المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التوضيح
هو العليم
الأحكام الفطريّة للنساء
المرأة والأسرة - قم - الجلسة الثانية عشرة
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نُفوسنا
أبي القاسم محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين
كان كلامنا حول الأحكام الفطريّة للنساء وسلوكِهِنَّ الفطريّ، وعن الوظائف الّتي جعلها الله على المرأة لأجل تكاملها ورُقيّها وتفعيل استعداداتها، وحول مسألة؛ كيفيّة اختلاف هذه الأحكام عن الأحكام المتعلّقة بسلوك الرجل.
معنى الفطرة ومطابقتها للشرع ودورها في الحكم الشرعيّ
لقد ذكرنا أنّ الفطرة هي عبارةٌ عن مجموعة من القوانين – أو بتعبير آخر هي نحوُ وكيفيّة بناء نفس الإنسان – الّتي تصل من خلالها النفسُ الإنسانيّة إلى كمالها وفعليّتها، يعني إلى فعليّة هذا المخلوق الخاصّ. والأحكام الّتي دوّنت من أجل تفعيل إمكانيّات هذا المخلوق ورُشده ورُقيّه تسمى بـ (الشرع)؛ فالشرع عبارة عن مجموعة من القوانين. ولا بدّ لهذه القوانين أن تسوق الفطرة نحو الكمال. فإذا ما وجدنا في الشرع قانونًا أو إذا شَعَرَ الإنسانُ بأنّ حكمًا ما؛ كان سببًا في تنزّله عن مرتبته أو موجبًا لركوده وتوقّفه أو موجبًا لكدورته، فيعرِف مباشرة – ولا حاجة حينها للرجوع إلى أيّ مرجع أو دليل آخر – أنّ هذا الموضوع وهذا الحكم والقانون مخالفُ للفِطرة.
قصّة والد العلّامة الطهرانيّ مع الخطيب الشيخ فلسفي
يعتقد بعض الناس أنّ الفطرة هي موافقة الأحاسيس والشعور لراحة الضمير، فيقولون: كلّ حكمٍ ارتاح له قلب الإنسان وشعر أنّه لطيف على قلبه وموردًا لقبوله، فإنّ ذلك الحكم هو حكم فطريّ.. بالمناسبة، لقد خطرتْ حادثة في ذهني الآن وهي ما رواه المرحوم العلّامة حيث قال: كنتُ أذهب في طفولتي مع والدي إلى مسجد «لاله زار» حيث كان يؤمّ المصلّين، وكان يُحضِرُ في أيّام المناسبات خطيبًا، وفي إحدى الليالي كان الخطيب هو المرحوم الشيخ فلسفي.. فتكلّم الشيخ في تلك الليلة عن الفطرة والأحكام الفطريّة إلى أن قال: «إن لبعض القوانين [حالات خاصّة]، فهناك أمورٌ قد نهى الإسلام عنها وحرّمها، إلاّ أنّ هذا الحكم والقانون مخالفٌ للفطرة»، وضرب على ذلك مثالًا وهو مثال الموسيقى، فقال: «إنّ سماع الموسيقى أمرٌ فطريّ؛ لأنّ الإنسان بفطرته يشعر بالأُنْس والرضا عند سماعها، وذلك محبّب للنفس، وهي من الأمور المطلوبة للنفس؛ لذا فهي من الأمور الفطريّة، وإن كان الشرع قد نهى عنها وحرّمها. وهكذا كثيرٌ من الأحكام الأخرى الّتي يَشعر الإنسان بأنّها موافقة للفطرة مع أنّ الشرع قد نهى عنها لبعض المصالح.. » [انتهى كلام المرحوم فلسفي]. يقول العلّامة الطهراني: فقال والدي حينها وهو جالس تحت المنبر: «كلّا، الأمر ليس كما تقول، فإنّ الشرع عبارة عن مجموعة من القوانين الموافقة للفطرة» وقرأ قوله تعالى {فِطْرَتَ اللهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللهِ}۱، ثم قال: «فالدين الصحيح هو دين إبراهيم الحنيف، وهو عبارة عن مجموعة من القوانين المؤثِّرة، وهذه القوانين فطريّة، وعلى هذا لا يمكن للدين أن يكون مخالفًا للفطرة. أمّا تلك الأمور الّتي تتوافق مع رغبات الإنسان والّتي تلتذّ نفسه بها فهي مسائل أخرى تختلف عن القوانين الفطريّة وما تقتضيه الفطرة» [انتهى كلام أب المرحوم العلّامة].
ليس معيار الفطرة هو رغبة النفس بالشيء والتذاذها به
ونِعْمَ ما قاله؛ وذلك لأنّ الفطرة ليست عبارة عمّا يعجب النفس أو لا يعجبها، فالإنسان في كثير من الأحيان يشعر بأنّه راضٍ عن مسألة معيّنة وراغبٍ بها، ولكن هل رغبته تلك ستكون سببًا في كماله أم ستوجب تراجعه وتقهقره؟! فالأشخاص الّذين يفعلون المعاصي يشعرون بالراحة لفعلتهم، فلولا أنّهم يشعرون بالراحة لفعل المعاصي ويرغبون بها لَما فعلوها ولَما عصى أحد.
أيوجد شخصٌ يفعل الذنب وهو غير مُستَسيغٍ له، أو يفعله وهو منزعج منه؟! إنْ لم يكن الإنسان مرتاحًا لعمل ما فلن يقدم عليه. فالشخص الّذي يزني فهو يزني لأنّ الزنى محبوب له، والشخص الّذي يسرق إنّما يسرق لأنّ السرقة محبوبةٌ عنده ومرغوبة لديه، والشخص الّذي يغُشّ الناس في المعاملة إنما يغشّهم – ويزيد في كسبه للمال منهم – لأنّ هذا العمل محبوبٌ عنده ومرغوبٌ لديه، بل يتلذّذ كثيرًا بهذا العمل، والشخص الّذي يكذب ويصل من خلال كذبه إلى مصلحة ظاهريّة فإنّه يحبّ ذلك الفعل ويَسْعَدُ به. فَمِنْ غير المعلوم أنّ كلّ ما كان موردًا لرضا الشخص ومرغوبًا عنده فإنّه سيكون موافقًا للفطرة.
والموسيقى أيضًا من هذا القبيل، فالإنسان يلتذّ بسماع الموسيقى، والنفس تميل إلى الموسيقى بسبب تركيب الألحان ووضعها على وزن وإيقاع معيّن، ولكن هل هذه الموسيقى تحرّك نفس الإنسان نحو الكمال أم أنّها توقفه عن الحركة، فهذا أمر آخر، ونفس الإنسان لا يمكنه أن يُحدّد ذلك.. بالطبع نحن لا يمكننا أن ننكر أنّ بعض الموسيقى الّتي تكون بكيفيّة خاصّة وفي بعض الحالات الاستثنائية [يكون حكمها مشكلًا]، إذ أنّ الإنسان يشك بأنّ الموسيقى في هذا المورد الخاصّ هل توجب كمالًا للإنسان أم أنّها تكون مجردَ مسألة نفسانيّة وباقيةً في دائرة الحرمة؟! وتحديد ذلك صعبٌ جدًا! ولذا فإنّ الشارع قد قام بتحريم الموسيقى جميعًا؛ حتّى لا يستمع الإنسان إلى بعض الموسيقى بحجّة أنّ هناك مواردَ نادرةً تسبّب تجرّدًا للنفس وتلطيفاً لها، فيقع في الخطأ والحرام والانحراف.
هذا بيان مسألة الفطرة..
خبايا النفس تحتاج إلى مرشد هو الشارع وأولياء الدين والأستاذ
ومن هنا، فلا بدّ أن نقيس صحّة أعمالنا الخارجيّة وتصرفاتنا بناءً على أحكام الشرع وأوامر أولياء الدين، لا على أساس مرادنا وميلنا النفسيّ، لماذا؟ لأنّ الوصول إلى جميع خبايا النفس وما يحصل فيها من خطورات، ولأنّ إدراك نقاط ضعفها، كلّ ذلك خارج عمّا تحيط به قدرتنا وقابليّتنا؛ إذ لو كانت جميع زوايا أنفسنا واضحة لنا، لَمَا احتجنا حينئذ إلى أستاذ ومرشد، لأنّ الأمور كلَّها ستكون واضحة لنا. فمَنْ يدّعي أنّه غيرُ محتاجٍ لأستاذ فلسان حاله وواقعه أنّه يعترف بنقصه وقصوره في جميع موارد نقصه الوجودي ويُعْلِنُ عنه، وإن كان لسانه الظاهريّ يقول: «إنّي مطّلع على جميع خصوصيّات نفسي، وعارف بجميع حُجُبها وموانعها، ومطّلع على جميع أخطارها، ومحيط بجميع ما يُصْلِحُها».
هذا هو معنى عدم الحاجة إلى أستاذ، وهذه هي الجهالة المحضة! إذ مِنْ أين للإنسان أن يُدرك جهات نقصه وزوايا الخلل في وجوده؟!
