه الخاصّة، وهو في حالة ترقّب لاصطياد الجنس الآخر. كما أنّ المرأة أيضًا امرأة، ولها متطلّباتها ورغباتها الخاصّة، وهي في حالة ترقّب لأن تقع فريسة بيد الصيّاد.
فلا تمتلك الصلاة هنا أيّ تأثير، ولا يُمكن لصلاة الليل أن تؤثّر، ولا الذكر يمكنه ذلك، ولا أيّ شيء آخر؛ والشيء الوحيد الذي يمكنه أن يؤثّر هو المراقبة وحسب. فلا داعي لأن يتحدّث المرء [مع الجنس المخالف]، ولا داعي لأن يأتي الإنسان مثلاً، ويقول: «يا سيّدي، نُريد عقد الجلسة الفلانيّة للنساء»؛ ولكن، لماذا ينبغي أن يجلسن في الطرف المقابل؟ فليجلسن جانبًا، خلف ستار، وليُستعمل مكبّر الصوت من أجل بثّ الكلام. فلماذا يجلسن في الطرف المقابل؟! لماذا؟! هذا، لأنّني أرى تبعات هذه المسائل، وتأتيني رسائل تتعلّق بهذا الموضوع؛ ولهذا أقول: «لا ينبغي حصول هذا الأمر»، والأعاظم أيضًا كانوا يقولون نفس الشيء؛ إذ كانت توجد في زمانهم أيضًا القضيّة ذاتها. وحينئذ، ماذا يجب أن نفعل؟ يجب أن نقوم بهذه الأمور.. هل هذا واضح؟! فهذه هي المفاسد الاجتماعيّة التي ترتبط بمسألة [عدم] الحجاب.
وهنا، نصل إلى ذلك الأمر الأوّل الذي يتعلّق بالإنسان نفسه، وهو: هل تعلمون ما فائدة الحجاب؟ الحجاب يعني حفظ النفس من أن تكون في متناول الآخرين؛ فالمرأة التي ترتدي الحجاب وتقطع علاقتها بالرجل الأجنبيّ تقول: «أنا أُقدّر شخصيتي، وأنا لستُ ملكيّة عامّة، ولستُ حافلة ليأتي مائتا أو ثلاثمئة إنسان ويركبونني يوميًّا! فأنا أُقدّر شخصيّتي؛ ولهذا، وضعتُ لنفسي وشخصيّتي حريمًا خاصًّا، ووقفت بالحجاب أمام نفوذ كلّ غريب وتافه، وكلّ من يريد أن يدخل إلى حريمي هذا، وأعطيته إشارة توقّف، وقلت له: قف، قف، فلا يحقّ لك أن تتسلّل إلى حريمي، ولا يجوز لك أن تُصوّب بنظراتك الشيطانيّة سهامَك إلى قلبي ونفسي، وتلوّثني!».. هذا هو المراد من الحجاب، لا أنّه إجبار وأمر إجباريّ! فمن قال: إنّه إجبار؟!
ففي المجتمعات الغربيّة المعاصرة بجنوب أوروبا وكذلك في أمريكا، لم يعُد لديهم إجبار بشأن الحجاب، ومع ذلك، فإنّه يُقال: «إنّ الحجاب بمعنى الحفاظ على الشخصيّة هو المطروح هنا». فنجد أنّ الحجاب عند الكثيرين منهم ـ خصوصًا في جنوب اليونان وإيطاليا وجنوب أوروبا وكثير من القبائل في أمريكا نفسها ـ أقوى من الحجاب عندنا نحن المسلمون!! فمن أجبرهنّ على ذلك؟! أي أنّهم توصّلن بأنفسهنّ إلى أنّه: لكي يحافظن على تلك الحالة الأنثويّة وذلك الجوّ الأنثويّ وتلك الرقّة والظرافة، ولكي لا يفقدن لطافة المرأة، فإنّهن مضطرّات لوضع غطاء على جسدهنّ، ليمنعن بواسطته تسلّل الآخرين.
