المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةالتقوى ومراتبها
التاريخ 1428/04/24
التوضيح
هو العليم
كيف نصحّح أفكارنا لنحقّق التقوى؟
شرح حديث عنوان البصري - المحاضرة ۱٤٢
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
التقوى في مرتبة تصحيح الفكر
{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتّقين}.۱
يقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان إنّ طريق الوصول إلى مقام الطمأنينة والسكينة واليقين وهدوء البال وصلاح الضمير هو التقوى. ومن لم يكن في مرتبة التقوى فلا يصل إلى ذلك الهدوء. ومن لم يكن في طريق تحصيل التقوى فلن يخرج من الشك والترديد في أمور الحياة وقضايا الدين والآخرة، العمل الذي يقوم به يقوم به مصحوبًا بالشكّ. هل أقوم به أم لا أقوم به؟ ثمّ أرجّح جهة ما فأقوم بها. وفي الأمور التي تطرح أبقى في شكّ كلام من أقبل؟ فهذا يقول شيئًا وذاك يقول شيئًا فأيّ الشيئين هو طريق الحقّ واليقين؟!
ولمختلف الناس في أيّ مرتبة كانوا مناهج ومعتقدات وأفكار مختلفة بسبب اختلافهم في الأفكار والمعلومات والظروف والمحيط والنفوس، وخصوصًا في هذا الأمر الأخير، وعلى هذا الأساس فإنّهم يقيمون علاقاتهم مع أنفسهم ومع المجتمع، العلاقة التي هي على أساس طريقة التفكير ومستوى المعلومات حول أمور الحياة والظروف المحيطة، علاقتهم مع الناس، مع الأصدقاء، كيفّة معاشرتهم للناس في المجتمع، والأهمّ من كلّ ذلك مسألة الأمور النفسيّة، فإلى أيّ حدّ لديهم مشكلة في الأمور النفسيّة؟ إلى أيّ حدّ لديهم ضعف؟ وإلى أيّ حدّ يفتقدون المرونة؟ وعلى هذا الأساس، فإنّ تفكيرهم ونتائج تجاربهم، وأحكامهم وحكوماتهم وفتاواهم كلّ ذلك سيكون خاضعًا لأمر كهذا.
وعلى هذا الأساس فإنّ مسألة التقوى ليست بالأمر الذي يمكن للإنسان أن يحصّله بواسطة بعض المعلومات، أو بإقامة علاقة مع بعض الناس فيتمكّن خلال ليلة أو ليليتن من الوصول إلى تلك المرتبة، أو بمطالعة بعض الكتب، أو بالقيام ببعض المراقبات.
إنّ مسألة التقوى عبارة عن حقيقة وحال إذا عاشه الإنسان وصار فيه لم يعد يحكم خطأ واشتباهًا في القضايا، سواء بالنسبة إلى نفسه أو بالنسبة إلى أفراد المجتمع. يمكن للإنسان في بعض الموارد أن يصاب بحالات سريعة الزوال بحيث يصبح فكره ونظره صائبين، وتكون حاله حالةَ قرب، ويحصل له حال من عدم التعلّق، فلا يتعلّق بالدنيا، والعلاقات والأمور الدنيويّة، والأمور الماليّة، والأمور الاجتماعيّة، وأمور الحكومة والرئاسة، ولفت الأنظار إليه بين الأصدقاء والناس الذين هم على تواصل معه، ففي الجملة يمكن أن يحصل للإنسان في بعض اللحظات حالات من عدم التعلّق فيتصوّر في تلك الحالة أنّ أمره قد انتهى، وأنّ عناية الله قد شملته، وقد قلّ اهتمامه بالدنيا في هذه الأمور.
خطورة الاهتمام بالدنيا عند الأعاظم
إنّ الاهتمام بالدنيا والتعلّق بها على درجة من الخطورة جعل الكثير من الأعاظم يعدّونه من الذنوب الكبيرة، فالأمر الذي لم يصل إليه ذهننا ونظرنا ولا نبالي به هو عند أعاظم أهل المعرفة والفقهاء الربّانيّين من الكبائر.
افترضوا أنّهم يقولون الآن إنّ فلانًا له اهتمام بالدنيا، يهتمّ بكنز الذهب وجمع المال، والوصول إلى مقام ومنصب وكرسيّ ورئاسة وأمثال ذلك، إنّ هذه الأمور ليست بشيء، ويمكن أن يصلّى خلفه أيضًا ويقتدى به، وشهادته مقبولة كذلك، وهو بين الناس ذو وجاهة، وهذا أمر باطنيّ. فالميل إلى الدنيا والاهتمام بمسائلها وبالأهواء النفسيّة أمر باطنيّ، ولا علم للإنسان بالأمور الباطنيّة، وأنّى له أن يطّلع على كيفيّة بواطن الناس وكميّة ما فيها؟ فإذن هذا الأمر يُتعامل معه بتساهل وتغافل وكأنّه صار نسيًا منسيًّا ولا يعدّ من الذنوب أصلاً، ويلاحظ أنّ الكثيرين لا يبالون به ويقولون: يا عزيزي ائتني بإنسان ليس فيه هذه الأمور، فهذا نادر جدًّا...
ميزان الصلاح في نظر العوام ونظر أولياء الله
ولكنّ المهمّ أنّ الإمام عليه السلام وأولياء الله تبعًا للإمام عليه السلام ينظرون في كلامهم وتعابيرهم وعلاقاتهم مع الناس إلى تلك النقطة العليا لا إلى المراتب السفلى. نحن في كلامنا وعلاقاتنا دائمًا ننظر إلى المستوى الأدنى وبمجرّد أن لا يرتكب إنسان ما الحرام أمام أعيننا نقول إنّه إنسان جيّد، بمجرّد أن لا يتسلّق إنسان ما جدران بيوت الناس للسرقة نقول إنّه إنسان جيّد، بمجرّد أن لا يشرب إنسان ما الخمر في الملأ العام نقول إنسان جيّد، ولكنّا لا نلتفت أصلاً إلى الأمور الأدقّ والأعمق والألطف والتي هي أكثر بطونًا في أعمال الناس، ولا نفكّر في ذلك أبدًا. لا نلتفت إلى أنّ هذا الإنسان ذهب إلى السوق وقام بعمل أخذ فيه المنفعة من الآخرين بطريقة ما وجرّها إلى نفسه، لا نهتمّ بذلك. لا ننظر إلى أنّ هذا الإنسان مطّلع على بعض الأمور ومع ذلك قام بهذه المعاملة وسبّب بذلك ضررًا على الزبون، لأنّه يعلم ماذا خلف الستار وماذا سيحدث غدًا وماذا سيحدث في الأسبوع القادم وأيّ قانون سيقرّ فتذاكى وجعل الضرر يصيب غيره والنفع يصيبه هو، فهذه الأمور لا أهميّة لها عندنا.
نحن لا نلتفت إلى مجيء فلان ووعده ووعيده وتعطليه لزواج من المقرّر أن يتمّ وصرفه ذهن أحد الطرفين حتّى يخلو المجال له أو لأسرته ويجري الأمر لهم. نحن لا نهتمّ بأنّا إذا عملنا نعمل بنحو في الظاهر يجعل الآخرين لا يلتفتون إلى الخطأ الحاصل في عملنا، ولكن في الواقع يدور الأمر حول محوريّة عملنا نحن ونفسنا نحن. نحن لا ننظر إلاّ إلى أنّ هناك إنسانًا يأتي ويذهب ويقوم بأعمال ظاهريّة وله لحية ويرتدي عباءة ويقف في الصفّ الأول في المسجد، وله في الأماكن الأخرى دور اجتماعيّ وهو إنسان وجيه بين الناس وهم يراجعونه، فقط ننظر إلى هذا، ولا نريد أن نغوص أعمق من ذلك، لا نريد أن نتقدّم أكثر من ذلك.
وجاهة المنافق
لقد ذكرت في الجلسة السابقة للرفقاء أنّ المنافق أيضًا يمكن أن يكون وجيهًا جدًّا في المجتمع، وأن يكون عمله بنحو لا يمكن لأحد أن يعترض عليه، وأن يكون كلامه جذّابًا، وعلاقته مع الناس سببًا لجذبهم إليه، ولكنّه منافق. ما يجري في القلب هو شي، وفي الظاهر شيء آخر. ليس للإمام عليه السلام ولأولياء الله شأن بهذه الطريقة من التفكير في المجتمع، فهذا التفكير ليس تفكير إنسان مسلم. فمن يعلم أنّه سيحدث بعد أسبوع أمر ما وستنخفض أسعار السلع، فيبيع داره الآن، ويبيع السلع التجاريّة التي لديه، ويقوم بمعاملة ما لكي يصيب الضرر غيره ويحصل هو على النفع فهذا ليس بمسلم، وهو وإن كان في الظاهر يتشهّد الشهادتين على لسانه، لكنّه يوم القيامة يكون في صفّ الكفّار ويقع في جهنّم على رأسه. ولو كان له لحية كبيرة وزينة، ولو كان يرتدي أيّ لباس! ولو كان على أيّ شكل وشمائل.