بعض أنواع الأحكام الشرعيّة وآثارها الظاهريّة والباطنيّة
انطلاقًا من هذه المسألة جُعلت القوانين ووضعت الأحكام؛ وبعض هذه الأحكام أحكامٌ إلزاميّة، وبعضها غير إلزاميّة. والمقصود من الأحكام الإلزاميّة الأحكام المحرّمة، والمقصود من الأحكام غير الإلزاميّة الأحكام المكروهة.
فتلك الأحكام الأُسَرِيَّة والاجتماعيّة، الّتي يلزم من عدم رعايتها في الأسرة والمجتمع تفكّك اللُّحمة العائليّة وفساد المجتمع وتفشّي الهرج والمرج في العلاقات العائليّة، فهي أحكام إلزاميّة بحيث؛ إمّا يجب على المحيط العائليّ أن يلتزم بها ويطبّقها، أو يحرم عليهم ذلك ويجب تركها. هذه هي الأحكام الإلزاميّة، ومنها: حرمة هتك أعراض الآخرين وهو حكم إلزاميّ، وحرمة خروج المرأة من منزلها من غير إذن زوجها، وحرمة دعوة أحد إلى المنزل من دون إذن الزوج، ووجوب أن ينْفق الزوجُ على الزوجة، فهذه كلّها أحكام إلزاميّة. على كلّ حال يوجد عندنا الكثير من الأحكام الإلزاميّة الّتي يَلْزم من عدم الالتزام بها تفكّكِ المحيط العائليّ وتفسُّخ العائلة، ويلزم منه الفساد.
وهناك بعض الأحكام غيرُ إلزاميّةٍ، ولكن مِنَ المناسب جدّاً مراعاتها، وقد دُوِّنَتْ [هذه الأحكام] لترْقِيَة العلاقات العائليّة وتحسين العلاقات الاجتماعيّة. ونحن فعلًا بصدد بيان هذه الأحكام. أمّا الأحكام الإلزاميّة فبعضها – لا جميعها – مدوّن في الرسائل العمليّة، وعلى كلِّ شخص – على أي حال – أن يرجع فيها إلى مَنْ يُقلِّده. وأمّا الأحكام غير الإلزاميّة والمسمّاة بالأحكام الأخلاقيّة فإنّها غيرُ موجودة في الرسائل العمليّة، وهي مسائل دقيقة وحسّاسة؛ فإنّ تكامل الطرفين سواءً المرأة أو الرجل منوطٌ برعايتها.
نموذجٌ واقعيّ عن حكمٍ غيرِ إلزاميّ وأثره العظيم في الحياة والسلوك
ومن تلك المسائل على سبيل المثال، والّتي سنتكلّم عنها بالتفصيل لاحقًا؛ أنّه ينبغي على المرأة أن لا تخاصم زوجها ولا تلاحقه ولا تُسائِله حول كيفيّة صرفه للأموال واكتسابه لها، وبتعبير آخر في كيفيّة قيام الرجل بصرفها واكتسابها، ومن أين تأتيه تلك الأموال وأين يصرفها. أو أنّها تحاول أن تعرف هل قام زوجها بإعطاء فلان هذا المقدار من المال أم لم يقم، وماذا فعل مع فلان. فهذه المسألة من المسائل غير الإلزاميّة، ففي نهاية المطاف هناك علاقة بين المرأة وزوجها، ويوجد بينهما نوع من الاختلاط والتقارب، ولم يحرّم الإسلام على المرأة أن تتفحّص وتدقّق في هذه المسائل، فالرجل زوجها وشريكها في الحياة، وتعامُلها معه يختلف عن تعاملها مع الشخص الغريب، فما يُقال لها بخصوص الشخص الغريب من أنّ التجسّس على الناس حرام لا يجري بخصوص الزوج؛ إذ لا نستطيع أن نقول إنّ التدخل في أمور الزوج حرام. ولكنّ سؤالنا هو هل هذا العمل الّذي تقوم به المرأة عمل صحيح أم غير صحيح؟ فسؤالها لزوجها؛ من أين جلبتَ هذا المال، والأهم منه أين صرفته، هل هذا تصرّف صحيح أم لا؟ طبعًا سأتكلّم عن هذه المسألة فيما بعد، ولكنْ سأحدّثكم هنا عن هذه المسألة بناءً على تجربة صارت معي؛
أتذكّر أنّي تكلمت قبل أربع سنوات في محاضراتي للنساء المخدّرات في لبنان حول هذا الموضوع، وهو؛ أنّه لا ينبغي للزوجة أن تتدخل بعمل زوجها وشغله.. بأن تسأل زوجها عمّا فعله، ومن أين جلَب المال وأين صرفه. فلا ينبغي لها أن تستفسر منه عن ذلك ولا أن تتعقّبه، ولا ينبغي لها أن تتنصّت عليه لكي تعرف ما الّذي يقوله في المسألة الفلانيّة، ففي التنصّت إشكال وحرمّة. ولكن لِنَفْترض أنّها عرفت من طريقٍ ما؛ أنّ زوجها أنفق ماله في المكان الفلانيّ، فحتّى تتأكّد ذهبتْ وسألت بعض الأشخاص عن ذلك، ودخلتْ معهم في سين وجيم حول المسألة. فإنّ هذا العمل مضرّ بحالها قطعًا، ويوجب سدّ الطريق عليها.
وبعد مُضِيِّ فترة على هذا، وفي إحدى السنوات طلبتْ إحدى المخدّرات اللبنانيّات موعدًا مني، فلمّا أتت إليّ وراجعتني بدأت ببيان مسائلها ومشاكلها في الحياة [كقولها]؛ إنّ زوجي كذا وكذا، وإنّه يعطي أقرباءه هذا القدر من المال، وفلانًا كذا من المال، ولا يعطينا إلّا القليل ولا يُبقي لنا إلّا القليل، وبَدَل أن يصرف أمواله في مصالح أولاده فإنّه يعطيها إلى فلانٍ وفلان، ويأخذ من ابنه أجرة بيته الّذي أَسْكَنَهُ فيه، ولا يأخذ من الشخص الآخر الّذي يجلس في بيته الآخر. وبقيتْ [تتكلّم] على هذه الحال وتُبيّن عدم ارتياحها، وأنّها فقدتْ صبرها، وأنّها لم تعد تتحمّل هذا الوضع.
فقلتُ لها: هل تتذكرين قبل أربع سنوات عندما كنتِ جالسةً أمامي وتحدثتُ عن هذا الموضوع؟ فأطرقتْ [برأسها] قليلًا ثم قالت: عجيب! لقد تذكّرت ذلك الآن. فقلت لها: هذا يعني أنّكِ كنتِ تأتين [إلى المحاضرة] هكذا ثُمَّ تقومين وتذهبين [من دون فائدة]؟
هل رأيتم، إلى أيِّ حدٍّ جرّتها مسألةٌ واحدة، ما كان لها أن تتدخّل فيها؛ فقد قَرُبت من الطلاق!!
فالرجل يريد أن يصرف، فلماذا تتدخلين في ذلك؟! فهو مَنْ ذهب وجلب المال، وعَمِل على تحصيله، وتعب من أجله، فسواءٌ كان يريد أن يعطيه لشخصٍ آخر أو يرمِيَه في البحر حتّى، ما هو دَخْلكِ أنتِ؟! إنّه لم يترككِ جائعة، وما زال ينفق عليكِ، ودائمًا [يفعل ذلك]، فهو يصونكِ في المنزل وينفق عليكِ، وقد أعطاه الله الحقّ في بعض الموارد أن يتصرّف بالمال وفق بعض المصالح، فلماذا تتدخّلين وتسألين وتَتَتَبّعين وتحقّقين؟! ولماذا تذهبين إلى هنا وهناك لكي تحصّلي معلومةً معيّنة؟! فإنّ حصولَكِ على هذه المعلومة سيكون وبالًا عليكِ. ثُمّ بعد ذلك لن يعود بيدكِ شيءٌ لتفعليه؛ لأنّه لن يغيّر من تصرّفاته، ومِنْ ثَمّ تُصابين بالأمراض وتبدئين بأكل نفسك بنفسك، وتقولين: لقد أُصبتُ بقرحة المعدة، وزاد وزني وصار قلبي يؤلمني، وغيرها.
مِنَ الطبيعيّ أن يحصل لكِ هذا. فما قيل لكِ [في المحاضرة] لم يُقَلْ جُزافًا بلا سبب، بل كان كلامًا مهمّاً وأمرًا خطرًا. وبالإضافة إلى كلّ هذه السلبيات فإنّ فِعْلَكِ هذا سيسبّب الانزعاج والنفور، ثُمَّ لن يكون لكلامكِ أثرٌ [بعدَ ذلك].
وفضلًا عن ذلك كلّه، فإنّ هذا العمل سيوجب سدّ الطريق عليها، نعم سيوجب سدّ طريق نفس المرأة، ولماذا؟ لأنّ سلوك الإنسان يعني الحركة من الجزئيّة إلى الكليّة، فذاك التسلّط والتخيّل وتلك الصور تُبقي الإنسان محبوسًا في الجزئيّة إلى الأبد. فحتّى لو قالتْ ذِكْر اليونسيّة ألف مرّة فلن يكون له فائدة! ولا أيّة فائدة! ولو قالتْ (لا إله إلّا الله) ألف مرّة، ثُمَّ تدخلّتْ في شغل زوجها فأنا أضمن لها – ولْتَأتي يوم القيامة وتحاسبني على ذلك – أنّها لن تتحرّك وتتقدّم سنتمترًا واحدًا. لماذا؟ لأنّ عالم التربية مطابق لعالم التكوين، وقد فطر الله المرأة بحيث لا ينبغي عليها أن تتدخّل بعمل زوجها، فلا يمكن للماء أن يجري على خلاف مجراه الطبيعيّ، فلو كان الماء يأتي من هذه الجهة العالية ويذهب إلى تلك الجهة الدانية فلا يمكنك أن تجعله يرجع إلى الخلف، لأنّ الماء سوف يضغط بالاتجاه الّذي يتحرك فيه ويمضي في طريقه، بل لا بدّ أن يُفتح الطريق للماء، حتّى يستطيع أن يجري بشكل أفضل ويسقي أرض القلب ويروي ضميرنا المتعطّش. فهذا هو ما نسمّيه ونعبّر عنه بالطريق الفطريّ وبطريق السلوك.
وقد قلتُ لتلك المرأة: ليس لديك ما ينجّيكِ الآن إلّا أن تتوبي إلى الله. وأردفتُ قائلاً: اُنْظري كم يصرف زوجك عليكِ! فهو ليس من ذلك النوع الّذي يمتنع عن الإنفاق على عائلته، بل هو يعطيكم بشكل جيّد.
قالتْ: لماذا يأخذ أجرةً من ابني؟ فقلتُ: هو حرّ في ذلك، فلعلّه يرى مصلحته في ذلك، ويريد تربية ابنه بذلك وتقوية عوده.. وعلى كلِّ حالٍ فالأمر يرجع إليه، وهذه هي رغبته، فليس لكِ أنتِ أن تتدخلّي في ذلك. نعم، من الممكن أن يذهب إليه شخصٌ آخر لينصحه، ولكن أنتِ.. فليس لكِ أن تفعلي ذلك.
سألتُها: كم يصرف عليكِ؟ أجابت: بمقدار كذا. فقلتُ لها: تخيّلي أنّ زوجَكِ ابتداءً من هذا الشهر ليس له دخلٌ أكثر من هذا المقدار، فتصوّري أنّه في السابق كان يعمل عشر ساعات يوميًا، أمّا الآن فيقول لكِ: من اليوم وصاعدًا لا أريد أن أعمل أكثر من ساعتين في اليوم. فهل يجوز لكِ أن تقولي له شيئًا؟ لا، لا يجوز، لا يجوز لكِ أن تقولي له: اِدّخِر من المال ما يكفيني وأولادي، ويكفينا بعد ارتحالك أيضًا لمدّة خمسين سنة قادمة! ادّخر ما يكفينا ويكفي أبناءك وأحفادك لما بعد خمسين سنة، فهذا غير ممكن! لأنّ هذا الرجل ليس بحجر أو فولاذ، فلزوجكِ صبر وتحمّل محدودان، واستعداد وطاقة معيّنان، فلا يمكنه أن يعمل أكثر من ذلك الحدّ، وأمّا احتياجاتكم الزائدة عن ذلك فالله يتكفّل بها، الله يتكفّل بها.
خير للمرأة أن لا تحادث الأجنبيّ ولا يحادثها
حسنًا، المسألة الّتي كنتُ أريد التحدّث عنها اليوم هي مسألة حديث المرأة مع الرجل [مِنْ غير المحارم]، فهذه المسألة مسألة مهمّة جدّاً جدّاً.
من العادات الّتي كانت رائجة في مجتمعنا سابقًا، وهي عادة مأخوذة من الثقافة الإسلاميّة الأصيلة ومن ثقافة التشيّع الحقيقيّة، وكانت ثقافة منتشرة في مجتمعنا بشكلٍ أو بآخر، هي عدم تكلّم المرأة مع الرجل [غير المَحْرَم]. وكان ذلك الأمر متعارفًا عليه جدّاً، فعندما يكون الرجل عند الباب لا تذهب المرأة لتقف خلف الباب وتتحدّث معه، وحتّى الآن يوجد من هم كذلك، بل حتّى أنّهم إن اضطُرّوا لذلك يضعْنَ على أفواهِهِنَّ حصاةً لكي تتغيّر أصواتهُنْ.
لم تكن أعمال تلك المجتمعات في غير محلّها، فهم لم يكونوا متحجّرين ولا رجعيّين، بل كانوا يقومون بذلك لأنّهم قد وصلوا إلى الحقيقة والواقع وإلى حقيقة المسألة. فهم يقولون: لقد فهمنا المسألة بهذا المقدار وشعرنا بها وتذوقناها؛ لذا نحن مجبورون على أن نعترف بها.
أمّا نحن فينبغي علينا أن نكون كما كنّا سابقًا، فالمسألة ليست مسألةً رجعيّةً وتخلُّفًا، بل إنّ الثقافة الغربيّة أتتنا بكامل نفوذها وسلبت منّا تلك الحقائق، أليس كذلك؟! ما الّذي أبقته [ثقافة الغرب] لنا؟ لم تبقِ لنا إلا حُفْنَةً من الأوهام. فحقيقتنا تلك وضميرنا ذاك ونفسنا الصافية تلك، الّتي إن وضعناها في محلها الصحيح فإنّها سَتُظْهِر استعداداتنا وتبرزها، ولكنّ الغرب أتوا وسحقوها وركلوها بأرجلهم وفتّتوها، فصارت مجتمعاتنا كَمَثَلِ ذلك الغراب الّذي أراد أن يُقَلِّدَ الحَجَلَ، فلم يستطع أن يصبح مثله ولم يَعُد بإمكانه أن يُكْمل طريقه كغراب، فبقي يقفز بين الغراب والحجل. هذا ما فعله الغَرْبُ.
ففي الزمان السابق – وكذلك في بعض البيوت في زماننا الحالي – كان يوجد على باب البيت حلقتان للطرق، إحدى هاتين الحلقتين تُصدر صوتًا جهوريّاً، والأخرى تُصدر صوتًا ضعيفًا، فإن كان الطارق رجلًا فيطرق بتلك الحلقة وإن كان الطارق امرأة فتطرق بالحلقة الأخرى.
إنّ من وراء هذا الأمر [الّذي كان يفعله السابقون] حقيقةً وواقعًا، كيف عرفنا ذلك؟ لأنّهم قد لمسوا وأدركوا أهميّة وقيمة هذا الحكم؛ فالرجل والمرأة مِثْل قطبين أحدهما موجب والآخر سالب، مِثْل قطبَي المغناطيس أحدهما يجذب الآخر، ومن الطبيعيّ أن يكون الأمر كذلك.
ونحن [نشاهد] ونرى ما يؤيّد ادّعاءنا وكلامنا هذا؛ فانظر إلى جامعاتنا والأمور الّتي يحكونها عنها. تُرى؛ هل نتحرّك في الجامعات نحو الرشد وإصلاح النفس؟ وهل نتحرّك في الأماكن العامّة كالجامعات والمستشفيات إلى الأمام من الناحية الاجتماعيّة؟ وهل نترقّى في محاضراتنا واجتماعاتنا وندواتنا أم نتقهقر؟! بل يقولون في كلّ يوم: تفشّى الفساد أكثر، ازدادت اللامبالاة وعدم الالتزام. فما هو السبب؟ السبب هو الاختلاط وحديث المرأة مع الرجل؛
ففي الجامعات عندما تكون الطالبة في الفصل الدراسيّ، فبَدَلَ أن تذهب وتسأل زميلتها الّتي مثلها، تراها تذهب لتسأل الرجل، لماذا؟ لأنّ طلبها هو هذا ومرادها هو هذا. لماذا لا تذهب وتسأل المرأة الّتي مثلها، فهي جالسة هناك أيضًا، مثلها مثل غيرها؟ ذلك لأنّ الالتذاذ النفسانيّ الحاصل من ارتباط المرأة بالرجل يجعلها تميل نفسيّاً نحو هذه الجهة.
وأيضًا، ما الّذي يفعله الرجل في قسم النساء في المستشفيات، وما الّذي تفعله المرأة في قسم الرجال؟! ألا يتيسّر العمل إلّا بهذه الطريقة أي بالاختلاط؟!