ولهذا، فإنّ الحجاب ـ بهذا الاعتبار ـ عبارة عن وسيلة وضعها الله تعالى من أجل تكامل المرأة. فلو لم تكن لنا أيّة علاقة بالمسائل الاجتماعيّة، ولنفرض عدم حدوث أيّة مشكلة في المجتمع بتاتًا، كأن تضع الحكومة حارسًا على باب كلّ منزل.. هل هذا واضح؟ بحيث إذا نظر أحدهم نظرة خاطئة، سيصفعه أحدهم على أذنه مثلاً؛ فلا تحدث من هذه الناحية أيّة مشكلة؛ لكن، ماذا عن المرأة نفسها؟ هل تعلمن أنّ كلّ نظرة يوجّهها الرجل إليكنّ تؤثّر ـ شئتنّ أم أبيتنّ ـ في أنفسكنّ. فما هو منشأ كلّ هذه الأحلام المزعجة التي نراها ليلاً، وحالات القبض التي تُصيبنا ولا نعلم من أين جاءت، وحالات الخمود التي نشعر بها أحيانًا ولا نفهم سببها، والقلق الذي نحسّ به في كثير من الحالات ولا نعلم من أين ينبع؟! فمنشأ كلّ هذه الأمور هو ما ذكرناه، حيث نقوم، ونذهب إلى المتجر، ونتحدّث مع صاحبه؛ فهل يخفض آنذاك صاحبُ هذا المتجر رأسه؟ هل يفعل ذلك؟ أم يرفع رأسه، وينظر في أعيننا ووجوهنا، ويُجيبنا بطريقة مختلفة؟ فلماذا يغيّر لهجة حديثه؟ لماذا يغيّرها؟ وهكذا أيضًا حينما نريد الذهاب إلى الصيدليّة.. ماذا؟!! لقد ساءت الأوضاع كثيرًا، ساءت كثيرًا، كثيرًا!!
إنّ المسار الذي وضعه الله تعالى للمرأة يتوفّر على قواعد خاصّة، إذا اتّبعتها هذه المرأة، فإنّها تتكامل، وتصل إلى هناك. التزمي بالحجاب يومًا واحدًا، واقطعي ارتباطك بالرجل [الأجنبيّ] أسبوعًا واحدًا، بل يومًا واحدًا، ثمّ انظري كيف ستصير الصلاة التي تصلّينها، وكيف سيكون حالكِ، وأيّ تغييرات ستلاحظينها في نفسكِ؟ أسبوع واحد فقط، فلن يحصل لك أيّ شيء، ولن تصابي بالصداع النصفيّ! فتعالي وجرّبي، ولا ترتبطي [بالأجنبيّ] في ذلك النطاق، بل تواجدي في هذا النطاق الذي حُدّد لكِ.
وإنّه لأمر عجيب جدًّا، وأنا لا أستطيع أن أتطرّق إلى كلّ شيء، ولكنّنا نرى اليوم أنّ غير المحجّبات قد توصّلن بأنفسهنّ إلى أنّه يجب عليهنّ ارتداء الحجاب ليحافظن على شخصيتهنّ، حيث طُبع في هذه الأيّام كتاب في أمريكا، ألّفته دكتورة في القانون ودكتورة نساء أمريكيّة ومسيحيّة عن العودة إلى الإسلام، وسمعتُ أنّه تُرجم إلى الفارسيّة أيضًا. ولا يخفى أنّني كنتُ في ذلك الوقت قد قرأتُ ـ لمناسبة ما ـ بعض فقراته وصفحاته، ثمّ سمعتُ أنّهم في صدد ترجمته إلى الفارسيّة وطباعته؛ وهو كتاب مهمّ جدًا، ذُكر فيه أنّ المرأة لديها استعدادات وقدرات يستحيل إيصالها إلى مرحلة الفعليّة من دون الاستعانة بالمسائل المذكورة في الإسلام! فعلى المرأة أن تُفعّل هذه الاستعدادات وكلّ ما هو مكنون في داخلها. كما ذكرت [تلك الدكتورة] موضوعات راقية جدًا، وأشارت إلى مسائل مثيرة للاهتمام وجميلة جدًا. أجل، يبقى أنّها استخدمت عبارة تحدّثت فيها عن فضاء مغناطيسيّ ومسائل أخرى، وعن ظهور طاقة ما، ونحن طبعًا لا نعترف بهذه الأمور، بل نعترف بالارتباط المثاليّ بين الطرفين عند التحدّث واللقاء. فعند حصول هذا اللقاء، كما يرتبط الظاهران ببعضهما ويقفان في مقابل بعضهما، يرتبط عالم المثال والنفس لديهما أيضًا ببعضهما، من دون أن يُمكن فعل أيّ شيء حيال ذلك؛ ولهذا، نجد أنّ الله تعالى قد جاء لنجدة المرأة، وقال لها: «تعالي، سأجعل لكِ وسيلة لتحفظي بها ذاتِك الآن، وتأخذي بها نفسكِ إلى فضاء معيّن!». هل لاحظتم عندما يريدون إبطال مفعول قنبلة، ماذا يفعلون؟ يأخذونها، ويضعونها في شيء مضادّ للانفجار، وينزعون فتيلها، ثمّ يبطلون مفعولها هناك. فيأخذون اللغم، ويضعونه هناك، ويبطلون مفعوله، بحيث لا يعود بالإمكان حدوث أيّ شيء؛ لأنّ مفعوله قد أُبطل؛ كما أنّ ذلك المعدن هو بنحوٍ لا تستطيع القوّة والضغط التفجيريّين القضاء عليه. وهذا هو حال الغطاء الذي جعله الله تعالى للمرأة، فيقول لها: قد يجب عليكِ الحضور في المجتمع، ولا يكون لديك أيّ مفرّ من أن تأخذي طفلك إلى الطبيب؛ فيتعيّن عليك الخروج من المنزل، وركوب السيّارة، والحديث مع فلان، حيث يكون هذا التواجد في المجتمع ضروريًّا. أو يطرأ عليك عمل، كأن ترغبي في التدريس، أو تريدين أن تدرسي بنفسكِ، أو لنفرض أنّه عرضت عليك ضرورة، ولا يكون بوسعك البقاء في المنزل وإغلاق الباب وقفلِه؛ فبما أنّ الأمر الآن هو بهذا النحو، وأنا أعلم من ناحية أخرى مَن خلقتُ وصنعتُ من هؤلاء الرجال الذين لا همّ لهم إلاّ الملاحقة!
كنتُ مرّة مع بضعة أشخاص في مكان ما، ولا يخفى أنّهم لم يكونوا من الرفقاء، فما عساي كنت سأفعل! فمنذ اللحظة الأولى التي ذهبنا فيها إلى أن مرّت ساعتان أو ثلاث ساعات، كانت أعينهم تشتغل باستمرار لكي ترى الحالة المناسبة التي يُمكنهم التسلّل من خلالها! فقد كانت لهذا الرجل الأربعينيّ زوجة وثلاثة أطفال، غير أنّ عينه كانت تُحدّق باستمرار في هذه وتلك، ولم يكن يفرق بالنسبة إليه أن تكون هذه المرأة متزوّجة أم لا؛ هذا، مع أنّه رجل مسلم ويصلّي أيضًا! وحينئذ، كيف ينبغي علينا أن نتصرّف في هذا المجتمع؟ فهل يجب على المرأة أن تنزع شادورها؟ حسنًا، هذا هي النتيجة، وهذا هو ولله الحمد مجتمعُنا! فالمصلّون منه هم بهذا النحو، وأمّا غير المصلّين منه، فلهم شأن آخر.
