129

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

2259
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتقوى ومراتبها

التاريخ 1427/03/30


التوضيح

هل يمكن أن يطوى الطريق إلى الله بسرعة وسهولة؟
ما هي الخطوات المطلوبة في السير والسلوك؟
هل يحتاج السالك دائمًا إلى وصايا خاصّة أم تكفيه غالبًا الوصايا العامّة والكتب والمحاضرات؟
هل السير والسلوك هو لتغيّر الأحوال النفسيّة وحلّ مشكلات الحياة؟
كيف نقرأ القرآن؟
لماذا سافر المرحوم العلاّمة إلى مشهد وألّف كتبه؟
أسئلة تبحثها هذه المحاضرة ضمن شرح فقرة: هذه أولّ درجة التقى من حديث عنوان البصريّ.
/۲۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٢٩

  •  

  • ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم 

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على نبيّنا أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  •  

  • خلاصة الأوامر الثلاثة لعنوان البصريّ

  • بعد أن بيّن الإمام الصادق الأوامر الثلاثة لعنوان فقال في الأول: ولا يطلب الدنيا تكاثرًا وتفاخرًا أي لا يطلب الدنيا لأجل التفاخر على الآخرين وبحثًا عن الزيادة وحبًّا للكثرة في أيّ مجال سواءٌ المال أو المقام، فمن كان مقامه في رتبةٍ يريد أن يرتقي إلى رتبةٍ أعلى، وإذا وصل إليها أراد أن يصل إلى أعلى منها فأهل الدنيا هكذا.

  • والثاني: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا فلا يتوقّع أن يكون لديه ما لدى الناس بل ينظر في أي شيءٍ يكون صلاحه وماذا قدّر الله له وماذا هيّأ، ما إن يرى شيئًا لا يتأوّه ولا يتحسّر من أعماق قلبه وإذا رأى مقامًا فلا يعتقد أنّ كافة آماله صارت في مهبّ الريح، إذا رأى مكانةً لإنسانٍ فلا يتحسّر. لماذا يجب أن يكون كذلك؟ لأنه يجب أن يرى كلّ هذا من الله ويرى كلّ شيءٍ مناسبًا لحاله.

  • ففي المستشفى يمكن أن يكون ثلاثة مرضى في غرفة واحدة ويُعطى كلٌّ منهم دواءً خاصًّا، أفهل يقول المرضى لماذا أعطى الطبيب هذا الدواء لذاك ولم يعطنيه؟ فيتحسّر على ذلك؟ كلاّ، لماذا أُعطي ذاك الدواء ولم يعطنيه، لا يتصوّرون هذا أصلاً، لماذا؟ لأنّهم يحددّون أنّ لكلّ مريضٍ مرضٌ مستقلٌّ ودواء مختلف يناسب ألمه فيوصي به الطبيب ويعيّن كميّته، فالطفل المريض يُعطى ربع ما يُعطاه الكبير فلا يقول لماذا يُعطى أبي ثلاثة حبّات أو حبّتين بينما أُعطى أنا أقل؟ يقولون: خذ هذه القبضة من الدواء لتموت؛ فلكلّ شيءٍ حدّه. 

  • على السالك أن يجعل تصوّره حول الأمور الدنيوية هكذا وأنّ الله يجعل لكلّ إنسانٍ ما في صلاحه فإن صبر وتحمّل ورضي فبها، وإن رفض وحاول أن يتخلّص أضاع كافة استعدادته ولم يصل إلى شيء، هل الأشياء التي تعطى إلى الآخرين هي لصالحه أم لا؟ وهذا بنفسه موضوع مستقل.

  • الأمر الثالث الذي قاله الإمام الصادق عليه السلام لعنوان والذي كنّا نتحدّث حوله هو: ولا يدع أيّامه باطلاً. وقد تحدّثنا حول هذه الفقرة بنحوٍ مفصّل، وقد تقبّله الرفقاء بقبولٍ حسنٍ وأدركوه، ووصلنا إلى حدٍّ ما إلى ما يريده الإمام الصادق عليه السلام. هنا يُنهي الإمام الصادق الكلام ويقول: فهذا أول درجة التقى. فبعد هذه المرتبة، وبعد مراعاة هذه الأمور الثلاثة وما بيّناه لكم قبل هذا، يصل الإنسان للتوّ إلى أوّل درجة التقوى، أي إذا وصلنا إلى هنا حصلت للإنسان حالة التقوى.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

3
  • والآن يجب أن نتحدّث عن التقوى ما هي؟ وما ورد حولها في آيات القرآن وفي الروايات وخطبة أمير المؤمنين لهمام خطبة المتقين التي بيّن فيها حالاتهم وخصوصيّاتهم.

  • يقول الإمام الصادق إنّ من راعى هذه الأمور وصل إلى أوّل درجة التقوى، قال الله عز وجل: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين}.۱ فالإمام يُشير إلى الآية القرآنيّة التي تقول لمن جعلنا نحن الدار الآخرة؟ {للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا}، للذين لم يجعلوا حياتهم في هذه الدنيا على أساس العلوّ والتكبّر، على أساس التسلّط على الآخرين والسيطرة عليهم، العلوّ، التكبّر، تجاوز الحدّ، عدم معرفة حدوده وذاتيّاته وصفاته ولوازم وجوده وغرائزه هذا هو معنى العلوّ. {ولا فسادًا} فهم لا يبحثون عن الفساد بل يسعون إلى الإصلاح.

  • إنّها آيةٌ عجيبةٌ جدًّا، بسيطةٌ بظاهرها، نقرأها هكذا ونمضي: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين}. نقول هذه واضحة، فعلى الإنسان أن لا يتكبّر ولا يطلب العلوّ، والأمر واضح، ونحن نسعى إلى الإصلاح لا إلى الفساد، وفي مقام العمل يتّضح كم استطاع الإنسان أن يطبّق هذه الحقائق على نفسه، فعندما تُطرح النفس والأهواء النفسيّة، وعندما يُطرح الاحترام وكرامة الآخرين، وعندما تُطرح المصالح الدنيويّة والاعتبارات والشخصيّة والشؤون، حينها نرى كم استطعنا أن نطبّق هذه الآيات. {والعاقبة للمتّقين} أي في النهاية النتيجة مختصّةٌ بالمتقين، الذين هم أهل التقوى والذين يسعون إلى التقوى والذين هدفهم ومقصودهم الوصول إلى التقوى.

  • هل نحتاج دائمًا إلى وصايا خاصّة أم تكفي غالبًا الوصايا العامّة والكتب والمحاضرات؟

  • بالالتفات إلى الأمور التي تقدّمت، والتصوّرات التي يمكن أن تحدث لدينا بسبب هذا الكلام والأبحاث أو بسبب كلام في مواضع أخرى، خطر في بالي أن أتحدّث حول أمرٍ اهتم به الكثيرون سواءٌ في كلامهم أو في كتابتهم ورسائلهم التي ألّفوها وبيّنوا الأمر بهذه الطريقة، فقد بدا لي أن يكون هذا هو موضعه قبل الدخول في مسألة التقوى وتحديد مقصود الإمام الصادق عليه السلام من مفهومها ودرجاتها حين يبيّن الإمام ما هي. 

    1. سورة القصص الآية ۸٣

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

4
  • يستفاد من لحن كلام الإمام الصادق عليه السلام وكذلك من طلب عنوان أنّ الإمام قد أنهى الكلام إلى هنا لأنّه بعد ذلك يقول عنوان للإمام الصادق: أوصني، أي أوصني وصيةً وأمرني أمرًا، أي أليس لديك وصيّة أخرى إضافةً إلى الأمور التي ذكرتها؟!

  • أحيانًا عندما أتحدّث مع الرفقاء وأنتهي وأنزل عن المنبر يأتي بعضهم ويقول لي: سيّدنا انصحني بنصيحة فأقول: ماذا كنت أفعل خلال هاتين الساعتين على المنبر؟ فهذا الكلام الذي أقوله هو نصيحةٌ في النهاية.

  • يقول: لا، أريد أمرًا خاصًا.

  • فقلت: كلّ جملة من هذه الجمل هي خاصةٌ بك، أكتب هذه الساعة والنصف من الكلام على ورقة فكم ستكون؟! كل جملةٍ منها هي خاصة بي وبك، ولا مجاملة في ذلك فإن عملنا تقدّمنا وإلا لم نتحرّك ولم نتقدّم ولا أحد يدفعنا، فاعلموا ذلك وأنا مسؤول عن هذا الأمر يوم القيامة، فإذا نحن لم نعمل بما جاءنا عن الأعاظم وأولياء الدين والأئمة لن نصل إلى شيء، إذا عملنا ثلاثين بالمائة تقدّمنا ثلاثين بالمائة، إذا عملنا ثلاثًا وثلاثين بالمئة تقدّمنا ثلاثًا وثلاثين بالمائة.

  • هذا هو الكلام الذي قاله المرحوم العلامة في آخر سنةٍ من حياته لبعض الرفقاء في مشهد حيث جمعهم وقال: لقد بيّنا نحن الأمر وأتممنا الحجّة. وأذكر أنّه في كلامٍ له قال: لقد بيّنا لكم الأمر أكثر ممّا تحتاجون إليه. وأنا من جهتي أدرك هذا الأمر وسائر الأصدقاء والرفقاء الذين كانوا عند ذلك العظيم هؤلاء يجب أن يعترفوا. لم يكن هناك شيء لم يقله. إن كان هناك من لم يعمل فهو نحن، والأمر لا يرتبط به. كلّ الأحداث التي حصلت بعد المرحوم العلامة هي لأننا لم نعمل نحن بكلامه، ألم يكتب هذا الكلام في كتبه؟ ألم ينبّه الرفقاء شفاهًا على هذه الأمور؟ ألم نسمع منه ألف مرّة هذا الكلام حول الاستقامة في الطريق وعدم الالتفات إلى المكاشفات والاعتبارات والتخيّلات وتطبيق المشاهدات على الموازين؟ وقولي ألف مرّة ربّما يكون قليلاً بل هي أكثر من ألف مرّة، الآن أحدهم لا يعمل فما شأن العلاّمة؟ أنا لا أعمل فما شأنه هو؟ 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

5
  • الآن هذا القرآن الكريم في أيدينا وهذه الآية التي ذكرها الإمام الصادق في نهاية كلامه لعنوان البصريّ: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتّقين}، كان لي كلام مع أحدهم حول أمرٍ ما فقلت: إنّ منهج النبيّ والأئمة وأولياء الدين كان على أساس البحث، تعالوا وابحثوا وتكلّموا فإن كان الحقّ معكم فأنا أقبل وإن كان الحقّ معي فاقبلوا أنتم. فكتبوا في جوابي هذه الآية، هذه الآية التي نحن جميعًا مبتلون بها، تُكتب في جوابي ولا يجيبونني. 

  • نحن لا نعمل هل التفتم؟! الآية موجودة في القرآن ولا حاجة إلى الإمام الصادق وأولياء الله هذا القرآن الإمام الآن جاء وقرأ هذه الآية لعنوان ولفت نظره إلى أنّك تقرأ كلّ يومٍ جزءًا من القرآن فلا تقرأه هكذا بشكلٍ سطحيّ بل افهم هذه الآيات وانظر إلى معناها.

  • كيف يجب أن نقرأ القرآن؟

  • عندما كان المرحوم العلامة يوصي بقراءة حزبٍ كلّ يوم أو خمسين آية إنّما كان ذلك بشرط التدبّر لا كأنّنا نسجّل الحضور في العمل، نقرأ حزبًا بسرعة حتى النهاية ونقول لقد طبّقنا البرنامج ونضع القرآن جانبًا، كلا يا عزيزي هذا لا فائدة منه فالقرآن الذي يفيد هو الذي نلتفت إلى مضمونه ومفهومه عندما نقرأه ونعتقد بذلك. لماذا كان يقول اقرأوا القرآن بحيث يكون الله هو القارئ وأنتم المخاطبون لماذا؟! لأجل هذا الأمر، لكي نجعل أنفسنا مكان رسول الله، وجبرائيل جاء بهذه الآيات إلينا، هكذا يجب أن نقرأ القرآن لكي يكون مؤثّرًا.

  • عندما كان جبرائيل ينزل بالقرآن على النبيّ، ألم يفهم النبيّ معناه؟ أهكذا كان يقرأ كيفما اتّفق؟! نزلت آية، نزلت نصف سورة، ثمّ كان كتّاب الوحي الموجودن هناك يأخذونها ويكتبونها، كان النبيّ يتلقّى هذه الآيات ويحتفظ بها في صدره، ثمّ يتفكّر بها ويطبّق أحوال نفسه على كلّ واحدة واحدة من معانيها وبطونها، فلماذا كان ابن مسعود يقرأ القرآن للنبيّ فكان الدمع يجري جريانًا من عيني النبيّ؟ ماذا كان يفهم حتّى كان يبكي؟ لماذا إذا قرانا نحن هذا القرآن بعينه لا نبكي؟! لأنّه كان يطبّق حال نفسه على هذه العوالم الموجودة في هذه الآية وكان ينظر إليها كحقيقةٍ غير متناهية، وتلك العظمة والعوالم المكنونة في مفاهيم هذه الآيات والتي كان يطّلع عليها هو كانت تسبّب أن تحلّق روحه نحو تلك العوالم وأن يجري الدمع من عينيه. أمّا نحن فنفتح القرآن هكذا ونقرأ اليوم حزبًا وغدًا حزبًا ونتوقّع أن ينصب لنا جبرائيل قوس النصر! لقد قمت بعملك في النهاية، وإن شاء الله سنتحدّث اليوم بمقدارٍ ما حول هذا الأمر مع الرفقاء فليستعدّ الرفقاء. كلاّ فليس الأمر هكذا. يجب أن يُقرأ القرآن بتدبّرٍ وتأمّل بحيث يقف الإنسان عند كلّ آية وينبّه ذهنه أن: {تلك الدار الآخرة... }

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

6
  • كان المرحوم العلامة يقول وأيضًا هذا مضمون الأحاديث: عندما تصلّي فعليك أن تعدّ نفسك القارئ وهو المستمع. وطبعًا هذا أحد المستويات التي تناسبنا، أمّا الأولياء ففي أيّ مستوى؟ وكيف يصلّون؟ فهؤلاء لهم حسابهم الخاصّ، إذا أردتم أن تقرأوا القرآن فعليكم أن تقرأوه بحيث تعدّون أنفسكم مخاطبين والله ملقيًا لهذه المعاني، عندما تفتحون القرآن فعليكم أن تتصوروا أنّ الله يُنزل علينا هذه الآيات، غاية الأمر أنّه نزل مرّةً قبل ألف وأربعمائة سنة على قلب النبيّ، وقلب النبيّ ونفسه الواسعتان تشملان بسعتهما الوجوديّة جميع الأمّة إلى يوم القيامة كمخاطبين للقرآن فردًا فردًا. 

  • افترضوا أنّ هناك جماعةً في مؤسسة أو في صفٍّ فيأتيهم أمرٌ ويقال إنّ هذا الأمر هو لهذا الصفّ وهذه المؤسسة، فيجمع الرئيس الجميع ويقرأ عليهم الأمر. فمن يكون القارئ؟ القارئ هو من يُمسك مكبّر الصوت ويقرأ لهؤلاء الناس. ومن هو المخاطب؟ إنّه كلّ واحدٍ من هؤلاء الذين يستمعون إلى هذا الأمر. القارئ فقط هو ذلك الرئيس، القارئ هو المعلّم والمدير، أمّا المخاطبون بهذه الرسالة وهذا البرنامج أن عليكم أن تأتوا إلى العمل عند هذه الساعة، وأن تنهوا العمل عند هذه الساعة، وأن تعملوا خلال هذه الساعات وأن تراعوا هذه القوانين في المؤسّسة. فهذا ليس لذلك الرئيس، بل هو واحدٌ من الناس المأمورين بهذا البرنامج، غاية الأمر أنّهم لا يعطون ألف نسخةٍ لألف موظّفٍ، يعطون نسخة للرئيس ويقولون اقرأها للآخرين، النبيّ هكذا كان، النبيّ مسؤول عن إبلاغ الآيات، هذه الطريقة هي طريقة قراءة أولياء الله، لا أنّهم يقولون: هذه الآيات ترتبط بزمان النبيّ ولا علاقة لها بنا، فانظروا إلى الفارق بين الطريقتين من أين وإلى أين؟ لا أنّهم يقولون: هذه الآيات خاصة بالمشافهين بالخطاب، فظهورها ليس حجّةً بالنسبة إلينا، وينبغي أن تُقرأ هذه الآيات من باب الحكاية ونقل القول، حينها سيصبح هذا القرآن جريدةً ولن يكون هذا القرآن قرآنًا.

  • فوليّ الله عندما يقول يجب ان تقرأ القرآن بحيث تكون أنت مكان النبيّ وهذا القرآن نزل على قلبك أنت، فهو يريد هذه الطريقة، عندما يقول الإمام الصادق: {تلك الدار الآخرة نجعلها} فهو يعني أن يا عنوان لقد نزلت هذه الآية من أجلك وإن كنت قد أتيت بعد النبيّ وبعد الوحي، إنّ الوحي في عالم التشريع هو مجرّد نموذج ومرآة، وهو فقط تجلٍّ من التجليّات المختلفة التي يختزنها في نفسه، وإلا فليس هناك شيءٌ مميّز، إن كان المهمّ هو مقامات رسول الله فقد وصل رسول الله عندما كان في غار حراء فلماذا يأتي إلينا؟ يقول حافظ الشيرازي: 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

7
  • من كه ملول گشتمى از نفس فرشتكان***قال ومقال عالمى مى كشم از براى تو
  • والمعنى: أنا من ملّ أنفاس الملائكة أتحمل من أجلك شرح أحوال العالم

  • فشرح أحوال العالم يعني أنّي واسطة ووسيلة، حيث لم يجد الله خيرًا منّي أحدًا يقول هذه الآيات والتربية والأحكام والعقائد والمعارف، عملي الوحيد هو هذا، لو وجد خيرًا منّي لأرسل إليهم الوحي، لأرسل إلى أبي جهلٍ وأبي سفيان وإلى المغيرة بن شعبة، أنا لديّ القابليّة لأن أطبّق نفسي على مقام الصدق ومقام الصفاء وعالم القدس وعالم الطهارة وأتّحد بها وأتقدّم وأصل إلى حدٍّ لا يبقى فيه أيّ شائبة رين وعيب وكدورة وكثرة في وجودي، وحينها أصبح مرآةً وتنعكس هذه الحقائق في هذه المرآة فيراها الناس ويأخذونها، هذا معنى القرآن.

  • من الآن فصاعدًا علينا أن نقرأ القرآن بطريقةٍ أخرى، وعلى الرفقاء أن يتعهّدوا مثلي بأنّهم في المرّة القادمة عندما يفتحون القرآن لا ينظرون إليه على أنّه للثوابٌ، والذين لديهم معرفة بالعربية ويمكنهم أن يدركوا فلا حاجة أن ينظروا إلى الترجمة، والذين ليس لديهم اطّلاع من الأفضل أن يقرأوا القرآن مع الترجمة حتى تحصل شيئًا فشيئًا وبالتكرار والأنس والاطّلاع على اللغة العربية ألفةٌ وأنسٌ تلقائيّان مع هذه الآيات من دون مراجعةٍ للترجمة.

  • اللغة العربيّة لغتنا الأصليّة 

  • يجب أن تكون اللغة العربيّة لغةً أصليّةً لنا، إنّ لغتنا هي لغة القرآن، يجب أن تكون لغة القرآن، أمّا أن نأتي ونجعل بدل كلمة اجتماع كلمة "همايش" وفي آيات القرأن أيضًا كلمة "همايش" إنّ الذين يجتمعون تصبح إنّ الذين "يهيمشون" فهي في النهاية "همايش"، نخترع هذه الكلمة ويقلّد الآخرون استعمالها بشكلٍ ببغائيّ فلا نفهم بعد ذلك لغة القرآن، لا بدّ أن يُترجم وترجمةً فارسية أيضًا ليس فيها رائحة العربيّة ونحن نفتخر بها! وهذا لأجل أجدادنا المجوس والزرداشتيين والفهلويّين القدماء الأصيلين الذين يعودون إلى ما قبل ألفين وثلاثة آلاف سنة، وعبّاد النار وأمثالهم. هذا سببٌ لافتخارنا، ثمّ وشيئًا فشيئًا إذا مرّ جيلٌ منّا نجد أنّنا لم نعد ندرك تلك الكلمتين اللتين كنّا نعرفهما من القرآن.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

8
  • كيف هي الأحوال الآن في تركيا؟ ماذا صنع أتاتورك؟ ألغى اللغة العربيّة. والذين يذهبون إلى تركيا الآن يرون أنّه لا تزال هناك الكثير من العبارات العربيّة في كثيرٍ من الأبنية حتّى أنّ لغتهم كانت اللغة العربيّة، وجاء ذلك الرجل الخائن الذي لا دين له والذي كان آلةً بيد الاستعمار فأخذ منهم لغة القرآن وصارت لغتهم لاتينيّة يتكلّمون باللغة اللاتينيّة، الآن لا يفقهون شيئًا من اللغة العربيّة. عندما ذهبت إلى اسطنبول إلى المكتبة السليمانيّة لم يكن هناك إلا عددٌ يسير من طلاب الجامعة يطالعون الكتب العربيّة أو الكتب غير اللاتينيّة من باب الدراسة، وإلا لم يكن أحدٌ منهم يفهم القرآن، وقرآنهم أيضًا باللغة اللاتينيّة، وكلامهم كلام لاتينيّ ولغتهم لاتينيّة، وبصورةٍ عامّة جعلوا هذا البلد أجنبيًّا عن ثقافة القرآن وثقافة الإسلام، لا أحد بإمكانه أن يفهم شيئًا وانقطعت الصلة بالثقافة السابقة.

  • علينا أن ننشر ثقافة القرآن بيننا وبين أسرنا وبين الناس. كيف؟ بحيث إنّ ابننا لو فتح القرآن لما احتاج إلى ترجمة، لماذا؟ لأنّ هذه الترجمة التي كُتبت كتبها إنسانٌ، وفي كثير من هذه الترجمات عندما ننظر نجد أنّها خاطئة، فهم شيئًا آخر فكتبه كترجمة، أو جعل المصداق بدلاً من المفهوم، تلك الحقيقة التي بيّنها الله تعالى ضمن هذه الألفاظ والمفاهيم الغنيّة للّغة العربية يجب أن يأخذها الإنسان بِكرًا. نعم من باب الضرورة إذا أراد الإنسان أن يصل إلى تلك المرحلة لا بدّ أن يستعين بالترجمة ويجب أن نحاول أن تكون الترجمة لعالِمٍ، لإنسانٍ مطّلعٍ على الفقه ومطّلعٍ على الفلسفة والعرفان أمّا الآن فكلّ إنسان يمكن أن يقرأ كلمتين من الجرائد العربيّة فهو يترجم القرآن. إنّ ترجمة القرآن تختلف عن ترجمة سائر الكلمات العربيّة، وعلى من يترجم القرآن أن تكون قد بلغت مشّام روحه إلى عطر الوحي، لا أن يترجم بضع جملٍ من اللغة العربيّة ويرتّبها ثمّ يريد أن يترجم كلام الله.

  • كنت يومًا عند المرحوم العلامة الطباطبائيّ رضوان الله عليه وجرى حديثٌ فقال: إنّها آية قرآنيّة وليست كلامًا عاديًا، فالفاء تغيّر المعنى عمّا لو كانت واوًا، الكلام الإلهي يختلف عن الكلام البشري، أمّا الآن فإنّ هذه الحقيقة تصبح باهتة بيننا، إنّ إقامة مجالس حفظ القرآن وتجويده وقراءته بصوتٍ جميل، كلّ ذلك أمرٌ جيّدٌ ومن الشعائر ويجب أن يكون ويجب أن يكون أكثر من ذلك وما هو موجود قليل أيضًا، ولكن يجب أن لا تجعلنا هذه الأمور غافلين عن مفاهيم القرآن ومعانيه بحيث أنّنا ندير اللحن في حلقومنا بطريقةٍ ما، كلا، اقرأ القرآن بصوتٍ حزين، اقرأ القرآن بصوتٍ حسن، تغنّوا بالقرآن.۱ لكن لا هذا الغناء الذي هو للرقص والموسيقى والطنبور وأمثال ذلك كلاّ، بل يعني اجعل صوتك ولحنك يعلو وينخفض ويمتدّ بشكلٍ جميل لكي يكون أكثر جاذبيّة ويشدّ القلوب بشكلٍ أفضل، فالغناء الحلال يختلف عن الغناء الحرام، الغناء الحلال يعني القراءة بصوتٍ جيّد، يقرأ الأشعار الجيّدة بصوتٍ جميل، فمن الذي يخالف الصوت الجميل؟ وقد كنت أرى المرحوم العلامة أحيانًا في بعض مجالس الفاتحة أو الاحتفالات عندما كان يشارك بها كان إذا رأى قارئًا حسن الصوت دعاه إلى مسجد القائم وقال إنّه يقرأ بصوتٍ جيّدٍ، فمن الذي ينزعج من الصوت الحسن؟! نعم، العزف والرقص والطنبور وآلات الموسيقى حرامٌ وهذا أمرٌ آخر، وهو الغناء المحرّم. الغناء الحلال هو الغناء الذي يتضمّن أشعارًا عرفانيّة، أشعارًا أخلاقيّة، أشعارًا تحتوي نصائح للحياة والتربية والتكامل، هذه الأشعار لا أشعار الخمر والطرب وأهل الشارع والسوق وأهل اللهو واللعب. الأشعار العرفانيّة الأخلاقيّة والنصائح والمراثي وآيات القرآن فيقرأ الإنسان هذه الأشعار بصوتٍ جميلٍ وجذّاب بحيث ينقص تعلّق النفس بالكثرات والماديّات ويزداد اهتمامها بالتجرّد وعالم القرب، يُبعد الإنسان عن الكثرات لأنّ هناك شيئان يسبّبان تجرّد النفس وتغيّر النفس وتخفيف تعلّقات النفس بالكثرات، أحدهما: الجمال والذي له بحثه الخاص، والثاني: الصوت. الصوت يقرّب الإنسان إلى التجرّد أكثر من الجمال، الصوت الجميل يخلّص النفس من تعلقات الدنيا ويسحبها معه، الصوت الحسن يُبعد الإنسان عن التعلق بالدنيا والكثرات وقسوة القلب.

    1. عوالي اللآلي ج ٢ ص٥۰. جامع الأخبار ص٤٩. مستدرك الوسائل ج٤ ،ص٢۷٣

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

9
  • فإذا تصورتم أنّ هذه المفاهيم القرآنيّة الراقية تبيّن للإنسان بشكلٍ حزين وبغناءٍ حلال وصحيح فكيف يمكن أن تؤثر في الإنسان وتحرّكه، كيف يمكن أن تلفت الإنسان إلى هذه المعاني؟ عندما تستمعون إلى صوتٍ جميل ومعه تنظرون إلى الترجمة فانظروا كم له من أثر! ثم بعد ذلك طبّقوا تلك المفاهيم على أنفسكم.

  • كيف نقرأ آية: تلك الدار الآخرة...؟

  • لقد قرأنا إلى الآن هذه الآية كثيرًا: تلك الدار الآخرة نجعلها... ولكن الآن انظروا إليها ولاحظوا ماذا يريد الله منّا في هذه الآية وما هو مقصوده؟ هل نحن من زمرة الذين يريدون علوًّا وفسادًا أم من زمرة المتّقين إن شاء الله؟ وشيئًا فشيئًا نلتفت إلى تطبيق هذه الحقائق. فليطبّق كلّ واحدٍ منّا هذه الحقائق على نفسه في محيطه وشؤونه.

  • هذا المعنى هو معنى أن نجعل الله قارئًا ونكون نحن المستمعين، فعندما يقرأ الإنسان القرآن فليتصوّر أنّ الصوت الذي يخرج من فمه يأتي من مكانٍ آخر ويركّز ذهنه كلّه في أذنه فيستقرّ ذلك الصوت الخارج من فمه في أذنه ويشعر أنّه هو الذي يسمع، يشعر أنّ هناك من يقرأ وأنّه هو يسمع هذه الحقائق يشعر انّ هذا الكتاب السماويّ قد نزل عليه وكان رسول الله فقط مبلّغًا ومرآةً: {الذين يبلّغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدًا إلا الله}.۱

  • لقد كان أنبياء الله في مقام التبليغ فحسب، جاؤوا ليخبرونا فقط بما أنزل جبرئيل على قلوبهم من عند الله، الأمر نفسه نزل لكم فتفضّلوا! لذلك لا جواب يوم القيامة. [مهما قلنا] نحن لم نكن نعرف رسول الله، نحن لم نر رسول الله، لم نلتفت، لم نكن في زمان الوحي.

  • ـ ماذا فعل الذين كانوا في زمان رسول الله؟! لنفترض أنّنا كنّا أيضًا في زمان رسول الله، الحمدلله ما هو الأمر الذي لم يرتكبوه؟ ! لم يبق بعد النبيّ إلا ثلاثة أو أربعة مع أمير المؤمنين، والذين كانوا يتنازعون على وضوء النبيّ ويأخذونه منه ويمسحون به وجوههم هم أنفسهم الذين قطّعوا ابنة النبيّ أمام عيني زوجها إربًا إربًا، هم أنفسهم، فهل هناك أعظم من ذلك؟! هم أنفسهم الذين جاؤوا وأجلسوا ذلك العجوز على منبر رسول الله، هم الذين غصبوا أمير المؤمنين حقّه، هم أنفسهم الذين كانوا إذا رجع النبيّ من سفرٍ يهلّلون أمامه مرحّبين: أهلاً وسهلاً يا رسول الله! طيّب الله أنفاسكم! ويسلّمون ويصلون وأمثال هذا الكلام، فهؤلاء الموجودن الآن كانوا أيضًا في ذلك الزمان، لم يهبطوا من القمر ليقتلوا السيدة الزهراء، إنّهم هم أنفسهم فلنجعل أنفسنا مكانهم في تلك الحالة. قبل أن يتوفّى النبي نسبوا الهذيان إليه فهذا ما ينقله أهل التسنّن أنفسهم من حديث القلم والقرطاس، حيث قال النبي: إتوني بكتفٍ ودواةٍ أكتب لكم كتابًا لن تضلوا بعده أبدًا، وبعد ساعةٍ فارق الدنيا، فقام الثاني وقال: إنّ الرجل ليهجر. أي اتّهموا رسول الله بالهذيان.

    1. الأحزاب ٣٩.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

10
  • الآن علماؤنا يردّون هذا الحديث ويقولون لا وجود له. شكرًا لكم! جزيتم خيرًا! لقد فعلنا ما لم يتمكّن من فعله أهل السنّة، وذلك السيد خارج إيران أيضًا يردّ ركلة عمر للسيّدة الزهراء فهذا من تلك الناحية ويأتي آخر أيضًا وينفي زيارة عاشوراء. الحمد لله لقد تحقّقت الوحدة، أيّة وحدةٍ صرنا فيها سنّةً أكثر من أهل السنّة، هم لديهم هذا الكلام في كتبهم، ونحن سبقناهم وقلنا لهم: عبثًا ذكِرت هذه الأمور في كتبكم، إنّها كذبٌ والحقّ مع عمر ويزيد وأبي سفيان وأبي بكر وأمثالهم! لا بدّ أنّ هذا من علامات آخر الزمان، أمورٌ أصلاً لا يتصورّها الآن ولا تخطر في باله، نسمعها من أبناء المائة سنة والثمانين سنة والسبعين سنة. 

  • كلّ ذلك لأجل ماذا؟ كلّ ذلك هو لأجل أنّنا مثلهم وهم مثلنا لم نقم بهذا العمل وهو أن نرى ذلك الوحي الذي نزل على رسول الله قد نزل علينا أيضًا، لو كنّا نحن في زمان النبيّ فربّما كنّا منهم أيضًا، وإن شاء الله وببركة الأئمة وولايتهم وكرمهم نأمل أن يمنعوا ذلك، إنّه أمرٌ عجيبٌ جدًّا، فنحن لدينا من الكريات الحمراء والبيضاء بمقدار ما لديهم، لدينا قلب ورئتان وكبد و... لا نتفوّق عليهم بشيء كي نفتخر ونعدّ أنفسنا مختلفين عنهم، وأنّ تلك الأمور هي لهم دوننا.

  • أنا الآن في هذه المجالس أنبّه، فإذا خرجت يرتكبون ما نبّهت عليه في هذا الوقت بعينه، أقول: قم بهذا العمل!

  • يقول: هذا الأمر ليس موجّهًا إليّ. لقد قال به الأعاظم والأئمة وأولياء الله والنبيّ فقط.

  • ـ انصحنا يا سيّدنا.

  • فإذا خرجوا خالفوا. واللهُ لا يمازح أحدًا ولا يجامل.

  • أنا الآن إنسانٌ مكلّفٌ ومسؤولٌ عن كلامي وسلوكي، وكلّ واحدٍ من الرفقاء والأصدقاء مكلّفٌ بنفس المقدار من المسؤوليّة والتكليف الذي هو في عهدتي، وظيفتي هي القول والعمل ووظيفة الآخرين هي الاستماع والعمل. لقد ذكرت مرارًا أن انظروا إليّ فقط كشريط أو كمرآة، سمعت كلامًا من الأعاظم من هنا وهناك، وهناك أناسٌ مستعدّون ولديهم قابليّة وأهليّة، وأنا أجعل بين أيديهم هذه الأمور دون تصرّفٍ وخيانة، أجعلها أمانةً بين يدي الذين يريدون أن يقولوا: إن كنت لا تريد أن تعمل أنت فنحن نعمل. أنا أوصل هذا الكلام وليس هناك مسؤوليّة وتعهّدٌ بأكثر من ذلك، وليس هناك ضمانةٌ أكثر من ذلك، إن كان هناك من يعطي ضمانةً فلست أنا، الضمانة يجب أن يعطيها إمام الزمان، كلّ من أراد ضمانةً فليذهب إلى إمام الزمان، لماذا يأتي إليّ؟ أنا لا أعطي ضمانةً.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

11
  • يقول الإمام الصادق عليه السلام: يجب أن تقوموا بهذه الأعمال الثلاثة لتصلوا إلى أوّل درجة التقوى، فإن كنت لا أعمل فما علاقة الإمام الصادق بذلك؟ وما علاقة أولياء الله؟ لقد بيّن هؤلاء الأمور ودوّنوها في كتبهم أيضًا، تلك الأمور أيضًا كتبتُ منها إلى حدٍّ ما أنا أيضًا فما المراد منها؟ ما الهدف من كتابتها؟ هل أن نقول إنّنا من المؤلّفين؟ كلاّ، فليس لديّ تلك الرغبة في الكتابة والتأليف، فليعلم الرفقاء ذلك. هناك الكثير من الموضوعات التي كتبها الأعاظم في كتبهم ومؤلفاتهم، وهناك الكثير من المسائل والذي لا يُفلح في العمل هو نحن، غاية الأمر أنّه حيث إنّ هناك بعض الأمور تحتاج إلى توضيح وبعض المبهمات تحتاج إلى شرح ووضوح فإنّنا نتكلّم أيضًا، وربّما كان هناك كلام مفيد لا أكثر وقد أرضينا قلوبنا أننا استطعنا أن نؤدّي التكليف إلى حدٍّ ما، وأن نبيّن الأمر إلى حدٍّ ما، وهذا لا بأس به من باب إرضاء القلب ولكن المهمّ في الأمر هو هذا، والأمر لا يختلف: من لم يصغِ فلا نتيجة له ولا فائدة منه. 

  • يقول الإمام إن أردت أن تكون من المتّقين فلا بدّ أن تعمل بهذه الأمور وقد بيّنها بالكامل، يقول عنوان أوصني وصيةً أخرى، يعني يستفاد من كلام عنوان هذا وما بيّنه الإمام أنّ كل ما يحتاجه السالك للعبور من عالم النفس والتعلّقات والكثرات قد اتّضح، وقد ذكر الإمام آيةً وأنهى الأمر:{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}

  • لقد بيّنا الأمر. ثمّ يقول عنوان: أوصني إضافةً إلى ذلك. فيبدأ الإمام ويوصيه بتسعة أشياء. وإن شاء الله سنطرحها للرفقاء ولكنّ الكلام هو أنّ الأمر انتهى إلى هنا، لقد بيّنا لك الأمر يا عنوان ويا من يعدّ نفسه من شيعتي أنا الإمام الصادق، قد بيّنا لكم، والأعاظم أيضًا ينقلون في كتبهم والمرحوم العلامة أيضًا ذكرها، وقد رأينا نحن فهذا يكفي، أي إنّ الإمام الصادق كمبلّغ، وسائر الوسائط أيضًا كمبلغين، نحن وصلنا إلى الأمر، أمّا كم نهتمّ به؟ فهذا أمرٌ آخر.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

12
  • أطرح عليكم سؤالاً وهو يرتبط بي كما يرتبط بكم أنتم: كم مجلسًا قد مضى إلى الآن من مجالس عنوان البصري هذه؟! ربّما فاقت المائة مجلس، منذ سنوات ونحن مأنوسون مع الرفقاء ولكن هل واقعًا عملنا، لا بما خرج من فمي أنا بل بما يريده الإمام الصادق في كلامه هذا أم لم نعمل؟ كم سنةً قد مضت إلى الآن؟ نسأل الله أن يوفّقنا ويضاعف من توفيقنا، فما لم يوفّق الله فلا يمكن للإنسان أن يخطو خطوةً واحدة، ولكن على كلّ حال لنلتفت إلى أنفسنا مقدارًا يتناسب وما نراه فيها من قدرةٍ واختيار، ولنلتفت شيئًا ما ولنعلم أنّ الإمام الصادق لم يكن عاطلاً عن العمل ليتكلّم مع عنوان بهذا الكلام؛ فكم جاء عنوان إلى الإمام الصادق فلم يُفسح له المجال حتّى قبله في النهاية، فأولياء الله هؤلاء الذين نبيّن كلامهم لم يكونوا عاطلين عن العمل، لم يكونوا يبحثون عن العلاقات والكلام مع هذا وذاك وزيارة بيت هذا وذاك، إنّهم أناس لم تكن لديهم الفرصة ليسألوا عن أحوالي بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر من ذهابي إلى مشهد، هكذا كتبوا هذه الكتب، أحيانًا كنت أذهب إلى مشهد بعد فراق ثلاثة أشهرٍ فإذا دخلتُ عليه رأيته جالسًا خلف الطاولة يكتب، وما إن أقول: السلام عليكم. كان يقول: عليكم السلام ادخل إلى البيت فإذا انتهي عملي أتيت. لم يكن ليقول حتّى: كيف حالك؟! كيف الأوضاع؟! هكذا كان يجعل هذه الأمور بين أيدينا، يعني لم يكن ذلك من باب البطالة ومن باب إذا تهيّأت الفرصة وكانت الأحوال والأجواء مناسبة فلنكتب شيئًا ما ليقولوا لقد بقي كتابٌ من السيّد محمد حسين أيضًا وبقي له أثر، كلاّ لم يكن الأمر هكذا.

  • لماذا هاجر العلاّمة الطهراني إلى مشهد؟

  • في إحدى الجلسات حيث كنت حاضرًا في مشهد، جاء أحد أقاربنا لزيارته وجرى الحديث فقال له: يا فلان نحن إذ أتينا إلى مشهد لم نأت من عند أنفسنا، لقد نظرتُ فرأيت أنّ هؤلاء الناس بذلوا كامل وجودهم للإسلام، فمن يتخلّى عن روحه وماله ووجوده ودمه في سبيل هذه الثورة... وتلك الحرب التي وقعت كانت حرب الكفر العالميّ في مقابل الإسلام، حيث كانوا يريدون محو الإسلام ولولا عناية إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف لما بقي أثرٌ، فهؤلاء إذ جاؤوا لم يكونوا يقدّمون لهم في المعارك الخبز والحلوى وموائد الأرزّ بالزعفران، بل هناك القنابل والرصاص والقتل والموت فلماذا جاء هؤلاء وقاموا بذلك؟ قاموا به لأجل الإسلام أم لأجل قبضة ترابٍ؟ ما هو التراب؟ هذا التراب بعينه موجود في أفغانستان وفي أفريقيا وأميركا، فجبل دماوند الذي لدنيا، هناك قمة إفرست في النيبال تعادل ضعفيه، وهذه الأنهار الموجودة في إيران يوجد مئة أضعافها في أماكن أخرى، وهذه المروج الخضراء الموجودة في إيران يوجد خير منها في أماكن أخرى، فالإنسان لا يقدّم روحه من أجل قبضة ترابٍ، فلو قالوا لك الآن: إما أن نعدمك أو تغادر البلاد. تقول: أغادر. فهل ضحّى الناس بأرواحهم لأجل التراب أم لأجل الدين؟ لأجل أيّهما؟ 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

13
  • لقد كان لأجل حفظ الدين أم لأجل حدودٍ تتقدّم ثلاثة كيلومترات باتفاقٍ وتتراجع أربعة كيلومترات باتفاقٍ آخر، فهذه هي حدودنا، كلّها اعتباريّة وتخيليّة واتفاقٌ على ورق، ما هو الحدّ؟ الحدّ حدّ الإسلام والدين، لقد جاء هؤلاء الناس وبذلوا كلّ ما يملكون متسابقين. كان يقول: لماذا قاموا بذلك؟ لكي يحلّ الإسلام، تلك الحكومة التي كانت تبذل كامل قوّتها لأجل هدم الدين والقضاء على شعائره، الآن جاء الناس وقالوا نحن أتينا وقدّمنا الدماء والأرواح وتحمّلنا الدمار وهذا الأمر يأخذ بتلابيب الإنسان وعالم الدين مسؤول عنه، وفي يوم القيامة يأتي ذاك الرجل والمرأة والشاب والأمّ الذين ضحوا بالإبن والأب والمال والروح والوجود يأتون إليّ ويقولون لقد قمت أنا بهذا فبماذا قمت أنت؟ أنا لم أقدّم ذلك من أجل قبضة تراب، إنّ روحي أعزّ من ذلك. افترضوا أنّ هذا النهر الذي يجري وهذا الجبل لم يكونا، ولم يكن ذلك الغار في مكان كذا والتي هي مفاخرنا! لنفترض أنّها لم تكن فأين المشكلة لو سئلت يوم القيامة ما هو التكليف؟ 

  • قال: إنّما أتيت إلى مشهد لكي أجد الفراغ لأبيّن الدين الذي بذل الناسُ من أجله الدماء، لقد جئت أنت وبذلت الدماء فهذا معرفة الإمام يعرّف الإمام وهذا معرفة المعاد يعرّف المعاد وهذا معرفة الله يعرّف الله وهذه الكتب الأخرى تبيّن الأخلاق والمنهج والروايات للناس، لذلك كان يقول: لو قطعوا بدني إربًا إربًا لما تنازلت عن كلمةٍ واحدة في هذه الكتب، لماذا؟ لأنّ الكلام حقٌّ، هذه هي حقيقة المسألة إنّهم لم يكونوا عاطلين عن العمل إذ كتبوا هذه الأمور، إنّ قراءة هذه الموضوعات والتأمّل فيها هو لصالحنا نحن، فلا نسمحنّ أيّها الرفقاء أن يأتي يومٌ نضرب فيه على رؤوسنا حسرةً ونقول: لقد كنّا بعيدين عن هذه الموضوعات، قبل أن يتاخّر الوقت فلنطالعها ولنعمل بها! إذا قرأنا فقرةً فلنفكّر، أنا عندما أريد أن أنام ليلاً لا يمكن أن أنام قبل ان أطالع منذ سابق الأيام، لا بدّ أن يكون هناك كتابٌ إلى جانبي وأطالع إلى أن أغفو وكتب العلامة موجودة إلى جانبي، أحيانًا الروح المجرّد وأحيانًا توحيد علمى وعينى فأجلس وأفكّر فتخطر في بالي فكرة فأكتبها في الهامش، وأحيانًا أطالع فقرةً من ثلاثة أو أربعة أسطر وأغوص في التفكير لمدّة نصف ساعة، أغوص في التفكير نصف ساعة حتّى ألتفت بعد ذلك إلى أنّي... يعني أنام في النهاية.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

14
  • لا يمكن أن نجعل هذه الكتب للتبرّك في المكتبة، فهذه الكتب ليست أرفع من القرآن في النهاية، فيجب أن يطالع الإنسان هذه الكتب ويعمل بها وبمجرّد أن يكون الإنسان في حالٍ ما وأمثال ذلك لا يكفي. فكلّ إنسانٍ منّا يحتاج إلى هذه المطالب أكثر. كلّ الذين هم جالسون هنا بما فيهم أنا ـ أنا لا أقول هذا من باب التواضع، فلست من أهل التواضع أقول حقًا، وربّما كان سبب ذلك هو أنّ ما أدركه ربّما يكون مع التجربة التي لديّ أكثر، وكلّ من كان إدراكه أكثر فإنّ مسؤوليّته أكثر، فليس الأمر مزاحًا، أنا بنفسي هكذا ـ لا أحد منّا مستغنٍ عن الموضوعات التي تُطرح هنا، والكلام الذي يقال على الإنسان أن يستحضرها في ذهنه حتّى لا ينساها ولا يوكلها إلى النسيان.

  • هل السير والسلوك هو لتغيّر الأحوال النفسيّة وحلّ مشكلات الحياة؟

  • يقولون: سيّدنا لم يحصل لدينا في هذه المدّة تغيّرٌ في الأحوال!

  • ـ أفهل يجب أن تتغيّر أحوالك؟! وهل أعطيت ضمانةً في ذلك؟ إن كان الأمر كذلك وتريد أن تطالب فإنّي لا أعطي ضمانًا لأحد، ومن الآن أقول: هناك أمورٌ قد بيّنت وقد جعلتها بين أيدي الرفقاء، إن كانت خطأ فلا علاقة لي وإن كانت صحيحة فقد بُيّنت للنّاس وأنا لا قيّمٌ على الدين ولا قيّمٌ على الآخرين، لا قيّمٌ على السلوك ولا وليٌّ ولا أيّ إنسانٍ آخر. إنّ وليّ الدين ووليّ الشرع ووليّ عالم الإسلام هو بقيّة الله الحجّة بن الحسن أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وكفى وانتهى الأمر. إن كان لإنسانٍ كلامٌ فليذهب إليه، لماذا يأتي إليّ؟ ما هو دوريّ أنا؟ إن لم تتغيّر أحوالك فما شأني أنا؟ أفهل ذهبتُ أنا إلى أحدٍ لأجل عدم تغيّر أحوالي؟ أم هل جاء السير والسلوك ليحلّ مشكلات إنسانٍ ما؟ 

  • ـ سيّدنا نحن لدينا هذه المسألة وهذه المشكلة.

  • ـ إن كانت لديك فلتكن ما شأني أنا؟ 

  • ـ سيدنا أنا موجودٌ منذ مدّةٍ هنا ولديّ مشكلات، فماذا أصنع لك؟ 

  • ـ أفهل لديّ مكتب لحلّ المشكلات؟ هل أنا موضع تردّد الناس ورجوعهم؟ إن كان لإنسانٍ ما مشكلة فليتوجه إلى الله وإلى إمام الزمان.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

15
  • وظيفتي هي أن أبيّن الطريق والمنهج الذي نقله إلينا الأعاظم لأجل الحياة ولأجل التربية، وأن أنقله بدون خيانةٍ وتصرّفٍ وبدون مصالح ومنافع دنيويّة فأنقل ما فيه مصلحةٌ لي دون ما فيه مفسدةٌ عليّ، بل أبيّن بذلك المستوى دون خيانةٍ وبأمانة، أمّا ما زاد على ذلك فما شأني به؟ 

  • ما هي الآثار الحقيقيّة للسير والسلوك ومتى وأين تحصل؟

  • إن لم يكن هناك تغيّر في الأحوال فليكن، فاذهب وابحث لماذا؟ إن كان هناك مكانٌ آخر فاذهب إليه لا شأن لي بذلك. نحن نتخيّل أنّه بمجرد أن يأتي إنسانٌ إلى السلوك فلا بدّ أن يأتي جبرائيل من السنة الأولى ويذبح أمامه القرابين ويأتي ميكائيل وينصب أقواس النصر، ويأتي إسرافيل ويفرش أمامه السجّاد الأحمر، وتلطِّف له الملائكة الهواء. كلاّ يا عزيزي، لا وجود لهذا الكلام، السلوك يعني أن يخطو الإنسان في طريقٍ حتّى يأتي عزرائيل إليه. فهل التفتّم؟ علينا أن نكون متّبعين للأوامر وملتزمين بالبرامج حتّى تلك اللحظة سواءٌ تغيّرت أحوال الإنسان أم لم تتغيّر، هذا المعنى هو معنى السلوك. إن عمل بالمطلوب فسيصل. قال: إن لم تصل هنا فستصل في ذلك العالم ولا يختلف الأمر، هذا الأمر مسلّمٌ والمشاهدات أيضًا تؤيّده، لقد كان هناك أفرادٌ من الرفقاء والأصدقاء انتقلوا من هذا العالم إلى ذاك ثمّ أخبروا أنّهم أكملوا الطريق الذي لم يطووه هنا فوصلوا إلى المقصود. فالمشاهدات أيضًا تؤيّد ذلك، أمّا أنّه غدًا ... كلا فالسلوك ليس فرخة الواحدِ والعشرين يومًا، وبمجرّد أن يقرأ الإنسان صفحةً من القرآن يريد أن يحصل له الكمال! ويلتزم بذكرين ويريد أن يأتي جميع العالم والناس والملائكة والجنّ والإنس ويكونوا تحت أمره! كلا يا عزيزي ليس الأمر هكذا ولا شيء من ذلك.

  • ما هو المطلوب في السير والسلوك؟

  • حفظ النظر والسمع عن الحرام ورعاية الحقوق

  • منذ أن يخطو الإنسان في طريق السلوك فهذا يعني أنّ عليه أن يحفظ عينه، إن لم تحفظ عينك في المكتب وفي المصنع وفي الشارع وهنا وهناك فلا تُرسل إليّ رسالةً أن لماذا أصبحت كثير الخيال؟ عندما أقول يجب ان لا تتصل المرأة بالرجل فإنّهم يتّصلون ويبتلون ويرسلون إليّ برسالة. عندما أقول يجب العمل وفق هذه الأوامر فيعملون على خلافها ثمّ يأتون إلي. الآن تأتي؟! الآن يجب المجيء؟! عندما أقول: يجب ان لا تغشّوا في المعاملة، عندما أقول: يجب إعطاء المظلوم حقّه، عندما أقول: يجب أن تراعى الحقوق، عندما أقول: لا تتدخّلوا في أعمال الآخرين، عندما أقول: لا تتجاوزوا حدودكم، فيذهبون ويفعلون كلّ ذلك ويحصل الفساد ويقولون: أدركنا، كلاّ أنا لا أدرك أحدًا، كلّ إنسانٍ هنا يتحمّل مسؤوليّة سلوكه وكلامه وأفكاره وأقواله وهو يجب أن يكون مسؤولاً عنها، فكما أنّي لم ألقِ بمسؤوليّة ما أقوله وما أصنعه حتّى الآن على عاتق أحدٍ من الرفقاء فإنّي أتوقّع من الرفقاء والأصدقاء أن يكونوا ملتفتين في أعمالهم وأقوالهم وسلوكهم وأن يعملوا بشكلٍ صحيح ويراعوا جميع الجوانب حتّى لا يحتاجوا إلى المراجعة والطلب أن: سيّدنا لقد أفسدنا فتعال وأصلح. كلاّ يا عزيزي. فكيف نحسب حساب منافعنا بشكلٍ دقيق؟ ولكن إذا وصلنا إلى الأمور الأخرى فليكن الأمر بأيّ نحوٍ، كلا ليس هكذا. 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

16
  • الرفق في الكلام وحسن المعاشرة

  • على الإنسان أن يتكلّم مع المحيطين به بما لا يوجب أذاهم، يجب أن يكون سلوكه أسوةً للآخرين، لا أن يقال: انظر ماذا يفعل تلامذة فلان، لا أن يقال: إنّ الذين يتّبعون فلانًا لهم طريقٌ ومنهجٌ مختلف وكأنّهم من عالمٍ آخر ولا يمكنهم أن يرفعوا رؤوسهم، كلا يا عزيزي الشرط الأوّل للسلوك هو التواضع للناس ورعاية الأخلاق وتطبيق الكلام الذي قاله الأعاظم، هذا الكلام الذي قاله الإمام بعينه. فذلك أوّل درجة التقى، لا تتخيّل أنّك قمت بأمرٍ مهمّ، إنّها الخطوة الأولى التي قمت بها! إن احترام الناس واحترام الإسلام واحترام المسؤولين واحترام كلّ ما يرتبط بالإسلام هو وظيفة كلّ إنسانٍ مسلم وواجبٌ شرعيٌّ على جميع الناس، إذا خطر في بال الإنسان أمرٌ ما وكانت هناك نصيحةٌ فإنّه يطرحها: والنصيحة لأئمة المسلمين، فلدينا أمرٌ بهذا، أمّا أن يتكلّم الإنسان بكلّ ما يخطر في باله وبكلّ ما يتوهّمه فهذا على عهدته هو وليس على عهدة أحدٍ غيره، وقد طرد المرحوم العلامة في حياته الكثير من الناس بسبب عدم اهتمامهم بهذا الأمر فقال: لماذا تفعل هذا؟ لماذا تقول هذا الكلام؟ كلامك هذا مخالفٌ للشرع ومحرّم ولم يكن يتساهل مع أحد.

  • المحافظة على الأسرة

  • بالنسبة للأمور التي ترتبط بشؤون الأسرة والمسائل التي بيّنتها للأصدقاء، لقد بيّنت أكثر ممّا يجب، فكم تكلّمت في حديثي عند عقود الزواج حول ما يوجب استمرار الحياة والمحبّة والألفة والأنس! لقد تعبت من كثرة الكلام وكثرة النصيحة. فإن لم يصغ إنسان ما فما علاقتي أنا؟! إن لم يرد إنسان ما أن يعمل، إن أراد أن يعمل وفق رغبته، إن أراد أن يعمل وفق أنانيّته، ثمّ ينسب نفسه ويقول أنا: مع فلان ومن المقرّبين والمرتبطين والمتعلّقين و... فهذا على عهدة الإنسان نفسه. 

  • وكم بينّا من الأمور حول المعاملات، وحول العلاقة مع الجيران، ومع الصديق ومع الشريك ومع الأب والأمّ؟! وكم نقلنا من كلام الأعاظم؟! كم نبّهنا على احترام الأب والأمّ؟! أفهل من الصواب ما أسمعه من أنّ فلانًا [يقاطع أباه] لمجرّد أنّه غير موافق على بعض هذه الأمور، حسنًا إن لم يكن موافقًا فليكن، فهل يجب أن يكون الجميع سلمان الفارسيّ وأن يكون الجميع أبا ذر وعمارًا وياسرًا وأويسًا القرنيّ؟! يقولون: إنّه لا يقبل بالسيّد، ثمّ نرى أنّهم لا يردّون سلامه، عجيب عجيب أيّها التعيس الحظّ إن لم تحترم أباك فقد أغلق طريقك إلى الله، إن لم تحترم أمّك فلن تتقدّم سانتيمترًا واحدًا. ألم أنقل للرفقاء أنّ فلانًا جاء في عهد الشاه إلى المرحوم العلاّمة وقال له: إنّ أبي شيوعيّ ولا دين له، فكيف أتعامل معه؟ فقال: يجب أن تتصوّره كواحد من شيعة أمير المؤمنين ثمّ تحترمه. فهذا أمر وليّ من أولياء الله، العارف يتكلّم بهذا الكلام. لماذا؟ لأنّ هذا أب، ولا يمكن التساهل بحقّ الأب، والأمّ لا يمكن التساهل بأمرها. مهما أراد الأبوان أن يتصرّفا مع الابن ويؤذيانه، فحسابهما عند الله، هذا هو الطريق، إن شئت أن تسير في طريق الله فهذا هو الطريق، نعم في الأماكن الأخرى ذكروا أمورًا أخرى أيضًا. 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

17
  • طاعة الزوج والوالدين

  • عندما يقولون: إنّ طاعة المرأة لزوجها واجبة فهذا يعني أنّه إذا قال الزوج كلامًا ـ لا في الأمور الدينيّة بل في الأمور الأسريّة والتربويّة ـ فعلى المرأة أن لا تقول: لماذا؟ إن قالت لماذا؟ صارت كلّ أعمالها هباء منثورًا. ثمّ لو قالت بدلاً من أربعمائة مرّة ذكر اليونسيّة أربع آلاف مرّة، فإنّها ستكون مصداقًا لكلام الإمام الصادق عليه السلام ولا يدع أيّامه باطلاً، وهذه المرأة تكون قد قضت كامل عمرها بالبطالة. فلتقل اليونسيّة ما شاءت ولتصلّ على النبيّ محمّد وآله فلا فائدة إلى أن يرضى عنك زوجك. إن كان هناك كلام آخر في مكان آخر فاذهب واستمع إليه، نعم أنا سمعت: يقول الزوج لزوجته لنذهب من هذه المدينة إلى تلك، فتذهب إلى سيّدها ومولاها لتأخذ إذنًا فيقول لها: لا يجب أن تطيعي، ارجعي إلى نفسك وما تقوله نفسك فأطيعيه. فهذا أيضًا موجود. ولكنّ هذا لم يقله الأولياء، لم يقله الإمام الصادق، هذا الكلام محرّم، هذا الكلام خطأ وعلى هذا الذي قاله أن يجيب يوم القيامة. 

  • جاءت امرأة إلى المرحوم العلاّمة وكان زوجها من رفقاء وأصدقاء المرحوم العلاّمة ثمّ انفصل عنه، بينما بقيت زوجته، فجاءت إلى المرحوم العلاّمة وقالت: زوجي لا يسمح لي أن آتي إلى مشهد، فقال لها: ما لم يأذن لك زوجك فليس لك الحقّ بالمجيء. فهذا شيء وذاك شيء أيضًا. لقد كان زوجها من المعاندين، كان سابقًا من المرتبطين بالمرحوم العلاّمة، وكان من تلامذته، ثمّ صار من المعاندين وصار يسبّه ويتكلّم عنه بالسوء. فيقول المرحوم العلاّمة عن مثل هذا الرجل: ما لم يأذن زوجك فلا حقّ لك بالمجيء إلى مشهد، هذا هو الطريق. 

  • قال السيّد الحدّاد رضوان الله عليه لرجل: ما دام أبوك غير راض فلماذا تأتي إلى كربلاء؟! أتريد أن تأتي لتراني! لا بأس، ولكنّك جئت ورأيتني فقط ولم تر الحدّاد، إنّما رأيت شكلاً وعمامة ووجهًا وجسمًا، هذا فقط. نصيبك من هذا المجيء هو هذا، وعليك الآن أن تجيب الله، لهذا صار السيّد الحدّاد هذا العارف لأنّه جاء وعمل بسنّة النبيّ وبلّغها، يجب أن لا يكون النبيّ غير راض. 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

18
  • لماذا صار أويس القرنيّ أويسًا؟

  • ماذا كان حكم النبيّ؟ إنّه ما قام به أويس لرؤية النبيّ، فذلك الشوق وتلك الحرارة التي كانت في قلبه لرؤية النبيّ، واقعًا ليجعل الإنسان نفسه بدلاً منه، وليرَ ماذا كان يعاني في فراق النبيّ، ولكنّ أمّه تمنع، ولا يمكنه أن يترك أمّه، فلا يأتي، لقد كان يتتبّع، جاء إلى المدينة، ألم يكن النبيّ يعلم أنّ أويسًا سيأتي إلى المدينة؟! إنّه يعلم، ولكنّه يخرج من المدينة، كان بإمكان النبيّ أن يؤخّر خروجه، وأمّه من جهة أخرى تسمح له بالبقاء في المدينة نصف يوم، أسمح لك أن تبقى نصف يوم وترجع. يأتي، لقد قالت أمّه: نصف يوم فقط. انظروا كم الأعمال دقيقة وعلى أساس حساب. إن لم يعطه النبيّ شيئًا لما كان نبيًّا ولما كان هناك فرق بينه وبين بائع الشمندر، النبيّ يعلم أنّ أويسًا يريد أن يأتي، ولكنّه لديه تكليف في أن يخرج، والنبيّ يريد أن يراه، وهو أيضًا مشتاق، فلا تظنّوا أنّ أويسًا كان يشتاق من جهة واحدة، فقلب النبيّ أيضًا كان مشتاقًا إلى رؤيته وزيارته. فهذه القلوب كقطع المغناطيس تتجاذب، أنتم تظنّون أنّ النبيّ كالعمود والآخرين يأتون ويلتفّون حوله، كلاّ، فالنبيّ أيضًا إنسان، وقلبه مرتبط، والنبيّ أيضًا مرتبط بضميره به، هو يرى أنّه الآن يأتي ولكن لديه أمر بأن يخرج من المدينة. فيأتي أويس ويرى أنّ النبيّ غير موجود، فتقع السماء فوق رأسه، تتحطّم الأرض فوق رأسه، فليجعل الإنسان نفسه مكانه، ولير ماذا عانى وماذا تحمّل؟ ولكن رغم كلّ ذلك قال: لو كان النبيّ موجودًا فماذا كان سيقول؟ لقد كان سلكه متًّصلاً بالنبيّ، يا رسول الله؟ أبقى أم أمضي؟ يقول النبيّ: لقد قالت أمّك ارجع بعد نصف يوم، ففي النهاية عدم رؤيتي لك هو في مصلحتك، فلترجع وأنا راجع معك. حينها يصبح أويسًا، حينها يشفع في عدد شياه ربيعة ومضر۱. يعني تصبح له سعة وجوديّة في التوحيد إلى درجة أنّه يشفع بما لا يمكن تصوّره. هذا هو أمر النبيّ. وأولياء الله هم هكذا. ثمّ بعد ذلك نذهب نحن للقاء السيّد الحدّاد، بهدوء، لا نخبر والدنا حتّى لا يمنعنا! فإذا وصلنا أرسلنا إليه رسالة أن ها نحن هنا، وسنرجع بعد بضعة أيّام. لم تحظ بنصيب من السيّد الحدّاد، فلا فائدة! الاهتمام بالوالدين، الأوامر الإلهيّة كلّها هكذا. إن التزمنا بها وصلنا، فإذن علينا أن لا نلوم، هذا هو طريق السلوك. طبعًا هناك مقدار من الكلام قد بقي لأنّي رأيت أنّي إذا أردت أن أبدأ بمسألة جديدة فلا وضعي يساعد ولا الفرصة تسمح. 

    1. معرفة الإمام، ج‌۱٢، ص: ٣۱: قال الشيخ المفيد: و قال عليه‌ السلام بذي قار و هو جالس لأخذ البيعة: يَأتِيكُمْ مِنْ قِبَلِ الكُوفَةِ ألْفُ رَجُلٍ لَا يَزِيدُونَ رَجُلًا وَ لَا يَنقُصُونَ رَجُلًا يُبَايُعوني عَلَى المَوْتِ.
      قال ابن عبّاس: فجزعتُ لذلك و خفتُ أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه فيفسد الأمر علينا. و لم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتى ورد أوائلهم، فجعلت أحصيهم، فاستوفيت عددهم تسعمائة رجل و تسعة و تسعين رجلًا. ثمّ انقطع مجي‌ء القوم، فقلتُ: إنَّا لِلَّهِ وَ إنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ. ماذا حمله على ما قال؟
      فبينا أنا مفكّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتى إذا دنا، فإذا هو راجل عليه قباء صوف، معه سيفه و تُرسه و إداوته، فقرب من أميرالمؤمنين عليه‌ السلام فقال له: امدُدْ يَدَكَ أبَايِعْكَ.
      فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: عَلَامَ تُبَايِعُنِي؟
      قال: عَلَى السَّمْعِ وَ الطَّاعَةِ وَ القِتَالِ بَيْنَ يَدَيْكَ حتى أمُوتَ أوْ يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ.
      فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: ما اسمك؟ قال: اوَيْس. 
      قال: أنْتَ اوَيْسُ القَرَنِيّ؟ قال: نعم.
      قال أميرالمؤمنين عليه السلام: اللهُ أكْبَرُ، أخْبَرَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ: أنِّي أدْرِكُ رَجُلًا مِنْ امَّتِهِ يُقَالُ لَهُ: اوَيْس القَرَنِيّ، يَكُونُ مِنْ حِزْبِ اللهِ وَ رَسُولِهِ، يَمُوتُ عَلَى الشَّهَادَةِ، يَدْخُلُ في شَفَاعَتِهِ مِثْلُ رَبِيعَةَ وَ مُضَرَ، اللهُ أكْبَرُ.
      قال ابن عبّاس: فَسُرِيَ وَاللهِ عَنِّي.

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

19
  • ما هو السلوك الحقيقي؟

  • السلوك هو أن يدخل الإنسان في مرحلة وطريق وصراط يجعل فيه عمله وأفكاره وأقواله مطابقة للقواعد والأوامر حتّى اليوم الأخير. فمن كان حاضرًا فبسم الله، ومن لم يكن فليذهب إلى مكان آخر. ربّما يعلّمون في أماكن أخرى طيّ الأرض، يمكن أن يعلّموا في أماكن أخرى علم الرمل والجفر وأمثال هذه الأمور التي لا قيمة لها أبدًا، ربّما تكون الأجواء والأحوال بنحو آخر، أنا لا علم لي. أنا لست مطّلعًا أبدًا على هذه الأمور، ما يمكن أن أقوله هو أنّ ما قاله الأعاظم هو هذا، يمكن أن أحمل مسؤوليّة هذا وأتعهّد به وأجيب عنه، وهو أنّ طريق السلوك طريق يعمل فيه الإنسان أعماله ويجعل برنامجه وفق أوامر الأعاظم، فإذا قام بها فإنّه سيكون تحت إشراف وليّ عالم الوجود إمام زمان ذلك العصر، سواء رآه أم لم يره، سواء التقى به أم لم يلتق، سواء أدرك عصر الظهور أم لم يدركه. لقد كان هذا منهج أولياء الله، وقد ساروا على هذا الأساس، ولا يختلف الأمر في هذه المسألة بيني وبين الرفقاء وسائر الأصدقاء. 

  • لا قدّر الله أن يأتي ذلك اليوم الذي أرى فيه الرفقاء الجالسين هنا قد سبقوني يوم القيامة وأنّي تأخّرت عنهم. كلاّ فالله لا يجامل أحدًا، ألم أذكر للرفقاء أنّ المرحوم العلاّمة قال لأحدهم: من طلب مني أعطيته ومن لم يطلب لم أعطه بل حتى أشار إليّ قال إن أراد أعطيته وإن لم يرد لم أعطه، إن أراد يعني إرادة الباطن وإرادة الباطن لها تعهّداتها والتزاماتها واهتمامها وإراداتها ولا يكفي أن نقول بهذه البساطة: نحن أردنا. إن شاء الله وفّقنا لأن نكون كما يرضى وأن نعمل كما يحبّ، هذا الطريق هو طريق العبور من النفس والأنانيّة والمشكلات.

  • هل يمكن أن يطوى طريق الله بغير صعوبات؟

  • لقد كتب لي أحدهم قبل يومين رسالةً كتب فيها أنّك قلت في موضع ما: إنّ هذا الطريق صعبٌ أفهل يتحتّم أن يُعرف الله بالصعوبات؟ 

  • أنت تركض من الصباح حتّى المساء لتحصل على قرشين وتشقى للحصول عليهما، ثمّ إذا وصل الأمر إلى الله تقول: أيتحتّم أن يُعرف بالصعوبات؟ 

ما هو السير والسلوك الحقيقيّ؟ ومتى وأين تحصل آثاره؟

20
  • لم يكن لدي جوابٌ أقدّمه إلا أن أقول: ارجعوا إلى عقولكم قليلاً؛ فربّما كانت تحتاج إلى شيءٍ من التصحيح وبعض الأقراص والعقاقير. كلا يا عزيزي إنّه العبور من الأنانيّة والعبور من النفس، ويجب أن نرى ماذا نحصل في مقابل هذا الأمر، ففي النهاية أيّها الأحمق ألا يعلم من يتفوّه بهذا الكلام أنّ هذه السنوات الستون من الدنيا ستمضي ولدينا هناك خلودٌ بلا نهاية، عددٌ لا نهاية له، ثمّ بعد ذلك يقول: هل يتحتّم أن يُعرف الله بالصعوبات؟! تفضل اعرفه بسهولة، لقد عبّدوا لك الطريق والملائكة مصطفّةٌ لاستقبالك لأنّك تريد أن تمرّ، هذا المقام يقول عنه حافظ: 

  • آه سردِ ما كجا آرد حساب***آنكه كشتى راند بر خون قتيل
  • يقول: متى يحسِب حسابًا لآهنا الباردة طالب الثأر الذي يقود سفينته على دم القتيل؟! 

  • ثمّ بعد ذلك نأتي نحن ونأخذ هذه الأمور ببساطة، نكتفي بقراءة صفحة أو صفحتين من القرآن وندير السبحة وينتهي الأمر.

  • نسأل الله أن يصحّح أفكارنا ويقوّي إرادتنا ويجعل اهتمامنا شديدًا وهمّـتنا عالية وطريقنا ومنهجنا واضحًا. وإن شاء الله يبقى دينًا في ذمّتي للرفقاء أن أبيّن في الجلسة القادمة ماذا نفعل؟ وكيف يجب أن نكون؟ وما هو مقصود الإمام الصادق من هذه التقوى؟ وكيف نجعل أنفسنا كي نتمكّن أن نكون مستعدّين لكسب الفيض من عند الله؟

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

  •