137

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

6634
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتقوى ومراتبها

التاريخ 1427/12/23


التوضيح

مع معنى لا تكن عبد غير وقد جعلك الله حرًّا؟
ما آثار الخضوع للآخرين على الخاضع وعلى المستعلي؟
ما الذي صنع من المستكبرين مستكبرين؟
هل نحن مبرؤون من حبّ خضوع الآخرين لنا؟
ماذا نصنع لنتخلّص من ذلك؟
كيف نستقبل شهري ذي القعدة وذي الحجّة؟
تعالج هذه المحاضرة تلك المحاور ضمن شرح آية: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا الواردة في حديث عنوان البصري.

/۱۸
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

1
  •  

  • هو العليم

  • آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

  • شرح حديث عنوان البصري - المحاضرة ۱٣۷

  •  ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

2
  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيدنا ونبينا أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • لا يريدون علوًّا في الأرض...

  • تقدّم أنّ الإمام الصادق عليه السلام قال لعنوان: فهذا أول درجة التقى، قال الله تبارك وتعالى{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين}۱. فهذه الأوامر التي أمرتك بها إذا عملت بها هي أوّل درجة التقوى، يقول الله تعالى في القرآن: تلك الدار الآخرة والنعيم والرضوان الإلهيّ هي للذين لا يبحثون عن العلوّ والترفّع والفساد والتفضّل على الآخرين، ولا يكون كلاً على الآخرين ولا يُلقي بثقله على كواهلهم ويستثمرهم لنفسه ويستعبدهم، والاستعباد يعني جعلهم عبيدًا يُظهرون الذلّة والضراعة أمام غير الله هذا معنى الاستعباد والله تعالى يعدّ الجميع عبادًا له، وأمر أن يكون الناس عبادًا له فقط وأحرارًا أمام الآخرين، يقول أمير المؤمنين عليه السلام وفي روايةٍ أخرى سيّد الشهداء: لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرًّا٢

  • ما معنى "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرًّا"؟ وما أثر الاستعباد على المستعبِد؟

  • لهذه المسألة بعدان ـ وربّما أكثر ـ فمن وجهة نظر الإنسان بعدان:

  • البعد الأوّل: هو أنّ هذا الأمر يؤدّي إلى أن يزداد الإنسان الذي تُظهر أمامه الذلّة وتطأطئ رأسك أمامه قوّةً في مقام العلوّ والتكبّر، ويغدو الأمر عنده أكثر اشتباهًا، وأن يغرق أكثر في تلك الحالة من الكبر والتبختر والفرعونيّة والأنانيّة التي هو فيها، ويشعر أكثر بالاستعلاء والكبرياء، فكلّ من جاء إليه يزيد في تكبّره درجةً، ولو ذهب إليه واحدٌ وأراد أن يتكلّم كإنسان فإنّ نفسه لا تحتمل، ولو ذهب إليه واحدٌ وقال له بشكلٍ طبيعيّ يسّر لي عملي هذا قال له اخرج وقِف في الصفّ ولأخّره إلى شهرين، يقبل الذين يُظهرون له الذلّة والمسكنة والخضوع فيسرّ منهم ويبحث عنهم، فإن كان له مكتبٌ أو دارٌ أو مؤسّسةٌ أو مدرسةٌ أو مركز فإنّه يرغب بأن يكون على علاقة بهكذا نوعٍ من الناس، فلو قال له إنسانٌ بشكلٍ طبيعيّ: السلام عليكم كيف حالكم لديّ طلبٌ كهذا. قال له: من أنت؟ وماذا تكون؟ وكيف أتيت؟ ومن الذي أوصلك إلى هنا؟ وماذا تريد أن تقول؟ قل كلامك وامض، اذهب إلى فلان وكلّمه ليس لديّ وقت، لماذا؟ لأنّه جاء يريد أن يكلّمه كما يتكلّم الناس بشكلٍ طبيعيّ، أمّا لو جاء واحدٌ وأظهر أمامه الذلّة ـ وما أقوله لكم إنّما أقوله لأني رأيته بنفسي فقد ذهبت ذات يومٍ إلى مكانٍ وأنا لم أتعلّم أن أطأطئ رأسي أو أتملّق كما يتملّق الآخرون.

    1. سورة القصص، الآية ۸٣
    2. . نهج البلاغة، الرسالة ٣۱ إلى الإمام الحسن المجتبى عليه السلام. تحف العقول، ص ۷۷

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

3
  • موقف عزيز

  • كان لديّ عملٌ في إحدى المحافظات فذهبت إلى منزل أحدهم، فلمّا وصلت قلت بشكلٍ طبيعيّ: لديّ عملٌ مع فلان.

  • قالوا: كان عليك أن تأخذ موعدًا مسبقًا.

  • قلت: حسنًا أنا لست مصرًّا الآن، أيّ وقت تعيّنونه سآتي، ولكنّي مسافرٌ.

  • قالوا: بعد غد.

  • فقلت: أنا مسافرٌ بعد غد، عيّنوا لي وقتًا آخر.

  • قالوا: لماذا هكذا؟ كلّ من يأتي فإنّه يسلّم لنا وأنت تقول: أريد أن أسافر؟ إلى أين تريد أن تسافر؟ فقلت: ما شأنك أنت؟ لديّ سفر، فهل أنت تخبرني كلّما أردت أن تسافر؟ وقلت ذلك بشكلٍ طبيعيّ.

  • فقال: حسنًا متى تريد مثلاً؟

  • قلت: مثلاً يوم الأربعاء. فعيّن لي موعدًا ومضيت. ولما ذهبت واجهت أمرًا خاطئًا أيضًا حيث رأيت هناك رجلاً من مستوى صاحب الدار يعني في سنّه وفي مستواه الدراسيّ أيضًا وكان جالسًا هناك على هيئة خاصّة ـ وطبعًا لا يزال ذلك الرجل الذي ذهبت إلى منزله حيًّا وأمّا الآخر فقد توفي قبل مدّة ـ فتأسّفت كثيرًا من وضع هذا الرجل وحالته ومكانته، ثمّ لمّا بدأت بالكلام بالطريقة التي بيّنتها لم يعجبه كلامي، فقال كلامًا، فأجبته وقلت له: اجلس في مكانك وتكلّم بشكلٍ صحيح، فكلانا من الطلاب في النهاية والطالب لا يتكلّم مع الطالب بهكذا كلام، وقد فعلت ذلك عمدًا لأنبّهه بمقدار ما. وكان له آنذاك مكانةٌ لم تعد لديه الآن، ثم إنّ ذلك الرجل الذي كان جالسًا عنده على تلك الحالة ويقول: حاضر حاضر نعم نعم سيّدنا سيدنا، عندما تغيّرت أحوال هذا بدأ بالكلام ضدّه فانظروا إلى حال الدنيا، تتغيّر فقط بتولّي مسؤوليّة، فعلمه لا يزال كما هو لم يتغيّر، فقط كان في مسؤوليّةٍ معيّنة والآن تغيّرت، فأنت من سنّه ـ وقد كنتُ آنذاك شابًّا ولا زلت الظاهر أنّي لست شابًّا وعليّ أن لا أقول ذلك ولكن كنت حينها في الخامسة والعشرين أو السادسة والعشرين، وكان ذلك الرجل في سنّ والدي قد ابيّضت لحيته ـ فجلست وقلت: لقد حصل هذا الخطأ وقد قلت له حين أتيت إلى هنا إنّ هذه الرسالة يجب أن تصل إليكم وحدكم ولكنّه فتحها وخالف. وقد قلت له ذلك بصراحة فقال: إنّهم مأمورون.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

4
  • فقلت: إن كانوا مأمورين فلماذا لم يخبرني؟ لو كنت أعلم أنّهم مأمورين لما سلّمتهم الرسالة ولما سلّمتها حتّى إليك. فرأى أنّي أتعامل بحدّة ولا معنى لهذا الكلام.