ومن هنا، فإنّنا نرى أنّ هذه الأمور صارت تحدث، حيث تقوم إحداهنّ، وتذهب إلى المتجر، وتشتري ملابس، ويتمّ تبادل أرقام الهواتف. لكن، ما علاقة ذلك بأن تتحدّثي معه؟ ولأيّ شيء تُديرين رأسكِ؟ ولماذا تلتفتين برأسك عندما يلاحقكِ بنظراته الملوّثة؟ ولماذا لا تُبالين بذلك، وتذهبين لحال سبيلك؟! فما هي نتيجة ذلك؟ نتيجته هي الطلاق والفراق! فهذه هي نتيجة متابعة هذه الأمور؛ أي أنّنا سنصل إلى هنا، شئنا أم أبينا، وستطالنا الآثار السيّئة لهذه المسألة نحن أيضًا؛ وعندما نفيق، سنرى أنّ الجوانب السلبيّة لهذا الأمر قد تجذّرت في أنفسنا، وإذا أردنا آنذاك قطع هذه الجذور، فإنّ الأمر سيكون صعبًا جدًّا! ولهذا السبب، أكّد الأعاظم على مسألة الحجاب؛ وذلك لأنّ ضررها يتوجّه إلينا نحن! فعندما يُدرك المرء أنّ مسألة الحجاب هي بهذا النحو، لا تعود مسألةً إجباريّة، بل سنجده ـ في الأساس ـ يتابع الأمر بنفسه أكثر.
سؤال: كيف نزيد الرغبة والشوق للعبادة المستمرّة؟
جواب: يجب أن نراقب. قلتُ سابقًا: يجب الالتزام بالمراقبة، وبنفس هذه الموضوعات التي ذكرتُها.
سؤال: في معظم الأوقات التي يكون لدينا فيها وقت إضافيّ، لا نشعر بالشوق للعبادة، وحتّى عندما يكون هناك شوق أحيانًا، فإنّه لا يكون مستمرًّا، بحيث تجدنا نشعر بعد أيّام قليلة بالتعب.
جواب: حسنًا، لا يخفى وجود مجموعة من المسائل ذات الصلة بهذا الموضوع، فلا يصحّ أن نقول: إنّ حال الإنسان يكون دائمًا غير منتظم، وهذا ينطبق على الجميع. ولهذا، عندما يكون الإنسان في حال أفضل، يجب عليه اغتنام ذلك؛ وفي الوقت الذي يفتقد فيه هذا الحال، عليه أن يؤدّي تكليفه. وهنا، علينا أن نعلم أنّنا لا نكون دائمًا في حال واحدة؛ لأنّ النفحات والجذبات الإلهيّة مختلفة.
اگر درویش بر حالی بماندی | *** | دو دست ازهر دو عالم برفشاندی |
[لو بقي الدرويش على حال واحدة *** لنفض يديه من كلا العالمين]
فلو كان من المقرّر أن نكون دائمًا في حال عبادة جيّدة، لربّما أدّى ذلك إلى حصول اضطراب في بعض المسائل الأخرى؛ ولهذا، يورد الله تعالى هنا بعض الحالات، فيُظهر للإنسان بابًا لحديقة خضراء، ثمّ يُغيّر ذلك، حتّى لا يكون هذا الإنسان ـ باختصار ـ في حال واحدة قد تُسبّب له مشكلة في مسائل أخرى.
سؤال: في الجواب عن سؤال: هل الوشم حرام أم لا، قلتم: إنّه لا بأس به؛ لكن، هل يجب تغطيته أثناء أداء الحجّ، أم لا؟
[جواب:] حسنًا، يجب على المرأة في الحجّ أن يكون وجهها كلّه مكشوفًا، ويوجد إشكال في عمل اللواتي يسعين لتغطيته من خلال وضع شيء أمامهنّ ليخفين وجههنّ؛ لأنّه يجب على المرأة أن يكون وجهها مكشوفًا، ولا ينبغي التظاهر بالقداسة في هذا الموضع؛ أجل، في غيره، يجب تغطية الوجه، ولكن هنا، لا ينبغي تغطيته، حتى لو تمّ ذلك بمثل هذه الأمور.
[سؤال:] أرجوكم أن تدعوا بالخير لأطفال هذا العصر، حتّى يحفظنا الله جميعًا إن شاء الله من شرّ فتن آخر الزمان.
[جواب:] حقًّا إنّ الفتنة [في هذا العصر] عجيبة.
