14

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

6257
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمالمرأة والأسرة

المجموعةالمرأة والأسرة - قم


التوضيح

في هذه المحاضرة المخصّصة لاستعراض بعض مباني السير والسلوك المتعلقة بالمرأة و الأسرة، والتي ألقاها سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمد محسن الطهراني (قدس الله سره) على بعض الأخوات المؤمنات في قمّ المقدّسة، تطرّق سماحته للجواب عن السؤال التالي: لماذا تبدو المباني والقواعد الشرعية وكأنَّها تظلم أحد شريكي الحياة؟
ثم تطرق إلى موضوع آخر وهو بيان خطورة هوى النفس عند من يتصدى للمناصب الاجتماعية، وذكر قصة الميرزا محمد تقي الشيرازي في سياق تهذيب نفسه وتقواه وزهده في الدنيا رحمة الله عليه، ثم بيّن سبب اعتراض السيدة الزهراء عليها السلام على أمير المؤمنين عليه السلام في مسألة السكوت عن الغاصبين، وفي النهاية أجاب عن بعض أسئلة الحضور.
/۲٤
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

  • المرأة والأسرة – قم – الجلسة ۱٤

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلَّى اللَه علىَ سیدنا و نبینا أبي القاسم محمّد

  • اللّهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد

  • وعلى وآله الطيبين الطّاهرین 

  • واللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمعینَ‌ إلى يوم الدين

  •  

  •  

  • كان لدى بعض الأصدقاء إشكالات وتساؤلات عمّا تمّ طرحه من مواضيع تتعلّق بسلوك النساء، وكذلك عن المواضيع التي تمّ تناولها في مجالس عنوان البصري السابقة والتي كانت تتعلّق بالعلاقة بين الزوجين، حيث تمّ طرح كلّ ذلك إمّا شفهيّاً أو تحريريّاً عن طريق إرسال رسائل بهذا الشأن، لذا ارتأيت وقبل مواصلة الحديث عن موضوع الفطرة، أن أبيّن بعض المواضيع المكمّلة لما كان قد تمّ طرحه سابقًا وذلك من باب التذكير، وإجابة على تلك التساؤلات، وبيانًا لبعض الأمور التي ربما أكون قد غفلت عنها، وإن كان نفس هذا الموضوع الذي سأتحدّث عنه يعتبر بمثابة العنوان والمقدمة للورود في بحث المواضيع الفطرية التي نحن بصدّد الحديث عنها.

  • إنَّ الموضوع الذي كنت أنوي أن أطرحه هذا اليوم هو موضوع المباني الفطرية، والواقع والعينية الفطرية، فما هي الفطرة؟ وما الحقائق الفطرية، وما هي الضوابط والقواعد التي تحكمها؟ وهل من اللازم علينا أن نتابع الفطرة؟ أم سيترتب على عدم رعايتها ومخالفة مبانيها آثار على تكوّن [النفس] الإنسانية، وعلى وصول الإنسان إلى الفعليّة وعلى رشده ورقيّه وتكامله؟

  • لقد جرى بعض الحديث عن هذا الموضوع بالفعل، وقلنا بأنَّ متابعة الضوابط والقواعد الفطرية، يُوجب التكامل ووصول قوى الإنسان إلى مرحلة الفعليّة، كما وأنَّ عدم رعايتها يُوجب تلف رأس المال الموهوب من الله وضياع إكسير العمر، الأمر الذي يترتب عليه فقدان الحياة الأخروية والسعادة الأبديّة. 

  • إشكال متداول: لماذا يبدو وكأن الشرع متحيز لصالح الرجال؟!

  • إنَّ هذا الموضوع هو موضوع أساسي، ويمكن أن يقال هنا بأنَّ ما يعادل ثمانين بالمائة من التساؤلات تدور حول هذا المحور وهو: لماذا تبدو المباني والقواعد الشرعية وكأنَّها تظلم أحد شريكي الحياة، فيكون هو المغلوب على أمره على الدوام، وهو الذي يجب عليه أن يكون مُطيعًا ومظلومًا، بينما يكون الطرف الآخر هو الحاكم دائمًا؟ وبتعبير أقل لياقة يكون هو الظالم والمُطاع والحاكم؟! فهل يجب أن تسير مجريات الحياة اليومية بهذه الكيفية فقط؟ أم لا، بل نقول كما يقال هذه الأيّام: إنَّ تلك القوانين إنَّما تكون صالحةً فقط لتلك الفترة من الزمان التي لم يجرِ فيها تدوين قوانين حقوق الإنسان؛ أمّا اليوم فها قد أصبحت القوانين والمباني والضوابط التي أنشأها البشر وقوانين حقوق الإنسان هي الحاكمة في المجتمعات البشرية، وها هي تعمل على إيجاد المساواة في الحقوق بين الجنسين، فلا يجب أن يشعر أيّ من الطرفين بأنَّه واقع تحت هيمنة الطرف الآخر؟!! 

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

3
  • هل نقبل بهذه القوانين المخترعة والتي لا أساس لها؛ والحال أنَّ مجرد وجود مثل ذلك الشعور من شأنه أن يُبطل القوانين والضوابط التي وضعها الله؟!

  • تنبيه: الإشكال وارد من الثقافة الغربية ومخالف للثقافة الإسلامية

  • إنَّ أصل مثل هكذا فكر قد جاءنا من الثقافة الغربية، وهو أحد الأمور الغربية الدخيلة التي وردت إلى البلدان الإسلامية والتي أصبحت دخيلة على ثقافة المجتمعات الإسلامية منذ ما يقارب المائة وثلاثين أو المائة وأربعين عامًا نتيجة للغزو الثقافي الغربي. وللأسف فإنَّ ما لم تلتفت إليه الحضارة الغربية ـ وهو الأمر الذي لو أدركوا مغزاه، لأدى ذلك إلى إيجاد تغيّير هائل في أسلوب حياتهم وهو ما بدؤوا بإدراكه في هذا العصر بالفعل ـ هو أنَّ الله تعالى ربّ الجميع، لا ربّ فئة خاصة دون أخرى من دون أن يكون هنالك أيّ تمييز أو خصوصية لأحدهم دون الآخر عنده.

  • عندما دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله مكّة بعد فتحها، قام بجمع الناس ووقف على جبل أبي قُبيس وكان الخطاب الأول الذي خاطبهم به، هو أن قال: لا فخر لعربي على عجمي إلّا بالتقوى، ولا فخر لقريش على غيرها، وها أنا أضع كلّ ما كان قد حصل في الجاهلية، وكلّ ما كان متداولًا بين الأقوام من الأمور المجازية والاعتبارية تحت قدميّ. إنَّني أنقل كلام الرسول بالمعنى هنا۱. إنَّ كلام الرسول هذا، وتصرفاته العملية التي تُثبت صحة مدّعاه لا يتمّ التطرق إليها أبدًا، بل يتصوّر الناس بأنَّ نظام الخلق يشبه ما يشاهدونه في العلاقات العامة المتداولة بينهم، وهو يشبه ما يجري في المؤسسات الاجتماعية.

  • مقدمة للجواب: خطورة محورية النفس في المؤسسات الإجتماعية

  • إن ألقيت نظرة على ما يجري في المؤسسات الاجتماعية، فسوف تلاحظ طغيان المصالح والأذواق الشخصية والنفسيّة عند حصول حدث في إحدى البلدان؛ فإن فاز أحد الأحزاب في بلد ما بواسطة التزوير وبواسطة حصوله على النسبة الأعلى من الأصوات، قام هذا الحزب وفي اليوم الأول الذي يستلم فيه السلطة بإزاحة كافة معارضيه من الساحة السياسية، واستبدلهم بآخرين من حزبه، وقام بمنح الجهات والشركات التجارية التي أوصلته إلى هدفه امتيازات خاصة، وبمعاقبة من كانوا يعارضونه ويضعون في طريقه العراقيل بأنواع العقوبات. إنَّ مثل هذا الأمر موجود في كافة المجالات؛ ففي أيّ مجال يكون للنفس دور فيه، تجري الأمور ـ وللأسف الشديد ـ بأسلوب غير عقلائي وغير منطقي، سواء كان ذلك في المجال السياسي أو المجالات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة الأخرى، بل وحتى في المجالات العلمية والفقهية والإلهية، فحتى في مثل هذه المجالات يكون الأمر على هذا النحو؛ حيث يكون المبنى الحاكم هنا هو مبنى النفس، فلو كان المبنى توحيديّاً، لما اختلفت الأمور شيئًا. 

    1. كتاب نور ملكوت القرآن، ج٣، ص ٦٢، الهامش. 

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

4
  • ففي أيّ مجال من المجالات يكون للنفس فيه دور، سوف يجري الحكم وفقًا للأهواء النفسيّة حتى وإن كان ذلك المجال يحمل الطابع الإلهي، فكيف بنا فيما إن كان هذا المجال هو مجال دنيوي واجتماعي وسياسي من الأساس. إنَّ السبب في كلّ ذلك يعود إلى أنَّ الهدف من القيام ببعض الأعمال يكون من أجل السعي للوصول إلى المقاصد النفسية، غير أنَّ عبارات وأمورًا أخرى يجري ضمّها إلى الموضوع؛ فالهدف الأساسي يكون في حصول النفس على مصالحها ولذائذها الدنيوية، على أنَّ هذا الأمر يتقولب بقالب القيام بتقديم الخدمات إلى الناس، وقالب تنظيم أمور المجتمع وإدارة نظام الحكم وتقديم الخدمات الاجتماعية، أمّا في حقيقة الأمر، فلا تكون أيّة واحدة من هذه الأمور هي المطلوبة بحدّ ذاتها، بل إنَّ صاحبها يريد أن يصل إلى أهوائه النفسيّة، ويصل إلى نيل ملذاته، مثل لذّة استلام السلطة، والتولّي على الناس؛ فالمسألة لا تتعدّى كونها مسألة نفسيّة. إن قيل لأحدهم: إن كنت تريد أن تقوم بتقديم الخدمات إلى الناس، فاجلس في بيتك، ولا تقم بأيّ عمل، لقال: كلّا، لا يمكن أن يحصل ذلك، لأنَّه سيؤدِّي إلى تعطيل النشاطات التي تكون الناس بحاجة إليها، فكيف يمكن لي أن أجلس في بيتي؟ بل يجب على الإنسان أن يشتغل بشيء ما، فلا يُعدّ فضلًا لأحدهم أن يجلس في بيته. إنَّ هذا الأمر سوف لن يختلف شيئًا فيما إن جرى ذلك في المجالات الدنيوية، أو جرى في مجال التشريع وبيان الأحكام وتبليغ ونشر الوعي الديني، نعم، سوف لن يفرق الأمر شيئًا.