المتشيّع لأمير المؤمنين هو من يرى أحداث عالم الخارج والدنيا أحداثًا مرتبطة بالتقدير والمشيئة الإلهيّين ويقيم علاقاته مع الناس على هذا النحو من التفكير. إن كان لا بدّ أن يحدث أمر ما ويصاب بضرر ما فإنّه يرى هذا الضرر من عند الله، إن كان الله أراد أن أتضرّر فليكن. فلماذا تريد أن تلقي بالضرر على الآخرين؟ هل هذا صحيح؟ هل يفعل الإنسان ذلك؟ الحيوان يفعل ذلك وليس الإنسان. الله يريد أن يحدث أمر ما في المجتمع، أن ترتفع قيمة تلك السلعة، إرادة الله هي أن تكون ظروف المجتمع ومسائله ومصالحه بهذا النحو، وكلّ ما يريد يكون، فليس من الضروريّ أن تكون الأمور على منوال واحد، ففي زمان الأئمّة كان الأمر كذلك وفي زمان الأنبياء كان كذلك، كان فيما سبق والآن هو كذلك وفي المستقبل سيكون، فأحيانًا تندر إحدى السلع، وأحيانًا تزداد، أحيانًا يحصل قحط، فإذا فكّر الإنسان بهذه الطريقة من التفكير وأنّ هذه السلعة ستنقص، وسيحلّ القحط بعد شهر، فلا آتي الآن بهذه السلعة إلى السوق، ولأنتظر شهرًا أو شهرين أو ثلاثًا لكي آخذ المزيد من المال من الزبائن ثمنًا لهذه السلعة المفقودة الآن، فهذا ليس إنسانًا، ليس إنسانًا. هذا نظر إلى ناحية واحدة، ونظر إلى النفس وحدها. وهذا مثال والأمر كذلك في جميع الأمور الأخرى وفي جميع العلاقات.
فهذا الأمر مهمّ إلى درجة عند العلماء والفقهاء الربّانيّين والإلهيّين حتّى إنّ كثيرًا منهم كالآخوند الملا حسين قلي الهمداني والسيّد علي الشوشتري والشيخ جواد الملكي التبريزي والسيّد القاضي يعدّون هذا النحو من التعلّق بالدنيا سببًا للفسق. أي إنّ من يكون هكذا هو فاسق ولا يمكن الصلاة خلفه، فالأمر مهمّ إلى هذا الحدّ. وإن كان هذا الرجل يقول الآن لقد بعت هذه السلعة وفق قواعد الظاهر، وهي الآن بهذه القيمة، فاذهب وابحث واسأل عن القيمة، ونسقط خيار الشرط وخيار الغبن أيضًا ونسلبه الخيار، والمظهر الخارجيّ لهذا الرجل جيّد جدًّا ولكن في الباطن عمل شيطانيّ، عمل ماكر، عمل خائن لأبناء النوع وأبناء الوطن وللإنسان، سواء كان مسلمًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا لا فرق في ذلك، فالإنسان إنسان لا يختلف الأمر. فهو في النهاية عبد من عبيد الله، إنّه مخلوق من مخلوقات الله.
فانظروا هؤلاء أولياء الله الذين وصلوا إلى هذه المرتبة من التقوى هم الذين يؤدّي الارتباط بهم والخضوع لتربيتهم إلى ضمان ديننا، فهذا النوع من الناس هم الذين تنتقل إلينا بالعلاقة معهم حقيقة الواقع، ويصل إلينا ما يريده الإمام المعصوم، فهذا الأمر مهمّ.
لقد رأيت طوال حياتي وفي المواقف المختلفة التي كانت تحدث في أيّام المرحوم العلاّمة الكثير من هذه الأمور مما يجعلني أعتقد أنّ هذا العمل وهذه الحالة قد نشأت عندهم ولها جذور في وجودهم بحيث إنّهم لا يقدرون على التفكير في غير الأمر التوحيديّ، لقد صار وجودهم وجود التوحيد، تبدّلت نفوسهم وتغيّرت، لا يمكنهم أن يفكّروا بغير ذلك لكي يخالفوا، لا يمكنهم أن يكون لهم تعلّق لكي يخالفوا. لقد رأيت في علاقتي مع المرحوم العلاّمة موارد التفتّ بعد وفاته أنّه عمل فيها بنحو بحسب الظاهر ينتهي بضرري ولصالح الآخرين، وقد أدركت ذلك لاحقًا، لا أنّه كان يريد أن تكون الأمور لصالح ابنه. فقد عمل بطريقة معقّدة ودقيقة بحيث لم ألتفت في زمان حياته، ولاحقًا حدث أمر ما وجرى كلام من قبل بعض الناس فقلت عجيب، فإذن هكذا كان والدنا قد فعل في حياته، هكذا كان عمله؟ لماذا هكذا؟ لأنّ أولياء الله يرون الجميع متساوين، لا فرق بين ابنه وغيره. لا يميّز بين المنتسبين إليه وغيرهم، لو ميّز لصار مثلنا، لا يختلف عنّا، حتّى إنّه في بعض الحالات كان يرجّح جانب الآخرين أيضًا، كان يميل إلى أمور أخرى بحيث لا يكون هناك أيّ شائبة نفسيّة في هذا العمل.
حسن الظنّ في غير مورده خطأ
هؤلاء الأعاظم كانوا يعدّون التعلّق بالدنيا سببًا للفسق، فلو رأى الإنسان أنّ آخر... ـ وليس الأمر صعبًا جدًّا، يمكن للإنسان في علاقته مع إنسان ما أن يدرك ذلك في ليلة واحدة ويعلم أنّ هذا الإنسان لا تعلّق له بالدنيا. ليس هذا سرًّا، إذا سافر الإنسان معه يدرك كم هو مقدار اهتمامه بالأمور، كم لديه من الأمور النفسيّة، كم تجاوز الهوى، كم يرجّح الله على نفسه. يمكن أن يجلس الإنسان ساعة واحدة مع أحدهم فيدرك ـ الأعاظم يقولون: إذا التفتّم فعليكم أن تحسبوا حسابًا آخر، لا يمكن للإنسان أن يغمض عينيه، رغم أنّ حسن الظنّ واجب في الشرع ولكن له مورده وفي موارد أخرى يكون حسن الظنّ خطأ. لا يمكن للإنسان أن يغمض عينيه في كلّ شيء، ويحمل على الصحّة في كلّ ما يراه، في كلّ ما يراه يحمل على الصحّة، نعم تارة تكون الأمور جزئيّة وبسيطة ففي هذه الموارد قالوا احمل على الصحّة.
ولكن عندما تريد أن تقلّد إنسانًا فليس المطلوب أن تحمل دائمًا على الصحّة! كلاّ. وإذا أردت أن تأخذ الدين من أحد، أن تأخذ آخرتك من إنسان، وتأخذ سعادتك من خلال هذا العمل، فعليك أن تعرف مع من تتعامل! تريد أن تجعل تكاملك في اتّباع هذا، فلا ينتهي الأمر بعد خمسة عشر سنة، أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة من الاتّباع أن يدرك أنّه توقّف هناك منذ ثلاثين سنة، ولم يتقدّم خطوة واحدة بسبب ذلك الاتّباع الخاطئ الذي قام به. كلاّ فليس الأمر هكذا، ففي الأمور البسيطة على الإنسان أن يغضّ النظر يغمض، الأمور التي لا أهميّة لها ولا يحسب لها حساب.
ولذلك فإنّ الشيخ الأنصاري كان يوصي دائمًا بأنّه رغم كون سوء الظنّ بالناس غلطًا، إلا أنّ حسن الظنّ أيضًا في غير موضعه غلط. فحسن الظنّ يسبب القبول بالخطأ والدخول فيه، فالأمر الذي يدركه الإنسان ويشعر به لا يمكن أن يغطّي عقله، لا يمكن أن يلقي بستار على فهمه وعقله والحقّ الذي رآه، لا يمكنه بالكلام وبالشائعات والإعلانات أن يتجاوز عن الأمر الحقّ ـ أيّ أمر كان، عليه أن يحسب حسابًا لكلّ شيء، لا بدّ أن يهتمّ بذلك وإلا بقي في مكانه.
ما هي حقيقة التقوى وهل تتنافى مع الخطأ في الأمور البسيطة؟
التقوى تعني أن يصل الإنسان إلى مرحلة من التكامل هي العليا بحيث ينتفي عنده احتمال الخطأ، فهذه هي مرتبة التقوى. وليس المراد من الخطأ الأمور الظاهريّة، افترض أنّ نظره ضعيف فينظر إلى شيء فيظنّه ماء، فيقول ائتني بهذا الحليب. أو يرى إنسانًا من بعيد فيظنّه إنسانًا آخر، فينادي إنسانًا ثالثًا. فهذه أخطاء بسيطة، كلاّ بل ذلك العمل وذلك المنهج وذلك الفكر، وتلك الفكرة، وذلك الإرشاد والمساعدة يجب أن لا يحتمل الإنسان فيها الخطأ، هذه المرحلة هي مرحلة التقوى، وفي هذه المرحلة لا وجود للخطأ، إذا قال شيئًا فإنّه لا يقول بعد مدّة لقد أخطأت في هذا الأمر. إذا بلغ إنسانًا ما ضرر فاحش فلا يقول بعد مدّة ليتني لم أتكلّم بهذا الكلام! فهذا كلّه ناشئ من أي شيء؟ ناشئ من أنّ الإنسان لم يصل إلى التقوى بعد.