طريقة التخلّص من خواطر السوء
[سؤال:] في فترة العزوبيّة، تقدّم بعضهم لخطبتي لابنهم؛ ومنذ فترة وأنا أرى في المنام أنّه يحبّني كثيرًا، وأنا أيضًا أحبّه، وهذه الأحلام تزعجني، وأشعر بالذنب تجاه زوجي.
[جواب:] لا يخفى أنّ هذا نفس ما كنت أقوله.. انظروا، مع أنّ الأمر كان مجرّد خطوبة، أو ربّما حتى مجرّد رؤية، ولكنّ الحديث هنا هو أنّ مثل هذه المسائل والموضوعات تأتي وتترسّخ في النفس، بل من الممكن أيضًا أن تُؤثّر تصوّراتُ الآخرين في مثال الإنسان، فتُؤثّر فيه بهذه الطريقة. والعمل الذي أمر به الأعاظم في مثل هذه الحالات هو أنّه: بمجرّد أن تخطر ببال الإنسان فكرة عن هذا الأمر، ألاّ يتابعها وأن يقطعها فورًا وينشغل بعمل آخر. فمتابعة المسألة هي التي تدفع النفس للانسياق وراءها، وتُؤدّي إلى ترسّخها فيها؛ أي أنّها تصير محتلّةً مكانًا بهذه النفس. لا يوجد لدينا ذكر بخصوص هذه المسألة، غير أنّ ذكر «لا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم» ـ الذي يصلح لدفع الوساوس ـ جيّد جدًا لهذه الحالة أيضًا، فليسعَ الإنسان إلى ترديده بين الحين والآخر طوال فترة استيقاظه. ولكنّ المهمّ ليس هو الذكر، بل المهمّ هو أنّه: إذا خطرت ببال الإنسان مثل هذه المسائل، فإنّ عليه أن يعلم أنّها وسوسة شيطان، فيوجّه ذهنه فورًا إلى موضع آخر، ولا يتابعها بنفسه. فإذا استمرّ على هذا الأمر لفترة، سيختفي هذا الحال، ويتمّ طرد هذه الأفكار عن الإنسان؛ هذا، مع أنّ الأمر هو على نفس هذا المنوال حتّى في الحالات الأخرى وليس فقط في هذه الحالة، حيث توجد في هذا الصدد العديدُ من الحالات؛ كما أنّ هناك حالات كثيرة يُسأل عنها، بل قد في تُطرح في بعض الحالات مسائل مخالفة للشرع؛ كأن يتصوّر البعض من باب المثال أنّه من المستحسن أن يأتي على باله ذكرُ إنسان ما ورفيق ما؛ في حين أنّ هذا الأمر علاوةً على أنّه غير مستحسن، فإنّه حرام شرعًا، ويجب قطع هذه المسائل فورًا، وإلاّ فقد تترتّب عليها عواقب سيّئة بالنسبة للإنسان.
أظنّ أنّ الوقت قد انتهى، وقد وُفّقنا ـ ولله الحمد ـ لزيارة الرفقاء، ونأمل أن يوفّقنا الله جميعًا، ويمنحنا الهمّة، ويهبنا ـ طبقًا لهذه الهمّة ـ الفهم أوّلاً، لكي نتمكّن من فهم الموضوعات، وفهم ماذا يجب أن نفعل، وما هو في مصلحتنا، ثمّ يمنحنا ـ على أساس هذا الفهم ـ الهمّة. فالهمّة تعني العزم والإرادة والجزم للوصول إلى المطلوب والمقصد والغاية المنشودة، ولا يوجد زادُ طريقٍ ولا مركبٌ للسالك أسهل وأهمّ وأكثر حيويّة من هذه الهمّة والإرادة. وكما يقول الخواجة [حافظ]:
بر سر تربت ما چون گذری همت خواه | *** | كه زیارتگه رندان جهان خواهد شد |
[إذا مررتَ على تربتنا فاطلب الهمّة *** فإنّها ستصبح مزارًا لأحرار العالم]
فيجب على الإنسان أن يطلب الهمّة من الله تعالى، وأن يطلب الهمّة من أولياء الله، وأن يطلب الهمّة من الأئمّة عليهم السلام في توسّلاته، ليوفّقوه إلى نفس النعم والبركات التي أنعم الله بها عليهم.
سؤال: هل يوجد إشكال في إطالة الأظافر للنساء؟
جواب: لا، لا إشكال فيها.
سؤال: هل يوجد إشكال في مشاهدة الرجل الأجنبيّ لأظافر المرأة الطويلة؟
جواب: لا ينبغي عليه أن يرى ذلك؛ إذ يوجد إشكال في مشاهدة الأظافر بالنسبة للرجل الأجنبيّ؛ ولهذا، ينبغي تغطيتها. وهناك أمر رأيتُ أنّ الكثيرين يخطئون فيه: فلا يوجد إشكال في [إظهار] الوجه والكفّين، وهما مستثنيان، ولكن أين؟ إذ يوجد إشكال [في إظهار الوجه والكفّين] في المكان الذي يكون عُرضة لرؤية الرجل الأجنبيّ. ولكن، إذا لم يكن الأمر بهذا النحو؛ كأن تكون المرأة ـ مثلاً ـ تمشي في الشارع ليلاً، أو تكون تنظر إلى الأسفل وتهتمّ بعملها، ولا يراها هناك رجل أجنبيّ، فهنا لا يوجد أيّ إشكال، ولا يجب عليها بالضرورة أن تضع نقابًا أو تغطّي وجهها، ولكن في الوضع الحاليّ والظروف الحالية والوضع القائم، نرى بأنّ الناس مرضى، وفي هذه الحالة، لا نستطيع أن نقول إنّ الوجه والكفّين مستثنيان؛ فيجب بالضرورة تغطية الوجه واليدين حتى لا يتسبّب ذلك في حدوث انحرافات ومخالفات شرعيّة. والأمر بعينه ينطبق على مسألة الأظافر، أي أنّها مثل اليد؛ إذ لا فرق هنا بين الأظافر واليد. وإذا كان يوجد إشكال في النظر إلى اليد، فإنّ النظر إلى الأظافر أيضًا فيه إشكال؛ وإذا لم يوجد إشكال هناك في بعض الحالات، فهنا أيضًا لا يوجد إشكال؛ إذ يشتركان معًا في نفس الحكم. ولهذا، في الحالات التي ترى فيها المرأة أنّ يدها ونظرة الرجل الأجنبيّ إليها قد تُحدث بعض الخواطر، وتوجد ذهنيّة معيّنة، لا ينبغي عليها أن تسمح للرجل الأجنبيّ برؤية يدها، وأظافرها تبعًا لذلك. وأمّا في الحالات التي ليست بهذا النحو، كأن نفرض أنّها ذهبت مثلاً إلى مكان لا يوجد فيه التفات إلى هذا الأمر، وتريد أن تأخذ شيئًا وتذهب، ويكون ذلك الرجل أيضًا غير منتبه بتاتًا، كأن يكون بائع فواكه أو مسؤول صيدليّة أو مثلاً بائع أقمشة، ولا ينتبه للأمر، فهنا، لا يلزم أن تكون مغطّاة بالكامل. فعندما لا يكون ذهن [الرجل] منتبهًا، تستطيع المرأة أن تبقي يدها حرّة؛ ولكن في المكان الذي تحتمل فيه أنّه ينظر، ويكون هذا الاحتمال قويًّا، يجب أن تكون حذرة، أو [تأخذ الأشياء] من تحت العباءة، أو باستخدام غطاء يحفظها؛ إذ يجب عليها المحافظة [على نفسها]؛ لأنّ الظروف مختلفة، هذا أوّلاً، وثانيًا، فإنّ الرجال الذين ينظرون مختلفون، أي أنّنا لا نستطيع ـ بشكل عامّ ـ أن نُصدر حكمًا واحدًا للجميع. فالمعيار هنا هو أنّه: إذا احتملت المرأة أنّ ذلك الرجل ينظر، وقد يترتّب على هذه النظرة أثر [سيّء]، يجب عليها أن تغطّي يدها، والأظافر مثل اليد من دون أيّ فرق.
اللَهم صلّ على محمّد وآل محمّد.