يقولون: يا سيد، لقد أصبحتْ هذه المسائل من المسائل القديمة. [أقول] من الواضح أنّها صارت من المسائل القديمة، إذ لو لم تكن من المسائل القديمة لَمَا انحدر حال مجتمعنا إلى هذا المستوى، ونحن نعلم أنّها قديمة. ولكن كلامنا نحن ليس مع هؤلاء، بل كلامنا مع الأشخاص الّذين يعتقدون بأنّ هناك يومَ قيامة ويومًا سيُسألون فيه عن كل عضو من أعضائهم، وعن كل جارحة من جوارحهم، وعن الاستعدادات الّتي أعطاها الله لهم، وسيأتيهم ذلك اليوم قريبًا. أمّا أولئك الّذين يستأنسون بهذه الأوضاع فلا كلام لنا معهم، فمَنْ يُخاطبهم غيرنا، والكلام معهم مستواه مختلف. مبارك لكم ما أنتم عليه!
لخطب السيّدة الزهراء والسيّدة زينب عليهما السلام حيثيّات خاصّة وتفسير خاصّ
يقولون أنّ السيدة زينب عليها السلام قد تكلّمت بين الرجال وخطبت أمامهم. وكان المرحوم العلّامة يقول: كان عُمْر السيدة زينب عليها السلام قرابة الستّين سنة، ففي طوال عمرها هذا هل ذُكر أنّها تحدثتْ أمام الرجال؟! فالستّون سنة ليست بقليلة، ولم تتكلّم إلّا خلال أسبوع واحد أو أسبوعين، والحال أنّه لو لم تتكلم حينها فمن كان ليتكلم؟!
يقولون بأن السيّدة الزهراء سلام الله عليها خطبت في المسجد عندما غصبوا منها فدكًا وغصبوا الخلافة من أمير المؤمنين عليه السلام، حيث جاءت إلى المسجد لكي تُحقّ الحقّ، وقد كانت واقعًا خُطبة عجيبة، حيّرت بها جميع خطباء الجيوش. فعندما خطبت أمامهم تعجّبوا منها وانبهروا من خطبتها، أتعلمون لِمَ؟ لأنّهم لم يكونوا قد رأوا السيدة الزهراء مِنْ قبلُ، فعندما سمعوا كلامها تعجبوا وقالوا: يا للعجب، أهذه هي ابنة رسول الله، فإنّنا لم نرَ حتّى عباءتها مِنْ قبلُ، أهذه هي؟! فمَنْ لديه دليل واحد على أنّها عليها السلام تحدّثتْ في زمان رسول الله أمام الرجال؟!
نعم، عندما تكون المسألة منحصرة بأن تخاطب المرأةُ الرجلَ، فإنّ التكليف حينها سيختلف، إذ مِنَ الطبيعيّ أن يكون لكلّ قانون عامٍّ استثناءات، وهذه المسألة مسألة واضحة.
عندما أرادتْ السيدة زينب سلام الله عليها أن تتحرّك من المدينة إلى مكة مع قافلة سيّد الشهداء أتى إليها رجال وشباب بني هاشم وأحاطوا بهودجها لكي لا يراها عند ركوبها رجالُ القبيلة. هكذا كانت سيرتهم. وأنا أتعجّبُ مِنْ أولئك؛ إذ لِمَ لا يبيِّنُون للناس الروايةَ الّتي سُئِلَ فيها النبيّ عن ما هو خير للمرأة، فهل كانت تلك الرواية كاذبة أم صادقة؟ فإن كانت كاذبة فقولوا عنها أنّها كاذبة، وإن كانت صحيحة فلماذا تطمُّون رؤوسكم في التراب [ولا تتكلّمون]. تفيد الرواية۱ [أن النبيّ سأل] عن الشيء الّذي هو خير للمرأة، والعمل الّذي يقرّبها إلى الله أكثر، فلم يستطع أحد أن يجيب، فذهب أمير المؤمنين عليه السلام إلى المنزل، وعندما كان يتحدّث مع الزهراء عليها السلام ذكر تلك الأُحجية الّتي طرحها عليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم في المسجد، وكان من المقرّر أن يذهب الأصحاب ليفكّروا في هذه المسألة ويأتوا بجوابها في وقت لاحق، فقالت الزهراء سلام الله عليها لأمير المؤمنين: «خير للمرأة أن لا ترى رجلًا وألّا يراها رجل». فهذا أفضل وخير عمل تقوم به المرأة.
ربّما نسخر من هذا الكلام اليوم، [ونقول] ما هذا الكلام يا سيّد، فعندنا الكثير من أحكام الشريعة ذات الفضل، فتأتي وتقول لنا (ألّا ترى رجلًا وألّا يراها رجل)!! وعندنا حكم الإنفاق والإيثار والصلاة والحجّ وغيرها، فهل أن (لا ترى رجلًا ولا يراها) يُعدُّ حكمًا من الأحكام والأعمال المقرّبة إلى الله أيضًا؟!
ومتى سنرى النتيجة [وصحّة هذا الحكم]؟ سنراها غدًا في القيامة، في ذلك اليوم ستظهر النتائج، حينما يُعطى كلُّ إنسانٍ صحيفة أعماله، ستتضح صحّة كلام السيّدة الزهراء، وسيُعرف أنّ كلامها كان حقّاً، وحينها أيضًا سيتبين حال تلك الأفكار الفارغة الّتي لا تساوي شيئًا.
الأحكام إنّما تصدر مِمّن اتصل سرّه بمنبع الوحي
«ألاّ يراها رجل وألاّ ترى رجلًا».. إنّ هذا الكلام لكلام عجيب حقّاً، ولا يمكن أن يصدر إلّا عن شخصٍ كان سرّه متصلًا بسرّ الوحي، ويرتشف أحكامه من نفس منبع الوحي، من ذلك المنبع الّذي تنبع منه أحكام الوحي، فهو مَنْ يَصْدُرُ عنه هكذا أحكام. أمّا نحن فلا يمكننا أن نقولَ مثل ذلك، وأقصى ما يمكننا فعله هو أن نسمع منها سلام الله عليها، فهي تقول هذا الكلام لأنّها تعلم بأنّ فطرةَ المرأة ونفسَها شُكّلتْ بحيث إنّها لو رأتْ رجلًا فسيُأَثِّر ذلك عليها وتُضيّع نفسها وتبعدها.
مسألة الكلام والنظر بين المرأة والرجل كقصّة الحمل والذئب
لقد خطرتْ في بالي قضيّة لا تخلو من لطافة؛ حُكي أنّ الخواجة نصير الدين الطوسيّ كان مع (هولاكو) عندما أراد أن يحتلّ بغداد. وبعد أن سيطر عليها كاملةً فتّش عن وزير المستعصم العباسيّ ليقبض عليه فلم يجده، مع أنّه قد أمسك بنفس الخليفة وقتله لكنّه لم يجد وزيره. وعندما أمسك بالخليفة قال بعضهم: (ستمطر السماء دمًا إن قتلتَ الخليفة) – إذ قد أمطرت السماء دمًا عندما قُتل أمير المؤمنين عليه السلام وكذلك في حادثة كربلاء عندما استشهد سيّد الشهداء عليه السلام، ولكن هل هذا يعني أنّ كل من هبّ ودبّ هو مِثْلُ الإمام عليهم السلام؟! وعلى كل حال، هذا ما قالوه – فقال لهم الخواجة نصير الدين الطوسيّ: لن نقوم بقتله، وإنّما سنلّفه بقطعة كبيرة من القماش.. وسنرى هل ستمطر السماء علينا دمًا. فقاموا بلفّه وشرعوا بضرب رأسه ودماغه [حتّى مات]، فرؤوا أنّها لم تمطر دمًا، بل على العكس زادتْ السماء صفاءً، وبهذه الطريقة انقضى أمر الخليفة!
ثم ذهبوا ليفتّشوا عن وزيره فلم يجدوه، وقد كان وزيره وزيرًا خبيثًا جدّاً واسمه ابن الحاجب، وهو مِنْ علماء النَّحْوِ المتضلّعين فيه، ونحن ندرس بعض كتبه النحويّة [الآن]، فقد كان متضلّعًا في النَّحْوِ لكنّه خبيث ناصبيّ وشيطانيّ.
طبعًا، [فإنّ بعض] ما ينقلونه في هذه القصّة لا يخلو مِنْ أمور مشكوكة وتخيّلات، وعلى كلّ حال ينبغي أن يُؤخذ الأمر كما هو لأنّه مُحتمل..