إنكار ضروريّة ولاية أمير المؤمنين ناتج عن فقدان التقوى
ليست المسألة بمجرّد الدراسة والعلاقات الاجتماعيّة والكون بين الناس، المسألة أن يكون الإنسان في حالة من الصون من قبل الله، وهذا الصون يحفظه في علاقته مع الله ومع المجتمع. لا تكفي الدراسة، ألسنا نرى الكثير من العلماء، أمّا غير العلماء فلهم شأنهم الخاص، فهم في وظائفهم المختلفة المعلومة الحال وأمورهم تختلف. ولكنّ الكلام في كثير من العلماء الذين هم بسبب عدم معرفتهم ببعض الحقائق يقعون في أخطاء ومصائب لا يمكن تدراكها. ففي أحداث الحركة الدستوريّة التي أرّخت في الكتب، وفي الأحداث التي قبلها والتي أرّخت، وفي تاريخ الأئمة الذي أرّخ أيضًا، تلك الأخطاء التي تحصل للناس كم سبّبت للدين من ضربات، فما هو سبب كلّ ذلك؟ ليس سببه عدم الدراسة، ليس سببه عدم الالتفات، سببه أنّ نفوسنا حيث لم تقع في حالة من الصون فإنّها تقع في أخطاء لا يمكن تصحيحها.
وفي هذا العصر ألسنا نرى؟ أليست هناك أمور تنقل الآن؟ الأمور المنتشرة الأمور المخالفة لضرورة الدين التي تشاهد عند بعض الناس، أمور مخالفة لضرورة الدين. فالإمامة مسألة من ضرورات الدين وليس هناك شيء أكثر ضروريّة من مسألة إمامة الأئمّة وولاية الأئمّة عليهم السلام، ما نودي بشيء كما نودي بالولاية (حاشية). ألم يكن أمير المؤمنين الخليفة المباشر للنبيّ؟ ألم ينصّب رسول الله أمير المؤمنين مرّات وعشرات المرّات وفي مواقع مختلفة أمام الأصحاب؟ وبأساليب مختلفة وتعابير مختلفة وكلمات مختلفة وأحاديث مختلفة وصور مختلفة، ألم يفعل ذلك؟ ألم ينصّب النبيّ أمير المؤمنين في الخلافة في حادثة الغدير أمام أكثر من ثلاثين ألفًا؟ ألم يرَ جميع الناس بأعينهم هذه؟ هل كانوا نائمين؟ هل كانوا مجانين؟ فذلك النبيّ الذي يتوقّف ليومين حتّى يصل الذين لم يصلوا، ويرجع الذين سبقوا، وفي ذلك الحرّ من ذلك الفصل في الحجاز، وهكذا أوقف الناس ثلاثة أيّام أو أربعة لماذا؟ ليقول للنّاس أيّها الناس عليّ رفيقي! عليّ صديقي فأحبّوه ثمّ يكون هذا النبيّ عاقلاً؟ فهؤلاء الذين يقولون هذا الكلام ماذا يفكّرون عن النبيّ؟
إن كان هناك إنسان منّا ونحن لسنا أنبياء لسنا أنبياء ـ ربّما نعدّ أنفسنا أرفع من الأنبياء! ـ لو جاء واحد منّا فاستوقف إنسانًا لا أربعة أيّام وثلاثة أيّام بل ساعتين تحت أشعّة الشمس يقول له أريد أن أخبرك أنّ فلانًا إنسان جيّد فأحبّه. فماذا تقولون عنه؟ تقولون: هل أصبت بضربة شمس؟ هل ارتفعت حرارتك؟ فالنبيّ مصون من الخطأ معصوم من الخطأ، ينزل الوحي عليه من الله عن طريق جبرائيل، وجميع الناس كانوا يرون ذلك بأعينهم، وكانوا يشاهدون بأعينهم تغيّر حال رسول الله عند نزول الوحي عليه، في المسجد وفي الصحراء وفي المنزل وفي الشارع وفي المسجد، ألم يكونوا يرون تغيّر أحوال النبيّ عندما كان جبرائيل ينزل؟ ألم يكونوا يحدّثون بذلك؟ ألم تكن عائشة تحدّث بذلك؟ ألم يروا في القرآن آية {وما ينطق عن الهوى}۱ وأنّ النبيّ لا يتكلّم انطلاقًا من ميوله وهواه، وانطلاقًا من الأمور النفسيّة ألم يقرؤوا ذلك في القرآن؟ ألم يكونوا قد سمعوا: {إنّه لقول فصل وما هو بالهزل}٢ وأنّ كلام رسول الله كلام فصل؟! أي تامّ، يميّز بين الحقّ والباطل، هو عين الحقّ ويجب أن تقاس سائر الكلمات عليه ليعرف مدى قربها وبعدها عن الواقع. ألم يكونوا يدركون ذلك؟! لقد أوقف النبيّ الناس أربعة أيّام في هذه الحرارة ليقول أيّها الناس هذا عليّ ابن عمّي وصهري! فأحبّوه، لا يجوعنّ يومًا!
ألا يكون النبيّ حينها مجنونًا؟ يجب أن نسألهم؟! هذا النبيّ الذي يعرّفونه إلى الدنيا بحادثة كهذه لو سألنا يهوديًّا أو مستشرقًا أو نصرانيًّا، إنسانًا محايدًا ينظر إلى حادثة الغدير هذه فماذا يقول عن النبيّ؟ واقعًا ماذا يقول للنبيّ؟ يقول: إنّ خادم منزلي لا يقوم بفعل كهذا، وأنت تدّعي الوحي، ثمّ تقوم بفعل كهذا؟ فماذا يجيب إخواننا من أهل السنّة على هذا السؤال؟ نعم بعضهم ينكر أصل الحادثة من أساسها وهذا كلام آخر، فكلّما عجزنا نفينا! كلّما عجزنا رفضنا، كلّما عجزنا نقول: كلاّ لا معنى لهذا الكلام. فالنبيّ يتعامل مع قضيّة بهذه الأهميّة، لم يتعامل بذلك مع الصلاة ولا مع الصيام ولا مع الزكاة ولا مع الحجّ ولا مع الإنفاق ولا عن أيّ مسألة شرعيّة ودينيّة كانت في زمان رسول الله، فأيّ شيء أوقف له ثلاثين ألفًا بهذه الطريقة وقال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه ورفعه إلى المحامل، وجعله إلى جانبه ورفع يده ليراه جميع الناس وينظروا إليه، ثمّ بعد ماذا نقول نحن الآن عن ذلك؟ نقول هذه مسألة فرعيّة معتادة كالطهارة والنجاسة! ليست من الضروريّات! نحن لا نختلف في الأمور التي هي من ضروريّات الدين، فنحن نصلّي معًا. نعم إنّ الصلاة التي يصلّونها هم هي لهم وحدهم! أمّا الصلاة التي صلّاها العلامة الحلّي أمام الجايتو وقصّتها معروفة فهي تختلف. ولا مجال الآن لذكرها وقد ذكرها المرحوم العلاّمة في معرفة الإمام فليراجعه الرفقاء فقد كتبت هناك طريقتها حيث وضع عذرة أمامه وسجد عليها على غائط الإنسان، فارتفع صراخه أنت تتّهمنا أنت ماذا تقول عنّا. فقال إنّها في كتبكم فأحضروا الكتب فإذا فيها: يجوز السجود على كلّ ما على الأرض. فقال العلاّمة الحلّي هذا شيء ممّا على الأرض.٣ تفضّل إنّه ليس في الهواء فما جوابك؟ فتلك الصلاة التي تكون هكذا وذلك الحجّ الذي يكون هكذا واتّباع هؤلاء الذين لا يعرفون كم إصبعًا في أديهم خمسة أو ستّة من المعلوم إلى أين ستنتهي.
ثمّ يأتي النبيّ وينصّب أمير المؤمنين وليًّا ونأتي نحن في هذا الزمان ونقول الولاية ليست أمرًا ضروريًّا! الصلاة ضروريّة كما تعلمون! الصيام ضروريّ، الأمور المتعارفة، الحجّ الزكاة وأمثالها، أمّا هذه فهي مسألة اجتهاديّة! بعضهم يقبلها وبعضهم يرفضها! فما هذا؟ إنّه لأجل التقوى. درسنا بضع كلمات ولكن لا وجود للتقوى، لا صيانة عن الخطأ. تأتي الأمور الأخرى والأهواء الأخرى والعلاقات والأحداث فتغطّي على حقائق المذهب المقبولة وتخفيها.
جميل جدًّا ما كان يحدّثني به أحد الأصدقاء حفظه الله، كان يقول: كان لديّ مؤتمر طبّي حول العيون ـ فربّما هو الطبيب الأوّل في العالم متميّز ـ وكان يحدّثني عن أمور الهوى والهوسفقال: كنت في مؤتمر يضمّ حوالي ثمانين أو تسعين مشاركًا، وكانت لديّ محاضرة، فشرع بعضهم بالاعتراض على الكلام الذي أقوله انطلاقًا من أمور نفسيّة، وكان من الواضح أنّهم ينطلقون من أمور نفسيّة، واللطيف أنّ كثيرًا من أصدقائي وتلاميذي الذي وصلوا بواسطتي إلى بعض الدرجات والمواقع، لم يقوموا للدفاع عنّي بسبب بعض الاعتبارات، فلم يقولوا الحقّ معه، والتقارير العلميّة تقول ذلك، فلان يقول ذلك. ولمّا انتهى المؤتمر قلت لهم: فلماذا لم تقولوا شيئًا أنتم؟ فطأطأ أحدهم رأسه إلى الأسفل وقال الآخر نحن... وقال ثالث لا أدري وقال رابع رعاية... هكذا فهذه الأمور موجودة في كلّ مكان، فعندما تكون النفس أمام الحقّ فإنّه يسقط إلى الأسفل، وعندما يأتي الهوى والهوس والمداراة والأمور الدنيويّة... فمن الطبيعيّ أنّ من كان ساكتًا ولم يدافع عن الحقّ لم يكن ساكتًا لأجل الله، بل لأنّ مكانته ترتبط بفلان وفلان فكان مكبّل اليدين، لو تكلّمنا ففي اليوم التالي ستحصل مشكلة، فلو أردنا أن نأخذ شهادة ما فإنّها ستتأخّر، وهذه الأمور موجودة دائمًا.
إنكار حديث القرطاس بسبب عدم التقوى
هذه المسألة سيطرت على الجميع على مرّ التاريخ، فبعد ثمانين سنة من العمر وبعد كلّ هذه الدراسة والتدريس وأمثال ذلك يقوم أحدهم فيقول كما أخبرتكم في الأسبوع الماضي إنّ حديث القلم والقرطاس ـ الذي نقله الشيعة والسنّة ورواياته مسلّمة ومن الضروريّات التي لا يمكن لأيّ سنّي أن ينكرها ـ ليس صحيحًا وينكره ويردّه. لماذا؟ لأنّه ليس هناك نور، ذلك النور الذي يجب أن يكشف عن الواقع لا وجود له، والأمر الذي ينقله أهل السنّة أنفسهم من أنّ عمر قال في آخر لحظات حياة النبيّ عندما طلب قرطاسًا قال ـ نعوذ بالله نعوذ بالله ـ إنّ الرجل ليهجر (حاشية) إنّه يهذو. هذا النبيّ يهذو، ثمّ بعد ذلك تريدون من الناس أن لا يرتدّوا عن النبيّ ولا يتّبعوا أبا بكر؟ يقومون من بيننا فينكرون هذه الرواية التاريخيّة المسلّمة، فهذه إحدى مصائبنا!
أو سائر الأمور التي بيّنتها لكم فيما يرتبط بالسيّدة الزهراء، وما يرتبط بزيارة عاشوراء. زيارة عاشوراء التي يعدّها البعض تالي تلو القرآن وكم ورد من التأكيد عليها يقولون: إنّ زيارة عاشوراء لا سند لها وهي مجرّد كلام. فمن الذي يقول هذا الكلام؟ لا يقوله البقّال وأمثاله، يقول ذلك من درس تسعين سنة وطالع تسعين سنة وبحث ثمانين سنة، فهؤلاء هم الذين يقولون ذلك.
ما الذي يعيّن كيفيّة التفكير في حالة التقوى؟
فهل صار واضحًا الآن ما هي التقوى؟ التقوى عبارة عن أن يكون الإنسان مصونًا بحصانةٍ نور التوحيد هو الذي يعيّن فيها كيفيّة التفكير، لا الهوى والهوس والمصالح والأخطاء والتجارب الخاطئة والنقائص الموجودة في بعض أفكارنا.
ما سبب إنكار زيارة عاشوراء والزيارة الجامعة؟
فالذي يقول: لا حاجة إلى الفلسفة ولا حاجة إلى العرفان فإنّه سينتهي إلى رفض زيارة عاشوراء! من يقول إنّ دراسة بعض الفنون تكفي ينتهي إلى هنا. ومن كان من أهل المعرفة يعلم أنّ زيارة عاشوراء لا يمكن أن تصدر عن أيّ إنسان إلا المعصوم، يدرك ذلك، هو يدرك ذلك ويعلنه ويوصي بقراءتها والمداومة عليها والتدبّر فيها.
والذي يعدّ الزيارة الجامعة غلوًّا في حقّ الإمام عليه السلام ويعدّها فوق شأن الإمام ومرتبته هو نفسه الذي يقول بعدم الحاجة إلى الخوض في هذه الدراسات، وعدم الحاجة إلى هذه العلوم، وعدم الحاجة إلى العلوم الفكريّة وعدم الحاجة إلى علوم التوحيد والعرفان وأمثالهما. أمّا من كان من أهل المعرفة ومن كان من أهل الولاية ومن كان متّحد النفس والسرّ بحقيقة الإمام عليه السلام فهو يعلم أنّ هذه الزيارة الجامعة عن الإمام الهادي عليه السلام، وأنّه لا يمكن لأيّ أحد أن يقولها إلا أن يكون متّصلاً بمنبع الوحي. فلتتفضّل أنت ولتقل مثلها! أنت تقول لا ربط لهذه الزيارة بالإمام الهادي، فتفضّل أنت وائت بمثلها، وانظر ماذا سيصدر عنك!
ما سبب إلقاء الشبهات حول نهج البلاغة؟
وهناك من يلقي الشبهات حول نهج البلاغة ويتردّد في كونه من أمير المؤمنين، وهل هذه الخطب صحيحة أم لا؟ وبعضهم يقول بعضها صحيحة وبعضها غير صحيح، وأنّ السيّد الرضيّ جمعها هكذا من نفسه، رحم الله العلاّمة الطباطبائي هذا الرجل الواصل إلى مقام التقوى كان يقول: لنفترض أنّ أمير المؤمنين لم يخطب بهذه الخطب، فالذين كانوا من زمان رسول الله إلى الآن معروفون وأسماؤهم موجودة، وكتاباتهم موجودة أيضًا، فأيّ منهم جاء بكتاب مثل هذا؟ فليأت وليخبرنا! إن كان هناك أحد فليأت ويخبرنا. فالذين كانوا كلامهم وخطبهم ومقالاتهم ومسائلهم العمليّة التي طرحوها معروفة، وأرفعهم يعقوب بن إسحاق الكندي والكلام الذي يطرحه هو بمثابة كلام الجرائد أمام نهج البلاغة، لم يكن هناك أحد غيره في النهاية، من هو الذي كان غيره؟ فمن هو الذي يمكنه أن يبيّن هذه المسائل التوحيديّة كأمير المؤمنين ومن يمكنه أن يبيّن هكذا روايات، يخطب خطبًا كهذه ويوضّح الأمر بهذا النحو؟ من هو؟ أهكذا نجلس ونتكلّم ونقول إنّ نهج البلاغة لا سند له، ومن قال إنّ له سندًا؟ من أين جاءت مضامين نهج البلاغة؟ أين أسانيدها؟ بماذا ترتبط؟ ألأنّ في نهج البلاغة بضع خطب فلا بدّ من التشكيك في نهج البلاغة كلّه؟! ولأنّهم لم يفهموا هذه الخطب أيضًا كيف هي يجب أن يشكّك في نهج البلاغة كلّه، هذا ما لا ينسجم مع التقوى.
كلّ هذه الأمور لأنّنا اقتصرنا على الحدّ الأدنى فيما يرتبط بأعمالنا ولم نرد أن نتكامل. أردنا دائمًا أن نبقى في هذه الأفكار السفلى، أردنا دائمًا أن نبقى في هذه العلاقات، أردنا دائمًا أن نبقى في علاقاتنا مع الناس لا نتقدّم خطوة إلى الأمام، أن لا نرفع فكرنا شيئًا ما، أن لا نفكّر بشكل أعمق، وعلى هذا الأساس فإنّ توارد الخيالات والأوهام في الليل والنهار يسيطر علينا، يذهب خيال فيأتي آخر، يأتي إنسان فيتكلّم بكلام فنقبل به، ثمّ يأتي آخر فيقول كلامًا آخر فنقبله، ويأتي ثالث فيتكلّم بكلامه فنتّبعه، لا نحقّق بأنفسنا، لا نبحث نحن مع غضّ النظر عمّا يقال، نحكم بسرعة، نعطيه الحقّ بسرعة، أو نحكم عليه بسرعة. كلّ ذلك لأنّ هذه النفس وقدرتنا الفكريّة والعقليّة رغم أنّها بلحاظ الأمور الظاهريّة والعلوم قد حصلت على امتياز وتكامل، ولكن من ناحية بناء النفس هي لا تزال في مرحلة الطفولة.
عندما اخترع شريط التسجيل والمسجّل سابقًا ـ وكثير منكم يذكر ـ كان بحجم كبير وكان يستغرق ساعة حتّى ينهي دورة كاملة، ثمّ بعد سنوات صارت تلك الساعة في شريط صغير مضغوط وأفضل من السابق وأنظف وأجمل. ثمّ مضت مدّة أيضًا فاستبدل بهذه الأجهزة، والآن شيئًا فشيئًا يسير باتّجاه أن تجعل ليست فقط هذه الساعة بل مئات الساعات من الكلام في جهاز بحجم الظفر، نصف ظفر، ثلث ظفر. فهناك أجهزة تخترع بمقدار رأس الإبرة وبإمكانها أن تحفظ في آلاف الساعات. فماذا يزداد هذا الجهاز من ناحية القيمة والمكانة؟ لا شيء. فقط صار صغيرًا، وصارت المعلومات المحفوظة فيه كثيرة، ولكن لا وجود للإدراك. الإدراك الذي كان له هو بعينه لا يزال موجودًا لم يختلف الأمر. لم يزدد الفهم، بل ازداد الحجم! نحن كنّا نسعى إلى زيادة حجم المعلومات حتّى الآن، لا إلى صناعة النفس والبناء النفسي والبناء الفكري والبناء العقلاني، لم نكن نسعى إلى ذلك. لقد زدنا من معلوماتنا، لقد قرأنا الكتب، ولكن الكتب لا ترفعنا، لقد أضفنا دفترًا إلى الدفاتر السابقة، وهذا لا يصحّح فكرنا، وطبعًا الكلام الذي نقله الأعاظم والمعايير التي قدّموها توضّح الطريق لأجل الوصول إلى المطلوب، ولكن نحن المسؤولون عن تطبيقها على أنفسنا، وتطبيقها في أنفسنا، حتّى نصل بعد مرور الزمان والأيام والشهور والسنين شيئًا فشيئًا من حيث الرقيّ الروحيّ والفكريّ والعقلانيّ إلى تلك المرتبة وإلى تلك المباني التي أوضحت لنا، وتلك القاعدة وتلك الحال بحيث يكون الكلام الذي نقوله فصلاً لا خطأ فيه.
