138

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

6842
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتقوى ومراتبها

التاريخ 1428/01/22


التوضيح

لماذا تصدر من بعض العلماء أحكام وفتاوى مخالفة لواضحات الدين؟ وما صلة ذلك بالتقوى؟
هل لأعمال الرجل الآليّ قيمة؟ وهل للعمل في نفسه قيمة؟ وأين تكمن قيمة العمل؟
ما هي أنواع الدوافع إلى الأعمال؟ ومتى يكون العمل مقرّبًا إلى الله ومحصّلاً للتقوى؟
لماذا يدفع الرجل المهر إلى المرأة ولا تدفع هي المهر له؟
هل يجب على المرأة أن تطيع زوجها مهما أمر؟
هل يصحّ توكيل الزوجة بطلاق نفسها ضمن عقد الزواج؟
بدراسة هذه المحاور الأساسيّة وفروعها يتابع سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني رضوان الله عليه بيانه لكيفيّة تحصيل أوّل مراتب التقوى والتقوى في الفكر والخيال ضمن شرحه لفقرة فهذه أوّل درجة التقى من شرح حديث عنوان البصريّ.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

  • شرح حديث عنوان البصري - المحاضرة ۱٣۸

  •  ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

2
  •  

  •  

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين

  •  

  •  

  • قال الإمام الصادق لعنوان: فهذا أوّل درجة التقى. قال الله تعالى في كتابه:{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا...}۱. فهذه الأمور التي طرحناها حتى الآن هي أّوّل مرتبةٍ من مراتب التقوى.

  • كما ذُكر للرفقاء فإنّ التقوى تعني الصيانة والاهتمام بالعمل الصحيح بما يقتضيه التكامل والتقرّب إلى الله، وهذا الأمر تحدّثنا عنه إلى حدٍّ ما في الجلسات السابقة وذكرنا أنّ البعض يتصوّرون التقوى خطًا واشتباهًا بمعنى الزهد ويفهمون الزهد بمفهومٍ خاطئ، وأنّه بمعنى الاعتزال والابتعاد عن الأمور الدنيويّة والاشتغال بالعبادات الظاهريّة والقيام بالأعمال الزائدة، فهذه مراتب الزهد وكلّ من كان أكثر توفيقًا في ذلك فهو أكثر زهدًا وقربًا وبالتالي أكثر تقوى، وكلّ إنسانٍ لا يُشاهد فيه ذلك الاهتمام والحرص والكثرة فهو غير زاهدٍ، وغير متوجّهٍ ومهتمٌّ بأمور الدنيا وإنسانٌ لا يبالي بمآله ومرجعه.

  • هل للعمل قيمة في نفسه؟ ومن أين يحصل على القيمة؟

  • لقد وصل الكلام إلى هنا، وأنّ الأفعال والأعمال التي نقوم بها ليست في حدّ نفسها ذات قيمة، وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا يجب أن نصبّ عليه كامل تركيزنا واهتمامنا، فالعمل بنفسه لا يمكن أن يكون له في وقتٍ من الأوقات أيّة قيمةٍ واعتبار، لماذا؟ لأنّ العمل عبارةٌ عن حركاتٍ وسكنات تعرض أعضاءنا وجوارحنا وتغيّر هيأة وضعنا من حالةٍ إلى أخرى. فأنا الآن جالسٌ هنا، هيأتي الوضعيّة هي بهذه الحالة وأنّي جالس على منبرٍ من درجتين أتكلّم معكم، يمكنني أن أنزل عن المنبر وأقف ثمّ أتكلّم معكم، فهذه الحركة حركةٌ ظاهريّة لا يترتّب عليها أيّ أثر، والعمل الذي يؤدّيه الإنسان يمكن أن يؤدّيه تمثالٌ أو رجلٌ آليّ وبصورةٍ أدقّ وأفضل ومن دون خطأ، فالآن في كثيرٍ من المصانع في العالم صاروا يستفيدون من هذه الوسائل المعاصرة بدلاً من الإنسان، وهي لا ترتكب بالطبع الأخطاء التي يرتكبها الإنسان، بل تعمل ما يُطلب منها وفق البرنامج الذي تُعطاه، فتضع ذلك اللولب في مكانه وذلك المفتاح في مكانه، ثمّ ترون أنّه صار لدينا جهازٌ بدقّةٍ عاليّة وخصوصياتٍ رفيعة من دون أن يتدخّل الإنسان، بل لم يكن هناك أيّ صلةٍ بينه وبين الإنسان، فهل أنتم ترون قيمةً واحترامًا لعمل الرجل الآليّ هذا؟ وهل تعظّمونه وتقفون أمامه وتشكرونه أن: شكرًا لك على صناعتك هذا الجهاز لنا. فهو لا يُدرك أصلاً ما تقولون، إنّه جمادٌ لا فهم له ـ التفتوا جيّدًا إلى أين أريد أن أصل ـ لا يُدرك شيئًا والحال أنّه يقوم بهذا العمل بما هو أدقّ مني ومنك، ربّما نحن لا نشدّ بعض اللوالب بشكلٍ جيّد وتبقى رخوةً ومع مرور الزمان تسبّب وقوع حادثٍ أو أنّنا نشدّ بعضها كثيرًا فتسبّب تشقّقًا وكسرًا في الجهاز، ثم ومع مرور الزمان يسقط ويسبّب مشكلة وأنتم ترون الآن ماذا يحدث فالسائق يقود سيّارته وفجأةً نجد أن سيّارته تسير نحو الهاوية، نحن نقود السيّارة في هذا الاتّجاه وهي تقول: كلا أريد أن أذهب في ذاك الاتّجاه، أحيانًا يحصل هذا والظاهر أنّه هكذا، ولكن الرجل الآليّ لا يمكنه أن يفعل ذلك بل يؤدّي تلك المسؤولية التي أوكلت إليه بدقّة. 

    1. سورة القصص، الآية ۸٣

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

3
  • لا قيمة بالنسبة إليه للعمل في نفسه، فالعقلاء لا يرون قيمةً لهكذا عملٍ يصدر عن هذا الرجل الآليّ وهذا التمثال، وإن كان لا بدّ من شكر فهو للمبرمج والمهندس وصاحب الحياة والإدراك، ذلك الذي يجلس خلف الطاولة ويخطّط، وبتخطيطه يصدر هذا العمل، فهو الذي يُشكر لا هذه الرجال الآليّة التي تقف هنا مائة سنة، وهناك سكّةٌ تمرّ من أمامها فيقوم كلّ واحدٍ منها بعملٍ ثمّ ينتهي الأمر، فلا يأتي أحدٌ ويقف على تلك السكّة ويشكر هذه الآلات: شكرًا جزيلاً لكم؛ لقد وصّلتم الأسلاك بشكلٍ جيّد، شكرًا لكم؛ لقد لحّمتم بشكلٍ جيّد، شكرًا لكم؛ لقد ركّبتم اللوالب بشكلٍ جيّد. فبدلاً من هذه المائة شكر شكرٌ واحدٌ لمن هو جالسٌ خلف الطاولة. لماذا؟ لأنّه حيٌّ، هو يُدرك، هو صاحب شعور وإدراك وحياة، لقد قام بهذا العمل عن فهمٍ وإرادةٍ واختيار إن كان يستحقّ الشكر، وإن كان يستحقّ الذمّ فإنّه يُنتقد ويُسبّ ويُشتم، فمن يصنع القنابل ويُهلك البلاد ويُفسدها ويدمّرها فلا أحد يشكره بل يُلعن ويُشتم ويُسبّ فلكلّ شيءٍ مقامه المناسب.

  • فالعمل في حدّ نفسه إذن ليس سببًا للمدح أو الذمّ في نظر العقلاء، فلو كان العمل ذا ظاهرٍ جميل ولكن لم يكن وراءه فهمٌ وإدراك فهو لا يُوجب الذمّ، ويمكن لمجنون أن يمدّ يده إلى جيبه ويساعد فقيرًا ولا يعلم من هو هذا الفقير وكم هي المساعدة التي قدّمها وما هي المصالح الناشئة عنها، بل هناك توهّمٌ وتخيّلٌ حاكمٌ عليه ولا أحد يعرف بهما، وهذه الأمور التي تُكتب في الكتب لا يُعلم صوابها، ولا يمكن لأحد أن يكون في مكان ذلك الإنسان المصاب بالاختلالات ليعرف بدقّةٍ ما هي الأمور التي يعيشها، فهذه الأمور لها بعدٌ باطنيّ وينبغي أن يُسأل عنها أهل الباطن.

  • وعل كلّ حال ومن وجهة نظرٍ عرفيّة وحسب المعايير العرفية فإنّ العمل الذي يؤديه مجنونٌ ما لا يختلف عن العمل الذي يؤديه رجلٌ آليّ، لماذا؟ لأنّه من وجهة نظرٍ عقليّة ليس وراء هذا الأمر فهمٌ وإدراك بل هو عملٌ محض، فلو أنّ إنسانًا نظر من بعد مترين أو ثلاثة أمتار إلى هذا المشهد لرأى إنسانًا منظّمًا ومرتّبًا أدخل يده في جيبه أمام الفقير، وأعطاه مقدارًا من المال ولا يعلم أنّه مجنون، فيمدحه ويُثني عليه ويحترمه في باطنه، والحال أنّه لا يستحقّ ذلك. تمامًا كما لو صُنع في هذا العصر رجلٌ آليّ يقوم بدقّة بأعمالٍ شبيهةٍ بأعمال الإنسان ـ ألا يصنعون ذلك الآن؟! ـ فهذه المجسّمات التي يصنعونها كالإنسان تمامًا ولا يدري الإنسان هل هي إنسانٌ أم تمثال؟ فإذا مضى التفت أنّه ينظر إلى جهةٍ واحدة فيُدرك أنّه تمثال مثل التماثيل التي توضع في متاجر الألبسة، وقد رأيت بنفسي في أحد البلدان عندما ذهبت إلى متحفٍ ودخلت إلى باحته فلم ألتفت أنّ هذه تماثيل، وظننت أنّها أناسٌ أجلسوا هنا يمثّلون واقعةً معيّنة، حاكم رئيس وزير... فقد كانوا شبيهين بالإنسان الحقيقيّ إلى حدٍّ كبير، تمامًا كالأزهار الاصطناعيّة، أرأيتموها أنا أسمّيها أزهارًا مزوّرة. هذه الأزهار التي تباع في المحلاّت والتي لا يعرفها الإنسان على حقيقتها ما لم يمسّها بيده ويشمّها بأنفه، بل حتّى لا يعرف ما إن كانت الرائحة الموجودة فيها منها حقًّا وواقعًا أم لا؟ هي مجرّد زينة ومجاز وظاهر. التفتوا جيّدًا! فهذه أمور يجب أن ننتهي بواسطتها إلى النقطة التي هي الهدف في هذه المسألة. لذلك فإنّي أكرّر دائمًا الأمثلة حتّى تكون أذهان الرفقاء أكثر أنسًا بالأمر ـ فعندما ذهبنا وتقدّمنا ودقّقنا التفتنا إلى أنّ الأمر ليس هكذا، فلا يمكن لإنسان أن يجلس هكذا مدّة خمس دقائق بشكل هادئ وينظر إلى ذلك الرجل، فإنّه يرمّش بعينيه ويتحرّك ويتنفّس، ولكنّ هؤلاء لا كانوا يتنفّسون ولا يرمشون بأعينهم، فقط كانوا قد زيّنوا الظاهر بحيث أنّ الإنسان ما لم يأت ويكون قريبًا منهم ويمسّهم فإنّه لا يدرك أنّ هذا مجرد مظاهر ومجاز. 

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

4
  • والآن سؤالي هنا أنّه عندما ندخل إلى جوّ كهذا فإنّ تصوّرنا عن هذه الحالة التي نراها هو تصوّر طبيعيّ، فإنّا نضبط أنفسنا ونلتفت إلى أن لا يصدر عنّا خطأ، نلتفت فإنّهم ينظرون إلينا، ولكن لو كان بدلاً من هؤلاء عدد من التماثيل فكيف كنت ستصنع؟ والآن لماذا عندما تتصرّفون أمام إنسان تلتفتون إلى حركاتكم وسكناتكم فلا تتفوّهون بكلام خاطئ ولا يصدر عنكم عمل خاطئ؟ لأنّ هناك إنسانًا حيًّا أمامكم، ولكن ما إن تلفت أنّك مشتبه وأنّ ما أمامك مجسّمات، تقفز في الهواء قفزتين مسرورًا، وتتغيّر تلك الحالة النفسيّة وطريقة التفكير والحالة التي كانت لديك في البداية وتصبح شخصيّة ثانية، شخصيّة هي أمام مادّة البلاستيك لا أمام إنسان، الشخصيّة التي تكون أمام الحجر والجصّ والحديد والصخر والكلس والتي لا قيمة لها، فالبلاستيك لا قيمة له. 

  • هذا العمل وهذا التغيير هو بواسطة التغيير الحاصل في فكركم ومخيّلتكم بالنسبة إلى الحالة الجديدة التي أنتم فيها، وهي ناشئة من الحياة، ما إن ترون هذا العمل الذي يقوم به التمثال بواسطة التيّار الكهربائي الذي يمرّ فيه والمحرّك الذي جعل في داخله، والأسنان واللوالب المثبتة فيه، فإنّه فجأة يفتقد القيمة التي فيه، نعم أنت تتعجّب من العمل نفسه لا من العامل، عجيب كيف يحمل بدقّة هذا الكوب الصغير، ويأخذ الإبريق الزجاجيّ ويسكب منه الشاي في هذا الكوب ويقدّمه للإنسان فيتناوله الإنسان! فهذا العمل موضع تعجّب للإنسان، ولكن لا يلتفت الإنسان أبدًا إلى العامل الذي يقوم بهذا العمل. لماذا؟ لأنّه ميّت، ولا قيمة للميّت. جماد، والجماد لا قيمة له. ولو قام به إنسان بدلاً عنه فإنّك تشكره عندما تأخذ منه كوب الشاي قائلاً: شكرًا هذا من لطفك. ثمّ تأخذه، وما ذلك إلا رعاية لهذه الخصوصيّة. 

  • فإذن العمل في حدّ نفسه لا قيمة له أبدًا، القيمة المترتّبة على العمل هي بسبب هذه الخلفيّة والأساس، والتي يتحقّق العمل من خلالها في الخارج. وتلك الخلفيّة هي عبارة عن النفس والفكر والإرادة والاختيار والتي أظهرت هذا العمل في هذا الوقت، فهذه هي خلفيّة أعمال الإنسان. 

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

5
  • وبناء على ذلك وبمقتضى الفلسفة الوجوديّة للفعل والعمل في الخارج، فإنّ التفات الإنسان في الأعمال والأفعال الخارجيّة إنّما ينصبّ على الخلفيّة والدافع لا على نفس العمل الذي يتحقّق الآن في الخارج. والآن علينا أن نرى ما هي تلك الخلفية الكامنة وراء هذا العمل الخارجي؟ وكيف هي؟ وما حالها؟

  • ما هي الأنواع المختلفة لدوافع الأفعال؟

  • لقد بذل الأنبياء والأئمة وأولياء الله كامل هممهم ومساعيهم ودعواتهم وعملهم وإرشادهم لكي يرتقوا بتلك الخلفية الداعية إلى العمل من المرتبة الدنيئة إلى المرتبة الرفيعة ويكمّلوها ويرفعوها، تلك الخلفيّة التي يتحقّق عمل الإنسان بها في الخارج، فتارةٍ يقوم الإنسان بعملٍ على أساس الخيال فيتخيّل ولكن لا حقيقة، على أساس الوهم، يتخيّل أنّ هذا الإنسان عدوٌّ له فيتوجّه نحوه منازعًا محاربًا في عالم الخيال، والحال أنّ هذا الإنسان محبٌّ وصديق أخبروا عنه كلامًا خاطئًا فبدأ شيئًا فشيئًا بالتخيّل والتوهّم بغير تحقيقٍ وتأمّل، جاء واحدٌ ثمّ جاء آخر وغيرهما فاجتمعت القرائن وغطّت على وجوده ستارةٌ من الغفلة والإشاعات والإعلانات والتخيّلات حتّى غرق فيها وأخذ يجمع حوله التكتّلات، ثمّ ومن هناك يبدأ باتّخاذ القرارات، وفي المقابل يبدأ ذاك بالمواجهة، يبدأ بالسّباب، يبدأ بكتابة المقالات في الصحف ويبدأ بالتكلّم عنه في الراديو والتلفاز ، ويبدأ بالكلام هنا وهناك مع الأصدقاء والأقارب.

  • كلّ ذلك من أجل تلك الستارة التي أحاطت به، فأخذ يعمل على أساس تلك الأكاذيب التي نقل كلٌّ منها أمرًا ما ولم يكن لها حقيقةٌ أبدًا، ولم يسمح لنفسه أن يبحث ويحقق في هذا الكلام الذي جاء متتاليًا واجتمع معًا وألّف كلمةً هي "عدوّ" حيث جاء أحدهم بحرف العين، وآخر بحرف الدال، وثالث بحرف الواو، فصارت "عدوّ"، صار أمامه "عدوّ" دون أن يبحث في هذه العين التي جيء بها، وقبل أن تأتي الدال كان عليك أن تبحث وتحقّق قبل أن تصل الدال، لقد تركت تلك العين تستقرّ في قلبك ـ المسألة مهمّة جدًا ـ لقد استقرّت هذه العين في وجودنا وفُسح المجال لكي تأتي الدال وتستقرّ إلى جانبها والناس ليسوا صنفًا واحدًا يحاسبون الإنسان ويدقّقون معه ويصفّون حسابهم ، لديهم حبٌّ وبغض ولا دين لهم أصلاً ولا التزام، أصلاً ليس لديهم التزام.

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

6
  • كنت جالسًا ذات يومٍ في المنزل فقيل لي لقد جاء فلانٌ من مكان كذا يريد الحديث معك، فقلت لديّ درسٌ اليوم إن شاء فليأت في يوم العطلة فلا بأس، وتقرّر أن يأتي بعد يومٍ أو يومين، ولمّا جاء وشرع بالحديث معي ومنذ البداية بدأ بإطلاق الصواريخ، فلان كذا وفلان كذا وفلان كذا... وأنا كنت أضحك وأضحك. فقال: لماذا تضحك؟ 

  • فقلت له: أنت عليك أن تقول، فأنت تتحدّث في النهاية ولست تنتظر أن تسمع فلتتكلّم. واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستّة، فتكلّم وتكلّم حتّى تعب. فقلت: الآن من أين نبدأ من بين الكلام الذي قلته من أين نبدأ؟ ثمّ قلت: فلنبدأ من البداية من كلامك الأوّل. فقلت له: هذا الكلام الذي تقوله ممّن سمعته؟ 

  • قال: من فلان.

  • فقلت: إنّه لم يرني حتّى الآن أصلاً.

  • فبهت وقال: لم يرك أصلاً؟ 

  • قلت لا: أنا لم أوفّق إلى الآن لزيارته ولم يرني أصلاً، فبما أنّه لم يرن فمن أين جاء بهذا الكلام؟ فما إن قلت ذلك نسي أن يسأل عن سائر الأمور، قلت: فلننطلق إلى الأمر الثاني.

  • فقال: لا يكفي هذا في أمان الله. وأغلق الباب ومضى.

  • فالأمر بنحوٍ يجعل الإنسان يتحيّر من أنّ هذا التخيّل من أين جاء؟ لقد خلق الله الإنسان عاقلاً والفرق بين الإنسان والحيوان في قوّته العاقلة، قد مضى على عمرك ستون عامًا ثمّ تأتي وتقول هذا الكلام هكذا، لماذا لم تفكّر قبل أن تأتي وتتلوّث نفسك بواسطة تلك الصورة الملكوتيّة والبرزخيّة التي أوجدتْها هذه الأمور والأحداث؟! فالآن نفسك صارت بهذه الحالة فتأثّرت وتلوّثت، أليس خسارةً أن تقضي هذه الأشهر في هذه الحالة من التلاطم، وتُصَوِّرَ من إنسانٍ ما كابوسًا في نفسك وتقضي معه الليل والنهار في حالة قتال وصراع فبدلاً من ذلك لو أتيت من اليوم الأول وقلت هناك كلام كهذا، حسنًا هذا الأمر كذا وذاك كذا وينتهي الأمر، فلا يصل الدور إلى الأمر الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس و... 

  • فإذن التخيّلات والتوهّمات هي التي تحيط بجوانب الإنسان كالقطرات فلا يبقى له بدّ من التّماسّ معها، فإمّا أن يعيش في غارٍ في الصحراء بحيث لا يرى أحدًا لا جارًا ولا قريبًا ولا أخًا ولا أختًا ولا أمًّا ولا عمّة ولا شريكًا ولا صديقًا ولا معارف؟ وهذا تقريبًا مستحيل، وإمّا أن يحافظ على حالته الخاصّة فلا يتأثّر بالآخرين ومهما كان الآخرون فلأنفسهم. لقد قلت ذات يوم: إنّ البعض يريدون أن يفهموا فيبحثون عن الحقيقة، والبعض يريدون أن لا يفهموا. فلدينا نوعان: بعضهم يبحثون عن الحقيقة يريدون أن يروا أنّ هذا الأمر الذي سمعوا عنه هل هو صحيحٌ أم لا؟ هل هو حقيقيٌّ أم لا؟ هل له تحقّقٌ في الخارج أم لا؟ ما هو أساس هذه المسألة؟ هذا الكلام الذي يُطرح حول فلان إلى أيّ حدٍّ هو صحيح؟ هل لديه القابليّة لهذا الأمر؟ أم أنّ هناك غلوًّا وإفراطًا في حقّه، وهذا الإفراط يؤثّر في نفسه، وتتغيّر حالته بالنسبة إليه. فعندما يرى الإنسان أن واحدًا ما له مقام وله مرتبة معيّنة وله عظمة وأبّهة فإنّه وإن لم يتعاط معه يعظّمه في نفسه، هو جالس في بيته وما إن يذكر اسمه حتّى يعظّمه ويخشع أمامه، وهذا التعظيم والخشوع ما دام في النفس، وإن كان مضرًّا بالنسبة إلى بعض حالات الإنسان ولكنّه ليس إلى ذلك الحدّ الذي يترتّب عليه مسائل أخرى لاحقًا، وأن تُلقى من ناحية هذا الإنسان بعض الأمور، وتستقرّ في نفس الإنسان بسبب هذا التوجّه وهذا الخشوع فيسير الإنسان شاء أم أبى في طريق لا حقيقة له، لأنّ في نفسه حالة من العظمة تجاه هذا الرجل، وحالة من التعظيم. فبعضهم يبحثون عن الحقيقة وينظرون هل هذا الكلام الذي يقال حول فلان صحيح أم لا؟ 

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

7
  • كيف كانت مواقف وشخصيّة والد العلاّمة الطهراني؟ وهل كان يوافقه في جميع أفكاره؟

  • لا أدري ما إن كنت ذكرت هذا الأمر للرفقاء أم لا؟ فقد طرحت يومًا ما أمرًا يرتبط بالمرحوم جدّنا والذي كان رجلاً عظيمًا جدًّا، وكنت أسمع حوله أمورًا سواء من المرحوم العلاّمة أم من غيره، وواقعًا كان رجلاً عظيمًا. وكان من الذين يمكن أن أقول عنهم بصراحة: إنّهم وقفوا حتّى النفس الأخير في مواجهة النظام الجائر في زمان الاختناق الفهلويّ أيّام رضا شاه، ولم يسمح بأيّ شكل من الأشكال أن ينفَذُوا بأعمالهم ونواياهم ومقاصدهم المشؤومة الاستكباريّة إلى محيط نشاطه وعائلته والأفراد المرتبطين به. وكان رجلاً عجيبًا جدًّا، وثابتًا في الدين، وكان يقف عند الأمر الذي يلتفت إليه، وكان متمسّكًا بقوّة وعجيبًا جدًّا في هذا الجانب. 

  • أذكر أنّي ذهبت يومًا إلى منزل أحد الأرحام والأقارب المقرّبين، فرأيت صورته في رفّ داخل ذلك المنزل، في السنة نفسها التي جاء فيها أستاذ المرحوم الوالد السيّد الحدّاد إلى إيران، حيث ذهبنا برفقته لتناول طعام الغداء في منزل أحد الأرحام وكنت صغيرًا حينها في الحادية عشرة. وأذكر بشكل دقيق أنّه دخل إلى تلك الغرفة وما إن وقعت عينه على هذه الصورة قال: من هو هذا يا سيّد محمّد حسين؟ من هو؟ ووقف هكذا متأمّلاً. فقال له: إنّه المرحوم الوالد. 

  • عجيب عجيب! يا له من رجل عظيم، يا له من رجل ذي ثبات وصلابة، ائتني بصورة له إذا رجعت لآخذها معي. ثمّ عندما تشرّفنا بزيارة العتبات بعد تلك السفرة أثناء حياته رأيت صورة جدّي في بيته، وطبعًا لم يضعها في الغرفة الأساسيّة، بل كان يحتفظ بها في مكتبة في الغرفة المجاورة. 

  • كان رجلاً عظيمًا، ولكن ما كان يشغل بالي دائمًا كحفيد له هو أن أعرف أنّه في أيّة مرتبة كان وهل كانت جميع أموره صحيحة؟ ألم يكن لديه خطأ من الناحية الفكريّة؟ ألم تكن لديه توهّمات وتخيّلات؟ وهل كانت جميع أفكاره صحيحة؟ وجميع أعماله صحيحة؟ ثمّ سمعت لاحقًا أنّه كان لديه كلام حول بعض الأمور، فمثلاً كان يخالف مسائل العرفان، وكان يرى أنّ بعض أمور العرفان مختصّة بالأئمّة حتّى إنّ المرحوم العلّامة نفسه كان في شبابه يناقشه في هذه المسائل، كان يناقش والده، ثمّ جئنا وتحدّثنا وحقّقنا أكثر، وذات يوم سمعت في جملة كلام المرحوم الوالد مع أحد الأقارب فقال فجأة أمرًا ما ـ وكنت أسمع من باحة المنزل ـ يقولون إنّا لا نوافق على هذا الأمر! لو كنت أنا لفعلت هذا! وما إن سمعت هذا الكلام وكنت مشغولاً بسقي الزهور والزرع في الحديقة حتّى توقّفت وقلت ما هي حقيقة المسألة؟ التفتّ إلى أنّه هناك أمر كهذا، هناك مشكلة، وأنّه كان له هكذا نحو من التفكير في هكذا أمر. وكان الموضوع يرتبط بمهر السنّة. 

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

8
  • لماذا جعل النبيّ مهر ابنته مهر السنّة؟

  • والرفقاء على اطّلاع على الأمر وقد سمعوا أنّ رسول الله قد جعل مهر السيّدة الزهراء سلام الله عليها خمسمائة درهمًا ثمن الدرع، عندما قال لأمير المؤمنين: يا عليّ ماذا لديك من مال الدينا؟ فقال أمير المؤمنين: عندي درع وسيف. فقال النبيّ إنّ عليك أن تحتفظ بالسيف للجهاد في سبيل الله ونشر الدين وأمّا الدرع فلا! فلو لم يكن لديك درع فلا مشكلة ـ هذا ما أقوله أنا طبعًا ـ فلو أصابك سهم فلا بأس، ولو ضربك سيف فلا بأس، ولو كسر كتفك مثلاً فلا بأس. ۱ ألم يحصل ذلك؟! لقد أصيب أمير المؤمنين في معركة أحد بتسعين جراحة، فلو لم يكن لديك درع فلا بأس، فهذا هو الموجود في المعركة، إنّهم لا يقدّمون الحلوى فيها، بل هناك رماح وقنى وسيوف وفؤوس وأمثال ذلك. 

  • فقال أمير المؤمنين حاضر، سأحتفظ لنفسي بالسيف ـ وهذا ما أقوله أنا طبعًا هو لم يقل حاضر هكذا نحن نعبّر بذلك ـ نعم أيّها النبيّ ولو طلبت السيف أيضًا لقدّمته. أنا لا أريد السيف لنفسي. نحن الذين نفكّر هكذا وهو خطأ. كلا! لقد قال أمير المؤمنين سأحتفظ بالسيف وأقدّم الدرع. فانظروا إلى النبيّ بماذا يفكّر ونحن في هذه الدنيا بماذا نفكّر؟ مهر نسائنا وبناتنا ألفان من النقود الذهبيّة وثلاثة آلاف، شاحنة، فماذا في النهاية؟ ما معنى هذا؟ ما هذا الكلام؟ بماذا يفكّر النبيّ؟

  • إنّه يفكّر بإيجاد صلة وارتباط روحيّ بين شخصين يريدان أن يدخلا هذا العالم.

  • لماذا على الرجل أن يدفع المهر للمرأة عمومًا؟

  • لقد كنت أفكّر ذات يوم في نفسي أن ما معنى المهر أصلاً؟ والآن هذا السؤال لا يزال مطروحًا عندي؟ فما معنى أن يأتي رجل ما ويقدّم للمرأة مهرًا؟! من قال ذلك؟! فلتدفع النساء مهورًا للرجال! والآن في كثير من البلدان بدلاً من أن يذهب الرجل لخطبة الفتاة تأتي الفتاة لخطبة الشابّ، في كثير من البلدان، فهذا ليس أمرًا غريبًا، يتعارفان ثمّ يتزوّجان. يكون الأمر في البداية كصداقة ثمّ ينتهي إلى الزواج وهذا أمر طبيعيّ ومتعارف. فما هو السبب الذي يوجب على الرجل أن يعطي المرأة مهرًا؟ ولماذا؟ وواقعًا لو حلّلنا هذا الأمر من الناحية العقلائيّة فإنّ الرجل يعيش حياته والمرأة تعيش حياتها أيضًا، وفوق ذلك فإنّ الرجل يؤمّن مصارف المرأة، فقد قال الإسلام إنّ مصارف المرأة على الرجل، مسكنها على الرجل، حياتها على الرجل، سفرها على الرجل، ثيابها على الرجل، حياتها على الرجل، بمقدار ما يستطيع ويملك ولديه من الإمكانات. فإذن لماذا لا تعطي المرأة المهر للرجل؟ وعليه هو أن يعطيها؟! يخرج ويعمل ويأتي بمهر للمرأة؟! كيف يمكن أن نفسّر ذلك في النظام الإلهيّ؟ في النهاية هذا سؤال. ولكنّ لهذا السؤال جوابًا؟ وجوابه هو هذا: 

    1. . الكافي، ج ٥، ص ٣۷٦.

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

9
  • بماذا يفكّر النبيّ؟ فحين يقول لأمير المؤمنين تعال وادفع مهرًا، عليك أن تدفع مهرًا، فما معنى ذلك؟ يريد أن يقول هذا: يا عليّ إنّ طاعة الزوج واجبة على المرأة، على المرأة أن تطيع زوجها. وطبعًا في الموارد التي لا تؤدّي إلى مخالفة الله. فلو أمر رجل امرأة بأمر مخالف لحكم الله، يحرم على المرأة أن تطيع، وفي غير هذه الحالة طاعة المرأة للرجل واجبة. وحيث إنّ الطاعة صارت واجبة وقد جاءت هذه إلى منزلك، جاءت إلى كنف حمايتك، جاءت إلى ظل طاعتك، فعليك أن تقدّم لها هديّة، عليك أن تجذبها بكلام جميل، بابتسامة، بضحكة، لا أن ترفع العصا فوق رأسها قائلاً: عليك أن تطيعي وإلا ضربت بها رأسك. 

  • هل على المرأة أن تطيع الرجل مهما أمر؟

  • كلاّ ليس لدينا شيء من هذا! من قال ذلك؟ ما هذه الخزعبلات؟! ما هذا الكلام الذي نسمعه أحيانًا من أنّ على المرأة أن تطيع زوجها مهما أمر، والزوج من جهته يفعل ما يشاء ويخطئ ما يشاء! كلاّ ليس الأمر هكذا، كلّ هذا خرافات، بل في حدود شؤون الحياة وبأخلاق وأسلوب يؤدّي إلى الوئام في الحياة والاستمرار فيها، لا أن يؤدّي إلى الفراق والانفصال وقطع الأرحام والقضاء على المعنويّات والقيم، أفبمجرّد أنّه رجل يفعل ما يشاء وبأيّ طريق أراد وعلى المرأة أن تطيع على هذا النحو؟! هذا الرجل خارج عن حدود الطريق والمسار العقلائي. الموجود في الإسلام هو هذا، أن يجعل الرجل المرأة تحت حمايته وتحت كفالته وتحت رعايته، غاية الأمر أن يكون ذلك من البداية وحتّى النهاية بابتسامة وضحكة ومحبّة وعطف، ولأجل ذلك فهو يقدّم هديّة وعربونًا ووردة. 

  • إذا أراد الرجل الآن في بعض البلدان أن يتزوّج فإنّه يقدّم وردة كمهر للمرأة، أو أيّ شيء يحبّه، شيء يعدّ مهمًّا لديه، مثلاً شيئًا وصله من آبائه فيقدّمه هديّة. وقد كان هذا الأمر في صدر الإسلام وفي زمان النبيّ، حيث كانوا يجعلون مهور النساء التعليم، تعليم القرآن، تعليم الصلاة، حتّى أنّ ذلك كان كامل المهر، وهذا بنفسه له قيمة وله أهميّته من الناحية القانونيّة. وليس صحيحًا ما يقال من أنّ المهر يجب أن يكون محدّدًا من حيث قيمته الماليّة، فهذا غلط وليس لدينا دليل على ذلك، بل يجب أن يكون محدّدًا ومعروفًا من الناحية القانونيّة، فمثلاً يقول: أنا أجعل المهر تعليم القرآن أو تعليم الصلاة أو تعليم العبادات، فتقبل المرأة بذلك فهذا لا إشكال فيه، ثمّ لا يترتّب على ذلك مال. أو أن تعطي قلمًا أو خاتمًا أو شيئًا لا تعلم كم هي قيمته من الناحية الظاهريّة، فلا يشترط أن تذهب إلى السوق وتقيّمه وتسأل كم قيمة هذا الخاتم؟ لتجعله مهرًا، بل يجب أن يكون المهر نفسه معلومًا، فالمهمّ هو كونه معلومًا بنفسه لا أن تكون قيمته معلومة، بل يمكن أن لا يكون له قيمة أيضًا، ويمكن أن تكون قيمته عشرة توامين. فإذن ما ترونه من أنّهم يقولون أحيانًا إنّه يجب أن تكون القيمة الماليّة محدّدة، فلو كان يريد أن يعطي ذهبًا معيّنًا مثلاً فيذهب إلى السوق ويقيّمه، كلاّ لا وجود لهذا. نعم عندما يقول: أعطي هذا المقدار من الذهب فيجب أن يكون معلومًا ما هو عيار الذهب وكم هي كمّيته. فهذا ما يرتبط بهذا الأمر. ولكن إذا تعلّق المهر بأمر خارجيّ فليس على الإنسان أن يعيّن القيمة، بل يكفي ذلك المقدار عندما يكون الإنسان عالمًا به وقد رآه. 

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

10
  • فالنبيّ يريد أن يعقد بين اثنين وأن يحقّق العشق والمحبّة والمودّة بين اثنين، وأن يبدّل حياتهما الشخصيّة والحياة الفرديّة التي يعيشانها إلى حياة جماعيّة ومشتركة على أساس تلك النعم الإلهيّة سواء الظاهريّة أو الباطنيّة والتي لا تحصل من الحياة الفرديّة، فيجعل تلك النعم تهطل عليهما وتنزل عليهما وتغمرهما. 

  • ما هي الآثار المعنويّة والماديّة للزواج؟

  • هناك الكثير من الأمور التي لا يمكن أن تحصل للإنسان من دون زواج، ولو قضى كامل عمره بالصلاة والصيام من دون زواج فإنّه لن يصل إلى تلك المراتب من التخلّي عن النفس والذي هو وسيلة الوصول إليها. فمع غضّ النظر عن الأمور التي يمكن أن يستتبعها الزواج، وعن المضارّ التي يمكن أن تكون فيه، وعن المخاطر التي فيه، فهذه موجودة، ولو فرضنا أنّ إنسانًا اهتمّ بكلّ هذه الأمور فإنّ ذلك الجانب وما قاله النبيّ من أنّ خير الأمور عندي الزواج وشرّها وأبغضها الطلاق والانفصال والافتراق هو لأجل ذلك.۱ فالنبيّ لا ينظر إلى مسائلنا الظاهريّة والدنيويّة، النبيّ لا ينظر إلى تمضية أيّامنا وحياتنا. ولو كان النبيّ لا ينظر إلاّ إلى أمورنا الظاهريّة والدنيويّة لكانت أوامر الإسلام مختلفة عمّا هي عليه. فنحن يمكننا أن نجعل قوانين أفضل لتيسير أمور حياتنا كما هو الآن في بعض البلدان، فهم غير مسلمين ولكنّ القوانين والأنظمة التي يقرّونها قوانين جيّدة جدًّا لأجل الحياة الدنيا ولتيسير أمور الدنيا، ولكنّ المطروح في الإسلام هو الرقيّ الروحيّ والتكامل الروحيّ، ولذلك يجب أن تكون القوانين المقنّنة والممضاة في الإسلام في ضمن هذا السياق.

  • لذلك قال: كم لديك؟ فقال له: لديّ درع. فقال: اذهب وبعه. فباع الدرع فكان بخمسمائة درهم شرعي. فكم هي الخمسمائة درهم شرعيّ؟ ذكروا في التاريخ أنّهم اشتروا بها بساطًا وثوبًا وكأسًا وإناءً وبضعة أشياء من أمثال ذلك. فهذه هي الخمسمائة درهم. والآن يقولون: إنّ الخمسمائة درهم في ذلك الزمان تعادل خمسين مليونًا في هذا الزمان، بل الخمسين مليونًا ليست بشيء تعادل خمسمائة مليون! فإن كان لا بدّ أن يضيف الإنسان من نفسه فلماذا يضيف قليلاً فليقل خمس مليارات! وكما يقال فإنّ الكذب لا يكتب على جبين الإنسان! فتلكن الخمسمائة درهم معادلة لمائة مليون في زماننا أو مائتي مليون! كلاّ يا عزيزي! فتلك الخمسمائة درهم التي ذهبوا واشتروا بها هي ما ذكره التاريخ وما نقلته سيرة ابن هشام، فاذهبوا ولاحظوها، لقد كانت عبارة عن فراش ولحاف وجلد حيوان وماعونًا للطعام وقدرًا ومجموعة من هذه الأمور. هذا هو المهر الذي جعله النبيّ لأعزّ إنسان عليه على وجه الأرض ابنته، ثمّ أوصى أمّته أن يا أمّتي بإمكانكم أن تقوموا بما تشاؤون ولا أمنعكم، يمكنكم أن تجعلوا المهر قطعة واحدة من عملة التومان والمؤلّفة من عشرة قرانات إلى مائة مليار دولار لا إشكال في ذلك. فالنبيّ لم يمنع ذلك. ولو كان مائتي دولار فلا إشكال فيه، ولو كان ملء الأرض دولارًا ودرهمًا ودينارًا فلا إشكال، لا إشكال أبدًا. ولكن من أراد أن يتّبعني فعليه أن لا يدفع لا قطعة واحدة من التومان ولا خمسة ريالات بل عليه أن يدفع عين ما دفعه عليّ، فهو من اتّبعني خمسمائة درهم إلى يوم القيامة. 

    1. من لا یحضره الفقيه، ج٣، ص ٣۸٣: عن أبي جعفر عليه السلام قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، ما بني بناء في الاسلام أحب إلى الله تعالى من التزويج " 
      . الكافي، ج ٦، ص ٥٤: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما مِن شيء ممّا أحَلَّهُ اللهُ عزّ و جلّ أبغضَ إليهِ مِن الطلاق.

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

11
  • ألم يكن النبيّ قادرًا أن يرى؟! لقد تغيّر الزمان! لقد تغيّر الناس! فهم يجحفون! والإنسان لا يعلم بما ينتظره في غده، لا بدّ أن يكون هناك سند يستند إليه، لا بدّ أن يكون هناك دفاع يدفع عنه، وهذه الأمور التي اخترعوها. ألم يكن النبيّ يعلم؟! ألم يكن النبيّ على اطّلاع؟! لقد كان يعلم في النهاية. فالنبيّ الذي قال: حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة۱ أيّها الناس ما وضعته قائم إلى يوم القيامة فلا تقولوا هذا لما قبل ألف وأربعمائة سنة! إنّني أقرأ كلامكم الذي تقولونه في ذلك الوقت وأقول هذا، الكلام الذي تقولونه الآن كنت أسمعه حينها ولذلك كنت أقول: حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة. فهذا الكلام الذي تقولونه من أنّ الناس قد تغيّروا والشباب قد تغيّروا، الآن صاروا بلا ضوابط وقيود وبلا مسؤوليّة، فلا أحد الآن يلتزم بالشرط والشروط، كلّ ذلك كنت أسمعه حينها. 

  • لا معنى لأن يزوّج الإنسان أيًّا كان، لا معنى لأن يقدّم الإنسان ابنته إلى كلّ قادم من بعيد، فليذهب ويحقّق ثمّ يتوكّل على الله. ثمّ ألم يكن في ذلك الزمان أمثال هذه الأمور؟ لقد كان ذلك أسهل في ذلك الزمان! لقد كان الطلاق في ذاك الزمان أسهل منه اليوم! فاذهبوا وانظروا في التاريخ. وفي ذلك الزمان جاء النبيّ بهذا الحكم، وفي ذلك الزمان جعل النبيّ هذا الحكم لمن أراد، لأنّنا نحن لا نجبر أحدًا، أنتم أخبر بأنفسكم، والمراتب والمستويات بأيديكم، إن شئتم كنتم في هذه المرتبة وإن شئتم كنتم في هذه، اجعلوا المهر مائتي قطعة من العملة الذهبيّة، فأنتم تقومون بذلك. 

  • هل المهر الذي هو حبر على ورق صحيح؟

  • واعلموا أنّ الإنسان إذا ما جعل مهرًا وجعله بشكل صوري فقط، وعقد العقد على أساسه ففي العقد إشكال، اعلموا ذلك، فما يقولونه الآن من أنّه ألف قطعة ذهبيّة حبرًا على ورق ولا من أعطى ولا من أخذ، فكلّ هذه العقود محلّ إشكال. فالعقد الذي يكون على أساس التعيين الوهميّ واللفظي فحسب فيه إشكال ويجب أن يعدّ حبرًا على ورق. لا معنى لهذا الكلام فالمهر الذي يعيّنه الزوج للمرأة يجب أن يدفعه حتى القرش الأخير وهناك آيةٌ قرآنيّةٌ شريفة تقول: {وإن آتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا} والقنطار جلدُ بقرةٍ مملوء ذهبًا. طبعًا عندما تكون مستحقّةً له ولا تكون ظالمةً فإن استوفت هذه الشروط فيجب أن يدفعه والإسلام لا يداري أحدًا مهما كان المهر فلا بدّ أن يُدفع. يقول يمكنك أن تفعل ذلك من البداية كان يمكنك ذلك ولم يجبرك أحد. الآن يقولون: المهر كثير. حسنًا فلتتزوج من فتاةٍ أخرى لم يجبرك أحد. أنت تريد أن تتزوّج تلك الفتاة بأيّ نحوٍ فيجعلون المهرغاليًا فلا تلومنّ إلا نفسك! الذنب ذنبك. لا تتزوّجها! هناك الكثيرات، فابحث عن غيرها. فيرى هؤلاء أنّ الأمر ليس كما يريدون وليس لديهم تحفة نادرة فيتنازلون قليلاً ويفكرون بأمورٍ أخرى، بالأمور الأخلاقية والنفسيّة ففي النهاية يجب أن يعيش الاثنان معًا ولن تأتي الأمور اللاحقة وتلك المشكلات وذلك الاهتمام بالدنيا وأنّها تعتقد أنّها تستند إلى سند المهر هذا وتتكلّم بهذا الكلام وأنا لم أقبل فلا تحدث تلك المشكلات وذلك الاضطراب بالنسبة إلى الرجل أني قمت بهذا فماذا أصنع الآن؟ لا يحدث كلّ ذلك. ومن جهة أخرى يعلم أنّ القانون الإسلاميّ قد منعه وإذا أراد أن يتجاوز فإنّه يمنعه ويعطي الحقّ للمرأة. 

    1. . الكافي، ج ۱، ص ٥۸.

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

12
  • هل هناك ضوابط أخرى ترافق مهر السنّة؟

  • إذا أراد الرجل أن يسيء الاستفادة من مهر السنّة فيجب على المحكمة الإسلاميّة أن تفرض عليه مهر المثل. فأولاً ليس للإنسان أن يفعل ما يحلو له ويظلم كيف شاء. وثانيًا إذا أرادت المرأة بسبب المهر الكثير أن تفعل ما تشاء وترتكب أيّة مخالفة تريدها للزوج مستندة إلى كثرة المهر فإنّ المحكمة الإسلاميّة تلزمها بأقل مهر وتمنعها من ذلك وتعيدها إلى بيتها، فلا معنى لهذا الكلام. فالإسلام الذي يقول يا عليّ بع درعك وادفع مهر السنّة للزهراء هو نفسه يقول نبيّه بالعدالة في الإسلام، وبالقضاء بالعدل، يجب أن لا يعتدى على الرجل ولا على المرأة. ففي مثل هذا الجوّ ومثل هذا الوضع يأتي الإسلام بمهر السنّة. 

  • لقد عمل النبيّ على إيجاد الصلة بين هذين الاثنين على أساس المحبّة وعلى أساس المودّة ثمّ قال إنّ من شاء أن يتّبع سنّتي فليتّبعها وليجعل مهور بناته مهر السنّة. ومن لم يرد ولديه رأي آخر ونظرة أخرى وخيال آخر ويفكّر بمصالح أخرى ويراعي جوانب أخرى فالأمر إليه. يمكنه أن يجعل المهر مائة مليون ومائة مليار ترليون، ضعوا واحدًا وضعوا قربه من الأصفار ما يبلغ من هنا إلى مدينة قم فلا إشكال. 

  • من هو الذي يدرك قيمة مهر السنّة؟

  • من يمكنه أن يدرك روحيّة رسول الله هذه؟ 

  • العارف الإلهيّ الذي وصل إلى باطن الأحكام ومغزاها، فهو يأتي ويقول بحكم رسول الله الذي قال: حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرام محمّد حرام إلى يوم القيامة، فهذا الحكم لا يزال الآن على قوّته ساريًا وجاريًا. فهذا من يمكنه، أمّا لو لم يكن إنسان ما في مثل هذه المرتبة فإنّه ماذا يقول؟ نحن نرفع مهور بناتنا حتّى يعرف الأزواج قدر زوجاتهم! فهذا ليس صحيحًا. ليست القيمة بزيادة المال، ليست بزيادة الدرهم والدينار. يقول المرحوم العلامة: أنا أخالف هذا أنا لا أقبل بذلك أنا أتّبع السنّة.

  • التقوى تعني اتّباع الحقّ لا الآباء

  • فانظروا لقد طرحت الأمر اليوم بصراحة لكي تعلموا أنّه ليس هناك شيءٌ مهمٌّ عندنا إلا اتّباع الحق فبالنسبة إلى المسلم وليس فقط أنا فأنا لديّ ألف مشكلةٍ ومشكلة، في أيّ مرتبةٍ من المراتب كان الإنسان في تقواه وتديّنه وفهمه وعلمه وحميّته وهمّته وتحمّله للمصائب ولكن لا بدّ من البحث من هو القدوة في مدرسة التشيّع ومن هو الواجب اتّباعه هذا هو المهمّ بالنسبة إلينا وكلّما استطاع الإنسان أن يقرّب نفسه من هذه القدوة كان خيرًا له سواءٌ اقترب عشرة بالمائة أو عشرين فلا بأس علينا، فأوّلاً أن نعرف القدوة، علينا أوّلاً أن نعرف من هو الذي يمكن أن يكون عمله حجّةً، الحجّة يعني مثل الإمام، والإمام في خفاءٍ ليس بيننا ولكن من هو المطّلع على مدرسة الإمام عليه السلام والخبير بمبادئ الإمام عليه السلام والواصل إلى حقيقة الإمام عليه السلام والناظر إلى الأمور الخارجيّة من نافذته لا على أساس التخيّلات والتوهّمات والمعلومات المكتوبة في الكتب والأوراق، ينظر على هذا الأساس، فهذا الإنسان يمكن أن يكون قدوةً، ثم إنّ الإنسان يقرّب نفسه منه شيئًا فشيئًا بقدر ما يوفّقه الله وبقدر ما لديه من همّة، وبقدر ما لديه من سعي، وبقدر ما لديه من خلوصٍ في النيّة وصفاء، فيصبح قريبًا بنسبة مائة في المائة. فهذا من يسلّم الإنسان أمامه وأنا لا أقول بأنّ الجميع يمكنهم أن يكونوا بدرجة مائة في المائة. كلا ولكن نسعى ونجهد ونسير في ذلك الطريق، هذا هو تنحية التوهّم وتنحيّة التخيّل.

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

13
  • بماذا يفكّر رسول الله وبماذا يفكّر الأئمة؟ إنّهم يريدون أن يزيدوا من سعة أرواحنا ويصلوا بها إلى الكمال ونحن نريد أن نوسّع الدنيا ونزيدها استحكامًا ، نريد أن نثبّت أقدامنا يومًا بعد يوم على التخيّلات والأوهام الدنيوية لذلك فإنّ الأعمال والأفعال التي تصدر عنّا لها مراتب من الاستناد إلى الحجّة فمن يقول يجب أن يكون المهر بهذا المقدار ما هي حجّته؟ الوحي، ما هي حجته؟ التعقل والعقلانية التامة، حجّته الواقع والحقيقة المطلقة، أمّا من يقول لا! نترك ذلك ونبحث عن أمورٍ أخرى من المصالح الدنيوية وماذا يحدث غدًا؟

  • توكيل الزوجة في طلاق نفسها إجهاض للزواج

  • لقد كنّا في مجلسٍ في مشهد، وكان حاضرًا فيه أحد كبار وجهاء مشهد، وكان من المقرّر أن يُجرى في ذلك المجلس عقدٌ ـ وطبعًا كان ذلك العقد قد أُجري ـ أن يُجرى عقدٌ شكليّ وكان هذا الرجل الذي يجري العقد يظنّ أنّ العقد حقيقيّ حيث كان الطرفان اتفقا على أن يكون مهرهما مهر السنّة وهما لا يقبلان بشيءٍ من هذه الشروط المكتوبة في العقود۱، قالا نحن لا نقبل بها، كلاّ بل بدون أيّ شرطٍ وبمهر السنّة وبهذه الطريقة نريد أن نتزوّج. وفجأةً رأيت أنّ هذا الرجل بدأ يقول لأحد الحاضرين والذي ذهب ليأخذ الوكالة: خذ توكيلاً بالطلاق أيضًا وأن يوكّل هذا الرجل هذه المرأة بالطلاق حتى إذا حصل شيءٌ ما لاحقًا وإن شاء الله لا يحصل لا يواجهان مشكلة.

  • فقلت له: أنت تتحدّث من الليلة الأولى عن الطلاق فأيّ عقدٍ هذا وأيّة محبة؟ وأي عشقٍ هذا الذي يبتدئ بالكلام عن الطلاق والكلام عن الفراق والكلام عن الانفصال؟ يقف الشاب أمام الفتاة بهذه النيّة أني وكّلتها بالطلاق وغدًا يمكنها أن تذهب إلى المحكمة وتدّعي الطلاق فهل هذه محبّة؟ وهل هذا عشقٌ وصفاء؟ وهل هذا صفاء وجدان ونفسٍ بين الطرفين؟ أهكذا هو أم لا؟ الإسلام يقول: إذا أراد اثنان أن يتزوّجا فما معنى الطلاق؟ الطلاق كفرٌ. عليكما أن تعيشا معًا حتّى الموت يجب أن يكون بينكما محبّةٌ وأنسٌ بحيث لا يفرّق بينكما إلا الموت فما معنى الطلاق، ما معنى التفكير بأنّه من الممكن غدًا أن تنفصلا؟!

    1. تكتب في عقود الزواج في المحاكم الإيرانيّة مجموعة من الشروط يوقّع الزوجان عليها منها توكيل الزوجة في طلاق نفسها.(م)

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

14
  • عندما يرزق الأبوان بطفل فهل يتصوّران أنّه إذا صار عمره غدًا عشر سنوات سيفارقهم؟ نعم، يحتمل أنّه إذا بلغ عشر سنوات أو خمسة عشر سنةً أن يفارقهم ويتركهم فهل نترك من الآن محبّته، فهذا هو الزمان في النهاية وهذه هي الدنيا إذا صار عمره خمسة عشر سنة مضى في حال سبيله ومضى إلى شأنه أم لا؟ إذا رزق الأبوان بطفلٍ فإنّهما يريانه عضوًا من وجودهما لا يمكنهما أن يتصوّرا أنّه سينقطع عنهما يومًا، هل يمكنكم أن تتصوّروا الآن أنّ يدكم ستقطع غدًا؟ إذا حصل ذلك في حادثٍ في مشكلةٍ في مرضٍ فهذا شيءٌ آخر، ولكن هل تتصورون ذلك الآن؟ إن كان لديكم هذا التصوّر فأنتم مجانين. وحده المجنون يمكنه أن يتصوّر أنّ يده ستقطع ورأسه سيقطع ورجله ستقطع ومعدته ولا أدري ماذا سيُفعل بها. أمّا الإنسان العاقل فلا يتصوّر ذلك أبدًا، نعم يمكن أن يمرض الإنسان غدًا فيُقال له: يجب أن نقطع ثلثي معدتك ونُلقي به جانبًا، يجب أن نقطع من أمعائك هذا المقدار ونُلقي به بعيدًا؛ فقد أصيب بالسرطان، فهذه أمورٌ تحدث للإنسان مع مرور الزمان لا أنّ الإنسان يبدأ بالتفكير بها من البداية آه سأصاب بالسرطان غدًا فأسقط من الآن، ربّما غدًا... الآن أنت تمشي فما قصّتك؟ بعد غدٍ سأفقد يدي في حادث سير فلأجلس من الآن في المنزل يقال هذا إنسانٌ فقد عقله، آه يمكن بعد سنة أن أخسر إحدى عينيّ فإذن عليّ أن أغمض عيني وأترك العمل والحياة كلّها جانبًا يقولون لقد جُنّ. 

  • يقول الإسلام إذا أردت أن تعيش فعليك أن لا تتكلّم من بداية حياتك بالطلاق، عليك أن تتحدّث بالعشق حتى النهاية حين تضع رأسك على الأرض عليك أن تتكلّم كلام المحبّة، حتى التفكير والخيال للحظةٍ واحدة في ذلك يجب أن لا يكون، وإلا أفسدت حياتك وألحقت بها الضرر وقضيت عليها، يجب أن تعيش بعشقٍ ومحبّة... ذلك الإسلام هو الإسلام الذي يقول على لسان المرحوم العلامة: تلك الأسرة التي تعيش بعشقٍ ومحبّة ولو كانت يهودية أقرب إلى أمير المؤمنين من الأسرة الشيعيّة التي فيها اختلاف ونزاع وكدورة. فذلك الإسلام الذي يتجلّى على لسان هذا الرجل هو يقول ذلك. أمّا من يقول: يجب أن تأخذ وكالةً وغدًا تذهب وتطلّق نفسها يجب أن توكّل وغدًا تطلّق... ومن المعلوم أنّ طرق الشيطان ووسائله ليست واحدة أو اثنتان والوساوس لا حدّ لها ولا حصر والتخيّلات لا نهاية لها فماذا يحصل؟ يحصل هذا الوضع الذي تراه.

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

15
  • ثمّ قال: لا أريد. 

  • ـ إن كنت لا تريد فلماذا لا تقول؟ عزيزي هو يقول: لا أريد. والفتاة نفسها تقول: لا أريد هذه الوكالة. 

  • يقولون: لا يجب أن يوكّلها.

  • فما هذه العادة؟ أين ذهبت السنوات السبعون من الدراسة؟ ـ فهل التفتم الآن إلى أيّ أشياء وصلنا؟ وطبعًا لم نصل إلى الأمور التي كنت أنوي الحديث عنها وكالوعود التي نعطيها دائمًا في الجلسات اللاحقة ولكن اقتربنا شيئًا ما ـ فإذن أين ذهبت السبعون سنة من الدراسة؟ أين ذهبت السبعون سنة من الصلاة؟ السبعون سنة من الصيام؟ السبعون سنة من الحج والذهاب إلى هنا وهناك والسبعون سنة من المجالس؟ إلى أين ذهب كلّ ذلك؟ فمن يأتي بعد سبعين سنةً وكعالمٍ من علماء الدرجة الأولى ويقول للفتاة يجب أن تأخذي من زوجك وكالةً في الطلاق هل يمكن أن يكون أسوةً؟ هل يمكن أن يكون قدوةً لعمل الإنسان؟ هل يمكن أن يكون متّبعًا ومنقادًا له؟ وأن يجعل الإنسان أفكاره مطابقةً له وأعماله مطابقةً له وأسلوب حياته مطابقًا له هل يمكن؟ لا يمكن. 

  • من يقول أبغض الأشياء عندي الطلاق، والزواج الذي يُتكلّم فيه من البداية عن الطلاق باطلٌ، من يقول ـ كم يحسن أن يتابع بعض الناس من العلماء والكبار هذا الأمر ويجدوا له حلاً، حلاً لهذه المشكلة وهي أن يمنعوا كلّ هذا الطلاق فكم نسبته مرتفعة! ـ الطريق هو طريق المحبّة إلى جانب حدّة العدالة، العشق إلى جانب تطبيق القانون، فهذا يمكن أن يكون ضمانةً للاستمرار. 

  • ما السبب في هذه الانحرافات الفكريّة؟

  • علينا أن نفكّر ما هي خلفيّة هذه الأعمال التي نقوم بها؟ إنّها صلاةٌ ولكن لا شيء وراءها، هي ظاهرٌ فحسب، ولو كان وراءها شيء لما وصل الإنسان إلى هذه الأفكار، لو كانت لها خلفية لما فكّر الإنسان بهذه الطريقة وهكذا. 

  • نسأل الله أن يوفّقنا إن شاء الله في الجلسة القادمة لإكمال البحث، فمهما قيل في هذا المجال فهو قليل. وإن شاء الله سأكون في خدمة الرفقاء بالحدود التي يسمح بها المجلس واستعدادي القاصر والعاجز. 

ما أثر دوافع الأعمال في تحقّق التقوى؟

16
  • اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد

  •