وقد كان الوزير يعلم أنّ الخواجة نصير الدين مُطّلع على بعض العلوم [الغريبة كعلم الرمل]، فمِنَ الممكن أن يعرف مكان اختفائه بواسطتها، فأعطى الوزير أمرًا بأن يُذبح خروفان في مكان اختبائه، وأن يوضع دم أحدهما في طشت وتُوضَع طاولة في وسط ذلك الطشت، وقام هو بالجلوس على تلك الطاولة. وإنّما فعل ذلك لأنّهم يقولون أنّ عِلْمَ الرمل لا أثر له في المكان الّذي فيه دم ولا يعمل عمله. وعندما قام الشيخ الطوسيّ بنثر الرمل رأى بأنّ هذا الشخص في بحر من الدم ولكنّه لم يعلم مكانه – هذا ما نُقل، ولا شغل لنا بصحّة هذا النقل أو سقْمِه، لأنّ مقصودنا [من هذه القصة] هو التمثيل – فقال الخواجة لا بدّ من حيلة حتّى أُمسك بهذا الوزير.. فقام بإعطاء كلّ بيت في بغداد يتوقّع وجود الوزير فيه خروفين أحدهما كبير والآخر حَمَلٌ صغير۱ – ومِنَ الطبيعيّ أنّ يُتوقّع عدم وجوده في بعض البيوت بسبب بعض القرائن، فلذا لم يُعْطِ الجميعَ، بل أَعْطى ما مجموعه مثلًا خمسين بيتًا أو عشرين أو ثلاثين أو أربعين، هكذا – وقال لهم: سأعطي كلّ بيت منكم خروفًا مع ابنه وسَأَزِن الابن، وبعد عشرين يومًا سآتي لأخذهما منكم، ويجب ألّا يكون وزنه قد زاد ولا نَقُصَ، بل يجب أن يكون على الوزن نفسه يوم أعطيتكم إياه. فقام صاحب المنزل الّذي فيه ابن الحاجب بإحضار هذين الخروفين، وقال لابن الحاجب: ما العمل الآن، فقد قالوا لنا كذا وكذا، وطلبوا منّا كذا. فقال له: اذهب وأحضر ذئبًا صغيرًا حتّى أخبرك ماذا تفعل. فذهب وأحضره. فقال له ابن الحاجب: اعلف الخروف من الصبح حتّى المساء، وعندما يحلّ المساء أَرِه هذا الذئب، فعندما يرى [الحَمَل] الذئبَ سيُنزل كلّ ما أكله ويذوب، وكذلك في الغد اعلفه نهارًا ثُمَّ أَرِه الذئب ليلًا ليذوب كلّ ما أكله ويذهب، وهكذا.
ففعَل ذلك، وبعد عشرين يومًا أتوا ليروا ما الّذي فعله الناس بالخِراف، فوجدوا أنّ بعضها قد نقص وزنه وبعضها قد زاد إلّا ذلك الحَمَل في المنزل الّذي فيه ابن الحاجب لم يتغيّر وزنه، وبقي وزنه على ما هو عليه يوم أخذه، فقال لهم الخواجه: ادخلوا إلى هذا البيت وأحضروا الوزير، فإنّه هناك. فدخلوا ووجدوه.
فقصة هذا الحَمَل والذئب مثل مسألة الكلام والنظر، أي كلام المرأة مع الرجل، فإنّ المرأة وبسبب حديثها مع الرجل سوف تخسر قسماً مما اكتسبته وحصّلته، فيكون عليها أن تبدأ من جديد، وهكذا. وكذلك عندما تحصل على بعض الحالات الروحيّة فإنّها ستخسرها بحديثها مع الرجال، ثُمّ يمرّ عليها أسبوع أو شهر من الحركة والسير الّذي ينبغي عليها أن تستمرّ فيه، لكنّها تتراجع [بسبب حديثها مع رجل]، وتستمرّ على هذه الحال؛ تتقدّم يوماً وتتأخّر آخر.
فما هو سبب هذه المسألة؟ يقول المرحوم العلّامة: سبب ذلك أنّ النفوس لم تصل جميعها إلى مرحلة الخلوص وصفاء الضمير والباطن [بعدُ]. فالناس متفاوتون في هذه المسألة. ومن غير الممكن أن يتحدّث رجل مع امرأة دون أن يختلج في نفسه شيء، فكيف يمكن ألّا يخطر في نفسه خطورٌ؟! وبمجرد أن يحصل في نفسه خطور ما، فإنّ نفسه ستُؤثِّر [على نفس المرأة] مباشرة. وبما أنّ نفس المرأة ألطف من نفس الرجل، فستكون هي الخاسرة في هذه المنافسة، وستتضرّر من هذه المعاملة، فبما أنّ نفسها ألطف فستتغلّب نفس الرجل عليها وتؤثّر فيها.
تفسير قوله: إن استطعت أن لا يعرفْنَ غيرك فافعل
قال المرحوم العلّامة للحقير يومًا: إنّ الحكم الإسلاميّ الّذي قاله أمير المؤمنين عليه السلام لابنه الحسن في وصيته له في حاضِرِين، هذا الحكم الّذي يستهزئ به الناسُ اليوم ويقولون: أحكمٌ هذا؟! اذهبوا وطالعوا هذه الوصية وعنوانها «من وصيّة له عليه السلام لابنه الحسن في حاضرين»، حيث يقول فيها «وإن استطعت ألّا يعرفْنَ غيرك فافعل»۱. أي إن استطعتَ أن تقوم بعمل يجعل زوجتك لا تعرف غيرك فافعل، لماذا؟ لأنّ ذلك يزيد من عفّتها، ويجعل قابليّاتها التكامليّة تُزْهِر وتُثْمِر. هذا كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
يقول المرحوم العلّامة: «إنّ للمرأة خاصيّة نفسانيّة، ولا يمكن أن تصل هذه الخصوصيّة إلى كمالها إلا بارتباطها بزوجها. يعني أنّ الظرف المناسب لبلوغ هذه الخصوصيّة إلى كمالها هو ارتباطها بزوجها هي لا بشخص آخر، وكلّما خرجتْ هذه المسألة عن حدودها [بأن تواصلت المرأة مع غير زوجها] ستخسر بذلك المقدار». فإنّ كلام المرأة مع الرجل [غيرِ المَحْرَم] يجعلها تخسر من سهمها ورأس مالها، وكلَّما تحدثتْ أكثر خسِرتْ أكثر، وهذا الفَقْد والخُسران يسبب لها التشويش والاضطراب.
تغيّر الحالات دليل على المرتبة الّتي نحن فيها
يقولون: «لا يا سيّد، نحن لسنا كذلك، ها نحن نتحدث مع الرجال ونذهب إلى البقّال وغيره ونتكلّم معه، ولا نحسّ بشيء». نعم نعم كلامكنّ صحيح؛ ولكن هل كان الأمر كذلك منذ البداية؟! أم أنّنا اغتررنا بحالتنا الفعليّة الحاليّة التي وصلنا إليها وتعوّدنا عليها؟! وهل حالتنا الحاليّة صحيحة؟
الدليل على كلامي هو أنّ الإنسان عندما يتحرّك ويترقّى يشعر بأنّ حالته تغيّرت، فدائمًا يأتِينَ ويَقُلْنَ: «يا سيّد أنا لا أستطيع أن أتكلم [مع الرجال]، يا سيّد أنا غير قادرة على الحديث، يا سيّد إننا ننزعج من الكلام معهم، يا سيّد إنّهم يأتون إلى مجلسنا ويتكلّمون فنشعر أن حالتنا انقلبت رأسًا على عقب» فحال الإنسان تنقلب وتتغيّر شيئًا فشيئًا، فما الّذي يفعله السلوكُ بالإنسان؟ [السلوك] يجعله يتراجع عن حالته السلبيّة، فيتخطّى الرتبة المتسافلة الّتي كان عليها إلى الأمام، وبذلك يُرْجِعك [السلوك] إلى نقطة الصفر [وحالة الاستواء] الّتي كنت عليها، ثمّ بعد ذلك يجعلك تصعد في معارج الكمال فترتقي درجةً درجة.
فحالنا الآن هي أنّنا ساقطون في البئر بعمق خمسين مترًا، فلذا نقول: إنّ الكلام [مع الرجل الأجنبيّ] لا يؤثر علينا شيئًا. إذ مِنَ الطبيعيّ أن لا يؤثّر، بل لا ينبغي أن يؤثّر، لأنّ جلدنا قد صار مثل جلد وحيد القرن، فمهما يُطعن بالرماح فلن يتأثّر. وكذلك هي حال الرجل، لا يوجد فرق بينهما من هذه الناحية، فكلاهما واحد، غاية الأمر أنّ الأثر في المرأة أكبر، وأنّ جبران الضربة الّتي تتلقاها المرأة يحتاج لوقت أطول من الرجل؛ إذ الرجل أسرع في جبران ما فقده.
يقول المرحوم العلّامة: حكم هذه المرأة كحكم الشخص المخدَّر؛ فإنّه لا يشعر بأيّ إبرة تُوغِزُهُ بها. وهذا صحيح، فحتّى لو ضربته بالسكين أو ركلته برجلك فإنّه لن يشعر! فالتخدير مرض.. التخدير معناه عدم التكامل.. التخدير يعني اللَّغْوِيّة والبطلان وعدم التمييز. هذا هو معنى عدم الشعور. فعلى الشخص أن يَصْحُ ويبدأ بالشعور بالألم، فمَنْ لا يشعر به قد يصل الأمر به إلى الموت وهو غير مدرك.
هذا فضلًا عمّا يمكن أن يبتلى به الإنسان من مخاطر بسبب الاختلاط، وقد ابتلينا بذلك فعلًا، فهذا هو وضعنا الفعليّ الآن، وهذا ما نشاهده الآن في مجتمعنا! ففي التلفاز نرى أنّ المرأة تجلس مع الرّجل ويتحدّثان مع بعضهما البعض لأجل الناس، فهذه تضحك لذاك، وذاك يضحك لهذه، ويمازح أحدهما الآخر.