ما هو طريق تصحيح الفكر والخيال؟
وكما ذكر للرفقاء في الجلسة السابقة فإنّ هذا الأمر يحتاج إلى تصحيح الخيال، أي أن يصحّح الإنسان خياله، أن يصحّح ما يأتي إلى ذهنه، أن يكون فكره صحيحًا، وما الطريق إلى ذلك؟ كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى ذلك بحيث يكون الواقع متجسّدًا أمامه لا الصورة الظاهريّة، أن يكون الواقع معيارًا له لا الضجيج والغوغاء والإعلام، الواقع هو المعيار المعتمد لا غيره. متى يمكن للإنسان أن يصل إلى هذه المرتبة؟ عندما تصل قوى الخيال والوهم عنده ـ والتي ترتكز إلى نقائص النفس وكيفيّة ثقافة المجتمع ومستوى المعلومات الشخصيّة ومقدار تقرّب الإنسان إلى الله في المراحل المختلفة من التجرّد ـ إلى مرحلة ينقص فيها التوهّم ويزداد فيها العقل. فإذا ما سار الإنسان في هذا الطريق فإنّه شيئًا فشيئًا وبتركه للأفكار والتخيّلات السابقة وكيفيّة الفهم السابق، يجعل أساسًا جديدًا. هكذا يمكن للإنسان أن يقوم بذلك.
إنّ مطالعة كتب الأعاظم لها أثر كبير في هذا المجال، ومطالعة التاريخ مهمّة في هذا المجال، ومعرفة الناس من خلال ما في كلامهم سواء في العلن أم في الخلوة لها تأثير كبير على انكشاف شخصيّاتهم، هناك الكثيرون ممّن يتكلّمون بشكل جيّد أمام الناس فلا يكاد يعثر الإنسان على نقاط ضعفهم، ولكنّهم يلقون بما في قلوبهم في الجلسات الخاصّة فيدرك الإنسان حقيقة الأمر. بين الناس يتكلّمون بشكل جميل وبكلام موزون قد حضّر من قبل ورتّب وقبل الخروج أيضًا يراجعه حتّى لا يقول الواو فاء ولا يكون هناك خطأ، ثمّ يقولون يا له من كلام رفيع وبيانات راقية. ولكن إذا ما دخل الإنسان في أجوائهم وخصوصيّاتهم يرى أن يا للعجب في أيّ حال هم في أيّ حال في أيّ حال.
نقل لي أحد الرفقاء السابقين الذين كانوا يعيشون في العراق ومن أصدقاء المرحوم الوالد، فكان يقول: عندما كنت آتي من الكاظميّة إلى كربلاء لأجل الزيارة في ليالي الجمعة، زيارة سيّد الشهداء واللقاء بأستاذه السيّد الحدّاد لم يحصل أن قال لي عند تشرّفه بالزيارة تعال لنذهب معًا، فعندما كان يذهب إمّا كنّا نذهب معه أو وحدنا، ولم يكن قد عوّدني أن يقول لي تعال أنا الآن ذاهب إلى الحرم فلنذهب معًا. قال: بقيت في إحدى ليالي الجمعة هناك، ونمت عنده، وصباح الجمعة عندما استيقظنا وتناولنا الفطور قال: أنا ذاهب يا فلان إلى الحرم فتعال أنت أيضًا ـ وهؤلاء الذين يقولون إنّ العرفاء ليسوا من أهل الولاية فليعرفوهم من أيّ نوع كان، لقد كان دأب السيّد الحدّاد أنّه في كلّ صباح عندما يستيقظ كان يصلّي صلاة الصبح ويذهب إلى حرم سيّد الشهداء ثمّ إلى حرم أبي الفضل العبّاس، ثمّ كان يرجع إلى منزله ويتناول الفطور، هكذا كان في كلّ يوم، ثمّ بعد ذلك يقولون إنّهم ليسوا من أهل الولاية! ـ فقال تعجّبت كثيرًا ذلك اليوم لأنّه قال لي أنا ذاهب إلى الحرم فتعال لنذهب معًا. فذهبنا وجلسنا، فرأينا إنسانًا يزور، وكان رجلاً وجيهًا جدًّا هناك. ولمّا صلّينا ـ وكانت له في قلبة مكانة وكنت أحسن الظنّ به ولم يكن لديّ علم فقط كنت سمعت أمورًا عنه من هنا وهناك ـ ثم التفت إليّ وقال هل رأيت فلانًا؟ قلت نعم، فقال سترى في المستقبل ماذا سيجري؟ ومضى زمان على ذلك حتى رأيت أنّ الأمر كما قال فقد ارتفع الضجيج منه وادّعاء النيابة عن إمام الزمان وجمع الناس من حوله وكان يجمع الناس من هنا وهناك ويُرسل بعضهم إلى بعض الأماكن بعنوانه نائبًا وشاع هذا الأمر كثيرًا وهي القصة التي نقلها المرحوم العلامة لا أدري في أيّ كتاب۱ أو أنّي ذكرت للرفقاء أنّه قال لقد ذهبت إلى سامراء وأخمدت تلك الفتنة.
من هو الذي احتمل هذا الاحتمال في حقّ شخصيّةٍ كهذه؟ ومن هو الذي يلتفت إلى أنّ صلواته في الليل كانت لأغراضٍ نفسيّة وأمثال ذلك؟ وذلك البكاء وتلك القراءة ومجالس التوسّل وما خدع الناس جميعًا به حتى اجتمع حوله من الأطراف والأكناف الكثيرون؟ من هو الذي تمكّن من معرفة ذلك وإدراك ما يجري في الباطن؟ من الذي يمكنه أن يعلم ذلك؟ إنّه من وصلت نفسه إلى مرتبة التقوى وإلا فإنّه هو نفسه سيكون مبتلى بذلك، هو نفسه سيغترّ بذلك ويعتقد له بمراتب وأمثال ذلك.
ولأجل الوصول إلى هذه المرتبة على الإنسان أن يسير في طريقين، الطريق الأول طريق تصحيح الخيال بواسطة القدرات والإمكانات العقلية وأن يقضي على أجواء الانحراف الفكريّ والنفسيّ بواسطة المراقبة وبواسطة الهمّة والمتابعة ومنها سوء الظنّ حيث نقرأ في الآية القرآنية: {يا أيّها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظنّ إنّ بعض الظنّ إثم}.۱ أي إنّ هذا الظنّ السيّء مخالف للواقع في كثير من الموارد على الإنسان أن يقوم بما يجعل سوء ظنّه في أيّ مستوى كان يتناقص في كلّ يوم وعلى الإنسان أن لا يقيم علاقة مع الناس ذوي النظرة السلبيّة من غير ضرورة، يجب أن يفكّر مع الناس بطريقةٍ إيجابيّة ولتحصيل ذلك على الإنسان أن يفترض أنّه لم يسمع ما سمعه ويفكّر لحظةً أنّه لم يسمعه ثمّ بعد ذلك يفكّر به،ألا يحتمل أنّ هذا الأمر الذي نقله إليّ هذا هو استنتاجه الشخصيّ وقد نقله إليّ؟ ألا يحتمل أنّه فهمه الخاص وقد نقله إلي؟ ألا يحتمل أنّه تصرّف في النقل؟ ألا يحتمل أنّه هو لديه مشكلة مع ذلك الرجل وقد نقل الأمر بهذه الطريقة متأثّرًا بذلك؟
قبل مدّةٍ جاءني رجلٌ وطرح عليّ أمرًا وكان هناك خلافٌ ما فلمّا تكلّمت أدركت نقاط الضعف ونقاط القوّة في الأمر وحصل لديّ تصورٌ ما عنه واللطيف هنا أنيّ أرسلته إلى اثنين لم يكن أيّ منهما مطّلعًا على خصوصيات الآخر، والجواب الذي جاءني من كلٍّ منهما كان مقابلاً للآخر بنسبة مئة وثمانين درجة، قضيّةٌ واحدة وأمرٌ واحد وحدثٌ واحد ومع ذلك كان هناك تحليلان، لم يكن جواب ذلك الرجل بالنسبة إليّ مهمًّا، كان المهم لديّ كيفيّة تقييم الناس للأحداث، فهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا وأنّنا كيف نواجه القضايا بطرقٍ متقابلة فواحدٌ بهذه الطريقة وآخر بما يقابلها، إنّه رجلٌ واحد وصورة المسألة واحدة تُنقل لاثنين فلماذا يحدث ذلك؟ لأنّنا... الأمر يرتبط شيئًا ما بضعفنا ونقائصنا فنحن لم نصل إلى الكمال ولم يدعِ أحدٌ ذلك وإن شاء الله يعيننا في هذا الطريق ويؤيّدنا، فهذه الأمور موجودة وجزءٌ منها يرتبط بذلك، ولكن لماذا يجب أن يكون الفهمان متقابلين؟ لو كانا متقاربين وبينهما اختلاف يسير كأن يقول أحدهما الحقّ مع فلان مائة في المائة، ويقول الآخر الحقّ معه ثمانين في المائة، فالفرق عشرون في المائة، ولكن أن يقول الأوّل الحقّ مع هذا مائة في المائة ويقول الآخر الحقّ مع ذاك مائة في المائة، فلماذا يحصل ذلك؟ فهناك غير المعلومات والنقائص أمور أخرى على الإنسان أن يعالجها، وعلى الإنسان أن يتجاوزها، وعندها ستصل إلينا المعلومات والمعطيات، سيأتينا ما يلزم للطريق، المهمّ أن نهيّئ أنفسنا بحيث إذا حصلت تلك المعلومات والمعطيات لدى النفس سارت في مسارها الصحيح.
