المؤلّفالهیئة العلمیة لموقع مدرسة الوحي
القسم العقائد
التوضيح
كيف تنسجم هذه اللعنات الشديدة الأكيدة بهذه المضامين المختلفة التي وردت في دعاء علقمة مع روح الإمام الصادق عليه السلام التي كانت مركزاً ومنبعاً للرحمة والمحبة؟! سؤال وجهه أحد المؤمنين للسيد هاشم الحداد رضوان الله عليه، فماذا كان جوابه؟
هو العليم
تفسير السيد الحدّاد لحقيقة اللعن الوارد
في دعاء علقمة و بعض الأدعية الأخرى
بحث منتخب من «الروح المجرّد»
إعداد: الهيئة العلمية في موقع مدرسة الوحي
أعوذُ بالله منَ الشيطانِ الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين
في يوم تاسوعاء جرى قراءة زيارة عاشوراء في منزله، ثمّ اللعن مائة مرّة والسلام مائة مرّة، ثمّ قُرئ دعاء علقمة بعد صلاة الزيارة؛ فسأل أحد الحاضرين في نهاية الدعاء: كيف تنسجم هذه اللعنات الشديدة الأكيدة بهذه المضامين المختلفة مع روح الإمام الصادق عليه السلام التي كانت مركزاً ومنبعاً للرحمة والمحبة؟! ففي هذا الدعاء الذي يبدأ بـ «يَا اللَهُ يَا اللَهُ يَا اللَهُ يَا مُجِيبَ دَعْوَةِ المُضْطَرِّينَ» يصل إلى القول:
اللَهُمَّ مَنْ أَرَادَنِي بِسُوءٍ فَأَرِدْهُ! وَمَنْ كَادَنِي فَكِدْهُ! وَاصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُ وَمَكْرَهُ وَبَأْسَهُ وَأَمَانِيَّهُ! وَامْنَعْهُ عَنِّي كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّي شِئْتَ!
اللَهُمَّ اشْغَلْهُ عَنِّي بِفَقْرٍ لاَ تَجْبُرُهُ، وَبِبَلاَءٍ لاَ تَسْتُرُهُ، وَبِفَاقَةٍ لاَ تَسُدُّهَا، وَبِسُقْمٍ لاَ تُعَافِيهِ، وَذُلٍّ لاَ تُعِزُّهُ، وَبِمَسْكَنَةٍ لاَ تَجْبُرُهَا!
اللَهُمَّ اضْرِبْ بِالذُّلِّ نَصْبَ عَيْنَيْهِ، وَأَدْخِلْ عَلَىهِ الفَقْرَ فِي مَنْزِلِهِ، وَالعِلَّةَ وَالسُّقْمَ فِي بَدَنِهِ؛ حتّى تَشْغَلَهُ عَنِّي بِشُغْلٍ شَاغِلٍ لاَ فَرَاغَ لَهُ، وَأَنْسِهِ ذِكْرِي كَمَا أَنْسَيْتَهُ ذِكْرَكَ، وَخُذْ عَنِّي بِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَقَلْبِهِ وَجَمِيعِ جَوَارِحِهِ، وَأَدْخِلْ عَلَىهِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ السُّقْمَ، وَلاَ تَشْفِهِ حتّى تَجْعَلَ ذَلِكَ لَهُ شُغْلاً شَاغِلاً بِهِ عَنِّي وَعَنْ ذِكْرِي. وَاكْفِنِي مَا لاَ يَكْفِي سِوَاكَ؛ فَإنَّكَ الكَافِي لاَ كَافِيَ سِوَاكَ، وَمُفَرِّجٌ لاَ مُفَرِّجَ سِوَاكَ، وَمُغِيثٌ لاَ مُغِيثَ سِوَاكَ، وَجَارٌ لاَ جَارَ سِوَاكَ.۱
فكان جوابه على ذلك: أنّ هذا الدعاء كلّه طلب للخير والرحمة، بالرغم من ظهوره بعبارات وكلمات اللعن. وبشكل عامّ فإنّ جميع اللعنات التي ترد على لسان الله تعالى أو على لسان النبيّ والائمّة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي كلّها خير محض؛ فلا ينضح عن الله وأوليائه غير الخير.
وتنصبّ جميع هذه اللعنات على الشخص المعتدي، لا المؤمن المتّقي المشغول بعمله؛ فمهما أُعطي ذلك المعتدي الظالم عمراً وصحّة وقدرة، صرفها جميعاً في إضراره بالآخرين واعتدائه على حرمة المظلومين. ومن ثمّ فإنّ في تحديد سلامته وقدرته وحياته دفعاً للضرر، ودفع الضرر ليس في الحقيقة إلاّ نفعاً. وقد يخيّل إلينا بهذه النظرة الطبيعيّة والحسّيّة أنّ الخير هو على الدوام في السلامة والقدرة والحياة، من دون ملاحظة لواقعيّة الحياة في النيّة الحسنة أو السيّئة وفي الإرادة الحسنة أو السيّئة وفي الاعتقاد الحسن أو السيّئ، لكن الأمر ليس كذلك إذ ينبغي أيضاً ملاحظة المعنى؛ فالحياة خير للإنسان حين تكون منشأ خير لنفسه وللآخرين، أمّا لو صارت منشأً للشرّ، فإنّ إطالة عمره وزيادة سلامته وصحّته وزيادة قدرته ستؤدّي إلى ظلمه لنفسه وتعدّيه وتجاوزه على حرمة البشريّة، ولا خير في تلك الحياة هنا، ولا يصدق عليها عنوان الخير.