حالة المجتمع الآن هي حالة الجاهليّة في الأقوال والأفعال والمنطق
كنتُ بالأمس راجعًا من طهران، فقال لي سائق سيارة الأجرة الّذي كان شابّاً: يا سيّد هل شاهدت القناة الفلانيّة بالأمس؟ فقلت له: أصلًا لا يوجد عندي تلفاز. فقال: انظر لهؤلاء النسوة، فإنّ تصرفاتهِنَّ يندى لها الجبينُ، فإنهُنَّ يَقُمْنَ بتصرفات [غريبة] في الأيّام الفاطميّة، وهي أيّام وفاة السيدة الزهراء، فقد أخجَلْنَ نساءَ الدنيا بتصرّفاتهِنْ. فقلت له: ليس هذا بجديد، بل الأمر على هذه الحال منذ القِدَم. فهؤلاء النسوة، لِمَن يعطين هذه الدروس [ولِمَن يفعلْنَ] هذه الحركات؟ [إنهُنَّ] يُعلِّمْنَها للناس، أليس كذلك، [فهُنَّ بذلك] يقُلْنَ للمرأة: تحدّثي مع زوجكِ بهذه الطريقة، وتملّقي مع الغريب بهذه الطريقة، وإذا جلسنا مع بعضنا [جلسة اختلاط] نتحدّث بهذا الأسلوب، فهؤلاء غرباء لا أقارب.
يُشْكِلُون بأنّه إن لم يكن في البرنامج جنسان فسيكون البرنامج مملّاً وليس فيه حركة وتنوّع، وينبغي أن يكون هناك تنوّع في الخطاب. تستطيعون أن تطوّروا البرنامج فيكون فيه تنوّع أكثر! [في الواقع] لقد تسافلنا كثيرًا ورجعنا إلى الوراء كثيرًا، لقد عدنا إلى الجاهليّة، وعدنا إلى الخَلْف. فمن المسلّم أنّه عندما يكون المتحدّث امرأة فإنّ الرجال سيلتفتون إليها أكثر ممّا إذا كان المتحدّث رجلًا، وهذا أمرٌ واضح، وكذلك عندما يكون المتحدّث رجلًا فإنّ التفات النساء إليه سيكون أكثر، وهذا أمر واضح. ولكن هل هذا تصرّف صحيح؟!
يقول المرحوم العلّامة: لقد جعل اللهُ نفسَ المرأة بحيث إنّ قابليّاتها واستعداداتها ستصل إلى فعليّتها وكمالها عندما تُهيّأ لها الظروف المناسبة لتكاملها، والظروف المناسبة هي عدم ارتباطها بالرجل [الأجنبي] وعدم حديثها مع الرجل.
لماذا تذهب المرأة إلى السوق وتشتري؟! لماذا لا يذهب الرجل؟! مَنْ الّذي قال بأنّه ينبغي على المرأة أن تذهب وتشتري؟! نعم، في بعض الحالات الخاصّة والّتي يكون فيها البائع امرأة أيضًا، ففي هذه الحالة لا يوجد إشكال في ذهاب [المرأة لشراء الأغراض]، ولكن أن تذهب المرأة إلى السوق وتساوم الرجال، أو تذهب وتشتري الخبز من الخبّاز فيقول لها هذه بخمسة تومانات۱ فتقول له أعطني إيّاها بأربعة، فيحصل بينهما مساومة وأخذ وردّ، فلماذا، لماذا؟! لماذا لا يذهب الرجل إلى السوق ويشتري؟!
كان أمير المؤمنين عليه السلام يمشي في السوق، فرأى بعض النسوة يشتَرِيْنَ، فوقف على رأس الزقاق وقال: «أفٍّ لكم يا أهل الكوفة، ألا تستحون؟! أتجلسون وتدعون نساءكم في الأسواق يشتَرِيْنَ».٢ معنى كلام أمير المؤمنين هو أنّه لماذا تذهب المرأة وتشتري، لماذا تذهب المرأة لشراء الدجاج واللحم، هل قُطعت أيدي الرجال؟! فلْتعطِ المرأةُ قائمةَ المشتريات للرجل، ثُمّ يشتريها عندما يكون راجعًا من العمل، كأن تقول له: اشترِ لنا الخضار والباذنجان والكوسا والبطاطس، أو اِشترِ القماش الفلانيّ، أو غيرها مما تحتاجه، فيشتريها الرجل لها ويحضرها، فإن لم يتمكّن فليس بالأمر الضروريّ، إذ ما هو الأهم وأيّهما ذو قيمة أكثر [تكاملها أم هذه الأشياء]؟!!
إنّ هذه المسائل الّتي طرحتها عليكم مسائل مهمّة وجديّة. ونترك بعض المسائل الأخرى حول هذا الموضوع لفرصة أخرى إن شاء الله.
إجابات سماحة السيّد على أسئلة المخدّرات
[السؤال]: تقول إحدى النساء المخدَّرات في رسالتها: هل يمكن تطبيق حديث (خير للمرأة ألّا ترى رجلًا وألّا يراها رجل) في ظروف حياتنا الحاليّة الصعبة والمعقّدة جدّاً؟! وقد ورد في بعض الأحاديث أنّ الزهراء عليها السلام قد تحدّثتْ مع سلمان [المحمديّ]، وهناك روايات أنّها تحدّثتْ مع بعض الصحابة أيضًا؟
[جواب سماحته]: بالنسبة للمسألة الأولى حول عدم إمكان [تطبيق الحديث في ظروفنا]، [أقول]: بل فهو ممكن، لا كما ذكرتم من أنّه غير ممكن. فنحن إن أردنا يمكننا أن نجعله ممكنًا، أو على الأقل نوصله إلى أقل حدٍّ ممكن، لا أن نجعل ثقافتنا ومجتمعنا يسير على خلاف هذا الحديث. في أحد الأيّام قالت لي زوجتي: أريد الشيء الفلاني. فقلتُ لها: ليس عندي وقت الآن، ولا أستطيع أن أشتريه لكِ. فقالتْ: فهل تسمح لي أن أذهبَ وأشتريه؟ فقلتُ لها: لا، لا أسمح لكِ. فقالتْ لي: إنّي محتاجة إليه. فقلتُ لها: هل ستموتين بدونه؟! فإن لم يكن لديك [هذا الشيء] فلن يحصل لك شيءٌ، فهو ليس ذا أهميّة، فلن يَضِير إنْ تأخّرتْ حاجتك أسبوعًا، وعندما يصير عندي مجالٌ فسأحضرها لكِ، وإن لم يكنْ عندي مجال فلن أحضرها. حسنًا، علينا أن نشعر وندرك مدى أهميّة المسألة بالنسبة لنا. نعم هناك بعض الموارد سنبيّنها فيما بعد.
أمّا السؤال الثاني فهو حول الموضوع الّذي أشرتُ إليه في كلامِيَ السابق، وهو أنّ ليس كلُّ الناس أولياء الله، وهذا هو جواب السؤال الثاني، فالمسألة تعود إلى هذه النقطة. وسنتكلّم عن هذه المسألة إن شاء الله، وهي أنّه ما هي الحالات الّتي يمكن للمرأة أن تتحدّث فيها مع الرجل. إذ مِنَ الطبيعيّ أنّه في بعض الظروف يمكن للمرأة والرجل الأجنبيّ أن يتكلّما؛ كما لو أرادت المرأة أن تأخذ الطفل إلى الطبيب، فهنا عليها أن تأخذه وتتحدث مع الطبيب. أو أن يتحدث هو مع الطبيبة. وفي بعض الموارد الخاصّة [الأخرى]. أو في بعض الأوقات الّتي لا يكون فيها الزوج موجودًا وتكون المرأة مضطرّة، ولا يمكنها أن تصل إلى رجلٍ حلالٍ عليها [يقوم مقامها في هذا الأمر الاضطراريّ]. فهذه الموارد يمكننا أن نضع لها قاعدة عامّة، فيقوم الشخص بتطبيقها على مواردها المختلفة.
وخلاصة كلام الحقير۱ هنا نصيغه كقاعدة وهي: مِنَ الخطأ أن تتكلّم المرأة مع الرجل في كل مسألة تخطر على بالها، ومِنَ الخطأ أن تتعامل مع المسألة على أنّه أمرٌ عاديّ ومتعارف، فهذا خطأ. ولكن في بعض الحالات والظروف الخاصّة الّتي تكون فيها مجبرةً على الكلام، فإن شاء الله لن يكون فيه ضررٌ إذا كان بمقدار الضرورة وبحدود معيّنة.
نرجوا من الله أن يوفقنا للإدراك الصحيح للمباني الإسلاميّة ولتطبيقها بشكل صحيح أيضًا.
