المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
القسمعنوان البصري
المجموعةرياضة النفس
التاريخ 1429/07/30
التوضيح
هو العليم
الصدق قسيم الحقّ والباطل
شرح حديث عنوان البصريّ -۱٥۷
ألقاها:
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدس الله سره
أعوذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين
والصلاة والسلام على سيّدنا أبي القاسم محمّد
(اللهمّ صلّ على محمّدٍ وآلِ محمّد)
وعلى آله الطيّبين الطاهرين واللعنة على أعدائهم أجمعين
يبدو أنَّ الموضوع الّذي كنَّا نتحدّث عنه في المجالس السابقة، والمتعلّق بكيفيّة تفريغ النفس وجعلها مستعدّة لتقبّل الحقائق، قد اتّضح للإخوة والأصدقاء إلى حدٍّ ما.
الحاجة إلى الوليّ في رفع نقائص نفوسنا
كنَّا قد وصلنا في ختام الحديث السابق إلى أنَّ النفس الإنسانيّة لمّا كانت تعاني مِن نقاط ضعف نتيجة وجودها في هذه الدنيا وتعلّقها بها، فهي تُبدي ردود أفعال تجاه ما يواجهها مِن حوادث [بما يتوافق و] يرتبط بنقاط الضعف تلك، لذا على الجميع الانتباه وأخذ الحيطة والحذر عند التعرّض لهذه الحالات.
إنَّ الإنسان يستطيع أن يدرك هذا الأمر جيّدًا، لأنّه واضح بحيث لا يحتاج إلى أن يعلم ويستعين بعلم الرمل أو أن يستخدم الاسطرلاب، فكلّ واحدٍ منَّا يستطيع معرفة ذلك بمقدار سعته وإدراكه فـ {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها}۱، فنحن مكلّفون بمقدار بصيرتنا وسعتنا الوجوديّة، ولا يمكن تكليفنا بما يزيد عن ذلك.
نعم، هناك الكثير مِن نقاط الضعف والنقص في نفوسنا لن نعرف عنها شيئًا، وإن أمضينا مئة عام نتفحّص عنها، فلا يمكن أن تُكشف لنا إلّا بالارتباط برجل بصير وخبير أو بوليّ مِن أولياء الله وأستاذ في هذا الطريق، ولا يمكن لأيّ رجل آخر – وإن كان يُعدُّ علّامة دهره – أن يعرف تلك النقائص، حتّى إن قضى مليون سنة يبحث عنها في نفسه. نعم، لا يمكن اكتشافها إلّا بواسطة الارتباط برجل خبير له إشراف على النفوس، وهو الرجل الّذي تكون جميع خصائص الطرف المقابل حاضرةً أمامه كحضور يده أمام عينيه. فهذا الرجل هو مَن يمكنه أن يستخرج تلك الأمور وأن يضع إصبعه على تلك الدقائق الّتي يمكن أن تؤدّي بالنفس إلى التهلكة، ثمّ يبدأ بمعالجتها مِن النقطة الّتي يتوجّب بدء العلاج منها.
إنّ الإنسان ومِن خلال التفكير والتأمّل في نفسه ومراجعة تصرّفاته تجاه الأحداث الّتي تعترض طريقه وما يصادفه في المجالس، ومِن خلال مقارنة نفسه بغيره، ووضع نفسه مكان الآخرين، ووضع الآخرين مكان نفسه، يستطيع مِن خلال ذلك أن يتنبّه – إلى حدّ ما – لبعض الأمور، على أن يقترن كلّ ذلك بخلوص النيّة والصدق والمحافظة على هذا الخلوص القلبيّ. أمّا إن تصرّف بخلاف ذلك، وأراد أن يخلط الأوراق على نفسه، ويتهرّب، ويغضّ النظر عن موقف ما فيتجاوزه إلى غيره، عندما يرى الحقائق تتكشّف لديه، فإنَّ الله حينئذٍ سيمكر به مِن حيث لا يعلم هو ولا غيره، {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرينَ}٢. فعندما نريد أن نتّبع المكر مع الله سيقول لنا الله: إنَّ لي اليد الطولى في هذا المجال، فإن أردت أن تجرّب حظّك معي، فسأتعامل معك معاملةً تجعلك لا تعرف السبب الّذي أوصلك إلى ما وصلت إليه، وإن جلست تفكّر في نفسك مليون سنة، وسأُلقي بك في وادٍ سحيق.
ما مِن طريق أمامنا غير الصدق مع الله
في السنة أو السنتين الأخيرتين مِن عمر المرحوم العلّامة (رضوان الله عليه)، نصحه الأطبّاء بالمشي لمدّة نصف أو ثلاث أرباع الساعة، وكنتُ حينها قد قدمتُ إلى مشهد مِن مدينة قم، فكنتُ أخرج بمعيّته صباحًا للمشي خارج مدينة مشهد، ثمّ نعود أدراجنا بعدها. وكنت أستغلّ تلك الفرصة للتباحث معه حول بعض القضايا، فسألته يومًا عن موضوعٍ، لا أريد التصريح به هنا وسأكتفي بذكر إجابته عليه، فقال لي: إعلم يا فلان أنَّه ما مِن طريق أمامنا غير أن نكون صادقين مع الله. وهذا الأمر يشمل الجميع طبعًا، أيًّا كان لباسهم ومنصبهم ومكانتهم الشخصيّة والاجتماعيّة. وسؤالي [الّذي أجاب عنه العلّامة بهذا الجواب] كان يتعلّق بموضوع اجتماعيّ ..
فلا طريق آخر للتعامل مع الله غير أن نكون صادقين، وأن نتعامل مع الناس بنفس هذا الصدق. نعم علينا أن نكون صادقين مع الجميع سواء المسلمين وغير المسلمين.
أتلاحظون، فهذا ما هي عليه رؤية الوليّ الإلهيّ والعالِم بالله وبأمر الله، فهو يقول: عليك أن تكون صادقًا مع جميع الناس، مؤمنًا كان [أو منافقًا]، مسلمًا كان [أو كافرًا]، شيعيًّا كان [أو سنيًّا]، وأن تتعامل بصدق مع عائلتك ومع شريكك وجارك ومع عامّة الناس في الشوارع والأزقّة، فيجب أن يكون الإنسان صادقًا منزّهًا عن الغشّ والخديعة والحقد، ويجب أن يتصرّف بهذا الشكل مع الجميع، دون تفريق بين الصديق وعابر السبيل الّذي قد لا يلتقي به مرّة أخرى في حياته؛ فلا ينبغي له أن يقول: بما أنَّني لن أرى عابر السبيل هذا بعد اليوم، فسأقول له أيّ شيء، أمّا الصديق الّذي سأراه كلّ يوم فلا بدَّ – والحال هذه – أن أصدق معه. إنَّ أمثال هذه التصرّفات باطلة بكلّ تأكيد.
يجب على المؤمن أن ينتهج مع الله نهجًا صادقًا، ولا بدّ له مِن ذلك في معاملته مع زوجته وأبنائه وسائر أفراد المجتمع، القريب منهم والغريب. قال المرحوم العلّامة: عليه أن يكون صادقًا في تعامله حتّى مع الكافر والمنافق، فإن كان الطرف المقابل منافقًا، فذلك يعود له، أمّا أنت فلماذا تكذب عليه في تعاملك معه! نعم على الإنسان أن يتعامل بصدق مع الجميع. ثمّ أردف المرحوم العلّامة قائلًا: إلّا أنّنا نضع الصدق جانبًا، ونتعامل مع أهل الباطل والكفّار بنفس الطريقة الّتي يتعاملون هم بها، ونحن غافلون عن أنَّ لهم اليد الطولى في مجال [عدم الصدق]. وكيف ذلك؟ قال: إنَّ للشيطان اليد الطولى في هذا المجال، وإنَّ طُرق الاحتيال الشيطانيّة هي الأقوى، فإن أردنا أن نلتفّ لنتغلّب ونفرض إرادتنا عليهم، سنراهم – لمّا كانوا أقدر منَّا في الاحتيال – قد التفّوا علينا مِن طريق آخر وطرحونا أرضًا بحيث لا نستطيع بعدها أن ننهض.
لذا على كلّ واحدٍ منَّا أن يكون صادقًا في تعامله مع الآخرين، ويجب أن يعلم الجميع أنَّ شيعة أمير المؤمنين هم أهل الصدق ولا سبيل للخداع إلى حياتهم. والجميع سيعرف الحقيقة، سيعرفها الشيعيّ والسنيّ والكافر. [فللناس عقول تميّز بها تصرفات الآخرين] فهم ليسوا مِن آكلي الأعشاب! كما أنَّهم يعرفون مدى تطابق الادّعاءات مع الواقع، فجميع أهل الدنيا يمكنهم معرفة ذلك، كما أنّ الجميع يعلم مقدار تطابق وتنافي كلامي الآن مع الواقع، وهم يتعاملون ويقيّمون علاقاتهم معي على هذا الأساس. هكذا هم شيعة أمير المؤمنين.
إنّ شيعة أمير المؤمنين هم بالشكل الّذي كان معاوية – عندما يوصَف أمير المؤمنين وشيعته وأصحابه أمامه – يأخذ بالبكاء ويقول: والله هكذا كان علِيّ بن أبي طالب، وهكذا كان أصحابه والمحيطين به.
كان قد جُلِب حجْر بن عديّ إلى معاوية – مع العلم أنَّ معاوية هو الّذي قتله، وقبره الآن على مسافة عشرين أو ثلاثين كيلومترًا مِن دمشق وهو المكان نفسه الّذي استشهد فيه مع سبعة أو ثمانية مِن أصحابه – فعندما خرج حجر مِن عند معاوية، التفت معاوية إلى أصحابه وقال: أقسم بالله أنَّني لم أرَ أصلح وأصدق وأطهر مِن هؤلاء النفر، غير أنّ الحكم لا يحتمل وجود أمثالهم. ولذلك أرسل خلفهم مَن يقتلهم في ذلك المكان.
إنَّ معاوية يعرف هذه الحقيقة ويعترف بها، وهو يعرف أمير المؤمنين أكثر مِن غيره؛ فعندما سيطر أمير المؤمنين على شريعة الفرات في صفّين، كان بإمكانه أن يعاملهم بمثل ما عاملوه به [ولكنّه لم يفعل] وهذا ما يعرفه حتّى الصبيان، فهو لا يحتاج إلى تأمّل.
أمير المؤمنين (عليه السلام) عين الصدق ومعركة صفّين مصداق
فعندما سيطر جيش أمير المؤمنين على الشريعة، قال له أصحابه: علينا أن نعاملهم بالمثل. فكان لسان حال أمير المؤمنين – أي أنّ ما سيأتي لم يقله أمير المؤمنين، بل أنا الّذي أقوله على أنه لسان حال أمير المؤمنين وهذا ما يسمّونه بلسان الحال – يقول لهم: رغم أنّكم أصحابي، ولكن إلى الآن لم تعرفوا قائدكم! لماذا قطعنا كلّ هذه المسافة مِنَ الكوفة إلى هنا، فهل كان فعلنا هذا مِن أجل أن نستلم الحكم – إن كان الهدف هو استلام زمام الحكم فأمير المؤمنين يقول كما ورد في نهج البلاغة «َوالله مَا مُعَاوِيَةُ بِأَدْهَى مِنِّي، ولَكِنَّه يَغْدِرُ ويَفْجُرُ»۱ – فلو أردتُ أن أعمل كما يعمل لرأيتم حينئذٍ لمِن ستكون الغلبة ومَن مِنّا الأدهى سياسيًّا ومَن الأكثر ذكاءً في استخدام الأساليب الملتوية للوصول إلى الأهداف.
يقول الإمام هنا: أَقَدِمتُ مِنَ الكوفة إلى هذا المكان لِأمكر! فلو كنت أريد ذلك؛ لَبقيتُ في مكاني واستخدمتُ وسائل أخرى مِن شأنها أن تُطيح بمعاوية، ولَقبلتُ بكلام المغيرة بن شعبة عندما أشار علَيّ أن أُبقي على معاوية في حكومة الشام لعدّة سنوات ثمّ أزيحه عندما تستتبّ لي الأمور. لقد كان المغيرة بن شعبة مِن أهل السياسة ومِمّن يميّز بين الحقّ والباطل جيّدًا، فجاء إلى أمير المؤمنين ناصحًا له .. فقال له أمير المؤمنين: لا أستطيع أن أدع هذا الرجل يحكم إحدى البلدان الإسلاميّة ولو ليومٍ واحد.
هذا مثال واحد فقط على صدق وخلوص أمير المؤمنين، فانظروا إلى هذا الصدق والخلوص كيف يظهر في صفّين؛
عندما استولى جيشه على شريعة الفرات قال له أصحابه: علينا أن نعاملهم بالمثل، فنرهقهم ونجعلهم يستسلمون لنا. فلو كان أمير المؤمنين قد فعل ذلك، أكانت معركة صفين ستقع؟ كلّا، ما كانت لتقع، ولانتهى كلّ شيء في تلك اللحظة. فعندما يرى أفراد الجيش أنَّهم سيموتون مِنَ العطش، فإنَّهم سيرفعون أيديهم مستسلمين بكلّ تأكيد؛ إذ لأيّ شيء يريدون الحكومة، أيُريدونها ليموتوا أم لِيحيوا؟! فإن هلكت جيادهم مِنَ العطش سينتهي كلّ شيء، وسيدخل أمير المؤمنين الشام فاتحًا ويجلس على عرش الحكم.
فلو حصل هذا، أكان المشاركون في معركة صفين سيستشهدون أو يُقتلون سواء مِن جيش أمير المؤمنين أو مِن جيش الشام؟! كلّا، ما كان سيموت أحد منهم – ركّزوا على هذا الأمر – وهل كانت مقاليد الحكم حينئذ ستنتقل إلى أمير المؤمنين أم لا؟ نعم، إنَّها كانت ستنتقل إليه بكل بساطة. فكان كلّ شيء سينتهي بهذا الشكل، أو قد ينتهي بعد معركة يسيرة يخوضها جيش أمير المؤمنين معهم. وبعد ذلك هل كان سيحصل ما حصل للإمام الحسن والإمام الحسين ومَن جاء بعدهما؟ كلّا، ما كان سيحصل شيء مِنه أبدًا. أكان أمير المؤمنين يعرف كلّ ذلك، أم لا؟ نعم، لقد كان كلّ ذلك مشهودًا له، كما نرى هذا المصباح أمامنا الآن.
ولكن قال أمير المؤمنين لهم: لا أستطيع أن أفعل ما تريدون، فروحي مجبولة على الصدق والإخلاص، وإنّ طينة وجودي مصنوعة مِنَ الصدق، فكيف لي أن أعمل هنا بخلاف طينتي الوجوديّة، فأنا جئتُ لمقاتلة معاوية بسبب صدقي، وإلّا لأخذتُ بكلام المغيرة بن شعبة، وجلستُ في المدينة. فأنا أقاتل معاوية مِن أجل أن يحكم الصدق هذه الدنيا، لا مِن أجل أن أجلس على كرسيّ الحكم والسلطان.
إنّ هذا الكلام يبدو كلامًا سهلًا، وهو ممّا يقوله الجميع عادةً، ونحن نقوله أيضًا، [إلّا أنّه ليس كذلك]، فالتوغّل في مغزى هذا الكلام والتدقيق في تفاصيله وفي تفاصيل تصرفات أولياء الله يعين الإنسان على تشخيص الطريق الصحيح ويساعده على تحديد مصيره. فعلى كلّ واحدٍ منّا أن يغوص في عمق ولبّ هذه القضايا، لكي يتمكّن مِن تحديد ورسم مسير حياته على أساس هذه الدُرر والجواهر الثمينة الّتي يستخرجها نتيجة هذا الغوص، فهذا هو الفضل..
نعم، لقد كان أمير المؤمنين يعرف جميع هذه الأمور جيّدًا، وهو يعرف ما سيحصل مستقبلًا، غير أنَّه يقول: أنا أتعامل بالصدق، ولا يمكنني أن أعمل بغير الصدق، وإن كان مَن يقف في الطرف المقابل هو معاوية. فإن كان مَن يقف قبالي هو معاوية فليكن، وإن كان يعمل المنكرات فليعمل، فلا علاقة لي بما يفعله، فله وقفة أمام ربّه، أمّا أنا فلا ينبغي لي أن أغيِّر نهجي في الحياة مِن أجل ذلك، ولا ينبغي لي أن أستبدل طهارة قلبي وصفاءه بالنجاسة والقاذورات، ولا ينبغي لي أن أجعل باطني كباطنه، ولا ينبغي لي أن أُبدّل ذلك المسير والصراط الّذي قدّره لي ربِّي وأتّخذ غيره. فلمعاوية أن يفعل ما شاء، فهو يعلم كيف ستكون صحيفة أعماله وكيف سيواجه ربّه، ولا علاقة لي بذلك، فأنا علِيّ بن أبي طالب وهو معاوية بن أبي سفيان، فلن أنام في قبره ولن ينام هو في قبري، فلماذا – والحال هذه – علَيّ أن أبدّل حالتي وفق حالات الآخرين، نعم لماذا علَيّ أن أفعل ذلك؟! بل سأدع ذلك له، ولْيعمل ما شاء. فلِمَ أجلب الضرر لنفسي والحال هذه؟! هل التفت الإخوة إلى ما أشير إليه هنا، إنَّ هذا لأمر مهمّ للغاية!
لِمَ فعل الإمام ذلك، فاستمرت معركة صفّين لمدّة ثمانية عشر شهرًا؟! والحال أنّ الإمام لو عمل بما أُشير عليه لَما حصل شيء ممّا حصل، بل كانوا سينتهون مِن أمر معاوية خلال ساعة أو ساعتين، ويفتحون الشام ويُقيمون فيها الحكومة الإسلاميّة، وحينئذ ما الّذي كان سيفعله أمير المؤمنين هناك؛ هل كان سيروّج كمعاوية لشرب الخمر وما شاكل ذلك، أم كان سيُقيم صلاة الجمعة في الشام وفي المسجد الأمويّ – الّذي تُقام فيه صلاة جمعة الآن ولا بدَّ أنَّكم شاهدتموها – وبنفس الكيفيّة الّتي كان يُقيمها في الكوفة، ويخطب على المنبر بتلك الخطب الّتي كان يخطبها في الكوفة؟ فهو لا يسعى إلى إشاعة شرب الخمر والقمار والموسيقى والرقص وما شابه ذلك في الشوارع، بل كان سيُقيم حكومة العدل الإلهيّ في الشام. فهل يعتبر هذا أمرًا قبيحًا، بل أيّ شيء أفضل مِن هذا؟ فما كان يدور في خلد أمير المؤمنين حينها، فهل كان يفكّر في نشر الفساد في المجتمع أم في إصلاحه، ففي أيٍّهما كان يُفكّر؟ إنَّه كان يُفكّر في الإصلاح طبعًا.
وعليه، أفلا يستحقّ هذا الأمر أن يُقدّم أمير المؤمنين بعض التنازل، ثمّ يقوم بتلافي عواقبه فيما بعد؟! فلو سُئلنا نحن هذا السؤال لقلنا: نعم إنَّه يستحق. [ألا يُقال هذه الأيّام:] ما دام الهدف هو تحقيق إنجاز مهمّ، كإقامة الحكم الإسلاميّ في جميع البلاد الإسلاميّة وإقامة حكومة العدل، فيمكن لك والحال هذه أن تكذب وتُلفّق بعض الأمور!
لو [فتح أمير المؤمنين الشام]، لأقام العدل وما كان ليظلم أو يرتكب منكرًا، بل لَنشر سنّة رسول الله في الكوفة والعراق والشام واليمن والحجاز وبقيّة البلدان الّتي كانت ستُفتح فيما بعد، ولَتغيَّر مجرى التأريخ ولَاتّخذ شكلًا آخر، وهذا مما لا شكّ فيه. فلو كنَّا مكان أمير المؤمنين، وكانت رؤيتنا للأمور على ما هي عليه الآن، لقلنا: وما الضير في ذلك، بل هو الخيار الأرجح، ولْنُطلق على هذا العمل عنوان (كذب المصلحة) وهو مصطلح رائج بين الناس!
ما هو معنى كذب المصلحة؟ ها هم الناس اليوم – ولله الحمد – يفعلون أيّ شيء لإنجاز معاملاتهم، ويبرّرون ذلك بأنّ أمور حياتهم اليوميّة لن تتيسّر إلّا بتلك الطريقة، فانتشر بين الناس القَسم بالله والنبيّ وبكلّ شيء، ولا أدري كيف تنزل اللقمة – والحال هذه – مِن بلعوم أحدهم! [فها هم يقسمون كذبًا في الأمور العاديّة] فكيف فيما يتعلّق بقضيّة مهمّة وحياتيّة كقضيّة موت وحياة أمّة إسلاميّة بأكملها!! وعليه، فلو كنّا مكان أمير المؤمنين في ذلك الوقت لقلنا: دعنا ننتهي مِنَ الأمر بهذه الطريقة وننجزه. نعم لقلنا ذلك جميعًا. فإنّ أحكامنا في مثل هذه القضايا واضحة، ولولا اقتداؤنا بأمير المؤمنين لكانت أفكارنا تدور في ذلك المحور، غير أنَّه لمّا كان لنا إمام كأمير المؤمنين فهو يمنحنا رؤية أخرى للأمور بقوله: ليس لكلّ ذلك أيّة قيمة إن كان سيتمّ بواسطة عملٍ منكرٍ واحدٍ، فإقامة الحكم الإسلاميّ في الشام لا يساوي فلسًا إن كان سيقام ولو بواسطة كذبة واحدة.
هل تنبّهتم أيّها الإخوة كيف أنَّ الأمر في غاية الرفعة. نعم، إنَّ إقامة حكومة إسلاميّة في الشام، وإقرار العدل الإلهيّ بين المسلمين، ورفع الظلم عنهم، والوقوف بوجه الفساد، واستتباب الأمن في المجتمع، وتحقيق العدل في المجالات الشخصيّة والاجتماعيّة، ودعوة الناس إلى الله، والنطق بالشهادتين، ورفع الأذان على المآذن، فكلّ ذلك لا يستحقّ أن يُكذب مِن أجله كذبة واحدة، ولا يستحقّ أن يُمنع بسببه الماء عن معاوية وجيشه، بالرغم مِن أنّهم منافقون بأجمعهم وغير مسلمين – فلم يكن أهل الشام مسلمين سوى أنّهم يؤدّون الصلاة بحسب الظاهر فقط وأين هذا مِنَ الإسلام – نعم لا يستحقّ كلّ ما ذكرناه أن يُكذب بسببه، ولا أن يتحقّق بواسطة عملٍ باطلٍ واحدٍ، ولا يستحقّ أن نعامل القوم بمثل ما عاملونا به. هذا هو مذهب أمير المؤمنين، ولهذا تسيل دموع معاوية عندما يُذكر اسم علِيِّ أمامه.
لو كان أمير المؤمنين قد قابل القوم بمثل ما فعلوه معه، لانهزم جيش معاوية وأُقيمت حكومة العدل الإلهيّ في دمشق، ثمّ لو وصل خبر ذلك إلى معاوية وأمثاله لقالوا عندها: قد فعل علِيٌّ نفس ما نفعله عادةً، فنحن عندما نريد أن نستلم زمام الحكم، فإنَّنا نتصرّف بأسلوب معيّن، وهو قد تصرّف بذاك الأسلوب – على أنَّ هدف الطرفين واحد وهو استلام زمام الحكم – فأنا مِن خلال قيامي واستلامي لمقاليد الأمور أتصرّف مع الناس بنحوٍ معينٍ، فأنا مِن أجل ثورتي أتعامل مع الناس بنحوٍ معيّن، وهو مِن أجل ثورته تعامل مع الناس بذلك النحو.
بعض أقرباء الأئمّة عليهم السلام مصداق لعدم الصدق
عندما ثار كلّ مِن محمّد وإبراهيم، ابنَي عبد الله المحض، على الحكومة العباسيّة مِن أجل انتزاع الخلافة مِنَ المنصور الدوانيقيّ واستلام زمام الحكم، كان أوّل ما فعلوه هو تهديد الإمام الصادق بالقتل، بل سجنوه لليلة واحدة حتّى الصباح في حظيرة للماشية. أتعلمون أيّ نوع مِنَ المصائب صُبَّت فوق رأس الأئمّة، ومَنْ فعل ذلك؟! إنّ ذلك كان يحصل لهم مِنْ قِبل أبناء الأئمّة أنفسهم.
فالحكومة الّتي يريد أولئك الناس أن يُقيموها على حساب حبس الإمام في حظيرة المدينة، وعلى حساب تهديده بضرب عنقه إن لم يُبايع، حتّى صباح اليوم التالي، هل يمكن أن تكون هذه الحكومة حينئذ حكومة عدل إلهيّ، سواء كان الطرف المثار ضدّه هو المنصور أو معاوية أو ابن ملجم؟! لن تكون تلك الحكومة حينئذ حكومة عدل إلهيّ، بل ستكون حكومة الشيطان، فالشيطان هو الّذي يريد أن يجلس على كرسيّ الحكم أيّ كان الطرف الّذي سيجلس مكانه، سواء كان المنصور الدوانيقيّ أو غيره أو كان الإمام الصادق، لقتلوه أيضًا، ألم يقتلوا الأئمّة، ألم يقتلوا موسى بن جعفر، فمَنْ الّذي قتل الإمام موسى بن جعفر؟ إنَّه محمّد بن إسماعيل، حفيد الإمام الصادق عليه السلام، وكان السبب في قتل الإمام وفي كلّ ما حلَّ بالإمام موسى بن جعفر.
فما قام به بنو الحسن قد سوّد وجه تأريخهم في واقع الحال، ولكن قليلًا ما يُخبر الناس عن ذلك عادةً. اذهبوا وطالعوا كتب التأريخ لتروا بأنفسكم ما الّذي حلّ بالأئمّة بسبب أولئك الناس؛ لقد سجنوا الإمام الصادق في سجن المدينة، وخيّروه بين أن يُبايع أو أن يُقتل في صباح اليوم التالي. فهل يمكن أن تُعدَّ مثل هذه الحكومة حكومة إسلاميّة؟! وما هو الفرق بينها وبين حكومة معاوية أو يزيد؟! إنَّ الفرق الوحيد بينهما أنّهم لم يتمكّنوا مِن ذلك، فقد كانوا عازمين على قتل الإمام صباحًا لولا اقتحام جيش المنصور للمدينة، ثمّ أطلق الخليفة العبّاسي المنصور الإمامَ مِنَ ذلك السجن، وإلّا فإنَّهم كانوا ينوون قتله. فكيف يمكن التغطية على مثل هذا العار؟!
إنَّ أئمّتنا مظلومون حقًّا، وهم يعانون مِن كلا الطرفين؛ فهم يتعرّضون للأذى مِن هذا الطرف ومِن ذاك في آنٍ واحدٍ، ثمّ يأتيهم بعد ذلك مَن [يشمت بهم] ويقول: هذا ما يفعله بكم أهلكم وأقرباؤكم، بالرغم مِن ادّعائهم أنّهم مِن ذريّة رسول الله، وممّن اغتُصب حقّ أجدادهم، انظروا ما الّذي يفعلونه بكم!
إنَّ الأوضاع الّتي كان يمرّ بها أهل البيت عجيبةٌ حقًّا! فهل مظلوميّة الإمام الرضا عليه السلام قليلة؟! فقد شكاه عدد مِن إخوته وأعمامه للحاكم العبّاسي، واتهموه – والعياذ بالله – بتزوير وصيّة أبيه. كم هي عجيبة تلك القضيّة! فقد كانت مِنَ القباحة والوقاحة بحيث جعلت قاضي المدينة يلتفت إليهم ويقول: ألا تخجلون مِن أنفسكم، هل يمكن أن يصدر شيء كهذا عن هذا الرجل؟! فنهرهم القاضي وطردهم بعد أن أتت زوجة الإمام موسى بن جعفر إلى المحكمة وشهدت أنّها كانت موجودة إلى جنب الإمام موسى بن جعفر عندما أمضى تلك الوصيّة.
إنَّنا نسمع عن الإمام الرضا والإمام الصادق والإمام موسى بن جعفر والإمام الحسن العسكريّ، غير أنَّنا لا نعرف شيئًا عن الوضع الّذي عايشوه في ذلك الزمان.
إنّ الله لا يجامل أحدًا، سواء كان ابنَ إمامٍ أم غيره؛ فإن كان ما يقوم به باطل فسيؤدّي به إلى طريق الانحراف قطعًا، لأنَّ الله لن يرسل الملائكة ليحفظوه لكونه فقط ابن أحد الأئمّة، بل سيقول الله هنا: لو وضعتَ قدمك على الطريق الصحيح ستكون في المسير الصحيح، وإن كنت ابنًا لأبي بكرٍ، أمّا إن تنكّبت الطريق الصحيح، فستنحرف ولو كنت ابنًا للإمام الهادي أو الإمام موسى بن جعفر أو الإمام الصادق أو الإمام الجواد. فالباطل باطل، ولا فرق إن صدر عن هذا أو ذاك، ولا طريق للمجاملات والعلاقات هنا، بل الميزان الحاكم هنا هو القانون والتشريع. ولهذا نرى أنَّ أمير المؤمنين يقول: لن أمنع القوم عن الماء وإن كانوا قد أغلقوا الشريعة بوجهنا مِن قَبل، فأنا لا أعامل بالمثل، فسأفتح لهم طريقًا إليها، فإن انتصرنا في الحرب فبها، وإلّا سنعود مِن حيث أتينا، أيّ إلى الكوفة. إنَّ هذا هو معنى الأسوة الحسنة.. وعليه فبأيّ رجُل ينبغي أن نتأسّى؟ علينا أن نتأسّى بهذا الرجل وبتصرفاته لا بغيره.
كم كان المرحوم العلّامة يوصي أصدقاءه بضرورة الاطّلاع على تأريخ الأئمّة. فلِمَن كُتِب هذا التأريخ؟ إنَّه كُتِب لنا، لكي نقرأه ونستخلص منه هذه العِبر. فلو فعلنا ذلك وكنَّا صادقين في تعاملنا، فهل سنبقى على الحال الّذي نحن عليه؟! فهل يمكن للملائكة أن تُقدّم الدعم المعنويّ والروحيّ لمَن لا يتعامل بصدق؟! كلّا، لن تحضر الملائكة عند أمثال هذا الرجل، بل سيحضر عنده غير الملائكة، ويدلّونه على الطرق الّتي سيسلكها، فتراه حينئذ يتخبّط في سيره؛ فإن سار في هذا الطريق يجده مغلقًا، فيختار آخر ليجده مغلقًا أمامه أيضًا، فيبقى هكذا يتخبّط في سيره. لماذا تتخبّط في سيرك يا هذا، كان عليك أن تختصر الطريق على نفسك بأن تتمسّك بالصدق وتصفّي قلبك، وعندها سترى مدد أهل المعنى والملائكة لك، حيث سيحضرون ويفتحون لك الطريق ويُنيرون لك الدرب ويأخذون بيدك في الطريق الّذي أراده الله لك، وستتخلّص عندها مِن ذلك التخبّط.
إحدى الفروقات الدقيقة بين النفس المحكمة والمتشابهة
تحدّثنا في المجالس السابقة عن ضرورة تفريغ القلب، فإن حصل ذلك سيخرج الإنسان مِن حالة التشابه إلى حالة الإحكام النفسيّ، وسترد إليه الأفكار الصحيحة مِن دون الحاجة إلى كثيرٍ مِنَ التفكير والتأمّل، وذلك لأنّ تلك الأفكار هي أفكار روحانيّة وعقلانيّة؛ فما سيُقدم عليه مِن عمل حينئذ، سيكون مبنيًّا على تلك الخطورات والتصوّرات، فسيكون سعيه هذا إلهيًّا وعمله عملًا إلهيًّا، فلن يحتاج الإنسان – والحال هذه – إلى التفكّر وإعادة الحسابات ومراجعة الأفكار، وذلك لأنّ الأفكار الشيطانيّة لا يمكن أن ترِد على ذهنه فلن يحتاج إلى ردّها والتخلّص منها.
أمّا بالنسبة إلينا فالوضع مختلف، فعندما تأتينا الخواطر والأفكار ترانا نفكّر ونتأمّل ونعمل على تغليب الجانب الرحمانيّ والعقلائيّ والنورانيّ للتخلّص مِنَ الأفكار الشيطانيّة والامتناع عن متابعتها، ونستعين على ذلك بالتطوّرات والتبدّلات الّتي تحصل لنا، وكلٌّ بمقدار استعداده وسعة نفسه وبمقدار المبادئ الّتي يستند عليها في حياته.
إنَّ الأفكار الشيطانيّة لا يمكن أن ترد على ذهن الوليّ الإلهيّ، وعندها ما الّذي سيحاربه الوليّ ويعمل على طرده .. عندما تكون النفس مُحكمة ستكون جميع أفكاره مُحكمة تبعًا لذلك، ولن يكون للمتشابهات أيّ طريق إلى نفسه، فكلّ خاطر يخطر على قلبه سيكون خاطرًا مُحكمًا ومُتقنًا، فلا يمكن أن يأمر بشيء ثمّ يتراجع عنه قائلًا: لقد أخطأت في هذا الأمر الّذي أصدرته، لأنّه كان أمرًا شيطانيًّا. فيأمر عندها بخلافه .. كلّا، لا يمكن أن يحصل هذا الشيء أبدًا [مع الوليّ]، لا يمكن أن يتبادر إلى ذهنه أو يخطر على قلبه غير الفكر الرحمانيّ والرأي الإلهيّ والمبدأ الربّاني، حتّى يحتاج إلى تبديله. ذلك هو مقام المخلَصين.
لقد جرى الحديث عن هذه المواضيع وتمّ شرحها للإخوة إلى حدٍّ ما، وإن كان هناك المزيد ممّا يمكن أن يُطرح في هذا المجال، لذا ستتم الإشارة إلى موارد أخرى عند إخراج هذه المطالب بصيغة تحريريّة إن شاء الله.
أهميّة القراءة المباشرة للقرآن وكلمات المعصومين
بعد أن قال عنوان ما قاله، يقول الإمام الصادق عليه السلام «أمَّا اللَوَاتِي في الرِّيَاضَة».
إن كان الإخوة يتذكّرون – وهم بمشيئة الله كذلك – أنّه قد تمّ الاتفاق على قراءة رواية عنوان البصريّ مرّة كلّ أسبوعين، وهم يقرؤونها إن شاء الله، وإن لم يفعلوا ذلك، فليقولوا: سنقرؤها مِنَ الآن وصاعدًا. فيجب أن لا يفوتنا هذا الأمر وإلّا سنخسر.
يوجد معي الآن ورقة كتب عليها المرحوم العلّامة هذه الرواية بخطّ يده، وذلك عندما كان في الخامسة أو السادسة والعشرين مِن عمره، عندما كان يدرس في النجف الأشرف، وكان يغلّفها بغلاف بلاستيكيّ. نعم، لا زلت أحتفظ بها، فكم هي جميلة، فقد كُتبت بخطٍّ جميل، فخطّ المرحوم العلّامة جميل جدًّا وبالخصوص في خطّ النسخ. كان يضعها في جيبه، وكان قد قال لي: كنتُ أحتفظ بها في جيبي طوال السنوات السبع الّتي قضيتها في النجف، ولم تغادر الورقة جيبي، وكنتُ أقرؤها مرّة في الأسبوع. ثمّ قال: عندما كنتُ أحضر دروس المرحوم السيّد الخوئيّ والشاهروديّ والحلّي، يحصل أحيانًا أن يكون لديّ فراغ لمدة ربع ساعة بين درسين، فكنت أجلس في أحد الإيوانات المحيطة بصحن مرقد أمير المؤمنين، وأُخرج الورقة مِن جيبي وأبدأ بقراءة الرواية، لكي لا يضيع منّي هذا الوقت. مِنَ المحتمل أن يكون المرحوم العلّامة قد قرأ الرواية لمائة مرّة حتّى ذلك الحين، ومع هذا فهو يقول: كنت أُخرج الورقة وأنظر فيها، وبعدها كنت أحضر الدرس بنشاط وحيويّة وحالة معنويّة فائقة.
هكذا تكون كلمات الأئمّة، فهي تعمل على إيجاد تغيير في حال الإنسان. كما أنَّ النفس بحاجة دائمة إلى التذكير، فلا يكفي أن يقول أحدهم: لقد قرأت الرواية في كتاب (الروح المجرّد) مرّة، أو أنا أحفظها، وفي هذا الكفاية. كلّا، بل عليك أن تنظر إلى كلماتها بعينيك، فلهذا الأمر أثره الخاصّ. فإن كنتُ أحفظ الرواية عن ظهر قلب، فلا يصحّ لي أن أقول حينئذ: ما الفائدة مِن قراءتها! إنَّ هذا الكلام غير صحيح، بل لا بدّ مِنَ النظر إلى كلماتها. وهكذا هو الأمر مع قراءة القرآن.
لماذا نؤمر بقراءة القرآن مِن المصحف؟ إنّ قرأت سورة مِنَ القرآن، كسورة الفجر أو الحديد مثلًا، [مِن حافظتك الذهنيّة] لن يكون لها ذلك التأثير الّذي تتركه القراءة عن المصحف مباشرة عبر النظر إلى كلماته، فلهذه الطريقة تأثير أكبر مِنَ الطريقة الأولى. فكما أنَّ لمعاني الآيات القرآنيّة تأثيرًا روحانيًّا على النفس، فتعمل على رفع الظلمة والشبهات عنها، فكذلك الأمر مع الألفاظ الظاهريّة للقرآن، فلها نورانيّتها وتأثيرها الخاصّ، وهو تأثير لا يمكن أن يحصل للنفس ما لم يقع نظر القارئ على كلمات الآيات.
إنَّ العظماء عندما يوصون بضرورة قراءة حزب مِنَ القرآن في اليوم، لم يقصدوا القراءة عن ظهر قلب، نعم لا بأس بذلك عندما لا يتوفر مصحف، أمّا إن كان لديه مصحف فعليه أن يقرأ منه. علينا الالتفات إلى هذا الأمر ..
الوصيّة الأولى في رياضة النفس؛ إيّاك أن تأكل ما لا تشتهيه
قال الإمام الصادق عليه السلام لعنوان «ثلاثة في رياضة النفس وثلاثة في العلم وثلاثة في الحلم». أي لا بدّ مِنَ الإشارة إلى ثلاثة أشياء تتعلّق برياضة النفس، وثلاثة تتعلّق بالحلم في علاقة المرء مع الآخرين وهي أمور غاية في الأهميّة، وثلاثة أمور – مِن تلك الأمور الخطيرة جدّا – تتعلّق بالعِلم والمعرفة. فتلك هي الوصايا التسع، وسنبدأ اليوم – بحول الله وقوّته – في شرح الوصيّة المتعلّقة برياضة النفس.
يقول الإمام «أَمَّا اللَوَاتِى فِى الرِّيَاضَةِ: فَإيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ مَا لَا تَشْتَهِيه». فأوّل ما عليك رعايته هو أن لا تأكل ما لا تشتهيه .. هناك الكثير ممّا يمكن أن يُقال في هذا المجال، وسنتناوله في المجالس القادمة بشكل تدريجيّ، وسنصل إلى ما وعدنا الإخوة به، حيث كان بعض الإخوة في المجالس يقول لي: لقد أكلت قليلًا. [ويقول آخر:] أكلت كثيرًا. فكنت أجيبهم قائلًا: كلوا الآن ما شئتم، فنحن لم نصل في شرح رواية عنوان البصريّ إلى موضوع الطعام. فكانوا يقولون: نأمل أن يتأخّر هذا الأمر، وأن لا تصل النوبة إلى شرح تلك الفقرات حتّى ينقضي عدد مِنَ السنين، مِن ثمّ يتّضح تكليفنا في ذلك. وذلك لأنَّ الرواية تقول «فَثُلْثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلْثٌ لِشَرَابِه» وأن يترك ثلثًا آخر لكي يتمكّن مِنَ التنفّس جيّدًا، فعلى كلٍّ منّا أن يقسّم معدته إلى ثلاثة أقسام: الأوّل منها للطعام، والثاني للماء، وأن يترك القسم الثالث فارغًا لكي يستطيع الطعام أن يدور في المعدة، إذ كيف يمكن للطعام أن يدور فيها إن كانت ممتلئة، وكيف ستصلها العصارات الهاضمة عندها؟! وها قد وصلنا الآن إلى هذا الجزء مِنَ الرواية، فلا مفرّ بعد الآن مِن هذا الأمر، فسأستعرض للإخوة بعض ما يتعلّق بهذا الموضوع إن شاء الله.
هنالك آيات في القرآن، تتحدّث عن هذا الموضوع وأمثاله، تقول {يا بَني آدَمَ خُذُوا زينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ الله الَّتي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}۱، إنَّ الآية تدعو للتزيّن عند الذهاب إلى المسجد، وتدعو للأكل والشرب مِن دون إسراف، فالله لا يحب المسرفين، فمَن حرّم الطيبات على المؤمنين؟ نعم، إنَّها خالصة لهم يوم القيامة، ولا نصيب للكافرين منها في ذلك اليوم.
أشار الإمام إلى مسألة الطعام والشراب في رواية [عنوان البصريّ]، وهذه الآيات تتحدث عن مواضيع مختلفة [منها الطعام]، فنحن سنسوق البحث وفق هذه الآيات فنتناول موضوع الطعام والشراب وما يرتبط بهما مِن قضايا ونتوسّع – بحول الله وقوّته – في البحث لنتناول أمورًا خارج نطاق الطعام.
وقبل أن نبدأ بالبحث في مضمون الآية، علينا أن نعرف ما هو الهدف مِن تناول الطعام؛ فهل خُلقنا في هذه الدنيا لكي نأكل كما تأكل الأنعام، أم أنَّ الهدف مِن خلقتنا هو شيء آخر؟ فما هو السبب وراء مجيئنا إلى هذه الدنيا؟ وما هو سبب التغيّرات الّتي تحصل في هذا العالَم؟ وما هو السبب وراء إيجاد كلّ هذا الخلق مِن أجل الإنسان؟ وما هي حقيقة ما امتنَّ الله به على الملائكة في قوله لهم {إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَليفَةً}٢؟ أيُعقل أن يكون كلّ ذلك مِن أجل أن يأكل الإنسان التفاح والبرتقال وأنواع المأكولات صباحًا وظهرًا وليلًا، حتّى وإن كانت تلك الأطعمة محلّلة – ونحن لا نتحدّث هنا عن الأطعمة المحرّمة – فهل الهدف مِن ذلك هو أن يملأ الإنسان معدته ويتلذّذ في أكل الطعام ويتمتّع به نفسيًّا، أم أنّ الأمر أكبر مِن ذلك؟
مِنَ الواضح هنا أنَّ الأمر يفوق ذلك، وأنَّ الهدف مِن تناول الطعام هو بقاء الإنسان واستمرار حياته، تلك الحياة الّتي مِن شأنها أن توصله إلى الكمال. بناءً على هذا، يكون الهدف مِنَ الأكل والشرب هو إيصال الإنسان إلى مرتبة الكمال. أمّا إن أصبح الأكل والشرب مطلوبًا بحدّ نفسه، فسيؤدّي ذلك إلى نقض الغرض مِن وجود الإنسان. أي إن كان هدف الإنسان هو أن يتمتّع بالمأكولات والمشروبات ويتلذّذ بها، وأن يجنّد فكره لتحقيق هذه الأمور، فلن يكون هناك أيّ فرق – حينئذٍ – بينه وبين الأنعام!
مِنَ الواضح أنَّ الأمر هو أمر نفسانيّ، ومسألة التلذّذ النفسانيّ هي مسألة غاية في الأهميّة، فلا يمكن للنفس أن تُقْدم على عمل ما لم تكن تستسيغه؛ فأنت لا تأكل الطعام الّذي لا تشتهيه، ولا تقوم بعملٍ تتنفّر نفسك منه، ولا تلبس لباسًا تكرهه، ولا تضع قدمك في طريق لا تحبّ السير فيه، ولستَ تشمّ الروائح الّتي لا تستسيغها .. فهذه هي اللذّة النفسانيّة، ومِن مواردها الطعام، لذا نرى الإمام الصادق عليه السلام يُخرج موضوع تناول الطعام مِن دائرة التلذّذ النفسانيّ، ويُعطيه جانبًا عقليًّا ومنطقيًّا، فيقول مَن كان يريد السير إلى الله وطيّ طريق الكمال والتسامي، فإنّ هدفه هذا يتنافى مع تناول الطعام مِن أجل التلذّذ.
لا مانع – طبعًا – مِن تناول الطعام بهذا الهدف، ولا يُعدّ هذا الأمر منافيًا للشريعة، ولن يُحاسبه الله على إسرافه في تناول الطعام، غاية الأمر أنّ الإنسان سيخسر، هذا إن كان الطعام الّذي يتناوله قد جاء عن طريق الحلال ولم يكن عن طريق الغشّ في المعاملة وعن طريق السرقة والخداع، ففي غير هذه الحالات لن يُحاسَب المرء على ذلك يوم القيامة، فليأكل حتّى يسقط أرضًا ويُغمى عليه مِن كثرة الأكل. أمّا ما سيُسأل عنه هو: عمره الّذي أفناه في هذه الأمور، ولم يحصل على نتيجة.
هذا فضلًا عن إذا كان قد كسب المال بطرق محرّمة ومخالفة لرضا الله، كالاحتكار وخداع الناس وما شابه ذلك؛ فترى إن علم أحدهم أنَّ سعر السلعة [سينخفض] غدًا يسارع في بيعها، ليتحمّل الآخرون الخسارة، ثمّ يبرّر فعلته بحججٍ شرعيّةٍ قائلًا: لا إشكال فيما فعلت، فسعره كان كذا في الأمس أو الأسبوع الماضي.
نعم، يستطيع هذا الرجل أن يخدع غيره مِنَ الناس، ولكن هل يستطيع أن يخدع المَلكَين الجالسين عن يمينه وعن شماله؟ كلّا، لا يمكنه ذلك، لأنّهم يُثبتون كلّ شيء في صحيفة أعماله، لا بطريقة الكتابة الّتي قد يتمكّن مِن مسحها يوم القيامة، بل ستكون كالأختام الّتي تترك أثرًا بارزًا على الورق، وستكون أوراق الصحيفة عبارة عن أختام وتواقيع وشهادات، فستكون بهذا القدر مِنَ الإحكام بحيث لا يمكن معه إتلافها مهما بذل مِن جهد، ولا يمكن التخلّص منها أو إخفاؤها. فعمل الملائكة عمل متقن جدًّا لا يعتريه أيّ ضعف ولا يمكن لأحد أن يطعن فيه.
فعملهم هو بالشكل الّذي شرحته للإخوة مِن قَبل، فهم يجلبون نفس العمل ويضعونه أمامك، وبعبارة أخرى إنّهم يقومون بوضعك في نفس ذلك الموقف، لا أنّهم سيعرضون عليك صورًا أو أفلامًا، ولا وجود للصُّحف الورقيّة هناك، فآية {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ}۱ لا تعني أنّه في يوم القيامة ستأتي صحيفة بجناحين تطير، بل المقصود هو حضور الجنبة الوجوديّة الدنيويّة نفسها، وحضور نفس الأعمال الّتي قام بها في الدنيا، فيُوضع فيها.
ما الّذي يعنيه هذا الكلام؟ إنَّه يعني أنّنا سنُحضَر يوم القيامة ونحن في نفس هذا المجلس الّذي يُقام الآن في الساعة الحادية عشر والنصف. حينئذٍ ما الّذي باستطاعتنا أن ننكره؟! نعم، سوف نُحضر بجلوسنا هذا نفسه، فهل نستطيع حينئذ أن نُنكر ذلك؟! فأنا أراكم وأنتم ترونني، فهل يوجد مجال – والحال هذه – للإنكار؟! نعم سيتمّ إحضار نفس هذا المجلس المُنعقد في يوم الجمعة الموافق للتاسع والعشرين مِن شهر رجب لسنة ألف وأربعمائة وتسعة وعشرين للهجرة في مدينة قمّ المقدّسة، أي مدينة السيّدة فاطمة المعصومة سلام الله عليها، حيث وفقنا الله لإقامة هذا المجلس، فسيتمّ إحضاره كما هو في يوم القيامة. هذا هو معنى الآية {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمينِهِ}.
[لقد منَّ الله علينا بحضور هذا المجلس] في الوقت الّذي يحضر آخرون مجالس الغيبة والتهمة واللهو واللعب والإفساد بين الناس وما شاكل ذلك. ففي يوم القيامة سيتمّ إحضار نفس مجلسنا هذا المنعقد في يوم الجمعة الموافق للتاسع والعشرين مِن شهر رجب في هذه الساعة، [وكذلك مجالس الآخرين]، فهل يمكننا حينئذ أن ننكر أمرًا كهذا؟ هكذا هو عمل الملائكة، فهم لا يستنسخون ويكتبون وما شابه ذلك، بل يقوم الملكان الجالسان عن اليمين والشمال بحفظ هذا الجانب الوجوديّ والكيفيّة التكوينيّة والواقعيّة في وجودهم. أرأيتم أيّة قدرة قد منح الله هذين الملكين، على أنَّ هذا غير مختصّ بهما، بل هو شأن جميع الملائكة، وهم يعملون كوحدة واحدة.
إنَّ للملائكة تلك السعة الوجوديّة الّتي تمكّنها مِن حفظ هذا المجلس بالكيفيّة الّتي هو عليها في وجودهم، فيبقى هكذا حتّى يموت الفرد فيمرّ بسؤال منكر ونكير وبعالم المثال والبرزخ والحساب والقيامة، فيُحضِرون هذا المجلس كما هو يوم القيامة، فيرى الإنسان نفسه حاضرًا فيه. فما الّذي علينا أن نقوم به والحال هذه؟ علينا أن نمعن التفكير ونتنبّه إلى ما ينتظرنا مِن عاقبة.
يقول الإمام الصادق عليه السلام هنا: ما هو سبب وجودك في هذه الدنيا، فهل أتيت لتأكل وتشبع في هذه الأيّام القلائل كما تفعل الحيوانات، أم يجب أن يكون هدفك مِن تناول الطعام هو التكامل وإيصال استعدادك – الّتي وهبك الله إيّاها – إلى درجة الفعليّة ومقام الخلافة الإلهيّة الجامع لكافّة الأسماء والصفات الكليّة الإلهيّة – عليكم التدقيق في كلمة (الكليّة) هذه – فلأيٍّ مِنَ الهدفين جئت إلى هذه الدنيا؟
إيجاد المبرّرات لتلبية الرغبات
ها نحن نقوم ببعض الأعمال .. فنحن نرغب بالأكل، ولكن نستحي أن نصرّح بذلك، فترانا نقدّم التبريرات، كلٌّ انطلاقًا مِن اختصاصه؛
فمَن يعمل في مجال الفيتامينات والمواد المعدنيّة، ولديه علم بخصائص بعض الأطعمة، يقول: إنَّ بدني يعاني مِن نقصٍ في الكالسيوم، فناولني مِن ذاك اللبن الرائب وما شابه ذلك. أو لدي نقص في الحديد، فناولني فاكهة الإجاص الّتي تحتوي على عنصرالحديد. أو أنا أعاني مِن نقصٍ في البروتينات، فاعطني لحمًا مشويًّا مثلًا. [أقول] إنَّ الآخرين يعانون أيضًا ممّا تعاني منه يا هذا، فلست وحدك مَن يعاني مِن هذا الأمر .. وهكذا تراهم يتناولون كلّ ما هو على المائدة بحجة أنّ المادّة تحتوي على فيتامين معين، [وبحجّة] أنّه يعاني مِن نقصٍ في البروتين، وذاك مِن نقصٍ في الكالسيوم أو اليود أو الصوديوم، أمّا الهدف الحقيقيّ مِن وراء ذلك هو ملء هذه المعدة.
أمّا بالنسبة لنا، فلمّا كنّا لا نعرف عن هذه التفصيلات الغذائيّة شيئًا، لأنّا لم ندرس عنها، ترانا نَرِد الميدان مِن طريق آخر، ألا وهو طريق الاستحباب، فنأخذ بالبحث في الروايات لنستخرج ما فيها مِن مستحبّات، فنقول: أكْل القرع أو الباذنجان أو ما شابه ذلك مستحبّ [فينبغي أن آكله]. [أقول] إنَّ كنت يا هذا تريد أن تأكل فكُلْ، ولكن لماذا تفعل ذلك على حساب الإمام الصادق والإمام الرضا وعلى حساب الاستحباب؟!
تذكرتُ الآن حكاية في هذا المجال، كان أحد الأطباء قد نقلها لي، ولا أدري إن كان حاضرًا في المجلس الآن أم لا، ومِنَ المحتمل أن يكون موجودًا؛ كان يعمل في مجال الطّب في إحدى المدن، وكان في تلك المدينة رجل مِن أهل تلك المستحبّات، وهو أمر واضح على سيمائه – لا أريد أن أقدّم المزيد مِنَ التوضيح بشأنه فكلّ مَن ينظر إلى صورته يعرف أنّه مِن أهل هذه المستحبات – فاشتهى هذا الرجل الباذنجان – على ما أذكر – في يومٍ مِنَ الأيّام، فتناول مقدارًا منه، وبما أنّ أكله مستحبّ فلا بدّ والحال هذه مِنَ الإكثار منه! إنَّ مقدار الاستحباب أن يأكل أحدهم مثلًا باذنجانة واحدة، غير أنّ الرجل أكل مِلء قِدْرٍ منه، لينال المزيد مِنَ ذلك الاستحباب! فحصل له اضطراب في الهضم وألم في المعدة، فأرسلوا في طلب الطبيب ليأتي إلى بيته لمعاينته .. [أضف إلى ذلك] أنّ البعض لا يذهبون بأنفسهم إلى عيادة الطبيب عادةً، لأنَّهم يعتبرون ذلك مِن منافيات شأنهم!
قصّة طبيب العيون مع العلّامة الطهرانيّ وأخرى مع صاحب نفوذ
تذكرت الآن هذه الحكاية أيضًا: ذهب قبل عدّة أيّام أحد أصدقائنا إلى طهران، وهو طبيب المرحوم العلّامة في مجال العيون، إنَّه واحد مِن أصدقائي الأعزّاء والمقرّبين، فحصل لقاء بيننا دام عدّة ساعات، وخلال حديثنا جرى ذكر حكاية تتعلّق بالمرحوم العلّامة، فقلتُ له: أتتذكّر عندما أتيتُ في إحدى الليالي مع المرحوم العلّامة إلى نفس هذا المكان مِن أجل أن يشكركم على ما بذلتموه مِن جهود، وقد كان الجوّ شديد المطر. فتحدّث الدكتور حينها عن طبيعة بعض الناس مِمّن كان يتعامل معهم .. هذا الطبيب هو مِنَ النوع الّذي قد لا يوجد له مثيل في العالَم في هذا الوقت، وكان يراجعه أناس مختلفون، وهذا هو حاله اليوم، غير أنّه لا يسكن في إيران في الوقت الحاضر بل في بلد آخر .. فقال الطبيب: جاءني يومًا مَن طلب منّي مرافقته لمعاينة عين أحد الأشخاص – ولم يذكر اسمه ولم يسأله عن اسمه لا المرحوم العلّامة ولا أنا غير أنَّني استطعت أن أحدس مَن الرجل – فقلتُ لهم: فليأتي الرجل إلى هنا بنفسه، فلدينا عيادة والمستشفى موجودة هنا. فقالوا لي: ما هذا الكلام الّذي تتفوّه به، فهل استغنيت عن رأسك. [أقول:] يجب أن يتصرّف الإنسان بشكل عقلائيّ، وأن يعي الموقف الّذي يمرّ به، فيتصرّف بما يتناسب معه. ولمّا كان هذا الطبيب مِنَ النوع الّذي لا يرضخ لمثل هذا الكلام، فقد امتنع عن الذهاب معهم، فقالوا له: إنّ موقفك هذا سيجلب لك المتاعب، ولا يمكن أن يمرّ بسهولة .. يقول الطبيب: فأجبروني في نهاية المطاف على ترك المستشفى، وهي مليئة بالمرضى الّذين جاؤوا مِن مختلف أنحاء إيران ليُعالجوا عيونهم. فرافقتُ الرجلين إلى بيت ذلك الرجل الّذي كان قد قَدِم إلى طهران مِن إحدى المدن، وكانت الساعة الخامسة عصرًا، فجلستُ ولم يحضر المريض. يقول الدكتور: جلستُ لمدّة ساعة ونصف الساعة ولم يحضر أحد، هذا مع أنّهم طلبوا منّي أن أحضر عند تمام الساعة الخامسة، وكلّما قلتُ لهم: لديّ العديد مِنَ المرضى الّذين جاءوا مِن زاهدان وتبريز، والكثير منهم ضعفاء ومحتاجون، فعلَيّ أن أذهب لمعاينتهم. يقولون لي: ما هذا الكلام، اجلس واشرب الشاي. وكانوا يجلبون لي الشاي تلو الآخر، وبعد مرور ساعة ونصف قالوا: لقد استيقظ السيّد مِنَ النوم وذهب ليستحمّ. وقد استغرق ذهابه إلى الحمّام مدة نصف ساعة أخرى. يُقسم الدكتور هنا بأنّ انتظاره دام ساعتين كاملتين، وعند الساعة السابعة جاء الرجل، ففحصت عينه فحصًا سريعًا، إذ لم يكن يعاني مِن شيء، ثمّ غادرتُ المكان. التفت الدكتور إلى المرحوم العلّامة – في تلك الليلة الّتي ذهبنا فيها لزيارته – وقال له: هذا ما شاهدته مِن أولئك، فدعني الآن أحكي لكم حكاية عمّا شاهدته منكم؛
كان المرحوم العلّامة يعاني مِن تمزّق في شبكيّة العين، وكنتُ متواجدًا في مشهد حينها، فرافقته بمعيّة أحد الإخوة إلى طهران، وفي الصباح ذهبنا إلى مستشفى (لبّافي نجاد)، وعند وصولنا وقفنا جانبًا، فقال لي ذلك الأخ: لعلّ الدكتور يكون مشغولًا جدًّا، فسأذهب قبلكم لأخبره بقدوم العلّامة مِن مشهد ليكون على عِلم. خصوصًا أنّ الوضع الصحّي للمرحوم العلّامة كان حرجًا وخطيرًا للغاية، أي علاوة على انفصال الجزأين العلويّين مِن شبكيّة العين، كان مِنَ المحتمل أن ينفصل الجزء السفلي منها في أيّة لحظة، حيث سيصبح الوضع خطيرًا للغاية. وهذه المشكلة لا تشبه في خطورتها مشكلة الماء الأبيض أو احمرار العين. وقد قال لي الدكتور سجّادي نفسه أنّ وضع العين [عند العلّامة] كان حرِجًا للغاية، وكانت هنالك مخاطرة في إجراء العمليّة الجراحيّة، ولكنّها أُجريت له بالرغم مِن كلّ ذلك الحرج والمخاطرة.
فذهب ذلك الأخ إلى داخل المستشفى، ليُخبر الدكتور بقدومنا. فانتبه المرحوم العلّامة إلى مغادرة هذا الأخ، فالتفت إليّ قائلًا: ما الّذي يبغيه بذهابه؟ فتلعثمتُ – يحصل لي أن أتلعثم في الكلام في بعض الأحيان – ثمّ قلت له: لقد ذهب ليُخبر الدكتور بحضورنا. فقال لي بلهجة عجيبة: افتح باب السيّارة فورًا والحق به بسرعة وأعده، وقل له: إن أراد أن يُخبر الدكتور، فسأستقلّ سيارة أجرة وأعود إلى البيت فورًا، ولن أعود معكم بهذه السيّارة .. نعم هكذا هو نهج أولياء الله، فانجذاب الناس إليهم ليس عن فراغ، فللناس عقول وهم يفهمون جيّدًا .. فلحقته مُسرعًا إلى داخل المستشفى وقلتُ له: عُدْ، فإنَّ الأمر خطير، فوالدي يريد أن يستقلّ سيارة أجرة ويعود إلى المنزل. فعُدْنا في نهاية المطاف. ثمّ دخلنا المستشفى بعدها شأننا شأن بقيّة المراجعين، وعندما دخلنا ثلاثتنا إلى القسم المعنيّ، رأينا أنّه مِنَ الصعوبة صعود السلّم مِن شدّة الازدحام، فكان هناك العديد مِنَ المراجعين مِن عباد الله، منهم الفقير ومنهم غير ذلك. فتمكنَّا في النهاية أن نشقّ طريقنا وسط الزحمة، وجلس المرحوم العلّامة على إحدى الدرجات، والتفت إلينا قائلًا: لا تخبروهم [بقدومنا]، ما لم يأتوا إلينا بأنفسهم، لأنّ الآخرين قد جاؤوا قبلنا ولهم حقّ الأسبقيّة.
وكان صفّ المراجعين يمتدّ حتّى السلّم، ثمّ حصلنا للمرحوم العلّامة على كرسيٍّ في إحدى الزوايا الّتي لا يُرى فيها الجالس – هكذا كان هيكل البناية إذ تشتمل على زاوية تُخفي مَن يجلس فيها – فجلس هناك وجلست إلى جنبه وبقينا هكذا لمدة ساعتين إلّا ربع الساعة – أيّ نفس المدّة التي انتظرها الدكتور عند ذلك الرجل صاحب الشأن – ننتظر الدكتور، ولم يُسمح لنا [مِن قِبَل العلّامة] بإخبار الدكتور بوجودنا، فنحن مغلوبون على أمرنا ولا حيلة لنا بالرغم مِن خطورة الوضع.
وفي هذا الوقت خرج مساعد الدكتور؛ وهو الدكتور شهرياريّ، وهو رجل محترم جدًّا يسكن الآن في محافظة سيستان، ومتديّن جدًّا وعلى درجة عالية مِنَ المهارة في تخصّصه، وسمعت مِنَ الدكتور سجّادي أنّه لا يوجد في كلّ إيران في الوقت الحاضر مَن هو بمهارته في إجراء العمليّات الجراحيّة الخاصّة بشبكيّة [العين]. فخرج الدكتور شهرياريّ مِن غرفة المعاينة الّتي يتواجد فيها الدكتور سجّادي، ليذهب إلى غرفة أخرى، وكنتُ أجلس في ناحيةٍ مِن تلك الزاوية بحيث يمكن فيها رؤيتي، فوقع نظره علَيّ وتأمّل قليلًا ثمّ قال لي: مَن أنتم؟ فقلت له: أنا الطهرانيّ، وقد جلبت والدي العلّامة الطهرانيّ لمشكلة في عينه. فتقدّم نحو تلك الزاوية ليتمكّن مِن رؤيته وقال: أهو الّذي حُجز له لمراجعة الدكتور؟ فقلت له: نعم. ثمّ التفت إليّ قائلًا: منذ متى وأنتم هنا؟ فأطرقت برأسي إلى الأرض ولم أقل شيئًا، لأنّه سيتأذّى مِن ذلك، فقلت: نحن هنا منذ مدّة. قال: أريد أن أعرف بالتحديد. فقلت: منذ ساعتين إلّا ربع. فقال: أنتم هنا كلّ هذا الوقت، ولم تخبرونا بوجودكم! قلتُ: هذا ما طلبه هو منَّا۱. فبقي [الدكتور] ينظر إلينا مبهوتًا، وكان الأمر عجيبًا بالنسبة إليه، أن ينتظر رجل محترم مثل المرحوم العلّامة لمدة ساعتين إلّا ربع وهو يقول: لا تخبروهم ما لم ينصرف جميع المراجعين. فدخل [الدكتور شهرياريّ] على الدكتور سجّادي، وخرج إلينا الأخير فسلّم علينا وقال: لماذا فعلتم ذلك، فأيّ شيءٍ هذا الّذي فعلتموه؟! فقلتُ له: قال لي الوالد أن لا ندخل ما لم ينتهي الدكتور مِن معاينة جميع المراجعين. فشاهدتُ دموع الدكتور تسيل مِن عينيه، فدخل غرفته ونادوا باسم المرحوم العلّامة بأن حان وقت مراجعته، فدخل وفحص بصره.
هذا ما كنت قد تحدّثت به مع الدكتور قبل بضعة أيّام، فقلتُ له: أتذكر تلك الليلة الّتي جرى فيها الحديث عن هذا الموضوع، فقال: نعم أذكر ذلك، وكان هذا بحضور بعض الأشخاص. فقلتُ له: هذا هو الفرق بين العالِم الإلهيّ وبين بقيّة الناس ممّن لديهم معلومات ظاهريّة، وتعلّموا بعض المعادلات ويعملون بموجبها، فانظروا إلى تصرّف هذا وتصرّف ذاك.
قصّة طبيب القلب مع العلّامة الطهرانيّ
تذكرت الآن حكاية أخرى، ويعزّ علَيّ أن لا أذكرها ويسمعها الإخوة، ليعرفوا ما هي عليه سيرة الأولياء، ثمّ نُنهي المجلس بعدها؛ فقد ابتُلي المرحوم العلّامة في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة مِن عمره بمرض قلبيّ، وهو توسُّع الشريان الأبهر. وهذا ما لم يتمّ تشخيصه في حينه، إلى أن تمّ ذلك بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسيّ في طهران. فزاره أحد الأطباء مِن ذوي الخبرة الواسعة، ولعلّه يُعتبر أحسن طبيب في تخصّص القلب في مشهد في ذلك الوقت، أمّا الآن فلا أعلم لأنّني متشرّف بالعيش في مدينة قمّ منذ ما يقارب خمسة أو ستة عشر عامًا. نعم، لقد كان طبيبًا حاذقًا جدًّا، وكان يزور المرحوم العلّامة في المنزل بين الحين والآخر. وهو لم يكن الطبيب المعالج له، بل كان طبيبه رجل آخر، غير أنّ هذا الرجل قد انجذب للمرحوم العلّامة لِما رآه مِن سموّ أخلاقه خلال تواجده في المستشفى. هذا مع كون الرجل ليس مِنَ النوع الّذي يُقيم علاقات مع هذا الصنف مِنَ الناس، غير أنّ شخصيّة المرحوم العلّامة كانت بالشكل الّذي تجذب إليها جميع الناس مِن كلّ صنفٍ ونوعٍ وشكلٍ، وكانت تهيمن عليهم.
فحضر الرجل يومًا وجلس في الطرف المقابل للمرحوم العلّامة مُسندًا ظهره إلى الجدار في وسط الحسينيّة الموجودة في الطابق العلويّ – ولعلّ الكثير مِنَ الإخوة قد رأوها – وكان يُخفي سماعة الفحص بجنبه بشكل لا تُرى فيه، ومضى نصف ساعة في السؤال عن الأحوال والحديث في مواضيع شتّى، ثمّ قال للمرحوم العلّامة: هل تسمحون لي بفحصكم. وخلال قوله لهذا الكلام مدّ يده ليتناول جهاز قياس الضغط وسماعة الفحص، فلاحظتُ أنّ المرحوم العلّامة نهض مِن مكانه مُسرعًا ليجلس إلى جانب الطبيب. أتلاحظون ميزان أخلاقه! لقد كان الطبيب يهمّ بالنهوض ليفحصه، فكان بإمكان المرحوم العلّامة أن يكتفي بشكره ويمتدحه على قدومه، ولقد قلتُ أن هذا الدكتور لم يكن شأنه مِمّن .. والله أعلم بالبواطن. فنهض المرحوم العلّامة، مع ما هو عليه مِن مكانة وخصوصيّة، ومع ما هو عليه مِن تقدّم السنّ، بالشكل الّذي جعل الدكتور ينبّهه على الضرر المحتمل مِن نهوضه بهذا الشكل، وذهب وجلس إلى جانبه.
هذا الطبيب هو نفسه الّذي التفتَ إلى بقيّة الأطباء عند وفاة المرحوم العلّامة وقال لهم: لا يمكننا أن نجد رجلًا مثل هذا السيِّد بعد الآن. لماذا قال مثل هذا الكلام؟ قال ذلك بسبب اختلاف أخلاق هذا الرجل عن أخلاق غيره مِنَ الناس، وبسبب اختلاف تعامله عن تعامل الآخرين. والناس ليسوا مِن أكلة العشب والبرسيم حتّى لا يتمكّنوا مِن إدراك هذه الأمور، بل لدى الناس عقول يستطيعون أن يميّزوا بها، فيضعون القضايا الّتي يشاهدونها جنبًا إلى جنب ويقارنونها، فيتوصّلون إلى نتائج صحيحة، فيعرفون بذلك المكانة الحقيقيّة لكلّ رجل. ولهذا قال الدكتور: دعونا نذهب في حال سبيلنا، فلا يمكننا أن نجد مثل هذا السيِّد بعد الآن.
ولننظر الآن إلى الجانب الآخر لنرى ما الّذي يجري هناك، فلْنعد إلى حكاية ذلك الرجل الّذي أراد أن يعمل بالمستحبات، فكلّما أكثر الإنسان مِنَ المستحبات يحصل على ثواب أكثر! فأكل الرجل وأكل – كفاك يا رجل – حتّى أرسلوا بطلب رفيقنا الشفيق [وهو ذاك الطبيب]. فجاء مع حقيبته مِن أجل فحص ذلك السيّد، فرآه مضطجعًا لا يستطيع الحراك. وأنا أعتقد أن السبب في ذلك هو التخمة، لا الألم مِن تناول الطعام. فالتفت الطبيب إليه بعد أن فحصه وقال له: ماذا أكلت؟ فقال: أكلتُ مقدارًا مِنَ الباذنجان الليلة الماضية – والّتي كانت ليلة جمعة على ما يبدو – لاستحباب أكله. فقال له الطبيب: إنَّ المستحبّ أن تأكل باذنجانة واحدة، لا أن تأكل بمقدار قِدْرٍ منه. قال الدكتور: ثمّ خفت على نفسي مِن كلامي هذا، إذ قال لي الحاضرون أنّ علَيّ أن أعي ما أقول، ولا بدّ أن أراعي الأدب والاحترام، فلا يمكن النطق بأيّ كلام في كلّ مكان. ثمّ قلت للمريض: لا عليك. فوصفت له دواءً [لتعجيل هضم الطعام]، فإن هُضم الطعام سيزول ألم المعدة، وانتهيت مِن هذه القضيّة.
ما الّذي يعكسه هذا؟! إنَّ المسألة هنا لا تتجاوز كونها بحثًا عن مبرّرات؛ فإن كنت تريد أن تأكل الباذنجان، فلماذا تحمّل ذلك على عاتق الإمام الصادق عليه السلام. وإن كنت تريد أن تأكل طعامًا معيّنًا، فلا بأس عليك، ولكن عليك أن تأكل باتّزان.
وخلاصة الكلام، إنّ كلّ واحد منّا لأجل أن يصل إلى هدفه يسلك طريقًا خاصًّا، على أنَّ كلّ الطرق تؤدِّي إلى روما. فهدف الجميع هو ملء هذه المعدة وتعبئة هذا الجسد، ولكن هذا ليس عملًا صحيحًا، وليس مِنَ المصلحة القيام بذلك، بل يجب على كلّ واحد منّا أن ينتهج نهجًا يجعل مِنَ المأكل والمشرب وسيلة له للوصول إلى كماله المطلوب، كما قال المرحوم السيِّد الحدّاد: إن أكلتَ المقدار اللازم مِنَ الطعام، فتكون أنت مَن أكل الطعام، وإن أكلتَ أكثر مِنَ اللازم، سيكون الطعام هو الّذي أكلك ورَكِبك فيسيّرك حيث يريد.
لقد بلغت الساعة الثانية عشر، وقد كان حديثنا اليوم بمثابة المقدّمة للدخول إلى صلب الموضوع، ولن يقتصر حديثنا – إن شاء الله – على موضوع الأكل والشرب كما قلتُ لكم آنفًا، بل سيشمل قضايا اجتماعيّة، وما يجري في المحيط العائليّ، وهي ليست مسائل أجنبيّة عن هذا الموضوع. وسأتمكّن إن شاء الله مِن تلبية طلب الإخوة في هذا المجال.
نسأل الله أن يوفقنا في اتّباع سنن أولياء الله، وأن يبعدنا عن اتّباع الأهواء، وأن يرينا الحقائق كما هي عليه، وأن يحفظنا ويصوننا مِنَ السير في السُّبل المحرّفة والمنحرفة عن سبيل الله، وأن يُديم الظلّ المبارك لوليّ العصر (عجّل الله تعالى فرجه) على رؤوسنا جميعًا، وأن يجعلنا مِنَ المنتظرين الواقعيِّين له، وأن لا يحرمنا مِن زيارته في الدنيا وشفاعته في الآخرة.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد