3

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

8744
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1437

جلسات المجموعة(7 جلسة)

التوضيح

في معرض شرحه جملة فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما عصيتك، تعرّض سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الطهراني، لمسألة اجتماعيّة مهمّة، وهي مسألة إفشاء عيوب الآخرين، والترصّد لهم، وتعييرهم بها، وبيّن كيف أنّ من خلق الله عزّ وجلّ ستر العيوب لا إفشاؤها، فتعرّض لفلسفة ستّاريّة الله ولماذا هو ستّار؟ وبيّن منشأ صفة الستاريّة عنده عزّ وجلّ، كما تعرّض للآثار السيّئة التي تحصل بسبب إفشاء العيوب والتعيير بها.

/۱۲
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۷ هـ ق - المحاضرة الثالثة

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد

  • وعلى آله الطيبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • يقول الإمام زين العابدين عليه السلام: «فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرُك ما فعلتُه، و لو خِفتُ تعجيل العقوبة لاجتنبتُه، لا لأنّك أهون الناظرين، و أخفّ المطّلعين، بل لأنّك يا ربّ خير الساترين، و أحكم الحاكمين، و أكرم الأكرمين».

  • شرح جملة "فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرُك ما فعلتُه"

  • يذكر الإمام السجّاد عليه السلام مسألتين مهمّتين جدّاً في هذه الفقرة، وللأسف نلاحظ أنّ الاهتمام بهذه المسائل قليلٌ خصوصًا في أيّامنا وعصرنا هذا، فقد تُرك ستر العيوب، وبدلًا منه انتشر فضح العيوب وإفشاؤها، وهو عملٌ قبيحٌ ووقيحٌ وسيّءٌ جدّاً، فمن القبيح أن يأتي الإنسان ويفشي عيب إنسانٍ آخر قد اطّلع هو عليه.

  • مثلًا يستودع شخصٌ عند صاحبه سرًّا كأمانةٍ، فتجد أنّه طالما كانت العلاقات بينهما جيّدة، فهو يحفظ له سرّه، ولكن إذا حصل بينهما قضيّةٌ أو خلافٌ، فإذا به يفشي ذلك السرّ!! فما أقبح هذا الفعل! وكم هو سيّءٌ هذا التصرّف! وكم هو قليل الحياء! أو مثلًا يطّلع الإنسان على عيب شخصٍ آخر، مثل أن يطّلع على عملٍ خاطئٍ قد صدر من ذلك الشخص، ولا أحد يعلم به، ولكنّ هذا الشخص علم به واطّلع عليه، فيأتي إلى الشخص الآخر الذي صدر منه التصرّف الخاطئ ويقول له: لقد اطّلعت على عيبك، فعليك أن تقوم بالأمر الفلاني الذي أريده وإلّا فسوف أفشي هذا العيب وأفضحك! إنّ هذا التصرّف قبيحٌ جدّاً، حتّى أنّ الحيوان لا يفعل مثل هذا الفعل، ولكنّ هذا الإنسان الذي يمشي على قدمين.. هذا الحيوان الذي يمشي على قدمين يرتكب مثل هذا العمل! لقد بات الإنسان يشاهد أمورًا عجيبةً!

  • يقول الإمام عليه السلام: «فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرُك ما فعلتُه»؛ لأنّني سأُفتضح حينئذٍ ولن تبقى لي كرامةٌ وسيذهب ماء وجهي، ولا أحد يبيع ماء وجهه مجانًا هكذا، بل يسعى الإنسان أن يخفي عيوبه مهما أمكن، ويحاول ألّا يسمح لأحدٍ بالاطّلاع عليها. 

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

3
  • وأمّا قوله عليه السلام: «و لو خِفتُ تعجيل العقوبة لاجتنبتُه» فهي تتحدّث عن موضوع آخر سوف نتحدّث عنه لاحقًا، وسنركّز حديثنا اليوم على الفقرة الأولى التي يقول فيها الإمام عليه السلام: إنّ علمي أنّك أنت وحدك الذي تعلم بخطئي جعلني مرتاح البال، لأنّه إذا كنت أنت الذي تعلم بأمري، فلا بأس، والمهمّ ألا يطّلع غيرك عليه؛ لأنّك لن تفضحني، ولن تعلن للناس قائلاً: «أيّها الخلائق، اعلموا إنّ عبدي فلان قد ارتكب الذنب الكذائي، والحرام الكذائي»، كلّا، فالله ليس بهذا النحو، والله لا يتصرّف بهذا الشكل، بل هو يستر العيوب وهذه المسألة تحتوي على جنبة توحيديّة، كما أنّ لها جنبة فلسفيّة.

  • أهميّة ستر العيوب من الجنبة الفلسفيّة

  • أمّا جنبته الفلسفيّة فتتمثّل في أنّ نظام عالم الوجود قائمٌ بأسره على أساس الخير، وفي أنّ غلبة جانب الرحمة على جانب الغضب،‌ [وهذه الصفة الواردة في الأدعية:] «يَا مَنْ‌ وَسِعَتْ‌ رَحْمَتُهُ‌ كُلَّ شَيْ‌ء..» ۱ و «اللهُمّ إنّي أسألُكَ بِرَحمْتِكَ التيْ وَسِعَتْ كُلّ شَيءٍ»٢، تتنافى مع مسألة إفشاء العيوب والقبائح والنقائص والظلمة والكدورة والنجاسة؛ فجانب الرحمة الإلهيّة غالبٌ دائمًا على جانب غضبه تعالى؛ ولهذا، فإنّ أثر ذلك في عالم الخارج يتمثّل في إبراز الرحمة والجمال وإخفاء القُبح والنقصان. 

  • «إِنَّ اللَّهَ‌ جَمِيلٌ‌ يُحِبُ‌ الْجَمَال‌»٣؛ أي إنّه يحبّ ظهوره في المظاهر الجماليّة؛ لأنّه أثر من آثاره، أفلا ترون الخطّاط عندما يخطّ شيئًا كيف ينظر إلى خطّه؟ وعندما ينتهي الرسّام من رسم لوحةٍ، فإنّه يضعها أمامه ويشرع بالتحديق فيها، مع أنّه لا معنى لذلك لأنّه هو الذي رسمها! لا، إنّه يستمتع بذلك، ويقول في نفسه: يا للعجب، إنّها عبارة عن أثرٍ من آثاري، وهي نابعةٌ منّي! فهو يرى نفسه وظهوره في هذه اللوحة وهذا الخطّ وهذا الرسم وهذا القوس وهذا التموّج الذي يمنحه لقلمه؛ فيشعر في نفسه بأنّه هو الذي يرتفع إلى الأعلى وينحدر إلى الأسفل، وبأنّه يرسم نفسه؛ وحينما يمدّ اللام ويُرجعها بتلك الكيفيّة الخاصّة، فإنّه يُشاهد نفسه في هذه اللام وبأنّ ذاته قد ارتسمت على هذه الورقة، فتحصل له حالةٌ من الانبساط بسبب ظهوره بهذا النحو.

    1. مقطع من دعاء الجوشن.‌
    2. الفقرة الأولى من دعاء كميل.
    3. الكافي، ج٦، ص ٤٣۸.

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

4
  • يُقال أنّ المير عماد۱ كان فقيرًا، وكانوا يأتون عنده لشراء تلك اللوحات التي كان يخطّها بثمنٍ باهظٍ، غير أنّه لم يكن يقبل؛ فكانت تلك اللوحات تتراكم فوق بعضها البعض، وهو باقٍ على فقره من دون أن يقبل ببيعها، اللهمّ إلّا في بعض الحالات التي كان يُجبر فيها على ذلك، فيبيع واحدةً؛ إذ لم تكن نفسه تسمح له بالتخلّي عن ذلك الأثر الذي ظهر منه؛ وحينما يشعر بأنّه سيخرج من بين يديه، فكأنّ قطعةً من وجوده ستنفصل عنه! 

  • فهذا الظهور هو لله تعالى؛ بمعنى أنّ ظهور الله تعالى قد تحقّق بهذا النحو، بحيث يُبرز الجمال ويُعرِّضهُ للمُشاهدة.

  • سيرة النبيّ في التجمّل للمؤمنين، واستحباب ذلك

  • وهكذا الأمر بالنسبة للإنسان، فلماذا يُستحبّ للإنسان أن يمشّط لحيته عندما يُريد الخروج من المنزل؟! لأنّ الله تعالى لا يُحبّ الشعر الأشعث؛ فالرسول الأكرم كان يمشط شعر رأسه ولحيته كلّما أراد أن يخرج من بيته، ويستعمل العطر، ويلبس لباسًا نظيفًا، وينظر في المرآة حرصًا على ألاّ يكون لباسه متّسخًا أو مُلطّخًا، وليكون مظهره لائقًا؛ خلافًا لذلك الشخص الذي يضع العمامة فوق رأسه بأيّ نحو كان عندما يريد الخروج، فتجد بأنّ شعر لحيته غير مرتّب؛ فشعرةٌ ذاهبة في هذا الاتّجاه، وشعرةٌ أخرى في الاتّجاه الآخر!! ويقول في نفسه: ليس هذا بالأمر بالمهمّ! من قال لك بأنّه غير مهمّ؟! فلكلّ شيءٍ حسابه الخاصّ في هذا العالم!! وعلى الإنسان أن يكون منظّمًا ومرتّبًا، ويُخضع جميع أموره للحساب، هل التفتّم؟

  • فالإنسان يُريد أن يُبرز نفسه، بحيث تبدو جميلةً في أعين الناس؛ وهذا أمر غريزي سواءً عند الرجل أم المرأة من دون أيّ فرق بينهما، يقول الشاعر: 

  • پرى رو تاب مستوری ندارد***چو در بندی سر از روزن بر آرد
  • [والمعنى: لا صبر لذات الوجه الملائكي على الستر، فلو أغلقتَ في وجهها الباب، لخرجت من كوّة الجدار].

  • فيسعى لإبراز نفسه وعرضها أمام الآخرين على الدوام، هذا أنا ذا، وهذا هو حُسني، وجمالي هو بهذا النحو! وتوجد هنا العديد من الحكايات والمسائل، هل هذا واضح؟!

    1. مير عماد الحُسْنِيّ، هو خطاط فارسي،‌ دخل بلاط الشاه عباس في أصفهان خطاطاً بارعاً. قُتل سنة ۱۰٢٤ هـ، (راجع: معجم مصطلحات الخط العربي والخطاطين (الطبعة الأولى). بيروت: مكتبة لبنان ناشرون. صفحة ۱٤٣).

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

5
  • ومن هنا، فإنّ ما يُريده الله تعالى من عباده أن يُظهروه هو الخير والجمال لا العيوب؛ فالعدوان حرامٌ، كأن يتعدّى الإنسان على مال أحدهم أو منزله، لماذا؟ لأنّ الجمال حينئذ سيختفي، ويحلّ محلّه العنف والعدوانيّة والكراهيّة والقسوة والعداوة؛ وهي أمور مخالفة للجمال والحُسن والرحمة والعطف. كما أنّ الظلم حرامٌ، لماذا هو كذلك؟ لأنّه مخالف للجمال؛ فالظلم كدورة ونجاسة ونقصان؛ وهو وضعٌ للشيء في غير موضعه، وهذا أمر غير لائق وقبيح.

  • نظام العالم قائم على الجمال

  • وبشكلٍ عامٍّ، فإنّ نظام العالم قائمٌ بأسره على أساس الجمال، بل حتّى الدين والشريعة قائمتان على أساس الجمال؛ فكلّ ما هو جميل فقد أمرت به الشريعة، وكلّ ما هو قبيح فقد نهى عنه الدين؛ فلماذا حُرّم شرب الخمر؟ لأنّه يُخرج الإنسان من حالته الطبيعيّة والإنسانيّة ـ وهي حالة جماليّة ـ إلى عالم من الحيوانيّة؛ ولهذا تجد شارب الخمر حالته غير عاديّة، فيُعربد و... .

  • إظهار القبائح حكمة من حِكَم في حرمة بعض المحرّمات

  • في يومٍ من الأيّام، ذهبتُ إلى أحد الأماكن، فكنت في الفندق، وذهبت إلى محلّ الاستقبال لتكملة بعض الإجراءات، فكنت أتحدّث بصوتٍ عادي وغير مرتفعٍ، فقال لي شخص أو شخصان من الأشخاص المتواجدين هناك: أرجو منك الحديث بصوتٍ منخفضٍ؛ لأنّه يوجد هنا مجموعة من الأشخاص المنهمكين بالعمل على الحاسوب، فنظرتُ هناك، فوجدت بأنّ الأمر هو كذلك بالفعل، فخفّضت من صوتي.

  • وفي الليلة الثانية مساء، وكان الوقت متأخّرًا بحدود الحادية عشر أو الحادية عشر والنصف، فأتيت إلى ذاك المكان، وبدلًا منهم كنت أنا الذي أشتغل بجهاز الكمبيوتر؛ حيث كنت أقرأ الرسائل وأجيب عليها، فجأةً رأيت شخصين يأتيان من تلك الجهة من الصالة وصوتهما مرتفع جدًا، وهما في حالة عربدة، وكان صوتهما يصل إلى آخر الصالة، فانزعجت من ذلك، وقلتُ: ألا يستحيان برفع أصواتهما في هذه الساعة المتأخرة، فذهبت إليهما، فرأيت أنّهما هما اللذان وجّها إليّ الملاحظة الليلة الماضية، وقالا: أخفض صوتَك، لقد كانا في حالة سكر!! كانا يصرخان وكأنّهما في صحراء لا في بناية، فقلت لهما: اخرسا! ماذا تفعلان! فخفضا صوتيهما، لقد كانا سكرانيْن! والسكر يخرج الإنسان عن حالة إنسانيته، ويدخله في الحيوانيّة.

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

6
  • هل شاهدتم الحمار يلاحظ يومًا أن ناظرًا محترمًا ينظر إليه؟ بل يرفع صوته أمام الناس وكأنه لا يوجد أحد، لا فهم له، فالله خلقه كذلك. إنّ الإنسان يصبح كهذا الحيوان، لذا كان شرب الخمر حرامًا لأجل ذلك، ولا يوجد شيء آخر غير ذلك، فما هو إلّا مجرّد سائل! لكنّه يخرج الإنسان من حالة الإنسانيّة والتعقّل إلى حالة البهيميّة، يُخرجه من الجمال إلى صورةٍ قبيحةٍ.

  • السرقة كذلك، والقمار كذلك، وسائر المفاسد كلّها كذلك؛ التعدّي كذلك، وإعطاء الرشوة كذلك، الغشّ والخيانة كذلك. إذا نظرنا إلى جميع المحرّمات نرى أنّها مقابل الجمال، وجميع هذه الأمور مبعّدة، وجميعها تُخرج الإنسان من مسير الجمال وتسوقه في اتجاه معاكس وترديه في وادي الظلمات والكدورة والابتعاد!

  • قبح إفشاء السرّ والعيوب، والتعيير بها، والنهي عن ذلك 

  • إنّ الله يريد أن تكون مظاهره في الدنيا مظاهرَ جمالٍ، لذا فإنّ أسوأ الأمور هو أن يقوم الإنسان بإفشاء سرّ شخصٍ آخر.‌

  • كنّا يومًا في محضر المرحوم السّيد الحدّاد بمعيّة الوالد في كربلاء، وذلك بعد رجوعنا من الحجّ، وجرى الحديث عن شخصٍ ـ ابن أحد الأشخاص الذين يرتادون المسجد ـ تزوّج وبعد الزواج التفت إلى أنّه كان قد صدر خطأ ما، وقد أدى ذلك إلى الانفصال، وبعد ذلك قال المرحوم العلامة: عندما التفت والده إلى الخطأ الذي كان قد حصل ـ وبطبيعة الحال حصل إنكارٌ من قبل الطرف المقابل ـ سعى جاهدًا لإثبات هذا الخطأ، إلى أن أثبته فعلًا، فأثبت أنّه قد حصل هذا الأمر واقعًا.

  • انزعج السيد الحداد من هذا الأمر، وقال: لماذا فعل ذلك؟ كان عليه أن يكتفي بالطلاق والانفصال، فلماذا قام بإفشاء هذا الأمر وإثباته، ففي النهاية يريد هذا الإنسان أن يستمرّ في حياته، اذهب أنتَ وطلّقها وتنتهي المسألة! والحاصل أنه لم يرتح لهذا العمل، ولم يعجبه أن يقوم الإنسان بهكذا عمل، وهذه المسألة مهمّة جدّاً، ولدينا حديثٌ قدسي ـ حتماً لدينا رواية، لكن هل هو حديث قدسي أو رواية لديّ ترديد ـ ورد فيها [ما معناه]: من أفشى على مؤمن عيبًا فإنّ الله سيبتليه بمثله قبل موته۱، وسوف يفعل نفس الفعل الذي عاب به المؤمن، ونحن نرى في هذه الدنيا كيف تجري الأمور.

    1. إشارة عن إلى الرواية المشهورة عن النبيّ صلّى عليه وآله، حيث ورد في الكافي، ج٢، ص ،٣٥٦ وغير من الكتب، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وآله: «‌مَنْ أَذَاعَ فَاحِشَةً كَانَ كَمُبْتَدِئِهَا وَ مَنْ عَيَّرَ مُؤْمِناً بِشَيْ‌ءٍ لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَرْكَبَهُ». هذا وقد ردت العديد من الروايات الناهية نهيًا شديدًا عن إفشاء السرّ والتعيير به، منها ما ورد في الاختصال، ص ٣٣،‌ عن الصادق عليه السلام: «مَنِ اطَّلَعَ مِنْ مُؤْمِنٍ‌ عَلَى ذَنْبٍ أَوْ سَيِّئَةٍ فَأَفْشَى‌ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَكْتُمْهَا وَ لَمْ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَهُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ كَعَامِلِهَا وَ عَلَيْهِ وِزْرُ ذَلِكَ الَّذِي أَفْشَاهُ عَلَيْهِ وَ كَانَ مَغْفُوراً لِعَامِلِهَا وَ كَانَ عِقَابُهُ مَا أَفْشَى عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا مَسْتُورٌ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ لَا يَجِدُ اللَّهَ أَكْرَمَ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ عَلَيْهِ عِقَاباً فِي الْآخِرَة».

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

7
  • من القبيح جدّاً هذا الأمر؛ فبعضهم يسعى فقط وراء معرفة نقاط الضعف عند الناس، ويحتفظ بها إلى أن يأتي وقت الحاجة إليها فيستفيد منها، بل يسيء الاستفادة منها. 

  • ماذا معنى أن يأتي الإنسان وهو يريد أن ينتقص من خصمه فيقوم بإفشاء أمرٍ مخفيٍّ له؟ هل هذا العمل لأجل الله؟ هل يصحّ أن يُظهر الإنسان عيب خصمه للتغلّب عليه، أو أن ينشر صوره، أو يقوم بإشاعة أمرٍ لا يعلم به أحدٌ غيره؛ فيقول: إن فلانًا ذهب إلى هذا المكان، كم هذا العمل مخجلٌ وكم هو قبيحٌ ووقيحٌ! فهل يمكن لهذا الشخص أن يقول إنّي أفعل ذلك لأجل الله؟! هل يمكن أن تكون نيته لله! ما هذه النية؟! انظروا كم نحن بعيدون!!

  • كنت أقرأ منذ مدّة قصّة رجلٍ مسيحيٍّ [على ما أعتقد]، الآن ليس لدي دقّة في الموضوع، ولكن تعجبتُ كثيرًا، وقلتُ: انظر إلى هؤلاء الناس ليس لديهم دين، لكن لديهم فطرة، فهم أناسٌ لديهم إنسانيّة، أمّا نحن فماذا وماذا! 

  • قصّة كمال الملك وعدم رضاه بإهانة خصمه

  • الآن تذكرت أمراً، يقال بأن «كمال الملك» ؛ الرسام المعروف، وقبره في نيشابور، وكان رسامًا مشهورًا، نعم من ناحية الالتزام الديني الله أعلم، نحن لا نعلم، [المهم،‌ أنّه] كان على خلافٍ مع شخصٍ، فقام ذاك الشخص بتزوير إمضائه في رسالةٍ كان قد كتبها إلى الدوائر الرسميّة في طهران حول أرضٍ، فتعجب الموظفون من ذلك، فهم يعرفون كمال الملك، حيث كان رجلًا محترمًا ومشهورًا، وكان ذا مقامٍ في نيشابور حيث كان يسكن، فشكّوا بهذه الرسالة، فأرسلوا ثلاثة أشخاصٍ من طهران إلى نيشابور للتحقّق من هذه الرسالة بأنّها له أم ماذا!

  • فقال لهم [كمال الملك]: كلّا هذه الرسالة ليست رسالتي، فعرفوا بأنّ ذاك الشخص كتب هذه الرسالة وذكر اسمه للحصول على منافع. فقالوا له: عليك أن تقدّم طلبًا بملاحقة هذا الشخص؛ لأنّه زوّر إمضاءك، وسوف نعاقبه أشدّ المعاقبة. فقال لهم: لن أقدم طلبًا! ومهما أصرّوا عليه كان يقول: لن أفعل! صحيح أنّ هذا الإمضاء ليس إمضائي، لكن لا أريد أن يتضرّر هذا الشخص نتيجة فعله ذاك، وكان هذا الشخص على خصامٍ وعداوةٍ معه، ثم قال: إن ضمنتم لي عدم ملاحقته ومعاقبته بذلك، أكتب لكم بأن هذه الرسالة ليست لي، وأن هذا ليس إمضائي، وأما إذا لم تضمنوا لي ذلك فلن أفعل! وبما أنّهم قالوا له: لا يمكننا أن نضمن لك ذلك؛ باعتبار أن المسألة ليست في أيدينا، بل ينبغي أن تأخذ مجراها الرسمي، فلم يكتب لهم شيئًا.

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

8
  • واللطيف هو أنّه ـ كنت قد قرأت هذه القصة منذ زمنٍ بعيدٍ ـ عندما جاءه هؤلاء الموظفون التابعون للحكومة، قام باستضافتهم بالخمر، يعني أريد أن أقول بأنّه كان من هذا القبيل، لكن انظروا كم كان هذا الشخص ذا وجدان وكما كان إنسانيّاً ولديه كرامة، نعم هو لم يشرب، بل قدّم لهم وهم شربوا فقط، وقال لهم: أنا منذ مدّةٍ لا أشرب، لكن لا أعلم هل كان قد تاب أم غير ذلك، [يقول سماحته ممازحًا:] أمّا بالنسبة إلى ضيوفه فقد أحسن لهم الضيافة وأكرمهم، فإذا كان هو محرومًا من ذلك، فلا أقل ينبغي أن يمن على ضيوفه [ضحك].

  • هل التفتم؟ قال لهم لا أفعل ذلك! 

  • بالله عليكم نحن الذين ندّعي بأنّنا شيعة ومتديّنون ونصلّي ونصوم ونلتحي ونُبلّغ الدين و...، هل لدينا مروءة بهذا المقدار؟! لقد كان ذاك الرجل عدوّه، وقام بتزوير إمضائه في رسالة مجعولة، مع ذلك فقد عفا عنه. أمّا نحن فنتوسّل بألفٍ وسيلة لكي نخرجه ونعاقبه، هذا هو دِيننا! بناءً عليه، أيُّ الطرفين نُطلق عليه بأنّه مسلم؟! هل يطلق علينا اسم المسلم أم على أولئك؟

  • الإمام السجاد يقول ذلك؛ حيث يقول: لو كان هناك غيرك يطّلع على فعلي لما فعلت المعصية! لكن بما أنّني رأيت أنّك ستّار العيوب عصيتك، وقلتُ: لا إشكال، فيمكن أن نرضي الله تعالى، أمّا غير الله فلا يمكن إرضاؤه! ليس لدينا أيّ خوف من الله، فهو منّا، ولا إشكال لنا معه، إنّما خوفنا من عباد الله ومخلوقات الله، فلا يمكننا فعل شيء أمامهم.

  • كان الأعاظم يؤكّدون على ستر العيوب وعدم إفشائها

  • كان الأعاظم يُؤكّدون كثيرًا على هذا الأمر؛ فحينما كنّا نحضر مجالسهم، إذا طرح مثل هذه المثالب عن الأشخاص أمامهم، كنا نرى عدم رضاهم بذلك، وكانوا يطالبون بالسكوت ويطالبون بمسامحة الآخرين، بل كانوا يوصون بمحو هذه القصص من الأذهان نهائيّاً، ويقولون بأنه ليس جيدًا أن تبقى هذه الأمور في الذهن. وكأنّ هذه الواقعة التي يحفظها الإنسان في ذهنه سوف تترك أثرًا على نفسه شاء أم أبى، فذلك الأثر السيء يبقى معه، على عكس ما لو حفظ الإنسان عملًا جيّدًا عن رفيقه ـ كالإنفاق مثلًا ـ فعندما يتذكّر ذلك يحصل له انبساط، فإذا حفظ على أخيه عمل خير وتذكّره يحصل له حالة من البهجة، أمّا إذا حفظ عليه عملًا سيّئاً وتذكّره فسيحصل له حالة من الكدورة والغمّ. فلماذا يحفظها الإنسان في ذهنه؟

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

9
  • أهميّة أن يبعد الإنسان الأفكار السيئة عن خاطره وأن يخطر فيه القصص الجميلة

  • أحيانًا تخطر في ذهني قضيّة بنحوٍ مجملٍ، ولا تكون مسألةً جيّدةً، فما إن تخطر ببالي ـ وتكون في حالة إبهام ـ وأريد التفكير بها وتفصيلها، حتّى أتجاوزها سريعًا وأدعها تذهب، لا أدع مجالًا لتذكّرها ومعرفة تفاصيلها، ولو أنّي أدع نفسي تتذكرها فإنّي أكون قد خسرت؛ لأنّها تأتي وتترك أثرها في النفس، تأتي وتوجد الظلمة والكدورة. 

  • أما عكس ذلك؛ فإن رأيتُ أنّ قصّةً جميلةً أو حادثةً لطيفةً قد حصلت وكنتُ على اطلاع بها، عندما تأتي إلى ذهني، أجلس وأفكّر بها وبجوانبها وأتذكّر تفاصيلها، فيحصل لي حالة سرور وبهجة وانبساط. فهذا جميلٌ وذاك قبيحٌ، وهذا حسنٌ وذاك سيّءٌ، هذا فيه نور وذاك فيه ظلمة. هما في حالة تقابل تمامًا. والأشخاص الذين يسعون في هذا المجال لا يخطون خطوة في مجال السلوك، بل لا يمكنهم ذلك، من ينظر إلى هذا ويقول: هناك ما يمكنني أن أستخرجه من بين أعماله وأضعه هنا، فهذا الشخص لو بقي ألف سنةٍ يذكر الذكر اليونسي، فهو كمن يعلّم الحمار، لا فائدة فيه أبدًا. هذا الشخص عليه أن يهتمّ بنفسه، ولا أقل يهتمّ بدنياه!

  • منذ يومين أو ثلاثة شاهدت صورةً لأحد الأشخاص المخالفين للعرفان ولهذه المسائل، وقد تأسّفت كثيرًا على حاله، فعندما نظرت إلى وجهه رأيت أنّه ـ لن أذكر كيف كان فالتعبير ليس مناسبًا ـ رأيته أنّه قد خرج من الصورة البشرية، وتبدّل إلى شخص آخر في صورته وشمائله وشخصه، رأيت أنّ نفسه خُتِمت على المخالفة، وصارت ضمن هذا القالب، وبشكلٍ عامٍّ لم تعد آذان هؤلاء تسمع الحقّ أصلًا، وقلبهم لم يعد يعي الحقّ، بل يسعون فقط نحو الحصول على مشتهيات ونوايا نفوسهم بأيّ شكلٍ من الأشكال، لا يهتمّون هل هذا صحيح أم لا. فحتّى لو جاءهم إمام الزمان وقال لهم المسألة هي كذا، فسيقولون بأنّه مخطئ.

  • النفس صارت عبارة عن قالب لا يمكنها التحرّك، فالإنسان قد يصل إلى هذا الحدّ، يصل إلى حدٍّ يمشي وراء نفسه فقط، لا يسعى لمعرفة الحقّ ما هو، بل يسعى لكي يثبت كلامه الذي يتكلّم به وينشره، حتّى لا يسقط عن الاعتبار، هذا هو المهمّ بالنسبة إليه. فإن حصل ذلك من خلال العبارات والكتب والمعلومات الموجودة فيها، فبها، وإلّا فنعمل على إثباتها بطرقٍ أخرى، فإذا أمكن نكذب ونفتري...،‌ وهذا موجود، ليس بالهزل!

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

10
  • خطورة الافتراء على الناس

  • نقل لي شخص وقال: كنتُ في مجلسٍ فرأيت أنّ الحضور يفترون على شخصٍ، فقلت لهم: إنّكم تفترون على هذا الرجل، فقالوا له: لا إشكال في ذلك إذا كان هذا الكلام يُثبِّت موقعيّتنا، فلا إشكال في الافتراء!

  • ومع ذلك ندّعي السلوك والمشي على طريق الله، وندّعي أنّنا على طريق الله، فهل هذا هو طريق الله؟! كان الله بعوننا، فقد يصل الأمر بالشخص ـ لأجل إثبات مسيره الباطل وإظهار أنّه محقّ ـ أن يُوجّه افتراءً لمؤمن! 

  • إنّ الإنسان لا يفهم ماذا يجري، فإلى أي حدّ يصل الأمر بالإنسان، وبطبيعة الحال هذه حبائل الشيطان التي تُنزل الإنسان، وتجرّه نحوه وتحرفه عن تلك الجادّة.

  • أهميّة قصر النظر على عيوب النفس لا عيوب الآخرين

  • على السالك أن ينظر إلى نفسه فقط، ولا يفكّر بأنّه سيأتي يوم ويحلّ هذا العيب به أم لا، فحتّى لو فرضنا بأنّه لن يبتلى به في هذه الدنيا، وفرضنا بأنّ الله لن يؤاخذه في ذاك العالم أيضًا، فما الداعي لأن نأتي ونذكر عيبًا لشخصٍ لا يعرف عنه أحد، نعم إذا كان عيبًا يعرفه الناس فهو معروف، لكن لماذا يأتي الإنسان ويذكر أمرًا لا يعلمه أحد؟! أساسًا لماذا يجعله يخطر في نفسه؟ فإنّ إخطاره في النفس يجعل أوّل من يتضرّر بذلك هو نفس هذا الإنسان! فضلًا عن سائر الأضرار الأخرى، لذا المتضرّر الأوّل هو الإنسان نفسه.

  • وعندما تحفظ عيبًا صدَر من شخصٍ من أجل أن تُشيعه عنه يومًا ما، فإنّ طريقك إلى الله قد أغلق منذ ذلك الوقت، فلا تعود النفس كسابق حالها، بل يكون الطريق أمامها مغلقًا؛ فإذا صلّى فلا قيمة لصلاته، وإذا قرأ القرآن فلا قيمة له! إنّما يكون لقراءة القرآن أثرٌ فيما إذا كانت نفسك مفتوحةً لا مغلقةً، وإلّا فحتّى لو قرأت القرآن من أوّله إلى آخره سوف يرتدّ، ولن يدخل النفس، يأتي ثمّ يرتدّ ويعود، فلا فائدة حتّى لو قرأته من الأوّل إلى الآخر. وإذا صلّيت، فستكون كأنّك خشبةٌ تصلي! مثل تلك الأخشاب التي يتمّ برمجتها وتأتي بالصلاة. فالنفس في هذه الحالة لا تكون قد صلّت؛ لأنّها مغلقة، والنفس المغلقة لو قرأت الذكر فكأنّها لم تذكر، ولو قرأت القرآن فكأنّها لم تقرأ، وإذا صلّت فكأنّها لم تصلّ؛ لذا ينبغي أن تكون النفس مفتوحةً حتّى يمكن لصلاته وقراءته للقرآن وأمثالها أن تؤثّر فيه وتجعله يتحرّك ويتقدّم.

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

11
  • خطورة أذيّة المؤمنين

  • إنّ هذه الأمور، خصوصًا هذه الأمور ـ وإن كان هناك ذنوب أخرى لا تصلّ إلى هذا الحدّ من التأثير ـ هي من الذنوب المهمّة جدّاً والتي تترك أثرها على النفس، فالذنوب كثيرة وكلّ منها يوجِد كدورةً خاصّةً، لكنّ بعضها له أثر كبير جدّاً، وكأنّها تسد الطريق أمام الإنسان، من جملة هذه الذنوب هي أذية المؤمن وظلمه وظلم اليتيم وأمثالها...، فهذه لها أثر كبير في هذا الأمر.

  • والله تعالى يُغضبه هذا الفعل كثيرًا؛ باعتبار أنّ الله تعالى ستّار العيوب، فعندما يرى في الخارج ما يخالف صفته هذه يغضب كثيرًا لذلك، فينتقم من هذا الشخص ويوفّيه حسابه. وهذه المسألة هي من جملة المسائل التي لا يتساهل الله بها.

  • لذا كثيرًا ما كان العظماء يؤكّدون على هذه المسألة بالذات، كانوا يؤكّدون على ذلك ويقولون بأنّه ينبغي عليكم أن تطأطؤوا رؤوسكم وتنظروا إلى أنفسكم ولا تنظروا إلى أحدٍ سواكم، فما لم يجعلك أحدٌ محاميًا ووكيلًا عنه، فلماذا تدخل نفسك في ما فعل فلان وما فعل فلان!

  • تتبع العثرات من قبل أحد تلامذة السيّد الحداد، وطرده له بسبب ذلك

  • عندما كنّا في كربلاء، على الظاهر، كان هناك شخصٌ ـ وقد طرده السيّد الحدّاد فيما بعد وأخرجه من منزله ـ قد عثر على عيبٍ لأحد الأشخاص الذين كانوا يتردّدون على السيّد الحدّاد، وقال بأن فلانًا فعل هذا العمل، وأن لديه هذه المسألة وأمثال ذلك. وعندما أتى ونقل ذلك للمرحوم انزعج كثيرًا من ذلك، وقال له: من قال لك بأن تبحث له عن نقطة ضعف وخطأ، من أمرك بذلك؟! 

  • وكان هذا الشخص على خلافٍ مع الشخص الآخر، وأراد أن يُخرجه من هناك بهذه الطريقة، [وكانت النتيجة أنه] ليس فقط لم يُطرد ذلك الرجل، بل كان هو الذي طُرد! انظروا فالدنيا فيها حساب وكتاب، وليس الأمر بحيث يفعل الإنسان ما يحلو له! وهذا الأمر بالنسبة إلى هذه الدنيا.

  • فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته، ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته. 

  • حسنًا إن شاء الله سنتعرّض فيما بعد لسائر المسائل والفقرات الأخرى.

أهميّة ستر العيوب وخطورة إفشائها

12
  •  

  • اللهم صل على محمد وآل محمد