  • كنت أطالع وقبل عدة ليالٍ المذكرات الخطيّة المتفرّقة للمرحوم العلاّمة، فرأيت حكاية ملفتة للنظر. كان المرحوم العلاّمة في أيّام حياته يمدح المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي، الذي كان أستاذ أبيه ـ أيّ أستاذ جدّي ـ كثيرًا؛ وكان يصفه بالقداسة والتقوى والزهد والإعراض عن الدنيا وعدم الاهتمام بأمر تولّي الرئاسة والتعنون وما شابه ذلك من أمور، وهو نفس الرجل الذي كان قد ذكر اسمه في مقدمة كتاب التوحيد العلمي والعيني؛ وذلك عندما كان يتكلّم عن شخصية السيّد أحمد الكربلائي. لقد كان الرجل رجلًا زاهدًا للغاية، وكان عابدًا ومُعْرضًا عن الدنيا، وكان واحدًا من التلامذة البارزين جدًا للمرحوم الميرزا حسن الشيرازي؛ ذلك الرجل المعروف الذي كان قد حرّم تدخين التبغ، بل يمكن القول بأنَّه كان يُعدَّ تلميذه الأول، ولقد انتقل مقام المرجعيّة إلى الميرزا محمّد تقي بعد وفاة الميرزا الشيرازي.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

5
  • تقوى الميرزا محمد تقي الشيرازي وقصته مع الشيخ البهاري

  • تذكرت الآن هذه الحكاية التي لا بأس من أن أذكرها لرفقاء الطريق أيضاً، كان المرحوم العلاّمة يقول: عندما زار المرحوم الشيخ محمّد البهاري المعروف بالهمداني، والذي كان يسكن النجف، عندما زار سامراء سُأل عن موضوع عدالة المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي وعن جواز تقليده من عدمه، فقد كان المرحوم الشيخ محمّد البهاري من الأولياء وكان من تلامذة الشيخ الملا حسين قلي، وكان من العظماء، فقال لهم: دعوني أختبره، وفي إحدى الليالي وبينما كان المرحوم الميرزا محمّد تقي يصلّي بالناس جماعة، جاء المرحوم الشيخ محمّد البهاري وفرش سجادته إلى جنب سجادة الميرزا محمّد تقي وشرع في صلاة المغرب في نفس الوقت الذي كان الميرزا يصلّي فيه، وبعد انتهاء الصلاة، أخذ سجادته وانصرف. عندما سُأل الشيخ عنه قال: منذ اللحظة التي فرشت فيها سجادتي وإلى آخر الصلاة، لم يحصل للميرزا أيّ نوع من أنواع التشويش، ولم يخطر على ذهنه أيّ شيء. لقد كان الشيخ رجلًا عظيمًا، وكان له إشراف على النفوس، يقول الشيخ: لم يخطر على بال الميرزا مثل هذا الخطور كأن يقول: من يكون هذا الرجل الذي أتى ليفرش سجادته إلى جنب سجادتي، ولم يرعَ حرمتي، فمع وجود كلّ هذا العدد من المصلين، ألا يستحي أن يقف إلى جنبي ويصلّي في هذا المكان، فكان عليه أن يذهب جانبًا ليصلي في مكان آخر. تحصل لنا مثل هذه الخواطر. يقول الشيخ: لم يحصل له أي خاطر من هذا القبيل، بل كان يؤدِّي صلاته بنفس الكيفية التي كان يصلّي بها في الليالي الماضية، فكان يصلّي بكلّ هدوء وسكينة. إنَّ هذا ليس بالأمر الهيّن، بل لا يكون سهلًا إلّا بذكره باللسان؛ هكذا كان عظماؤنا الذين يكون علينا أن نقتدي بهم، ونتخّذ من أعمالهم أسوة لنا، ونتبع سيرتهم.

  • قصة الميرزا محمد تقي الشيرازي مع السيد كاظم اليزدي

  • في الوقت الذي كان فيه الميرزا محمّد تقي يسكن كربلاء، وكان يترأس الحوزة العلمية فيها، طلب منه علماء النجف وعظماؤها وبإصرار أن يأتي إلى النجف ويستلم زمام أمورها، هذا في الوقت الذي كانت فيه زعامة الحوزة العلمية في النجف بيد المرحوم، فكان أولئك العلماء يرون الميرزا أكفأ من السيد في استلام زعامة ومرجعية النجف. وخلاصة الأمر وبإرسال الكتب والرسائل الشفهية وبإرسال المزيد من الوفود، يصل إصرارهم إلى الحدّ الذي لا يتمكّن فيه الميرزا من أن يردّ طلبهم، فيقرّر الميرزا الإقامة في النجف لمدة عشرة أيام لكي يستطيع أن يصلّي فيها صلاة تامّة، فيذهب الميرزا إلى النجف ويخرج الناس إلى خارج المدينة لغرض استقباله، فجرى استقباله استقبالًا عجيبًا. لقد كان المرحوم الميرزا محمّد تقي قد قاتل الانكليز في العراق، وهو الذي كان قد أصدر الفتوى بقتالهم؛ تلك الحرب التي حصلت فيها الكثير من الأحداث.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

6
  • وعند الغروب، وحيث كانت عدة صلوات تقام في الصحن، كانت إحداها تُقام بإمامة الميرزا محمّد كاظم اليزدي. نعم، كانت هنالك صلوات جماعة متعدّدة تُقام في كلّ مكانٍ من الصحن، وهي الظاهرة القبيحة جدًا، وغير المتّزنة التي كانت سائدةً والتي استمرت إلى زمان غير بعيد، وكان هذا يحصل حتّى في صلاة الصبح، فكانت الصلاة تُقام جماعة عدة مرات؛ ففي بداية طلوع الفجر يأتي أحدهم ليصلّي بالناس جماعة، وبعد مرور عشرة دقائق أو عشرين دقيقة، يأتي آخر ليُصلّي، وبعد عشرين دقيقة أخرى يأتي ثالث، ثمّ وبعد مرور ربع ساعة يأتي غيره وهكذا. يقول المرحوم العلاّمة: إنَّ الشخص الأخير الذي يأتي ليُصلّي بالناس، كان يأتي قبل عشرة دقائق من طلوع الشمس، بحجّة أنَّ عدد الناس كبير، ولا يستطيع البعض منهم أن يحضر أول طلوع الفجر، فلماذا يُحرم الناس من أداء الصلاة جماعةً؟ نعم، إنَّ الصلاة التي يجب أن تُقام في بداية طلوع الفجر، كانت تُصلّى قبل عشرة دقائق من طلوع الشمس. وهذا هو أمر آخر مما كان يفعله أولئك السادة.

  • وفي تلك الليلة قام جميع أئمة الجماعة بالتوقف عن إقامتها، وأوكلوا الأمر إلى الميرزا محمّد تقي القادم من كربلاء، ففرشوا له سجادة جنب البوابة الذهبية واقتدى به جميع الحاضرين، أمّا بالنسبة إلى المرحوم الميرزا محمّد كاظم اليزدي، فلم يُعطّل صلاته، بل جاء من أجل إقامة الصلاة، وقام الناس الذين يريدون أن يقتدوا به، بإبعاد تلك الأعداد الغفيرة من الناس الذين كانوا واقفين في المقدمة والذين يريدون أن يقتدوا بالمرحوم الميرزا محمّد تقي، الأمر الذي ليس له منظر لائق، ويُعدُّ عملًا قبيحًا.

  • وفي اليوم التالي وعند الغروب، قام الناس بفرش السجادة للميرزا كما حصل بالأمس، ولكنَّه لم يحضر، مضى الربع ساعة، والعشرين دقيقة، والنصف ساعة، ولم يحضر الميرزا، حتّى جاءهم الخبر بأنَّ الميرزا قد غادر النجف عائدًا إلى كربلاء. لقد أصبح معلومًا بأنَّ الميرزا محمّد كاظم اليزدي كان قد أبلغ الميرزا الشيرازي في نفس ذلك اليوم بضرورة عدم شقّ صفّ المسلمين، وقال له: ها أنت تفعل هذا الأمر بما تقوم به الآن. فلما رأى الميرزا ما حصل، عاد إلى كربلاء من أجل ألّا يحصل تشنّج، ومن أجل ألّا يستتبع ذلك عواقب أخرى. لقد امتعض عظماء النجف وعلماؤها من هكذا تصرّف ومن تلك الرسالة التي كان الميرزا محمّد كاظم قد بعث بها إلى الميرزا الشيرازي. وعلى أيّة حال، فقد انتهى الأمر بهذا الشكل السيئ للغاية.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

7
  • لم تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، فقد كان المرحوم الميرزا محمّد كاظم يقوم بتوزيع الخبز على الطلاب الذين يدرسون في النجف، بدلًا من أن يمنحهم الراتب الشهري، فقد كان يمنح كلّ طالب وبحسب كونه متزوجًا أو أعزبًا، وبحسب تعداد أفراد عائلته، كان يمنحه [ما يحتاج إليه من الخبز]. فقام الميرزا محمّد كاظم بقطع ذلك عن الأشخاص الذين سعوا في دعوة الميرزا للقدوم من كربلاء، فوقع أولئك الناس في ضيق معيشي. صبر بعضهم على ذلك ولم يعيروا الأمر اهتمامًا، ولم يصبر البعض الآخر عليه.

  • وفي أحد الأيام ذهب أحد الطلاب من أولئك الذين وقعوا في ضيق من العيش إلى كربلاء، وطلب من الميرزا محمّد تقي أن يبعث برسالة إلى السيّد محمّد كاظم اليزدي بهذا الشأن وقال له: إنَّه قد قطع عنّا الخبز، وها نحن جياع، ونتعرّض إلى ضيق في المعيشة، فأيّ خطأ نكون قد ارتكبنا عندما دعوناك؟! وهل يكون علينا أن ندفع ثمنه بأنَّ يتمّ التعامل معنا بهذا الشكل؟! فكتب الميرزا الشيرازي رسالة بأسلوب في غاية الأدب، قال له فيها: إنَّ ما يليق بعظمتك أن تستمرّ بنفس نهجك السابق مع أولئك الطلاب، ولا تُسبب لهم الحرج في معيشتهم. أخذ هذا الطالب الرسالة إلى السيّد محمّد كاظم اليزدي، وعندما ناوله الرسالة وقال له بأنَّها من الميرزا، أخذ السيّد اليزدي الرسالة منه ورماها جانبًا وأهان الميرزا بوصفه بكلام قبيح جدًا، وطرد الطالب. عاد الطالب إلى كربلاء، وذهب للقاء الميرزا صباحًا، حيث كان من دأب الميرزا أن يذهب إلى حرم سيدّ الشهداء ليصلّي صلاة الصبح هناك، ثمّ يقوم بقراءة زيارة عاشوراء، وبعد انتهائه من قراءتها، كان يجمع عباءته ويضعها تحت أبطه، ويذهب إلى شريعة الفرات حيث يكون مقام إمام الزمان، وهو المكان الذي تمّ فيه بناء مسجد ذو قبّة، فيجلس هناك، ويكون قد جاء بالمائة لعن ومائة سلام وهو في طريقه إلى المقام، وعندما يصل إلى المقام وحيث لم ينته من الذكر بعد، يجلس ووجهه باتجاه القبّة، ويكمل ذكره وما تبقّى من الزيارة، ثمّ يعود إلى بيته، ويذهب بعد ذلك لإلقاء الدرس والبحث.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

8
  • عندما وصل الطالب، سأل عن الميرزا، فقالوا له: ذهب إلى المقام، فكان قد ذهب وفقًا لبرنامجه المعتاد، وجلس إلى جنب الشريعة مشغولًا بقراءة الزيارة، فجاء هذا الطالب وجلس، وعندما كان الميرزا مشغولًا بقراءة المائة لعن وسلام، جاءه الطالب ونعت المرحوم السيّد اليزدي بكلام غير لائق، وقال: إنَّ هذا السيّد الكذائي قد رمى برسالتك جانبًا، وقال عنك كذا وكذا. يُقال بأنَّ الميرزا وعندما سمع هذا الكلام من الطالب أدار وجهه عن جهة القبّة إلى الجهة المقابلة، أي إنَّه قد أعطى الطالب ظهره، واستمرّ بذكره، وعندما انتهى من الزيارة قام ليذهب إلى بيته غير مباليًا بهذا الطالب، فقال له الطالب: ما الذي كنت قد قلته لكي تنزعج منَّي؟ فكلّما قلته هو إنَّ ذلك الشخص قد قال هذا الكلام. فقال له: وكيف لا أنزعج وأنت قد وجهت إهانة إلى أحد مراجع التقليد، وإلى أحد حكّام الشرع؟! بأيّ حقّ تفعل مثل هذا الشيء.

  • يقول المرحوم العلاّمة هنا: إنَّ الميرزا لم يفعل ذلك عن تصنّع وتواضع، بل كان هذا هو واقع حاله، فمع كلّ ما فعله معه ذلك الرجل، فهو على ذلك القدر من التقوى وصحّة النهج وحُسن الباطن والتهذيب، الذي يجعل حال آخر يطغى على نفسه وعلى ضميره، وتُهيمن أمور أخرى سوى العلاقات وغيرها من المسائل على فكره وخياله.

  • راجعوا أنفسكم الآن لتروا كيف تكونون قد حكمتم بما لديكم من موازين، وبما لديكم من فطرة على هاتين القضيتين، وهذين الشخصين؟ إنَّ المخدرات المتواجدات في هذا المكان قد سمعن منَّي هاتين القضيتين المتعلقتين بهذين الشخصين، فدعونا نراجع معًا بما لدينا من فطرة ما حصل ونقوم بمحاكمة هذين الشخصين. إنَّنا قد قمنا الآن بهذا العمل بالفعل، ولا تحتاج هذا المحاكمة إلى شيء آخر، فنكون قد حكمنا على المرحوم السيّد اليزدي، وقمنا بتبرئة المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي والثناء عليه؟ كيف حصل ذلك؟ لأنَّنا قد قمنا بقياس عمليهما بما لدينا من مبانٍ فطرية، فكانت نتيجة المحاكمة أن قمنا بذمّ أحدهما ومدح الآخر، وقمنا بتبرئة أحدهما والحكم على الآخر. يحصل مثل هذا الشيء في كلّ مكان.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

9
  • محورية النفس هي الأمر السائد بين الناس

  • إنَّ هذا الشيء موجود الآن في كافة البلدان، فكلّ ما يجري فيها يكون متمحورًا حول النفس، غير أنَّ هذه النفس ومن أجل أن تصل إلى أهدافها، نراها تتوسّل ببعض البرامج، وتقوم بطرح بعض الأمور من أجل إسعاد الناس، أمّا حقيقة الأمر، فإنَّ كلّ ما يفعلونه، فهم يفعلوه لأغراض نفسية ومن أجل إرضاء النفس وتثبيتًا لرئاستهم وحكومتهم على الآخرين. هذا فيما يتعلّق بعامة الناس، أمّا بالنسبة إلى أولياء الله، فإنَّ الأمر يكون مختلفًا لديهم، فهم لا يعرفون ما الذي تعنيه الحكومة والرئاسة، نعم، إنَّهم لا يعرفون ذلك أبداً؛ فهم لا يعرفون ما معنى استلام زمام الأمور؟ وما معنى الوصول إلى سدّة الحكم، واستلام مقاليد الزعامة؟

  • عندما يُقسم أمير المؤمنين عليه السلام بالله بأنَّ تلك التي يسمّيها الناس حكومة، هي أهون عنده من عفطة عنزٍ، وهي تُسبب له النفور والاشمئزاز... إنَّنا نتلفّظ بمثل هذه الألفاظ، ونذكرها من على المنابر كثيرًا، ولكن لا يفهم ما قاله أمير المؤمنين، إلّا من يكون قد وصل إلى حقيقة هذا الأمر، ويكون قد امتلك نفس الحال الذي كان يمتلكه أمير المؤمنين، أمّا نحن الغارقون من الرأس إلى أخمص القدم في مستنقع النفس، فنحن لا نستطيع أن نفهم ذلك؛ فكلّ واحد منَّا يريد أن يكون رئيسًا ومُتحكّمًا.

  • كنت أتناقش مع أحدهم حول أحد المواضيع يومًا، وكنت قد أغلقت كافة الطرق بوجهه؛ فأيّ طريق كان يريد أن يرد منه، كنت أغلقه بوجهه؛ فكان يقول: يمكنني أن أقوم بهذا العمل؟! قلت له: لا، بل عليك أن تقوم بكذا عمل، فقال: ولكن القيام بهذا العمل يُوجب كذا وكذا من التبعات، قلت: فقم بذلك العمل بدلًا عنه إذن! وهكذا كنت أغلق عليه أيّ طريق يريد أن يسلكه من أجل الوصول إلى هدفه، وعندما يأس من كلّ شيء، قال: إنَّ نفسي لا تسمح لي يا سيدي العزيز بذلك، فما الذي تريد أن تقوله؟! قلت له: كان عليك أن تقول هذا منذ البداية يا هذا، فلو كنت قد قلته لما أتعبتني كلّ هذا التعب! أتلاحظون؟! إنَّ نفسه لا تسمح له! ولكن كيف تجري الأمور في الخارج؟ تراهم يقولون: نريد أن ننجز العمل كذا وكذا! وترى الناس تقول عنهم: يا لهم من أناس صالحين. نعم، نرى أحدهم يقول: إنَّني أريد أن أقوم بهذا العمل، غير أنَّ فلانًا من الناس يمنعني من القيام به، وأنا أريد أن أقدّم خدمة في سبيل الله، ولكنَّهم لا يدعوني أفعل ذلك. ولكن ما هو أصل وأساس القضيّة؟!

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

10
  • كان المرحوم العلاّمة قد قال لأحدهم عليك أن تلبس العمامة. أتذكّر بأنَّني كنت قد تكلّمت مع هذا الشخص لمدة ثمانية ساعات حول هذا الموضوع في شتاء إحدى الليالي؛ فتكلّمت معه من الساعة الثامنة مساءً وحتّى الرابعة صباحًا، وعندما أغلقت كافة السبل بوجهه، قال: إنَّ نفسي لا تطاوعني على ذلك يا سيدي العزيز، قلت له: رحم الله والديك، كان عليك أن تقول ذلك منذ البداية، فها قد أوجعت رأسي، وأتعبت لساني، وما كان لنا أن نتجشم عناء كلّ هذا الكلام.

  • الجواب عن الإشكال: منشأ الظلم هو طغيان النفس لا التشريعات الإلهية

  • فيما يتعلّق بسؤالك على كلّ شخص أن يتحمّل تبعات أعماله ويكون مسئولًا عنها، فهناك ميزان حقّ منصوب، وعلى كلّ واحد أن يكون مراقبًا لأعماله وتصرفاته. نعم، حصل الكثير من الظلم في هذا العالم، فمنذ بداية التأريخ وإلى يومنا هذا، كانت الأحداث مليئة بالظلم والاستبداد وإماتة الحقّ ووضعه تحت الأقدام، وعلى كلّ واحد أن يواجه ما يترتب على ما يصدر عنه من تبعات.

  • إنَّ أمر النفس هو أمر مهم، ولقد رأينا كيف أنَّ المرحوم العلاّمة لم يكن ـ في كثير من الأحيان ـ يقوم بإيضاح الدليل على ما كان يُوصي أو يأمر به من تلك الأمور المتعلّقة بهذا الجانب في تعامله مع الآخرين، فهذا ما كنَّا نشاهده منه بالفعل. عندما كان يأتيه من يستجيزه القيام بعمل ما، كان المرحوم العلاّمة يقول له: كلّا، [لا أسمح بذلك] وعندما كان يُطالبه بالدليل على ذلك، كان يقول: وما يُدريني! وعندما يقول له أحد: أريد أن أقوم بالعمل كذا، كان يقول له: كلّا، لا تقم به، فيقول الشخص: ولكن لهذا العمل كذا وكذا من الإيجابيات، كان المرحوم العلاّمة يكتفي بالنظر في وجهه، فيعيد الرجل ويقول: لهذا العمل تلك المميزات، ويبقى المرحوم العلاّمة ينظر في وجهه.

  • كان أحد الأشخاص يعمل كمشرف ديني على قوافل الحج، وكان يذهب إلى مكة سنويّاً، وكنت أشعر بأنَّ المرحوم العلاّمة لم يكن على رضًا مما يقوم به هذا الشخص، ولكنَّه لم يكن يتدخّل في عمله، حتّى حصل أن طلب هذا الشخص من المرحوم العلاّمة أن يتتلمذ على يديه، وعند حلول موسم الحجّ منعه المرحوم العلاّمة وبشكل صريح من الذهاب، وقال له: لا تذهب، فاضطرب حال الرجل، وأخذ يلفّ ويدور وهو يقول: إنَّ المسلمين والمؤمنين بحاجة إلى مرشد، وكيف سيكون حالهم بدون ذلك وأخذ يقول كذا وكذا من الكلام. كان من أمثال هذا الكلام يصل إلى مسامع المرحوم العلاّمة بشكل أو بآخر، ولم يكن يلتفت إليه أبدًا وكان يتعامل مع الموضوع بالشكل الذي كأنَّ شيئًا لم يكن قد قيل. حتى اقترب موسم الحجّ، الأمر الذي بعث على اشتداد حالة الشوق في نفس الرجل، فرآني وأوصني بأن أوصل إلى المرحوم العلاّمة هذه الرسالة، وهي: إنَّني أقوم خلال تلك الفترة بعمل خاص، وها أنا أقوم بتأليف كتاب يتضمن خارطة مكة وما فيها من مساجد، وقد قمت ولحدّ الآن بالكثير من البحث والتحقيق بهذا الشأن، وسوف لن يكتمل إنجاز هذا العمل، الأمر الذي سيؤدِّي إلى حرمان المسلمين من فائدة عظيمة.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

11
  • وكأنَّ قوت المسلمين متوقف على معرفة عدد المساجد والشوارع الموجودة في مكة وعلى معرفة عدد الأغنام التي ترعى في مراعيها. قال لي: قل للمرحوم العلاّمة، ما الذي سأفعله والحال هذه؟

  • بما أنَّني أعرف طبيعة المرحوم العلاّمة، فقلت في نفسي لو أنَّني قمت بإيصال هذه الرسالة إليه، فسوف ينهرني، ويقول لي: ولماذا تُوصل إليَّ مثل هكذا رسالة؟ ومع هذا فقد ذهبت إلى المرحوم العلاّمة مصحوبًا بألف من حالات الخوف، فجلست أمامه جاثيًا على ركبتي وبكلّ أدب، وقلت له: إنَّ فلانًا أوصاني بإيصال هذه الرسالة لكم، وهو يقول: إنَّني أُعدُّ كتابًا... فلم يدعني أكمل جملتني، بل قاطعني وقال: قلت له لا تذهب، والأمر متروك له، انهض واذهب لحال سبيلك، قلت: سمعًا وطاعة. فرجعت إلى الرجل وقلت له: يقول السيّد العلاّمة: إنَّ ما يتوجّب عليَّ هو أن أقول ما أعرفه، والأمر متروك لك، فإن كنت تريد أن تذهب، فافعل ذلك.

  • حصل في ذلك العام أن قرّرت الذهاب إلى الحجّ، والذي هو الحجّ الثاني لي بعد ذلك الحجّ الذي كان قد حصل قبل ثلاثة وعشرين عامًا، وعندما كنت أتكلّم معه التفت إليَّ وقال بنبرة خاصة: لقد منَّ الله عليك بهذا التوفيق الذي لم يمنحني مثله. رأيت بأنَّ كلامه هذا يتضمّن تعريض وفيه كناية، فما معنى قوله: منحك الله التوفيق لكي تتشرّف بالذهاب للحجّ، أمّا أنا فليس لي مثل هذا التوفيق، ولكن ما الذي يمكن فعله؟ فقلت له: بناءً على قولك هذا، فقد كنتُ مسلوب التوفيق طوال مدة الثلاثة والعشرين سنة السابقة التي لم أتمكّن فيها من الذهاب إلى الحجّ! فهذه هي المرّة الثانية لي فقط. قلت في نفسي: دعني أمدّه بالمزيد، فذلك خير له، قلت له: كما أنَّ المرحوم الحدّاد الذي لم يذهب إلى الحجّ سوى مرّة واحدة في عمره، سيكون الأقلّ توفيقًا منَّا جميعًا، فالمرحوم الحدّاد قد حجَّ مرة واحدة فقط في حياته، بينما حجّ المرحوم العلاّمة سبع مرات على ما يبدو.

  • مضى وقت على هذه القضيّة، وكنت أجلس مع المرحوم العلاّمة يومًا فجرى بيننا حديث عن هذا النوع من السفر، قال المرحوم العلاّمة: إنَّ النفس تريد أن تصل إلى نوعٍ من اللذة، فتجعل من هذه الأمور وسيلة لتحقيقها، فتبدأ بالبحث عن مبرّرات وتقوم بنسج الأدلّة. على أنَّ المرحوم العلاّمة لم يكن يقصد شخصًا بعينه في كلامه هذا، بل كان يتكلّم بشكل عام. إنَّ أساس الموضوع يتمثّل في سعي النفس للتلذّذ بأمرٍ ما، والوصول إلى أمنيتها وما تريد، فتقوم عندها بجمع الأدلّة التي تؤيّد ذلك، فتقول: يجب أن تجري الأمور بهذا الشكل، ولا يجب أن يحصل ذلك الأمر، ويكمن في هذا العمل الصلاح والمنفعة. ما أنت وهذا الأمر يا هذا؟

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

12
  • جرى لي حديث مع أحدهم قبل فترة، فقال: إن لم أقم بهذا العمل، فسوف يبقى الحمل مطروحًا على الأرض، قلت له: إن بقي الحمل مطروحًا على الأرض، فليبقَ مطروحًا، فما هي علاقتك أنت بهذا الأمر؟ فهل أنت المسئول عنه؟ ما علاقتك به؟ فلكلّ شيء حساب وكتاب، فهنالك الولي، وهنالك إمام الزمان، وهو القيّم على أمور العالم، فما هي علاقتك أنت بالأمر لكي تتحمّس له وتقول: سيبقى الحمل مكانه؟! فكّر في أمر نفسك. فلدينا وليّ ولدينا صاحب الأمر، وهو يعرف ما الذي عليه فعله؟ فإن كان يريد لهذا الحمل أن يبقى مكانه، فليبقَ مكانه، فلعلّه هو الذي يريد ذلك، ما هي علاقتنا نحن بهذا الأمر؟ فهل يكون قد أرسل لهذا العبد شخصيّاً وأمثال هذا العبد أمرًا بالقيام بهذا العمل؟ فعندما لا أرى في نفسي القابلية على القيام بعملٍ، فلماذا أقوم بالتلبيس على نفسي؟ يحصل أحيانًا أن أكون ممتلكًا لتلك القابلية وذلك الاستعداد، فسيكون للأمر صورة أخرى هنا، أمّا إن لم أكن أرى في نفسي مثل تلك القابلية، ثمّ أحاول أن أزجّ بها في هذه المواقف، فسيقوم الله فورًا بقطع الطريق عليَّ في مثل هذه الحالة، ويقوم بالإمساك بمعصمي ويقول لي: ما هي علاقتك بهذا الموضوع لتأتي وتقول: سيبقى الحمل مطروحًا على الأرض؟! إن بقي الحمل مطروحًا، فليبق مطروحًا، ما علاقتك أنت بهذا؟ إن كنت تمتلك القابلية على حمله، فاحمله، وإن كنت لا تمتلك مثل تلك القابلية، فاتركه مطروحًا، لكي يأتي الذي يستطيع أن يحمله، فيحمله.

  • يحصل تضارب للآراء على الساحة في مثل هكذا مواقف، وتظهر المسائل النفسيّة والتصورات ويبدءون بالنسج، فيقول أحدهم: نفعل كذا، ويقول الآخر: بل نفعل كذا، ثمّ ما الذي ستكون عليه النتيجة؟ ستكون النتيجة بهذا الشكل الذي نشعر به، وستكون النتيجة أنّ الأمور ستصل إلى طريق مسدود.

  • لا يجوز للإنسان في عالم التكوين أن يُكلّف نفسه بما يفوق طاقته وأن يتعهّد بالحكم في القضايا الاجتماعية، وذلك لعدم امتلاكه القابلية على ذلك بسبب محدوديته، وسيكون موفّقًا في حياته متى ما عمل وهو آخذ بنظر الاعتبار كونه محدودًا. فإن حاول أن يتجاوز ذلك، فيبدأ الباطل، ويبدأ الفساد والاختلال ويبدأ الخروج عن الحدود النفسيّة التي وضعها الله، ويبدأ ارتكاب الأعمال المفسدة. لماذا يحصل كلّ ذلك؟ لأنَّه قد تجاوز حدوده، فلم يطلب الله منه ذلك، وهو يريد أن يعمل بعكس مسير التكوين. إنَّ الأمور تجري في جميع المجالات بهذا الشكل.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

13
  • أحكام المرأة مناسبة لفطرتها

  • لا شكّ أنَّ بعض النساء في نظام عالم الخلق أرجح من الرجال من ناحية الفكر والتدبير، فكثيرًا ما تترجّح بعض النساء على الرجال من حيث طريقة التفكير ومن حيث التعقّل والتدبير وتشخيص المصلحة، ولكنَّ الحكم الذي يضعه الله تعالى يكون آخذًا للحالة الغالبة بنظر الاعتبار، ففي كلّ قانون يضعه الله تعالى، توجد هناك بعض الاستثناءات، ولكن وفي نفس هذا الوقت وإلى الحدّ الذي لا يُوجب الفساد وضياع الاستعداد، يجب على المرأة أن تكون مطيعة للرجل حتّى في موارد الاستثناء هذه. أمّا إن وصل الأمر إلى حصول الفساد فلا يجوز ذلك في أيّ مجال من المجالات، بل لا بدَّ من اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون حصول فساد، أمّا في غيرها من المجالات، أي في مجالات الحياة الاعتيادية الأخرى، فلماذا يكون الله قد فرض على المرأة أن تكون مطيعة للرجل؟ لماذا؟ على أنَّ هذا الذي ذكرناه لا يشمل تلك الأمور التي توجب حصول الحرام. إنَّ السبب في ذلك يعود إلى طبيعة شاكلة المرأة، وكيفية خلقتها، بحيث لو أُريد لها أن تتكامل، فسوف لن يحصل لها ذلك إن أرادت أن تعمل بخلاف ما أمرها الله به، وسيفسد أمرها،سيفسد ولما كان الله يريد مصلحتها، لذا فقد جعلها مصونة ومحفوظة بهذا الشكل من الحفظ، وسيحصل لها الرشد وتصل إلى كمالها ضمن هذا الإطار.

  • حينما يوصي أمير المؤمنين الإمام الحسن عليهما السلام أنّه: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَلَّا يَعْرِفْنَ غَيْرَكَ فَافْعَلْ۱، فهو لم يكن قد تكلّم بهذا الأمر جزافًا، ولم يكن قد حابى ابنه في ذلك، وذلك لكون أمير المؤمنين إمامًا، و الإمام يكون قد خرج عن النفس، فلا معنى لاستحسانه أو استقباحه أمرًا بشكل اعتباطي، ولا يوجد لديه حقد على أيّ من الناس لكي يصبّه عليه؛ فهو ليس بالشكل الذي يريد أن يحطَّ من مكانة المرأة لكونه رجل، ويريد أن يرفع من مكانة الرجال وترجيحهم على النساء.

  • تحليل اعتراض السيدة الزهراء عليها السلام على أمير المؤمنين عليه السلام

  • فيما يتعلّق باعتراض فاطمة الزهراء على أمير المؤمنين، تلك المسألة التي توقف فيها كافة العلماء، لنرى الآن كيف حصل هذا الأمر؟ فقد اعترضت الزهراء على قعود أمير المؤمنين، وقالت له٢: لقد جلست في البيت كما يجلس الخائفون، واخترت هذا الجلوس على محاربة الآخرين والتصدّي لهم، فاعتزلت في البيت كما يختبئ المتهمون، ألم تكن أنت الذي مرّغت أنوف أبطال العرب وكبارهم بالتراب؟ ألم تكن أنت الذي بارزت مرحب في خيبر، وعمرو بن عبد ودٍ، وأشجع شجعان العرب في معركة بدر، فصرعتهم جميعًا؟ فما الذي جعلك تصبح جليس البيت بعدما هدّدك اثنان من الرجال؟ لم يجب أمير المؤمنين الزهراء أبدًا. 

    1. رسالة بديعة في تفسير آية الرجال قوامون على النساء، ص۱٥٢.
    2. بحار الأنوار، ج٢٩، ص٢٣٤.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

14
  • يقول من لم يستطع أن يهضم الأمر ويفهمه: إنَّ الزهراء كانت تقوم بأداء دور تمثيلي هنا، وكما يحصل في الأفلام التي تُنتج، فينتحل الممثلون صفات أشخاص مختلفين ويؤدّون أدوارهم، فهكذا عملت الزهراء من أجل أن تُظهر مظلوميتها. فهل يكون الأمر بهذا الشكل في واقع الأمر، أم أنَّه كان بشكل آخر؟ لقد سكت أمير المؤمنين ولم يجبها بشيء، وعندما رأت أمير المؤمنين لا يجيبها، تألمت وقالت: لماذا لا تجيبني على ما قلت؟ فقال لها: اصبري قليلًا، فصبرت حتى حان موعد آذان الظهر، وعندما قال المؤذّن: أشهد أنَّ محمّدًا رسول الله، قال لها: أتريدين أن يبقى اسم أبيك أم لا؟ فإن كنت تريدين ذلك، فلا تقولي شيئًا.

  • لاحظوا، إنَّ أمير المؤمنين إمام، وله سعة وجودية وقابلية للتحمّل لا تمتلكها الزهراء، وعلى الرغم من علّو مقامها، وهذا هو أمر في غاية التعقيد؛ فقد كانت الزهراء قد وصلت إلى مقام القدس والطهارة ومقام العصمة في ذلك الوقت، غير أنَّ طبيعة خلق الزهراء كانت بشكل، وأمير المؤمنين بشكل آخر، هذا ما يمكن أن يُفسّر الأمر بأبسط صوره. كانت طبيعة الزهراء بهذا الشكل؛ فقد كانت شاكلتها تتمتّع بالصفاء واللطف والظرافة والجمال والبهجة ومنتهى الدقّة، بينما كانت شاكلة أمير المؤمنين بشكل آخر؛ فكان يتمتّع بالجانب الرجولي، وسعة الصدر وتحمّل الشدائد. ويكفينا أن نعرف هنا كيف إنَّ الزهراء لم تتحمّل ما حصل لها بعد وفاة الرسول، وماتت بعده بشهرين ونصف على أثر الغصّة، نعم لدينا روايات تشير إلى أنَّ الزهراء ماتت على أثر شدة الحزن والغصّة والأسى، فلم تتحمّل ما كان قد حصل. وهذا ما كان قد حصل للسيّدة زينب أيضاً وعلى الرغم من عِظم مقامها، فقد توفيت بعد سنة من شهادة الإمام الحسين عليه السلام؛ فبحسب ما يُنقل فقد كانت وفاتها في الفترة الواقعة بين سنة وثلاث سنوات من شهادة الإمام الحسين؛ ولذلك لامتلاء تلك السعة التي كانت تمتلكها، هذا مع كلّ ما نعرفه عنها.

  • كانت طبيعة أمير المؤمنين بشكل آخر؛ فعندما أخذوا أمير المؤمنين للبيعة، جاءت الزهراء إلى المسجد وقالت: ما دمت على قيد الحياة، فسوف لن أدع مثل هذه البيعة تحصل، وعندما وقفوا بوجهها، أرادت أن تدعو عليهم، فأمر أمير المؤمنين سلمانًا أن يحول دون دعائها في الحال، فلو أنَّها دعت عليهم لانطبقت السموات على الأرض. نعم هكذا كانت السيّدة الزهراء، فلا تتصوّروا بأنَّها كانت امرأة عادية. 

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

15
  • أمّا بالنسبة إلى أمير المؤمنين، فقد حال دون أن يتمّ هذا الدعاء، وإلّا لاضطربت أوضاع العالم في لحظة واحدة ولانمحت الأرض من الوجود ولم يبق فيها ديّار. لماذا؟ لأنّ تحمّل أمير المؤمنين أكثر، وهو الذي يمتلك تلك الصلابة والاستقامة التي تتطلبها مواجهة هذه المسائل. 

  • عندما سمعت السيّدة الزهراء هذا الجواب من أمير المؤمنين قالت: صدقت، عليّ أن أصبر. أتلاحظون! فلو أنَّ أمير المؤمنين والزهراء قد تبادلا مكانيهما في هذه القضيّة، فما الذي كان سيحصل؟ كان كلّ شيء سيضطرب.

  • إنَّ ما تمتلكه المرأة من لطف وحياء وظرافة ورقّة لا يجب أن يكون في معرض رؤية الآخرين. انظروا إلى بعض الأدوية السائلة، أتعلمون لماذا يضعونها في قوارير قهوائية اللون، معتمة؟ إنَّ السبب في ذلك هو من أجل حفظها من التعرّض إلى الضوء، فتعرّضها للضوء يعمل على إفسادها، لذا تراهم يضعونها في وعاء معتم، وكذا الحال بالنسبة إلى الأدوية التي يعبئونها داخل كبسولات تمنع وصول الماء والهواء والنور إليها، ويقومون بتفريغها من الهواء، إذ إنَّ تعرّضها للهواء سيغيّر طبيعتها وسيتلف خواصها، فلو تناولت ما مقداره الكيلوغرام منها، لما كانت له أية فائدة، أمّا في حالة حفظها، فسيعمل القرص الواحد منها على تحسين حال المريض.

  • إنَّ طبيعة المرأة تكون بالشكل الذي إن أرادت أن تصل إلى الكمال [فيجب أن تكون محفوظة] أمّا إن أردنا أن تكون أوضاع المجتمع أوضاعًا عشوائية؛ فيعمل الرجل بالكيفية التي يريدها، وتخرج المرأة إلى الشارع لتعمل ما يحلو لها، فيجلس الرجل في البيت، وتخرج المرأة إلى الشارع، ثمّ يقومون بوضع قوانين يعيشون على ضوئها كما يعيش الصديقان معًا، وهذا يمكن أنْ...

  • إنّ هذه هي الطريقة التي يفكر بها الغرب، أي أنّهم فكروا بهذا الشكل، وعلى هذا الأساس دوّنوا قوانين حقوق الإنسان؛ أي أن يعيش الزوجان كما يعيش الصديقان معًا دون أن تحدّهما أيّة قوانين وأيّة التزامات. على أنَّ تأمين نفقات الحياة اليومية يكون من مسئولية الطرفين بالتساوي، فلا يكون هذا الأمر من مسئولية الرجل لوحده؛ فالرجل يعمل والمرأة تأكل؛ بل أنَّهم يقرّون بكون الحياة مشتركة، يقوم كلّ طرف منهما بتأمين نصف النفقات فيها.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

16
  • لا يترتب على هذه الكيفية من العيش أيّة نتيجة؛ فهي لا تتعدّى كونها إمضاء عدّة أيّام بالملذات، ثمّ مغادرتها بالموت، نعم، هذا لا أكثر، أمّا بالنسبة إلى الدين الإسلامي، فهو لا يفكر بهذه الكيفية من التفكير، ولا يعنيه ما عليه أولئك الناس، فلو أنَّ مائة مليون من أمثالهم جاءوا إلى الدنيا وخرجوا منها، فليس لهم عنده قيمة قطعة السكّر الواحدة، نعم لو أنَّ مائة مليون منهم قد تكدّسوا فوق بعضهم، فما هي قيمتهم؟ إنَّ الإسلام يعطي قيمة للقيِم الإنسانية، وهو يعير اهتمامًا للقيم الروحية لذلك الفرد الذي يريد أن يزجَّ بنفسه في مسير الكمال، فستكون قيمة الشخص الواحد من هؤلاء، تفوق قيمة المائة مليون من أولئك، لأنَّ أولئك لا يتعدّون كونهم أغنام، لا قيمة لهم.أمّا إن أراد أحدهم أن يحتجّ على الله يوم القيامة ويقول: لماذا لم تكن هنالك القوانين التي تساعدني في الوصول إلى الكمال الذي كنت أمتلك قابلية الوصول إليه؟ فسيُجاب عندها: تلك هي القوانين الإسلامية، ولقد تمت دعوتك للعمل بها، فقيل لك: عليك أن تسلك هذا الطريق، وأن تقوم بهذا العمل.

  • جاءتني إحدى النساء قبل فترة من إحدى المناطق وهي تشتكي قائلة: لقد وصلت حياتي إلى طريق مسدود، ويحصل لي كذا وكذا، ومن ضمن ما قالته، أنَّها قالت: إنَّ زوجي يطلب منَّي أن أذهب إلى المصرف من أجل أن أقوم بتسديد قائمة أجور الماء والكهرباء، قلت لها: وما الضير في ذلك؟ قالت: سأكون في مواجهة الرجال هناك، قلت لها: ابحثي عن امرأة هناك، فاطلبي منها أن تسدّد قائمتك مع قائمتها، أو قومي بوضع القائمة ومبلغ المال من دون أن تتكلّمي مع الموظف، فما دام زوجك يطلب منك ذلك، فافعلي. قالت: كما أنَّه يطلب منَّي أن اخرج معه إلى المتنزّه في ليلة عاشوراء، قلت لها: ما دام زوجك يطلب منك ذلك، فافعليه، قالت: وهل يجوز الذهاب إلى المتنزهات في ليلة عاشوراء؟! قلت لها: كلّا، لا ينبغي التنزّه في ليلة عاشوراء، ولكنَّك الآن في وضع إن أردتِّ فيه أن تقفي في وجه زوجك، فسيؤدَّي ذلك إلى بروز التحسّس؛ فإن ذهبتِ إلى المتنزّه تنفيذًا لطلب زوجك، وأنتِ على هذا الحال، فسيُكتب لك ثواب الزيارة وثواب حضور مجلس العزاء، وأنا كفيل بذلك. ألا تريدين أن تحصلي على ثواب حضور مجلس العزاء؟ إنَّكِ تذهبين الآن إلى المتنزّه، ولكن قلبك مع الإمام الحسين ـ والحسين ليس بجاهل والعياذ بالله، بل هو مطّلع على كافة دقائق نواياك ـ إن كنت تريدين القيام بهذا العمل، فقومي به ولكن ليكن ذلك في سبيل الله، فسوف تُعطين نفس ثواب الزيارة. من سيكون المُعطي؟ هل هو شخص آخر، أم أنتِ التي ستُعطين الثواب؟ قالت: لا، بل هو شخص آخر. قلت لها: فسوف يُعطيك إذن، فما الذي تطلبينه غير ذلك؟

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

17
  • إنَّ الله تعالى قد منح المرأة هذه السعة، ولكنَّنا نحن الذين نريد أن نقوم بتغيّير السعات، وسوف لن نصل إلى أيّة نتيجة. ثمّ ترانا نلف وندور حول أنفسنا ونتساءل: لماذا أصبحنا على هذه الحال؟ ولماذا تبدّل حالنا؟ ولماذا نرى أنفسنا تراوح في مكانها لا يتبدّل حالنا؟ لماذا؟ ولماذا؟ هذا في الوقت الذي لا يكون فيه الأمر كما نتصوّر، بل يكون لكلّ واحدٍ منَّا ملفه الخاص به الذي لا يكون عليه أن يتخطاه.

  • الجواب عن أسئلة الحضور

  • سؤال: كيف نجمع بين لزوم أداء التكليف وبين عدم التطفل في تحمل المسؤوليات؟

  • سؤال: قلتم في مجالس عنوان البصري، بأنَّ الأعمال الإرادية هي التي تعمل على تقدّم الإنسان في مسيره السلوكي، فكيف يمكن الجمع بين هذا الأمر وبين ما تفضلتم به اليوم من أنَّ الحمل إن أراد أن يبقى مطروحًا على الأرض، فليبق مطروحًا، فلعل إمام الزمان يريد ذلك؟ وكيف يمكننا تعميم هذا الأمر حتى على ما يجري في هذا الجمع الصغير من رفقاء الطريق؟ فما فهمته من حديثكم اليوم هو: إنَّ من الأفضل لنا أن لا نُقدم على أيّ نشاط غير التكليف وغير ما يتمّ التصريح بالقيام به، فهل يكون الأمر بهذا الشكل؟

  • الجواب: نعم، هكذا يكون الأمر، فهو كما قلتي على وجه التقريب. إنَّ الأمر سيكون بهذا الشكل الذي ذكرته هذه السيّدة المحترمة متى ما كنَّا قادرين على تشخيص التكليف. لاحظوا كيف أنَّ هذا العبد قد ذكر بأنَّ الشخص لو كان يرى في نفسه القابلية على رفع الحمل، فعليه أن لا يُقصّر في القيام بذلك، فهكذا يكون الأمر، ولكنَّ حديثنا يدور حول هذا الموضوع وهو: إنَّني أعرَف بوضعي الشخصي من غيري. 

  • كنت قد ذكرت هذا الأمر لمرتين أو ثلاث مرات لحدّ الآن وقلت: إنَّ المرحوم السيّد الخميني وبعد مرور سنة أو سنتين على قيام الثورة قد أصدر خطابًا إلى الأفراد الذين يحتلّون مراكز قيادية، ومن ضمنهم أعضاء المجلس وأمثالهم، وكان خطابًا جيدًا جدًا، وهكذا يجب أن يكون الأمر حقّاً، جاء في ذلك الخطاب: إنَّ من يرى وجود من هو أفضل منه في التصدّي لمركز المسئولية الذي يحتله الآن، ولم يتنازل له عنه، فسيكون قد ارتكب عملًا حرامًا من الناحية الشرعية، وسيكون مسئولًا أمام الله.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

18
  • بعد عدة سنوات من قيام الثورة، كنت قد ذهبت بمناسبة حلول شهر رمضان إلى إحدى المدن الواقعة في الشمال لغرض الوعظ والإرشاد الديني، وتحدّثت من على المنبر في إحدى الليالي عن موضوع كيفية تشخيص خلوص العمل وخلوص النيّة، وأوصلت حديثي إلى هذا الحدّ، فنقلت ما جاء في ذلك الخطاب، وكان هناك جمع كثير جدًا من الناس، من بينهم عدد كبير ممن يحتلّون مراكز قيادية؛ فطرحت هذا الأمر بكلّ صراحة وقلت: لا شكّ وأنَّكم قد سمعتم هذا الخطاب بأجمعكم يا سادتي الأعزّاء، وها هي ثلاث سنوات تمضي عليه، فأريد من أحدكم أن ينهض الآن ويقول لي مَنْ من الوزراء أو وكلاء الوزارات أو أعضاء مجلس الشورى قد استجاب لنداء السيّد الخميني هذا، ويكون قد قدّم استقالته قائلًا: يوجد الآن في هذا البلد من هو أليق منِّي لهذا المنصب. مَنْ منكم ينهض الآن ويخبرني بذلك؟! فبقي الجميع جالسون، قلت: إذن لم يحصل شيء من هذا القبيل. إنَّ سؤالي الذي سأطرحه عليكم الآن هو: هل يكون وزير البريد على سبيل المثال، أو وزير الماء والكهرباء أو وزير الخارجية أو أحد أعضاء المجلس، بالشكل الذي يرى نفسه هو الأفضل من جميع سكان هذا البلد البالغ عددهم الخمسين أو الستين مليونًا؟ إن كان يرى نفسه كذلك حقّاً، فعليه أن يشكّ في قابليته العقلية، وإن لم يكن يراها كذلك، فلماذا لم يعمل بقوله [فتوى السيّد الخميني]؟ هذا هو الموضوع الذي يدور حوله الكلام. إن كان أحدهم يرى نفسه مكلّفًا، فذلك أمر آخر، ولكن الكلام في هذا وهو: من يفعل مثل ذلك؟ من هو الذي فعل هذا حتى الآن؟

  • من أجل أن لا يعترض أنا وأمثالي اليوم على المرحوم العلاّمة ويقول: لماذا كان قد تخلى عن قيامه بالنشاطات الخاصّة بالثورة؟ فكان المرحوم العلاّمة قد تقدّم للترشيح لعضوية مجلس خبراء الدستور، وكنت في ذلك الوقت على علم بما كان يجري، حتّى إنَّه كان قد أرسل صورة شخصيّة له مع عشرة أفراد آخرين من شخصيات طهران إلى وزارة الداخلية لهذا الغرض، فاعترض ذلك الشخص الذي انتقل إلى رحمة الله في حادثٍ مع أشخاص آخرين، وقال عندها: سأعمل بكلّ ما أوتيت من قوّة للحيلولة دون عضوية السيّد الطهراني في المجلس!

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

19
  • فهل شعر هذا الرجل بالتكليف هنا؟! وهل يكون عمل الشخص الذي يقول مثل هكذا كلام، عملًا خالصًا لله؟! بل وقد وصل الأمر بالأشخاص الذين يأتمرون بأمر ذلك الشخص أن قاموا بالتهديد بالقتل! أتلاحظون! إن كان المرحوم والدي يرى في نفسه الاستعداد للقيام بذلك العمل، ولم يفعل، فسيبقى مثل هذا السؤال مطروحًا؟ أمّا عندما كان يرى في نفسه القابلية، وقد أقدم على ذلك بالفعل، فلماذا يتصدّى له أولئك الناس؟! فمع وجود كلّ هذه الأشياء، ولا تتوقعون حصول أمور أخرى! نعم، هكذا يكون الأمر. إنَّ الأمر يتعلّق بالنفس. كنت قد قلت مرارًا بأنَّ هذه النفس وأينما وضعت قدمها، فسوف لن يُجنى من ذلك أيّة نتيجة غير التخريب والفساد وتضيّيع الاستعداد.

  • نقل لي أحد رفقاء الطريق هذا الأمر المتعلّق بالشيخ صدر الدين الحائري، الذي لازلنا بحمد الله نتمتّع من فيض حياته، ونسأل الله أن يحفظه. إنَّه رجل في غاية النظم والنزاهة ومن أهل الخير، وذا نيّة طاهرة، وهو رجل شجاع في مواجهة القضايا التي كان يتعامل معها حتّى الآن، وهو قد تجاوز مرحلة الاختبار في هذه القضايا، ولقد كان المرحوم العلاّمة شديد العلاقة به. قال هذا الرفيق: ذهب الشيخ الحائري إلى المرحوم السيّد الخميني يومًا وقال له: إن أردت أن يصل هذا الأمر إلى برّ الأمان، فلا بدَّ لك من أن تُسلّم رايته إلى السيّد محمّد حسين. أتلاحظون! من يكون قد تفوّه بمثل هذا الكلام؟! إنَّ هذا الكلام لم يصدر عن رجل عادي، بل كان قد صدر عن رجل عالم، هذا أولًا، ثمّ كان هذا الرجل من المشاركين في أمر الثورة، وهو مطّلع على كافة الأمور، ومطّلع على ما يجري في هذا البلد. ما الذي يعنيه كلامه هذا؟ إنَّه يعني: ما دامت الراية بيدك، فلن تصل الثورة إلى برّ الأمان. وهذا ما يعلمه الجميع؛ فلا يمكن لأحد أن لا يكون عالمًا بما يجري في نفسه. إنَّني أعلم بما يجري في نفسي، وأنتم تعلمون بما يجري في نفوسكم أيضاً، وكلّ شخصي يعلم ما الذي يجري في نفسه: ﴿ بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‌ نَفْسِهِ بَصيرَةٌ ، وَ لَوْ أَلْقى‌ مَعاذيرَهُ ﴾۱ أي: إنَّ الإنسان على بصيرة بما يجري في نفسه بشرط أن يطرح الأعذار و الحجج جانبا، ولا يختلق أعذارا وحججا غير واقعية. أجل إنَّ لنا بصيرة في هذا الأمر، ونحن نعلم جميعًا فيما إن كنَّا رجال الميدان أم لا، ولكنَّها النفس؛ فهي التي تأتي وتعمل على التغطية على الحقيقة، ولا تدع الأمر الواقع يظهر للعيان.

    1. الآيات ۱٤ و ۱٥، سورة القيامة (۷٥).

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

20
  • إن رأى الإنسان نفسه مكلّفًا بالقيام بعمل ما، فعليه أن يعمل وفقًا لهذا التكليف، ولكن عليه أن لا يقوم باصطناع تكليف مزيّف؛ فكلامنا يدور حول هذا الموضوع. إنَّ جميع المسئولين في هذا البلد يقولون نحن مسئولون أمام الله، ونحن نعمل بموجب تكليفنا، فإن لم نعمل بموجب هذا التكليف، فسيحصل كذا وكذا. نعم، هذا ما يقوله الجميع، وإن استلمت أنا إحدى تلك المسئوليات، لقلت نفس هذا الكلام أيضاً. ولكن هل يكون الأمر بهذا الشكل في واقع الحال؟! اعتقد بأنَّ الأمر مختلف.

  • سؤال: كيفية تخلص المرأة من تعب أداء عملها المنزلي

  • سؤال: بما أنَّ النساء تتعب من العمل في المنزل ومن رعاية الأطفال وأمثال ذلك، وتملّ منه، فلأجل أن لا يُوجِد مثل هذا التعب تكدّر في جوّ البيت، فما الذي توصون باتباعه، فبحسب الاستعداد الفطري، يكون لكل من النساء والرجال بنية وشاكلة مختلفة تمامًا، وبعبارة أخرى: ما الذي علينا أن نفعله من أجل أن نتمكّن من رفع قابلية تحمّلنا؟

  • الجواب: إنَّ هذا السؤال يرتبط بمواضيع أخرى. ولو أرادت المرأة في واقع الحال أن تعمل بما أمرها الله به، لازدادت قابلية تحملها من جهة، ولما حصل لها تعب من جهة أخرى، ولكسبت متعة ولذة من حياتها من جهة ثالثة، وذلك لكون اللذة هي عبارة عن أمر نفساني، وكلّ نفس تعتاد بطبيعتها على الوتيرة التي تعيش عليها، وسترى سعادتها فيها. سأضرب لكم الآن مثالًا على ذلك:

  • جاءني في نفس هذا المكان أحد الأصدقاء قبل فترة، واشتكى لي مما يعاني منه من مشاكل تحصل له بفعل خصوصية الحال الذي يعيشه، وبفعل مسيره والمسئولية الملقاة على عاتقه، وقال: يحصل لي كذا وكذا، فما المانع من أن تجري الأمور بشكل آخر؟ قلت له: فتخلَّ عن هذه المسئولية إذن، قال: وكيف اتركها؟ قلت له: افترض بأنَّك لست بسالك، فعش حياتك شأنك شأن بقيّة الناس، قال: وهل يمكن لي أن أفعل ذلك؟ قلت له: أنت الذي تشتكي من هذا الوضع وأنت الذي تقول بأنَّه صعب، وأنا لا يمكنني أن أقول بأنَّه ليس صعب، ولكن يمكنني أن أرفع هذا العبء عن كاهلك، قال: وكيف يمكن ذلك، فهذا الأمر يمثل كلّ حياتي، ويعتبر كذا وكذا بالنسبة لي، قلت له: فبناءً على هذا فأنت تريد أن تجلس واضع ساقًا فوق الأخرى، ثمّ يقوم اثنان بالترويح عليك بالمراوح، وفي نفس هذا الوقت تريد أن تُمنح تلك المطالب، فهل سيكون هذا الأمر مقبولًا بنظرك؟! ثمّ نقلت له شيئا ممّا كان قد مرَّ به العظماء ومن ضمنهم المرحوم العلاّمة، فقال عندها: إن كانت المشاكل بهذا الشكل، فأنا أعيش الآن في الجنّة، قلت له: وهذا هو الذي أردت أن أقوله لك. أين نحن من المشاكل التي تحصل للعظماء؟ وها أنا قد ذكرت لك نموذجين فقط من تلك النماذج التي تستطيع أن تتحمّلها، أمّا بالنسبة إلى غيرها فدعنا منها، قال: لا يا سيّدي، فما أمرّ به سعادة، وهو لا يعتبر شيء يُذكر، فتبدّل حاله كثيرًا، وأصبح الأمر بشكل آخر، وقال: إن حصل لي ما هو أكثر من هذا، فسوف لن يعتبر بالنسبة إليَّ شيئًا.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

21
  • حينما يعلم الإنسان طريقه؟وما هي حقيقة الأمر؟ 

  • ثمّ ذكرت له هذا الأمر وقلت: ما الذي يفعله هؤلاء الناس الذين تشاهدهم ـ وحتّى المتدينين منهم ـ من أجل الوصول إلى المناصب والرئاسة؟ فهذا ما نشاهده نحن بأنفسنا، فلو اقترحوا عليك الآن منحك هذا المنصب، وذكرت له أعلى منصب في هذا البلد، فلو طرقوا عليك الباب في هذه اللحظة وقالوا لك: لقد أرسل فلان في طلبك، وهو يريد أن يمنحك المنصب الذي هو فيه، فتحصل على أعلى منصب في هذا البلد بذلك، أكنت ستقبله؟! قال: لا والله وبالله لا يمكن لي أن أقبله، وسأهرب إلى خارج إيران وبالشكل الذي لا يستطيع فيه أحد من العثور حتّى على ظلّلي، قلت له: لماذا يكون حالك الآن بهذا الشكل؟ لماذا؟ إنَّه يحصل لأنَّ حقيقة الأمر، والمسير الصحيح قد اتّضح لك الآن، ولأنّه صار واضحًا؛ فأنت لا تريد أن تخسره، وإلّا، فتفضّل، فكلّ شيء تحت اختيارك، ولم يجبرك أحد على شيء، إن كنت لا تريد أن تستمرّ، فذاك هو طريقك، وإن كنت تريد الاستمرار، فهذا هو الطريق.

  • لم يجبر المرحوم العلاّمة أحد في أيّ وقت من الأوقات على قبول شيء، بل كان يقول: هذا هو طريقنا، فمن شاء أن يسلكه، فعليه أن يعمل بما نقوله له. كنَّا نلتفّ حول المرحوم العلاّمة بكامل اختيارنا، لا بالإجبار، وكنَّا نشعر بالراحة الدائمة ونحن معه. وهكذا يكون الأمر اليوم، نعم، هكذا يكون الأمر في هذا الوقت. كنت أكرّر هذا الأمر حتّى قبل زمان المرحوم العلاّمة؛ وذلك من أجل لا يحصل لأحدهم اضطراب وتشويش، ولكي يكون كلّ واحد في كامل حرّيته في انتخاب الطريق الذي يريد انتخابه. على أنَّ الله قد منح الجميع العقل والفطرة والبصيرة والإدراك والشعور، نعم، هكذا يكون حال الجميع؛ فالجميع يتمتع بنعمة الإدراك والشعور، كما وأنَّ الطريق واضح ومشخّص، وهو غير مقتصر على هذا المكان، بل يوجد ألف مكان، لا بل وعشرة آلاف مكان غيره،وكل شخصٍ في أيّ وضعٍ كان [يدرك ذلك]، ولكن ما يجب أن يُقال هنا هو: على الإنسان أن يسير بموجب ما لديه من مدركات، فبالنسبة لي شخصيّاً، فما دام تشخيصي لأمر بشكل معين، فأنا لا أستطيع أن أتخلّى عن تشخيصي، أمّا إن علمت يومًا بأنَّني كنت مخطئًا في قضية ما، فسأقوم بتغيّير رأيي فيها، أمّا الآن، فرأيي على ما هو عليه. يوجد في هذا القدح الذي أمامي ماء، وها أنا أراه بعيني، كما وشربت منه شيئًا، فما دمت أعلم بأنَّه ماء، فأنا أتعامل معه كماءٍ، أمّا إن اتّضح لي بأنَّني كنت مُخطئًا، وكنت أتصوّره حتى اللحظة ماءً، واتّضح لي الآن بأنَّه عصير الفاكهة كذا، أو الدواء أو السائل كذا، فسأقوم عندها بتغيّير رأيي فيه.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

22
  • إنَّ هذا الأمر ينطبق على الجميع، فيجب أن تسود الطمأنينة والهدوء تحركات كافة الأفراد، فإنْ لم يجد أحدكم الهدوء في مكانٍ، فليبحث عنه في غيره، وإن لم يحصل له، فليبحث له عن ظروف أخرى ومسير آخر. بناءً على هذا، يكون أكثر الطرق تحرّرًا، وأفضل الطرق التي تمنح الإنسان حريّة الاختيار من بين كافة الطرق التي نعرفها في هذا العالم، هو طريق السلوك؛ فكل شخص يمتلك كامل الحريّة في الاختيار وبالشكل الذي لا يعترض طريقه أيّ نوع من أنواع التضيّيِق والإجبار. فهل سيكون معنى الحرّية عدم الالتزام؟ وهل سيكون معناها التهرّب عن تحمّل المسئولية؟ وهل يكون معناها البحث عن الراحة والترف في جميع الأحوال؟ كلّا، لا يكون الأمر بهذا الشكل، بل إنَّ تحمّل المسئولية يعتبر من المستلزمات الفطرية الأساسيّة، ويكون الالتزام بالمباني من المستلزمات الأوليّة للحياة السليمة العادلة، نعم، إنَّ تقبّل المسئولية والالتزام هو من مستلزمات الحياة الإنسانية الشريفة. إنَّ أولئك الذين يعيشون حياةً لا التزام فيها، فهم حيوانات وليسوا من أبناء البشر، إنَّهم يقولون: نحن أحرار، ولكنَّهم حيوانات في واقع الحال؛ فهكذا تكون الحيوانات. وهذا هو الوضع السائد في بعض الدول بالفعل؛ فالعلاقات التي تربط أفراد العائلة ببعضهم، تشبه تلك العلاقات التي تحكم حياة الحيوانات في الغابة. وهذا ما يحصل في بعض البلدان من مثل البلدان الاسكندينافية، فهل يكون أولئك من بني البشر؟ هل هم من بني البشر في واقع الحال؟ كلّا، بل هم حيوانات، غير أنَّهم يمشون على رجلين، ولهم القدرة على التفكير، وهم يحسبون أنفسهم من بني البشر، غير أنَّ الأمر ليس كذلك، وذلك لكون الالتزام وتحمّل المسئولية من المستلزمات الإنسانية. قد يحرم الإنسان نفسه من الكثير من النِعم بواسطة التزامه، غير أنَّ هذا ليس بحرمانٍ، بل هو نيل نعمّة، تلك النعمة التي يكون نيلها عن هذا الطريق.

  • بقي هنالك الكثير من المواضيع، ولا يزال لدينا ما يمكن أن نطرحه في المقدمة التي أشرنا لها والتي لا زلنا فيها، حيث سنتحّدث عمّا بقي من هذه المواضيع في المجلس القادم إن شاء الله.

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

23
  • سؤال: كيف نفسر ما جاء في الرواية من أن المرأة ناقصة الدين؟

  • سؤال: مع الأخذ بنظر الاعتبار ما كنتم قد أشرتم إليه في مجالس عنوان البصري وفي مجالس النساء كذلك، يُستنتج من ذلك إمكانية وصول المرأة إلى نفس الدرجة من الكمال التي يمكن للرجل أن يصل إليها، فمع كلّ هذا، فما هو السبب الكامن وراء نقص إيمان المرأة؟

  • الجواب: كنت قد أشرت إلى نفس هذا الموضوع في تلك المجالس وقلت بأنَّ للإيمان درجات؛ فهنالك الإيمان في مرتبة النفس، والإيمان في مرتبة السّر، والإيمان في مرتبة الملكوت والضمير. إنَّ ما يحصل من اختلاف في الإيمان بين الرجل والمرأة، فهو يكون في مرتبة النفس التي تمثّل آخر نزول للروح حيث تتعلّق بالبدن والمادة، ففي هذه المرتبة تختلف القوى التي تمتلكها المرأة عن تلك التي يمتلكها الرجل، وكما يحصل ذلك في بقية الأمور الظاهرية بالطبع، فهنالك اختلاف بينهما؛ حيث يختلفان في طريقة التفكير وفي كيفية تقيّيم الأمور وفي القضاء والحكم على ما يجري من أمور، من تلك الأمور المشهودة لنا جميعًا، فكما يحصل مثل هذا الشيء هنا، فهو يحصل في مقدار الإيمان واليقين والاستقامة.

  • إنَّ الأمر المهم هنا هو في العبور عن مرتبة النفس والوصول إلى مرتبة السّر والضمير، حيث سوف لن يكون هنالك أيّ تفاوت بين الجنسين، وسيكون الإيمان متساويًا، وستكون النتائج المتحصّلة والبركات والفيض النازل على الطرفين متساوٍ.

  • سؤال: مع الالتفات إلى كون الإمام علي عليه السلام هو إمام (السيدة الزهراء سلام الله عليها)، ألا يكون اعتراضها ذنبًا؟ وألا يوجب التشكيك في عصمتها؟ أوليس إرادة السيدة الزهراء هي عين إرادة الله فلماذا منعها الإمام علي عليه السلام من الدعاء؟ إنّ هضم هذه المسائل واستيعاب هذه الأمور صعبٌ جدًا كما تفضلتم.

  • الجواب: إن شاء الله ندع الحديث للجلسة القادمة، حتى نستريح قليلًا، فها نحن نتكلم تقريبًا منذ أكثر من ساعة ونصف، ولم تنبهنا الأخوات على انتهاء الوقت، وقد تعبنَ، فإن شاء الله جواب هذه الأسءلة وتتمة المطالب نتركها للجلسة اللاحقة حيث نكون على استعداد أكثر، إن شاء الله، 

مناسبة الأحكام الإلهية للفطرة الإنسانية

24
  • وفقكم الله.

  •  

  • الّلهمّ صلِّ على محمّد وآلِ محمّد.