[سؤال]: إذا كان المدخول المالي للزوج هو عن طريق الحرام أو كان في دخله شبهة، فهل في هذه الحالة أيضًا ينبغي على المرأة ألّا تسأل الرجل عن [مصدر المال]؟
[جواب سماحته]: بلى، في هذه الحالة يجب عليها أن تسأل، لأنّ الحكم هنا – كما بيّنتُ سابقًا – من الأحكام الإلزاميّة. فقد قسّمتُ المسائل في بداية الكلام إلى مسائل الأحكام الإلزاميّة ومسائل الأحكام غير الإلزاميّة؛ ومسألة المدخول المالي للرجل عن طريق الحرام هي من مسائل الأحكام الإلزاميّة، فيجب على المرأة قطعًا أن تُذَكِّرَ الرجل، ولكن على أن لا يخرج الأمر عن حدِّ التذكير، وإلّا كان موجبًا لفَسادِ عملها. فالحكم هنا هو؛ نعم، يجب تَذْكِيره.
[السؤال]: إنَّ مراعاة عدم اختلاط المرأة بالرجل للحدّ الّذي ذكرتموه اليوم غير ممكن، فكيف يمكن لنا إنشاء علاقة وارتباط صحيح وسليم مع رجال العائلة القريبين الّذين هم مِنْ غير المحارم؟
[جواب سماحته] لم أفهم ما هو مقصودكم من عبارة (غير ممكن)۱؛ فإن كان قصدكم أنّه لا يوجد اختلاط في مجتمعاتنا إلى هذا الحدّ، فهذا غير صحيح. وإن قصدتم أنّه لا يمكن بحسب ظروف حياتنا ومجتمعنا إلّا أن نختلط، وذلك لأنّ ثقافة المجتمع والثقافة المتعارفة بين الناس تقتضي الاختلاط، فأقول إنّ كلامي – كما بيّنتُ لكم – ليس مع أولائك الّذين لا يأبون عن المشاركة في المجالس عراة، بل كلامي هو مع الأشخاص الّذين يريدون أن يبنوا حياتهم وغايتهم على أساس استكمال استعداداتهم النفسيّة، وإلّا فإنّ هناك أناسًا آخرين بثقافةٍ وأُسُسٍ مختلفة لا شغل لنا بهم.
[سؤال]: كيف ينبغي أن تكون العلاقة مع الرجال من الأقرباء القريبين من غير المحارم. وكيف هي الطريقة الصحيحة لتبادل التحيّة والسؤال عن الأحوال معهم؟
[جواب سماحته]: ينبغي أن يكون السلام بصوت خافِت جدًا. طبعًا إن لم تسلّم المرأة على الرجل فليس هناك مشكلة أبدًا، فأنا نفسي عندما كان هناك علاقة بيني وبين إخوتي في السابق لم يحدث أن جاءت إحدى زواجات إخوتي وسلّمت عليّ، ولم أكن أنزعج من ذلك، بل لم يكن زوجها يسمح لها بذلك، إذ كان يحافظ على عفافها، ويطلب منها ألّا تسلّم على أخِ زوجها. وينبغي أن يكون الأمر كذلك. هذا بالنسبة للأخ فما بالك بالأشخاص الآخرين.
وبالمناسبة، فقد حصلت معي تجربة في هذه المسألة، وتحدّثتُ حولها مع بعض الأشخاص، وقد كان مخالفًا لهذه الطريقة، وفي أحد الأيّام كنّا في مجلسٍ واتضح فيه أنّ كلامي هو الصحيح، وذلك عندما حصل هناك أمرٌ أيّد رأيي. فإنّ السلام والمجاملات قد تتعدّى الحدّ.
[السؤال]: ما هو حدّ الاختلاط الأدنى [المسموح] بين المرأة والرجل؟ وإن كان الرجل لا يستطيع أن يلبّي جميع احتياجات المرأة الّتي من خارج المنزل، فما هو الحلّ؟
[جواب سماحته]: حسنًا، لقد أجبنا عن هذه المسألة؛ فإنّ حدود اختلاط الرجل بالمرأة من المسائل الّتي يمكن لنفس الإنسان أن يحدّدها. التفتوا عندما يكون الأصل والأساس عندنا هو عدم الاختلاط فما معنى أن يقول الشخص لأيِّ حدٍّ يمكننا أن نختلط؟! ماذا يعني هذا؟!! ما معنى أن يختلط أخ الزوج مع المرأة؟! فلماذا نجعل الأصل هو الاختلاط ثُمَّ نسأل؟! بل علينا أن نقول بأنّ الأصل هو عدم الاختلاط، ثُمَّ نَرفع اليد عن ذلك في حال الاضطرار وبمقدار ذلك الاضطرار.
[السؤال]: هل هناك إشكال في أن تمشي المرأة في الشارع، خصوصًا إن كانت ذاهبة لأجل صلة الرحم أو الزيارة؟ أم لا بدّ من الامتناع عن ذلك أيضًا؟
[جواب سماحته]: لا، ليس في المشي في الشارع إشكال إن حافظتْ المرأة على نفسها، ولم يكن حجابها ملفتًا للنظر وكان ساترًا لها، فتمشي في طريقها [بصونٍ]، فليس في هذه الحالة أيُّ إشكالٍ.
[السؤال]: بالنسبة لطبيب الأسنان، هل تذهب المرأة إلى طبيبة الأسنان أم الطبيب، أيهما أرجح؟
[جواب سماحته]: الأرجح أن تذهب المرأة إلى الطبيبة الّتي هي إمرأة [أيضًا]، إلّا إذا شُخّص بأنّ الطبيبة لا تستطيع أن تعمل بدقّة ومهارة الطبيب ممّا قد يسبّب حصول مضاعفات ومشاكل. وهذا ليس مختصّاً بالمراجعة العاديّة، بل الأمر كذلك حتّى في الأمور الأخرى كالعمليّات الجراحيّة؛ حتّى إنّي أوصي الأصدقاء بأنّه لو وصلتْ المسائل إلى العمليّة الجراحيّة فلا ينبغي الذهاب إلى الطبيبة، مع أنّي أعتقد بحرمة ذهاب المرأة إلى الرجل [في الحالات العاديّة]، يعني يحرم على المرأة أن تراجع الرجل [الطبيب] إن كان بإمكانها أن ترجع إلى امرأة [طبيبة]، فمع ذلك كلّه فإنّ المسألة بالنسبة للعمليات الجراحيّة [مختلفة]؛ لأنّها تحتاج إلى دقّة.
ولم أوصِ أحدًا إلى الآن أن يرجع إلى امرأة [طبيبة] في إجراء عمليّة جراحيّة، إلّا أنْ تكون خبرة المرأة ومهارتها في تلك المسألة مُحْرَزَةً، فيكون الحكم فيها كما ذكرتُ.
وكذلك الأمر بالنسبة لطبّ الأسنان، فعندما تكون الطبيبة الأنثى مكافِئَةً للرجل، فيجب رجوع [المرأة] إليها. وبالخصوص طبّ الأسنان، إذ المسألة فيه حسّاسة [حيث أنّ وجه المرأة يكون قريبًا من الطبيب]. أمّا إن لم تكن الطبيبة المرأة قادرةً على التكفّل بعلاج هذا المرض، ففي هذه الصورة يجب الرجوع إلى الطبيب الرجل. وعندما [يُضطرّ إلى أن] يكون الطبيب رجلًا، ينبغي عدم الرجوع إلى أيّ طبيب أسنان مهما كان، بل ينبغي ملاحظة الجهات الأخلاقية [في الطبيب الرجل] ومراعاة ذلك [عند اختياره]، بالإضافة إلى ملاحظة الجنبة التخصصيّة إذ يجب مراعاة هذه الجنبة بشكل كاملٍ أيضًا.
[السؤال]: كيف ينبغي أن تكون علاقة المحارم البعيدين من حيث القرابة، مثل أم الزوجة والصهر؟
[جواب سماحته]: بالنسبة لأم الزوجة مع الصهر (أي النسيب) فهما مَحْرَمَان، فلا يوجد أيّ إشكال في كلامهما وعلاقتهما.
[السؤال]: بالنسبة للخطوبة، ما هو الحدّ الّذي ينبغي للطرفين الحديث فيه أو ما هو الحدّ المجاز؟
[جواب سماحته]: هذا سؤال جيّد جدّاً، وهو محلّ ابتلاءٍ شديد، والكثير من الناس لا يتعاملون مع هذه المسألة كما ينبغي. ففي موضوع الزواج هناك عادات مختلفة، فبعض العوائل تتحسّس في هذه المسألة أكثر من بعض، فلبعضهم نوع تحسّس؛ حتّى إنّي سمعتُ أنّ بعض العوائل لا يحبون أن يهيّؤوا بناتهم ويَعرضُوهُنَّ على الخاطب، وتتمّ العُلْقَة الزوجيّة من دون أن يلتقي الطرفان [قبل الزواج]. وبعضهم يجعلون اللقاء لقاءً محدودًا جدّاً. وبعضهم يجيزون ذلك بالعباءة مثلًا. وعلى كلّ حال هناك تفاوت بين الناس في هذه المسألة.