وفي هذه الحال وفي هذا الفرض، فإنّ ضدّه سيكون خيراً. أي أنّ الموت والمرض والمسكنة لهذا الرجل خير، ولو لم يكن هو أو الآخرون يعلمون بذلك. فحين يستأصل مبضع الجرّاح عضواً فاسداً، فإنّه يقوم بعمل خير ولو استلزم المرض والتخدير وإراقة دم المريض وتناول الأدوية المرّة؛ وعلى الرغم من أنّ ذلك العضو الفاسد يعتبر نفسه صالحاً، إلاّ أنّ الحقيقة ليست كذلك۱.
وليست الرحمة مقرونة دائماً بالسمنة وتناول الاغذية الدسمة والحلويّات، بل هي أحياناً في الهزال وتحمل الجوع والقنوع بتناول الأطعمة البسيطة. ومن شأن الطفل أن يطلب من أبيه الحلويّات، لكنّ أباه العطوف لا يعطيه ذلك دوماً بل يعطيه منها أحياناً وبقدر معيّن، فذلك خير للطفل ورحمة. كما أ نّه يُعطيه أحياناً المسهل والمرّ، ويزرقه أحياناً أُخرى بحقن الدواء، ويُرقده على سرير المستشفى لإجراء عمليّة جراحيّة، ويمنعه من اللعب؛ فلا يرضى الطفل بهذا الاُسلوب، لا نّه يرغب دوماً في الركض واللعب وتناول الحلوى، لذا فإنّه ينتقد أباه لحصره ولمنعه له ولربّما خطر في باله أنّ أباه عدوّ له وشخص يتعمّد إيذاءه! لكنّ حقيقة الامر وواقعه غير ذلك، فلقد كانت جميع تصرّفات الاب خيراً للطفل ورحمة لا نّها توجب حياته ولو جهل الطفل ذلك ولم يرضه. لذا نرى الأب ينزعج كثيراً ممّا ينتاب طفله من سوء، فيستعصي عليه النوم ويقف في المستشفى ساهراً عند سرير طفله وهو ما يمثِّل عين الرحمة.
وقد تتجلّى الرحمة أحياناً في مجال الإعطاء وتقديم الحلوى، وأحياناً في المنع وزرق المغذّي في الوريد، وكلاهما رحمة بمظهرَينِ وكيفيتَينِ.
ولقد جاء الانبياء والائمّة من أجل الحياة الحقيقيّة والسعادة الخالدة للبشر وتركّزت رسالاتهم وانصبّت في هذا المجال، لذا فأينما تعارضت الحياة الواقعيّة الحقيقيّة مع الحياة الطبيعيّة، والصحّة الحقيقيّة مع الصحّة المجازيّة، والقدرة الاصيلة مع القدرة الاعتباريّة؛ غضّوا عن الثانية لحفظ الأولى . فهم يُصدرون الأمر بالجهاد فيقتلون المشركين والكفّار ويؤدّبون المنافقين ويعاقبون المجرمين، وهي جميعاً خير لإيصال الشخص المعتدي والظالم للهدف الإنسانيّ الرفيع.
كما أنّ عرك الاُذن للتأديب، والإصابة بالإقعاد، والفقر والفاقة، والمرض وانحراف الصحّة هي خير جميعاً، لأنّها تنبّه الإنسان وتعيده لنفسه، وتقلّل من التمادي والغرور للنفس الأمّارة وتمنح الإنسان أصالة، فهي خير ورحمة إذاً ـ انتهى مفاد ومحصّل جواب السيّد.
ويشاهد نظير هذا الدعاء في الكثير من الأدعية المرويّة عن الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، ومن بينها دعاء الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين على بن الحسين عليهما السلام الوارد في « الصحيفة الكاملة » في شأن حرّاس وحَفَظَة ثغور الإسلام والمسلمين؛ فهو بعد أن يدعو لهم دعاء الخير والرحمة مفصّلاً، يدعو في ساحة الربّ بشأن أعدائهم الذين يواجهونهم:
اللَهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ، وأقلم عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ، وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَاقْطَعْ عَنْهُمُ المَدَدَ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ العَدَدَ، واملأ أَفْئِدَتَهُمْ الرُّعْبَ، وَاقْبِضْ أَيْدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ، واخرم أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَاقْطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ.
اللَهُمَّ عَقِّمْ أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ، وَيَبِّسْ أَصْلاَبَ رِجَالِهِمْ، وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، لاَ تَأْذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْرٍ، وَلاَ لأرضهم فِي نَبَاتٍ!۱
[ملاحظة: لقد تم انتخاب هذا المقال من كتاب الروح المجرّد لمؤلّفه سماحة العلاّمة آية الله الحاج السيّد محمد الحسين الحسيني الطهراني رضوان الله عليه، فننصح من أراد الازدياد أن يراجع الكتاب المذكور]