  • إذا تغيّرت هذه الحالة تجدون أنّ هذا الذي كان يُظهر العبوديّة ويطأطئ رأسه يبدأ بالكلام وبشدّة، وبكلّ ما يحلو له لماذا؟ لماذا؟ لأنّك لم تعرف نفسك آنذاك وأنّه لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرًّا، يقول سيّد الشهداء: لماذا تجعل نفسك عبدًا لغيرك أيّها الشقيّ؟! أيها الإنسان الشقيّ الذي لم يعرف قيمة وجوده وقد غرّك هذا الجصّ والحجر والحديد، وغرّتك هذه المنصّة، وغرّك هذا المسند وهذه الرئاسة لتكن اليوم وغدًا سترى أنّه إذا حصل تغيير يسير فإنّك أنت نفسك تقوم غدًا وتستكبر عليه فإذن كان الأمران كلاهما خطأ، هذا وذاك. عليك أن تكون على حالةٍ واحدة في الموردين وهذا الأمر لا يختصّ بهذا الرجل الذي لا يزال على قيد الحياة، بل حتّى بالنسبة إلى الماضين والأعاظم وأمثالهم.

  • عندما كنت أذهب إلى منزله لأبلّغه رسالةً من المرحوم العلامة أو أنّه يكون لديّ عملٌ فأذهب إليه كنت أقول: هل هناك مجالٌ أم لا؟ إن لم يكن هناك مجال ففي أمان الله، حتى كانوا يقولون لي: هناك أمرٌ ما ومشكلة اليوم، يمكنك أن تأتي غدًا. فكنت أقول: كلاّ أنا لا يمكنني غدًا أستودعكم الله وكنت أرجع. وكان المتواجدون هناك ينظرون إليّ متعجّبين وبطريقةٍ أخرى أن يا لها من فرصةٍ يخسرها.

  • على الإنسان أن ينظر دائمًا إلى كلام المعصوم وهذه الكلمات للأئمة، فانظروا إلى هذه الكلمة فقط واحتفظوا بها أينما ذهبتم، فإن كنتم تسيرون في الشارع فلتكن معكم، وإن كنتم تذهبون إلى المتجر لأجل الشراء فلتكن معكم، وإن ذهبتم إلى مكتبكم وإلى السوق فلتكن معكم، وإن ذهبتم إلى المنزل فلتكن معكم، وإن ذهبتم إلى المسجد فلتكن معكم، وإن كنتم تتعاملون مع صديقكم وتتكلّمون دائمًا لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرًا. فمن هو غيرك؟ ما هو غيرك؟! الأئمة عليهم السلام يوجّهوننا في هذا الاتّجاه، مدرسة أهل البيت توجّهنا في هذا الاتجاه، لا توجّهنا نحو العبوديّة والذلّ، إنّها مدرسة الخلفاء والسلاطين وحكّام الجور والظلم هي التي تجرّ الإنسان إلى نفسها في مقابل الله.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

5
  • ما الذي أوصل يزيد وأمثاله إلى ما وصل إليه؟

  • فإذن المسألة الأولى: إنّ المشكلة والفساد الحاصلين إنّما يحصلان عليه هو، وهذا الإنسان هو أيضًا عبدٌ للّه، ففي النهاية هو إنسان ولو كانا أبا بكرٍ وعمرًا فهما في النهاية إنسان، ولو كان يزيد فهو إنسان ولو كان يزيد أيضًا ولو لم يذهب أحدٌ إليهم ويُبدي الخضوع لما صار عمر عمرًا، ولو لم يذهب أحد إلى يزيد ويُبدي الخضوع، ولو لم يأت ذلك القائد العسكريّ حاملاً سيفه ومظهرًا العبوديّة، ولو لم يأت ذلك الحاكم إليه متذلّلاً، لما صار يزيدُ يزيدَ، ولما وصل إلى حيث يقتل ابن النبيّ، ولما وصل إلى تلك المرحلة التي يقتل فيها ابنة النبيّ أمام عيني زوجها، ما الذي أوصلهم إلى هنا؟ القائلون نعم نعم سيّدنا لهذا، والقائلون السلام عليكم لذاك، والمظهرون الذلّة لهذا. وشيئًا فشيئًا وشيئًا، وشيئًا فشيئًا من كان فيه استعدادٌ ـ وهو موجودٌ عند الجميع دون استثناء من المتكلّم إلى جميع الحاضرين هنا ـ سيتأثّر.

  • هل نحن أبرياء من حبّ إظهار الغير للعبوديّة لنا؟

  • فليعلم الرفقاء أنّ هذا الأمر موجودٌ عندنا، الدعوة للنفس موجودةٌ عند الجميع، حبّ إظهار الغير للعبوديّة موجود عند الجميع بنسب متفاوتة. ونحن ليس بيننا مداراة ومجاملة، لم نأت إلى هنا لنضيف إلى عيوبنا بل أتينا لننقصها، أتينا لنرفع نقائصنا، ومن الأفضل أن نتكلّم بصراحة فلماذا المجاملة؟ ابتداءً منّي، فعندما أشعر أنّه جاء أحدٌ وأبدى الإعجاب والثناء وقال كتابك كذا، وكلامك كذا، وحديثك كذا فإنّي أفرح، أسعى أن أغيّر نفسي، نعم هذا موجودٌ فلننظر كم يوفّق الله.

  • وأنتم أيضًا كذلك، فالجميع هكذا وعلينا أن نسعى إلى رفع هذا الأمر، ولسنا مقصّرين في ذلك، لأنّ من لوازم وآثار التعلّق بالدنيا والمجيء إلى هذه الدنيا أن يحصل ذلك، والله لا يعاقبنا على هذا، لأنّ هذا أمرٌ عند الجميع. نعم، لقد جعل الله القدرة على رفع ذلك بالتربية الصحيحة وبالالتفات والمراقبة، ويوم القيامة يسأل: ماذا فعلت مع وجود هذه الظروف التي هيّأتها لك وهذه الآيات والعلامات التي جعلتها لك؟ فمجرّد أنّي ذكرت هذا اليوم للرفقاء فهو دليلٌ وحجّةٌ بنفسه، وهو آيةٌ وعلامةٌ بنفسه.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

6
  • لو عرفتم هذا الإنسان الذي كان يتكلّم أمام ذاك الرجل والذي لا يزال حيًّا في إحدى المحافظات كيف كان يتكلّم بهدوء...! فأنت زميله في الدراسة وفي البحث فماذا حصل حتّى ذهب كلّ شيء بسبب هذا المنصب؟! جعلت علمك جانبًا هذا رغم أنّك أنت سيّد وهو شيخٌ أيضًا، وأكثر من ذلك جعلت علمك جانبًا، وجعلت عمرك جانبًا، وأنت صاحب مكانةٍ أيضًا، فجعلتها جانبًا الآن ، فما معنى هذا النوع من الكلام؟! ما تأمرون به، ما ترونه، فما هذا الكلام؟! تكلّم مثل الناس، تكلّم بشكلٍ صحيح، فقد قرأت هذه الروايات وأنت خبير بالأحاديث فلماذا؟! إنّ هذه المشكلة والمصيبة موجودةٌ لدى الجميع.

  • ماذا فعلت للتخلّص من حبّ استعباد الآخرين؟

  • وفي يوم القيامة يسألوننا واحدًا واحدًا: ماذا فعلتم للتخلّص من هذه النقيصة؟ لا يقولون: لماذا كانت لديكم؟ جميعنا لدينا، زادت أو نقصت، ولكن ماذا فعلت للتخلّص منها؟ ألم يكن لديك طريق؟ لقد بيّنّا لك الطريق، وهذا السيّد الطهراني الجالس الآن يتكلّم أخبرك. فهذا واحد. و قرأت في أحد الكتب، وبيّن أحد الخطباء الآخرين، وتحدّث ذلك الواعظ في ذلك المكان، فلست أنا وحدي فهؤلاء جميعهم يتكلّمون ويتحدّثون بالأمور، فما شأنك بأنّه من هو هذا وما هو؟ هل كلامه مرتكزٌ إلى أساسٍ موثوق؟ هل كلامه هو كلام المعصوم؟ هل ينقل كلام المعصوم؟ فأنا أنقل كلام المعصوم، فلو كان كلام غير المعصوم أيًّا يكن لأمكن أن لا تبالي، ولكنّ الكلام كلام المعصوم... لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرًّا، الوحيد الذي أمر [بالتحرّر مما سوى الله والعبوديّة له].

  • تحليل قصّة النبيّ والمشرك الذي هاجمه أثناء نومه تحت الشجرة

  • وواقعًا هذه المدرسة عجيبة، فكم كان المرحوم العلامة يذكر هذا في جلساته! أذكر أنّي سمعت هذا الأمر منه مرّات سواء عندما كان في طهران أو عندما كان في مشهد، فقد نقل أنّ رسول الله ذهب في إحدى المعارك ـ حيث كان جيش الكفار أقوى عِدّةً وعُدّة ـ ليستريح عند شجرة، فكان أحد هؤلاء الكفّار والمشركين يراقبه فقال: عجيب عجيب! إنّه رئيسهم! إنّه النبيّ، لقد تنحّى جانبًا ولا أحد معه، إنّها أفضل فرصة، أحمل سيفي وأنهي الأمر. فجاء ووقف فوق رأس النبيّ. ففتح النبيّ عينيه فجأةً ـ كان النبيّ نائمًا ولا شأن لأحدٍ بأحد، فلا حرب الآن وكأنّ شيئًا لم يكن، لماذا؟ لأنّه النبيّ ـ هذا الأمر أنا أقوله ـ لقد تحقّق وجود النبيّ بهذه المسألة ووصل إلى حقيقة لا تكن عبد غيرك، فلماذا لا يُغمض عينيه ولماذا يخاف؟! نحن من يخاف، نحن نقول: "الله" لا أنّنا لا نقول، ولكن للقنابل والصواريخ مكانٌ ما في قلوبنا، فلا نغمض أعيننا ببساطة، لا نذهب بكلّ بساطةٍ واطمئنان إلى مكانٍ ما، فما هذا؟ على الأقلّ نحن مستيقظون ثمّ نتظاهر فنفتح أعيننا ونُصغي بآذاننا إلى الأصوات من أيّ جهةٍ تأتي، أمّا النبيّ فلا، بل يغمض عينيه و... بكلّ اطمئنان.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

7
  • سمعت من المرحوم العلامة ـ وهذا الكلام منه أنّه سُئل أمير المؤمنين أن ما هي أفضل نومةٍ لك في عمرك وأكثرها لذّةً فقال: تلك الليلة التي نمت فيها في منزل النبيّ في مكّة حتّى خرج. لم أذق ألذّ منها. فهذا كلام أمير المؤمنين وهو لا يكذب ولا يمازح. فلنجعل أنفسنا مكان أمير المؤمنين، ربّما صنعنا ذلك، ربّما، لا أقول لا ولكن هل كنّا سنغفو؟ لكانت أعيننا مفتّحة وأيدينا فوق رؤوسنا، فإذا جاء حجرٌ أو حربة أبعدناهما.

  • يقول أمير المؤمنين لقد نمت نومةً لم أنم مثلها في عمري. وهو صادقٌ في ذلك وإن كان هناك صادقٌ في الدنيا فإنّه أمير المؤمنين. إنّه يقول حقًا. لماذا؟! لأنّه وصل إلى هذا الأمر، لقد نسبك الله إليه فإلى أين أنت ذاهب أيّها المسكين؟! أتمضي إلى من هو مثلك؟! أتمضي إلى من يمدّ يد الفاقة مثلك في منتهى الفقر؟! أتمضي إلى إنسانٍ وتطأطئ رأسك أمامه وتقول: تفضّلوا علينا؟! وهو مربوط برسالةٍ واحدة إن قيل له: تنحّ جانبًا، لانتهى الأمر. إن قيل له: اجلس في مكانك، لانتهى الأمر! تفضّل انتهى الأمر، ت ف ض ل، بهذا فقط ينتهي الأمر، بكلمة تفضّل واحدة ينتهي الأمر، وتذهب جانبًا كلّ تلك الرؤوس المطأطئة وإظهار الذلّ والعبوديّة، كلّ ذلك ذهب بكلمة تفضّل واحدة وبإمضاءٍ واحد، نحن لم نصل إلى هذا الأمر وإلى هذه الحقيقة، نعم ربّما ننام مكان أمير المؤمنين.

  • لقد نام النبيّ وفجأةً استيقظ بسبب الحركة لا بسبب الخوف وفجأةً قال له: يا محمّد ـ فهو لا يقبل بنبوّته ـ قال: يا محمّد أتراني؟!

  • فقال النبيّ: نعم أراك.

  • قال له: من أنا؟

  • قال: أنت فلان وذكر اسمه أيضًا.

  • قال: من أين تعرفني؟

  • قال: في النهاية أعرف فمن اختارني للنبوّة فهذه الأمور سهلةٌ بالنسبة إليه.

  • فقال: من ينجيك منّي الآن؟! فكلّ هذا الادّعاء الذي كنت تدّعيه إلى الآن وقولك الله الله إلى الآن انظر هذا السيف أتراه؟! إنّه ليس في غمده أيضًا فمن يستطيع أن ينجيك منّي؟!

  • فقال النبيّ: الله. وبكلّ هدوء. وكلمة الله التي قالها النبيّ، لا يمكننا أن نقولها نحن إلى يوم القيامة، فقال: الله. ثمّ أغمض عينيه من جديد.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

8
  • قال: أيّها النبي أين أنت؟! هذا السيف في يدي فماذا تقول؟!

  • ولو أردنا أن نجسّد حال النبيّ فهو ما أقوله للرفقاء: دعنا ننام.

  • ـ ماذا؟! تنام؟! جئت فوق رأسك أريد قتلك. لقد كانت هذه الكلمة أشدّ عليه من أيّ سباب، دعنا ننام، لم تشرع الحرب بعد لتأتي إلى هنا، فيقول أريد أن أقتلك الآن فمن يُنجيك؟

  • ـ الله.

  • ـ حسنًا الله يُنجيك سترى الآن، أخذ بالسيف فجاءت ريحٌ عاصفة صدمت رأسه بتلك الشجرة ووقع السيّف من يده فأمسك النبيّ به وهو نائم وقام ووقف فوق رأسه وقال فمن يُنجيك منّي الآن؟ فتحيّر فقال له النبيّ: قل: الله أيها المسكين! قل سريعًا! قلها لينتهي أمرك! فقال الله وأسلم فقال له النبيّ خذ سيفك هذا.

