المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمالمرأة والأسرة
المجموعةالمرأة والأسرة - قم
التاريخ 1423/02/16
التوضيح
تعرض سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهرانيّ (قدّس الله نفسه الزكيّة) هذه المحاضرة للجواب على أسئلة المخدّرات من النساء حول موضوع تعدّد الزوجات، وقد تناولت الأسئلة هذا الموضوع مِن عدّة جهات خصوصا: دور الأستاذ الكامل ودور الزوجة في هذا الموضوع. وتخلّلت الإجابة عن كلّ منها مطالب معرفيّة وعرفانيّة وسلوكيّة وتوجيهيّة، مَن تفرَّس فيها وجدها مباني سلوكيّة برأسها، ولم تخل بعضها مِن معالجة لأصل موضوع تعدّد الزوجات، ومن تلك المباني؛ على السالك أن يخفِّف حِمله، وأن يختبر نفسه على الدوام وأن يُشخص نظره على نفسه ويفكّر بعاقبتها. كما تعرض سماحته للجواب عن سؤال في موضوع آخر وهو: اختلاف فتوى الأولياء ومنشئه والفرق بينهم وبين غيرهم في الإفتاء.
هو العليم
الجواب عن أسئلة تعدد الزوجات
المرأة والأسرة – قم - الجلسة الحادية عشرة
محاضرة ألقاها
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
(اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
بقي هنالك أمر فيما يتعلّق ببعض الأسئلة الّتي طُرحت سابقًا. سأقدّم توضيحًا عنه، ثمّ أتابع الحديث عن الموضوع السابق المتعلّق باتّباع الفطرة ومبانيها في طريق السلوك، وسأتحدّث عن طريقة معرفة الأصول الفطريّة وكيفيّة التمييز بينها وبين الأمور غير الفطريّة.
دور الأستاذ الكامل في توجيه تلميذه في موضوع تعدّد الزوجات
سأل بعض الأصدقاء: إن لم يكن الأستاذ مُشرفًا [على ضمير] التلميذ، فهذا أمر آخر. أمّا إن كان له إشراف واطّلاع على ضميره، وكان له عِلم بجميع زوايا وجوده، فلماذا لا يأمره هو بالزواج مرّة أخرى؟
[الجواب:] كان هذا السؤال الأوّل حول هذا الموضوع. ولعله قد خطر مِثل هذا السؤال على بال الآخرين. في حال تحقّق هذا الأمر في الأصل، وبحسب اصطلاحاتنا: في حال صدقت صُغرى القضيّة، وهو كون الأستاذ أستاذًا كاملًا، سنرى بأي نحو يكون الأمر.
ولكن [يجب أن أنبّه على أمر وهو] إن كان المقصود [بهذا السؤال] هو العبد شخصيًّا، فأنا أقولها هنا أنّني لست أستاذًا، وها أنا أكرّر ما كنت قد قلته سابقًا وهو أنّني أستطيع أن أدّعي معرفتي إلى حدّ ما بمباني ومعتقدات المرحوم العلّامة رضوان الله عليه، وأستطيع أن أتكلّم ضمن هذه الحدود فقط، أمّا بالنسبة إلى النواحي الأخرى، وبكوني أمتلك مقام الأستاذ وما شابه ذلك، فلا وجود لمِثل هذا الأمر. نعم، لا علاقة للعبد بهذا الموضوع، وهذه نكتة مهمّة يجب ملاحظتها فيما نطرحه ونتحدث عنه.
لو كان الشخص المذكور واصلًا إلى مقام الولاية، ومقام الإشراف على النفوس وعلى كافّة مصالح التلميذ، فلا معنى حينئذ لطرح مِثل هذا الموضوع، إذ عندما يرى الأستاذ صلاحًا في هذا الأمر، سينبّه التلميذ عليه، وإلّا فلا، ولا داعي حينئذ للسؤال والاستفهام والتكلّم عن الموضوع. فما دام الأستاذ مطّلعًا ومشرفًا وعالِمًا، وكان يرى المصلحة في القيام بمِثل هذا العمل، خصوصًا أنّ كافّة الجوانب الأخرى الّتي يجب رعايتها غيرُ خافيةٍ عليه، يستطيع والحال هذه أن يُخبر تلميذه بذلك.
أمّا بالنسبة إلى شخص هذا العبد، فالأمر مختلفٌ، فأنا لستُ بأستاذ، وقد ذكرتُ هذا الأمر مرارًا، وأرى أنّه لا يجوز لي التسامح أو كسر النفس أو التواضع في مِثل هذا الأمر، وذلك لأنّ الموضوع جدّيٌ وله علاقة بسعادة الإنسان وحياته الأبديّة، وهو ما لا يمكن التلاعب فيه، لأنّه يتعلّق بطبيعة ارتباط المرء بعاقبته، وهذا ممّا لا يقبل التسامح والمزاح. وإن كان هناك مَن يقبل لنفسه ذلك، فعليه أن يستعدّ لتحمّل الحساب في ذلك اليوم. أمّا بالنسبة إليَّ، فلَمّا كنتُ لا أرى في نفسي القابليّة على تحمّل مِثل هذه المسؤوليّة، فأنا لم أعلن في يوم مِنَ الأيّام أنّني أستاذٌ، لا في الملأ العامّ ولا في لقاءٍ شخصيٍّ، لا صراحةً ولا إشارةً أو كنايةً، والكلّ يعلَم ذلك. [نعم] أنا أرى نفسي مبسوط اليد في بيان المطالب، وأترك أمر قبولها وعدمه إلى الأصدقاء والأشخاص الّذين يسمعونها ويقيّمونها ويستطيعون أن يُميّزوا الطريق الصحيح مِنَ السقيم، وهذا هو الأمر المهمّ بالنسبة لي. وذلك لأنّه، بناءً على ما لديّ مِن معرفة بطريق السلوك، ذلك الطريق الّذي لا أعرف غيره، ولَمّا كنتُ أرى نفسي رجلًا أمينًا يستطيع أن ينقل واقع الأمر إلى أحبّاء الله، وإلى الّذين يسعون لمعالجة أمراضهم الباطنيّة والروحيّة، ويسعون لرفع نقائص أنفسهم للوصول إلى درجة الكمال، فما أستطيع أن أقوله في هذا المجال لكافّة أصدقائي، الرجال منهم والنساء، أنا أتحمّل مسؤوليّة ذلك المقدار الّذي أستطيع أن أجيب عنه عند العرض أمام الساحة الإلهيّة، لا أكثر. فأنا لم أتعهّد ولن أتعهّد بشيءٍ سوى ذلك، وأنا لم أُعرِّف نفسي على أنّني قادرٌ على حلّ مشاكل الآخرين ورفع العقبات عن طريقهم، بل لا أرى إمكانيّة تحقّق ذلك إلّا باليد القاهرة لمقام الولاية العظمى لبقيّة الله أرواحنا فداه. هذا هو واقع الأمر، وأنا مسؤول عن كلامي.
لا حاجة لنا إلى تغيير الألفاظ والعبارات، في الوقت الّذي نستطيع فيه أن نبني علاقتنا مع أصدقائنا ومع مُحبيّ الله، على أساس الصدق والصراحة، [وفي الوقت الّذي] وفّقنا فيه للحديث معهم. فلماذا نحيط أنفسنا بسياج، ونغيّر مسيرنا، ونستبدل هذا الطريق الصحيح، طريق الصدق والعبوديّة، بالاعتبارات والأمور غير الواقعيّة وغير الحقيقيّة! ثمّ نتحمّل ما يترتّب على ذلك مِن مسؤوليّة، وإن لم يحصل ذلك في أيّامنا هذه، ولم ندفع ثمنه اليوم، سوف نؤاخَذ عليه غدًا، وسنتعرّض للمُساءلة عن كلّ أمرٍ كان سببًا في أذيّة الآخرين، وعن كلّ ما تفوّهنا به مِن كلمات وتحدّثنا به مِن أحاديث. نعم، لا حاجة للإنسان إلى مِثل هذا الأمر. وكما قال المرحوم العلّامة رضوان الله عليه: كلّما خفّفتَ مِن حِملك في هذه الدنيا، ستكون أكثر راحة في ذلك الجانب، وكلّما أضفت حِملًا إلى حِملك في هذه الدنيا، سيكون طريقك في ذلك العالَم أكثر التواءً وتعرّجًا، وستتعرّض إلى مزيد مِنَ التوقّف.
قال المرحوم العلّامة لأحد الأفراد، الّذي كان يُشغل نفسه بأعمال، تَصرِف أوقاته بشكل متزايد، وتسبّب له بالمزيد مِنَ التوقّف في سيره، قال له: اعلم يا فلان أنّك إن امتلكت قميصًا واحدًا في هذه الدنيا، ستكون أكثر راحتًا في ذلك العالَم، ممّا لو امتلكت اثنتين. هذا يوضّح للإنسان حقيقة الأمر، ويُنبّهه إلى ما سيواجه مِن مخاطر.
أتذكّر حديث المرحوم العلّامة عن بعض مَن تصدّى لمقام الإفتاء والمرجعيّة وأصدر رسالة عمليّة، فكان يقول: أيّها السيّد، نحن لا نستطيع أن نتحمّل عبء تكاليفنا الشخصيّة وإيصالها إلى المقصد، وسنُسأل عن كافّة عباداتنا في تلك الدار، وسيُقال لنا هذا الجزء صحيح وذاك غير صحيح، ومع كلّ هذا تريدون حَمل تكاليف الآخرين على أكتافكم، فكم أنت جاهل وغبيّ يا مَن تطرح نفسك لتقليد الآخرين.
قد يأتي مَن يسأل عن مسألة [شرعيّة]، فيُجبه الإنسان عن سؤاله، [فهذا أمر آخر]، ولكن الموضوع في أن يُعلن أحدهم للناس عن اجتهاده، ويقول: يا أيّها الناس، أنا مجتهد ومرجعُ تقليدٍ، تعالوا وقلّدوني. أرأيتم ماذا يكتبون على غلاف تلك الرسائل، إنّهم يكتبون: حضرة آية الله العظمى فلان في العالمين وفي الآخرين وفي السماوات وفي الأرضين! ما الّذي يعنيه كلّ هذا؟ إنَّه يعني: تعالوا إلى هنا، تعالوا إلى هنا!
كم أعجبني ما كُتب على غلاف الرسالة الّتي أصدرها العالِم الفاضل التقيّ الشيخ بهجت، أسأل الله تعالى أن يحفظه۱، كنتُ قد رأيتها على حافّة الطريق، فسُررت كثيرًا ممّا كُتب عليها، فقد كُتب على غلافها: رسالة العبد محمّد تقي بهجت. كم يختلف الأمر فيها عن غيره! [التفتوا إلى] أنّني أتحدّث هنا عن هذا الجانب فقط، ولستُ بصدد تأييد الرجل أو عدم تأييده، ولستُ في مقام تفضيله على غيره هنا، ولكنّني أتحدّث عن هذا الجانب، وهو أنّه – لا أقلّ – قد كتب هذه العبارة على غلاف رسالته، بدلَ أن يكتب عليها: آية الله كذا وكذا في الأعلى وفي الأسفل وفي السماوات وفي الأرضين وفي العالمين، [وآية الله] العظمى والكبرى وحجّة الله، وما شابه ذلك. ما الّذي يعنيه كلّ هذا؟ إنّ كلّ عبارة مِن هذه العبارات تعني: تعالوا إلى هنا، وارجعوا إليَّ. سيُسأل في ذلك العالَم عن هذه العبارات واحدة واحدة، وسيُحاسب عليها هناك في ذلك الجانب.
مَن هو المُحاسِب هناك؟ المُحاسِب هو (الناقد البصير)، نعم، سيكون (الناقد البصير) هو المُحاسِب. جاء في الحديث القدسيّ «اخلص عملك، فإنّ الناقد خبير بصير»۱. أي الّذي سيزن أعمالك في ميزان النقد يوم الحساب هو خبيرٌ بكافّة زوايا قلبك، ومطّلعٌ على نواياك، ويعلمُ بأيّ نيّة قلتَ ذلك الكلام، فإن قلتَ: كان كلامي مِن أجل حفظ الإسلام. فسيُقال لك: هل يُحفظ الإسلام بك فقط؟! ألا يكون للإسلام وجودٌ إن لم تكن موجودًا؟! كلّا، فليس الأمر بهذا الشكل، بل لن يحصل للإسلام شيءٌ إن متَّ، وسيقومون بتشيّيع جنازتك ودفن جسدك تحت التراب، دون أن يهتزَّ غصنٌ أو يتزحزح شيءٌ مِن مكانه. وإن قلتَ أنّك كتبت ذلك إحياءً للشعائر، [فسيُقال لك:] ألا تُحيا الشعائر إلّا بكتاباتك؟! هل ستُفقد جميع الشعائر إن لم تقم بذلك؟! إنّ الناقد خبير بصير، هذا حديث قدسيّ «اخلص عملك، فإنّ الناقد خبير بصير»، أي إنّ جميع ذرّات وجودك بيد ذلك الناقد، فلا تستطيع أن تتحرّك أو أن ترمش بدونه، وهو مطّلع على كلّ نواياك بكافّة زواياها.
تذكّرتُ هذه الحكاية الآن: في تلك السنة الّتي أتيت فيها إلى قمّ، جئتُ بمعيّة المرحوم العلّامة لإنجاز أمرِ الخير لأخي الأصغر السيّد علِيّ، وكان ذلك في فصل شتاءٍ شديد البرودة. وفي أحد الأيّام الّتي ذهبنا فيها أنا وأخوتي مع المرحوم العلّامة إلى مكانٍ ما، ولم يكن في السيّارة أحد غيرنا، وذلك في اليومين أو الثلاثة [الّتي قضاها في قُم]، علّق المرحوم العلّامة على العبارة المكتوبة على أغلفة مؤلّفاته، سواء الفارسيّة منها والعربيّة، وهي (العلّامة آية الله السيّد محمّد حسين الحسينيّ الطهرانيّ) .. كان البعض يعترض على هذه العبارة لكونها تحمل عنوانًا شاخصًا ولأنّها طويلة، ونحن كنّا نعلم أنّ المرحوم العلّامة لم يكن مِمّن يرغب بهذه الأمور، بل كان يتبرّأ منها أصلًا، وهذا الأمر كان واضحًا لنا نحن أبناؤه لا أقلّ، ومِن جانب آخر كنّا نعلم أنّ هذا العنوان لم يكن عنوانًا اعتباريًّا، بل كان مبنيًّا على أساس، ويجب أن يكون كذلك. فالتفت المرحوم العلّامة إلى أحد الأشخاص وقال: رأيتُ قَبل ليلتين أو ثلاث ليالٍ منامًا، وقيل لي في ذلك المنام: لقد اخترنا لك هذا العنوان بأنفسنا، ولا بدّ أن تكتبه على ظهر مؤلّفاتك، ولكنّ البعض – وذكر اسمه حينها حيث كان يُخاطب شخصًا بعينه – يمنع كتابته، وليس له أن يفعل ذلك. لهذا المنام – طبعًا – معنىً خاصّ.
للأولياء مكانة وحساب خاصّ يختلف عن حساب غيرهم مِنَ الناس، فالعمل الّذي يقومون به يتجاوز أفق النفس، فهم قد عبروا أفق النفس وعبروا عن التعلّقات والأنانيّة، وسحقوا أنفسهم وأحرقوها وذرّوا رمادها في الهواء؛ ولهذا السبب، كان كلُّ ما يقومون به هو حقّ. أمّا نحن فلا نزال أسرى أنفسنا، وأسرى تعلّقاتنا الدنيويّة؛ فنحن نخادع أنفسنا، ونتخيّل أنّنا نقوم بعملٍ صحيح، أمّا في واقع الأمر، فلو فتّشنا في زوايا قلوبنا، لرأينا أنّنا نتهرّب مِنَ الأمر.
إنّ الناقد خبير بصير؛ سيأتي الناقد يوم القيامة ويستخرج ما كان مُخبّئًا ويضعه أمامنا ويقول: تفضّل وانظر بنفسك إلى ذلك اليوم الّذي لم تُنجِز فيه ذلك العمل، مَن كنتَ تخدع بفعلك ذاك؟! وأيّة طائفة مِنَ الناس أردتَ أن تخدع؟! كنتَ تخدع نفسك أيضًا، فالمسألة هنا [في يوم القيامة] مختلفةٌ.
فيما يتعلّق بموضوع العبور عن النفس، فسيواجه المرء أمورًا، فهو؛ إمّا أن يتجاوزها ويعبر عنها، على أنّ العبور عنها أمر عسير وليس بيسير، ولكن عليه أن يتجاوزها ويحلّها ... أو أن يبقى حبیس تلك المرتبة. بناءً على كلّ هذا، فإن كان الأستاذ مشرفًا على النفوس، وكان قد تجاوز النفس، ووصل إلى مقام البقاء، وأصبح مطّلعًا على كافّة زوايا القلب، فهو في هذه الحالة يعلم كيف عليه أن يتصرّف، ويعلم ما عليه قوله، وفي أيّ الموارد عليه أن يأمر وفي أيّها عليه أن يتوقّف، وفي أيّ الموارد عليه أن يُحرِّك، وفي أيّها عليه أن يُوقِف، فالأمر موكول إليه. أمّا بالنسبة لي، فواجبي هو بيان المسائل، وطرح أفكار وعقائد العظماء، فمِن هذه الجهة أستطيع أن أضع المطالب بين يدي الأصدقاء ومُحبّين طريق الله والسالكين طريقه، بشكل أكثر تفصيل ووضوح، ليختاروا لأنفسهم ما يحلو لهم.
دور الزوجة في موضوع تعدّد الزوجات؛ هل على الزوجة أن تبادر زوجها أم لا
أمّا السؤال الثاني الّذي طُرح، فهو: نحن لا نقدر في بعض الموارد أن نشخّص المصلحة، مثلًا هل هذه المسألة في صالحنا أم لا، فهل علينا في هذه الحالة أن نبادر بطرح الموضوع على الزوج بأنفسنا، وهل هناك طريق غير هذا لنلفت نظره، كما أنّ الزوج قد لا يُقدم على التصرّف لبعض الاعتبارات، والحال أنّ هذا يضرّ بمسيره، وهو أيضًا ضارٌّ للمرأة مِنَ الناحية السلوكيّة ومانعٌ لها مِنَ العبور؟۱
[الجواب:] يبدو أنَّني طرحتُ نفس هذا الموضوع في المجلس السابق أو ما قبله. على الإنسان فيما بينه وبين الله، أن يُحرّر نفسه مِن الغلّ والغش، وأن يُزيل الكدورة والصدأ فيما بينه وبين الله، ويتمّ ذلك بمقدار قدرة كلّ شخص، أي باستطاعة كلّ شخص أن ينقّي قلبه ويجعله خالصًا بمقدار قدرته، وأن يمتنع عن مخادعة نفسه وطمس الحقائق، وأن يُخلص قلبه لله ..
اعتقد أنّني طرحتُ هذا الموضوع في المجالس السابقة، عندما تحدّثت مع الأصدقاء عن موضوع الصدق، وقد أخذ الحديث فيه وقتًا. لا أدري إن ذكرتُ هذه المسألة هناك أم لم ،وهي أنّ على الإنسان أن يختبر نفسه مرّتين أو ثلاث مرّات في اليوم، فيما يخصّ علاقاته بمَن يتردّد على بيته، وفيما يتعلّق بمتطلّبات الزوج مِن زوجته، كالأعمال الّتي يريدها أن تقوم بها وتلك الّتي يريد أن تتركها، وكيفيّة إقامتها للعلاقة مع هذا الطرف دون ذاك، والأعمال الّتي يجب أن تقوم بها في هذا اليوم وتمتنع عنها في غيره مِنَ الأيّام. فهي تستطيع أن تختبر نفسها في كلّ ذلك، على أنّ هذا الاختبار لا يختصّ فقط بالأيّام الّتي تكون علاقتهما فيها حميمةً وحسنة، وحالة كون الجوّ السائد بينهما مرحًا وسرور، لأنّه قد يحصل لَبْسٍ في هذه الحالات، فعليها أن تختبر نفسها حتّى في الأيّام الّتي لا يكون فيها هذا الجوّ سائدًا، لأنّ الأصل في المسألة هو أن تختبر نفسها، لا أن تطمس وتغطّي وتلتفّ على الموضوع.
كنتُ قد قلت للإخوة ورفقاء الطريق أنّ مبنانا في هذه المجالس ليس إتلاف الوقت، حتّى نجتمع حول بعضنا ونطرح عددًا مِنَ المواضيع وننقل عددًا مِنَ الحكايات. إن كان المقرّر أن يجري الأمر على هذه الكيفيّة، فأنا أستطيع أن أنقل لكم عددًا مِنَ الحكايات تُلهب جوّ المجلس ويضفي النشاط عليه، ثمّ ينتهي المجلس بهذا الشكل وننصرف. [لا]، بل الأساس الّذي نسير عليه في هذه المجالس هو بيان الحقائق؛ فإن تعرّضتُ للمؤاخذة والاستجواب في ذلك اليوم وقيل لي: لماذا لم تبيّن لنا حقيقة الأمر ولُبَّ المطلب؟ فسيكون لديّ جواب على هكذا سؤال.
ما كان يوصي به العظماءُ تلامذتَهم بشأن الاختبار – الّذي حدّثتكم عنه – هو بالشكل الّذي أُبيّنه لكم الآن. كان الأولياء يُذكّرون تلامذتهم بهذا النوع مِنَ الاختبار، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فاختبار الرجل يكون في مجال عمله وفي المواقف الّتي يتعرّض لها في معاملاته مع المجتمع وفي عمله وفي بيئته العائليّة، سواء كانت تلك المواقف سهلة يسيرة، أم كانت عسيرة، وسواء كان في حالة فرحٍ وسرور، أم في حالة همٍّ وغمّ، فعليه أن لا يحيد يمينًا ولا شمالًا وأن لا ينزلق عن المسير الّذي رسمه الله له.
إنّ هذا الطريق هو الطريق الّذي يجب على الرجل أن يختبر نفسه فيه باستمرار، ليرى هل علاقته بفلان في حال السعادة والفرح ستبقى على حالها في غيرها مِنَ الأزمنة، أم أنّها ستتغیّر، وهل علاقته وارتباطه بفلان وتردّده عليه وإظهار المودّة له، مقتصر على فترة حياة المرحوم العلّامة، فيُختتم هذا الملف بارتحاله، أم أنّها مبنيّة على معيار أبديّ. علينا أن ندقّق في هذا الأمر كثيرًا. إنّما أذكر هذا الأمر هنا، لكي أقول لكم أنّ الشيطان يستطيع أن يرِد الميدان حتّى مِن طريق السلوك والعرفان، ومِن خلال الطريق والمسير الّذي يؤدّي إلى الله، والطريق الّذي يصطبغ بصبغة إلهيّة، نعم، باستطاعته أن يرِد حتّى مِن هذا المكان.
كان المرحوم العلّامة رضوان الله عليه يحترم أبناء أستاذه كثيرًا، كثيرًا جدًّا، قد رأيناه كيف كان يحترمهم في حياة أستاذه، نعم، كان يحترمهم كثيرًا، حتّى وصل به الأمر أن ينهر بعض المنسوبين إليه عند اعتراضه على بعض ما كان يقوم به أبناء أستاذه، قائلًا: اسكت، لا يحقّ لك أن تعترض، فما قام به أمرٌ يخصّه، ولا يجوز لنا أن نتدخّل به ونتكلّم عنه. ولم يكن هذا الأمر مقتصرًا على فترة حياة أستاذه فقط، بل استمرّ إلى ما بعد ارتحاله أيضًا. كنتُ أرى بعيني كيف كان المرحوم العلّامة يقف على طوله عندما يدخل عليه حفيد السيّد الحدّاد، ولم يكن ذلك مِن باب المجاملة. في أيّ عمر كان، عندما كان يفعل ذلك؟ كان يفعل ذلك وهو في عمر السبعين، وفي الوقت الّذي كان يعاني فيه مِن مشاكل [صحيّة] حتّى في مشيته، وفي الوقت الّذي لم يكن قادرًا على القيام ببعض أعماله الضروريّة، [ومع هذا كلّه] كان يقف له. ما الّذي يعكسه هذا الفعل؟ هل كان يمزح، أم يتظاهر أو كان يُمثّل؟! أم أنّ احترامه لابن أستاذه كان نتيجةَ القِيم الّتي امتزجت بروحه وضميره وقلبه.
أتذكّر عندما أسكَنَ المرحومُ العلّامة أحدَ أبناء المرحوم السيّد الحدّاد في سرداب منزله الخارجيّ عندما جاء [إلى مشهد]، قال له: إنّك ستبقى هنا ما لم يتهيّأ لك منزل، فلا يجوز لك أن تذهب إلى أيّ مكانٍ آخر. وقد عانى المرحوم العلّامة ما عاناه نتيجة ذلك، إذ كان هذا السرداب هو مكان نومه أيّام الصيف، وكان سريره موجودًا في ذلك المكان قرب السلّم. إذ كان فصل الصيف حارًّا، والسرداب مكانٌ بارد، وكان يستفيد مِنَ المروحة [أيضًا] في تبريده، فلم يكن يستطيع النوم في غير هذه الغرفة، لتحسّسه مِن حرارة الجوّ، فهو لا يستطيع النوم في الجوّ الحارّ. [فعندما استضاف ابن السيّد الحدّاد] كان يستريح في إحدى غرف المنزل المجاور، والّذي كان حارًّا، فلم يكن يستطيع النوم، ومِن أجل أن لا يُشعر ابن السيّد الحدّاد بأنّه مستيقظ، فعندما كان يريد أن يخرج مِنَ المنزل الداخليّ ليذهب إلى المنزل الخارجيّ للاشتغال بالتأليف، كان يفتح باب الساحة، فيخرج إلى الزقاق ليدخل المنزل الآخر، ولم يكن يذهب إليه عن طريق ساحة البيت، لكي لا يَشعر ابن السيّد الحدّاد بذلك. كان يراعي تلك المسائل إلى هذا الحدّ. وهذا ما يجب أن يكون عليه الأمر حقًّا.
كان هذا هو الاختبار الّذي تعرّض له المرحوم العلّامة، فهل نكون نحن كذلك؟ لقد كان هذا مثالًا، ولعلّ طرحي لمِثل هذا الموضوع فيه شيء مِن قلّة الذوق، إذ لا يحسن بالمتكلّم أن يضرب مثالًا يعود إليه، غير أنّه لم يخطر على ذهني – فيما بيني وبين الله – شيئًا مِن هذا القبيل، نعم، هكذا هو الأمر فيما بيني وبين الله، وأنا لست بحاجة إلى هذا الأمر، فما أشعر به وما يملأ نفسي هو أمر الصداقة لا غير، فأنا لم أستغلّ مكانة المرحوم العلّامة مِن أجل مصالحي الشخصيّة حتّى في حياته، وكنتُ معروفًا بهذه الخاصيّة طبعًا، حتّى أنّني تعرّضتُ لمؤاخذة المرحوم العلّامة على ذلك. نعم، هكذا كان وضعي، وهكذا أنا في الوقت الحاضر. غير أنّ الأمر الّذي أتحدّث عنه هو أمر عامّ. فعلى كلّ واحدٍ أن يختبر نفسه.
كانت تربطكم علاقة حميمة ووثيقة بأصدقاء المرحوم العلّامة ورفقاء طريقه في أيّام حياته، فما هو الأساس الّذي بَنيتم عليه تلك العلاقة؟ وهل لا يزال هذا الأساس قائمًا أم انتفى؟ نعم، علينا أن نختبر أنفسنا، فعندما كنتم تتعاملون بتلك الكيفيّة في زمن حياة المرحوم العلّامة، وكنتم ترون أنفسكم خالصِي النيّة، فهل أُغلق ملف الله [الآن]؟! لماذا تغيّر الأمر الآن؟! فإنّ الشخص هو نفس الشخص، وأفكاره لم تتغيّر، وطريقه لم يتغيّر، وكنتم تهتمّون بعائلة المرحوم العلّامة في فترة حياته، وعندما تريدون القيام بعملٍ ما، كنتم تقولون: نحن ننفّذ أمر المرحوم العلّامة. فهل أمر المرحوم العلّامة مختصّ بفترة حياته فقط، أم أنّه أمر عامّ؟ إن كان الأمر كذلك، فلماذا اختلفت العلاقات العائليّة؟! يُعلم من هذا أنّ ما كان يجري في ذلك الوقت كان عبارة عن تخيّلات، فلم يكن هناك وجودٌ حقيقيّ للمرحوم العلّامة [في عقولكم]، بل كان ذلك العلّامة مجرّد علّامة تصوّري! كانوا يرونه إنسانًا جيّدًا ومرحًا يتماشى معهم، لذا أحاطوا به واستفادوا مِن وجوده واستمدّوا مِن أنفاسه، أمّا روحه وسرّه فلم يصلوا إليهما ولا اطّلعوا على ما كان يطرح مِن مسائل. إنّ هذا الأمر أمرٌ مهمّ.
كان المرحوم العلّامة يُذكّر بهذا الأمر دائمًا، وهو أنّ على السالك أن ينتبه لنفسه ويُفكّر في عاقبته. لعلنا نستطيع أن نقول هنا، أنّ موضوع الاهتمام بالنفس، هو واحدٌ مِن أهمّ المسائل الّتي على الإنسان أن يراعيها؛ فعليه أن يعمل على تقييم مواقفه. يحصل كثيرًا أن تكتب النساء لي، وتقول: زوجي يعترض على ذهابي إلى مجالس الذِّكر، فمتى يرفع الله عنّي سوء التوفيق هذا. فكنتُ أقول: إنّ هذا هو عين التوفيق، فقد منحكِ الله توفيق عدم التمكّن مِنَ المشاركة في مجالس الذِّكر. فتتعجّب وتقول: يا للعجب! وهل عدم التمكّن مِنَ المشاركة في مِثل هذه المجالس أصبح مِنَ التوفيق؟! لماذا يتناقض هذا السيّد في كلماته؟! قلتُ: إنّ التوفيق الّذي يمنحه الله للإنسان هو أن يقرّبه الله إليه عن طريق مجلس الذِّكر، فإن أصبح مِثل هذا المجلس مُبعّدًا الآن، فهل المشاركة فيه مِنَ التوفيق أم عدمه؟!
قد نُشارك في مجلس الذِّكر إنفاذًا لأمر الأستاذ، فإن كانت هذه المشاركة تحصل بموجب أمر الأستاذ، فلا بدّ أن تجري بقية الأمور بموجب أمره أيضًا؛ وطاعة الزوج تعتبر أهمّ مِنَ المشاركة في مجلس الذِّكر، فكيف تُحرجين زوجك وتضيّقين عليه وتجبرينه على أن يسمح لك بالذهاب إلى هكذا مجلس؟! ما هي الفائدة الّتي تُرجى [في هذه الحالة] مِن مجلسٍ كهذا؟! إنّه لم يعُد مجلسًا للذِّكر في هذه الحالة، بل سيتحوّل إلى مجلسٍ شيطانيٍّ بالنسبة لكِ. وكيف ذلك؟ ذلك لأنّه إن كان الذهاب إلى مجلس الذِّكر يحصل وفقَ رضا الله، فسيُكتب للمرأة بكلّ خطوة تخطوها حسنة، وإن كانت تلك الخطوات لم تحصل برضا الزوج، فلن تُكتب لها بها حسنة، بل ستُكتب لها سيّئة، فهي سيئة لا حسنة. فلَمّا تمتنعين عن المشاركة في مجلس الذِّكر مِن أجل كسب رضا زوجك، سوف تتقدّمين خطوات، لا تستطيع أنّ تتخطّاها المرأةُ الّتي تشارك في تلك المجالس لألف سنة. كيف ذلك؟ ذلك لأنّ امتناعك عن الذهاب كان موافقًا للأمر الّذي تلقيته، وهو ما يريده الله.
إنّ زوجك ليس أسوء مِن فرعون، والعياذ بالله، وآسيا قد وصلت إلى الكمال وهي في نفس بيت فرعون هذا. أتعلمون أنّ إحدى نساء العالَم الكاملات هي آسيا امرأة فرعون، هذه الّتي كانت زوجة لأسوء الأزواج في العالَم، لا يوجد مَن هو أسوء مِن فرعون، ذاك الّذي ادّعى الربوبيّة. فزوجك ليس أسوء منه. إنّ أسوء الأزواج في العالَم كان مِن نصيب أفضل نساء العالَم. لم تكن آسيا امرأةً عاديّة في ذلك الوقت، بل كانت امرأةً مميّزةً جدًّا، وشديدةَ التديّن، وعالِمةً، وقد نُقل عنها الكثير مِنَ الناحية الظاهريّة والباطنيّة، فكانت امرأةً فاضلة جدًّا، ومتفوّقة مِن جميع الجهات، وساعدها في ذلك عِلمها وكمالها ورؤيتها الثاقبة. قال الله لها: ألا تريدين أن تصلي إليَّ، ألا تريدين أن تصلي إلى مرحلة الكمال، فعليكِ إذن أن تصلي إلى ذلك وأنت في هذا المكان، أنا أريدك أن تكوني هنا، فاصبري وتحمّلي هذين اليومين، فهذه الدنيا ليست كلّ شيء، بل ستُطوى وستصلين إلى الكمال في هذا المكان. هذا هو معنى التوحيد؛ فالتوحيد هو الله المجرّد مِن كلّ لون، والإله الّذي لا يحدّه قيدٌ، والإله الّذي ليس له ظهور دون ظهور آخر. الله هو الّذي؛ إن كان في الصحراء فهو الله، وإن كان في المدينة أو القرية فهو الله، وإن كان في البيت أو خارجه فهو الله، وإن كان في مكة فهو الله، وإن كان في أيّ مكانٍ آخر فهو الله؛ إنّ الله هو الّذي يكون الله أينما كان، وعلى الإنسان أن يعمل وفقَ التكليف المُلقاة على عاتقه. وإن عَمِل الإنسان وفقَ هذا التكليف، سيكون عمله مُقرِّبًا له إلى الله أينما أراد أن يكون.
ألم أكرّر، مرّات عديدة، قولي، أنّ المرحوم العلّامة عندما ذهب إلى النجف، لم يكن ينوي الرجوع إلى إيران أبدًا، فقد كانت النجف كعبة آماله، ولم يكن يفكّر ولو تفكيرًا بالرجوع إلى إيران، كان يقول، على حدّ تعبيره: لقد مسحتُ إيران مِن الخارطة الجغرافيّة للعالَم، ولن أعود إليها مطلقًا، مطلقًا لن أعود. ولكن عندما قال له أستاذه [السيّد الحدّاد]: لقد سلّمتك حوالة الانتقال إلى طهران. انتهى الأمر بالنسبة إليه. فلو أنّه بقي في النجف بجوار أمير المؤمنين لاستفاد مِن فيضه، ولكنّه لَمَا أصبح العلّامة الطهرانيّ، فهذا أمر آخر وله حساب منفصل.
إنّ إله النجف هو نفسه إله طهران وقُم وساوة، لا فرق بين جميع هذه الأماكن مِن هذه الجهة، ولكن علينا أن نجد المكان الّذي فيه صلاحنا، ونكون فيه، علينا أن نبحث عن المكان الأنفع لنا [والملائم] لوضعنا ونستقرّ فيه. ولا علاقة لنا بما سيفعله الطرف الآخر، وما سيُكتب له، ما علينا إلّا أن نستفيد مِن هذه المائدة الممدودة. لنفترض أنّني أريد أن أطيع شخصًا معيّنًا، فلا علاقة لي بما سيحدث له، ولا علاقة لي بمقدار صعوده وغير ذلك أو ارتطام رأسه بالثريّا!
قد يكون المطروح أحيانًا يفوق قدرة الإنسان، ففي هذه الحالة لن يستطيع القيام بشيء، ولكن أحيانًا لا، فقد يكون أمل الإنسان مرتفعًا، فليرتفع إذًا، فكلّما ارتفع أمله، ازداد ما سيُسجّل في صحيفته، وكلّما كان نظره إلى الأعلى، ازداد ما يُدوّن في ملفّه، أليس هذا أفضل؟ بل هو أفضل. لذا على الإنسان في مِثل هذه الموارد أن يكون يقظًا جدًّا، وشديد المراقبة، فأينما شخّص الخير والصلاح، عليه أن يجِدَّ في تحصيله.
أمّا بالنسبة للمسألة الّتي تمّ السؤال عنها، فالموضوع لا يخصّ المرأة بشيء، فلَم يكلّفها أحدٌ أن تقترح على زوجها بالزواج بامرأة ثانية، كلّا، بل هذا الأمر متروك للرجل، فهو الذي يشخّص صلاح هذا الأمر وعدمه، وذلك وفقَ ظروفه الخاصّة. لم يقُل أحد أنّ على المرأة أن تُشجّع زوجها على الزواج مِن ثانية. نعم، لا وجود لهذا الشيء، ولكن عليها أن لا تضع العراقيل أمام هذا الموضوع، وهنا محلّ الكلام؛ فعليها أن لا تمنعه مِن ذلك، لأنّه يريد أن يتمّم أمرًا شرعيًّا، وهو أعلم بمصلحته – هذا ما قلتُه – أمّا أن تقترح المرأة هذا الموضوع على زوجها، فلا وجود لمِثل هذا الشيء، بل الأمر متروك للرجل، فلعلّه لا يُريد القيام به بالمرّة. هنالك الكثير مِمّن تتوفر لهم الظروف المناسبة [للقيام بذلك]، ولكنّهم لا يقومون به، لأنّهم لا يرغبون بذلك، فما داموا غيرَ راغبين به، فليكن، فليس هناك إجبار على الزواج الثاني، فالمسألة ليست مِنَ الحتميّات، وليس هناك مَن يجبره على ذلك.
بناءً على المطالب الّتي عرضتها سابقًا، فإن كان للزواج مِن امرأة ثانية جنبة منطقيّة وعقلائيّة، فستفرق المسألة. أمّا إن لم يكن له وجه منطقيّ وعقلائيّ، فالزواج الّذي يُبنى على أساس الرغبة والهوى وما شابه ذلك، ليس زواجًا صحيحًا. ويُفترض أن لا تدور عين الإنسان – بحسب تعبير المرحوم العلّامة – في هذا الاتّجاه وذاك، بل يجب أن يُبنى الموضوع على أساس منطقيّ، وأن يكون مستوفي الشروط الخاصّة به، ويجب أن يكون متوافقًا مع ظروفه المحيطة به، ومع أموره الّتي يشتغل بها. أمّا إن أراد الإنسان أن يحصل على كلّ ما يتمنّاه، سيكون حاله كمَن يدخل مدينةً، ويريد أن يستضيفه جميعَ مَن في تلك المدينة ...
إنّ طريق السلوك، هو ذلك الطريق الّذي فيه يجعل السالكُ مسيرَه مطابقًا للواردات الّتي ألقاه الله في قلبه وفطرته وعقله، لا مع ما تريده نفسه، تلك الإرادة الناتجة عن التعلّق بالدنيا؛ هذا هو عين الموضوع الّذي نحن بصدد الحديث عنه، على أنّ حديثنا ليس في [الزواج]، بل في مشتهيات النفس، وكيفيّة التفريق بينها وبين المسائل الفطريّة، وهو مِن أكثر المواضيع السلوكيّة والفطريّة حساسيّة.
صحّة اختلاف فتوى الأولياء ومنشؤه والفرق بينهم وبين غيرهم في الإفتاء
أمّا الموضوع الثالث الّذي تمّ السؤال عنه – وكثيرًا ما يُسأل عنه – هو: كيف يحصل اختلاف بين اثنين مِنَ الأولياء في الفتوى؛ فيُفتي أحد الأولياء بفتوىً معيّنة في زمانه، ثمّ يأتي الولي الّذي بعده ويُصدر فتوى مغايرة.
[الجواب:] سأكرّر ما سبق وقلته، وهو: إن كان المقصود بالسؤال هو هذا العبد شخصيًّا، فأنا أنفي عن نفسي وبشكل قاطع وجديّ هذا الأمر. أمّا إن كان السؤال المطروح عامًّا، فجوابي هو التالي: نعم، مِنَ الممكن أن يُفتي وليّين فتاوى متغايرة. وكنت قد أشرتُ إلى هذا الموضوع في الأحاديث السابقة وقلتُ: إنّ كلمة الولي تُطلق على الرجل الّذي يأخذ بالاعتبار كافّة المطالب وجميع جوانب القضيّة الّتي هي مورد البحث، ويستخرج منها ما تقتضيه مِن مصلحة، فكلامه هذا نازلٌ مِن الله، ومأخوذٌ مِن منبع الأحكام الإلهيّة ومِن عين الحقيقة، الأمر الّذي يختلف اختلافًا جذريًّا عمّا إذا دخلت الأمور الشخصيّة والنفسيّة في الفتوى، ويؤثّر تأثيرًا جدّيًا في حصول الاختلاف في الفتوى، وهذا ما نراه بأنفسنا [في الأماكن الأخرى].
هنالك الكثير مِمّن يُفتي بفتاوى مختلفة بفعل المناصب والظروف والمواقف المختلفة؛ ففي اليوم الّذي يحتلّ فيه مكانةً معيّنةً تراه يُفتي بأمرٍ، ثمّ يُفتي بخلافه مئة وثمانين درجة عندما تتغيّر مكانته! هذا في الوقت الّذي لا يُفترض فيه أن تتغيّر الفتوى، وبما أنّه اليوم في الأعلى فيُفتي بفتوىً معيّنة، وغدًا عندما ينزل إلى الأسفل تتغيّر فتواه! ولأنّه يحتلّ منصبًا معيّنًا اليوم فيُفتي بهذه الفتوى، وغدًا [عندما يُزاح عن منصبه] تتغيّر فتواه!
فيما يتعلّق بـ [الشخص المُسمّى بـ] الشهيد الثالث، وهو الآخوند الملّا محمّد تقي القزوينيّ البرغانيّ، المدفون في قزوين، والّذي قُتل على أيدي البهائيّة في زمانهم – وهناك الكثير مِن هذه القضايا – يُقال أنّه كان يُعارض إقامة صلاة الجمعة في ذلك الوقت، ويراها حرامًا، وأنّها مختصّةٌ بزمن النبيّ. كان أحد الأشخاص يُقيم صلاة الجمعة في نفس ذلك الوقت، فكان الشيخ البرغانيّ يتهجّم عليه في كافّة مجالسه ويقدح فيه ويُفنّد عمله. حصل أن سافر إمام الجمعة يومًا إلى طهران، فأقام هذا الشيخ صلاة الجمعة مكانه في نفس تلك الجمعة [الّتي غاب فيها الرجل]، وعندما عاد [ورأى ما حصل] قال: أتعجّب كيف لفتوىً أن تتبدّل مئة وثمانين درجة بمجرد سفري إلى طهران. ولقد قُتل الرجل فيما بعد على أيدي البهائيّة.
سوف يُحضر الله هذا الشخص يوم القيامة ويأخذ بتلابيبه ويقول له: لِمَ أفتيتَ بحرمة صلاة الجمعة؟! لماذا أقمتَ صلاة الجمعة مكان ذلك الرجل بعد سفره؟! ولقد استمرّ هذا الشيخ بإقامة صلاة الجمعة لأنّه كان مقتدرًا. فكيف تتبدّل حرمة صلاة الجمعة إلى واجب؟! يحصل لنا أيضًا مِثل هذا الأمر، نعم، إنّه يحصل لنا أيضًا.
إنّ الوليّ الإلهيّ هو وحده القادر على بيان مصلحة كلّ شخص، سواء كان ذلك بنحوٍ جزئيّ أو كلّي. ولا يستطيع أحد غيره فعل ذلك؛ لذا تكون الفتوى هنا في غاية الصعوبة. أتذكّر كيف جاء أحد مراجع التقليد الحاليّين يومًا إلى مشهد، وزار المرحوم العلّامة، فما حصل كان أمرًا عجيبًا حقًّا، فأنا لم أشاهد حتّى ذلك الوقت أن صدر شيءٌ كهذا مِنَ المرحوم العلّامة؛ رأيته يسأله عن بعض المسائل الفقهيّة، وكانت المسألة الّتي طرحها عليه هي التالي: ما هو نظرك في رجل عاميّ وجاهل، كان يغتسل غسل الجنابة مدة ثلاثين سنة مثلًا بشكل خاطئ، فهو بعد أن يغسل رأسه يغسل جنبه الأيسر قبل جنبه الأيمن، واستمرّ على ذلك ثلاثين سنة، فما هو رأيك بصلاته الّتي صلّاها خلال تلك الفترة؟ فبدأ يتكلّم بكلام يُستبعد صدوره منه، ولا أدري كيف حصل ذلك، فقال: لا بأس بذلك، فصلاته صحيحة، لأنّه لا يجب التوالي بين أجزاء الغسل.
إنّ غسل الجنابة يخالف الوضوء هنا؛ التوالي بين أجزاء الوضوء واجبٌ، ولا يجوز الفصل بين هذه الأجزاء، فإن غَسل الإنسان وجهه على سبيل المثال، ثمّ ذهب وعاد بعد ساعة ليغسل يده اليمنى، بطل وضوؤه. أمّا غُسل الجنابة، فليس بهذا الشكل، فإن غسل الإنسان رأسه، يستطيع أن يغسل جنبه الأيمن بعد فترة، ثمّ يقوم بعدها بغسل الجانب الأيسر، إذ لا يُشترط التوالي في أجزاء الغسل.
فإن فرضنا أنّه غسل رأسه، وبعد أسبوع مثلًا غسل إحدى جانبيه، فسيُلحق هذا الجزء مِنَ الغسل بالجزء الّذي كان قد غسله قبل أسبوع. على أنّ هذا الأمر يعتمد على عدد المرّات الّتي يغتسل فيها، ومقدار همّته في هذا الأمر، فهل الرجل يغتسل مرّة في الأسبوع أم مرّة في كلّ أسبوعين، أم يغتسل يوميًّا؟ لم يطرق الحديثُ عن هذا حينها. كنّا نطرح بعض الأمور حينها ونضحك. على أيّ حال، فإنّ الجزء الّذي يُغسل فيما بعد يُلحق بالّذي قبله، وتكون صلاته صحيحة بعد ذلك.
قلتُ له: يا سيّدي العزيز، وإن قيل أنّ التوالي ليس شرطًا في الغسل، إلّا أنّ هذا لا يعني أن تكون الفاصلة بين الأجزاء سنةً، كأن يُغسل الرأس الآن، ثمّ يأتي بعد سنة ليغسل جنبه الأيمن! بل المراد هو كون الفاصلة بمقدار عدّة دقائق، كأن ينفد ماء الغسل، فيأخذ الجرّة أو الدلو – كما كان يحصل في تلك الأزمنة – ويجلب الماء، فهذا الأمر جائزٌ هنا، وهو يختلف عن الوضوء. فقيل في مِثل هذه الحالة أنّه لا بأس بالفاصلة القصيرة، لا أن يغسل رأسه الآن، ثمّ يأتي بعد سنة ليغسل جنبه الأيمن، فهذا غير جائز. هذا أوّلًا، وثانيًا، لو غسل رأسه، ثمّ بعد أسبوع غسل جنبه الأيمن، وبعد أسبوعين جنبه الأيسر، فستكون صلاته باطلةً خلال هذين الأسبوعين؛ فكيف تتعامل مع هذا الأمر؟! ثمّ قد يُحدِث الرجل مرّة أخرى [خلال هذه الفترة]، ويستمر الأمر على هذا المنوال؛ على هذا، فإنّ السؤال الّذي طرحه المرحوم العلّامة ما زال قائمًا، ولم يعُد ذاك جوابًا للمسألة، ولم تتمّ الإجابة.
ما أراد أن يوصله المرحوم العلّامة للرجل هو: إنّك الآن تعرض نفسك لمقام الفتوى يا عزيزي، وتريد أن تنشر رسالةً عمليّةً، فهل تعلم ما الّذي سيحلّ بالمرء إن حكمت له بإعادة صلاة ثلاثين سنة؟ وهل جميع المكلفين قادرون على قضاء صلاة ثلاثين سنة، أم لا؟ وعندما تكتب حكمًا في رسالتك العمليّة، فأنت تكتبه بشكل معادلةٍ عامّة، فتقول: مَن كانت صلاته باطلةً، فعليه أن يقضيها. فهل تكتب هناك [وتأخذ بالاعتبار] إن كان المرء عالمًا أو جاهلًا، ومقدار سعته، وإن كان مُسِنًّا أو شابًّا، هل يستطيع أو لا يستطيع، ما هو مقدار تديّنه، واهتمامه بأمر الدين. إنّك لا تُضمّن رسالتك مِثل هذه الأمور، بل ستطرح رسالةً، ثمّ تقع في أيدي الناس، فترى أحدهم يقول: يا للهول! إنّ صلاتي كانت باطلة لأربعين سنة؛ فيرتدّ عن الدين أصلًا.
أمّا بالنسبة للوليّ الإلهيّ، فلا تَصدر هكذا فتوى عنه، بل لفتواه شكل آخر، فإنّ فتواه تكون بحسب قدرة الشخص وسعته. نعم، لا تَصدر مِثل تلك الفتاوى عنه، وهو يعلم ماذا يقول ويعلم ما هو الكلام والوقت الملائمان لكلّ شخص ليتكلّم معه. مَن الّذي يفعل ذلك؟ إنّه الوليّ الإلهيّ. فلَمّا كان الأمر كذلك، فمِنَ الممكن أن يكون نظر الوليّ في قضيّة معيّنة وفي أحد الأزمنة – بلحاظ مصلحة ما – بشكلٍ، ونظر وليّ آخر في زمان آخر [بشكل آخر]، بل يمكن لنفس الوليّ وفي نفس الزمان أن يتكلّم بشكلين أو ثلاثة أشكال مختلفة، وقد حصل هذا الشيء، ورأيناه مِنَ المرحوم العلّامة؛ كان يقول لأحدهم: عليك أن تقوم بهذا العمل. ويقول للآخر، في الموضوع نفسه، أنّ عليه أن يقوم بعمل آخر. لماذا؟ لأنّ الناس تختلف عن بعضها. هذا مِن جانب، ومِن جانب آخر، فهو مطّلعٌ على ما لا اطّلاع لنا عليه، لذا فهو يعرف ماذا يقول حتّى لا يُسبّب فسادًا بدل الصلاح.
كانت تلك توضيحات حول الموضوع المطروح، ولم يبق – بحسب اعتقادي – شيئًا يمكن أن يُسأل عنه بهذا الشأن.
دور الزوجة في موضوع تعدّد الزوجات؛ هل مبادرة الزوجة تعزيز للنفس أم إزالة للعوائق
نعم، طُرح سؤال، يقول: يرى البعض أنّه إن أقدمت المرأة على ذلك العمل۱، فسيكون ذلك مِن باب إرضاء نفسها، لذا عليها أن تترك الرجل حرًّا ليفعل ما يريده هو، فيتزوّج مِمّن يشاء، وبهذا لا يكون هذا العمل مِنَ أجل النفس. هل هذا الكلام صحيحٌ؟
[الجواب:] مِنَ الممكن أن لا يكون ذلك مِن أجل النفس، فقد تفعل المرأة ذلك بقصد العبور في واقع الأمر، وأن تقضي على بعض العوائق، وخلاصة الأمر فهي تريد أن تحصل على ما يريده الله لها. غير أنّه – كما ذكرتُ – لا يمكن أن يُحكم على الموضوع بهذه السهولة، ولا يمكن أن تُترك اليد مبسوطة لتقوم بأيّ عمل، لأنّ الموضوع في غاية الدقّة وفي غاية الحساسيّة، فلا ينبغي أن تجري الأمور بحيث نكون في (شغَلَتنا) فنصبح في (شدُرُسنا)٢، أي أن تحاول المرأة بفعلها ذاك أن تكسب رضا الله، وإذا بها تأتي بما لا يُجدي معه الندم شيئًا؛ ولهذا قلتُ أنّ المصلحة تقتضي أن لا تتدخّل المرأة في هذا الأمر أبدًا، فلا تُقدّم مقترحًا، ولا تتدخّل، ولا تُقدِم على أيّ خطوة، فلتترك الأمر للرجل، يفعل ما يراه، وهو يعلم هل صلاحه في أن يُقدِم على ذلك أم لا.
فنظرًا لحساسيّة الموضوع، وبالخصوص فيما يتعلّق بتلك النفس اللطيفة الّتي وهبها الله للمرأة، تلك اللطافة الّتي لا يمتلكها الرجل بالطبع، والّتي تُستغلّ مِن قبل الكثيرين، فلا ينبغي أن تعمل هذه اللطافة على تغليب جانب المشاعر، بل يجب أن تصاحب هذه اللطافة الجنبة العقليّة والمنطقيّة وأن تكون توأمهما، وذلك لكي لا تقع مفاسدٌ – لا سامح الله – فيما بعد.
إن كان لدى الأصدقاء ورفقاء الطريق سؤالٌ يتعلّق بهذا الموضوع، فليتفضّلوا به، لكي لا نفتح الحديث عن هذا الموضوع في المجلس القادم، ونرد في البحث الأصليّ حينها إن شاء الله.
اللهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد