إننا في موقع مدرسة الوحي نهدف إلى حفظ و نشر آثار الأولياء الإلهيين و تبيين المعارف الإلهية الحقة والأصيلة، و حيث أنّ آية الله السيد محمد محسن الطهراني قدس سره هو من أهمّ العرفاء بالله و بأمر الله في الزمان المعاصر وكان سماحته حامل لواء هذه المدرسة المباركة بعد ارتحال والده العلامة الطهراني، وحيث أنّ موقعنا يهتمّ بشكلٍ خاصٍّ بحفظ ونشر آثار العلامة الطهراني و آثار نجله المعظم قدّس سرّهما، فقد التمسنا من سماحته أن يكتب لنا مقالة تبين هدف هذا الموقع و رؤيته ومنهاجه، فتفضل علينا بكتابة المقالة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا).
تتمحور الفطرة الإنسانيّة ـ المؤلّفة من مجموعة من القيم والقواعد التي تهدف لتحقيق السعادة والكمال الوجوديّ للإنسان ـ حول المعرفة والإدراك الصحيح للمجهولات والحقائق الخفيّة.
وقد جعل الوصولُ إلى أقصى مراتب العلم والمعرفة ورفع حجب الجهل عن أسرار عالم الوجود.. قد جعل هذه الموهبةَ الإلهيّة [أعني الفطرة الإنسانية] في قلق واضطراب لأجل الوصول إلى هذا الهدف المقدّس والمقصد الأسمى، وسيبقى هذا القلق مع الإنسان حتّى نهاية عمره وانتهاء دفتر حياته ونصيبه منها في الدنيا.
ومن الطبيعيّ أن لا يتحقّق للإنسان هدوء البال وطمأنينة الضمير وانبساط الروح ويقين القلب، ما لم ينتهِ التكامل إلى أقصى مراحله، ولم يصل الإنسان إلى أعلى مراتب المعرفة، والتي هي المعرفة الحقيقيّة والشهوديّة لأسرار الوجود.
إنّ كثيرًا من كبار العلماء والمفكّرين، ورجال البحث والتحقيق، الذين صرفوا أعمارهم في كشف مجهولات الوجود، ومعرفة العلاقات الموجودة بين سلسلة العلل والمعاليل من الحوادث والظواهر الواقعة في عالم الوجود، كان نصيبهم من الرقيّ الروحيّ والتكامل النفسيّ والكمالات المعنويّة يسيرًا جدًّا؛ حيث كان همّهم البحث في عالم الكثرات والجانب المادّي والطبيعيّ للظواهر الواقعة في عالم الوجود، وقليلاً ما اهتمّوا بالجانب الماورائي والميتافيزقي.
فهذا ابن سينا العالم الشهير والمحقّق ونابغة التاريخ، وبعد تحصيله المتقن لأصناف علوم الطبيعة والفلسفة الإلهيّة، يشير في آخر عمره إلى هذه الحقيقة المؤلمة المؤسفة ويقول:
دل گرچه در این وادیه بسیار شتافت *** یک موی ندانست ولی موی شکافت
اندر دل بوعلی هزار خورشید بتافت *** لیکن به کمال ذره ای راه نیافت
[والمعنى:
رغم أنّ القلب قد بذل الكثير من السعي في هذا الوادي، لكنّه لم يدرك حقيقة شعرة واحدة وإن فلق الشعرة في تحقيقه ودقّته.
تشرق آلاف الشموس في قلب ابن سينا *** ولكنّه لم يهتد الطريق إلى كمال ذرّة واحدة. ]
ويقال إنّه في أواخر عمره غيّر طريقة حياته، وتوجّه نحو الوصول إلى هذا الهدف الأعظم والكمال المطلوب للبشر، ليقضي ما تبقّى من عمره اليسير في طريق الوصول إلى هذه المرتبة من المعرفة والعلم.
وهذا آينشتاين الرياضيّ والمفكّر الغربيّ الذي يقلّ نظيره، كان في أواخر عمره متحسّرًا نادمًا ومهمومًا حزينًا على الأوقات التي صرفها في العلوم الطبيعيّة والنتائج الحاصلة منها وكان يقول: عليّ أن أقول بكامل الأسف والأسى: إنّ كافة الجهود والمساعي التي بذلتها لأجل كشف العلاقات الماديّة بين الموجودات، والتحقيق حول النقاط المعقّدة وأسرار ذرّات عالم الوجود، تنتهي الآن ليستفاد منها في طريق الدمار الشامل والإبادة الجماعيّة والقضاء على نسل البشريّة!! وليتني كنت أعرف اللغة الفارسيّة وأحيط علمًا بالنقاط الدقيقة والأسرار والرموز الكامنة في كلام وشعر العارف العظيم في الأدب الفارسي حافظ الشيرازيّ، لأعثر على آرائه ونظريّاته حول عالم الوجود.
لقد عُبِّر في الأديان الإلهيّة عن هذه المرتبة من المعرفة والشهود، بالمعرفة بذات الحقّ الذي هو مبدأ الوجود، ومبدع جميع عوالم الوجود. والأديان جميعها وبصوت واحد وفي صفّ واحد، تدعو البشريّة جمعاء إلى هذه المرحلة من التكامل التي هي إدراك حقيقة التوحيد: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون). أي لم نرسل قبلك أيّ رسول إلا وقد أوحينا إليه أنّه لا إله ولا مؤثّر في عالم الوجود إلا الذات التي لا نظير لها ولا مثيل، فإذن عليكم أن تعبدوني.
ورغم إمضاء الإسلام واعترافه بجميع الأديان الإلهيّة السابقة، فقد عدّ نفسه السبّاق والمكمّل لطريق تلك الشرائع، وهو يهدي جميع أفراد البشر إلى هذه الحقيقة الرفيعة والهدف النهائي، ويدعو جميع الطبقات والأصناف المختلفة من الناس للانضمام إلى لواء التوحيد، وقبول الاعتقاد بأنّ ذات الله الأحد التي لا نظير لها هي المبدأ وهي المبدع:
(وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور).
فيا أيّها النبيّ لا شكّ ولا ريب أنّك ستهدي الناس إلى النهج الصحيح المستقيم، صراط الله وطريق معرفته، وهو الذي له ما في السماوات وما في الأرض وجميع الأمور ترجع إليه.
إنّ إدراكنا الصحيح والمتقن لقواعد الشريعة الإسلاميّة المحكمة والتي تخاطب النفوسَ المستعدّة والقلوبَ القابلة للمعتقدات الحقيقيّة لا الاعتباريّة الممزوجة بالمصالح والمنافع الدنيويّة، والضمائرَ البعيدة عن الجحود والرياء والعناد وحبِّ الجاه والمقام والتوجّه إلى الدنيا وكثراتها من أيّ جماعة وفريق ومن أيّ ديانة وشريعة، يمكن أن يجعلنا في طريق الخير والسعادة والفلاح والنجاة والوصول إلى الكمالات والأهداف والغايات التي يرمي إليها القادة والزعماء الحقيقيّون.
ومن الطبيعيّ في هذا المجال أن تكون الاستفادة من النصوص والأحاديث المشرقة لأولياء الدين والكلمات المضيئة للأعاظم والواصلين إلى حريم المقصود وديار المعبود، خير زاد لسالكي طريق الهداية والمبادرين إلى سبل السلام.