وأمّا عندنا نحن في الإسلام، فاللقاء والكلام ينبغي أن يكون بالمقدار الّذي ترتفع به الجهالة عند الطرفين، سواءٌ من ناحية الجسم والظاهر أم مِنَ الناحية الروحيّة الباطنيّة والأخلاقيّة، يعني أن ترتفع الجهالة بالحدّ المتعارف؛
طبعًا بالنسبة للاطلاع على واقع الخصوصيّات الأخلاقيّة، فإنّ ذلك يحتاج إلى فترة طويلة، وغالبًا ما يكون متعذّرًا [في هذه المرحلة].
ولكن بالنسبة لطريقة التفكير وكيفيّة التعامل مع الزوج أو الزوجة وكيفيّة المعاشرة الاجتماعيّة سواء لدى البنت أم الشاب، فإنّ هذا الأمر من المسائل المهمّة، ومن أركان الحياة، فهو حجرُ أساسٍ للحياة.
وكذلك الأمر بالنسبة للجهة الظاهريّة، فينبغي على الرجل أن يلتقي بالمرأة بحيث لا يبقى في ذهنه نقطة مجهولة [عن ظاهر المرأة]، لذا فمجرّد رؤية الوجه مع الشعر في بعض الموارد غير كاف؛ ولا إشكال في النظر إلى مواضع الزينة بالمقدار الّذي ترتفع فيه الجهالة لا أكثر. وكذلك الأمر بالنسبة للمرأة نحو الرجل.
أمّا بالنسبة للكلام فلا إشكال أن يكون بحدود أن يفهم الطرفين بعضهما.
وطبعًا لا بدّ من الانتباه والالتفات الكامل إلى أن يكون الهدف من هذا هو ما ذُكر، لا الالتذاذ بين الطرفين.
[سؤال شفهيّ من إحدى الحاضرات]: لو جاء عشرة أشخاص لخطبة الفتاة، فهل يصحّ أن نفعل ذلك أيضًا؟!
[جواب سماحته]: نعم، لا إشكال، فلْيأت مائة خاطبٍ حتّى! لا إشكال في ذلك! إنّ موضوع الزواج موضوعٌ مهمٌّ جدّاً وليس أمرًا بسيطًا كشراء الخضار والفاكهة؛ فإنّ هذين الشخصين سيقضيان مع بعضهما عمرًا!
[السؤال]: إذا أراد الزوج أن يخرج ويقوم بعمل ما، ورغبت الزوجة أن تسأله عن هذا العمل إن تمّ أم لم يَتُمّ وعمّا حصل فيه، فهل على المرأة أن لا تسأل عن مثل هذا؟
[جواب سماحته]: لا ينبغي للمرأة أن تتدخّل في مثل هذه الأمور أصلًا. فإنّ وظيفة الرجل هي أن يعمل خارج البيت ويُحضّر احتياجات المنزل بحسب المقدور، وقد وضع الله هذه المسؤوليّة على عاتق الرجل. فكونه قد وُفِّقَ في عمله اليوم وهل أتاه مشترٍ أم لم يأته، فهذه أمور خارجة عن الحياة العائليّة.
[السؤال]: ماذا لو كان الرجل ميسورًا، وكان هناك شخصٌ محتاجٌ فقامت الزوجة بتوصية زوجها به وإرشاده إليه؟
[جواب سماحته]: لا إشكال في ذلك. فإن كان الزوج متمكّنًا ماليًا وهناك شخص محتاج، فيمكن لزوجها أن يساعده، ففي هذه الحالة لا إشكال أن تقوم الزوجة بإخبار زوجها عن هذه المسألة بعنوان إلفات النظر أو بعنوان نقل المسألة له. في هذه الحالة لن يكون في ذلك إشكال.
[السؤال]: كيف علينا أن نتعامل مع عائلة الزوج، مثلًا إن لم نسلّم عليهم فسيُشكِلون علينا؟
[جواب سماحته]: حسنًا، فَلْيُشكلوا عليكم، فهذا الأمر بحسب الاصطلاح ليس بالأمر المهم.
[السؤال]: [هذا سؤال شفهيّ من إحدى المخدَّرات، ولكنه غير واضح]
[جواب سماحته]: حسنًا، بالنسبة لمسألة الحجاب، لا بدّ من رعاية جهات مختلفة إحداها مسألة الستر. وبشكل عامّ علينا أولًا أن نفهم معنى الحجاب، يعني علينا أن نفهم لماذا قام الشارع المقدّس بفرض الحجاب؛ فإنّ علّة ذلك وسببه هو المفاسد الّتي تحصل من لَفْتِ الأنظار؛ وبما أنّ المرأة موجودٌ لطيف وهي بطبيعتها محطّ نظر الرجل، ولفتها للنظر أشدّ من العكس يعني [لفتها لنظر الرجل أشدّ] من لفت الرجل لنظر المرأة، فمِنَ الطبيعيّ أن يقوم الشارع لذلك بإلزام المرأة بالحجاب. هذا هو أصل وفلسفة الحجاب.
وبناءً على هذا الأصل وهذه القاعدة يمكننا أن نعيّن كيفيّة الحجاب، فنقول: إنّ كلَّ حجاب لا يمكنه أن يؤمّن هذا الهدف فهو في نظر الشارع [غير كافٍ]. مثلًا: لو كان الحجاب ناقصًا، ففيه إشكال قطعًا. وكذلك لو كان الحجاب كاملًا ولكنّه ضيّقٌ بحيث يُبرز الأعضاء، فهذا قد يكون أكثر تحريكًا [للشهوة] وأقبح من التعرّي، فهو حرام قطعًا. وكذلك لو كان اللباس من جهة الألوان وطرز الخياطة مُلفتًا للنظر، فهو أيضًا فيه إشكال قطعًا.
من حيث المجموع يمكننا [في الحجاب] أن نأخذ بعين الاعتبار الأمور التالية:
أولًا: تغطية أجزاء الجسم الّتي بيّنها الشارع.
ثانيًا: [تغطية البدن بحيث يصير] حجم الجسم غير معلوم.
ثالثًا: أن يكون لون الحجاب مناسبًا.
رابعًا: أن يكون ذلك الحجاب متناسبًا مع ثقافة البلد المستعمل فيه [الحجاب]، بمعنى أن يكون حجابها بحيث يمكنها أن تتعامل معه بشكل أفضل، فيمكن للمرأة أن تهيّئ حجابًا أحسن من العباءة المتداولة عندنا (الچادُر)۱، إذ قد يكون (الچادر) مشكلًا في بعض الأحيان، لأنّ على المرأة أن تُمسك [جانبي] (الچادُر) بيدها [على الدوام] ومن الطبيعيّ أن تحدث أمورٌ [تعيقها] كأن؛ تهبّ الرياح، أو تسقط على الأرض، وكذلك إن أرادت أن ترفع شيئًا من الأرض، أو أرادت أن تمسك شيئًا بيدها، أو أن تجرّ طفلها وتأخذه معها. فمن الصعب جدًا أن تفعل ذلك مع إمساكها (للچادُر)، لذا وبلحاظ هذه الأمور سيكون ذلك الحجاب كما هو هناك [في البلاد الّتي فيها طراز آخر من الحجاب الّذي لا يحتاج إلى مسكه باليد دائمًا] أحسن وأرجح برأيي. ولكنّ الكلام في أن تطبيق ذلك يتوقف على أن يكون أمرًا عامّاً ترتديه جميع النسوة، أو أن يطبّق ذلك لمدّة من الزمان حتّى يصبح أمرًا عاديّاً ومتعارفًا. أو إذا كان هذا النوع من الحجاب يُلفِتُ أنظار الناس إليها.. يمكنها أن تغطّي وجهها، وعندها لا يمكن للناس أن يتعرّفوا عليها، وبالتالي لن تتأثّر بذلك، بخلاف ما لو كانت مكشوفة الوجه بحيث تُعرف بشخصها، فتلك الأنظار ستؤثر سلبًا عليها.. وعلى كل حال فإن كان بإمكانها أن تقوم بذلك بنحوٍ ما [فلْتفعل].
وبالنسبة لطراز نفس اللّباس وشكله الّذي يظهر به، فإنّه يُشترط فيه أيضًا كيفيّة معيّنة، إذ اللباس الواحد يمكن أن يتشكّل بعشرة أشكال أو عشرين شكلًا، فنفس اللباس يمكن أن يُشَكَّلَ بطريقة يكون فيه أقلّ لفتًا للنظر، ويمكن أن يُشَكَّلَ [بطريقة يكون ملفتًا للنظر جدًا وغيرَ شرعيٍّ]، هذا ما يحصل في تلك البلاد واقعًا.
وهذا الأمر مرتبط بمسائل أخرى كهدف الشخص من ذلك اللباس؛ فهل هدفه الستر فقط أم الاستعراض أيضًا، وأنتم مطّلعون على هذه المسألة أكثر مني. فالمهمّ هو أن يكون اللباس بكيفيّة بحيث يكون أقلّ لفتًا للانتباه وأكثر سترة، هذا هو ما يهمّ الإسلام والشرع في مسألة الحجاب.
حفظكم الله إن شاء الله