  • فانظروا هذه مدرسة وهذا نبيّها. لا يقول: أنا. وعندما يقول: الله، فإنّه يقولها بصدقٍ ولا يكذب. لماذا؟ لأنّ حاله عندما كان السيف فوق رأسه لا يختلف عن حاله عندما كان السيف في يده. أمّا نحن فلا، نحن عندما يكون السيف في أيدينا فإنّ كلمة الله التي نقولها تختلف، كلمة الله لامعة عليها قبضة من زيت، فالسيف في يدنا ولكن نقول: الله، أمّا عندما يكون السيف في يد آخر فنقول: الله. لأنّنا لا نعتقد، لا نعتقد، نعتقد بنسبة خمسة بالمائة لا أنّنا لا نعتقد أبدًا، نعتقد بنسبة خمسة بالمائة.

  • حاصل الأثر الذي يتركه الخضوع للآخر

  • ذلك الضرر الذي يحصل للإنسان الذي أمامنا، وذلك الفساد الذي يحصل له يتزايد ويتزايد يأتي إنسانٌ ويخضع له فيرتفع ثم يأتي إنسانٌ آخر فيرتفع، وهكذا يرتفع حتّى يصل إلى مكانٍ لا يمكن بعده أن يهبط لا يمكن أن يهبط، لقد صار متصلّبًا في مقام الأنانيّة وجامدًا، لقد عُجنت الأنانيّة في وجوده واختمرت.

  • على الإنسان أن يفكّر قبل أن تُعجن، ما دامت شرايين القلب لم تنسدّ يقولون عليك من البداية أن لا تسمح لها بذلك، يجب أن تنظّم برنامج طعامك وتمارس الرياضة، يجب أن تبتعد عن الضغوط والأذى، وينبغي أن يكون مزاجك مرتاحًا، في الأطعمة التي تختارها يجب أن لا يكون هناك أطعمة تزيد الدهون! ولكن لا يلتفت الإنسان ولا يعمل بما يقال. وشيئًا فشيئًا تزداد السموم، وشيئًا فشيئًا تتكثّف الذرّات والخلايا، وفجأةّ يجد أنّ هذا الشريان الذي يجب أن يكون مفتوحًا قد انسدّ وصار مفتوحًا بمقدارٍ يسير. فيقولون له إنّه لا تخرج منه إلا قطرةٌ تلو قطرة، وحينها لا فائدة لشيء، فلا دواء ينفع ويجب أن تُستخرج تلك الشحوم والأورام المجتمعة فيه، وكثيرًا ما تتّحد مع جدار الشريان وتوجد ذراتٍ صغيرة لا يمكن أن يُصنع لها شيء، وحينها يقولون لا بدّ من العمليّة الجراحيّة والقسطرة وأمثال هذه الأمور التي فيها آلاف المخاطر. فمن البداية يجب أن لا يُسمح لهذه الأعراض أن تتحقّق.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

9
  • إنّ النفس الإنسانيّة هكذا، وجميعنا في مثل هذه الظروف، فكلّ إنسانٍ يأتي ويقبّل اليد فإنّه يضيف طبقةً فعلينا أن نلتفت، كلّ إنسانٍ يأتي ويقول: السلام عليكم سماحة السيّد. فعلينا أن نعلم أنّه أضاف مقدارًا ما إلى ذلك الجدار. كلّ من يأتي ويوقّر فعلينا أن نعلم أنّه قد أغلق مقدارًا من تلك الحريّة وتلك الفتحة التي جعلها الله في هذا الشريان باتّجاه القلب لتوصل الدم، فهذه النفس تأتي وتتفاعل مع هذه الأمور والأحداث والقضايا وتصل إلى مرحلةٍ لا ينفع معها إلا العمليّة الجراحيّة. القلب نفسه صار ضعيفًا والشرايين قد تراجعت عن حالة المرونة التي كان عليها، ولم يعد ذلك الشريان على تلك الحالة من الاستعداد، حتّى إذا أرادوا أن يجروا عمليّةً، فإنّه ينفجر فجأة، فيقولون فلتبق على حالك حتى يحلّ أجلك، لم يعد بالإمكان أن نصنع شيئًا، على الإنسان أن لا يصل إلى هذه المرحلة، عليه أن يعمل دائمًا ويحول دون انسداده ثمّ إذا أحسّ أنّه بدأ بالانسداد فعليه أن يبدأ بالعلاج، ففي البداية يمكن، وفي السنوات الأولى يمكن، وكلّما كان عمره أقرب إلى سنّ الشباب أمكن حلّ المشكلة بشكلٍ أسرع، فكلّما كان تعلّق الإنسان بالدنيا أقلّ كانت المشكلات التي تسبّبها النفس بواسطة العلاقات أقلّ، لذلك قال: عليك بالأحداث۱، أدرك الأحداث الذين لا يزال تعلّقهم بالدنيا أقلّ، أولئك الذين لا ينظرون إلا إلى أنفسهم وما يحيط بهم ولم يأت إليهم شيءٌ من التعلّقات بعد ومن الاعتبارات، وآهٍ من تلك الاعتبارات، آهٍ من تلك الاعتبارات. لم تأت بعد تلك الاعتبارات لتتّحد بوجودهم وتُنسج معهم، ويصبحَ نسيج وجود الإنسان واحدًا مع نسيج تعلّقات الدنيا.

  • فالأنسجة تختلف، إذا دخل شيءٌ من خارج الجسد إليه، فإنّ نسيجه يختلف عن نسيج الجسد فلا يقبله الجسد بل يحاصره، فإذا دخلت زجاجةٌ في يدكم لو بقيت عشر سنوات أو خمسين سنة فإنّها تبقى هكذا في يدكم، فإذا دخل عنصرٌ خارجيّ إلى موضعٍ من الجسم لو بقي عشرين سنةً لبقي كما كان فإنّ نسيجه يختلف عن نسيج الجسد، ولكنّ هذه الأمور والتعلّقات الخارجيّة هي بطريقةٍ تجعلها إذا دخلت النفس تنسجم معها وتصبح جزءًا منها لا أنّه يكون هناك حجابٌ وحاجزٌ بينها وبينه، بل تقترب منها وبعد مدّةٍ من الزمان تُصبح عنصرًا مخالفًا لطريق الله، عنصرًا كلّ شيءٍ في ذهنه إلا الله، كلّ هذا قد حصل.

    1. . عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كل خير، الكافي، ج ۸ ص ٩٣؛ قرب الإسناد، ص ۱٢۸

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

10
  • هذه الأمور التي أنقلها للرفقاء والأصدقاء قد وقعت بالفعل ولا أتكلّم في عالم الخيال، فالذين كانوا في البداية تلاميذ للأعاظم ولأولياء الله وللعرفاء بالله، وكانت لهم حالاتٌ وخصوصيّات، حتى المرحوم الوالد عندما كان في النجف كان على صلةٍ بهم وكان له حديثٌ معهم ـ فكيف بالناس العاديين ـ ولكن حيث إنّ تلك المشكلة لم تزُل منهم بشكلٍ كامل، ولم تُصقل تلك الشرايين بدرجة مئة في المئة، ولم يُصبح هذا الوريد الذي لديهم وهذا الطريق الذي لديهم ونفوسهم ذات حساسيّة دقيقة بالنسبة إلى الأشياء الخارجيّة. فالإنسان عندما يصل إلى مقام التقوى ومقام الكمال فإنّه يُبدي ردّة فعلٍ تجاه كلّ ما سوى الله فلا يريد، أصلاً لا يريد.

  • فأمير المؤمنين عليه السلام يصل إلى حالةٍ يقول فيها لابن عباس إنّ هذه الدنيا التي جاء معاوية بستين الفًا أو سبعين ألفًا من المقاتلين حبًّا لها في معركة صفين لأجل القضاء على الإسلام ولأجل الحكومة، هذه الدنيا هي أهون عندي من عفطة عنزٍ۱ والمخاط الذي يسيل من أنفها. هل حصل أن يصادف الإنسان مناظر تثير الاشمئزاز ثمّ يقف أمامها ناظرًا، هل يفعل أحدٌ ذلك؟ المناظر التي تثير النفور برائحتها وبشكلها وهيأتها ما إن يراها الإنسان حتّى يدير برأسه على الفور.

  • يقول أمير المؤمنين إنّ هذه الخلافة بالنسبة إليّ مثل تلك المشاهد المثيرة للاشمئزاز التي لا يمكنك أن تنظر إليها لحظةً واحدة، ثمّ بعد ذلك تجد أنّ معاوية يعدّ لها جيشًا من تسعين ألفًا أو سبعين ألفًا لكي ينالها، لم تسعه الشام فأراد أن يزيد، وطبعًا أمير المؤمنين هو الذي ذهب لقتال معاوية لا أنّه هو جاء، الإمام ذهب ولكن هو عليه أن يواجه، أليس أمير المؤمنين خليفة؟ حسنًا فقد عزلك فلا داعي لجرّ الجيوش، إن كان أمير المؤمنين خليفةً فعليك أن تتنحّى.

  • يقول: لا. يجب أن أجهّز الجيوش وأقتل عليًّا؛ لأنّه قاتل عثمان.

  • تكذب وتتّهم ألف تهمة وتستعين بألف كذبة لأجل ماذا؟ فماذا في النهاية؟ هل قتلَ أمير المؤمنين عثمان؟ يا عديم المروءة! أيّها الكاذب! إن كان لهذه الدنيا تلك القيمة الكبيرة التي تجعلك تقاتل عليًّا فليكن، ولكن لماذا الاتهام ولماذا الكذب؟ قل بصراحة أنا أحبّ الخلافة كسائر الناس وأريد أن أكون خليفةً أفهل يصل الذين نراهم الآن في الدنيا إلى الحكومة بصلاة الليل؟! كيف يصلون؟ بالصدق والصفاء وحسن النية؟! رؤوساء الجمهوريّات هؤلاء والسلاطين والنوّاب وأمثالهم بماذا يصلون؟ هل بتمجيد خصومهم أن هذا صديقنا خصمنا الآن هو نائب ويريد أن يصبح رئيس جمهوريةٍ، يريد أن يصبح سلطانًا، يريد أن يكون حاكمًا مهما واجه من المشكلات هذه صفاته وهذه خصوصيّاته، له هذا المستوى من الصدق وهذه الدرجة من العلم، درس في ذاك المكان وهذه طريقة إدارته وتدبيره وهذه أخلاقه وهذا أسلوبه في المعاشرة مع الناس أفهل يذهبون ويتحدّثون على لسان خصومهم أم أنّهم يأتون وينسبون إلى أنفسهم ما ليس لهم ويتّهمون الآخرين بألف تهمة، فهكذا تدار الدنيا الآن وهكذا تدور أحوالها، فإذن ماذا؟ هل هؤلاء من أصحاب صلاة الليل؟ وهل هم سلمان الفارسيّ؟ هل وصل جميع هؤلاء إلى أعلى مرتبةٍ من مراتب التقوى والإيمان هكذا؟ الأمر واضحٌ وما كان واضحًا للعيان فلا يحتاج إلى بيان.

    1. نهج البلاغة، الخطبة ٣:« ... وَ لَألْفَيتُمْ دُنْياكمْ هَذِهِ أزْهَدَ عِنْدى مِنْ عَفْطَة عَنْز.»

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

11
  • تريد أن تكون خليفةً، يأتي معاوية فيقول: أنا أريد أن أكون خليفة، أريد أن أكون سلطانًا، لا أريد أن أرى لي خصمًا، أريد أن أقاتل حسنًا فلتفعل ذلك نحن لا نقول إنّه عملٌ صحيح ولكن لماذا تتّهم؟! لماذا تتّهم عليًّا؟! لماذا تجرّ الناس من الشام باتّهام عليّ؟! لماذا تضع قميص عثمان على المنبر أمام أعين الناس؟! انظروا إلى هذا الدم على قميص عثمان لقد أراقه عليٌّ بسيفه هذا، لماذا تختلق هذه الأكاذيب؟! ثم تُحضر عددًا من أهل المدينة وتدفع لهم المال خمسين ألف درهم ومئة ألف درهم فيقولون: أيّها الناس لقد رأينا بأعيننا أنّ سيف عليٍّ قد ارتفع وانهال على رأس هذا الخليفة المسكين المظلوم فماذا يقول الناس؟! الناس لا يعلمون الغيب ولا بصيرة لديهم ولا فهم، يقولون إنّه يقول حقًّا.

  • عندما قتل أمير المؤمنين قال أهل الشام أفهل كان يصلي؟! فهكذا كانت الأحوال. فلماذا تستعين بالاتّهام وبالباطل؟ يقول أمير المؤمنين إنّ حكومة معاوية التي ترونها والتي يأتي من أجلها والتي في رؤوسكم أيضًا نسبةٌ مئويّةٌ ما ممّا في رأس معاوية نحوها يا بن عباس وأمثاله ـ هذا ما أقوله أنا وهذا لسان حال أمير المؤمنين؛ لأنّهم لو لم يكونوا هكذا لما تكلّم معهم أمير المؤمنين بهذه الطريقة، فاعلموا أنّها أهون عندي من عفطة عنز وكيف يمكن أن أبيّن لكم ما في ضميري؟! كيف أخبركم بما في قلبي؟! امضوا وشأنكم، اذهبوا إلى صلاتكم وليكن لديكم صدق، إن كان هناك تكليف قاتلنا وإن لم يكن هناك تكليف رجعنا إلى حياتنا فما هذا الكلام وما هي الخلافة وما هي الحكومة؟! إنّها يومان من أيّام الدنيا هل يمكن الفرار من عزرائيل؟ واقعًا عجيبٌ، هذا أمرٌ وهذا أحد المفاسد التي تحصل.

  • ما هي آثار الخضوع للآخرين على الخاضع نفسه؟

  • أمّا المفسدتان اللتان تحصلان للإنسان فهما:

  • الأولى: أنّ الإنسان يسبّب بهذه الذلّة فوات الاستعدادت التي أودعها الله في وجوده، وأن تُخنق وهي نطفة ولا تصل إلى مقام الفعليّة. إظهار الذلّ مرّةً واحدة من قبل الإنسان أمام آخر يذهب بصلاته في الليل إلى سنةٍ كاملة، انتهى الأمر، انتهى. إظهار خضوعٍ من الإنسان للآخر يذهب بآثار سنتين من الذكر، يأتي بها الريح فيذروها أعلى من الغيوم، إذا جعل الإنسان في نيّته غير الله مرّةً واحدة ... إلا أن يتوب، إلا أن يتوب على الفور توبةً نصوحًا لا يعود بعدها، توبةً تجعل وجدانه ينقلب وأفكاره تتغيّر وروحيّته تتبدّل بحيث إذا ذهب في اليوم التالي إلى ذلك الإنسان نفسه وقف بصلابة وقال كلامه، تلك هي التوبة، توبةً لا تسمح له أن يكرّر ذلك مرّةً أخرى وأن يتكرّر هذا الموقف، فيمنع كافة استعدادات الإنسان من التفتّح ويقضي على قابليّته ولا يسمح لتلك النفس أن تنال غذاءها الذي يجب أن تناله لكي تتكامل، والإنسان إذا لم يتنفّس الأوكسجين توقّف عن النموّ ومات، وما لم يتناول الغذاء فإنّه يموت، ما لم تصل المواد المولّدة للطاقة إلى الإنسان فإنّه يموت، وإذا لم يصل البروتيين والمواد الأخرى من الكالسيوم وغيره يموت الإنسان، يبدأ الألم من موضعٍ ما وشيئًا فشيئًا يموت ويفقد الحياة وتفقد الخلايا قدرتها على الحياة، والروح والنفس الإنسانية أيضًا لها غذاء فما هو؟ هو أن لا ترى بينها وبين الله أيّ مانعٍ، هذا غذاء النفس. غذاء الإنسان هو أن لا يشعر الإنسان عند أيّ أحد وأيّ شيءٍ بالاطمئنان، بل يشعر فقط بالاطمئنان أمام الله، إنّ عدم اطمئنانها وارتياحها يعني الحريّة، يعني البحث عن الحقّ والسعيّ إلى الحق الذي هو من لوازم العبوديّة للّه فهذا الغذاء هو غذاء النفس، إذا وصل هذا الغذاء إلينا نبدأ بالحركة بهدوءٍ وطمأنينة أو خطوةً خطوة، أو أنّها ترتبط بكيفية إرادتنا واهتمامنا وكيفيّة إعدادنا الأرضيّة اللازمة لحركتنا.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

12
  • فبعضهم يجب أن نقول لهم الأمر مرّةً واحدة، وبعضهم عشر مرّات كي يقبلوه وبعضهم تسع مرّات وبعضهم ثماني مرات وبعضهم سبع مرّات، بعضهم يطيرون في الهواء وبعضهم كالبرق، هؤلاء الذين يتقدّمون قبل أن يقول لهم الإنسان شيئًا، كان المرحوم العلامة يقول هؤلاء هم الذين يجوزون الصراط كالبرق، أمّا الذين يجب أن يُقال لهم حتّى يعملوا فإنّهم يمشون ولديهم حركة، والذين يجب أن يقال لهم مرّتين أيضًا كذلك، والذين يحتاجون إلى ثلاثة مرّات أيضًا يصلون في النهاية ولكن زحفًا وبمشكلاتٍ وآلام هكذا يطوون جسر الصراط.

  • إن اجتياز جسر الصراط في عالم الآخرة هو عبورٌ من الدنيا من هنا، فكيف عبرنا هنا؟ يقول المرحوم العلامة هؤلاء الذين يُدركون الكلام بسرعة قبل أن تتكلّم يكونون قد عملوا، وقبل أن يُبيّن الأمر يكونون قد أدّوه، فهم الذين يجتازون جسر الصراط كالبرق ويجتازون القيامة هكذا، يعبرون جسر الصراط هكذا، وجسر الصراط يعني عبور الإنسان في هذه الدنيا، أمّا الذين لو قلت لهم مائة مرّة فكأنّك تكلّم الجدار ولو قلت لهم ألف مرّة فإنّ الكلام لا يدخل هذه الأذن أصلاً لكي يفكّر به، فهؤلاء صار نسيجهم منسجمًا مع نسيج التعلّق بالدنيا، ولأجل الفصل بين النسيجين لا ينفع الدواء فأيّ دواءٍ يمكنه أن يفصل هذين النسيجين المتّحدين، أيّ عمليّةٍ جراحيّة يمكنها أن تفصل هذين النسيجين اللذين صارا نسيجًا واحدًا، وأينما وضعت الإبرة تسبّبت بمشكلة، فهنا لا يمكن القيام بأيّ شيء.

  • هؤلاء الذين يقول عنهم القرآن: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشوةٌ ولهم عذابٌ عظيم}.۱

  • هؤلاء الذين مهما تكلّم معهم أمير المؤمنين لم يستفيدوا ومهما تكلّم معهم الإمام الحسن لم يستفيدوا، ومهما قال لهم الإمام الحسين لم تكن هناك فائدة. قال في يوم عاشوراء: استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم٢، صار قلبهم في يد الشيطان وانتهى أمرهم وتسلّط عليهم، تسلّط عليهم الشيطان وليس فقط تسلّط بل استحوذ، أي صار كلُّ وجودهم تحت سيطرته كأنّها قطعة سكّر تحملونها بيدكم وتخفونها فيها فلا تبقى نافذةٌ لرؤيتها هذا هو الاستحواذ، فهكذا صار قلبهم تحت إرادة الشيطان يتصرّف به كيف يشاء والشيطان شيطانٌ في النهاية.

    1. سورة البقرة، الآية ۷.
    2. . إحقاق الحق، ج ۱۱، ص ٦۱٩. بحارالأنوار، ج ٤٥، ص ٦.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

13
  • وتقدّم أنّ المراد من الشيطان هو النفس في النهاية، النفس تقول ارم الأب، ارم الابن، ارم عليًّا الأكبر، ارم الأخ، ارم الطفل، واقتل أيضًا الطفل الرضيع، اقتل الجميع، اقتل النساء وأشعل النار في الخيام، لا ترحم المريض، لا ترحم النساء، لا ترحم الأطفال. سمعت من أحد الأعاظم ـ لم أقرأه بنفسي في كتاب ولكن يبدو أنّ كلامه ليس كلامًا غير موثوق ـ أنّه عندما خرج الإمام الحسين من المدينة إلى كربلاء لم تحدث أيّ مشكلة، وفي طريق العودة من كربلاء إلى المدينة قُتل للإمام الحسين وأهل البيت أربع وثلاثون طفلاً في الطريق. فالأطفال في عمر الرابعة والثالثة وهذه المقامات التي ترونها هنا وهناك في سوريا ولبنان وفي ذلك الطريق هم أبناء سواءٌ كانوا أجنّة قد أسقطوا أو غيرهم، فهؤلاء لا يموتون هكذا، كانوا يأخذون هؤلاء الأطفال ويمشون بهم في الصحاري برفقة الجمال وعليهم أن يركضوا لكي يلحقوا، فكم يمكنهم أن يتحمّلوا في النهاية فهكذا كانوا يموتون، لم أقرأ ذلك في كتابٍ ولكن يبدو أنّه يبيّن الأمر بشكلٍ موثّق رحمة الله عليه كان رجلاً عظيمًا، ولم يكن من الناس العاديّين. فعندما يقول الإمام الحسين: استحوذ عليكم الشيطان فيعني أنّه يفعل ما يشاء بلا أيّ مانعٍ ورادع، هذا هو الأمر الأول.

  • الأمر الثاني: الذي يحصل هو إهانة الله وغيرة الله، فالله يقول أنت منتسبٌ إليّ فلماذا تعظّم غيري، أنت عبدي منتسبٌ إليّ ...{ ونفخت فيه من روحي}.۱ نفخت فيك من روحي جعلتك إنسانًا وأعطيتك مقام الخلافة الإلهيّة، وجودك مرتبط بي، ثمّ بعد ذلك تأتي إلى غيري.

  • هناك روايةٌ عجيبةٌ جدًّا ومفصّلة، وإن شاء الله سأقرأها إن حصلت فرصةٌ مناسبة للرفقاء، وخلاصتها أني أعفو عن كلّ ذنب يصدرعن عبدي هذا بعزّتي وجلالي إلا الذنب الذي يرجع فيه إلى غيري فإني لا أعفو عنه في هذه الدنيا، وعزتي وجلالي لأعفوّن عن كلّ ذنبٍ إلا أن يرجع في أعماله إلى غيري ويُظهر العبوديّة عند غيري فإني لا أعفو عنه، لماذا؟ لأنّ الله غيور.

  • لو جاء إنسانٌ وتعرّض لأحدٍ من أقاربك، أبنائك، عيالك، أختك، أمك، رفيقك بالإهانة فإنّ ذلك يؤذيك فتقول: بأيّ حقٍّ أنت تهين هذا مع وجودي؟ إنّه منتسبٌ إليّ، إنّه مرتبطٌ بي، فإنّك تلاحظ مكانتك وشخصيّتك في علاقتك معه، لماذا؟ لأنّ إهانته إهانةٌ لك، فإذن حيث أنّنا مرتبطون بالله وقد خلقنا، ننظر فنجد أنّنا قبل أن نرجع إليه نمدّ يد الاستجداء والتكدّي نحو هذا وذاك. نرفع حاجاتنا إلى هذا وذاك، يا فلان تفضّل علينا، لا تردّنا، لا تخيّبنا، بالله عليك اصنع لنا هذا، ما كلّ هذه الأفعال؟ إنّها استعباد، لذا فإنّ الله إذا كانت حالة عبده أنّه لا يتوجّه إلا إليه، ولو تعقّد أمره فليكن ولكن لا يلتفت إلا إليه، إن شاء هو حلّ المشكلة وإن شاء لم يحلّها، تفكيره متوجّهٌ نحوه لا نحو العلل والأسباب الظاهريّة، فإنّه يقول له: تعال إليّ تعال إليّ ولا تذهب إلى غيري، إن كنت تريد أن تعمل عملاً لأجلي فلا تُدخل نفسك فيه، إن أردت أن يكون عملك لي فلا تتوسّل بالعلل والأسباب التي يتوسّل بها الآخرون، دع الأمر يكون بالنسبة إليك سهلاً، إن حصل فبها وإن لم يحصل فلا مشكلة، اعتمد هذه العلل والأسباب المتعارفة.

    1. سورة الحجر، الآية ٢٩

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

14
  • كان المرحوم العلامة يريد في العهد السابق عهد الشاه أن يسافر إلى العتبات المقدّسة، ويبدو أنّه كان في جوازه مشكلة وعليه أن يصدر جوازًا جديدًا، وكان آنذاك قد صدر قانون يقضي بأن تكون الصورة التي على الجواز بدون قبّعةٍ وغيرها. وكانت العمامة آنذاك من الثياب الرسميّة وكانت خاضعةً لهذا القانون، لذلك كانوا يقولون: يجب أن تكون الصورة بغير عمامة، ولا أدري الآن إن كان الأمر لا يزال هكذا، يبدو أنّه ليس كذلك. فكيف يتمّ هذا الأمر؟! أصلا لا يمكن أن يقال هذا الكلام للمرحوم العلامة، سيقول: أنا آتي وأجعل صورتي في الجواز بدون عمامة؟! جئنا وقلنا له هكذا يقولون، يجب أن تجعل صورة الجواز بدون عمامة فقال: إنّ زيارة سيّد الشهداء بصورةٍ بدون عمامة لا نريدها، انتهى الأمر. لا نذهب لزيارة سيّد الشهداء بدون صورةٍ مع عمامة. والحال أنّه لم يكن قد رأى أستاذه منذ سنتين أو أكثر، وكانت تصله بشكلٍ دائم رسائل السيّد الحداد مع ما فيها من تعبيرٍ عن الشوق إليه. فرغم كلّ ذلك قال لا أريد وسألغي السفر. قال سألغي السفر. فقيّدنا بذلك ولم نتابع.

  • مضى أسبوعٌ على ذلك، فجاء رجلٌ من المصلّين في المسجد وقال إنّ فلانًا في دائرة الجوازات من أصدقائي. فقلت له: قل له إن كان يقبل صورةً بالعمامة فبها وإلا فلا. فذهب إليه فقال لا بأس فليأت نحن نقبل. فانظروا هذه هي الحقيقة، اعمل أنت لأجل الله والله يفتح لك الطريق من أحد الأبواب، وكان المرحوم العلامة آنذاك هو الوحيد الذي قبلوا صورته بالعمامة، ثمّ بعد ذلك لا أدري هل أُلغي ذلك القانون أم لا. ولكن ما أعرفه أنّ كثيرًا من أئمة الجماعة آنذاك وضعوا في جوارزاتهم صورًا بدون عمامة وكانوا يقولون ما المشكلة وما الهدف؟ فلم تقع السماء على الأرض.

  • إنّ إلقاء العمامة على الأرض يعني إلقاء دين النبيّ على الأرض. هذا معناه، يعني إلغاء جميع الموازين وجميع المبادئ هذا معناه، وليس هو مجرّد نزع للعمامة فنحن في البيت وفي كثيرٍ من الأماكن ننزعها أيضًا، وأنا بنفسي في مكّة أو المدينة أنزعها عندما أذهب وقد كان المرحوم العلامة ينزعها في مكّة احترامًا للبيت، أمّا في المدينة فلم يكن يفعل ذلك. وأنا في المدينة أيضًا أنزع العمامة وأبقى في هذه الثياب العربية، أمّا مكّة فحسابها مختلف لأجل البيت، ولكن في المدينة كي لا أُعرف، فالإنسان يذهب إليها يومين فيقال له: السلام عليكم أين أنتم؟ أين تسكنون لنأتي إليكم؟ لقد جئنا يومين إلى هنا فدعونا.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

15
  • لقد ذهبت ذات سنةٍ وكنت برفقتك يا حاج شيباني فقلت لتبق هذه العمامة في المدينة ففي اليوم الأول لبستها، وفي اليوم الثاني كنت قرب البقيع فالتقى بي أحدهم وبالإحراج جعلني أدور معه في المدينة من الصباح حتّى الظهر من هذه الصيدليّة إلى تلك، لقد كان مريضًا ولم أتمكّن من تركه حفظه الله إن شاء الله، له حقٌّ عليّ، فقلت: إذا ذهبت إلى المنزل سأنزع العمامة، فيمكن للإنسان أن ينزعها في كثيرٍ من الموارد فهذا ليس بالأمر المهم، أمّا أن ينزع العمامة ثمّ يُصدر جوازًا من دونها كسندٍ فلا معنى لذلك.

  • هذا يقول أنا أترك زيارة الإمام الحسين ولكن لا أتخلى عن مدرستي، وذاك يذهب إلى الزيارة لأجل هوى النفس. فلذلك يقول: لا إشكال فيها من دون عمامة، ذلك الذي يذهب بهوى النفس لو قال له سيّد الشهداء: كلا يجب أن تكون بعمامة لخربت السماء فوق رأسه أن لماذا قال ذلك؟ أمّا ذاك فقد أخذ حقيقة الدين فيقول لقد جاء سيّد الشهداء لأجل الدين وإحيائه ولم يأت لأجل التخيّلات والاعتبارات وزيادة الأوهام وغير ذلك، لم يأت لزيادة الهيئات والمواكب ولرفع الأبنية ولتلوين الأواني الموجودة في المواكب وأمثالها، بل جاء ليضيف ذرّةً من العقل إلى رؤوسنا، جاء ليقول لا تكن عبد غيرك فقد جعلك الله حرًّا. من هو الشاه ليُخطئ بأمر نزع العمامة؟! أنا أضع العمامة على رأسي فإن شاء أن يعطيني جوازًا فليعط وإن شاء فليمنع. وزيارة الإمام الحسين لها رتبتها الخاصّة، فلو كان هذا القانون بالنسبة إلى الحجّ أيضًا فلن أذهب فلا معنى لهذه القوانين، فهل التفتم؟هذا معنى لا تكن عبد غيرك.

  • على الإنسان أن يحافظ على نفسه حرّةً في مسيره وفي طريقه ولا يقيّدها أبدًا في ما يرتبط بهذه الأمور، يجب أن تبقى جميع مصاريع الباب مفتوحةً حتى إذا أغلقتم قليلاً هذا الباب فقد وقعتم في الخسارة، ومن الأساس اقتلعوا هذا الباب وألقوه جانبًا واستريحوا فهل رأيتم بعض الغرف بينها أربعة أبواب وبعضهم يقتلعونها أيضًا ويريحون أنفسهم، فالأولياء اقتلعوها وألقوها خارجًا وأراحوا أنفسهم.

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

16
  • يمكن للإنسان أن يقوم بذلك فيه قليلٌ من التعب ولكن لا شيء صعبٌ بالتوكّل على الله. الله يبحث عن عبدٍ يريد أن يخطو خطوة ولكن عندما نريد أن نخطو علينا أن لا نستهزئ بالله، فلا نحتفظ لأنفسنا بخمسةٍ في المئة، حينها سيقول الله للجميع: نعم. ولنا نعم، هذا لا يصلح مع الله، فلنهتمّ بهذا الأمر.

  • كيف نستقبل شهري ذي القعدة وذي الحجّة؟

  • لقد كنت اليوم أنوي الحديث عن موضوع آخر ولكن انجرّ الكلام إلى هنا. هذه الأيام أيّامٌ خاصّة وهذه الأوقات أوقاتٌ خاصّة، وشهر ذي القعدة شهرٌ شريف جدًّا وكان الأعاظم يهتمّون به ولم يكن هذا الشهر مميّزًا لدى أمّة النبيّ فحسب، بل لدى الأمم السابقة أيضًا منذ قديم الزمان، منذ زمن النبيّ موسى بل منذ زمن النبيّ نوح وقبل ذلك. فقد كانت للّه عنايةٌ خاصّة بشهر ذي القعدة وبالعشرة الأولى من ذي الحجّة على الخصوص، ولذلك يقول الله تعالى عن النبيّ موسى في ميعاده مع الله في الطور {واعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشر فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة}.۱ في البداية أعطينا موعدًا لموسى ثلاثين يومًا ثمّ بعد ذلك رأينا أنّها لا تكفي وأنّه بثلاثين يومًا لم تتمكّن الحال عنده، لم تتّضح المسألة عنده بشكلٍ جيّد فزدناه عشرة أيّام. ولكنّها عشرة أيّامٍ تعادل تلك الثلاثين يومٍ وهي عشرة ذي الحجة أتممناها بعشرٍ فتمّ ميقات ربّه أربعين ليلة حتى وصل النبيّ موسى إلى ذلك المقام من الكمال في ذلك الأربعين، وقد نال النبيّ موسى في تلك الأربعين الكثير من الأمور وأكثرها كان في هذه العشرة من ذي الحجة .

  • لذلك فإنّ الأعاظم كانوا يهتمون كثيرًا بالمراقبة في شهر ذي القعدة وعشرة ذي الحجة منذ أن بدأت ألتفت وكانوا يهتمّون بالصيام في شهر ذي القعدة وفي عشرة ذي الحجة وطبعًا باستثناء يوم عيد الأضحى والذي يحرم فيه الصوم، وكانوا يهتمون كثيرًا بذلك اليوم الخاصّ بزيارة الإمام الرضا عليه السلام في ذلك الشهر وهو الثالث والعشرين منه وقد سمعت مرّاتٍ من المرحوم العلامة رضوان الله عليه أن لا تتركوا الزيارة الخاصّة للإمام الرضا والبركات الكامنة في هذا لا يعلمها إلا أولياء الله فهم أكثر اطّلاعًا، فمن كان بإمكانه فلا يخسرّن هذا الفيض.

    1. سورة الأعراف، الآية ۱٤٢

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

17
  • الوصايا التي كانت في شهر ذي الحجّة هي الصوم والمراقبة وأدعية شهر ذي الحجّة ودعاء سيّد الشهداء في يوم عرفة والذي ينبغي أن لا يترك في أيّ حال، وهكذا زيارة سيّد الشهداء ليلة عرفة والتي هي ليلةٌ مهمّةٌ جدًّا جدًّا. إنّها لمسألةٌ عجيبةٌ جدًّا ما لدينا في الروايات من أنّ الله ينظر أوّلاً إلى زوّار الإمام الحسين قبل أن ينظر إلى الحجّاج، فمن كان بإمكانه أن يتشرّف فهذا توفيقٌ آخر وإلا فأينما كان الإنسان إذا توسّل بذلك الإمام فإنّه سيكون في ذلك الحرم، في حرم سيّد الشهداء، تمامًا كمن هو فيه. المهمّ أن يوصل الإنسان نفسه بذلك الموضع فقد جعل الله لنا كلّ هذه النعم وهذه المناسبات وكلّ هذه الذرائع وكلّ هذه الوسائل ونحن غافلون عنها كلّها فإلى من نحن ذاهبون؟! إلى من نحن متوجّهون في الواقع؟! أين نبحث عن حاجاتنا؟! ما دام هناك سيّد الشهداء فعمّن نبحث بعد ذلك؟ وما دام هناك إمام الزمان ألا يخجل الإنسان واقعًا مع وجود إمامٍ حيٍّ كهذا مسلطٍ ومشرفٍ وناظرٍ على جميع الأمور، ألا يخجل أن يتوجّه فكره نحو هذا وذاك، نحو زيدٍ وعمرٍ وخالد والذين هم لا يعادلون من رأسهم إلى أخمص أقدامهم مقدار حبّةٍ من خردل؟! ومن الخسارة أن ينظر إليهم الإنسان ثمّ بعد ذلك يترك الإمامَ عليه السلام في وجوده وينحّيه جانبًا ويحذفه ولا ينظر إليه وينظر إلى حطام الدنيا وإلى يد هذا وذاك، واقعًا هذه خسارة، خسارةٌ يشعر بها الإنسان في يوم القيامة وهذه الخسارة ربّما يشعر بها المسلمون يوم القيامة أكثر من الكفار فيمكن أن يكون الكافر غير مطّلعٍ على كثيرٍ من الأمور ولم تصل إليه ولكنّ حالة الغبن والندم التي تحصل لأمثالنا يوم القيامة تفوق ألف مرّةٍ ذلك الغبن والندم الذي يحصل للكفار والآخرين. فمع وجود نعمٍ كهذه كنّا غافلين في هذه الدنيا، جعلنا أنفسنا في الغفلة وجعلنا أذهاننا في الغفلة فخسرنا.

  • الأذكار التي قلتها سابقًا للرفقاء لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور، لاإله إلا الله... ينبغي أن لا تترك، وكلّما قرأت أكثر كانت آثارها أكثر، والخلاصة أنّ ما لدينا من الماضين ومن الوصايا التي أوصى بها الأعاظم هو رعاية المراقبة بأقصى ما يمكن في شهر ذي القعدة ومقدّمةً لعشرة ذي الحجة والعيدية التي تُعطى في يوم الأضحى، فالثلاثون يومًا والتسعة أيّام هي مقدّمة ليوم عيد الأضحى فعلينا أن لا نغفل عن يوم عيد الأضحى وصلاته ولنعلم أنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها ولا تعرضوا عنها۱ لقد جعل الله في الأيّام والليالي أوقاتًا خاصّة له فيها عنايةٌ خاصّة منها عشرة ذي الحجة فعلينا أن لا ننساها.

    1. بحار الأنوار ج۷۷ ص ۱٦۸

آثار الخضوع والتذلّل لغير الله

18
  • إن شاء الله نسأل الله أن يوفّقنا جميعًا لأن يجعل فينا العبودية كما أراد، وأن يوفّقنا للوصول إلى هذه المرتبة ويهيّئ لنا الأسباب.

  • اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآل محمّد.

  •