المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التوضيح
هو العليم
ثبات أحكام الفطرة (الزواج الثاني والمؤقت نموذجًا)
المرأة والأسرة - قم - الجلسة التاسعة
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْديلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}
ثبات أحكام الفطرة
أي اجعل مسيرك وممشاك قائمًا على أساس الدين الحنيف، الدين الطاهر والنقي من كلّ شائبةٍ، هذا الدين هو الفطرة التي أودعها الله في وجود كلّ إنسان، فمسيرك وممشاك يجب أن يكون على أساس القوانين الفطريّة، والقوانين الفطريّة لا تقبل التغيير والتبديل؛ فمنذ أن خلق الله آدم على نبيّنا وآله وعليه السلام أودع في وجوده هذه القوانين، وهي كذلك مستمرّة في ذرّيته حتّى زماننا هذا، وستبقى هذه الفطرة مودعة فيه مادام الإنسان يتواجد من هذا النسل، ويجب على الإنسان أن يمشي على أساس هذه الفطرة، فعلى سبيل المثال مسألة قبح الكذب، فإنّها مسألة فطريّة، فالكذب كذلك سواء في زمان آدم أم في الزمان الذي يليه، أم في زماننا هذا، وكذلك سيبقى على ما هي عليه في المستقبل. ومن القوانين الفطريّة قانون مساعدة الإنسان لبني نوعه، وكذا مسألة الإنفاق والإيثار فإنّها من القوانين الفطريّة كذلك.
التحرّك نحو الكمال من أهمّ القوانين الفطريّة
وكذا مسألة التحرّك نحو الكمال فهي من أهم وأوّل القوانين الفطريّة؛ فكلّ ناقصٍ يرغب بالوصول إلى الكمال؛ وهذا الأمر كامنٌ في سرّ عالم الخلق، ولا يختصّ بالإنسان وحده؛ فبذرة التفّاح عندما تقع على الأرض تبدأ بالسعي لطيّ مراتب الكمال ولا تبقى هكذا [مستقرّة ومن دون حركة]، فعندما تكون الظروف مهيّأة لها من ماء وأشعّة شمس وأرض مناسبة، فإنّها لا تبقى ساكنة دون حركة، فإنّك تراها بعد ثلاثة أيّام قد اخضرّت. وكذا الحال مع حبّات الحنطة، فإن وضعت مقداراً منها في إناء فيه ماء، فستراها وبعد مرور يومين أو ثلاثة أيّام قد بدأت بالنموّ؛ فحبّة الحنطة تقول: أنا عليّ أن أسير نحو الكمال، فهذا القانون قانون فطريّ؛ فالحركة نحو الكمال كامنة في النظام التكوينيّ، وجميع الموجودات تسعى لإيصال نفسها إلى كمالها. فعندما تتبدّل بذرة التفاح إلى نبتة، تأخذ هذه النبتة بالنموِّ حتّى تصبح شجرة مثمرة، فتكون تلك البذرة قد وصلت إلى كمالها المطلوب.
إنّ جميع موجودات هذا العالم في سعي دؤوب من أجل الوصول إلى كمالها الخاص؛ والإنسان غير مستثنى من هذه القاعدة، فحتّى لو لم يكن هنالك أيّ عامل أو سبب ينبّهه إلى هذا الأمر، فإنّ هذه المسألة الموجودة في داخله تجعله يسعى ويبحث عن حقيقته، فيتساءل: ما هي حقيقتي؟ ومن أنا؟ ولماذا جئت إلى هنا؟ وإلى أين سأذهب؟ فهذا ما نعنيه بأنّ هذه المسألة مسألة فطريّة.
السبب في تحرّك الإنسان نحو كماله شعوره بنقصه
فعندما يرى الإنسان نفسه محتاجًا وضعيفًا وناقصًا، فإنّه سيتساءل ويكون في حالة بحثٍ وتحقيقٍ مستمرّ؛ لماذا لا يسأل الله نفسه هذا السؤال: من أكون؟ وما هي حقيقتي؟ وما هو مآلي؟ لأنَّه غنيٌّ بالذات، ولأنَّه صمد، فمعنى الصمد هو الممتلئ الذي لا خلأ فيه۱، فلا معنى لوجود أيّة نقطة ضعفٍ أو نقصانٍ في وجود الله؛ فليس عند الله استعداد حتّى ينتظر إيصاله إلى الفعليّة، وليس فيه نقص حتّى يوصله إلى الكمال، وليس عنده ضعف حتّى يوصله إلى القوّة؛ فجميع مراتب وجود الله ناشئة عن استغنائه الذاتي، أي إنَّ ذات الله ليست محتاجة إلى غيره.
وللعلم فإنَّ أولياء الله قد يصلون إلى هذه الدرجة أيضاً؛ غاية الأمر يكونون تحت ظلّ الله؛ فبالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، سُئل الجاحظ ـ والذي هو أحد علماء السنّة ولكن لديه عبارة جيّدة ـ يوماً: من هو الأفضل لتولّي الخلافة بعد رسول الله، فهل هو عليّ أم أبو بكر وعمر؟ فقال: استغناؤه عن الكلّ واحتياج الكلّ إليه دليل على رجحانه٢؛ فعليّ في غنىً عن جميع من في العالم.. ما هي المسائل التي يكون الإنسان محتاجًا فيها؟ المقصود هنا هو النواحي العلميّة والنواحي المعيشيّة والاقتصاديّة، فنحن من الناحية العلميّة محتاجون، فها نحن نرى أنفسنا بحاجة إلى مطالعة الكتب وإلى التعلّم والتعليم، وها نحن نرى أنفسنا في المسائل الظاهريّة محتاجون إلى المتخصّص، فنحن بحاجة إلى مراجعة المهندّس والبنّاء عندما نريد أن نبني بناية، وبحاجة إلى مراجعة الطبيب للمحافظة على سلامتنا، وبحاجة إلى الحدّاد لصناعة الأبواب والشبابيك؛ أليس كذلك؟!
[هذا ما نحن عليه] أمّا أمير المؤمنين، فإلى من يحتاج في هذه الدنيا؟! فهل هو بحاجة إلى مراجعة إحدى الرسائل العمليّة عندما يريد معرفة مسألة فقهيّة؟! أم هل هو بحاجة إلى مراجعة كتب صدر المتألهين وابن سينا في المسائل الفلسفيّة؟! أم هل هو بحاجة إلى مراجعة كتب الرازي وقانون ابن سينا وكتب الطبّ الحديث في المجال الطبّي؟! فلو وقف جميع أهل الدنيا في جهة، [وعليّ عليه السلام في جهة] لما كان أمير المؤمنين بحاجةٍ إلى أيّ واحدٍ منهم على الإطلاق؛ هذا في الوقت الذي يحتاج إليه جميع من في العالم؛ فالفقيه يحتاج إليه، والفيلسوف يحتاج إليه، والطبيب يحتاج إليه، والمهندس يحتاج إليه، والمخترع يحتاج إليه، والمكتشف يحتاج إليه؛ فعلى أيّ شيء يدلّ هذا؟ إنَّه يدلّ على رجحانه على من سواه؛ إذ إنَّ الرجحان يعني أفضليّة شيء على شيء آخر من جهة من الجهات؛ فعندما يكون أمير المؤمنين مستغنيًا عن الكلّ، والكلّ بحاجة إليه، فهذا يدلّ على رجحانه على كلّ ما سواه.
إنَّ الله مستغنٍ عن جميع الخلائق، وجميع الخلائق بحاجة إليه في وجودها وفي الآثار المترتّبة على وجودها، لذا فهو "صمد" ليس فيه أيّ خلأ أو نقصٍ.
إنَّ فطرتنا الإنسانيّة تدعونا إلى بلوغ هذه المرتبة من الكمال؛ وذلك بسبب نقصنا؛ فلو أنّنا كنّا كاملين، لما كان عندنا أيّ حاجة وطلب ننتظره؛ ولكن نفس نقصنا وضعفنا يقتضي أن نوصل هذا الضعف إلى مرتبة الكمال، فهذه هي الفطرة؛ والفطرة لا تختلف ولا تتغيّر، فالفطرة في جميع الأزمنة واحدة، والقوانين الفطريّة واحدة في جميع الأزمنة، وهي واجبة الاتّباع في جميع الأزمنة.
مشروعيّة تعدّد الزوجات من مصاديق الأحكام الفطريّة
قبل إدامة الحديث الخاص بالفطرة وآثارها وما يتعلّق بها وباتّباعها، لا بدّ لي من الحديث عن أحد المواضيع المتعلّقة بالفطرة والذي بلغ مسامعي أنّ بعضهم قد فهمه فهمًا خاطئًا، وهذا الفهم الخاطئ إمّا أن يكون عائدًا إلى تقصيري في إيصال المعنى الصحيح في المسائل التي طرحتها، أو أنَّ بيان الأمر لم يتمّ بالشكل المطلوب ولم تبيّن كافّة حدوده وثغوره؛ وعلى الرغم من أنّ الحديث عن هذا الموضوع يعتبر من الأمور العسيرة عليَّ، ولكن بما أنّ هذا الموضوع من المواضيع الشرعيّة، ويجب أن يُتوجّه إليه من الناحية السلوكيّة لارتباطه بالسلوك، لم أرَ بدّاً من طرحه اليوم؛ لأنّه بلغ مسامعي الكثير حوله مؤخّرًا، خصوصًا في الشهر أو الشهرين الماضيين؛ لذا فقد أحسست بأنّ هذه المسألة لا بدّ أن يُبيّن كلا جانبيها الشرعي والسلوكي للرفقاء والأصدقاء بشكل واضح، وهو موضوع تعدّد الزوجات سواء كان بشكلٍ دائمٍ أم منقطعٍ.
نظر المرحوم العلامة في الزواج المنقطع: الاقتصار على حال الضرورة
فمن خلال ما كنَّا سمعناه من المرحوم العلاّمة عن الزواج المنقطع أو ما يسمّى بالمؤقت؛ بل ما كان قد صرّح به عنه، يتّضح لنا أنَّ هذا الموضوع مورد تأمّل بعض الشيء عنده؛ فهو يعتقد بجوازه فقط في تلك الظروف التي لا يستطيع فيها المرء من الزواج الدائم؛ ولقد تحدّث معه الكثير من الأفراد حول هذه المسألة، كما أنَّ العبد بنفسه أيضًا تباحث معه بشكل مفصّل حول هذا الموضوع لمرّتين لمعرفة الأدلّة التي يستند إليها في رأيه هذا، فبدا لي آنذاك أنّه كان يواجه محذورًا في بيان بعض الموارد.
وعلى الرغم من أنَّه قد يُقال: إنّ طرح هذا الموضوع في هذا المجلس ليس ضروريًّا إلى هذا الحدّ؛ إلا أنّ طرحه أيضًا لا يخلو عن وجه، وذلك لأنّ الأسئلة المطروحة حوله ـ سواء من خلال إرسال الرسائل أم بصورة شفهيّة ـ قد تكرّرت مؤخّرًا وبالخصوص في الشهر أو الشهرين الماضيين؛ وقد شعرتُ بأنَّ ما يُطرح على الآخرين ويُبيّن لهم مغاير لوجهة نظري التي أتبنّاها، فلهذا رأيت نفسي مضطراً لأن أطرح هذا الموضوع بشكل علنيّ؛ فعلى الرغم من أنَّني كنت أُبيّن وجهة نظري عندما كنت أُسأل عن الموضوع شفهيّاً، إلاّ أنَّه يبدو أنَّ هذه الأجوبة لم تصبح في متناول أيدي الجميع لحدّ الآن.
فلسفة الزواج المنقطع في الشريعة الإسلاميّة
هنالك نوعان من الزواج في الشريعة الإسلاميّة، وهما الزواج الدائم، وهو الذي يستطيع فيه كلّ إنسان أن يتزوّج ما لا يزيد عن أربعة نساء في زمان واحد. ومما لا يخفى فإنّ للزواج الدائم شروطًا وتعهّدات خاصّة به، وهي بطبيعة الحال تعهّدات أصعب من تلك المتعلّقة بالزواج المؤقّت، وهذه التعهّدات مرتبطة بكلا الطرفين.
وأمّا النوع الثاني من الزواج فهو الزواج المؤقّت والذي يُسمّى بزواج المتعة؛ وفلسفة الزواج المؤقّت فلسفة مهمّة جدًّا ودقيقة جدًّا؛ وذلك أنّ بعض الأفراد قد لا يتمكّنون من الزواج الدائم، أو أنّ الزواج الدائم في بعض الأحيان قد لا يكون ميسورًا أصلًا؛ وبالالتفات إلى الخصائص التكوينيّة والغريزيّة للرجل والمرأة والتي أودعها الله فيهما، ونظراً إلى حاجة كلّ من الرجل والمرأة إلى بعضهما البعض في هذا المجال، ففي كثير من الأحيان لا تكون الظروف مواتية للزواج بشكل دائم.
فمن جانب توجد هذه الغرائز والاحتياجات في الإنسان وهذا أمر طبيعي، ومن جانب آخر يوجد بعض الموانع والنقص [الذي يمنع من الزواج الدائم] وهذا أمر طبيعيّ أيضًا، ومن جهة أخرى فإنّ نسبة الرجال إلى النساء الآن في جميع العالم وصلت إلى حدٍّ عالٍ جدًّا، فإنّ معدّل نسبة عدد النساء إلى عدد الرجال تبلغ أكثر من الضعفين أو حتى قرابة الثلاثة أضعاف؛ ويُضاف إلى هذا حقيقة أنَّ للرجل القابليّة على الزواج حتّى مع تقدّم سنّه وبلوغه السبعين أو الثمانين، أو حتّى التسعين من العمر في الوقت الذي ينتفي هذا الاستعداد لدى المرأة في عمرٍ يقلّ عن ذلك. فمع أخذ كلّ هذه العوامل بعين الاعتبار، سنرى كيف يطرح هذا الموضوع نفسه هنا بعنوان كونه حقيقة واقعيّة.
إيكال المرحوم العلامة أمر الزواج الثاني الدائم إلى تشخيص نفس المكلّف
كان البعض يراجع المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في حياته بشأن الزواج الدائم من امرأة أخرى، فكان جوابه لكلّ من يراجعه: "تشخيص هذا الأمر عليكم، وانظروا أنتم ما الذي تقتضيه مصلحتكم"، فلا أتذكّر بأنَّه كان قد أمر أحداً بأن يتزوّج من امرأة أخرى، أي أنَّه وفي الفترة التي كنت ملازماً له فيها، لم أشاهده قد أمر أحداً بالزواج من امرأة أخرى، فإن ادّعى أحدٌ خلاف ذلك، فادّعاؤه هذا ادّعاءٌ في غير محلّه؛ وذلك أنّ أحد أصدقاء المرحوم العلامة ـ وكان ذلك في السنة الأخيرة من حياة العلامة ـ قد تزوّج من امرأة أخرى، وقد ادّعى أمام زوجته وعائلته بأنّ زواجه هذا كان بأمر من المرحوم العلاّمة، فسألتُ المرحوم العلاّمة عن ذلك في إحدى الليالي التي كنت أرافقه فيها في المستشفى، فقال: كلاّ لم أكن قد أمرته بذلك، فقلت: ولكن الموضوع يُطرح الآن بهذا الشكل، فقال لي: ما إن أغادر المستشفى، اطلب من ذلك الرجل وعائلته الحضور إلى بيتنا لكي نواجه الأمر ونتكلّم معه وجهًا لوجه؛ وعندما غادر المرحوم العلاّمة المستشفى، أبلغت ذلك الرجل وعائلته بضرورة الحضور لدى السيِّد العلاّمة؛ وعند حضوره بمعية زوجته وأبنائه أيضًا، التفت إليه المرحوم العلاّمة قائلاً: هل أنا أمرتك بهذا الزواج؟ فقال الرجل: كلاّ، لم تأمرني به؛ فلم يُتابع المرحوم العلاّمة الموضوع واكتفى بالقول: فلم أكن أنا الذي أمرتك به إذاً؟! قال: نعم.
لقد قيل لاحقاً بأنَّ ذلك الرجل كان قد اعترف لعائلته قبل هذا بأنَّ ما حصل لم يكن بأمرٍ من السيِّد العلاّمة، غير أنَّ المرحوم العلاّمة أراد بعمله هذا أن يتّضح الأمر للآخرين علانيةً، وأنّه لم يأمر هو بذلك.
بالطبع فإنَّه عندما كان يأتي أحدهم إلى المرحوم العلاّمة ويستشيره بموضوع الزواج الثاني، لم يكن يمنعه من ذلك، بل كان يقول له: تشخيص ذلك عليكم، فلا يمكنني منع ما أجازته الشريعة المقدّسة، ولا يمكنني أن أمنعك من القيام بذلك العمل الذي أحلّه الله لعباده، فتشخيص ذلك عليك، فينبغي عليك أن تلاحظ الجوانب الخاصّة بك والجوانب الخاصّة بعائلتك، وأنت تشخّص.
لقد ابتلي البعض ـ ممن لا أريد ذكر أسمائهم هنا ـ بمشاكل كبيرة ومعقّدة جداً، وقد انتشر خبرهم ووصلت الأمور بهم إلى ما لا تُحمد عقباه؛ فحاول جمع من المهتمّين بذلك الأمر أن يحصلوا على لمسة موافقةٍ من المرحوم العلاّمة على حصول ذلك الزواج، ولكنَّ محاولاتهم لم تجدِ نفعاً؛ وعندما جاء طرفا القضية إلى المرحوم العلاّمة من أجل الحصول على موافقته، أجابهم: تشخيص ذلك عليكم؛ وأنا أذكر جيّداً كيف أنَّهم أعادوا الكرّة وجاؤوا وطلبوا موافقته واستفسروا عن مدى صلاح هذا الأمر من عدمه، فأجابهم: تشخيص ذلك عليكم؛ ثمّ جاؤوه للمرّة الثالثة ـ إنَّ المرحوم العلاّمة كان يعرف ما الذي سيحصل، وأيّة مشاكل سيتسبّب بها هذا الزواج ـ فأعاد عليهم نفس الجملة وقال: هذا الأمر متروك إليكم؛ ثم تزوّج الطرفان، ولقد انتهى هذا الزواج بمشاكل أدّت إلى انفصالهما عن بعضهما. هكذا كان نهج المرحوم العلاّمة في هذا المجال.
تاريخ تعدّد الزوجات والزواج المؤقت في العالم الإسلامي
كانت مسألة تعدّد الزوجات والزواج المؤقت جزءًا من ثقافة مجتمعات صدر الإسلام والقرون التي تلته، بل وحتّى هذا القرن الأخير قبل أن تستولي على المسلمين تلك الثقافة الأجنبيّة التي ألقت بظلالها عليهم؛ فعندما نراجع التأريخ، نجد القليل من الناس في زمان الأئمة عليهم السلام، وكذلك في الأزمنة اللاحقة لهم، ممن كان يقتصر في زواجه على زوجة واحدة، لقد كان ذلك أمراً نادراً، فقد كان أغلب الرجال يتزوّجون بأكثر من زوجة، سواء بشكل دائم أم غير دائم. وممّا نلاحظه من خلال اطّلاعنا على تأريخ الماضين وتأريخ الملل والنحل، وما أُثبت أيضًا في علم الاجتماع، ندرة وجود امرأة أرملة في المجتمعات السابقة؛ فمن النادر جدًّا العثور على امرأة قد توفّي عنها زوجها، أو انفصلت عنه ثمّ بقيت تعيش وحدها بدون زوج، بل كان هناك من يتكفّل أمر أولئك النسوة فيتزوّج منهنَّ زواجًا ثانيًا، وليس من الضروريّ أن يكون ذلك في العلن بحيث تطّلع عليه زوجته الأولى وعائلته، بل قد يحصل أن تمرّ سنوات طويلة دون أن يعلموا بذلك.
