140

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

7288
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتقوى ومراتبها

التاريخ 1428/03/26


التوضيح

ماذا يحصل لو لم يعمل الإنسان وفق الموازين والمعايير وسار في مواقفه وكلامه على أساس المداراة؟ وهل يمكن أن يصل إلى مرتبة التقوى بهذه الطريقة؟ لماذا كان المرحوم العلاّمة يؤكّد على التخلّي عن مظاهر الحياة الغربيّة في أسلوب حياتنا؟ لماذا وصل أعداء الإمام الحسين عليه السلام إلى ما وصلوا إليه مع أنّهم كانوا يصلّون حتّى الليلة الأخيرة؟ هل في صلاة التراويح جماعة وحذف حيّ على خير العمل أبّهة للإسلام؟ ما الفرق بين المداهنة وحسن الدعوة إلى الحق؟
تجيب هذه المحاضرة عن هذه الأسئلة ضمن شرح فقرة فذلك أوّل درجة التقى من حديث عنوان البصريّ.

/۱۷
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

  • شرح حديث عنوان البصري - المحاضرة ۱٤۰

  •  ألقاها:

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

  • بسم الله الرحمن الرحيم

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • قال الإمام الصادق عليه السلام : فهذا أول درجة التقى. 

  • خلاصة ما سبق

  • تحدّثنا في الجلسات السابقة حول مسألة التقوى وأنّها هل ترادف في مصداقها الزهد أو لا؟ كما تحدّثنا حول حقيقة الزهد واختلافها عن الزهد المتعارف والعرفي والعاميّ، ولا بدّ أنّ الرفقاء يذكرون ذلك.

  • ذكرنا أنّ الزهد ليس بمعنى ترك الدنيا وعدم الاشتغال بأمورها، بل هو الابتعاد عن كلّ ما يُغرق الإنسان في عالم النفس والأهواء النفسيّة والكثرات ممّا يُوجب بالطبع البعد عن مقام القرب والتجرّد. وكلّ ما يقرّب الإنسان من مقام القرب والتجرّد والبعد عن الأهواء وزيادة الشوق إلى مقام القرب فهو سبب في الزهد والبعد عن مقام الكثرة والدنيا والأهواء النفسية، وهذان الأمران لا يجتمعان. 

  • يمكن للإنسان أن يكون له في عين اشتغاله بأمور الدنيا تقرّبٌ وتجرّدٌ وميل إلى رضا الله ـ لذلك بسطت الكلام نسبةً ما في هذا الموضوع وضربت عليه الأمثلة ـ ويمكن للإنسان أن يكون في الوقت الذي يتظاهر فيه بالزهد المتعارف ويكون ظاهره مخادعًا كزهد عمر والذي تحدّثت للرفقاء كيف كان يُبدي نفسه أمام الناس بظاهر مخادع وجذّاب للعوام، العوام الذين عقولهم في عيونهم، عقولهم في أوهامهم وخيالاتهم، عقولهم في مجرّد الرؤية والمشاهدة للأمور الظاهريّة، ولأنّهم لا خبر لهم عن الباطن وعن الحقائق التي تجري في النفس، فإنّهم يتعلّقون ويخدعون بهذا النوع من الأعمال ويسيرون خلف هؤلاء الناس وتؤثّر فيهم تلك النفوس الخبيثة أثرًا سيئًا بسبب الاقتراب منهم ومصاحبتهم وبسبب ترابط الأوعية فتلقى تلك الأفكار في نفوسهم وهم لا يشعرون، هذا الموضوع طُرح على الرفقاء بأشكالٍ وأمثلةٍ مختلفة، وبيّنا كيف على الإنسان أن يميّز في حركاته وعلاقاته بين هذين الأمرين لكي يصل خطؤه عند الله وفي محكمة القضاء الإلهيّ والعقلانيّ إلى الحدّ الأدنى، ولا تأخذه الأحاسيس وتسيطر عليه.

  • ماذا يحصل للإنسان لو لم يعمل وفق الموازين والمعايير؟ 

  • إذا قصّر الإنسان في رعاية الموازين والمعايير التي بين يديه، فاليوم يداري هذا وغدًا يداري ذاك فإنّه يفقد تلك القوّة والاستقامة اللازمة لعبوره من الأهواء النفسية ورسوخ المبادئ العقلانيّة والعقائد الحقيقيّة في النفس، إذا قصّر في ذلك في علاقاته اليوميّة استعدّت النفس شيئًا فشئيًا لتقبّل العقائد المخالفة والتي كان يرفضها زمانًا ما وهنا الخطر، فالنفس كانت حتى هذا اليوم تصرّ على بعض الأمور، هو نفسه مبلّغٌ كان يبلّغ الحقّ وكان متمسّكًا به، وكان معتقدًا برعاية الأصول والموازين والرعاية الدقيقة للمبادئ، ولكن مع مرور الزمان ومراعاةً للناس والأقارب والصديق والشريك والجار، ومراعاة لتلك الأوعية التي هي على تواصلٍ معه بنحوٍ ما والتي ترتبط بها مصالحه، فإنّه يتراجع عن تلك الموازين الثابتة حتى تزول تلك المسألة وتعطي مكانها لغيرها، في مثل هذه الحالة لا يبقى من العلاقة مع الله سوى أجواء ويلفّق الإنسان إلى جانب المحيط الخارجي الذي يعيشه بعض الضمائم من عند نفسه ويؤلّفها ويخرجها بصورة معيّنة ويجعل حياته على أساسها دون أن يتمكّن من العبور من هذه المرحلة، بل يرضي قلبه فقط بمجموعة من الألفاظ ويؤنسها ببعض الموازين. 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

3
  • لماذا كان العلامة الطهراني يؤكّد على اجتناب المظاهر الغربيّة؟

  • ولذلك كان تأكيد المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه على أنّ على الإنسان أن يجتنب المظاهر والعادات الغربيّة والاستغراب، ويجتنب المظاهر التي يعيش على أساسها سائر الناس في علاقاتهم. فالنفس تأتي شيئًا فشيئًا وتتأثّر بهذه المظاهر، فاليوم إن قام بعمل ما فإنّه يخجل، تمامًا مثل الإنسان الذي يرتكب ذنبًا ـ وهذا الأمر مشهود على الخصوص بين الشباب والفتيان والذين هم من أصحاب القلوب النزيهة والنفوس الطاهرة ـ فإذا ارتكب الإنسان ذنبًا يشعر بالخجل، يرى نفسه أمام الله في حالة من الخجل والحياء ويصمّم على عدم العودة. وفي المرّة الثانية إذا حصل ذنب فإنّه يشعر بذلك أيضًا، وفي المرّة الثالثة يشعر به بنسبة أقلّ، ثمّ يصل إلى مرحلة يصبح فيها ارتكاب الذنب وعدمه سيّان عنده، ولأنّه لا يمكن أن يحرّر نفسه من الأفكار المقبولة ومن تلك العقائد التي كانت في ذهنه سابقًا، لأنّ الإنسان إمّا أن ينحّي عقله وعقلانيّته ويأكل ويتمتّع كما تأكل الأنعام ويعيش في محيطه التخيّلي الذي لا مشكلة فيه ولا ندم، ولا شعور بالخسارة. فالغنمة عندما تولد تبدأ بالرعي حتّى تؤخذ إلى المسلخ. والجمل عندما يولد يعيش في محيطه التخيّليّ كالبهيمة المربوطة۱ يعيش هكذا يرعى أعشاب البراري، ويشرب الماء، ويقوم بالأعمال اليوميّة المتعارفة إلى أن يأتيه إمّا الموت الطبيعيّ أو ينحر. ولا يشعر في وقت من الأوقات بالندم والخسارة أنّي لماذا ولدتُ، لماذا ينحرونني، لماذا يأخذونني إلى المسلخ؟ تفكيره فقط في الطعام والنوم دون غيرهما، فإذا انقطع ذلك انقطع التفكير أيضًا، لا شعور لديه بالندم. ولو سُئلت غنمة يقاد بها إلى المسلخ: ألم تشعري بالخسارة في هذه الأشهر الستّة أو السنة التي قضيتها في الدنيا؟! لم تتعلّمي المعارف؟! قضيت عمرك بالبطالة؟! فإنّها تقول: ماذا تقول أنت؟! لقد أكلنا الأعشاب والأعلاف وسمنّا والآن هم يأخذوننا في النهاية! فهذا منتهى التفكير ومنتهى التخيّل الذي يكون لدى الحيوان، وهذا لا مشكلة فيه.

  • المشكلة هي أنّنا نمتلك حياة حيوانيّة بأفكار إنسانيّة، هنا تبدأ المشكلة، نريد أن نجمع بين هذين التفكيرين وهاتين الغريزتين، فتارة نحن نُمسخ، والمسخ يعني عدم فهم شيء، فالإنسان قد يغوص في الشهوات إلى حدّ لا يبقى معه مجال للتفكير أصلاً، فهذا لا يحصل، ولكنّ الكثيرين لسوا كذلك، فكثيرون هم الذين يحافظون على ما تبقّى من وجدانهم إلى نهاية العمر، ودائمًا يصارعون تلك الأفكار ويحاربونها. لماذا فعلت ذلك؟ لماذا حصل هذا؟ لماذا لم أفعل كذا؟ ليتني فعلت كذا! فمن يمتلك فرصة ثمّ يقصّر ويخسرها يلوم نفسه، لماذا؟ لأنّه لا يزال لديه شيء من الوجدان، ويمكن للإنسان أن يصل إلى مرحلة يفقد فيها لوم نفسه، فهذا خارج أصلاً من مرتبة الإنسانيّة، ويندرج تحت الحيوانات {بل هم أضلّ}.٢

    1. اقتباس من الرسالة ٤٥ من نهج البلاغة: فما خلقت ليشغلني أكل الطيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها
    2. سورة الأعراف، الآية ۱۷٩.

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

4
  • فإذن في الصراع والجدال بين هذين المحورين أوّلاً الرغبات النفسيّة والشهوانيّة والحيوانيّة والانزلاق في ورطة الهوى والهوس والنفسانيّات والأهواء الدنيويّة الرذيلة والرديئة من جهة، ومن جهة أخرى الرغبات التي تحصل للإنسان بسبب ذلك. ومن جهة ثالثة فإنّ التنبيهات والإشارات والنداءات التي يطلقها وجدانه بالاستعانة بالمعتقدات السابقة والأفكار السابقة التي كان يقبلها كمبادئ للحياة، إذا لم تلبّ فإنّها ترين على النفس وتشكّل حجابًا، فماذا يفعل الإنسان في مثل هذه الحالة؟ يبدأ بالتأويل ويبدأ بالتبرير، ويبدأ بالتوفيق بين الحال التي هو عليها وبين نوع من الأفكار وطريق معيّن للتربية والارتباط مع الله. 

  • فإذا دخل في أمور الدنيا فإنّه يبدأ بالقول: إن لم أدخل أنا فإنّ هذا العمل سيبقى، يدخل في الذنوب، ولا يريد أن يتخلّى عنها، لا يريد أن يخرج من هنا، يبدأ وجدانه بالقول: فلمن جعل الله التوبة والمغفرة؟ لقد دخل من جهة في أمور، وفي قضايا وفي أزمات في تلك العلاقات التي يرى أنّها تقطع العلاقة مع الله، ومن جهة أخرى يقول أرجو أن تشملني شفاعة الأئمة! وأحيانًا ولكي لا يخلو الأمر من شيء يأنس به، يقيم في كلّ شهر مجلس عزاء في بيته ويجمع عددًا من أرحامه ويتوسّل بالأئمة ويقول: الحمد لله لقد جرى ذكر الإمام الحسين وحضر هو في المجلس، فيهدّئ قليلاً من نداءات وجدانه ويضع عليها مرهمًا مسكّنًا، ولكنّه ليس مرهمًا إنّه رماد يذرّ فوق الجمر ولا يطفئه، وفي الأعماق لا تزال هناك نار تصهره، فيدهن من هذه المراهم، ويسافر للزيارة إلى كربلاء، وهذه الزيارات بدلاً من أن تقرّبه تصبح مرهمًا مسكّنًا للاستمرار في طريق الباطل والدنيا التي هو غارق فيها. يذهب إلى الحجّ والعمرة وبدلاً من أن يمنعه الحجّ والعمرة من التوغّل في الأهواء الدنيئة ويسوقه إلى الوحدة فإنّه يتحوّل إلى مرهم للاستمرار في الأمور اليوميّة ومتابعة ما يقوم به من أعمال. 

  • كلّ هذه القضايا الدينيّة وكلّ هذه المظاهر الدينيّة والمسائل الدينيّة التي اتّخذت لنفسها شكلاً وصبغة إلهيّة تتحوّل إلى مسكّن. فزيارته لسيّد الشهداء تصبح مسكّنًا، وزيارته لبيت الله تصبح مسكّنًا، ومجالس العزاء التي يقيمها تصبح مسكّنًا، وذهابه إلى المسجد يصبح مسكّنًا، كلّ ذلك يصبح مسكّنًا! لماذا؟ لأنّ مقام العبوديّة ومقام التجرّد والوصول إلى الوحدة لا ينسجم مع استمرار النفس والنفسانيّات لا ينسجم!

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

5
  • لماذا وصل أعداء الإمام الحسين إلى قتله؟ وهل كلّهم كيزيد والشمر؟ 

  • هؤلاء الذين كانوا يأتون إلى كربلاء ويقاتلون سيّد الشهداء ابن النبيّ لم يكونوا جميعهم يزيد والشمر وسنان، لقد كان بينهم الكثير من الناس العاديّين، كان بينهم المصلّون، وحتّى الليلة الأخيرة كانوا يصلّون، فلماذا جاء هؤلاء؟ لماذا؟! هل كان هؤلاء يشكّون في انتساب سيّد الشهداء إلى رسول الله؟ كلاّ الجميع كانوا على يقين بأنّ هذا الذي جاؤوا ليقاتلوه هو ابن رسول الله. هل انتهى إليهم أنّه ارتكب محرّمًا؟ أبدًا. ألم يقل لهم سيّد الشهداء في يوم عاشوراء: هل حلّلت حرامًا وحرّمت حلالاً؟ أخبروني، فأنا أعلم بما صنعت أيضًا؟ لم يجبه أحد. لو كان لديهم عمل واحد من أعمال سيّد الشهداء ألم يكونوا يأتون ويخبرون؟! ترك لمستحبّ؟ ألم يكونوا يأتون؟ لم يكن لديهم أيّ جواب. فمن أيّ باب كان الأمر؟ علينا في النهاية أن نفكّر في هذا، الذين كانوا في يوم عاشوراء لم يكونوا يختلفون عنّا! هم أيضًا كانوا يصلّون هذه الصلاة، ويصومون الصيام الذي نصومه، لم يكونوا يفطرون في شهر رمضان، كانوا يصلّون صلواتهم، كانوا يصلّون صلاة المغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات، ويحجّون، ويطوفون ويسعون. فأين المشكلة؟ أين موضع الخلل؟! 

  • أتدرون أين موضع الخلل؟ الخلل أنّه عندما يأتي مسلم بن عقيل ويأخذ البيعة منهم وهم يعتقدون بهذا الأمر ويدركون ظلم يزيد وحقانيّة سيّد الشهداء في أنفسهم، ويرون الثورة والنصرة للإمام عليه السلام واجبًا وفريضة إلهيّة، لم يسمحوا أن يختبروا هذا الأمر في أنفسهم كلّ لحظة ويمتحنوه. إن كنت شاكًّا فلا تأت من البداية، الإمام الحسين لا يقضي عليك ولا يعدمك لأنّك لم تأت، لقد قال لأصحابه الذين جاؤوا معه إلى كربلاء انصرفوا الليلة، فماذا لو وصل إلى الحكومة؟ أفهل علّق أمير المؤمنين على المشانق من لم يبايعه عندما وصل إلى الحكومة؟! كلاّ فهذا ليس من فعال عليّ، يقول أمير المؤمنين: إن شئتم فبايعوا وإن شئتم فلا تبايعوا. اذهبوا أنتم وأجيبوا سؤال ربّكم، فنحن لسنا من أهل ذلك. 

  • الجميع يروون وأهل السنّة أيضًا يروون أنّ الذين سعوا إلى الخلافة قد كسروا الباب وأمير المؤمنين كسِر بابه لا يريد الوصول إلى الخلافة، فهذا هو الفارق. ضربوا الباب حتّى كسروه ودخلوا وكان الإمام الحسن إلى جانب الباب يمنع دخولهم، فكادت عظامه تطحن بين الحائط والباب: لقد وطئ الحسنان۱ كاد الإمام الحسن والإمام الحسين يفارقان الحياة بين أيدي وأقدام الجموع. فهذا نوع من الخلافة، وهناك خلافة أخرى سعى إليها عديمو الدين وكانوا مستعدّين أن يقطّعوا ابنة النبيّ إربًا إربًا، والحكم بعد ذلك للناس وللتاريخ. كلاّ فأمير المؤمنين لم يكن كذلك، وعندما وصل الإمام إلى الخلافة كان هناك بعضهم لم يبايعه كسعد بن أبي وقّاص وأمثاله، فقال لهم الإمام إن لم تبايعوا فشأنكم، لا نبالي بكم. فالناس أوصلوني إلى الخلافة ودعوني إلى الخلافة وقبلت، فمن شاء فليقبل ومن شاء فليرفض، لم يكن أمير المؤمنين ليعدمهم، ولم يكن سيّد الشهداء ليعدمهم، فكانوا مطمئنّين من هذه الناحية. لم يكن الإمام الحسين بالذي يؤذي من لا يبايعه ويسجنه ويجلده. كلاّ، إذا وصل إلى الخلافة حكم حكمه ولا شأن له بأنّه من بايع ومن لم يبايع. فما هي حقيقة الأمر إذن؟ 

    1. نهج البلاغة ج۱ ص ٣٥ : فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليّ ينثالون علي من كل جانب . حتى لقد وطئ الحسنان . وشق عطفاي مجتمعين حولي كربيضة الغنم

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

6
  • لا مداهنة في بيان الحق!

  • لم يكونوا يشكّون في هذه الأمور ولكنّ مشكلتهم أنّهم لم يأخذوا اعتقادهم هذا بجدّ، هنا المشكلة. لم يتّخذوا من معتقداتهم هذه معتقدات منطقيّة، لم يثبتوا عليها، لم يختبروا أنفسهم في هذه الاعتقادات، ويراجعوها في نفوسهم، إن كان هذا الأمر صحيحًا فإذا التقيت اليوم بصاحب الموقع فهل سأقصّر أم لا؟ يقول: لا! ما دام صحيحًا فعليك أن تقف، ربّما لن يعطيني ذلك الأمر ولن يرقّيني فليكن! له جهنّم وبئس المصير لا حاجة لي به! يقول ذلك ويخرج من منزله فهذه هي الاستقامة. يقول له جهنّم لا حاجة لي به ويتوجّه إلى محلّه ومكتبه ودكّانه فيفتح أبوابها! يقول: له جهنّم لا حاجة لي به ـ طبعًا أنا أقول ذلك فهذا هو التعبير العامّي وإلا فما هي جهنّم؟ ما هذا الكلام؟ على الإنسان أن يجعل الله أمام عينيه ـ ولكن لكي يثبّت نفسه على هذه الأمور ويقف عندها بشكل صحيح يجب أن يحقّق في نفسه اعتمادًا على الله، أن يحقّق اعتقادًا محكمًا في نفسه ثمّ بعد ذلك يمضي، إن شاء تكلّم مع صديقه مع زوجته وعياله مع شريكه حينها ستكون جميع القضايا سواء عنده، إذا أراد أن يحكم فلا ينظر إلى ذلك الحكم أنّه هل سيطال أقاربه أم لا، بل يغمض عينيه ويقول: هذا هو الحكم. 

  • ولكن نحن لسنا كذلك إذا أردنا أن نحكم حكمًا فإنّا نفرّغ أنفسنا من كلّ هذه الأمور ونصل إلى رأي، هذا الرأي مقبول بالنسبة إلينا إلى هنا لا إشكال في الأمر، ففي مقام النظرية والقبول بالعقيدة لا إشكال ولا يأتي أحد يستنطق أفراد الناس، المشكلة هنا أنّ هذه العقيدة تريد أن تتحقّق في الخارج بواسطة القول والفعل وهنا المشكلة. إذا قلت هذا الكلام فيمكن أن يشمل أختي وأخي وأبي أو أمي فحينها كيف سيكون الأمر كيف ستكون القضية إذا قلت هذا الكلام فإنّ زوجة ابني وزوج ابنتي وزوجتي وأقاربي هم أيضًا يقومون بهذا العمل، إذا قلت هذا الكلام فإنّ رفيقي وزميلي ومعارفي هم أيضًا سيقومون بهذا العمل وسيشملهم كلامي فماذا يصنع؟ يتراجع خطوةً ويقول: لن أتكلّم. إنّ هذا التراجع هو إخلاء الميدان للشيطان وللعدو.

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

7
  • بمجرد أن تتراجع خطوةً واحدة، كلا فهذا الأمر... وإذا أراد الإنسان أن يقوم بعملٍ جيّد في نظره فإنّه يقول ليطرح هذا الأمر غيري لا أطرحه أنا فيرتبط باسمي فليقله غيري، أو أنّه يبدأ بتزيين الكلام وتغييره وتبديل العبارات حتى إذا اصطدم الكلام بأحد فإنّه يصطدم بهدوء، فإن لم يكن هناك بدٌّ من البيان فإنّه يبيّنه بنحوٍ لا يصدمهم.

  • ما الفرق بين المداهنة وحسن المعاملة في الأمر بالمعروف؟ 

  • أمّا لو لم يكن الإنسان هكذا فعليه أولاً أن يدرس الأمر وأنّه هل يجب أن يقال أم لا؟ ثمّ بعد ذلك كيف يقال؟ سواء كان أقاربه مشمولين لهذا الكلام أم لا، ففي النهاية ليس هناك داع لأن يشتم الناس أينما وجدهم، لا معنى لذلك، لا معنى لأن يسبّهم، وأن يستخدم في أيّ موضع ما يحلو له من الكلام والعبارات، فهذا أيضًا ليس بالعمل الصحيح. بل يختار العبارة المناسبة للظروف وللتأثير ولمستوى التحذير ـ كل ذلك يجب أن يلاحظ من البداية ـ يختار التعبير واللفظ ويجعلها بعضها إلى جانب بعض حتى إذا رتّبها تكلّم، أقاربي هم كذلك أيضًا، شريكي أيضًا مشمول، جاري أيضًا مشمول، فليطل من يطال، إذا طالهم فليطلهم وبعد هذا يقوله، فأولاً لا بدّ من تحديد الكلام المناسب والعبارة المناسبة والسلوك المناسب في ذهنه، وعلى الإنسان أن لا يتكلّم بأيّ كلامٍ وفي أيّ مكان، فهذا ليس صحيحًا ولا عقلائيًّا بل يجب أن يكون الأسلوب متعارفًا ومقبولاً وأخلاقيًّا فللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب. 

  • لقد كنت أرى بنفسي في أيّام المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه أنّه كان يتعامل مع كلّ إنسان بما يناسب خصوصيّاته النفسيّة ومدى استعداده، ولم يكن يتعامل مع الجميع بطريقة واحدة، ولم يكن يتكلّم مع الجميع بكلام واحد، لم يكن يستخدم عبارة واحدة مع الجميع، ففي موضع ما كان يتصرّف بنحو ما، وفي موضع آخر لم يكن يتصرّف أصلاً، والحال أنّ الأمر يبدو في الحالتين واحدًا من حيث الظاهر،ولكن حيث كان الأمر يختلف باطنًا فقد كانت تراعى هذه الموازين، لقد كان يحصل مرارًا أن أرى لسنوات عديدة أنّ رجلاً ما يأتي إليه والحال أنّه من حيث الظاهر الشرعي ممّن يرتكب المخالفات الشرعيّة، وهو طوال هذه المدّة لا يقول له: لا تفعل ذلك، ومرّ على ذلك سنوات، لماذا؟ لأنّه ربّما لم يكن يرى لديه استعدادًا، ولو قال له ذلك لأثّر سلبًا في طريقة تربيته. 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

8
  • هذا هو الفرق بين أولياء الله وبين الآخرين الذين درسوا بعض المعادلات، هذا هو الفرق. فالذين يدرسون بعض المعادلات ويحفظون بعض المعلومات، ويجعلون في ذاكرتهم بعض القصص وبعض الأفكار، فإنّهم لا يمكنهم أن يطابقوا ما بين معطياتهم وبين الخارج، لذلك فإنّهم يواجهون بعض المشكلات في مقام العمل. أما أولياء الله فليسوا كذلك، فهم إذا نظروا إلى أحد جانبي العملة رأوا جانبها الآخر، إذا نظروا إلى هذا الجانب فإنّ بصرهم ينفذ إلى الجانب الآخر، فهم هكذا في النهاية، أعينهم تختلف، فعمليّات البصر عندهم تختلف، عيونهم تختلف، ليس نظرهم عشرة على عشرة، بل عشرة آلاف، مائة، نحن نظرنا عشرة من عشرة، وفي أحسن الأحوال أحد عشر درجة أو اثنتا عشرة درجة، إذا وصل أحد إلى ذلك، أمّا هم فليسوا كذلك، بل نظرهم ثاقب إلى الباطن، ثمّ يجعلون الظاهر والباطن جنبًا إلى جنب ويقومون بما يناسب. 

  • الابتعاد عن المظاهر والعادات الغربية في مجالس الفاتحة

  • ما كان المرحوم العلاّمة يقوله من أنّ على الإنسان أن يصون نفسه من المظاهر فهو لماذا؟ لأنّ الإنسان إذا تقدّم شيئًا فشيئًا في تلك الأجواء وأنس بها سبّب ذلك أن يفقد شيئًا فشيئًا من استقامته بالنسبة إلى الأمور الأساسيّة. فاليوم يشارك في مجلس ملاحظا أمرًا ما، يشارك اليوم، فالمرحوم العلاّمة لم يكن يشارك في مجالس الفاتحة التي توضع فيها الكراسي۱ والمنصّات وأمثالها، فمجلس الفاتحة هو لقراءة الفاتحة وطلب الرحمة والمغفرة وليس مسرحًا، وفي زماننا تبدّلت مجالس الفاتحة ـ وقد كانت كذلك أيضًا فيما مضى ـ إلى مسرح، يقومون ويمشون ويجلسون، وكأنّهم إذا جلسوا على الأرض يجلدون، لا بدّ أن يجلسوا على الكراسي ويضعوا رجلاً على أخرى، وهناك من يقرأ القرآن وكأنّه يقرأ الجريدة، أو يقرأ قصائد ساذجة، يبدأ بالكلام وبالسؤال والحديث وكأنّ شيئًا لم يكن، وكأنّ قارئ القرآن يقرؤه للأبواب والجدران. 

  • لقد كان ينبّه الآخرين أن لا يشاركوا في المجالس التي يجلس فيها على الكراسي ويهان القرآن. أذكر أنّه في العهد السابق عهد الشاه كان هناك مجلس فاتحة لأحد الأقارب والأرحام، فذهبنا برفقته وما إن دخلنا فرأينا أنّ هناك كراسٍ يجلسون عليها، فتوقّف فجأة وقال: أنا لا أشارك في مجلس فيه كراسٍ، إن كان هناك غرفة أخرى أجلس فيها وكانت هناك غرفة جانبًا أرفع بدرجتين كانوا يأخذون منها الحلوى والتمور للضيافة، فقال: أنا أجلس هاهنا، فذهبنا معه وجلسنا هناك، وكان هناك خطيب من خطباء القصر يتكلّم، واحترامًا جلس ربع ساعة أو ثلث ساعة ثمّ ودّع وانصرف. 

    1. المعروف في الحسينيّات وأماكن إقامة مجالس الفاتحة في إيران أن يكون الجلوس على الأرض، وقد توضع صفوف من الكراسي لبعض أصحاب الوجاهات والشأن فيحصل تمييز بين الحاضرين وهذا هو موضع الانتقاد. (م) 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

9
  • وأذكر أنّه ذكر هذا الأمر للمرحوم مطهّري أيضًا في أحد المجالس التي كان يعقدها معه، ولذلك كان هو أيضًا يلتزم بذلك. وكان من محاضراته أنّ المشاركة في هذه المجالس التي فيها كراس وكلام مع هذا وذاك ليست فقط هتكًا للقرآن بل تتنافى بشكل كامل مع مجالس الفاتحة، وهذه العادة عادة غربيّة دخلت في ذلك العهد وسرت إلى مجالس عباداتنا، فمجلس الفاتحة مجلس عبادة، مجلس ينبغي فيه الاتّعاظ والاعتبار. على الإنسان أن يقوم بذلك. 

  • وقد ذكرت لكم أنّه في الزمان السابق حتّى في مجالس سيّد الشهداء التي كانت تقام في بعض المنازل أو غيرها كان هناك صفّ من الكراسي للذين يعانون من آلام في الأرجل والظهر أو غير ذلك، ولم يكن بإمكانهم الجلوس على الأرض فكانوا يجلسون على الكرسيّ، وأنا رأيت بعيني أنّ الناس كانوا يأتون بأحذيتهم ويجلسون على هذه الكراسي المحيطة بالمجلس، وكان الناس العوام يجلسون في الوسط والخطيب يتكلّم. فهل هذا المجلس مجلس الإمام الحسين؟ 

  • أين الإمام الحسين؟ أين أبو الفضل؟ وأين هذه الأمور؟ هذا كلّه سخريّة من المبادئ، إنّه سخريّة من الأئمّة، فالإنسان لم يأكل التبن حتّى لا يدرك ذلك! ثمّ يأتي من يتحدّث عن مزايا الفقيد ومقاماته ومن الذي أرسل ببرقيّات التعزية به، ويقرأ البرقيّات، ما علاقتي أنا بهذه البرقيّات؟ إن كان قد أرسل برقيّة فليكن ما علاقتي أنا بذلك؟ جاؤوا وقالوا: لقد أرسل فلان برقيّة من قرية كذا إلى هذا المجلس، من قرية من خارج البلاد، ولكن لأنّها من خارج البلاد صارت لها أهمّيتها، إنّها قرية في النهاية يا عزيزي. 

  • فلان يمشي في الشارع وإذا سلّم فلا يُكاد يُردّ عليه السلام والآن صار بتلك المرتبة من الشأن والسلطان! فأرسلوا برقيّة من هناك، وعلينا أن نقرأ رسائل التعازي وهذا الكلام، ثمّ يذهبون إلى السوق ويشترون عشرة لفّات من القماش ويصبغونها ويبدأون بتعليقها على الجدران وهنا وهناك أنّ هذا عزّى وذاك عزّى وأمثال ذلك... كلّ ذلك سينما ومسرح ومجالس لهو ولعب و... وذلك المسكين في القبر يرتجف جسده من السؤال والجواب عن هذه المجالس، إنّهم يضعون رجلاً فوق أخرى ويضحكون من هذا الميّت! فقط هذا! يأتون ويذهبون ويبرزون أنفسهم ويسجّلون الحضور وأنّهم شاركوا في تلك المجالس! 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

10
  • لقد ذهبت أخيرًا إلى أحد تلك المجالس ـ ولم أكن على علم ـ عندما دخلت رأيت أنّ المجلس مجلس كراسٍ وبأيّة حال؟! فقد جلس الناس من هذا الجانب وذاك، فرجعت على الفور ووقفت عند الباب. فالتفت الذين كانوا هناك إلى حقيقة الأمر، فوقفت بضعة دقائق وكان الناس يأتون ولم يكن المجلس عديم الارتباط بي، فكانوا يعزّونني، فقرأت الفاتحة، وفجأة خطرت في بالي هذه الفكرة وأنّ وقوفي هنا يعدّ تأييدًا لهذا المجلس، أليس كذلك؟ فما إن خطرت هذه الفكرة قلت: لديّ عمل. فودّعت الناس، بكلّ أدب ولطف، لديّ عمل، عليّ أن أذهب من بعد إذنكم، في أمان الله. قالوا: تفضّل ابق. قلت: كلاّ رحم الله الفقيد بواسع رحمته، فلتكونوا أنتم هنا تستقبلون الناس وخرجت، فالبقاء هناك يعدّ خطأ. 

  • في أيّ أمر يريد الإنسان أن يتكلّم، فإنّه قد يصطدم بأحدٍ هنا أو هناك، فليكن. فإذا قصّر الإنسان في موضع فإنّ نفسه في المرّة الثانية تصبح أكثر استعدادًا، ويفقد تلك القوّة والاستقامة التي كانت له في البداية. ففي المرّة الثانية يقع، وفي المرة الثالثة يصبح لديه استعداد أكثر للسقوط، فللنفس حالة هيولانيّة ذات قابليّة محضة يمكن للإنسان أن يجعلها كما يريد، لماذا يقولون إنّ على الإنسان أن يرافق العلماء وأن يكون رفيقه من العلماء؟ فمن هو العالم؟ هل العالم هو من لديه علم ومعرفة؟ كلاّ! العالم يعني الإنسان الذي يهدي ويرشد إلى الطريق الذي يقرّب إلى الله، ويبعده عن الدنيا، ويخرجه من عالم الوهم والخيال، ويأخذ منه قواه المتخيّلة والوهميّة ويجعل له بدلاً منها قوى عقلانيّة. 

  • النظر إلى عالم يذكّركم الجنّة عبادة۱ فالإنسان ينظر إلى عالم إذا نظر إليه تخرج الدنيا من قلبه، يأتي ذكر الله وذكر عوالم ما بعد الموت، وعوالم الآخرة، ذكر الجنّة، هذه هي العبادة، فالعبادة هي هذه وليست الصلاة وليست العبادة هي الصيام فقط، العبادة تعني أن يكون الإنسان في حالة تجعله في مقام العبوديّة ولو لم يصلّ، وإن لم يكن الإنسان في مقام العبوديّة وصلّى فإنّ حالته حالة شيطانيّة شهوانيّة نفسيّة دنيويّة وحالات رذيلة. 

    1. .الأمالي (للطوسي)، ص ٤٥٤: قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم: النظرُ إلى العالم عبادةُ. عوالي اللآلي ص ج٤، ص ۷٣: النظر إلى وجه العالم عبادة. أصول الكافي، ج ۱، ص ٣٩: عن أبي عبد الله عليه ‌السّلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قالت الحواريون لعيسى: يا روح الله! من نجالس؟ قال من يذكركم الله رؤيته، ويزيد فى علمكم منطقه ويرغبكم فى الآخرة عمله.

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

11
  • هل في صلاة التراويح جماعة وحذف حيّ على خير العمل أبّهة للإسلام وقيمة؟

  • لقد سمعت من الناس ـ وحدّثتكم بذلك ـ أنّ أهل السنّة يصلّون في ليالي شهر رمضان صلاة التراويح، المسجد الحرام بكامله يقوم، المسجد الحرام بكامله يسجد، المسجد الحرام بكامله يركع، وواقعًا لو صوّر هذا المشهد أفلا يوجب البهجة؟ يا لها من عظمة! يا لها من أبّهة! يا له من جلال! وواقعًا هو هكذا. كثير من الناس الذين ذهبوا لزيارة تلك المشاهد الشريفة في شهر رمضان يمتدحون ذلك أن تعال وانظر ماذا يجري في الليل! المسجد الحرام كلّه يصلّي! المسجد الحرام يصلّي للصنم أيّها الأحمق! المسجد الحرام كلّه يصلّي للشيطان! إذا صلّيتم جماعةً صلاة التراويح التي شرّعها رسول الله فرادى فقد ارتكبتم عملاً محرّمًا وباطلاً. والصلاة الباطلة لا تقرّب، والصلاة الباطلة لا أبّهة لها ولا جلال. 

  • فلو كان المسجد الحرام مملوءًا بالأغنام التي تقوم وتقعد بدلاً من الناس أفهل كنت ستحكم بذلك أيضًا؟! هكذا؟ أيّ جلال! انظر إلى الأغنام ماء ماء يهبطون، ماء ماء يقومون! هذا النوع من التفكير هو تفكير بالأحاسيس في هذه الأمور. أنتم تعظّمون القيام والركوع والسجود لا التقرّب وأنّ هذا العمل مقرّب أم لا؟ أنت لا تنظر إلى ذلك أيّها التعيس الحظ! تعال وانظر إلى الجانب الآخر من العملة، انظر هل ترفع هذه الصلاة التي تصلّى أم لا بل تبقى هنا؟ هل هذه الصلاة التي تصلّى الآن يرفعها جبرائيل أم يضرب بها رأس المصلّي؟ وذاك الذي يقرأ على مكبّر الصوت ويخرج حروف العين والصاد والضاد من مخارجها ويبكي كلّ همّه في هذه السور التي يقرؤها عن ظهر قلب كيف يسجّلون صوته ـ فهو يسجّل فيلمًا وأمثال ذلك ـ كيف يرتفع الصوت؟ وقد سمعت أنّ بعضهم هنا يقلّدونه! ما شاء الله هذا عملنا! كيف يقرأ بطريقة جذّابة ويرفع صوته ويخفّفه! يقولون إنّ أحد أئمّة الجماعة يفعل ذلك. 

  • أفهل كان النبيّ يصلّي هكذا؟! ألم يكن بإمكان النبيّ أن يقول صلّوها جماعة يا عزيزي؟! ألم يكن بإمكان النبيّ أن يقول إنّ جلال الإسلام يحفظ أكثر بواسطة الجماعة حتّى أتينا نحن وصرنا ملوكيّين أكثر من الملك؟ ولكنّ "سماحة عمر"!! ـ فهو أيضًا صاحب سماحة ـ لأنّه أكثر فهمًا من النبيّ! ويعرف الله أكثر من النبيّ! وكان يشعر بمقام قرب العبد من الله أكثر، وكان قلبه أشدّ احتراقًا على الإسلام من النبيّ! وكان يحمل همّ الإسلام أكثر من النبيّ! لقد كان يحمل همًّا ولكن همّ أمور أخرى سوى الإسلام! فهذا الرجل يأتي وماذا يصنع؟ يحذف حيّ على خير العمل التي جعلها رسول الله جملة ورسالة وتنبيهًا على التعالي والتجرّد الإنساني وارتباط الإنسان بالله، أفتدري يا عبد الله إذ تقف إلى الصلاة ماذا تفعل؟ أنت تقوم الآن بخير العمل، بأفضل الأعمال. لذلك كان النبيّ يقول: عليك أن تؤذّن في بداية الصلاة، لتصل إلى سمعك جملة حيّ على خير العمل مرّتين. ثمّ تقيم فتسمعها مرّتين أخريين فيصبح المجموع أربع مرّات. ثمّ بعد ذلك تقول: الله أكبر. 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

12
  • أما نحن فماذا؟ أشهد أنّ عليًّا وليّ الله، حيّ على الصلاة، حيّ على خير العمل، الله أكبر. مجرّد أمر ظاهريّ وأمر معتاد ثمّ نقف، كلا! فحيّ على خير العمل التي كان رسول الله يقولها يريد أن يقول بها: أيّها الناس لقد جئت لأخرجكم من الدنيا، ومن النفس، وقد جعلت طريق الخلاص من الدنيا في الصلاة، وفي التوجّه إلى الله، وفي إخراج التخيّلات والأوهام المرتبطة بالأعمال اليوميّة من الذهن كالعمّة والخالة والخال والتشيك والحوالة الماليّة والدرهم والدينار والعلاقات! لقد جعلت ذلك، فتعال وصلّ الآن. وإلا هل كان النبيّ عاطلاً عن العمل حتّى يقول لنا صلّوا وانحنوا واركعوا خمس مرّات؟ فلماذا قال هذا الكلام؟ لماذا؟ لماذا لم يقل النبيّ من البداية: إن كان الله قد أوجب هذه الركعات السبعة عشر فلتصلّها من أوّلها إلى آخرها دفعة واحدة وحتّى الصباح! فإذا استيقظ الإنسان صباحًا فإنّه يمارس الرياضة لمدّة نصف ساعة ويأخذ نفسًا عميقًا بصحّة جيّدة ويصلّي دفعة واحدة سبع عشرة ركعة خلال دقيقتين أو ثلاث دقائق، ثمّ يفعل ما يحلو حتّى صباح اليوم التالي. لو كان هذا هو المطلوب [فعلى الإسلام السلام...]

  • كلاّ بل يجب أن تصلّي صباحًا، وعند الظهر، وبعد ساعتين ونصف أو ثلاث ساعات بعد الظهر، وأوّل المغرب، ويعد ساعة ونصف أو ساعتين بعد المغرب ـ ومن الأفضل أن يؤخّر الإنسان صلاة العشاء قليلاً عن بداية وقت العشاء، فبعد نصف ساعة من المغرب من الأفضل أن يؤخّرها أيضًا ساعة، وطبعًا وقت فضيلتها هو الأوّل، ولكن في بعض الروايات أنّه لا بأس بتأخيرها قليلاً ـ لماذا؟ لتكون كافّة أوقات الإنسان في حالة تعقيم، وفي حالة شحن، وفي حالة تواصل، عليه أن يقضي وقته هكذا. هكذا يقضي العبد عمره ويمضي لكي يصل إلى مقصوده. 

  • ولكنّ جناب عمر الذي عرف الإسلام أكثر من النبيّ يقول: إن قلنا نحن حيّ على خير العمل فلن يذهب الناس إلى الجهاد، ولن تكون هناك فتوحات بعد ذلك، ولن يكون هناك توسّع في البلدان، فأين انتشار الإسلام إذن؟ وماذا ستكون عاقبة نشر الإسلام في البلاد؟ وماذا سيصبح حكم الآيات التي ترتبط بالجهاد؟ حتّى لا يضعف الناس ولا يكسلوا ـ ففي النهاية لا توزّع الحلوى في الحرب بل هناك سهام ورماح وسيوف وبنادق ـ ولذلك فإنّا نحذف حيّ على خير العمل هذه ونضع مكانها الصلاة خير من النوم أي إذا قمت وصلّيت فهذا خيرٌ من أن تنام ويرتفع صوت شخيرك، فخيرٌ من ذلك أن تقوم إلى الصلاة.

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

13
  • جميع أمور الصلاة والتقرّب والربط والاتحاد والوحدة بين العبد وربّه في مقام الطاعة والانقياد كأنّه لا خبر عنها في هذا العالم فقط يقومون ويقعدون يقومون ويقعدون حتى لا ينسوا أنّ هناك إلهًا فقط هذا هذا يكفي إن كان الأمر كذلك فلا شكّ أنّ الحرب خيرٌ فلنذهب ولنقتل ولنفتح البلدان ونحضر الغنائم والذهب والأشياء الأخرى وتتحسّن معيشتنا فيقوى الإسلام، فنحن رؤساء في النهاية نحن رؤساء الآن، رؤساء على الحجاز، وغدًا يقولون أنتم رؤساء على الشام، وبعد غدٍ على مصر، وبعده على البلدان الأخرى، وبعده على أوروبا وإسبانيا، تتوسّع هذه الرئاسة وفجأةً يصبح مثل هارون الذي يقول للشمس: أشرقي حيث شئت فإنّك لا تخرجين عن سلطاني. ويا أيّها السحاب أمطر حيث شئت فإنّك لا تخرج عن سلطاني ثم بعد ذلك يصبح هذا إنسانًا ينشر الإسلام، سلطاني أنا ليس خارجًا عن سلطاني.

  • فيا عمر إن كانت حيّ على خير العمل تؤدّي إلى أن يترك الناس الجهاد كان الأولى أن يحذفها النبيّ لأنّ جميع الحروب وقعت في زمان النبيّ فكم من الغزوات وقعت في زمانه وكم أرسل من السرايا، الغزوات التي شارك فيها والتي لم يشارك فيها وفي أثناء المعارك كان يقول حيّ على خير العمل في وسط المعركة، وفي الليل عندما كان العدوّ في الكمين، كان النبيّ يقول حيّ على خير العمل، ليس الجهاد بل الصلاة، أي إنّ الجهاد لا يفيد إلا إذا كان تحت ظلّ الصلاة، وإلا كان هذا الجهاد خاويًا لا قيمة له ولا يقبل الله منه شيئًا.

  • ماذا كان النبيّ يرى؟ كان يرى روح الجهاد وروح الزكاة وروح الحجّ الكامنة في داخل الصلاة، الكامنة في العلاقة مع الله، إن كان ذلك الارتباط بالله موجودًا فسيكون في كلّ شيء وإن لم يكن موجودًا فلا فائدة، فلا الحجّ مقبولٌ ولا الجهاد ولا الزكاة ولا الصدقات، لا شيء منها مقبول لأنّها بلا روح.

  • هؤلاء الذين يقولون بعد ألفٍ وأربعمائة سنة: الصلاة خير من النوم. نقول لهم: لقد قال عمر ذلك في ذاك الزمان فما شأنكم به الآن بعد ألفٍ واربعمائة سنة لتقولوه؟! ما شأنكم به؟! لقد مضى عليه ألفٌ وأربعمائة سنة فلا حروب الآن الحمد للّه الصلح والسلام هو السائد فما المشكلة الآن في قول حيّ على خير العمل؟! فإذن أنتم جئتم تتّبعون منهج عجل السامريّ الذي وقف أمام موسى وجعل بينكم وبين الله مسافةً، أنتم أتباعه، وهذه هي الأحاسيس فليفكّر الآن واحدكم إن كان عمر قد قال ذلك هل هو أرفع من النبيّ؟ فإمّا أن تقولوا إنّه أرفع منه فلا كلام لنا وينتهي الأمر ـ وهناك الكثيرون يقولون ذلك ـ وإلا إن كان النبيّ هو الأعلى فإنّ عمر جاء في مرحلةٍ ونسخ هذا وألغاه فلمّا مضى أعاده أمير المؤمنين من جديد فلماذا لا تقولونها؟! ومع غضّ النظر عن أمير المؤمنين فإنّ رسول الله قد شرّع ذلك فلماذالا تستبدلونها الآن؟! فأنتم تتّبعون عمر منذ ألف وأربعمائة سنة ولم تتّبعوا النبيّ إلا عشر سنوات، هذا معنى ذلك في النهاية.

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

14
  • فمن يقول بعد ألفٍ وأربعمائة سنة الصلاة خير من النوم يعني أنّه يتّبع هذه المدرسة منذ ألفٍ واربعمائة سنة، يتّبع هذا الرجل، يتّبع هذا الرجل ، يتّبع هذه العقيدة، يتّبع هذا الإنسان، يتّبع هذا الفكر. لا فرق بين أن يولد الإنسان بعد ألفٍ وأربعمائة سنة وأن يعمّر ألفًا وأربعمائة سنة لا فرق في ذلك، فقط التاريخ جعله في هذه البرهة فعندما أطيع هذه العقيدة فإني أربط نفسي بواسطة هذه الطاعة بحبلٍ ينتهي إلى منشأ هذا العمل أي أنّي خلال ألفٍ وأربعمائة سنة أتّبع هذا الرجل وهذا الفكر وهذه العقيدة، غاية الأمر أنّي ولدت الآن. والذي يتّبع مدرسة عليّ ومدرسة أمير المؤمنين ومدرسة الأئمة بعد ألفٍ وأربعمئة سنة يمدّ حبلاً ويصل به نفسه إلى أمير المؤمنين في ذلك الزمان فأيّهما أفضل؟ أيّهما أفضل؟!

  • لذلك لا يختلف الأمر بالنسبة إلى أمير المؤمنين بين أن يكون أصحابه في ذلك الزمان أو بعد ألف سنة لا فرق، فهو في قلوب الجميع وفي كلّ لحظةٍ مع الجميع ما دام الناس يوصلون أنفسهم به ولذلك كان المرحوم العلامة يقول كلّ من جاء وخطا في هذا الطريق فقد اتصل بنا ـ هو الآن ليس موجودًا وقد توفي قبل عشرة سنوات أو اثنتي عشرة سنة ـ وأولياء الله لا هزل في كلامهم ولا لهو ولا لعب ولا لغو وهو يثبت هذا الأمر عمليًّا الآن من دون أدنى اختلاف مع زمان حياته والإنسان يرى ذلك بعينه، وهذا معنى جعل العقل بدلاً من الأحاسيس.

  • كنت أودّ اليوم أن أتحدّث مع الرفقاء حول كيفيّة التقوى، وفجأة انجرّ الكلام إلى هنا. فالتقوى التي لدينا في آيات القرآن وعند الإمام الصادق عليه السلام ما هي؟ أيّ مقولة هي؟ فما دمنا قد بلغنا في الكلام إلى هنا وأنّ المراد من التقوى ليس هو الزهد المتعارف والمصطلح عليه، حيث يشيع الآن بين كثير من الناس أنّ التقوى هي الانعزال عن الدنيا وعن مظاهرها وشؤونها، والحال أنّ الأمر ليس كذلك، فربّما كان هناك الكثيرون من الناس يعيشون الفرعونيّة والأنانيّة والاستكبار في انعزالهم بحيث إنّهم لو كانوا في مركز ومقام لما كانوا كذلك، فمن يدري؟ من يدري أنّ هؤلاء الذين يبعدون أنفسهم عن هذه الأمور ولا يقتربون منها إذا ما نالوا يومًا ما مقامًا لن يصدر عنهم أسوأ وأقبح ممّا يصدر عن الكثيرين؟ من الذي يمكنه أن يدرك ذلك؟ من الذي يمكنه أن يعي ذلك سوى من كان صاحب بصيرة ونافذ البصيرة ويمكنه أن يفهم الحقائق. من الذي يدرك ذلك؟ 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

15
  • ما معنى آية "أولم نمكّن لهم حرمًا آمنًا"؟

  • فإذن ليست التقوى بمعنى الزهد، فما هي إذن؟ التقوى عبارة عن حالة في الإنسان تجعله يعمل ما في صلاحه ورضا الله ويؤدّي إلى التقرّب إلى الله وترسيخ العبوديّة والحركة نحو التجرّد والتوحيد، فما هي هذه الحالة؟ إنّها الولاية التي هي ولاية الأئمّة والمعصومين عليهم السلام التي قال الإمام الصادق عنها لأبي حنيفة إنّها الحرم الآمن الذي جعله الله أمنًا وطمأنينة وسكنية، ومن دخله كان آمنًا من الشكّ، فلا معنى عنده لأن يقول: آه ربّما حصل كذا وربّما حصل كذا فماذا نصنع؟! الناس الآن يقولون كذا فماذا أصنع؟ هؤلاء الناس يحاكمون وهم على هذه الحالة يقولون: إذا ما خالفت ربّما كانت هناك مسؤوليّة عليّ! بل أمر هؤلاء سهل، لو أنّ ستّة مليارات من الناس مع ما هم عليه من الخصوصيّات وقفوا في جانب ويقولون الأمر هكذا، فإنّ هذا الإنسان إن كان في هذا الحرم فقط ينظر إليهم ويضحك، يبتسم وكأنّ شيئًا لم يكن. 

  • في ذلك الحرم لا تأثير للظواهر الخدّاعة ولو بأيّ مبلغ ومستوى وكميّة، لا تأثير. قال المسؤول الفلاني كذا فليقل! قال فلان كذا فليكن! كلّ هؤلاء الناس يقولون كذا فليقولوا. كلّ هؤلاء الناس يقولون أمرًا كهذا فليقولوا. لماذا؟ لأنّه في داخل الحرم لديه طمأنينة، هادئ كأنّ شيئًا لم يكن، هذا الحريم هو حريم الولاية، على الإنسان أن يدخل إلى هذا الحرم. 

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام: أيّها التعيس الحظّ تظنّ أنّ ذلك الحرم هو مكّة؟ تظنّ أنّه المسجد الحرام، أين تظنّ هذا الحرم؟ ما هذا الكلام؟ ألم تقع في هذا المكان حروب وجرائم ودمار؟!

  • ـ فإذن أين هو؟ 

  • قال الإمام ذاك الحرم هو حرم ولايتنا. إذا ألقى الإنسان أثقاله هنا فإنّه سيكون مطمئنّ البال. هنا يجب أن تحطّ الأثقال ثمّ يجلس الإنسان ويقهقه ثملاً، وينتهي الأمر. يجب أن تلقى الأثقال في حرم إمام الزمان عليه السلام وبعدها ينتهي الأمر. فلان يقول أغلق أذنك واضغط عليها جيّدًا. كلاّ هذا كثير، يكفي أن لا يصدر صوت! وانتهى الأمر. 

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

16
  • من يجعل الإنسانُ في مقابل إمام الزمان؟ من يجعل إلى جانب أمير المؤمنين عليه السلام؟ كلام من يجعل مقابل كلام الإمام الصادق والإمام الباقر والإمام السجّاد عليهم السلام كلام من؟ وأيّ شيء يجعل؟ تلك الشهرة؟! ما هي الشهرة؟ ففي يوم من الأيّام يعطونك هذه الشهرة وفي يوم آخر يأخذونها منك. في يوم يجعلون الإنسان معروفًا {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء}.۱

  • ما معنى آية تؤتي الملك من تشاء؟

  • فالله يعلن لنا بأعلى نداء أنّ هذه المقامات والسلطات أنا من يعطيها فافتحوا أعينكم لا تكونوا عميانًا إلى هذا الحدّ. أنت لا قدرة لديك على العثور على رفيق لك ثمّ بعد ذلك تصل إلى سلطة فتظنّ أنّ الأمر كان بمهارتك. لا يمكنك العثور على رفيق لك! إذا عبست في وجه رفيقك مرّة فإنّه ينصرف عنك إلى آخر العمر ولا ينظر إليك، تتكلّم بكلام واحد فينفر عنك ولا يسلّمك عليك أبدًا. أليس كذلك؟ ثمّ تظنّ أنّ بلدًا إذ يطيعك فبسبب مهارتك أنت؟ قارة تخضع لطاعتك وتقبل بكلامك فتظنّ أنّك أنت من فعل ذلك؟! أنت فعلت ذلك؟! حسنًا إن كنت أنت فعلت ذلك فانظر إلى النهاية. 

  • {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء} فلنقرأ هذا القرآن قليلاً ولتكن معانيه في أذهاننا قليلاً، لا يكفي أن تكون هذه الآيات قد نزلت، وفي كلّ يوم عندما نخرج من المنزل فلنقرأ هذه الآية:{ تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء} أنت وحدك تعزّ بين الخلق وبين الناس والأقران، وإن شئت تذل فليس الأمر هكذا ألم تروا أنتم؟ إن لم تروا فإني رأيت فأنا أفهم هذه الآية جيدًا بعد الآن بشكلٍ جيّد جدًا، لو لم أفهم غيرها فإنّي أفهمها وأنّ العزّة بيد الله والذلّة بيد الله، السلطة بيد الله، وسلبها بيد الله، الرفع بيد الله، والهبوط بيد الله، كلّ شيءٍ بيده، كلّه بيده، ثمّ بعد ذلك نأتي وننسب إلى أنفسنا فنقول: لو لم تكن لديّ هذه الأخلاق لما كان لديّ هؤلاء الرفاق، لو لم تكن لي تلك المكانة لما كان هؤلاء، لو لم تكن لي هذه المنزلة لما كانوا، حسنًا لقد كانت لك هذه المنزلة فيما سبق فماذا فعلت؟! كيف إذا رآك فلان تمرّ من هذا الجانب من الطريق يذهب إلى ذاك الجانب كي لا يسلّم عليك؟ فلتذهب إذن، كيف يقول عنك هؤلاء خلافًا لما كانوا يقولونه من قبل على النقيض مائة وثمانين درجة؟ فنحن نرى بأعيننا. قال الله هل عرفتني الآن؟ هل أدركت التوحيد الآن؟ هل أدركت أنّ الأمور بيدي، هل لمست الآن بكلّ وجودك وبشراشر وجودك وبحقيقة وجودك أنّك لست شيئًا في هذه الدنيا ولست مؤثّرًا ومسبّبًا أم لم تلمس بعد؟

    1. سورة آل عمران الآية ٢٦.

هل يمكن الوصول إلى التقوى من دون العمل بالموازين العقليّة؟

17
  • تتمّة الكلام حول التقوى

  • إن شاء الله وأعدكم هذه المرّة وعدًا قاطعًا في الجلسة القادمة أن ننهي البحث حول التقوى إن شاء الله ـ طبعًا تحدّثنا حول معنى الزهد بالمقدار الذي يجب أن نتحدّث به ـ والمرجوّ من الرفقاء أن يتأمّلوا في هذا المجال ويطالعوا، تقول الآية القرآنية {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانًا}۱.وسنتحدّث عن ذلك في الجلسة القادمة، إن جعلتم أنفسكم في حالة من التقوى فإنّ الله يجعل لكم شاخصًا وما هو الشاخص؟ إنّها تلك البوصلة التي تجعل في الآلات المتحرّكة والتي تنظّم بشكلٍ جيّد وفق الغاية التي يُراد الوصول إليها فإذا ما نُظّمت وجّهت حركتها في ذلك الاتّجاه في اتّجاه الشمال في اتّجاه الشرق في اتّجاه الغرب، فإذا جاء الريح يُمكن أن تتحرّك وسيلة النقل وخاصة الطائرة أو تنحرف على أثر انخفاضات الطاقة وهنا لديهم تلك البوصلة فيعيدونها على أساسها تأتي الريح فتميل بها إلى ذاك الاتّجاه ولكنّها لا تستمرّ على ذلك بل تعود، يحصل انخفاضٌ ما في الطاقة فيمكن أن تهبط ألف قدم، ولأنّها مرتفعة تعود من جديد إلى ذلك المستوى، يجب أن تسير في هذه الدرجة فانظروا قد تنحرف إلى هذا الاتّجاه أو ذاك في مدٍّ وجزر وهذا ما يُسمّى بالفرقان.

  • إذا اتّقى الإنسان وجعل نفسه في حالةٍ من التقوى فإنّ الله يجعل له تلك الدرجة وإلا فلا درجة له، نصلّي من دون درجة فلا علامة له، نصوم من دون درجة وكأنّنا نأكل، نحجّ ولكن ليس لحجّنا درجة، والحجّ بدون درجة لا فائدة له، والصلاة بدون درجة لا فائدة لها، بدلاً من أن نصلي إلى الكعبة نجد فجأةً أنّنا نصلي إلى القطب الجنوبيّ فلا فائدة من ذلك، هذا هو المعيار، أمّا كيف يحصل هذا الفرقان للإنسان وما هي طريقة تحصيله فليفكّر الرفقاء في ذلك إن شاء الله موعدنا في الجلسة القادمة بحول الله وقوّته.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. سورة الأنفال، الآية ٢٩