جاءني أحد الرفقاء وأحد الأصدقاء في أمر وكان هناك اختلاف ومشاكل، ولم تكن شخصيّة بل كانت مبنائيّة، فنقل عن واحد من الناس كلامًا أمامي، وكان كلامه ذا ظاهر شديد، ويكشف عن مشكلة وعن أمر ما. فلمّا نقله إليّ فكّرت للحظة أو لحظتين ثمّ قلت له: ألا تحتمل أنّ مقصوده هو هذا؟ ربّما كان هذا مقصوده. ففكّر قليلاً وقال: ربّما. قلت: حسنًا ليتك احتملت ذلك قبل أن تأتي. فهناك احتمال عقلائيّ يمكن للإنسان أن يحتمله ـ ربّما لم يخطر على باله، ولا يمكن أن نقول إنّه مقصّر، كلاّ، ربّما لم يخطر على باله ـ ولكن كم يحسن بالإنسان أن لا يفكّر على الفور بالناحية السلبيّة للكلام ولو كان من ينقل عنه مخالفًا له في المبنى والعقيدة والاتّجاه، فربّما كان فيه ناحية إيجابيّة، إلا إذا كان واضحًا ومعلومًا ويقينيًّا. فما دام الإنسان يرى هذا المصباح فلا يمكن أن يقول إنّه مطفأ. هكذا يجب أن يكون.
إذا استمرّ الإنسان على ذلك في عمله، وتابع العمل على هذا المنهاج، فهذا من أسرع طرق تصحيح الخيال، وهو أن يجلس الإنسان ويبحث عن جانب إيجابيّ في العمل الذي سمع عنه، في الخبر الذي سمعه، في الحادثة التي شعر بها، وذلك قبل أن يحكم بسرعة على ذلك. فليجلس دقيقة واحدة، فإن لم يجد فليجلس ثلاث دقائق، فإن لم يجد فخمس دقائق، وإن لم يجد فعشر دقائق، فإذا وصل إلى عشر دقائق اكتفى، بشرط أن يفكّر، ربّما كان مقصوده من هذا الكلام كذا، فلا نعظّم الأمر، ربّما كان مقصوده من هذا العمل كذا، ربّما، هذا إذا كان قد فكّر وجاء وقال بنفسه إنّما قمت بهذا العمل لأجل هذا وهذا القرآن وهذا اليمين ويدي على القرآن فماذا تقول؟ لا يمكن أن تقول إنّه يكذب، فالمسلم لا يكذب، يقول عجيب هذه آية من القرآن والله وبالله هذا كان مرادي وقد نُقل إليك الأمر بطريقةٍ جعلتك تظنّ بي سوءًا فيجعل الإنسان هذا اليمين وهذه الآية وهذا القرآن أمامه من البداية، ألا يحتمل الصحّة؟ إن كان يحتمل فهل الأمر بنحوٍ لو حُلف عليه بالقرآن يقول إنّ هذا اليمين كاذب؟ أحيانًا يمكن أن يقع ذلك وهذا أمرٌ واضحٌ يراه الإنسان بعينيه وليس ظنًّا وحدسًا ليس فكرًا وخيالاً وليس استنتاجًا إنّه يراه هكذا، كلا أمّا في تلك الحالة فالأمر يختلف، فإنّ الإنسان يحتمل هذا الاحتمال وهذا يؤدي إلى زوال الكثير من الظنون التي نظنّها اتّجاه الآخرين فتسكن النفس وتهدأ تجاه الناس وتجاه المجتمع وتجاه الرفيق والأشخاص الذين يرتبط بهم ويهدأ هذا الصراع النفسي الذي نعيشه دائمًا .
وحيث إنّي أريد أن أنهي موضوع المتقين اليوم وأبدأ في الجلسة القادمة إن شاء الله والتي يمكن أن تتأخّر قليلاً ببحثٍ جديد لذلك سأتكلّم في ختام حديثي بشكلٍ مختصر وموجز.
ثلاثة أمور لتصحيح الفكر
فالأمر الأوّل هو سوء الظنّ، فسوء الظنّ هذا يجب أن يزول.
الأمر الثاني المحافظة على حالة [الطلب والشوق] التي كان عليها الإنسان، يجب على الإنسان أن يحافظ على هذه الحالة، كيف كانت حالنا قبل التعرّف على هذه الأمور؟ تمضي بضع سنواتٍ، تمضي سنوات عشرة، ثلاثون فهل نحن على تلك الحالة التي كانت لدينا؟ أم اختلف الأمر عندنا؟ على الإنسان أن يحافظ على هذه الحالة أمام نفسه وأمام ربّه، هذه الحالة التي هي أنّه لم يكن يدرك شيئًا في البداية والآن أدرك مقدارًا ما، ينبغي أن لا تغيّره لا سمح الله، تلك الحالة التي كان عليها سابقًا من الطلب والشوق للوصول إلى الأهداف الرفيعة والعطش إلى تلك المبادئ والقواعد للحياة الأبديّة هل هي موجودةٌ لديه الآن أم لا؟ هل ذلك التواضع والخضوع الذي كان في البداية موجودٌ الآن أم لا؟ لم نتغيّر في علاقتنا مع الله لا زلنا كما كنّا هل تغيرنا؟ كم زدنا؟ كم مترًا أضيف إلينا؟ هذه المعلومات التي وصلت إلينا من أين جاءت؟ هل جاءت من موضعٍ آخر سوى عناية الحق؟ ما فهمناه وما أدركناه لم نأت به من عند أنفسنا بل وصلنا عن طريق الأعاظم الذين أفنوا أعمارهم في هذا الطريق وابتلوا بألف بلاء ٍومصيبةٍ فأورثونا هذه المدرسة الحقّة من خلال كلامهم وكتاباتهم وممشاهم. فهل حصلنا على تلك المعلومات من غير ذلك؟ فليحافظ الإنسان على هذه الأمور حيّةً في نفسه وليعرف قدر نفسه وحاجته إلى هذه المدرسة ولا يضع نفسه.
قصّة النوم على فراش الإمام الرضا عليه السلام
ذهب أحد أصحاب الإمام الرضا عليه السلام لزيارته ليلاً ـ لا ندري كان مدعوًّا أو لم يكن مدعوًا ـ وكان الإمام في المدينة فجاء الإمام عليه السلام بنفسه بالطعام وقدّمه إليه ثم أحضر له فراشه الخاصّ ولحافه إن كان هناك لحاف وعرف ذلك الرجل أنّ هذا الفراش هو فراش الإمام نفسه أمره الإمام بالاستراحة فيه، وعندما أراد الإمام أن يخرج من الباب التفت إليه وقال له: إيّأك أن تظنّ في نفسك خيرًا احذر ان يحصل ذلك.
التفتوا ماذا كان يحصل لذلك الرجل؟ لقد جئنا من الكوفة، أو من مكانٍ آخر واستضافنا الإمام فسنرجع إلى الكوفة ونفتخر على الآخرين، لقد أحضر لنا الإمام الرضا بيده الطعام وفرش لنا فراشه الخاصّ وأينما ذهبنا سنقول لقد ذهبنا لزيارة الإمام وأنّ الإمام يسلّم على الجميع، من كان هناك؟ ماذا أقول؟ لقد أخجلنا الإمام ونطأطئ رأسنا قليلاً. ما هذا الكلام؟ ما كلّ هذا؟ كل هذا خداعٌ وغرور واحتيال، إنّ طأطأة الرأس هذه خداعٌ وخطّة شيطانيّة، لقد أخجلنا الإمام كثيرًا.
ـ ماذا فعل؟
ـ لا يمكن أن نقول
ـ لا يمكن فلتسكت، لماذا تتكلّم، لا تتكلّم.
ـ عجيب لقد بسط الإمام فراشه فلنقم ولنقبّل ومقام وموقعية وفي اليوم التالي يُعلن في المجالس أنّ هذا هو الذي نام في فراش الإمام! إنّه كذا! وينشر الأمر في كل مكان، ثمّ يتحوّل هذا الرجل إلى صنم! يصبح صنمًا أرفع من صنم هبل وتلك الأصنام التي كانت في مكّة والتي كانت رؤوسها شامخة، ثمّ جاء أمير المؤمنين ألقاها بسيفه على الأرض وكسّرها، والإمام يقضي على أصنام الظاهر والباطن، فهو يقضي على أصنام الظاهر، وبولايته يقضي على أصنام الظاهر.
يرى الإمام أنّه يسقط في جهنّم الآن، يقول: التفت، إنّي إذ صنعت ذلك لك فأنت لا تختلف عن سائر شيعتي، ولو جاء غيرك لفعلت له ذلك أيضًا. فجأة تسمّر في مكانه، لقد أخرجه الإمام فجأة من جهنّم، إلى أين أنت ذاهب؟ لماذا تفكّر؟ أتريد أن تذهب وتبيّن للنّاس؟ أجل؟! تريد أن تصنع عن نفسك قصّة وسجلاً خاصًّا، الآن نمزّق سجلّك على الفور ونلقي به في مدفأة الحطب ونحرقه ونجعله رمادًا. هذا هو دور الإمام، فالإمام يأتي بولايته ويكسر الأصنام، يطحن النفس، يصحّح الخيال، أن أيّها الشقيّ أتختلف عن الآخرين؟ إن كنت أحسنت إليك فأنا إمام، أمّا أنت فماذا؟ قم وأحضر أصدقاءك لترى أنّي أصنع معهم عين هذا أم لا؟ تفضّل، انظر أأصنع ذلك أم لا؟ أنا أحسن إليك وأهتمّ بك، فبماذا تفكّر؟ إلى أين تذهب؟
علينا أن لا ننسى موضعنا، ولنعدّ أنفسنا دائمًا في اليوم الأوّل من الذهاب إلى الصفّ الأوّل الابتدائي، وكلّ ما يصل إلينا فهو من الله.
الأمر الثالث هو أن نعدّ كلّ ما نناله من نعم رعاية من الله، واقعًا إن كان هناك علم فقد جاء من عند الله، إن كانت هناك معرفة فقد جاءت من عند الله، إن كان تفكيرنا ورؤيتنا للأحداث قد تغيّرت فمن أين حصل ذلك؟ إنّه من الله، وإلاّ فإنّ أصدقاءنا وأرحامنا ليس لهم اطّلاع على هذا الأمر، هل لهم اطّلاع؟ فاذهبوا وكلّموهم فهل تجدونهم في هذا الوادي؟ فلنحذر من تعييرهم، ولنحذر من السخرية بهم، نعم علينا أن لا نمضي عملهم، وأمّا السخرية والاستهزاء بهم وأنّهم ماذا يقولون فلا، فلنقل ذلك في قلوبنا ولا نطرحه ولنشكر الله على ذلك، لنشكر الله على كوننا في أيّ واد، لنشكر الله على أنّنا في أيّة مكانة.
لقد ذكرت للرفقاء هذه الحادثة، ولا بأس بالتذكير بها الآن، في إحدى الجلسات كان أكثر المشاركين وربّما نصفهم من المعمّمين، وقد شاركت فيها مرّة واحدة، فقد كانت جلسة للأقارب، وقد انقضت الجلسة تلك الليلة بالحديث عن حادثة كانت قد وقعت آنذاك، لعبة بين بلدين، فكان كلّ الحديث حتّى ما قبل نصف ساعة من ختامها في ذلك، فالتفتّ إلى أحدهم وقلت له: ما هذا الكلام ألا تخجلون؟ ثمّ تجعلون عنوان هذه الجلسة صلة الرحم، وقرأت له آية ليلتفت، فبدأ بشرح رواية من مات ولم يعرف إمام زمانه والاعتراض على هذا وذاك، ثمّ قال: تفضّلوا إلى السفرة في الطابق الأسفل فهي جاهزة، واختموا الجلسة. لقد كان كامل الجلسة بين هؤلاء حول هذه الحادثة، ومن هو هذا ومن هو ذاك؟ وكيف يرمي الكرة إلى المرمى؟ وكيف يرمي بها خارج المرمى، وهذا ماذا فعل هنا، ساعة ونصف من وقت هذه الجلسة قضي بذلك. وطوال هذا الوقت كنت أقول في قلبي الشكر لله الشكر لله الشكر لله. فهل التفتّم؟
أين نحن وأين أفكارنا؟ رغم أنّ هذا المقدار الذي نعرفه نحن من كلام الأعاظم قليل جدًّا، يناسب مستوانا، ولكن إلى أين جاؤوا بنا؟ إلى أيّ نوع من الكلام؟ إلى أيّ نوع من الأمور؟ ما هي؟ واقعًا هل يمكن للإنسان أن يفكّر بل وحتّى يتخيّل تلك الأمور الساذجة؟! فلم يكونوا يمزحون بل كانوا جادّين ويحلّلون ويناقشون، ومن أيّ نوع؟ أبناء السبعين سنة، أئمّة جماعات، أن هذا كذا وذاك كذا، في هذا الفريق الفلاني، وأمور لو قلتها عشر مرّات فإنّي أخطئ بأسمائهم، أفهل أوحى بهم جبرائيل؟ هل يعقل أن يكون هناك هذا المقدار من المعلومات حول أمور حتّى عوامّ الناس لا يعرفونها؟ هل يعقل ذلك؟ فاشكروا الله، وليعلم الإنسان أنّ هذه الأمور التي تأتيه هي أنوار من ناحية الله، فليحذر أن يضيع نفسه.
هذه الأمور الثلاثة لا بدّ من مراعاتها. وطبعًا هناك أمور أخرى، وهذه الثلاثة هي الأساس، فهذا من وجهة نظر عقلانيّة للوصول إلى مرتبة الكمال العقليّ، وأمّا من وجهة نظر شهوديّة، فهذه مسألة أخرى. فمن وجهة نظر شهوديّة عندما يبدأ الإنسان بالسير في هذا الطريق ويتكامل فإنّ حركة السالك من عالم النفس إلى عالم التجرّد عبارة عن حركته من الجزئيّة إلى الكليّة، أي من الأمور الجزئيّة ومن الصور الجزئيّة إلى الوصول إلى الواقع والوصول إلى تلك الأمور الكليّة. فمن باب المثال لو أعطوك صورة فأنت تنظر إليها وفي منظر معيّن، فتارة يمكن أن تنظر فقط إليها كمنظر كما ينظر الأطفال، ويمكن لآخر أن ينظر نظرة أعمق فيرى الأحداث التي هي خلف هذا المشهد والتي يمكن أن تستنتج من خلاله ومن خلال خصوصيّاته، إنّ حركة السالك هي أن ينتقل من النظر إلى الجزئيّات والتأثّر بالوقائع الخارجيّة إلى الواقع والحقيقة التي تكمن بين الأشياء، بين السُحب، وأعلى من السحب. فلا تأثير عليه من قبل الأمور التي تحدث، إنّه ينظر إلى الأعلى، يقول كلّ هذا فارغ. هو يضحك ممّا ينقل له لأنّه يمتلك نظرة وبصيرة ويرى الأمور العليا، لا تؤثّر فيه الأحداث التي تجري من حوله لأنّه ينظر إلى ما هو أعلى منها.
ألم يقل المرحوم العلاّمة ألم يقل؟ ألم يقل لنا إنّ الأمور لن تكون هكذا بل ستكون على حالة أخرى. متى؟ قبل سنوات، سنوات قبل أن يحدث أيّ شيء! سنوات قبل أن نرى شيئًا، سنوات قبل أن نشاهد شيئًا، ومع ذلك فقد كان يقول بمقدار الضرورة وليس في أيّ مقام. لماذا؟ لأنّه ينظر إلى الأعلى. ثمّ هو ينظر إلى الأحداث التي تجري الواحدة تلو الأخرى، فكأنّ هناك سجلاً تطوى منه صفحة بعد صفحة وهو ينتظر طيّ تلك الصفحة الأخيرة التي يراها.
وقد نقلت للرفقاء إنّنا كنّا نمشي ذات ليلة في عهد الحكومة العسكريّة، ولم يكن قد بقي لها سوى ساعة واحدة، وقد خرجنا معًا من المسجد وتوجّهنا مشيًا نحو البيت، فمشينا من هذه الجهة لشارع سعدي إلى تلك الجهة، وعند عبورنا من قرب باعة الجرائد ـ أصلاً هو لم يكن يشتري جريدة، ونحن لم نكن نشتري جريدة آنذاك ـ نظر فجأة فرأى صورة رجل صار فيما بعد رئيسًا للجمهوريّة، والجميع يعلمون قصّته التي جرت لاحقًا، وأنا لم أكن أعرفه آنذاك، فقط كنت قد سمعت اسمه مرّة أو مرّتين. فأشار المرحوم العلاّمة بالعصا إلى الجريدة وقال: من هذا؟ قلت: إنّه كذا وداخل في هذه الأمور وقد سمعت أخيرًا باسمه. فهزّ برأسه وقال: سيأتي يوم يسبّب فيه هذا الرجل مشكلة لإيران لا يمكن التعويض عنها. وذلك قبل أن تكون هناك أي مشكلة، فهؤلاء من أين يعرفون ذلك؟ من الذي أخبرهم بذلك؟ هل يمكن أن تؤثّر فيهم تلك الأحداث؟ هل يمكن؟ هناك الآلاف من الناس يقطّعون أنفسهم قطعًا قطعًا في الوقت الذي يشاهد فيه هذا ماذا سيحدث، ماذا سيحدث؟ ماذا سيرى؟ فأيّ شيء سيغيّر أحوالهم؟
العقل التامّ عند الأولياء
كلّما اقترب الإنسان سلوكيًّا من مرتبة التوحيد صحّ خياله أكثر، وابتعد عن مرتبة الخيال والوهم واقترب من مرتبة العقل وارتفع وارتفع في الظاهر وفي الباطن حتّى يصبح الظاهر والباطن في نقطة واحدة، ما اسم هذه النقطة؟ ينبغي للفضلاء أن يعرفوا، أوّل ما خلق الله العقل۱ يصلون إلى مرحلة العقل التامّ. أوّل ظهور الله في عالم الخلقة في مقام الواحديّة بعد عالم الذات وعالم الهوهوية هي مرتبة العقل. مرتبة تحيط في وجودها بكلّ نظام الخلق بكافّة محتوياته الأعمّ من المجرّدات والمادّة، وهو الذي يلقي إليهم، فهذا هو عالم العقل. فإذن من وصل إلى مرتبة العقل هذه فقد وصل إلى مرتبة تصحيح الخيال، ولم يعد لديه خيال. ذلك العقل عقل تامّ. هذه مرتبة. ولدينا رواية أخرى أنّ أوّل ما خلق الله نور نبيّك يا جابر٢ أوّل مرتبة ظهور الله في عالم الخلق ظهور ولاية النبيّ. فإذن ما هي نتيجة هاتين العبارتين من أنّ كلاً منهما يلتقيان في نقطة واحدة؟ أنّ عالم العقل عبارة عن عالم ولاية النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذا وصل الإنسان إلى هذه المرتبة فقد وصل إلى مرحلة العصمة، وقد وصل أولياء الله إلى هذه المرحلة. أي إنّ الأفراد يرتفعون تحت ولاية النبيّ وولاية إمام الزمان وسائر الأئمّة حتّى يصلوا إلى مرتبة الولاية التامّة، فإذا ما صاروا في هذه الولاية لم تعد نفوسهم نفوسًا بشريّة، لم تعد لهم نفوس، لم يعد لديهم هوى، لم يعد لديهم تخيّل، إدراكهم إدراك يأتي إلى نفوسهم من الأعلى، ولا يطلع عليهم من الأسفل، لا على أساس الدراسة ورأية الأخبار والنظريّات وسائر الأمور فتحصل لديهم تركيبة ونتائج، فليس يصدر ما يصدر عنهم نتيجة تحصيل هذه الأمور. ما يصدر عنهم هو عين ما يأتي من قبل الله إلى قلب رسول الله والأئمّة، فهو بعينه يأتي إلى قلوبهم من ناحية نفس رسول الله والإمام، فهناك تحت ظلّ الإمام أمر واحد لا أمران، وهذا الأمر لا يتوقّف هنا، كلامهم كلام الإمام، وفعلهم فعله، لذلك لا يمكن أن يقولوا لقد أخطأنا، لا يمكن أن يقولوا ليتنا لم نقل! لا يمكن أن يقولوا لقد كان كلامنا خاطئًا، نعم في الأمور الجزئيّة كما ذكرت لكم فإنّ الأمور البسيطة قد يقع فيها اشتباه كما لو أخطأ في تشخيص ما يبصره لأنّ نظره ضعيف، فليس هناك دليل على أنّه إذا كان الإنسان وليًّا لله فإنّ نظره لا بدّ أن يكون اثنا عشر من عشرة، كلاّ بل يمكن أن تكون له نظّارة غليظة جدًّا ككعب الكوب وكعب الكأس كما يقال! فيرتديها ـ طبعًا صارت في هذه الأيّام رقيقة ـ كلاّ لا دليل على ذلك! كلاّ! بل كما قلت: في الأمور الاعتقاديّة وفي العلاقة مع الله وفيما يقوله حول مصالح الأفراد ومصالح المجتمع، فإنّ كلامه كلام الإمام بدون أيّ ترديد، هذا هو الوصول إلى الولاية.
من نماذج العقل التامّ أبي الفضل العبّاس
في هذه المرتبة العقل هو الولاية والولاية هي العقل، وليسا أمرين اثنين. من وصل إلى هنا؟ من نماذج ذلك أبو الفضل، انظروا إلى أبي الفضل فإنّه فان في سيّد الشهداء، فانٍ في سيّد الشهداء، ذائب في سيّد الشهداء. عطشان يذهب إلى جنب شريعة الفرات ظمآن لم يشرب منذ يومين، لقد أعطى الماء إلى الآخرين، فمن دون إرادة تميل النفس إلى الماء. ما إن رفع الماء إلى الأعلى فجأة ذكر عطش الحسين والآخرين، لماذا خطر في باله ذلك في هذه الحالة؟ لماذا؟ لأنّ نفسه متّحدة مع نفس الإمام الحسين، لا يمكن أصلاً أن يشرب الماء، لا يمكن. لو أنّ أبا الفضل شرب الماء حينها لما كان أبا الفضل هل التفتّم؟ لما كان، إن كان الإمام الحسين عطشان فهذا يجب أن يكون عطشان أيضًا، نعم صار في ظرف معيّن حين ذهب بأمر إمامه، فذهب إلى الشريعة ليأتي بالماء، وليس هناك أحد يمنعه الآن. لو كان هنا أيّ من الناس العاديّين ومن المحقّقين والمفسّرين العاديّين لقالوا جميعًا إنّه أخطأ! ليته شرب الماء جيّدًا ليقاتل بشكل أفضل! ليته شرب لصار قويًّا! ليته رفع عطشه! شرب الماء واجب شرعيّ! بل أكثر من ذلك يحرم على الإنسان أن يلقي بنفسه في التهلكة! حرام إذا أراد الإنسان أن يضرّ بنفسه! حرام على من؟ علينا، علينا نحن أهل الظاهر، علينا نحن الذين لم نشمّ رائحة الحقيقة وليس لأعيننا عمل إلا بالأمور الظاهريّة ولم نشمّ من رائحة تلك الحقيقة حقيقة الولاية وباطن الأمر، علينا نحن حرام. نحن يجب علينا أن نشرب الماء بحكم الوظيفة الشرعيّة، ولكن ماذا عن أبي الفضل؟
لقد وصل عقل أبي الفضل إلى الكمال، فماذا يقول العقل الكامل؟ يقول: كيف يمكن أن يكون هناك فرق بين المحبوب والمحبّ، أنت محبّ وهو محبوب؛ فانظر إليه الآن في أيّة حالة هو؟ فهذا العقل يقول لا تشرب الماء، وذلك العشق يقول: لا تشرب الماء. ذلك العقل يقول عليك هنا أن تواسيه، والولاية هي التي تلقي هذه الفكرة في ذهنه. فهنا بيت القصيد، ولو أنّ أبا الفضل لم يكن متّحدًا مع سيّد الشهداء، لم يكن متّحدًا مع أخيه، لم يكن ذائبًا في ولايته، لحلّل تحليلاً في تلك اللحظة وقال اثنان زائد اثنين تساوي أربعة، فالآن يجب أن أشرب، لقد صرت قويًّا الآن، كانت الخلاية قد توقّفت عن العمل، ولم يعد بإمكانها فعل شيء، ليس هناك ماء ليصل إليها، وسيغشى عليّ، يجب عليّ أن أدافع... فيبدأ وبدلاً من أن يشرب قبضة من ماء يشرب قربة كاملة، ولكن عندما يشرب الماء يرى أنّ حالته قد اختلفت عمّا كانت عليه، لقد سقط هو وبقي الإمام الحسين في الأعلى، وهو سقط هنا، يستشهد أيضًا، ويعدّ من الشهداء، ويعطيه الله مقامات أيضًا، لا أنّه لا يعطيه، وتحصل لديه مسائل كثيرة، كثيرة جدًّا، ولكنّه لا يكون أبا الفضل! ولما حصل على تلك الدرجة التي يقول عنها الإمام السجّاد: إنّ لعميّ العبّاس درجة في الجنّة يغبطه عليها الشهداء. ۱ فإذن العقل يأمره، ومن يقول إنّ العشق يقول والعقل يقول فهو لا يعرف شيئًا عن العقل، ولا يعرف شيئًا عن العشق. يعدّون العشق عشق ليلى والمجنون. إنّ عشق أبي الفضل هو عين عقله، وعقله هو عين عشقه، وكلاهما كائنان تحت ولاية المحبوب. هنا هذا المقام هو مقام التقوى، فإذن نسأل الله أن يرزقنا بحوله وقوّته ومساعدة أرواح وأنفاس أولياء الله الوصول إلى هذه المرحلة.
{تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتّقين}۱ لقد جعلنا دار الآخرة هذه للذين لا علوّ لهم، ولا يريدون العلوّ، ولا يريدون الفساد والعاقبة للمتّقين العاقبة لهؤلاء. طبعًا من لم يصل إلى هذه المرحلة فهناك مراتب أخرى، مراتب أدنى وأدنى وأدنى إلى ما شاء الله وما أحبّ ورضي.
لقد كان المرحوم العلاّمة دائمًا يقول: لا تنسوا! إذا أردتّم أن تدعوا فاطلبوا المرحلة العليا. إن كان هناك أحد يجيب غيرُنا فلماذا نبخل نحن بالدعاء؟ نحن نطلب ذلك الحدّ الأقصى والله تعالى يعطيه إن شاء الله. فنرجو من الله ونسأله أن يحشرنا مع صاحب الولاية إن شاء الله.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد