130

ستّ وصايا للطريق إلى الله

2051
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتقوى ومراتبها

التاريخ 1427/04/28


التوضيح

كيف تتجلّى عقلائيّة الدين في الإنفاق وفي تنظيم الحياة؟ وهل جعل الأعاظم كامل وقتهم للنّاس؟
كيف نوفّق بين الزهد وحسن التدبير والإتقان؟
هل يشترط الوصول إلى الكمال في الدنيا؟
هل يكفي التردّد على الأستاذ وكثرة السؤال والرسائل للوصول إلى الكمال؟
هل السلوك بإلقاء المسؤوليّة على الأستاذ وترك العمل؟
هل السلوك بتتبّع عيوب الآخرين أم معالجة ضعف النفس؟
كيف غيّر عهد مالك الأشتر حياة الشيخ محمّد حسين الأصفهاني؟
ما قصّة سفرة رئيس الجمهوريّة الورقيّة؟
تعالج هذه المحاضرة بعض النقاط الضروريّة في السير والسلوك في بيان فقرة هذا أوّل درجة التقى وآية تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا.
/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ستّ وصايا للطريق إلى الله

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ستّ وصايا للطريق إلى الله

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٣۰

  •  

  • ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

ستّ وصايا للطريق إلى الله

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • هذا أوّل درجة التقى

  • قال الإمام الصادق عليه السلام لعنوان: فهذا أول درجة التقى، قال الله تبارك وتعالى:{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين}۱

  • يقول الإمام إنّ هذه الأمور التي ذكرتها لك هي أول درجة التقوى، وأول مرتبة التقوى، وبداية التقوى كما يشير الله تعالى في الآية الشريفة إلى هذا الأمر: {تلك الدار الآخرة} ـ وتلك للإشارة إلى البعيد للتفخيم والتعظيم ـ أي إنّ هذا المنزل العظيم والرفيع والذي هو الآخرة هو للذين لم يعملوا في هذه الحياة على العلوّ والتكبّر والفساد، وقضوا حياتهم الدنيا بعيدًا عن هذه الأمور من الكبر والاستعلاء والتفاخر على الآخرين، والتظاهر أمامهم والاستعراض، والحياة التي تسبّب الفساد والإفساد للنفس والآخرين، قاموا بأعمالهم ولم يكن لهم شأن بعمل أحد، فكلّ من أراد أن يسير في أيّ وادٍ هو أخبر بنفسه ونحن نقوم بعملنا، نطأطئ رؤوسنا ولا شأن لنا بأحد.{ والعاقبة للمتقين}، ففي النتيجة القبول والإمضاء والشهادة هي للمتّقين.

  • قلت للرفقاء إنّه قبل التعرض لمسألة التقوى كانت هناك أمورٌ خطر لي أن أنبّه عليها نفسي والأصدقاء، وقد حصل شيءٌ من الجرأة أيضًا، والمرجوّ من الرفقاء أن يعفو ويقبلوا منّي، أن يقبلوا أكثر لأنّهم يعلمون أنّ جميع ذلك هو في طريق الإصلاح والإشفاق على الأصدقاء، والرفيق هو الذي لا يخون رفيقه في بيان طريق الصلاح، ويبيّن ما يعتقد أنّه صلاح حتّى لا يأتي يومٌ يَعتب عليه ولا يَسمع منه أنّك ما دمت تعلم فلماذا لم تقل؟ ما دمت مطّلعًا فلماذا لم تنبّه؟ وعلى كلّ حالٍ فقد ذكرنا ما كان في البال إلى حدٍّ ما، وما وجدنا الرفقاء مستعدّين لتلقّيه وقبوله.

  • كيف تؤثّر مراتب الهمّة في نيل مراتب الكمال؟

  • واعلموا أيضًا أيّها الرفقاء أنّ الإنسان يطير بهمّته٢ كما كان المرحوم العلامة يقول، فبقدر ما يبذل الإنسان من همّةٍ في هذا الطريق يُعطى من الآثار والنتائج، يقال في المثل الشعبي: بقدر ما تعطي من المال تعطى من الطعام، إن أعطيت خمسة ريالات أعطيت بمقدارها، وإن أعطيت تومانًا أعطيت بمقداره، وإن أعطيت مائة تومان فكذلك، هذا قانونٌ طبيعيّ، وهذا قانون حاكمٌ أيضًا في الطريق إلى الله وصراطه، فالله أيضًا تابعٌ لهذا القانون، فبقدر ما تتقدّم تُعطى من الأجر والثواب.

    1. سورة القصص، الآية ۸٣
    2. قال رسول الله: المرء يطير بهمته كما يطير الطير بجناحيه.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

3
  • اختلاف مراتب الجنّة باختلاف مدركات أهلها

  • ولذلك فإنّ للجنّة أيضًا مراتب مختلفة، تبدأ من المرتبة البسيطة التي هي مرتبة الظاهر والنعم الظاهريّة، وتنتهي بالمراتب التي لا معنى للظاهر فيها، لا معنى للظاهر فيها ولا موضع فيها لما هو موجود في المراتب الدنيا، تلك النعم هي عبارةٌ عن مقام القرب ومقام التجرّد وإفاضة العلوم والأنوار.

  • اختلاف ملذّات الناس في الدنيا باختلاف مدركاتهم في الأعمار المختلفة

  • فكما تختلف الأحاسيس واللذّات في هذه الدنيا في الأعمار المختلفة، فما يوجب اللذّة لمن كان في الثانية أو الثالثة من عمره هو الحلوى أو الكرة أو السيّارة التي يدفعها ويأنس بها، دنياه كلّها تُختصر في قطعة السكاكر وتلك الكرة التي يلهو بها، وكلّما كانت ملوّنةً وأجمل وجذّابة أكثر، كانت ألذّ إليه، فالدنيا تتجلى له بهذا، أمّا بالنسبة لمن بلغ الرابعة عشرة والخامسة عشرة فالكرة أيضًا، ولكن لا يهمّه لونها، يهمّه متانتها، وكيفيّة الاستفادة منها لأنّه يريد أن يستخدمها في الرياضة، أمّا ما هو لونها وألوانها المختلفة فلا يهمّه ذلك، هو ينظر كم ستدوم، هل تحتمل ركلة من القدم أم لا؟ هل تؤثّر بها الضربة أم لا؟ لأنّ الضربات أحيانًا تكون شديدةً فهل التفتّم؟ ولكن لا تزال الكرة بالنسبة إلى هذا هي المهمّة وإن كانت بشكلٍ آخر.

  • فإذا تقدّم العمر، وبلغ الثلاثين والأربعين، لم تعد هذه الكرة ذات قيمةٍ عنده، هناك أمورٌ أخرى يعرفها الحاضرون أفضل منّي إلى أن يصل إلى عمر الستّين والسبعين، حيث تتنحّى كلّ هذه الأمور جانبًا فلا طاقة له على الكرة ولا على غيرها، هناك تأتي الإنسان أمورٌ أخرى، هناك الملذّات هي ملذّات العلاقات، هناك الملذّات هي ملذّات الرئاسة وملذّات الحكم، هناك الملذّات ملذّات الولاية، تلك الملذّات ملذّات الشخصيّة، فبالنسبة إلى ابن السبعين تعتبر الشخصيّة مهمّةً بحيث يضحك من سائر الملذّات التي يبتلى بها النّاس ولا يهتمّ بها أصلاً، لذلك يقال يجب أن لا نلتفت إلى زهد الناس في هذه الأعمار لأنّ وضعه قد تغيّر، لأنّه لم يعد ذاك الذي كان سابقًا، فكما أنّه في عمر العشرين والثلاثين يضحك من السكاكر ورقائق البطاطس التي تعدّ للأطفال، فكذلك وضعه الآن بعد افتقاده لتلك القدرات والغرائز، فلم تعد تهمّه تلك الأمور وتلك الأجواء والوسائل، وليس ذلك مهارةً؛ إنّه عاجزٌ مسكين لا زاهد، فإذا أكل لقمتين زائدتين تقيأهما، لا أنّه يريد أن يأكل ولا يأكل، إذا أكل ثلاث لقيمات ممّا يأكله الآخرون أصابه نزيف في معدته، فإنّما يأكل البطاطس والخبز والجبن لأنّه مجبرٌ، وعمر إذ كان يأكل الخبز والخلّ فلأنّ وضعه قد تغيّر، يريد بالتظاهر بهذا العمل أن يمكّن موقعه الفاسد، ولو كان صادقًا فليأكل في خلافته هذه ما يأكله الآخرون! ما المشكلة؟ إنّ هذا الطعام هو خداعٌ وليس زهدًا.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

4
  • أو لو فرضنا أنّه أراد أن يقوم بالرياضة التي يقوم بها الشابّ في العشرين من عمره، فإنّه على الفور وبجولةٍ واحدة تنكسر رجله وينقل إلى المستشفى، لا يمكنه ولم يعد عظمه يحتمل تلك الضربة، ولم تعد مفاصله قادرةً على الانعطاف، قلبه لم يعد يحتمل ما كان يقوم به في الشباب في العشرين والخامسة والعشرين، لو ركض قليلاً لزادت دقات قلبه وتوقّفت فجأةً، لا يمكنه، وبما أنّه لا يمكنه، فيجلس في البيت ويصبح زاهدًا، فيقال: كم هو رجلٌ زاهد! كم هو رجلٌ عابد! لا يمكنه، لا قدرة لديه، تغيّرت أحواله، تغيّرت إدراكاته، تغيّرت خصوصياته ومزاجه.

  • وهكذا هو الحال في الأمور النفسيّة، فقد كان سابقًا ذا حالات ومدركات ولذات، كانت نفسه تميل إلى بعض الأمور وتأنس بها، وهذه النفس بعينها وبواسطة غلبة الهوى والهوس اللذين ألقيا عليه حجابًا وجعلاه في دائرة الأمور النفسيّة، تغيّرت ميولها ولم يعد لها ذلك الميل الذي كان في الشباب، لأنّه يشعر أنّه إذا أراد أن يسير نحو هذه الميول لا يقدر، إذا أراد أن يكون على ذلك السلوك وتلك الطريقة فلن يتمكّن، إذا أراد أن يصل إلى ذلك بهذا اللباس الذي يلبسه في الثلاثين اعترض عليه الناس أن يا له من لباسٍ أنيق! فلكي لا يلفت أنظار الناس عليه أن يبدّل هذا اللباس، عليه أن يحافظ على مقامه الظاهريّ وأن يغيّر أوضاعه الظاهريّة، عليه أن يجعل منزله بنحوٍ يلفت الأنظار، فهذه أمورٌ خطرةٌ يأتي الشيطان بواسطتها إلى الإنسان في نهاية العمر، يأتي بهذه الوسائل لأجل حرف الإنسان، يأتي بهذا النوع من الأمور ويوقع الإنسان في الشراك: إذا سرت بهذه الطريقة ماذا سيقول الناس؟ إذا انتعلت هذا الحذاء، إن كنت بين الناس بهذه الطريقة، إذا خرجت بنفسك ووقفت في فرن الخبز واشتريت الخبز، إذا خرجت بنفسك ووقفت في متجر اللحم واشتريت اللحم، إذا رأى الناس في يدك كيلويّن من الفاكهة والخضار فماذا سيقولون؟ يقولون: عجيب هذا يأكل الفاكهة أيضًا؟!

  • ـ فماذا يأكل إذن؟ أيأكل التبن؟

  • فـ "إذا" المتكرّرة هذه تأتي وتجعله في وضعٍ شاء أم أبى يحرم فيه نفسه من النعم التي أباحها الله له ويبعدها عنها، وهذا ليس زهدًا.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

5
  • كان للمرحوم القاضي في منزله حصير ـ بسبب وضعه الخاص آنذاك ـ ولكن عندما كان يخرج كان يلبس أجمل الثياب وأكثرها أناقة وأنظفها وأغلاها، لا من هذه الألبسة الزهيدة الثمن، لقد كانت عباءته وجبّته يشار إليهما بالبنان بين الناس لنظافتهما وأناقتهما وجمالهما، مثلاً يقولون: انظروا كيف يسير! في حين أنّنا إذا ذهبنا إلى منزله لم نجد شيئًا، ولم تكن حتّى النفقات الضروريّة للمنزل مؤمّنة، ولكنّه كان يظهر للمجتمع بهذا الشكل، لماذا؟ لكي يقول: أنا لست زاهدًا، أنا لست أستغلّ خداع الناس ولست بين الناس بطريقةٍ أجذب فيها قلوبهم بواسطة حركتي وكيفيّة تردّدي، هذه هي حقيقة الأمر. 

  • لذلك فإنّ كلّ إنسان يعطى من الأجر والثواب بقدر ما لديه من همّة، فإذا جعل إنسانٌ همّته في مستوى يكون معه حاضرًا للوصول إلى أيّ أمرٍ ويقدّم نفسه لكلّ أمرٍ يُعرض عليه ويسلّم في أيّة حالةٍ ويمضي لاستقبال هذا الأمر قبل أن يؤمر به، [فهذا هو الذي يبلغ الكمال]. 

  • كيف كانت همّة المرحوم العلاّمة في علاقته مع السيّد الحدّاد

  • كان المرحوم العلامة يقول: عندما كنت عند السيد الحداد، كنت أتحدّث معه ذات يوم، فكنت ألتفت إلى الأمور التي يريدها ويهتمّ بها من كيفيّة علاقته بي، أفهل يجب أن يقال كلّ شيء؟! فأحيانًا هناك محذورٌ في بعض الأمور ولكن إذا أعمل الإنسان عقله يدرك ماذا يريد الأستاذ، ويمكنه أن يصل إلى روحيّـته ومنهجه وطريقته من كيفيّة بيانه وتعابيره التي يستعملها. وأحيانًا قد يحدث أن يقول الأستاذ شيئًا صريحًا ومع ذلك لا يلتزم به بعضهم، فلندع هذا الكلام إن شاء الله إن كان هناك مجالٌ اليوم سأتحدّث عنه إلى حدٍّ ما.

  • من هو السالك؟ هو الذي يعمل في علاقته مع الأستاذ وعلاقته مع الرفيق والخبير بما تنتهي إليه مدركاته حول نظر الأستاذ فلا أقول أنّ عليه أن يعمل بما يصل إليه جبرائيل، فكلّ إنسانٍ بما آتاه الله من سعة، وبما آتاه من مرتكزات وبما فهِمه لا أكثر من ذلك، فال الله يريد ذلك لا خلقه، بل بذلك المقدار الذي أدركه بينه وبين الله ـ فهنا بينه وبين الله ـ بذلك المقدار من الفهم للمسائل التي يهتمّ بها الأستاذ والمبادئ التي يؤكّد عليها. بماذا يهتمّ الأستاذ؟ بالصدق، أن يكون الإنسان صادقًا مع الناس لا يكذب، بالأمانة، أن يكون أمينًا مع الناس لا يخون، فلا يقول هنا شيئًا وفي مكانٍ آخر يقول شيئًا آخر، فهنا لا يرى مصلحةً ثمّ إذا ذهب إلى مكانٍ آخر يقول خلاف ذلك. حسن التعهّد، فعندما يقول غدًا سأقوم بهذا الأمر، فلو أمكن أن يبيع أثاث منزله فعليه ذلك، لا أن يتركه لسنتين أو ثلاث، ما دام لم يأت صاحب الحقّ فلا يبالي. حسن التعهّد والالتزام بالوعد، حسن الخلق والعطف والرحمة والرأفة، العدالة والمساواة بين الجميع، هذه هي القواعد الأساسية وهناك غيرها أيضًا، لقد قلت بعض الأمور العامة لتكون بين أيدي الرفقاء، هذه الأشياء يقوم بها السالك قبل أن يطلبها الأستاذ. 

ستّ وصايا للطريق إلى الله

6
  • كان المرحوم العلامة يقول: عندما كنت مع السيّد الحداد، كنت أدرك من عينيه ماذا يريد، وقبل أن يقول لي أكون قد أنجزت ما أراد، لقد قام بذلك حتى غدا العلامة الطهراني، لقد قام بذلك حتى وصل إلى تلك الأمور، قام بذلك. 

  • مخالفة بعض تلامذة السيّد الحدّاد لأوامره الصريحة

  • وكان هناك في ذلك الزمان أناسٌ آخرون إلى جانبه ومن تلامذته ولم يكونوا يلتزمون بالأوامر الصريحة للسيّد الحداد، وكانوا يسمّون أنفسهم تلامذة السيّد الحداد وقد رأيتموهم وتعرفونهم وسمعتم بهم، وقد ذكر أسماءهم المرحوم العلامة في كتبه، وما ذكره عنهم هو شيءٌ قليل وأنا بنفسي رأيت بعض الأمور فقد كان عمري آنذاك ستة عشر سنة ونصف أو سبعة عشر حين كنت أتكلّم آنذاك مع رجلٍ عمره ستون سنة، فكنت أعترض عليه وأقول: ما تقوم به خلاف ما أمر به. فكان يقول: لا زلت طفلاً لا تعي شيئًا. فكنت أقول: سواءٌ كنت صغيرًا أو كبيرًا لا يمكن أن أقبل بهذا، فما نُبّهت عليه من قبل السيّد الحداد إمّا أنّه كان يمثّل فيه تمثيلاً أمامنا أو كان يقوله جادًّا، كان يقوله جادًّا فلماذا أنت لا تأخذه بجديّةٍ؟ ثم بعد ذلك فإنّ تلك الأمور تصل به إلى ما رأيتم بأنفسكم وقرأتم في الكتب، لماذا؟ لأنّه من البداية جعل الأساس هو التبرير والتوجيه، إنّه يمزح، يختلف باطنه عن ظاهره، ليس أمره جادًّا، كلاّ فهو معنا يختلف، كلاّ فنحن نعلم أمرًا لا يعلم به أحد. 

  • كلا يا عزيزي كلّ هذا خداعٌ وكذب، أقولها لكم بصراحة: كلّ هذا كذب، كذبٌ في كذبٍ في كذب. يقول السيّد الحدّاد: افعل هذا. فهذا هو المطلوب ويجب أن تفعله. أمّا أنّا نحن نعلم وندرك بشكل أفضل ونحن أقرب ونحن كذا فهذا كلّه تسويلات الشيطان، ومن هؤلاء الشياطين، الشيطان، تسويلات الشيطان لكي يُوقف الإنسان في المرتبة التي هو فيها. وأقول للرفقاء بصراحة: إنّ هذا من الشيطان، كلّ ذلك بسبب الشيطان.

  • الأنواع الثلاث للّذين يدخلون في طريق السير والسلوك واختلاف هممهم

  • فالذين يدخلون في هذا الطريق والذين هم على صلةٍ بهذه الأمور هم على أنواع: 

ستّ وصايا للطريق إلى الله

7
  • النوع الأوّل: الباحث عن نقاط الضعف

  • فبعضهم يأتون إلى هنا ـ أو إلى أماكن أخرى فلا ذلك بهذا المكان ـ وهدفهم الوحيد هو أن يجلسوا وينظروا على أساس أفكارهم إن كان هناك نقطة ضعفٍ ونقصٍ ومشكلة ليأخذوها ويستفيدوا منها لاحقًا، فهؤلاء أمرهم واضح ووضعهم معروف، وأنّهم خارجون عن هذا الطريق، فإذا تحدّث إنسانٌ ساعة أو ساعتين وقال ألف فكرة من الأفكار الصحيحة فهو لا يسمعها أصلاً، ولو قال كلامًا واحدًا فيه شبهة فإنّه يأخذه ويعظّمه، وهذا الأمر كان موجودًا أيضًا في زمان المرحوم العلامة وبين تلامذته، فهل هناك أرفع من ذلك؟! فقد كان بين تلامذته من إذا واجه أمرًا فيه مشكلة للنفس، لا يفكّر فيه إلا بإفساده وتعييبه والانتقاص من شأنه وإزالته، وهكذا كانوا يصلون إلى مطلوبهم، يقولون: هل رأيتم ماذا حصل؟ هل رأيتم أنّنا كنّا نقول الصواب؟ أحيانًا يمكن للإنسان أن يخطئ في كلامه، أن ينقص أو يزيد. فيأتي هذا ويترك مائةً من الكلام الصحيح ويأخذ واحدًا فقط. فهذا نوعٌ وطبعًا يمكن أن يكون له أشكالٌ مختلفة حيث يمكن لكثيرين أن يكونوا مرتبطين بأماكن أخرى وهؤلاء لا نتحدّث عنهم فهذا نوعٌ إذن.

  • النوع الثاني: الجامع للمعلومات

  • النوع الثاني هم الذين يشاركون في هذه المجالس من أجل أخذ المعلومات ويعرفوا ما الأمر وماذا هناك، نذهب إلى هذا المجلس وإلى ذاك ونأتي إلى هذا أيضًا، لا عمل لدينا فبدلاً من أن نجلس في المنزل نشاهد التلفاز، نذهب إلى جلسة عنوان البصري، بدلا ًمن أن نجلس في المنزل ونستمع إلى ثرثرة هذا وذاك أو يأتينا ضيفٌ يفسد علينا حالنا نخرج ونفرّ من المنزل ونقول نريد أن نذهب إلى الجلسة كي نستريح من مشكلات ومصائب استضافة الضيوف، نريد أن نذهب إلى جلسة عنوان البصري أفيمكن أن نتركها؟ أبدًا لا يمكن، يسجّلون حضورنا وغيابنا ـ الحمد للّه لا شيء من ذلك هنا ـ فهؤلاء يأتون ليروا ما الخبر، فنأتي ونرى أيضًا ماذا يجري، ونذهب إلى مجلسٍ آخر ونرى، ونجمع مجموعةً من الأفكار، ونكتفي بذلك، ثمّ ننصرف إلى أعمالنا، فهذا أيضًا صنفٌ ونوعٌ لا شأن لنا به، طبعًا هؤلاء لا يشاركون في مجالس المعصية والمحرّمات، ولكنّ مستوى همّتهم ومستوى إدراكهم ومستوى محبّتهم هو تلقي الأفكار وليس العمل، جمع المعلومات فحسب. نشارك في هذه الجلسة ونرى ماذا يقول هذا الخطيب، ونشارك في تلك ونرى ماذا يقول الخطيب أيضًا، ماذا يقول وماذا يقول ... اليوم وغدًا وبعد غد، وأسبوعٌ وشهرٌ وسنة، فتجتمع لدينا موسوعةٌ من الأفكار المختلفة والحكايات والنصائح والمعلومات، موسوعةٌ جذّابة، مجتمعةٌ من هنا وهناك جزاهم الله خيرًا فهم على الأقلّ أفضل من ذلك النوع الذين لا يهدفون إلا إلى الانتقاص والعثور على العيوب وما شابه.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

8
  • لكنّ هؤلاء يقضون عمرهم بالبطالة، أقولها بوضوح وصراحة، إذا قام الإنسان بعمله بهذه النيّة وهذا الهدف فإنّه يعمل عمل الشريط المسجّل، فهو يقوم بذلك أيضًا، فأنتم إذا قلتم كلامًا جيّدًا يسجّله الشريط، وإذا قلتم كلامًا خاطئًا يسجّله أيضًا، فهذا الشريط لا قيمة له في نفسه إلا جمع المعلومات وعند الموت لا يُحسب له حسابٌ من أجل مجيئه إلى هذه المجالس، لماذا؟ لأنّه لم يكن يعمل بهذه الأمور التي يسمعها ولم تكن له أيّة ردّة فعلٍ عليها ولم يكن يُوجد في نفسه أيّ تغيير وتحوّلٍ على ضوئها، فلو كان هناك مائة جلسةٍ كجلسات عنوان البصري لشارك فيها ولكانت عنده آخر الليل على حدٍّ سواء، ما شاء الله كم هو خطيبٌ جيّد! كم هي أمورٌ جيّدة وقصص جيّدة! لقد قال كلامًا جيّدًا، نعم صحيح أنّه قال كلامًا جيّدًا ولكن ماذا غيّر بك هذا الكلام الجيّد؟! أيكفي هذا؟! وهل كنت مجرّد شريط؟ يتابع عمله وبرنامجه ويفعل ما يشاء ولا يحصل أيّ تغيير في مدركاته، يتابع طريقه ونهجه وفكره في الحياة كما كان، فهذا قسمٌ أيضًا، ولن نوضّح أكثر من ذلك حول هذا النوع فالرفقاء يعلمون.

  • النوع الثالث: أصحاب الهمّة ولكن دون تهيئة النفس للعمل

  • النوع الثالث ـ وهنا المصيبة ـ هم أناسٌ من أصحاب الهمّة والنيّة والصدق ويريدون أن يعملوا ويسيروا ويغيروا في أنفسهم لا كلام في ذلك، يشاركون في هذه المجالس لأجل ذلك ولكن الكلام هو أنّهم إلى أيّ حدٍّ يهيّئون أنفسهم لتطبيق هذا الكلام عليها وعلى طريقها ومنهجها، إلى أيّ حدٍّ؟ عمّ يبحثون؟ إنّهم ليسوا كأولئك مجرد شريطٍ يسمعون الكلام فحسب، هناك الكثيرون يدرسون ما يدرسون لكي تكون لديهم مجموعةٌ من المعلومات ليقولوها للناس، عندما يقرأ رواية الإمام الصادق فإنّما يقرأها ليستفيد منها [ معلومة] إذا قرأ قصّةً تاريخية فإنّما يقرأها ليطرحها في مجلسٍ ما، هذا هو الشريط، يقرأ كتب المرحوم العلامة ليطرحها في جلسته الخاصة، ألم يكن ذلك في زمان المرحوم العلامة؟! لقد كان يقول هناك في مجالسنا من يأتي ليسمع الكلام والأفكار ثمّ يذهب ليطرحها للآخرين على أنّها أفكاره الخاصّة، وقد كان يسميهم لصوص الطريق وسارقيه، يأتون فيسرقون المعلومات، ما معنى السرقة؟ أي أن يأخذوا من دون أن يبيّنوا المصدر، وهذا أمرٌ قبيحٌ جدًا في العلاقة مع الآخرين، فعندما يجد الإنسان كلامًا جميلاً يهتمّ به الناس إذا شعر أنّ الآخرين ينسبون إليه هذا الكلام يبقى صامتًا ولا يذكر اسم صاحبه فيقول لم أكن أعلم هذا أنا مثلكم قرأته في ذلك الكتاب وبيّنته لكم، فهذا العمل قبيح جدًّا وله آثارٌ سيّئةٌ جدًّا من الناحية النفسيّة وهناك الكثيرون يفعلون ذلك.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

9
  • كان هناك في زمان المرحوم العلامة أناس كنت أراهم في متاجرهم ومنازلهم، كانوا يأتون ويطرحون ذلك الكلام حتّى أنّه كان يأتيني بعض الناس ويقولون: لقد كنت ليلة أمس في دكان فلان وكان يقول كلامًا عجيبًا جدًّا. فقلت له: هذا الكلام قاله له والدنا أمّا هو فلا يفقه شيئًا، كالأنعام، واقعًا كالأنعام لا يدرك ولا أريد أن أبالغ، لقد كان بعض هؤلاء موضع شكٍّ من حيث صحتهم العقليّة، فعندما تأتي وتصغي، بأيّة نيّةٍ تأتي وتصغي؟ أيّها الجاهل بأيّة نيّة تصغي؟ تأتي وتأخذ هذا الكلام وتحتفظ به حتّى إذا جاء مريدوك في الغد ألقيته عليهم، هذه هي السرقة.

  • لم يكن الحاج هادي الأبهري رحمه الله متعلّمًا، ولكنّ معرفته كانت دقيقة، كان لديه نورٌ باطنيّ وكان يعرف النوايا والأغراض، فإذا تكلّم إنسانٌ نظر في عينيه وقال: أيّها الكاذب! فكان يحاول التبرير فيقول له: يكفي، لا تضاعف من سوء كلامك. لقد كان هذا الرجل يقول للمرحوم العلامة آنذاك: هناك من يشارك في مجالسك وأنا أراهم من اللصوص الذين يأتون ويأخذون كلامك ويطرحونه في مجالسهم الخاصة على أنّه كلامٌ رفيع من عندهم، فيقبل منهم هؤلاء المساكين خير قبول، ويقولون: يا لها من مقاماتٍ لهذا الرجل ومعلومات فقد نال أيّ نوعٍ من المعلومات والمعارف! كان الحاج هادي يعرف هؤلاء ويسمّيهم، فكان المرحوم العلامة يقول: لا تتكلّم نحن أيضًا نعرفهم، لا ترق ماء وجههم، ما شأنك بهم؟

  • هؤلاء يريدون أن يتعلّموا ويأخذوا الكلام ويقرؤوا لأجل الاستفادة الشخصيّة منه بين الناس، لأجل التجارة والمعاملة، كالذي يذهب إلى الجامعة ويدرس العلوم المعاصرة، فمن يذهب إلى الجامعة لكي يستفيد من العلم ذاته؟! كلا، بسبب أنّه سيستفيد منه غدًا في المجتمع، فمن يذهب إلى كليّة الهندسة لو قالوا له: ستدمّر كلّ المنازل ويصنع بدلاً منها أكواخ خشبيّة، وستغلق الجامعة فهل يذهب أيضًا ليدرس هذه العلوم؟! يقول هل عندي نقصٌ في عقلي لكي أذهب سبع سنوات، وثماني سنوات لأدرس الهندسة والهندسة المعمارية ثم يقولوا لي ابن كوخًا؟! ومن يذهب إلى كليّة الطبّ وأمثالها فلأجل ماذا يذهب؟! لمداواة الناس، إن كان يقصد التقرّب إلى الله فهذا جيّد، بعضهم يقصد ذلك وبعضهم لا يقصده، ونحن نتكلّم عن الذين لا يقصدونه، فمن يذهب إلى كليّة الطبّ لو قالوا له: غدًا سيخترع دواء إذا شرب منه الإنسان لم يمرض حتّى آخر عمره، مثلاً لو ظهر صاحب الزمان إن شاء الله وأعطى برنامجًا يغني عن الدواء المسكّن والمنوّم، كلوا من هذا الشيء ليبقى قلبكم سليمًا إلى الأبد، وكلوا من ذاك لتبقى رئتكم سليمةً، وهكذا.. حينها ستغلق الجامعة أبوابها، فهل يدرس أحدٌ الطبّ بعد ذلك؟! 

ستّ وصايا للطريق إلى الله

10
  • ـ لماذا أدرس؟! إنّما أدرس ما دام هناك مريضٌ وما لم يكن مريض فلا داعي. 

  • ألم يذكر سعدي في كتابه (گلستان)۱ أنّ ملكًا من ملوك العجم ـ على ما أذكر حيث قرأته عندما كان عمري عشر سنوات أو اثني عشر سن حيث كنت أقرأه وأحفظه ـ أرسل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله طبيبًا، فبقي سنةً ولم يراجعه مريض، بقي سنة في المدينة ولم يأته مريض، فجاء إلى النبيّ وقال: لقد أتيت منذ سنة ولم يراجعني مريض، فقال له النبيّ: لقد أمرتهم أن لا يأكلوا إلا عند الجوع، وأن لا يشبعوا إذا أكلوا، فهذا هو السبب. فقال له: لقد جمعت لهم الطبّ كلّه، وعاد من حيث أتى من أطراف اليمن.

  • فلنفترض الآن إنّ الإمام قد ظهر وأعطى برنامجًا صحيًّا أن قوموا بهذا في الليل، وقوموا بهذا في النهار، وليكن برنامجكم هكذا ولم يعد هناك مرض، فهذه الأمراض هي بسبب التخمة والأغذية الفاسدة والكاسدة والتي لا تناسب بينها أبدًا، فتجتمع في الكبد وتتحوّل إلى سموم تدخل إلى الجسد وتعيق الخلايا عن عملها وتضرب الكلى والقلب والشرايين فيصاب الإنسان بسكتةٍ في الدماغ وأمثال ذلك، فلو نظّم الإنسان طعامه والتزم بما أمر به الله في الطعام فلم يُنقص من الأكل ولم يزد، والتزم بذلك المقدار فإنّه يعمّر أربعة آلاف سنة، يعمّر أربعة آلاف سنة لا مزاح في الأمر. ألم يكونوا يعمّرون؟! لماذا تفسد خلايا الجسد؟ لأنّنا نحن نفسدها، الخليّة في نفسها في حالة تغيّر وتحوّل دائمين، ووالله إنّ عمر صاحب الزمان الذي بلغ ألفًا ومئتي سنة ليس معجزةً، لقد عمل الإمام بأوامر الشرع فعمّر ألفًا ومئتي سنة ولم يقم بمعجزة، غاية الأمر أنّه يعلم ونحن لا نعلم، هو يعرف خواصّ الأشياء ونحن نجهلها، هو يعلم أنّه لا ينبغي أن تؤكل هذه الفاكهة في هذا الوقت، أمّا نحن فنأخذها ونأكلها أضعافًا مضاعفة، هو يعلم أنّه ينبغي أن يكون الطعام في الليل خفيفًا، ونحن نأكل أكثر الأغذية سعراتٍ وطاقةً وزيوتًا ودهونًا وسكّرًا في الليل، يا عزيزي لم يخلق الله هذا الجهاز بهذا الشكل وينبغي أن يتعامل معه وفق قانونه الخاصّ، نحن نخالف ذلك فنجد فجأةً أنّ القلب والكلى والأمعاء قد أصيبت، وكل شيءٍ في الجسد قد أصيب، هذا بسبب عدم التوازن وعدم رعاية المصلحة وما حدّده الله لهذا المخلوق. 

    1. . گلستان سعدى، باب ٣ في فضيلة القناعة، الحكاية ٤.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

11
  • فمن الذي درس علم الطبّ لأجل علم الطبّ نفسه؟! من؟! لا أحد. ولكنّ العلوم الإلهيّة هي مهمّة في نفسها، يجب أن تطالع رواية الإمام الصادق عليه السلام سواءٌ كان لديك محاضرة أم لم يكن، فكلام الأئمة عليهم السلام لا علاقة له بالتبليغ وعدم التبليغ ولا فرق بيني وبينكم في هذا الأمر، نعم على كلّ إنسانٍ أن يعلم ماذا قال النبيّ وأمير المؤمنين بحسب قدرته ومستوى علمه، من منّا قرأ نهج البلاغة؟ وقد تُرجم نهج البلاغة أيضًا، من قرأ نهج البلاغة كاملاً فليرفع يده، لمن كان يقول أمير المؤمنين هذا الكلام؟! هل كان يقوله فقط لسلمان وأبي ذر؟! أم أنّه كان يلقيه أمام الناس؟! فلنطالع خطب نهج البلاغة هذه ـ وطبعًا أنا بنفسي لأني لم أطالعها لم أرفع يدي لقد طالعت أكثرها ولم أطالعها كلّها فلماذا أكذب؟! من لدينا أرفع من أمير المؤمنين نجعل كلامه شعارًا لنا وقدوةً؟! من نجعل؟! فلنقتطع وصيّة أمير المؤمنين للإمام الحسن عليه السلام في "حاضرين" من نهج البلاغة ولنفكّر في كلّ عبارةٍ من عباراتها، فأمير المؤمنين يقول فيها إنّها ليست لك وحدك أيّها الحسن بل لكلّ من بلغه كتابي. وعند استشهاده ليلة الواحد والعشرين في الوصية التي أوصى بها الناس والأرحام وجعل الإمام الحسن وصيّـًا قال: هذه وصيتي لك يا حسن ولمن بلغه كتابي۱، فكلّ من وصلته هذه الوصية فهو وصيّي، فهل عملنا نحن بوصيّة ليلة الواحد والعشرين هذه لأمير المؤمنين والموجودة في نهج البلاغة؟ نحن أوصياؤه ولكنّنا لم نعمل بالوصيّة لأنّ الإمام قال: هذه الوصيّة لا تختصّ بكم أنتم الموجودين حولي، أنا إمام جميع الأمّة إلى يوم القيامة ولا أقول لكم هذا الكلام وحدكم، أقوله لهؤلاء الذين سيأتون بعد ألف وأربعمائة سنة، على هؤلاء أيضًا أن يتصوّروا ـ كما ذكرت في الجلسة السابقة ـ أنّهم حول فراشي وأنا الآن أودّع الدنيا وأقول لهم: الله الله في بيت ربّكم، الله الله في صلة الرحم، الله الله في كتاب ربّكم، الله الله في الزكاة، الله الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ذكره فيها. وقد كان يقرأها المرحوم العلامة مرارًا.

    1. . نهج البلاغة (عبده)، ج ٣، ص ۷٦: أوصِيكُما و جَمِيعَ وُلدِى وَ أهلِى و مَن بَلَغَهُ كِتابِى بِتَقوَى اللهِ و نَظمِ أمرِكُم.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

12
  • فهذا ما يقوله أمير المؤمنين لي ولكم ولمن كان حول فراشه في ذلك الزمان، فهل حصل أن أخذنا وصيّة أمير المؤمنين هذه ونظرنا فيها وقلناك نحن أوصياء وعلينا أن نعمل بهذه الوصية؟ هل قمنا بذلك؟ كلا بل ننظر إلى نهج البلاغة والروايات وكتب الأحاديث سواءً التي ترجمت أو التي لم تُترجم ونقول فقط: ما شاء الله! ماذا قال الإمام الصادق! ما شاء الله ماذا قال الإمام السجاد! ما شاء الله ماذا في الصحيفة السجادية! ماذا دعا الإمام عند المرض؟ وماذا دعا في الصحّة والسلامة؟ يا له من كلام! نقول هذا ما شاء الله وينتهي الأمر، هذه ليست همّةً وهذه لا تدعى همّةً.

  • ما هو أساس العلاقة مع أولياء الله وما حدودها ومتى تنتهي؟ 

  • فمن يأتي إلى هذه المجالس ويأخذ المعارف ويفرح بها ويتابعها إلى أيّ حدٍّ يجب أن تكون متابعته؟ هذا هو المهمّ. فالذين كانوا يأتون إلى أولياء الله لم يكن تصوّرهم عن أولياء الله أنّهم أناسٌ بسطاء، كلاّ، بل كانوا يدركون تلك العظمة والأبّهة والجلال. 

  • وفي تجربتي الشخصيّة مع أولياء الله سواءٌ المرحوم الوالد أو السيّد الحداد أو غيرهما من الأعاظم كالشيخ الأنصاري وطبعًا كنت في مرحلة الطفولة، كان الذين يأتون يدركون العظمة كلٌّ بحسب تفكيره ومستوى فهمه ولم يكن الأمر أنّهم جميعًا يدركون بمستوى واحد ويعرفوا هذا العظيم بمستوى واحد ومنزلة واحدة، كلا فبعضهم كان يلفت انتباهه العظمة والجلال بواسطة علم الغيب الذي سمعه من هذا العظيم، وآخر بواسطة كيفيّة صلاته وعبادته، وثالث بواسطة كيفيّة توسّله، فهذا ما كنّا نشعر به آنذاك، وقد جرّبنا كلّ هذا وفي الأحاديث التي كانت تدور بينهم كنّا نلاحظ أنّ كلاّ منهم ينظر من نافذته الخاصّة، وفي زمان المرحوم العلامة كنّا نضحك أحيانًا أنّ هذا الإنسان إلى أيّ مستوى يعرف الوالد ويعرف واقعه؟! فكلّ إنسانٍ من زاويةٍ ومن نافذةٍ خاصّةٍ به كان ينظر إلى أعمال وأقوال ومنهج عظيمٍ من العظماء ومسلكه العلميّ والعمليّ، فبعضهم كان ينظر إلى كثيرٍ من الأعاظم من الناحية العلميّة ويثيرون اهتمامه بذلك.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

13
  • هؤلاء الناس كانوا يتعاملون مع الأعاظم بحسب قدراتهم المختلفة وإدراكهم المختلف، ولكنّ العلاقة مع واحدٍ من الأعاظم هي علاقةٌ ينبغي التسليم فيها أمامه والتعاطي معه بحسب تلك المرتبة والمقام والمنزلة، فالعلاقة مع إنسانٍ لديه مجموعةٌ من المعلومات هي علاقةٌ تقتضي مصاحبته لأخذ ما عنده من معلومات ثمّ بعد ذلك ينتهي الأمر، فلماذا يأخذه إلى منزله؟ ثلاث جلسات وأربع جلسات وعشر جلسات وشهر، يأتي الإنسان ويتحدّث ساعة أو ساعتين فإذا انتهى عمله تنتهي العلاقة، وليس بينهما عقد أخوّة، ولا مصلحة له معه. يرتبط به مدّةً ذاهبًا وآتيًا ثمّ ينتهي الأمر. فالعلاقة التي يقيمها تاجرٌ مع إنسانٍ هي بمقدار ما يتعاطى معه ذلك الطرف المقابل أيضًا، احترامٌ متبادل وذهابٌ وإيّابٌ وعلاقةٌ تحفظ العلاقات التجاريّة بين الطرفين. فلو أنّ ذلك الإنسان أقام علاقةً مع آخر لما عادت هناك حاجة للاستمرار بهذه العلاقة، العلاقة التي يقيمها الإنسان مع طبيب هي في حدود يتمكّن معها من معالجته، فإذا انتهى من علاجه فلماذا يذهب إلى عيادته؟ فالمريض هو الذي يذهب إلى العيادة والإنسان الصحيح لا يذهب، والعلاقة التي يقيمها إنسانٌ مع مهندس هي في حدود أن يرسم له خارطةً ويبني له بيتًا، ثم يودّعه وينتهي الأمر.

  • الكلام هو في أنّ العلاقة مع وليٍّ من أولياء الله ما هي حدودها؟ كم يمكنه أن يكون على علاقةٍ معه؟ فما هو حدّها ومستواها وما هي رؤية الإنسان لهذه العلاقة والتي يجب أن يحافظ الإنسان عليها؟

  • هذه العلاقة لا نهاية لها، العلاقة معه هي إلى حيث يشعر الإنسان أنّ هذا الولي للّه قد أوصله إلى المرتبة عينها التي هو فيها، هذه هي العلاقة، فإذا أوصله لم يعد هناك معنىً للارتباط أو عدم الارتباط فهناك اتّحاد، يعني هناك وليٌ واحدٌ للّه، عارفٌ واحدٌ بالله، إنسانٌ كاملٌ واحد. فعلى الإنسان في علاقته معه أن يكون بحيث يطبّق على نفسه كافّة تلك الأمور والخصوصيّات الموجودة في نفسه وفي ذهنه وفكره ومنهاجه والتي وصل إليها ولمسها وعاشها بوجدانه وشهوده. ماذا قال السيّد الحداد؟ قال: يا فلان لقد أعطيت كلّ ما لديّ إلى والدك، هذا هو معنى العلاقة.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

14
  • ماذا ينبغي أن نفعل لأجل هذا؟ على الإنسان أن يجعل نفسه بحيث يمكنه أن ينقل إليه تلك الأمور حتّى القطرة الأخيرة والمستوى الأخير، فلو جاء الإنسان وقال له: أنا أسلّمك نفسي بنسبة ثلاثين بالمائة، لما أمكنه أن يعطيه أربعين بالمائة، ولو قال: أنا في خدمتك بنسبة خمسين بالمائة، فهل يمكنه أن يعطيه ستّين بالمائة؟! إنّه يعطي ويعطي حتّى يتناسب العطاء مع الطلب. 

  • والذين كانوا يأتون إلى المرحوم العلامة كانت لهم مراتب مختلفة، كانوا عظامًا وعلماء وعلماء جدًّا أيضًا، ولكن كنت أرى في علاقتي معهم منذ ذلك الحين أنّهم كانوا يأتون إلى المرحوم العلامة كلّ أسبوعٍ ويتحدّثون ويأنسون ويشعرون بالحماس والشوق ويضحكون ويستفيدون ويغادرون بسرورٍ وشغف. ولكن لو نظرت في أعماق قلوبهم لرأيت الكثير من الأشياء يحتفظون بها، لو نظرت إلى أعماق القلب وكيفيّة الكلام وكيفيّة التعاطي لرأيت شيئًا آخر، وذات يومٍ قلت للمرحوم العلامة: هل الأمر هو هكذا؟ فقال: كلا لقد جعل فلانٌ عشرةً بالمائة من وجوده في اختياري، وأنا أعطيه عشرة بالمائة أيضًا. فكلّ هذه السنوات من العلاقة وكلّ هذا الذهاب والإياب وهذا الكلام والصعود والهبوط كان بنسبة عشرة بالمائة فما معنى ذلك؟ يعني أنّ المرحوم العلاّمة في كلامه لم يكن يتكلّم معه أكثر من عشرة بالمائة، فلم يكن يتجاوز الكلام عن نسبة العشرة بالمائة حتّى لا يتزلزل ويخرج عن طوره.

  • كان أحد هؤلاء من الأعاظم ولا يزال على قيد الحياة الآن، كان رجلاً فاضلاً وتقيًّا ـ طبعا سنتحدّث عن التقوى وقد كان هذا تقيًّا إلى درجة معيّنة وليست التقوى ما كنّا نعتقده إلى الآن وإن شاء الله سنتحدّث عن التقوى في الجلسات القادمة. وأنا عندما أتحدّث عن إنسان أحاول أن لا أبالغ وأغالي، هذا دأبي، لذلك أقول كان تقيًّا إلى حدٍّ ما ـ جاء إليه وكنت حاضرًا في تلك الجلسة الأولى فكان يقبّل باب البيت في طهران وجدرانه أيّام الحكومة السابقة، كان يقبّل الأبواب والجدران وباب الغرفة حتى وصل ـ وكان الفصل شتاءً وكنّا جالسين تحت الكرسي۱ ـ وكان كلامه ومواضيعه في البداية بنحوٍ من الإقبال ولكن هل كان في ذلك الحين مسلّمًا مائة في المائة أم لا؟ بل كان هناك حماسٌ وحركةٌ وحرارة فحسب، كم كانت تلك المسألة جادّة بالنسبة إليه؟ كم ؟ حينها قال المرحوم العلامة: بما أنّك جئت بهذه الطريقة فإنّنا نكشف واحدةً من الستائر، فأخذ يرتجف فجأةً وفرّ، إلى أين ذهب؟ كان في وقتها العلامة الطباطبائي رحمه الله وآخرون، وكان العلامة الطباطبائي معه هكذا لا أنّه يقول له كلّ شيء ـ نعم ربّما كان ذلك الأمر الذي أراد المرحوم العلامة أن يقوله له وذلك المنهج الذي أراد أن يبيّنه له أشدّ قليلاً وكان يريد أن يؤدّبه به ـ لماذا؟ لأنّه لم يرد أن يتخلّى عن أفكاره، لم يرد أن يتعرّى ويخلع قميصه ويقول: أنا لا أملك شيئًا من تلك الأفكار والعلوم والأمور.

    1. نوع من المدافئ القديمة يجلس الناس حولها ويجعلون أرجلهم تحتها (م) 

ستّ وصايا للطريق إلى الله

15
  • اهتمام بعض من يأتي إلى الأعاظم بعلم الغيب والقدرات النفسيّة

  • قبل مدّةٍ تحدّثت حول أمرٍ ما ـ لقد طرحته أيضًا في بعض الكتب ويبدو أنّه في الجزء الثاني من أسرار الملكوت، وعلى الرفقاء أن يعلموا أنّ هذه الأمور التي نطرحها هنا ليست لتمضية الوقت وهم يعلمون ذلك ـ وهو أنّ هؤلاء الذين بحثوا عن الحقيقة لا تظنّوا أنّهم كانوا بهذه البساطة، فبعضهم بحثوا في كلّ زاوية وعانوا المشقات واستقبلوا المصائب بصدورهم وخاضوا في التخلي عن النفس، فهذا كلّه له أهميّته ولكنّ هذا التخلّي عن النفس وهذا البحث والتوسّلات والهجرة وخدمة أصحاب خوارق العادات والقيام بالعبادات إلى أيّ حدٍّ كان مفيدًا لهم؟ في حدود النفس، لا في خارجها، في حدودٍ تسبّب لهم التلذّذات النفسيّة لا في حدودٍ تسلبهم هذه التلذّذات، الوصول إلى أمرٍ ما، الاطلاع على غيبٍ ما هو أمرٌ مهمٌّ للنفس يمكن أن يتجاوز الإنسان عن النعم الظاهريّة ولا يتجاوز عن هذا، أن يترك الأطعمة المتنوّعة واللذيذة وذات الألوان المختلفة ولكن لا يتخلّى عن هذا الاطلاع على الغيب الذي حصل عليه، لماذا؟ لأنّ المسألة خارقة، علم غيبٍ في النهاية، الآن يأتي إليّ إنسانٌ فأنظر إليه فأرى ما في قلبه، يقولون: إمّا أن نعطيك هذا أو تترك هذه الأطعمة الملوّنة، يقول لا آكلها آكل الخبز والجبن والخضار، فهذا الأطّلاع على الغيب لا يختلف عن تلك اللذائذ النفسيّة بشيء، كلاهما في مستوى واحد.

  • طبعًا هذا ليس أمرًا مهمًّا، الحصول على الاطلاع على الغيب، وشفاء المريض، وقراءة الحمد وإحياء الموتى، ومعالجة مريض السرطان الذي يئس منه الأطبّاء كلّهم بتفلةٍ واحدة ونفخةٍ واحدة، فهذا كلّه كان موجودًا وهذا صحيح، ولكنّه في حدود التلذّذ النفسيّ، فالنفس تأنس، النفس تأنس.

  • ما هو عمل أولياء الله؟

  • ما هو عمل أولياء الله؟ أن يأخذ هذه الالتذاذات النفسيّة ويعطي بدلاً منها التذاذًا ربانيًّا، نعطيك الله فماذا تصنع بعلم الغيب؟! سواءٌ علمت الغيب أم لم تعلم، لقد أدركت أنّك أنت جئت بهذه النيّة، إن كنت بهذه النيّة فماذا أصنع أنا؟ افترض أني جاء إليّ مريضٌ وقرأت له الفاتحة فشفي، فهل سيبقى معافى إلى يوم القيامة؟! كلا، اليوم يتعافى وغدًا تسقط على رأسه قطعة من الأحجار فينتهي، إن كنتَ صادقًا فاقرأ لنفسك فاتحةً لتنجو من عزرائيل، كلا يا عزيزي فهذه الفواتح وأمثالها كلّها ضمن ملفاتٍ خاصّة، إذا أراد أن يتجاوزها لم يسمح له، يقولون له لقد تجاوزت الحدّ فتنحّ جانبًا ، فلهذا حدٌّ وحساب.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

16
  • فهذا يأتي إلى السيّد الحداد والسيّد الحداد ليس من مستواه، لقد وصل السيّد الحداد إلى نقطةٍ وهو يقول: تعال لأوصلك إليها، آخذ منك هذا الالتذاذ وأجعل الله مكانه، أجعل الله في قلبك، حينها لن تتمكّن لا من الشفاء، أريحك من هذا الشفاء، فلا يأتي أحدٌ ويصطفّ أمام بابك هذا يقول: بطني تؤلمني، آه الزائدة تؤلمني، تستريح، فإذا رأى الناس أنّه لا يمكن أن تقوم بأيّ عملٍ يمضون وشأنهم ويتناولون أقراص الأسبرين ولا يمكنهم أن يفعلوا شيئًا، فأوّلاً تستريح من الناس، وثانيًا تتخلّص من تخيّلاتك، لقد صارت هذه مانعةً لك الآن، ما دامت موجودة فلن يأتي الله، إذا ذهبت الشياطين حلّت الملائكة، لقد تحوّل هذا التلذّذ النفسي بالنسبة إليك إلى شيطان، هذه اللذة صارت شيطانًا لك، أنت يا من يقول: أنا أغمض عيني فأرى الأرض كلّها هل فعلت شيئًا مهمًّا؟! فالقمر الصناعي أيضًا يرى الأرض كلّها، يرى نصف الكرة وفي الجهة المقابلة أيضًا قمرٌ آخر يرى النصف الآخر، نرسل قمرين يريان حتّى الحركة، يريان حتّى الحركة الضعيفة، فهل فعلت شيئًا مهمًّا إذ فعلت ذلك؟! غاية الأمر أنّ هذا القمر الصناعيّ المسكين لا ذنب له، إنّه حديد وألمنيوم وجهاز ومجموعة من الأسلاك لا ذنب له، وأمّا رؤيتك أنت فهي غولٌ وشيطانٌ ومانعٌ ولا تدعه يأتي إلى هذا المكان، فأعطني هذه لأعطيكه، فيرى أنّه لا يمكنه أن يعطي، فهل رأيتم؟! 

  • كلّ هذا الإنفاق وكلّ هذا البحث والهجرة والتوسّلات أوصلته إلى مكانٍ جعلته مقابلاً للّه ولم يتمكّن من الوصول إليه، حتّى الأئمة أيضًا يعطونه؟ ألم يعطوا؟ الأئمة يعطون الجميع، إن أردت هذا أعطيناك نحن نعطي، نحن بحرٌ، إن أردت كوب شاي أعطيناك كوبًا، وإن أردت محيطًا أعطيناك محيطًا، ولا تظنّ أنّه إذا أعطيناك محيطًا ينتهي محيطنا، إنّ محيطنا ليس كالمحيط الكبير وبحر قزوين وبحر عمان، محيطنا طرفه هنا وطرفه الآخر إلى حيث يمكن أن تسير، إلى القيامة، وإلى ما بعد القيامة أيضًا ، إلى عالم الجنّة، ولو طويت كلّ هذه العوالم فهو موجود ولا نهاية له، لا نهاية له أبدًا، إن أردت محيطًا أعطيناك محيطًا، الأمر يرتبط بالهمّة التي تمتلكها أنت تقول أريد كوب شاي فتفضل هذا كوب شاي، أنا أريد أن أعطيك كوبًا كبيرًا وأنت تقول: لا أريد، فقط أريد كوب شاي، حسنًا تفضل هذا كوب شاي. فأنا إذ جلست على شاطئ المحيط ليس للمكيال عندي حدٌّ إلا ما تريده أنت.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

17
  • السيّد الحداد عارفٌ والعارف لا يتنازل إلى غير الله، ألم يقل المرحوم العلامة: أنا لا أتنازل إلى غير سلمان، فالعارف لا يتنازل إلى غير الله، يريد أن يجعل الله بدلاً من ذلك، يريد أن يجعل الله فلا يعود لديك علم الغيب ولا طيّ الأرض، وقد ذكرت لكم أني كنت في إحدى الجلسات مع من يمتلكون طيّ الأرض فقلت لهم: لحسن الحظّ أنا لديّ طيّ السماء! فقالوا مثلاً: كم يستغرق الذهاب من هنا إلى مشهد؟ قلت ساعةً وعشر دقائق. فلم يلتفتوا إلى ما أقول. وكانوا من النوابغ ما شاء الله! ثم بعد أن التفتوا طأطؤوا رؤوسهم، قلت: اجمعوا أغراضكم إنّه يأخذ طيّ الأرض منكم ويأخذ علم الغيب ـ ما أقوله لكم أيّها الرفقاء أمورٌ أساسية ـ نأخذ منك الاطلاع على الغيب فإذا جاءك غدًا أحد لا تعود تدرك ماذا يجري في قلبه ولا تعرف ماذا سيجري غدًا، يأخذون منك كلّ شيء وتصبح للتوّ كالآخرين وحينها تستريح، لا أنّ الله لا يعطي ذلك، لو شاء الله لأعطاهم ولكنّه ليس أمرًا لازمًا ولا ضرورة له.

  • جاءني أحدهم قبل مدّةٍ ولن أذكر اسمه وقال: أنا سأموت وقد بحثت الدنيا كلّها وأمثال هذا الكلام وأريد أن أعطيك أنت وحدك هذا الأمر، فقلت: خذ هذا الأمر معك إلى قبرك فماذا أصنع به أنا؟ 

  • ـ لقد بحثت الدنيا كلّها... 

  • قلت: خذه معك إلى قبرك، اجعله في كفنك، فإذا استطعت في وقتٍ من الأوقات أن تمنع به سؤال منكرٍ ونكير فائتني به! فما هذا الكلام؟! 

  • لماذا يريد الإنسان أن يوجد لنفسه السلاسل والأغلال؟ لماذا يريد أن يربط في يديه ورجليه سلاسل وأغلالاً؟ لماذا يسعى لكي يرى شيئًا أو لا يرى؟ لماذا يسعى لكي يرى مشاهدةً أو مكاشفةً أو لا يرى؟ لماذا يسعى إلى المدارس التي تقول هذا وذاك وأنّه ماذا يحصل غدًا وماذا يحصل بعد غد، كلّ هذا هراء يا عزيزي، كلّ هذا هراء. عليك أن تنظر إلى الله فقط، إن أعطاك فبها وإلا فهو أعلم، ألسنا عبيدًا؟ فالسيد قد يجعل في جيب عبده مالاً في وقتٍ من الأوقات وقد لا يجعل، وسواءٌ جعل أم لم يجعل، فهل يصبح هذا العبد مالكًا شرعًا؟! في اللحظة التي وضع فيها السيّد هذا المال وأعطاه يمكنه أن يأخذه ولا يختلف الأمر بسبب النظرة التي ينظرها هذا العبد إلى نفسه والأمور كلّها من هذا النوع، كلّها هكذا. 

ستّ وصايا للطريق إلى الله

18
  • أعتقد أنّ الوقت قد انقضى والساعة تقريبًا الحادية عشرة والنصف فارحمونا قليلاً.

  • إلى أيّ حدّ كان يعرف المرتبطون بالأعاظم قدر أنفسهم لا قدر الأعاظم؟

  • هؤلاء الذين كانوا يأتون إلى المرحوم العلامة أو إلى السيّد الحداد، لم يكونوا من الذين لا يعرفون قدرهما، كانوا يعرفون قدرهما. ولكن إلى أيّ حدٍّ كانوا يعرفون قدر أنفسهم هم؟ كم كانوا قد وصلوا إلى قيمة أنفسهم، كم كانوا قد اكتشفوا الجوهرة الباطنية؟ هذا هو المهم. هذا وليّ الله حسنًا، كونه وليًّا للّه لا يعني أنّ الأمر قد انتهى، ما لم يصل الإنسان إلى تهيئة نفسه وهمّته واستعداده وثباته وتخلّيه فإنّ كون هذا وليًّا للّه لا يجدي شيئًا، هو في مكانه وجالسٌ في مكانه لذلك يقال"قلّل من البحث عن الماء ولكن زد الشعور بالعطش" لا تبحث عن الماء، في البداية يجب أن يظهر العطش عند الإنسان، وهو أيضًا يرويه بمقدار عطشه، إن كان العطش شديدًا أعطاه قربةً وإن كان العطش قليلاً أعطاه كوبًا، يقول له: عطشك بهذا الحدّ، طلبك بهذا المقدار، وسِعتُك هكذا.

  • ما هو السبب في ضعف الهمّة والبرود والتوقّف عن السلوك؟

  • لذلك فإنّ الكلام الذي سمعه الرفقاء من المرحوم العلامة حين كان يقول: الذين حصلت لهم مشكلةٌ لاحقًا كانت لديهم مشكلة من البداية. هذا هو معناه، فالذي يأتي من البداية لم تكن مشكلته أنّه لا يأتي، ولا أنّه لا يرى هذا عظيمًا ووليًّا. كلا، لكنّ المستوى الذي يعطيه من نفسه لم يكن كافيًا للوصول إلى هذا العظيم، جاء يقول: لنذهب إلى العلامة الطهراني ونستفيد وهو يستفيد أيضًا ـ المسألة المهمّة بالنسبة لنا هي هذه. وهناك مسألة أخرى ومستوى أعلى إن شاء الله في جلسة أخرى ـ ما هي مشكلتنا الآن والتي علينا أن نهتمّ بها هي هذه، فنحن لسنا ممن لا يعتقد بهذا الأمر، فلو لم نكن نعتقد به لما أتينا، فنحن نعتقد به، لا أنّنا لا نعتقد بهذه المدرسة. كلاّ، بل هي صحيحة. ولا أنّنا لا نرجّح هذا المنهج على سائر المناهج التي رأيناها وجرّبناها. كلاّ فقد رأينا هذا وجرّبناه، وكلّ إنسانٍ رأى حسب مستوى فهمه واستعداده وسعته، هذا كلّه صحيح. ونحن نستفيد أيضًا ولكنّ كلامنا في أنّه ما هو السبب الذي يجعلنا نأتي في البداية بحماس ونشاطٍ وشوق وأمثال ذلك حتّى إذا مضت سنةٌ أو سنتان أصابنا البرود شيئًا فشيئًا، ماذا حصل؟ ماذا حصل حتّى صرنا كذلك بدلاً من أن يتضاعف نشاطنا يومًا بعد يوم ويزداد أنسنا وعزمنا وإرادتنا وهمّتنا على الطريق، فأحيانًا يرى الإنسان أنّ هذا جيّدٌ وبعد مضي وقتٍ يسير دون تقدّمٍ، ومع استماع الكلام ومع أنّ فلانًا إنسان جيّد، نجد أنّ الأمر بدأ بالتناقص شيئًا فشيئًا وضعف الشوق وبردت الحرارة فما سبب ذلك؟ لأنّنا لم نمتلك صورةً صحيحةً وإدراكًا كافيًا عن حالنا وموقعنا أمام الطريق.

ستّ وصايا للطريق إلى الله

19
  • هل حصل يومًا أن شبعنا من الأطعمة التي نأكلها؟ هل حصل يومًا أن نقول لقد تعبنا فلن نأكل اليوم طعام الغداء؟ لماذا لم يحصل ذلك؟ لأنّ هذا الجوع أمرٌ حقيقيٌّ وليس بأيدينا، فعندما نتناول الفطور صباحًا ويقترب الوقت من الظهر وبسبب عمليّات الهضم التي تحصل في الجسم تحتاج الخلايا من جديد إلى الغذاء ويتحوّل هضم الطعام هذا إلى طاقة فتشعر الخلايا بالحاجة من جديد إلى الطاقة والفيتامينات وهنا شئنا أم أبينا نشعر بالحاجة إلى الطعام، وهذه الحالة يجب ان تكون دائمةً عند السالك ومستمرّة. الإحساس بالحاجة إلى المزيد من الإدراك، إلى المزيد من الإفاضة، الإحساس بمزيدٍ من الحركة بحيث يشعر دائمًا أنّه فقيرٌ أمام المسير الإلهي ومحتاج، لا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم الذي يشعر فيه الإنسان بالغنى والبرودة ، هنا يُدقّ ناقوس الخطر.

  • طبعًا لم ينته الكلام وهناك في هذا المجال أمور أخرى إن شاء الله نذكرها للرفقاء في الجلسات اللاحقة.

  • اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد. 

  •  

  •  

  •