فعلى سبيل المثال، علمنا مرّة بأنَّ المرحوم الإلهي القمشِئي ـ وهو أحد المشتغلين بمجال الفلسفة ـ كان قد تزوج من امرأة أخرى، وبقي الأمر سرّاً لمدّة عشر سنوات، ومن دون أن تعلم زوجته الأولى به، حتّى اطلعت عليه صدفةً. ويحصل أن تلتجئ بعض النساء من ذوات الحياء إلى بعض العظماء وممّن يثقنَ بهم من أجل أن يتكفّلوا أمر معيشتهنَّ ويعِشْن في ظلّهم، فكان مثل هذا الأمر شائعاً؛ كما أنَّنا لم نجد سوى القليل من أبناء الأئمة أو أصحابهم أو حتّى الأئمة أنفسهم ممّن كان له زوجة واحدة فقط، بل كانوا يتزوّجون من نساء متعدّدات ولقد كان هذا الأمر متعارفًا؛ فكما أنَّ موضوع الاقتصار على زوجة واحدة أصبح جزءًا من عرف مجتمع اليوم، بحيث إن قيل: إنَّ أحدهم قد تزوج من امرأة أخرى، ترى الآخرين يتعجّبون ويعزون ما حصل إلى مسائل أخرى، فكان الوضع في ذلك الزمان على العكس من هذا تماماً.
إنَّني إذ استعرض هذه المقدّمات، فإنَّما أفعل ذلك لكي تتضّح كيفيّة التغيّرات التي حصلت في المجتمع والمنحى الذي سلكه الموضوع عبر التأريخ، وأنا أهدف إلى التوسّع في هذا البحث من أجل أن أصل إلى النتيجة التي أتوخّاها وهي: أنَّ الزواج بأكثر من امرأة هل يضرّ السالك، أم لا؟ وما الذي كان يدفع المرحوم العلاّمة إلى منع تلامذته من مزاولته؟ فبناءً على هذا، لا بدّ من التوسّع في البحث حول الموضوع لكي تتّضح كافة الجوانب المتعلّقة به.
وقع في الزمان الماضي العديد من الحروب، وكانت تحصل بعض الأوبئة والأمراض، ومن الطبيعيّ فإنّ الرجال كانوا أكثر عرضة من النساء لهذه الحوادث؛ فعند نشوب حرب من الحروب، كان الرجال هم من يشاركون في الجيش، لا النساء، فقد يُقتل خمسون ألفاً من الرجال في هجوم واحد، فينتج عنه فقدان ذلك المجتمع لخمسين ألف رجلٍ مؤهّلٍ للزواج دفعةً واحدة؛ ففي الحرب العالميّة الثانية وحدها قُتل ما يقارب الواحد والخمسين مليون نسمة، هل التفتّم؟! كان اثنان وعشرون مليوناً منهم من ألمانيا وحدها، وسبعة عشر مليوناً من فرنسا، وكان الباقون من روسيا وغيرها؛ لقد كان عدد الرجال منهم يفوق الأربعين مليون رجل، بينما لم يتجاوز عدد من قُتل من النساء السبعة أو الثمانية ملايين حيث قُتلن عن طريق قصف المدن بالقنابل، بينما يقتل الرجال في ميادين القتال؛ [ففي هذه الحرب] فقد المجتمع العالمي أربعين مليون رجلاً دفعة واحدة؛ فعندما نطالع التأريخ الذي يتحدّث عن تلك الحقبة من الزمن، نجد بأنَّ المجتمع قد واجه فقراً حقيقيًّا في عدد الرجال.
لقد كانت الحاجة إلى الزواج المتعدّد ـ وإن كان بشكل زواج المتعة ـ في ألمانيا أو فرنسا في محالها ومدنها وقراها حاجة غريزيّة لدى الجميع؛ فتلك هي حقيقة واقعيّة لا يمكن إنكارها. ومن ناحية أخرى نجد بأنَّ ما أودعه الله في المرأة من القدرة على تحمّل هذه المسألة أكثر من تحمّل الرجل، أي أنّ المرأة أقوى في تحمّلها الانفصال وعدم المقاربة من الرجل، والرجل أحوج إلى هذا الأمر من المرأة، فهذا مما يزيد في علّة وتسبيب هذه المسألة.
لقد كانت [مسألة تعدّد الزوجات] موجودة في المجتمع قبل القرن الأخير، فها نحن نقرأ في الكتب كيف أنَّ أحد التجّار سافر إلى بلد ما ـ على سبيل المثال ـ وتزوّج هناك زواجًا مؤقتًا في تلك الأيام القلائل التي مكث فيها في ذلك البلد، فلقد كان مثل هذا الأمر، أمراً طبيعيّاً وميسوراً جدًّا؛ وبالطبع فإنّ النسوة اللاتي يتمّ الزواج منهنَّ لم يكنَّ جميعهن من البنات البواكر، فالمجتمع فيه أنواع مختلفة من النساء والرجال يناسب بعضهم البعض الآخر.
فعلى سبيل المثال نقرأ بأنّ أموراً كانت تحصل في زمن النبيّ وما بعده تدعو إلى الحيرة حقّاً، فنلاحظ كيف كان البعض ممن تبلغ أعمارهم الستين يتقدّمون لخطبة البنت ذات الخمسة عشر عاماً؛ فلقد تقدّم أبو بكر لخطبة فاطمة الزهراء؛ وهذا لا يعني بأنّه قد قام بعمل شاذٍّ عندما أقدم على مثل هذا العمل، بل كان هذا أمرًا متعارفاً في ذلك الزمان، وكذلك ما حصل من زواج عائشة بنت أبي بكر من النبي، فلم يكن عُمْرها حينئذٍ ليتجاوز العشرة أو الاثني عشر عاماً، وبعد ذلك كبرت في بيت النبي؛ وكان أبو بكر يفتخر بأنّه زوّج ابنته للنبي، يفتخر بذلك، لا أنه كان لا يخجل وحسب بل كان يفتخر. فإني أذكر لكم ذلك حتى نكون مطلعين على ثقافة الزواج المتعدّد حينئذٍ، وكم هي مختلفة عن نظرة مجتمع اليوم إليها ـ على أنَّ الوضع قد تحسّن الآن شيئاً ما عمّا كان عليه في السابق ـ فلم يكن الأمر في ذلك المجتمع على ما هو عليه الآن، بل وكان أبناء ذلك المجتمع ينتقدون من كان يُعرض عنه، ويعتبرونه عاراً عليه أن لا يستطيع إعالة عائلتين في وقت واحد، أو أنَّه لا يريد إفادة غيره والإنفاق من أمواله من أجل إعالة عائلة أخرى، فقد كانوا يعيبون عليه ذلك.
كان أمير المؤمنين خارجاً من بيته يرافقه الإمامان الحسن والحسين يوماً، فالتقوا بامرئ القيس وهو أحد رؤساء القبائل ـ لقد حصلت هذه القضية في عهد خلافة أمير المؤمنين إن لم أكن مخطئاً ـ فقال له أمير المؤمنين، وبشكل طبيعيّ جداً وكما يحصل لأحدنا عندما يتقدّم لخطبة امرأة: كم لديك من البنات؟ فقال: ثلاث بنات، فقال له: عقدت إحداهنَّ عليّ، والثانية عقدتها على الحسن والثالثة على الحسين، فأخذهنّ في الحال،۱ وإحداهنّ كانت الرباب التي تزوّجها الإمام الحسين عليه السلام، التي هي أمّ عليّ الأصغر عليه السلام، وقد كانت امرأة جليلة جدّاً؛ حيث ذُكر في بعض التواريخ بأنَّها لم تعد إلى المدينة [بعد واقعة الطف]، بل بقيت مقيمة عند قبر الإمام الحسين لما يقارب العام حتّى ارتحلت عن الدنيا؛ نعم قام أفراد إحدى القبائل الساكنة هناك ببناء غرفة لها في ذلك المكان، إلا أنَّها لم تسكن فيها؛ فقد كانت امرأةً شديدة الوفاء لسيِّد الشهداء، وكان سيِّد الشهداء يحبّها كثيراً، حيث يُنسب إليه هذا الشعر:
لَعَمرُكَ إِنَّني لَأُحِبُّ داراً | *** | تَحلُّ بِها سَكينَةُ وَالرَبابُ ٢ |
أو [كمثال على ذلك] ما طلبه أمير المؤمنين من أخيه عقيل: أريد أن تجد لي امرأة من قبيلة ـ نسيت اسم القبيلة ـ تلد لي أبناءً ينصرون ابني الحسين في يوم عاشوراء٣، فاختار له أمّ البنين والدة أبي الفضل وإخوته الثلاثة. هل التفتّم؟!
فقد كانوا يتعاملون مع مسألة تعدّد الزوجات على أنّها مسألة عاديّة جدًّا كشربة الماء؛ نعم، لقد كان أمراً طبيعيّاً ورائجاً؛ وكانت كلّ من الزوجتين السابقة واللاحقة تعرف أيّ الظروف ستواجه، ومن الطبيعيّ فإنّ مسألة العدالة بينهما كانت موجودة أيضًا.
غير أنَّ الوضع قد تبدّل بعد حصول الهجوم الثقافي الغربي في القرن الأخير، وأصبح أمر الزواج من امرأة واحدة جزءًا من عرف المجتمع الإيرانيّ على وجه الخصوص ـ وإلاّ فموضوع الزواج المتعدّد لا يزال يُنظر إليه كأمر طبيعيّ في بعض الدول الأخرى كبعض الدول العربيّة، فلا يزال هذا الأمر رائجاً في الحجاز وفي دول الخليج؛ بينما لا يوجد مثله في بعض الدول الأخرى ـ فتراهم يفعلون كلّ شيء خارج إطار الزواج؛ ولكنَّه وما إن تصل النوبة إلى الزواج تراهم ينظرون إليه على أنّه من أعظم الذنوب.
فنرى أمر الزواج من امرأة واحدة قد أصبح جزءًا من عرف المجتمع الإيراني، بحيث أصبح يُنظر إلى الزواج الثاني على أنَّه عمل قبيح، وترى من يفعله يشعر في نفسه بالخجل ممّا أقدم عليه، ويشعر بالنقص، ويعتبر نفسه قد قام بعمل مخالف للرجولة والمروءة والإنسانيّة؛ هذا مع أنّ هذا العرف يخالف ما جاءت به الشريعة الإسلاميّة، فهذا الزمان لم يتغيّر عن تلك الأزمنة السابقة، والدين لم يتبدّل عمّا كان عليه، فالدين الموجود في الزمان السابق موجود الآن أيضًا، وكذا القانون الذي وضعه الله تعالى لم يتبدّل في هذا الزمان عنه في ذاك؛ فالله الذي هو ربّ ذلك الزمان لا يزال نفسه ربّ هذا الزمان؛ فهل تبدّل الربّ؟ وهل تبدّلت قوانينه عمّا كانت عليه؟ كلاّ، فقوانين الله لا تزال على حالها.
فبناءً على هذا، ما لدينا من أحكام الشريعة وما جاء في الروايات [يشير إلى جواز تعدّد الزوجات]، بل وقد صرّحت الآيات القرآنية به، حيث نرى هذه الآية تقول: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ} ۱، أي ما وجدتم من النساء الطاهرات المستعدّات للزواج، فانكحوهنّ، وتستطيعون أن تتزوّجوا منهنَّ الاثنين والثلاث والأربع بعنوان زواج دائم؛ ولكنَّنا نلاحظ أنَّ الآية تقول بعد ذلك: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً}، فيجب عليكم أن تعدلوا بين نسائكم، وإلاّ فاكتفوا بزوجة واحدة؛ فهذا يعني أنَّ مسألة تعدّد الزوجات ليست مسألة شهوانيّة؛ بل هي مسألة إنسانيّة وفطريّة، ولا بدّ من تحقيق العدالة ورعايتها بين الزوجات.
قد سافرت إلى لبنان قبل ما يقارب الأربع سنوات لزيارة الأصدقاء هناك، فعُقِد مجلس هناك، حضره عدد كبير من النساء الواعيات ـ كنَّا نعقد مجالس بين الفينة والأخرى نتحدّث فيها، ويجاب فيها عن الأسئلة التي تُطرح ـ وكان هذا المجلس قد عقد في بيت الحاجّة... حفظها الله، وهي امرأة في غاية التقوى والتوفيق، وأستطيع أن أقول عنها بأنَّها من نوادر النساء اللواتي التقيت بهنَّ إلى الآن، وهي امرأة في غاية النورانيّة والتقوى والتوفيق، وعالمة جدًّا، وهي سبب في حصول الائتلاف والأنس بين أفراد العائلة، وقد تحجّبت على يديها الكثير من النساء السافرات، وهي تقيم المجالس للنساء؛ وأنا أدعو لها من صميم قلبي بدوام العمر وطول البقاء، وذلك لأنَّني أرى فقدانها سيتسبّب في حصول ثُلمة لا يمكن أن تُجبر لعائلتها؛ إنَّها امرأة مؤمنة وتقيّة جدّاً وتبدو على وجهها آثار النورانيّة والصلاح.
لقد حضر ذلك المجلس الذي عقد في منزلها عدد من النساء، وكان الحديث يدور في أحد الأيام عن موضوع الزواج المؤقّت؛ فلم أقم في ذلك اليوم بطرح الموضوع من وجهة النظر السلوكيّة أو الإسلاميّة، بل قمت بطرحه من منظار إنسانيٍّ بحتٍ؛ فأوّل شيء قلته هناك: إنَّني لن أتكلّم هنا بوصفي مسلمًا، بل سأنظر إلى هذا الموضوع بصفتي إنسانًا لا غير، فلا أتكلّم في هذا المقام بصفتي مسلمًا أو شيعيًّا أو سالكًا، بل أنا أتكلّم معكم الآن بصفتي إنسانًا لا يدين بأيّ دينٍ، غير أنَّه يتمتّع بالعقل والفطرة، ويمتلك تلك القوانين الفطريّة في وجوده، فها أنا أبحث الأمر بصفتي إنسانًا؛ ثمّ بدأت بالحديث عن الموضوع مدعومًا بالإحصائيّات المتوفرّة، ومستشهداً بالوضع القائم في لبنان، وما يواجهونه من إشكالات.
فقلت: انظروا إلى إيران على سبيل المثال كم فقدت إيران من شبابها الذين قتلوا في الحرب؟ فلقد جلب لي أحد الأصدقاء قبل عدّة سنوات إحصائيّة من دائرة الإحصاء الرسميّة، تقول: إنَّ عدد النساء العازبات المؤهّلات للزواج في إيران يبلغ الضعفين والنصف من عدد الرجال القادرين على الزواج؛ إنَّ هذا ما ذكرته الإحصائيّة، فهو ليس برقم عشوائي إذاً! فكيف يجب علينا أن نتعامل مع هذه الظاهرة بصفتنا من بني البشر؟ فإمّا أن نقول: ما دمنا نعيش حياتنا الخاصّة بنا، فلا شأن لنا بما يجري من حولنا، وليصب الآخرين ما أصابهم!
أنا أعتقد بأنَّ هذا الجواب يتنافى مع الجانب الإنساني.
ثمّ طرحت هذه الأسئلة في ذلك المجلس فقلت: هل إنَّ مسألة الموت والحياة بأيدينا؟! وهل لنا سيطرة على ما يمكن أن يحصل لنا من حوادث؟! فما هو ذنب تلك الشابة التي تفقد زوجها في حادث وهي في ريعان شبابها؟! ـ وصادف أن كان يحضر في ذلك المجلس عدد من النساء اللاتي تنطبق عليهنَّ هذه المواصفات ـ علماً بأنَّها كانت تحبّ زوجها حبّاً شديداً وكانا يعيشان حياةً سعيدةً، وإذا بها تفقد تلك السعادة بسبب أمرٍ وتقديرٍ إلهي، لا بواسطة سوء تصرّفها، فما الذي جنته هذه المرأة حتّى تعيش وحيدة ما تبقّى من عمرها؟! فهذا أمر يجب الالتفات إليه!
وكيف كنَّا سننظر إلى هذا الأمر لو كنَّا نحن مكانها! حينئذٍ سنفهم معنى ما تعانيه، ونقرّ بمعاناتها!
فكيف سيتعامل أيّ إنسانٍ وبصفته إنسانًا مع هكذا ظاهرة، سواء كان ذلك الإنسان يهودياً أو حتّى شيوعيّاً، [فلا دخل لعقيدته في فرضنا هذا، بل ما هو مهمّ في الموضوع هو أن يكون ذلك الإنسان] إنساناً عاقلاً؛ فلنفترض وجود امرأة شيوعيّة عاقلة، رحيمة القلب، تحبّ مساعدة أبناء جنسها، وتحبّ الإنفاق على الآخرين، ومن أهل الإيثار، وهي تحاول الاتّصاف بسائر الصفات الإنسانيّة، فكيف ستتعامل هذه المرأة مع تلك الظاهرة؟ هل ستقول: وما شأني بهذا الأمر؟! فإن كان ذلك الرجل قد مات، فقد مات، فلأعش أنا حياتي الخاصّة بي، ولتبقَ تلك المرأة تعيش وحيدة تعاني ما تعانيه!!
ألا يخطر على ذهنكِ، بأنَّ أمراً كهذا قد يحصل لكِ أنتِ في يومٍ من الأيام؟ قد تقول إحداهنَّ: إنَّ ما حصل كان تقديراً إلهيّاً وعليها أن تصبر على ما حصل؛ [والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:] كيف يمكن تفسير هذا الصبر هنا؟ فهل يُفسّر على أن تعيش تلك المرأة لمدّة أربعين عاماً في حالة من الحسرة والانتظار عسى أن يأتي من يتكفّل إعالتها يوماً، بينما تحول الزوجة الأولى لأحد الرجال دون تحقّق هذا الأمر؟ فهل يتوافق مثل هذا التصرّف مع التعامل الإنسانيّ؟!
لا أتصوّر بأنَّ هذا التصرّف يمتُّ إلى الإنسانية بصلة! فمثل هذا الأمر يحصل في الوقت الذي كان بإمكان أحد الرجال أن يعيلها، ويمنحها الحبّ والطمأنينة، بدون أن يتسبّب ذلك في إيجاد مشاكل له في حياته اليوميّة؛ نعم، يمكن القيام بهذا.
سألتني إحدى النساء المتواجدات في ذلك المجلس: ولماذا لم تُقدم أنت على مثل هذا الأمر؟ وها أنا أشرح لكم كافّة التفاصيل المتعلّقة بهذا الموضوع، لقد أجبتها في حينها بهذا الجواب، ولا يزال موقفي على ما هو عليه ولم يتبدّل شيء في الأمر، وجوابي هو: لكلّ شخص سِعَة خاصّة به، وظرفيّة خاصّة، ونفس معيّنة، فأنا لا أستطيع أن أكون مثل الحديد أو الجدار، لا أتأثّر بما يجري حولي، فالذي أحسّه في وجودي أنّه مادام إنسان متعلّقًا بي، فلا يمكنني أن أريح فكري منه ولا أفكّر به، ولا أستطيع أن لا أشعر به، ولا أقدر أن يكون تعلّقه بي وعدمه سيّان بالنسبة لي، وذلك حتّى وإن لم أكن أرَ ذلك الإنسان؛ وبالتالي فإنّ هذا الاشتغال الفكري سيؤثّر على الأعمال المناطة بي والتي أنا مكلّف بها؛ ولأكن صريحًا معكم، فلو فرضنا بأنني لم أكن بهذه المكانة وما يترتّب عليها من الاشتغال بالبحث والتحقيق والمطالعة والدرس وما شابه ذلك، ولم يكن لديّ تكليف بمتابعة المسائل التي أنا مكلّف بمتابعتها، فلربّما كان سيتوجّه نحوي هكذا تكليف شرعًا؛ ولكن ونظراً إلى الخصوصيّات التي عندي ونظراً لاشتغالي بالمطالعة، وبمتابعة ما يجري من حولي، وما يترتّب على ذلك من اشتغال ذهنيّ بالتفكير بهذه الأمور ـ بالطبع فإنَّ الرفقاء على علم بالمشاغل التي تحيطني ـ فلو أُضيف هذا الأمر إلى مشاغلي الحاليّة، فسوف يبعث ذلك على زيادة انشغال ذهني وفكري، وسيحصل تعارض بين هذا الاشتغال الفكريّ الإضافيّ مع ما أنا عليه، فذلك هو الأمر الذي أحذر حدوثه. ولعلّ هنالك من يعاني مثل ما أعاني، فإن كان الأمر كذلك بالنسبة لهم، فسيترتّب عليهم نفس هذا التكليف والحال هذه.
السالك والزواج المتعدّد
كان البعض يوجّه أسئلة من هذا القبيل إلى المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في ذلك الزمان، فقال المرحوم العلاّمة يوماً: إنّ الأصل الأولي الذي بُني عليه الإسلام في أمر الزواج هو الزواج الدائم، وأمّا بالنسبة لمن كان مضطرًا ولا يستطيع الزواج بشكل دائم، فقد جُعل له الزواج المؤقّت بدلاً عنه.
كما كان يقول من جهة أخرى: إنَّ موضوع الزواج يختلف بالنسبة إلى السالك عمّا هو عليه بالنسبة إلى غيره من الناس.
لقد بدأ الموضوع يأخذ الآن مساراً دقيقاً، وها نحن بصدد الوصول إلى نتيجة البحث؛ فبالنسبة إلى غير السالك، قد تكون مسألة الزواج مسألة طبيعيّة، فيتزوّج أحدهم بشكل عاديّ من أكثر من زوجة سواء كان زواجه زواجًا دائمًا أم مؤقتًا، وبالطبع فإنّ لزواجه هذا دوافع خاصّة به، وقد لا يكون دافعه في كثير من الأحيان دافعًا إلهيًّا خالصًا، فهو إنسان على أيّة حال؛ فقد يرى بأنّه يستطيع أن يتزوج أكثر من امرأة؛ بل قد يكون دافعه هو الشهوة، فيقول: بما أنّ الشرع أجاز لي تعدّد الزوجات ـ وقد تفكّر المرأة [العازبة] بمثل هذا التفكير أيضاً ـ فلماذا أحرم نفسي من هذه النعمة المحللّة؟!
ومن الطبيعي فإنّ الهدف من الزيجات التي تحصل ليس هدفًا إلهيًّا خالصًا مائة بالمائة، كلّا، فقد يكون مشوبًا بالأهواء النفسانيّة؛ فالزواج عادة ما تكمن فيه هذه الأمور؛ فأين يمكننا أن نجد من يفعل ذلك بهدف إلهيّ خالص مائة بالمائة؟ أي: من أجل مساعدة امرأةٍ وخدمتها بشكل إلهي؛ بالطبع فإنَّني لا أستطيع أن أنفي حصول مثل هذا الأمر؛ ولكنّه قليل. وهذا مما لا إشكال فيه، فالله هو الذي جعل هذه الرغبة في نفوس عباده، وقد أجازت الشريعة ذلك، فلا يمكننا نحن أن نمنع ذلك الزواج.
وأمّا فيما يتعلّق بالسالك ـ وهو ما نحن بصدد الحديث عنه ـ فقد كان المرحوم العلاّمة يقول: إن كان السالك يريد الزواج من امرأة أخرى أو الزواج المؤقّت لغرض شهوانيّ ولإشباع غرائزه الجنسيّة، فإنّ ذلك سيتسبّب بتوجيه ضربة إلى سلوكه؛ أي إذا تعامل مع الزواج وكأنّه مسألة غريزيّة؛ وكما قال المرحوم العلاّمة لأحدهم ـ والذي كان من أهل هذه المسائل ـ عندما سأله سؤالاً يتعلّق بالموضوع: لا ينبغي التعامل مع المرأة كالتفاحة التي تقضم منها قضمة ثمّ ترمي بها بعيداً، فليس ذلك صوابًا؛ فإن أردت أن تتزوج من إحداهنَّ، فعليك المحافظة عليها ورعايتها وإعالتها، فليس من الصحيح أن تتزوّج بها ثمّ تتركها.
فبناءً على منهج المرحوم العلاّمة ومدرسته، فإن كان هدف السالك من إقدامه على الزواج المتعدّد شهوانيًّا ونفسانيًّا صرفًا، فإنّ ذلك سيضرّ بسلوكه؛ لأنَّ ذلك سيعمل على هبوط مستوى فكره إلى مراتب دانية ويتنزّل عن تلك المراتب [المرجوّة له]. وبدلاً من أن يكون الأساس والهدف الذي قامت عليه الحياة الزوجيّة هو توطيد المحبّة والأُنس والألفة، حتّى يتمكّن الإنسان من طيّ مدارج الكمال بشكل أيسر وأسهل، فسيهبط ذلك الأساس والهدف إلى الاشتغال بإشباع الغرائز الحيوانيّة، وبالتالي سيمنع السالك من الرقيّ والتكامل.
فبناءً على هذا يمكننا أن نقول جازمين: إنّ تعدّد الزوجات سواء كان بشكل منقطع أم دائم، إن كان قائمًا على أساس المسائل الغريزيّة أو الشهوانيّة، ولأجل مجرّد الاستمتاع والتنويع، فسيكون منافيًا للسلوك؛ ولكنَّه إن كان مبنيّاً على أسس عقلائيّة ومنطقيّة، كأن يمتلك الرجل المؤهّلات اللازمة لذلك [فلا يتنافى مع السلوك].
فإن كنتُ أنا ـ أقصد هنا أنا النوعي ـ غير قادر من الناحية النفسيّة والفكريّة، ولا أملك الطاقة لأن أتكفّل امرأتين، فماذا أفعل والحال هذه؟ فذلك ليس بيدي، فذلك ما جعله الله فيّ؛ فإنّي إن تزوجت بأكثر من امرأة، فسيعمل ذلك على إشغال فكري وبالي وهو ممّا سيؤثر سلباً على عملي وعلى مطالعاتي وبحوثي؛ فهذا مبرّر وسبب لعدم زواجي.
كما أنّ المرحوم العلامة رضوان الله عليه قد منعني شخصيًّا من الزواج الثاني، فقد قال لي مرّة وهو يضحك: يا فلان، زوجة واحدة بالنسبة لك أكثر مما تحتاج إليه. وهذا ما ألمسه بنفسي؛ ولكن هذا التكليف يتعلّق بي أنا شخصيّاً وقد لا ينطبق على غيري من الناس، فلا أستطيع تعميم هذا الحكم الخاص بي والذي يقتضيه حالي على الآخرين، ولا يمكنني أن أتفوّه بذلك.
فخلاصة الموضوع: إن كانت الغاية من الزواج المتعدّد إشباع الرغبات الشهويّة، فهذا الزواج سيكون مضرّاً من الناحية السلوكيّة؛ وأمّا إن لم يكن كذلك، وكان الهدف منه هدفًا عقلائيًا؛ كأن يكون لغرض المساعدة والإعانة، وكان الهدف منه حقًّا هدفاً إلهيّاً، ولم تترتّب عليه مفسدة ما، التفتوا إلى هذه النقطة.. فقد ينوي أحدهم مساعدة امرأة، ولكنّه في الحقيقة يكون قد أوقعها في مشاكل أكثر ممّا كانت عليه؛ فقد يحصل أحياناً شيء من هذا القبيل، وذلك بأن ينوي الإنسان من عمله الخير لكنّه يتوقّع من الطرف المقابل أمورًا بحيث تجعله يندم على عمله ذاك، ويقول: لقد تبت وأستغفر الله تعالى. فإن كان الزواج بهدفٍ حسنٍ ونيّةٍ إلهيّةٍ، وكان الهدف منه تقديم العون إلى الطرف الآخر، فلا يتنافى حينئذٍ مع السلوك.
إنَّ سبب طرحي لهذا الموضوع، هو أنّه قد أُشيع بأنَّني أعارض موضوع تعدّد الزوجات، وقد سُمع هذا الأمر من العديد من الناس، هذا في الوقت الذي كنت فيه قد عارضت ذلك الزواج القائم على أساس إشباع الرغبات الشهوانيّة، أو القائم على أساس حبّ التنويع والتغيير، فالشخص الذي يسقط في مثل هذه المسائل فإنه يتنزّل عن مرتبة الإنسانيّة، ويستقرّ في تلك العوالم الدانية التي لا تناسب شأن الإنسان؛ وبطبيعة الحال فإنّ الانشغال بهذه الأمور يمنع الذهن عن التوجّه إلى المبدأ الأعلى، أمّا من عنده القدرة على إعالة عائلة أخرى، ولا يوجد عنده أيّ عائق يمنعه، فلا يمكنني منعه من القيام به.
أعتقد بأنَّ هذا المقدار من التوضيح يكفي، فإن كان لدى إحداكنَّ سؤال فلتطرحه؛ لكي يُجاب عن أيّ إشكال أو شبهة عالقة في الذهن عن الموضوع.
أسئلة من الحاضرات
ماذا لو لم تتحمّل الزوجة الأولى زواج زوجها؟
سؤال: قد يمتلك الرجل القابلية على الزواج من امرأة أخرى، ولكن ماذا عن الزوجة الأولى إن كانت لا تمتلك قابلية التحمّل وسيسبب ذلك ضغطًا عليها، مما سيؤدي إلى انشغال ذهنها هي نتيجة لذلك الزواج؟
الجواب: أوضحت لكم أنَّه بحسب ما يبدوا أنّ المشكلة الوحيدة في الموضوع أو المشكلة المهمّة هي هذه النقطة؛ ولكن هناك بعض النساء يتمكّنّ من تحمّل هذا الموضوع، كما يمكن للبعض الآخر أن يرضين بهذا الزواج بشرط أن يخفي الرجل ذلك عنها، أو ألا تكون الزوجة الثانية على مرأى منها؛ وأمّا إن كانت المرأة لا تمتلك القدرة على تحمّل ذلك أصلًا ـ فبعض النساء لا يوجد عندهن قدرة على تحمّل ذلك واقعًا، فقد تتعرض إلى مشكلة روحية بسبب هذا الزواج، فستكون هذه الحالة من ضمن تلك الحالات التي لا يجوز فيها الإقدام على الزواج، فإن هذا الشخص يريد أن يكسب الأجر من عمله هذا إلا أنه يسبب المشاكل النفسيّة لزوجته؟ فعلى الزوج مراعاة حالة زوجته الأولى في مثل هذه الموارد.
إنَّ ما كنت أتكلّم عنه هو هذا: إن كان الزوج قادراً على الزواج بأخرى بالشكل الذي لا يبعث على حصول مشكلة ما، فهل هنالك مانع من وجهة النظر السلوكية؟ فبحثي هو من هذه الجهة، ولست أنا في صدد البحث عن الموضوع من جهة آثاره الاجتماعيّة أو العائليّة أو ما لهذه المسألة من تأثير على علاقة الرجل بزوجته، وهل ستتأثر علاقته بزوجته أم لا، والمشاكل التي قد تحصل من جرّاء ذلك؛ ففي مثل هذه الموارد يكون تقدير الأمر متروكًا للزوج نفسه؛ فإن كان أحدهم يريد الإقدام على عملٍ خاطئٍ، فما هي علاقتي أنا بهذا الموضوع؟ أو أن يعتقد أحدهم بأنَّه يستطيع الإقدام على مثل هذا الزواج من دون أن تطّلع زوجته الأولى على هذا الأمر، فسيكون مثل هذا الموضوع موضوعاً شخصيّاً لا علاقة لي به.
فما أنا بصدد بيانه في هذا المجلس، وما تكرّرت الأسئلة بشأنه هو توضيح هذا الأمر من الناحية السلوكية، حيث لا توجد أيّة مشكلة فيه من الناحية السلوكية إن لم يكن الغرض منه هو التمتّع والتنويع والشهوة؛ فإن كان مثل هذا الزواج يتمّ بدافع النزوة ومتابعة الأهواء، فسيكون مضرّاً للسالك، أمّا إن كان الغرض منه عقلائيّاً فلا ضرر فيه من الناحية السلوكيّة؛ أمّا ما يتعلّق من الموضوع ببقيّة العلاقات كعلاقة الرجل بزوجته وأمثاله، فهذا الأمر متروك للرجل نفسه؛ ولا أستطيع التدخل فيه وتحديد التكليف المترتب عليهم، فأنا لا أعرف خصوصيّات حياتهم لكي أعرف ما إن كانت المرأة قادرة على تحمّل مثل هذا الأمر أم لا، وكذا لا أعرف حقيقة ما يدّعيه الزوج من قدرته على الجمع بين الزوجتين، فمثل هذا الأمر متروك للرجل.
فما يتعلّق من الأمر بي شخصيّاً ـ وهو بيان المسألة من الناحية السلوكيّة ـ فقد بيّنته، فقلت بأنَّه إن كان الهدف من الزواج هو مجرد إشباع الشهوة والأنس والتنويع في النساء، فإنَّ مثل هذا الزواج يتنافى مع مباني السلوك، وأمّا إن كان بخلاف ذلك، فلا يتنافى مع السلوك والحال هذه؛ أمّا ما تبقّى من المسائل المرتبطة بالموضوع، فأمرها متروك لصاحبها.
كيف تتصرّف المرأة لو تزوج زوجها؟
سؤال: كيف ينبغي على المرأة أن تتصرّف وتتعامل في حالة إقدام الرجل على الزواج من امرأة أخرى؟
الجواب: إنّ طرح هذا الموضوع هنا مناسبٌ جدًّا، كما أنّ هذا السؤال سؤال جيّدٌ، وهو له علاقة بالشقّ الآخر من بحثنا، كما أنّه يتطلّب إجابة مفصّلة. وقد حصل نظير هذا الأمر في عهد المرحوم العلاّمة.
فخلاصة الأمر أنّ عليها هنا أن تستعين بالله وبالتوجّه إليه والاتكال عليه وتقبّل الأمر الواقع وهضمه في نفسها، حتى تسهّل الأمر عليها.
التفتوا إلى أنَّ المتاعب التي يتعرّض لها المرء طيلة حياته لا تختصّ بهذا الموضوع فقط؛ بل قد يحصل له الكثير من الأمور غير الملائمة في حياته، كأن يموت ابنه لا سمح الله، أو أن تفقد المرأة زوجها، أو قد يخسر أحدهم أمواله وما شابه ذلك من أمور؛ وهنالك طرق وقواعد للتقليل من وقع تلك المصائب والبلايا على نفس الإنسان والتقليل من ألمها؛ وهي تتمثّل في الالتجاء إلى الله، وطلب المعونة منه، ورؤية أنَّ كل ما يحصل فهو من الله، وكلّ شيء يرجع إليه وينسب إليه، وأنَّ الله سيعوّضه عمّا حلّ به كما في الآية القرآنيّة {إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ} ۱ فيستطيع المرء تجاوز هذه المصيبة بهذا الشكل؛ ولقد شاهدنا بأنفسنا كيف يتمّ تسكين من حلّت به مصيبة، وذلك بالتحدّث معه ونصيحته، فيتبدّل حاله ويسكن.
فهكذا الأمر بالنسبة للمرأة، فإذا توجّهت إلى الله وفكّرت في الموضوع بنحو عقلائيّ وأغضت عنه وتجاوزته ـ فزوجها لم يرتكب ذنباً، بل قام بعمل شرعي، غير أنَّ العمل الشرعيّ الذي قام به عمل شرعي شاقّ ـ فإذا تحمّلته وأوكلت أمرها إلى الله واستعانت به على ما حصل لها، وفكّرت في نفسها بأنَّه لو لم يحصل لها ما حصل، فلربما ستُبتلى ببلاءٍ أشدّ منه إيلاماً؛ فعالم التقدير ـ وكما ذكرت سابقاً ـ ليس بأيدينا، وقد يحصل لها ما هو أفجع منه؛ فمع وضع كلّ هذه الأمور نصب عينيها، قد تستطيع هضم المشكلة، فإن لم تتمكّن من هضمها كليّاً، فسيتمّ التقليل من شدّة وقع أمرها على نفسها على الأقلّ؛ بالإضافة إلى الالتفات إلى أنّ هذه الأيام ستنقضي، وهدفنا الحقيقي والأساسي، والذي لا يمكن مقارنته بهذه الحياة أصلاً، يتمثّل في الحياة الأخرويّة.
هل يجوز للمرأة أن تمنع زوجها من الزواج الثاني؟
سؤال: إن الرجل عادة لا يقدم على الزواج الثاني إلا بدافع الشهوة والمسائل الغريزيّة، وهذا بطبيعة الحال سيؤثّر على علاقته بزوجته السابقة وارتباطه بها، فبناء على هذا هل يجوز للمرأة أن تمنعه من الإقدام على هذا الزواج، وتقف في مقابله؟
الجواب: هناك وجهان لهذا الأمر؛ فكما قدّمت في شرحي للموضوع فإنّ الصفات التي خصّ الله بها الناس ليست على نمط واحد؛ وكما هم مختلفون من حيث الخصائص الظاهريّة، فهم مختلفون من حيث طبيعة الغرائز المودعة فيهم؛ فهناك الكثير من الحالات التي يتمتّع الرجل فيها بقوّة جنسيّة تفوق ما لغيره، فيحصل أن يتزوّج مثل هذا الرجل من امرأة ليست لها رغبة بهذا الأمر أصلًا، فكيف يمكن حلّ مثل هذه المشكلة والحال هذه؟! وقد يحصل العكس أيضاً، فقد تكون للمرأة رغبة شديدة في الوقت الذي لا يكون لدى الرجل تلك الرغبة؛ غير أنَّ الوضع هنا سيكون مختلفاً؛ لأنّ المرأة لا يمكنها أن تتزوّج زواجًا ثانيًا؛ وذلك لأنَّ جميع نظام العالم سيتلاشى، وسيحصل اختلاط للمياه، وسيعمّ الفساد في الأنساب؛ أمّا بالنسبة للرجل فالطريق مفتوح أمامه في هذا المجال.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى قد يكون هناك بعض العوائق تسبّب أن يعيش الزوج منفردًا، أي أنّ المرأة لا يمكنها أن تشبع غريزة الرجل كما ينبغي ـ وهذه مسألة مهمّة ـ فهناك الكثير من الخلافات العائليّة والمشاكل أصلها هو هذه المشكلة؛ بالطبع فإنّ الإنسان مهما أمكن ينبغي عليه أن يحلّ هذه المشكلة بواسطة بعض الأساليب، وذلك بأن يقللّ من صولة غرائزه؛ فلقد كان المرحوم العلاّمة يعطي السالكين برامج بهذا الشأن، من قبيل التقليل من أكل اللحم والأغذية الحارّة التي تعمل على زيادة الغريزة الجنسيّة، والصيام يوم أو يومين في الأسبوع؛ حيث سيعمل ذلك على التقليل من الرغبة الجنسية، وكذا الاشتغال بالأمور العباديّة والابتعاد عن الخوض في الأمور الدنيوية؛ ولهذا الأمر تأثير كبير، والابتعاد عن مشاهدة الأفلام والصور والاستغراق في التصوّر والتخيّل، وذلك لأنَّ هذا الأمر يسبّب للإنسان إثارة مصطنعة وموهومة في بعض الأحيان؛ فيمكن معالجة المشكلة بهذه الطرق؛ أمّا إن كان الوضع بنحو لا تستطيع فيه المرأة إشباع رغبات زوجها بأيّ نحو كان، فقد يؤدِّي هذا الأمر إلى ابتلاء زوجها بمرض؛ حيث سيكون الأمر هنا بشكل آخر.
هل صحيح أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يتزوّج على السيّدة فاطمة؟
سؤال: هل إنَّ ما يُقال من أنَّ أمير المؤمنين لم يتزوّج من امرأة أخرى في حياة السيِّدة فاطمة الزهراء، صحيح؟
الجواب: بالطبع فأمير المؤمنين لم يتزوج من زوجة دائمة في حياة الزهراء؛ ولكنه اتخذ جارية، حتى أنه واقعها في بعض الحوادث، ولقد بيّنت لكم بأنَّ هذا الأمر كان أمراً متعارفاً في ذلك الزمان؛ على أنَّ موضوع عدم زواج أمير المؤمنين من امرأة أخرى، لم يكن من أجل الزهراء، وإنما حال أمير المؤمنين آنذاك لم يكن يجعله يرغب في الزواج ولم يفعل ذلك لأجلها، لا أنّه كان يرغب ولم يتزوّج؛ بل أستطيع أن أقول بأنَّ الحال الروحي لأمير المؤمنين في حياة الزهراء كان بالشكل الذي لو جيء له بامرأة ووضعت أمامه، لما كان يرغب فيها، أي إنَّ الحال النفسيّ لأمير المؤمنين في ذلك الزمان يختلف عمّا صار عليه في أيام إمامته؛ ويمكنني القول هنا بأنَّ السيِّدة الزهراء كانت تزيد عن حاجته؛ فلم يكن الأمر يتعلّق بالجانب الغريزي؛ وقد كانت طبيعة العلاقة بين أمير المؤمنين والسيِّدة الزهراء بنحو لم يكن يدع مجالاً للتفكير بهذا الأمر وإن كان هذا التفكير صحيحاً. والحال أن الأمر لم يكن بهذا الشكل بالنسبة لرسول الله.
على أنَّ رسول الله لم يكن قد تزوّج، وحتّى زمان البعثة من امرأة أخرى، ولم يكن ذلك بسبب ما يكنّه للسيِّدة خديجة من احترام؛ بل كانت السيِّدة خديجة تقترح عليه هذا الأمر بنفسها، وتقول له: لماذا لا تتزوّج من امرأة أخرى؛ ولكنّه لم يكن يفعل ذلك لانشغاله الفكريّ والروحي، وهذا ما كان يجعل السيِّدة خديجة تكفيه، فلا يحتاج معها إلى ما قد يؤدِّي إلى التقليل من حالة التوجّه لأمر البعثة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فلعلّ الفرصة لم تسنح لرسول الله بذلك، فهل كان على رسول الله أن يطرق على الناس أبوابهم من أجل تزويجه بزوجة ثانية أو ثالثة؛ ثمّ إن الآية التي تتحدّث عن المرأة التي عرضت نفسها على النبي للزواج إن أراد النبي أن يتزوجها، نزلت في المدينة ۱؛ فلقد كانت النساء تعرض نفسها على النبيّ في ذلك الوقت وتطلب منه أن يتزوّجها، وبالطبع فإنّ علّة زواجه منهنّ كانت أكثر لجهة إيمانهن؛ فذلك النبيّ الذي تزوّج وهو في الخامسة والعشرين من امرأة في الأربعين، لا يتزوّج لأجل مسائل غريزية شهويّة.
وقد يحصل نفس هذا الأمر لسالك طريق الله في بعض مراحل سلوكه، فيدرك هذه الحالة، وهي عدم قدرة الإنسان على التوجّه إلى هذه المسألة في بعض الأوقات، ونفسه لا تتحمّل هذه الأمور، وكأنَّه قد خرج عن تلك المرتبة [وهي مرتبة الشهوة]؛ نعم، يحصل للإنسان مثل هذا الشيء؛ فلعلّ حال رسول الله وأمير المؤمنين في ذلك الزمان كان على هذا النحو؛ وأما ما يُنقل من أنّ الإمام عليًّا عليه السلام لم يقم بذلك لأجل فاطمة الزهراء عليها السلام، فقد نفاه المرحوم العلامة، ولم يقبله.
هل صحيح أنّ الزهراء عليها السلام تأثّرت من مشاهدة أمير المؤمنين عند جاريته؟
سؤال: حول ما يقال من أنّ الزهراء سلام الله عليها قد تأثّرت عندما دخلت المنزل يوماً ووجدت رأس أمير المؤمنين عليه السلام في حجر جارية، فخرجت من المنزل؟٢
الجواب: لقد ورد مثل هذا الشيء في رواية؛ أمّا ما سمعته شخصيّاً عن المرحوم العلاّمة فهو عدم قبول هذه الرواية، ولقد حصل ذلك عندما كان يتباحث حول هذا الموضوع مع المرحوم جدِّي لأمي، وكانت عبارته [التي استدل بها] على عدم صحّة هذه الرواية هي: «غيرة المرأة كفر»٣ ، أي أن غيرة المرأة في مثل هذه الموارد كفر، ولا يمكن أن تتصرّف السيدة الزهراء بما يخالف الشريعة وبما يخالف ما أمر به أبوها؛ نعم يمكن أن يقال ـ لو سلّمنا بصحّة هذه الرواية، لو سلّمنا بصحّتها ـ إنّ السيِّدة الزهراء مثلًا شعرت بأنّهالم تهتمّ بأمير المؤمنين؛ والدليل على ذلك أنَّ أمير المؤمنين قال لها: لم أكن أعلم بمجيئك إلى البيت، فارتفع أذاها. فلو صحّت الرواية، لو صحّت، فما جعل الزهراء تظهر ردّة الفعل تلك، هو شعورها بعدم اهتمامها بأمير المؤمنين وقد ارتفع ذلك الشعور.
ففي المنزل فلم يكن عند أمير المؤمنين غير الزهراء عليها السلام؛ ولكن عند الخروج للحروب والغزوات، لدينا ما يشير إلى انتخاب أمير المؤمنين لجارية من الجواري، مثل ما جرى في السنة التي حصلت فيها حجّة الوداع، حيث انتخب أمير المؤمنين جارية له في اليمامة۱، على أنَّ ما حصل لم يكن بدواعٍ بشريّة، بل كانت وراء ذلك أمور أخرى.
إنَّني لست بصدد تبرير ما قام به أمير المؤمنين في هذا المقام، بل هذا ما يدركه كلّ سالك في تلك الحال السلوكيّة؛ حيث يلمس من نفسه عدم استطاعته الالتفات إلى تلك الأمور مطلقاً؛ وهو نظير ما حصل مع رسول الله في حربه مع اليهود في واقعة خيبر عندما تزوّج من صفية بنت حُييّ بن أخطب، فلم يكن ما حصل بدواعي غريزيّة، بل كان تزويج النبيّ أمرًا يفتخر به الناس؛ وهذا هو الذي دعا أبا بكر ـ وكما ذكرت هذا الأمر آنفاً ـ مع ما لديه من ثروة من تزويج ابنته من رسول الله؛ فكيف يمكن تفسير تزويج الشابة ذات الاثني عشر أو الثلاثة عشر عاماً من رجل قد تجاوز الخمسين من عمره؟ فعمر النبيّ كان قد تجاوز الخمسين عاماً عندما كان في المدينة؛ إنَّ الدافع لذلك كان عامل الافتخار؛ وها هم أهل السنة يتفاخرون اليوم بكون أبي بكر والد زوجة النبيّ؛ فكان الناس في ذلك الزمان يفعلون مثل هذا الأمر بداعي الافتخار؛ فحتّى لو لم يكن رسول الله يرغب بذلك، فإنَّه كان يفعله بدوافع اجتماعيّة من أجل استمالة قلوب إحدى القبائل المهمّة على سبيل المثال، كان يتزوّج من ابنة أحد رجال تلك القبيلة من اليهود الذين قُتلوا في الحرب وذلك لغرض التقريب والتآلف بين المسلمين واليهود.
ولدينا في التأريخ أمثلة على نظير ما حصل، فلقد كانت هناك قبليتان كبيرتان من قبائل الشيعة في عهد الملك عبّاس الصفوي في إيران، إحداهما هي قبيلة "قزلباش" ويبدو أنَّ الأخرى كانت قبيلة "قراقزلو" حيث كانوا يقفون بوجه أهل السنّة آنذاك؛ فرأى الملك عبّاس بأنَّه إن تزوّج فتاةً من إحدى هاتين القبلتين، فسيتأثر أهل القبيلة الثانية من هذا التصرّف، فصمّم على الزواج من فتاة من كلّ قبيلة منهما، ثمّ رأى بأنَّه إن عقد على إحداهنَّ قبل الأخرى، فستفتخر إحداهما على الأخرى أني أنا الزوجة الأولى وأنت الثانية؛ فقرّر العقد عليهما في آنٍ واحد وذلك بأن جلس وكيل كلّ من الفتاتين على أحد جانبيه، وقالا في وقت واحد: أنكحتك موكّلتي، لكي يتمّ عقد فتاتي القبيلتين في آنٍ واحدٍ؛ هل التفتّم؟ فقد تمّ هذا الزواج بدافع اجتماعيّ، فكان الملك مجبوراً على الزواج من فتاتين، حتّى لا تقع تلك القبائل في تعارض؛ وهكذا كان الأمر في زمان رسول الله.
نعم، لدينا ما يدلّ على أنَّ أمير المؤمنين كان قد انتخب له جارية عندما كان على رأس إحدى السرايا الخارجة للقتال، مما أدّى إلى اعتراض البعض ممن كان معه والذين كانوا يعتقدون بأنّ هذا الأمر قد تمّ بدواعٍ غريزيّة، فشكوا ذلك إلى رسول الله، مما أدَّى إلى غضب رسول الله بشدّة، وقال لهم: هل تظنّون أنَّ عليّاً كان قد فعل ذلك من عنده؟ وهكذا كان الأئمة عليهم السلام والعظماء فقد كانوا يعانون دائماً من هكذا مشكلة لا يتمكّن الفهم العام والعرفي من إدراكها، هذا في الوقت الذي كانوا فيه مجبورين على فعل ما كانوا قد قاموا به، فكيف يمكنه شرح ذلك للآخرين؛ فالآخرون يقولون: ها نحن نرى بأنَّك قد تزوجت، فبأيّ تبرير تريد أن تبرّر ما حصل؛ وأستطيع أن أقول هنا بأنَّهم كانوا يعانون الأمرّين، فكانوا يصبرون ويتحمّلون ردود أفعال الآخرين على ما كانوا يقومون به، فلم يكن الأمر طبيعيّاً بالنسبة إليهم؛ ولقد رأينا نظائر هذا الأمر في السابق، وكما قلت لكم آنفاً فلقد كان الدافع إلى ذلك إلهيًّا لا غريزيًّا.
سؤال: كنت أودّ أن أعلم هل مسألة الغيرة كانت موجودة في قلب فاطمة الزهراء أيضًا فكانت تريد أن يكون قلب الإمام علي عليه السلام لها؟
الجواب: لا، لم يقبل المرحوم العلامة هذا الأمر، ولم يقع.
ماذا لو شعر الزوج بضرورة الزواج الثاني فتزوّج وأثّر ذلك على بيته الأول؟
سؤال:[قال سماحة السيد وهو يقرأ السؤال]: السؤال المذكور هنا سؤال جيّد جدًا، وهو أنّه لو كان السالك يعيش حياته بشكل طبيعيّ؛ ثمّ بسبب بعض الظروف ارتأى أن يتزوّج وأنّ الزواج الثاني ضروريّ ولازم له، ولا شكّ أنّ هذا الزواج سيؤثّر على حياته وعلى عائلته، فيسبّب بعض الفتور والبرود في العلاقة ويسبّب الأمراض، ففي هذه الحالة هل يجب عليه القيام بما ذكرتموه من التوجه إلى الله وهذه الأمور ولا يعير لما يراه من ضرورة الزواج أية أهميّة، أم ينبغي الإقدام على هذا الزواج؟
الجواب: التفتوا، يختلف حال الناس بالنسبة إلى هذه المسألة، فليسوا كلهم سواء، فأحدهم يمكن أن يقول: سأصبر على هذا الأمر، ولن أقدم على الزواج، ويمكنه أن يحافظ على حاله بهذه الكيفيّة من دون زواج، فما أحسن أن يتصرّف الإنسان بهذه الطريقة، فلا يؤثّر على عائلته.
ولكن في بعض الأحيان قد تكون هذه المسألة بالنسبة له معضلة، فتعدّ مرضًا، فهي تؤثّر على حياته، وعلى عمله وعلى فكره، وعندما يريد أن يصلّي تخطر على باله، وعندما يقوم بالذكر تخطر على ذهنه، فهي بشكل عام تسبّب له نوعًا من الاشتغال الفكريّ الدائم بحيث تهجم على خاطره بشكل متوال، فهذا النوع هو محلّ الكلام.
ففي مثل هذه الحالات لا يمكننا أن نمنعه، ونقول له: لا بدّ لك أن تعضّ على الجرح وتتحمّل ما يحصل معك، واحرم نفسك من هذا الدواء، الذي هو دواء له، فأنا لا يمكنني بالالتفات إلى نفس ما يختاره الإنسان وبالالتفات إلى إجازة الشارع له ذلك، لا يمكنني أن أمنعه ممّا أجاز الشارع، وطبعًا كلامي في هذه الصورة وهي الصورة التي يكون فيها الإنسان مبتلى. لأنّه وكما ذكرتُ لكم في بعض الأحيان تكون المسألة مسألة مجازيّة لا حقيقيّة، أي أنّها تنشأ بواسطة بعض العلاقات والكلام التي هي محرّكات كاذبة ومصطنعة، ففي هذه الحالة هناك دواء لهذه المشكلة وهو أن يمنع نفسه من مشاهدة بعض هذه الصور، أو لا يقرأ بعض الروايات والقصص فهي جميعها تؤثّر سلبًا على الإنسان، وكذا مشاهدة بعض الصور وهذه الأمور فإنّها توجد الرغبات المجازيّة والشوق المجازيّ في الإنسان؛ علمًا بأنّ أصل هذه الأمور مخالف للسلوك وخطأ، فما بالك بها وهي توجب مثل هذه المسائل.
ولكن في بعض الأحيان لا تكون المسألة من هذا القبيل، وإنما تكون غريزة هذا الإنسان بهذا الشكل ولا يمكنه أن يسلك طريق الاعتدال في هذه المسألة، فهذا الإنسان لا يمكننا أن ننهاه عن هذه المسألة في هذه الحالة ـ طبعًا لا ينبغي أن يفرِط في المسألة ـ فإن كان قادرًا على أن لا تطّلع زوجته على المسألة؛ حتى لا يؤثّر سلبًا على علاقتهما، فلا يمكننا أن نمنعه عن هذا العمل في مثل هذا المورد، وأمّا إذا استطاع أن يعدّل هذه المسألة في نفسه ويقلّل منها ـ بالطريقة التي بيّناها ـ حتّى لا يصبح عنده مشكله، فهو أرجح بالنسبة له.
ما موقف المرأة تجاه نظرة المجتمع السلبيّة إلى الزواج الثاني؟
سؤال: عذرًا يبقى هنا سؤال وهو أنّه ما موقفنا تجاه نظرة مجتمعنا مثلاً [إلى هذا الموضوع]؟
الجواب: لقد أجبتكم عن هذه المسألة. يجب على المرأة أن تهيّئ جوابًا أمام الله لا غير، فكما أنّ الرجل عليه أن يهيّئ جوابًا أمام الله تعالى، فكذلك المرأة عليها أن تجيب الله؛ فعلى المرأة أن تشعر بهذه المسألة وتحسّها، وهي هل أنّ زوجها واقعًا بحاجة إلى امرأة أخرى أم لا؟ فإن كان محتاجًا إلى امرأة أخرى فلماذا لا تهيّئها له بنفسها، ففي الزمان السابق كانت بعض النساء تذهب بنفسها وتهيّئ زوجة لزوجها، فنفس المرأة تحضر امرأة له؛ لأنّها ترى بأنّ زوجها بحاجة إلى ذلك، ومن دون أن يؤثّر ذلك على محبّتها، ومن دون أن يؤثّر على حبّ زوجها لها، فقد كان هذا الأمر أمرًا عاديًّا، عاديًّا جدًّا، وذلك مثل تهيئة الغذاء وأدوات المنزل، فكانت كذلك تفعل ذلك.
على المرأة أن يشغل بالها وذهنها مسألة علاقتها بالله وارتباطها به، ويكون هذا هو همّها وشغلها الشاغل؛ أي عليها أن تعلم بأنّ الليل والنهار يمضيان في النهاية، وهذا الشهر أيضًا سينقضي ويأتي بعده شهر آخر، وهذه الحياة ستنتهي في نهاية المطاف، وتُعِدّ ـ بناء على ذلك ـ جوابًا؛ فإن كانت مستطيعة لأن تعمل وفق ما أمر به رسول الله والشرع المقدّس، ومع ذلك لم تعمل به، فعليها أن تعدّ جوابًا عن ذلك يوم القيامة. هذا فيما يخصّ علاقتها بالله في دائرة عائلتها.
وأمّا بالنسبة إلى [نظرة] المجتمع؛ فما هي قيمة [نظرة] المجتمع؟! وأيّ مجتمع هو هذا المجتمع؟! هل واقعًا يُعدّ هذا المجتمع الذي لدينا الآن مجتمعًا إسلاميًّا؟! إنّ ما يجري في المجتمع سواء هنا في هذه المدينة أم في المدن الأخرى أم في طهران وغيرها أظهر من الشمس، والجميع مطّلع عليه، فجميع الفواحش جائزة في نظر الناس، ولكن بمجرّد أن يُذكر الزواج المؤقّت يبدؤون باللعن والتبرّي من فاعله، ولو أنّ نفس هذا الإنسان ذهب وزنى لما قالت زوجته شيئًا، نفس هذا الإنسان ها! فمع أنّ الزنا [ينبغي أن يكون في نظرهم] أسوأ من الزواج المؤقّت، ومع أنّه لا فرق بينهما [عمليًّا] غير أنّ هذا شرعي، بل يؤجر على عمله أيضًا، وذاك حرام يأخذ بصاحبه إلى جهنّم؛ ومع هذا فإنّ الزوجة تجيز لزوجها أن يزني، وتعترض عليه وتواجهه إن تزوّج زواجًا شرعيًّا مؤقّتًا. فـ[بعد هذا البيان] على الإنسان نفسه أن يقيّم هذه المسائل ويحكم فيها.
خلاصة الكلام
لقد كان الهدف من بيان هذه المسائل رفع الشبهة، فكثيرًا ما تعرّضت للسؤال في الفترة الأخيرة حول هذه القضيّة، وكان يُعتقد أنّي أخالف الزواج المتعدّد أو الزواج المؤقّت، فأردت أن أرفع هذه الشبهة من الأذهان، وأبيّن رأيي بشكل صريح سواء من الناحية الشرعيّة أو السلوكيّة. وأمّا بالنسبة لما يقرّره الرفقاء والأصدقاء [من موقف عملي] في خصوص هذا الموضوع فلا علاقة لي به أصلًا؛ حتّى إنّي قمت في كثير من الموارد بنهي الأفراد عنه، وقلت لذلك الفرد: لِم تقدم على هذا العمل؟ وما هي حاجتك إليه؟!
وهناك أفراد لهم ارتباط بي يراجعونني [في خصوص هذه المسألة] سواء كانوا نساءً أم رجالاً.. ولا يستطيع الإنسان أن يبقي نفسه بعيدًا عن المسائل التكوينيّة، فالواقع واقع، وأقول لكم بكل صراحة: هناك الكثير من النساء المخدَّرات عندما يأتين إليّ يطلبن منّي زوجًا، ويقلن لي: نحن واقعًا نريد زوجًا. وكذلك هناك رجالٌ يقومون بطرح مشاكلهم، فأتحيّر ماذا أقول لهم! فعندما يقول لي أحدهم: "يوجد عندي مشكلة" فهل بإمكاني أن أقول له: لا، لا تقدم على ذلك؟! فالشرع لم يعطني حقًّا في ذلك، ولم يعطني الله ورسوله حقًّا، وأنا لا يمكنني أن أبيّن المسألة على خلاف ما رسمه الشارع، صحيح؟ وفي الجهة المقابلة فإنّ المسألة معقّدة وليست سهلة.
فعلى كل تقديرٍ سينزعج أحد طرفي القضيّة؛ فبقدر الإمكان وبنحو ما ينبغي تقليل الأمور المؤذية، وتقليل التوتّر، وإخراج المسألة بصورة منطقيّة ومعقولة. هذا هو رأي الحقير. وشخصيًّا أنا لا أوصي الرفقاء بشيء؛ لا أن يقدموا على الزواج ولا أن لا يقدموا، فهو أمر راجع لهم أنفسهم، والمسألة مرتبطة بعلاقاتهم بزوجاتهم، وراجعة إلى أوضاعهم مع عائلاتهم، فهذه القضيّة من القضايا الشخصيّة ولا علاقة لي بها.
وما أردت أن أبيّنه للرفقاء والأصدقاء بنحو صريح هو هذا: إن كانت هذه المسائل ناشئة عن مسائل غريزيّة ودافعها اللذائذ الشهويّة، وطلب التنوّع فقط، فذلك يتنافى مع السلوك بلا شكّ، ومنهيّ عنه؛ ولكن إن كانت بنحو عقلائيّ ومنطقيّ وإلهيّ، فالإنسان نفسه ـ في هذه الحالة ـ يعلم إلى أيّ حد يمكنه أن يتكفّل بالقيام بهذا الأمر.
اللهمَّ صلِّ عَلى محمَّد وآلِ محمَّد