110

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

9701
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالعزّة والعلو

جلسات المجموعة(6 جلسة)

التوضيح

ما معنى كون العزّة لله وللرسول وللمؤمنين مع كونها لله وحده؟ وهل انتقصت عزّة أمير المؤمنين وابنيه الحسنين عليهم السلام فيما جرى عليهم؟ ولماذا لم يسارع أمير المؤمنين إلى السقيفة ليكون أحد المشاركين على الأقلّ ويمنع الفتنة؟
يتابع سماحة آية الله السيّد محمّد محسن الحسين الطهراني رضوان الله عليه شرح فقرة ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا ويجيب أثناء ذلك عن هذه الأسئلة وغيرها، مستندًا إلى الكثير من الشواهد والمواقف من حياة الأعاظم.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱۱۰

  •  

  • ألقاها: 

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد لله ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمد

  • وعلى آله الطيبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام لعنوان: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. 

  • العبد الذي يوفّقه الله للعمل بالأمور التي ذكرت ويطّلع على حقيقة عالم التكوين، ويلتفت إلى الإرادة والمشيئة الإلهيّين في جميع حوادث عالم الكون ومجرياته بغير استثناء، إنسان كهذا لا يسعى وراء ما يسعى إليه الناس، ولا يجعل مسير حياته على ذلك الأساس الذي يجعل سائر الناس حياتهم وفقه؛ لأنّه خرج من مرتبة الجهل إلى مرتبة العلم، وارتقى وتكامل من مرتبة البلاهة والحماقة إلى مرتبة العقل، والإنسان العاقل يبحث عن القواعد العقليّة والمنطقيّة. 

  • فهل وجدتم يومًا في السوق والعمل والتجارة والمجالات الأخرى إنسانًا قام بعمل أو بمعاملة أو سلك طريقًا في مكان ما وخسر، ثمّ يأتي فيكرّر العمل نفسه؟! هذا رجل أحمق، إنّه ليس عاقلاً، هو ناقص في عقله، ولا يمكن أن يكون إنسانًا منطقيًّا. 

  • والآن يقول الإمام الصادق عليه السلام: لو أنّ إنسانًا فتح الله عينه وجعل عنده بصيرة الفهم لأموره وإرادته، ونبّهه على الأمور الاعتباريّة للدنيا، ثمّ يسير مع ذلك في طريق الآخرين! فهذا أحمق! لا عقل له! 

  • لذلك وبناء على ما تقدّم في الجلسة السابقة، فإنّ من مزايا هذا الإنسان أن لا يبحث عمّا في أيدي الناس: ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. لا يأمل في وقت من الأوقات بمقامات الناس ومواقعهم من أجل الترفّع والتكبّر والاستعلاء والرفعة على الآخرين والتفضّل عليهم وجذب اهتمامهم وتحصيل مراكزهم. بل حتّى لو أعطوه لضحك! لضحك! يقول ماذا تريدون أن تعطوني؟! 

  • كفى بالمرء محاسبًا لنفسه!

  • لقد تذكّرت هذا الأمر الآن، فقد كنت يومًا في خدمة المرحوم العلاّمة في أحد أسفاره، ويبدو أنّ الفصل كان صيفًا وكنت قد تشرّفت بالذهاب إلى مشهد، فجاء إليه رجل يحمل رسالة من أحد الناس، وكنّا جالسين نحن أيضًا، ثمّ التفت إلى المرحوم العلاّمة وقال: سيّدنا تفضّلوا عليّ بنصيحة. كان رأسه مطأطَأً ولم يكن قد شرع بالكلام بعد. ثمّ إنّ ذلك الرجل نفسه تابع بالقول: لا أدري في أيّ حال أنا! وكانت عبارته التي قالها هكذا: لا ندري أإلى الجنّة نسير أم إلى النار. حسنًا فلتترك يا سيّدي! لا مزاح في الأمر! فحيث لا تعلم طريقك إلى الجنّة أم إلى جهنّم فلماذا أنت متمسّك به بيديك كلتيهما؟ لماذا لا تدَعه؟! أنت بنفسك قلت هذا، لم أقله أنا، أنت قلته. أنت إذ تقول لا أدري طريقي إلى الجنّة أم إلى جهنّم لماذا لا تفكّر؟! فمعلوم أنّك تمزح! وهؤلاء أيضًا يدركون أنّك تمزح، ويطأطئون رؤوسهم ولا يجيبونك، أو يبتسمون ويقولون: موفّق إن شاء الله! مؤيّد إن شاء الله! ومن هذه العبارات التي كنّا نسمعها من المرحوم العلاّمة يقولها كثيرًا للنّاس! 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

3
  • بالأمس كنت أقرأ هذه القصّة فسررت، الذين يرون الباطن ولا أقول إنّهم من أولياء الله، كلاّ بل أناس آخرون لم يبلغوا تلك المراتب واتّضحت لهم الأمور إلى حدّ ما، فهؤلاء لا يقضون أوقاتهم مع الناس عبثًا. جاء رجل ثريّ إلى أحد الأعاظم باكيّا مصرًّا يطلب منه توصية أو برنامجًا أو شيئًا ما لكي يهتدي. فتأمّل ذلك الرجل قليلاً ثمّ قال: يكلّفك بعض المصارف فهل أنت حاضر؟ فكّر قليلاً وقال: أعتذر. ثمّ خرج من المجلس! 

  • أنت تمزح! وذاك لا يتلف وقته مع إنسان يمزح. يطأطئ رأسه جيّدًا: موفّق إن شاء الله، مؤيّد إن شاء الله، وفّقك الله! فأنت يا من يقول لا ندري أإلى الجنّة نصير أم إلى النار لماذا تقضي حياتك هكذا؟! فأنت تلبّس على نفسك، أنت تخادع نفسك! والشيطان يأتي أيضًا بشكل جميل ويلوّن لها الأمر، يرسمه بشكل لا يمكن أن يرسمه لنا ألف رسّام صينيّ ويونانيّ! ألف رسّام لا يمكنهم أن يرسموا لنا هكذا رسمة، وينقلوا إلى الناس ما يريدون من خلال هذا الرسم! فعندما يرسم الرسّام صورة ما، فإنّه يلقي مفاهيمه الذهنيّة إلى المخاطب بواسطة هذه الألوان والأشكال ويبيّن بها هدفه ومراده المختبئ وراء هذه الرسوم والأفكار والمعاني الكامنة. وعندما يأتي الشيطان ويرسم فإنّه يرسم بطريقة تجعل الأمر مقبولاً حتّى عند الإنسان نفسه. ومن جهة أخرى لأنّنا لسنا مسلّمين ونريد أن نخدع أنفسنا فإنّ الله لا يوفّقنا أبدًا للالتفات والتنبّه أبدًا! ما إن يريد الالتفات ويفكّر قليلاً، حتّى يأتي أمر فجأة فيقيّده، فيسير من جديد خلف هذا الأمر! وما إن يريد أن يستريح قليلاً ويهتمّ بنفسه ويقول: ماذا صنعت؟ إلى أين سأصل؟ حتّى تأتي من جديد مشكلة أخرى تشغل فكره لشهرين! وما إن يريد أن يلتفت تأتي مشكلة إلى ستّة أشهر... وهكذا. ثمّ يأتي عزرائيل ويقول: انتهى الأمر! تفضّل. هذا معنى ومكروا ومكر الله...۱ هذا هو مكر الله. أتريد أن تخادع الله؟! أتريد أن تحتال على الله؟! فإنّا نخدعك خدعة تغمرك من رأسك إلى وسطك لا فقط إلى رقبتك، بحيث لا تدري أنت في أيّ حال، في أيّ حال! هكذا هو واقع الأمر. 

    1. سورة آل عمران، الآية ٥٤. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

4
  • ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. ولكن أقول لكم أيّها الرفقاء: إنّ الأذكياء، إنّ الواعين، إنّ أهل المعنى والالتفات، يحفظون أنفسهم قبل أن تحدث مشكلة تشغلهم. فمثلاً هذا الأمر الذي لم يبتلوا به بعد، يجلسون ويفكّرون، هذه الحادثة وهذه الواقعة كم تفيدهم وكم تضرّهم؟ كم تشغل فكرهم أو لا تشغله؟ كم لها ارتباط بهم؟ أساسًا هل لها ارتباط بهم أم لا؟ عندما تأتي البوارق فإنّها تأتي إلى الجميع ولا يمكن لأحد يوم القيامة أن يقول لم تأتني بارقة، لا يمكن لأحد! 

  • وفي النهاية بعد أن أصرّ ذلك الرجل قال المرحوم العلاّمة جملة واحدة: كفى بالمرء محاسبًا لنفسه. لقد أجابه جوابًا محكمًا جدًّا. غدا لونه أحمر، أحمر للغاية. طأطأ رأسه، هنا طأطأ رأسه إلى الأسفل! هنا يكفي الإنسان أن يحاسب عمله ونفسه. ولا يمثّل أمامنا! أنا كذا، وأنا كذا. اجلس وفكّر جيّدًا، فأنت صاحب علم، أنت لديك عقل، لديك دراية، أنت إنسان ويمكنك أن تختبر عملك، اجعل نفسك مكان الآخرين ثمّ اقض، انظر لو كنت مكان الآخرين وكان الآخرون مكانك فماذا كنت قاضيًا؟ هذه المكانة لا تسمح لك الآن أن تفكّر في نفسك، هذه المكانة لا تسمح لك أن تهتمّ بنفسك، اجعل نفسك مكان الآخرين! 

  • كفى بالمرء محاسبًا لنفسه! يكفي! لا حاجة بعد ذلك! لا حاجة إلى جبرائيل ولا إلى ميكائيل وإلى الله! أبدًا! فلا نأتِ بالله عبثًا إلى الميدان، كلاّ، ولنفترض أنّ الله أيضًا غير موجود! فإنّ كلّ إنسان بوجدانه يمكنه أن يمتحن نفسه. لو أراد أن يفعل ذلك فإنّ الله يساعده، يرسل جبرائيل ليساعده، والملائكة الذين هم ملائكة الرزق يأتون له برزقه من العلم والإدراك والالتفات. ولو كذب فإنّ جناب الشيطان يأتي بدلاً من الملائكة! وحينها يلقي في الذهن أن افعل كذا، وافعل كذا! فما معنى افعل كذا؟ لا يقول اذهب واشرب الخمر، قامر، العب بالشطرنج، كلاّ! يقول: اذهب واعرض أعمالك بصورة إلهيّة! يطرق هذا ويطرق ذاك! ماذا إذن؟ أيأتي بآلات القمار لإنسان كهذا؟ ـ طبعًا إن لم تكن قد حلّلت! ـ إنّه يأتي من حيث عمله وموقعه وما تشتغل به نفسه فيدخل من خلاله. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

5
  • يقوم فيتحدّث ساعة عن الله، يتحدّث بحيث لا يمكن لأحد أن يتحدّث معه! ثمّ يتحدّث ساعة عن الأخلاق، فيتحدّث عن الأخلاق بما لا يرقى إليه أحد! ويتحدّث ساعة عن الأسماء والصفات الإلهيّة، وساعة عن المبدأ والمعاد، وساعة عن الاجتماعيّات، يؤلّف كتابًا، ينشر مجلّة، يتحدّث عن إمام الزمان، وعن الولاية وعن كذا، فمن الذي يقول له ذلك؟ أجبرائيل يقول له؟! كلاّ إنّه جناب الشيطان يأتي ويبيّن له بكلّ وضوح خطّ الضلال وخطوطه. لقد كان لنا عمل مع الشيطان قبل مدّة! وقد تحدّثنا حوله مع الرفقاء وكشفنا لكم سجلّه أن من هو الشيطان وماذا يصنع؟ بحيث لا يمكنه أن يتعامل مع الرفقاء والأصدقاء على أنّهم لا يعلمون، لقد أفشينا سرّه لكم أن من هو هذا؟ وما هو؟ وكيف يأتي؟ وكيف يمكن أن يكون مفيدًا للإنسان؟

  • هذا الإنسان لا يطلب ما عند الناس والنعم التي أنعمها الله عليهم، والخصوصيّات التي أعطيت إليهم، لا يطلبها أبدًا، ولا يريد أن يكون بدلاً منهم. إذا وقعت عينه على رئيس فلا يريد أن يكون مكان هذا الرئيس. إذا وقعت عينه على وزير فلا يريد أن يكون مكانه مائة عام. إذا وقعت عينه على مدير فلا يريد أن يكون مكانه لألف عام. ولو كانت طاولة المدير من هنا إلى هناك، ولو كانت قيمتها بضعة ملايين، ولو كان هناك أمر ونهي وتعظيمات، وكلّما رأى هذه التعظيمات أكثر عرف الحقيقة أكثر، لا أنّه يغترّ ـ التفتوا جيّدًا أيّها الرفقاء بهذه الجمل التي أقولها التفتوا جيّدًا ـ كلّما كانت هذه الأوامر والنواهي أكثر فإنّها تأخذه نحو الله أكثر. كلّما كانت هذه التوجّهات أكثر فإنّها تنبّهه أكثر فأكثر على كونها اعتباريّة لا على حقانيّتها، نحو كونها اعتباريّة جميعًا، وأنّها جميعًا قابلة للزوال، وأنّها تزول. 

  • عدم طلب أمير المؤمنين ما في أيدي الناس بعد وفاة النبيّ

  • لقد تذكّرت الآن هذه المسألة، عندما توفّي النبيّ ماذا فعل أمير المؤمنين؟! عندما توفّي النبيّ ماذا فعل أمير المؤمنين؟! هؤلاء الذين أخفوا وفاة رسول الله وأعلنوا انه حي لكي يصلوا إلى الخلافة، لأنّهم لو كانوا يقولون إنّه توفّي فإنّ الناس ستقول تعالوا لنغسّله ثمّ ندفنه. يعني أنّ النبيّ الذي كان بينهم ثلاثًا وعشرين سنة نعوذ بالله نعوذ بالله نعوذ بالله لم يعتنوا به اعتناءهم بإنسان عاديّ أو غير إنسان، لم يعتنوا به، ذهبوا خلف رئاستهم، ذهبوا وشكّلوا السقيفة. أمّا أمير المؤمنين فماذا فعل؟ عندما كان أمير المؤمنين يغسّل بدن النبيّ ألم يكن يعلم أنّهم ذهبوا إلى السقيفة؟ كان يعلم، فلماذا فعل ذلك؟ لماذا لم يذهب إلى السقيفة؟ لماذا لم يذهب ليكون على الأقلّ واحدًا من المشاركين؟ لأنّه يهزأ من هذه الخلافة، هو يقول الخلافة التي تكون بترك بدن النبيّ على الأرض والفرار إلى السقيفة وتشكيل ذلك الاجتماع الشيطانيّ [خلافة لا خير فيها]، فلو ذهبت إلى هناك ماذا سأفعل؟! حتّى لو كانت لغير الخلافة، أصلاً ماذا نفعل هناك؟ أيذهب أحد ويشارك في هكذا اجتماع؟! 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

6
  • من يترك بدن النبيّ على الأرض ويعلن أنّ النبيّ لم يمت، ذهب وسيرجع، عمر نفسه، الخليفة الثاني نفسه، وفي التاريخ لدينا أنّ أبا بكر هذا عندما كان يذهب إلى السقيفة وقع على الأرض عدّة مرّات من شدّة الحماس، فمع هذا اللباس العربيّ الطويل، ولا بدّ أنّه كان أطول، وكانت الحركة سريعة وبعجلة، وقع كل منهما عدّة مرّات. فمن يذهب هكذا؟ ليقف إنسان عاقل ولينظر إليهما! لو كنّا نحن ـ لوفّقنا الله إن شاء الله وسيوفّقنا ويأخذ بأيديناـ لو كنّا في ذلك الزمان ورأينا هذا الوضع فبماذا كنّا سنفكّر؟ هل كنّا سنذهب؟ أم كنّا نقف جانب الطريق نضحك؟ فمع رواية عنوان البصريّ لا يمكن الذهاب إلى هناك. 

  • لقد بيّن لنا الإمام الصادق عليه السلام حقيقة المسألة، الإمام الصادق يقول قف واضحك! فقط اضحك على الأوضاع! بدن النبيّ على الأرض، لم تغسّله ولم تدفنه فإلى أين أنت ذاهب؟ الآن يذهبون إلى هناك فماذا يدّعون؟! يدّعون حكومة جاهليّة؟! ـ التفتوا جيّدًا أيّها الرفقاء ـ هل يدّعون الارتداد إلى زمان الجاهليّة وعبادة الأصنام؟ ارجعوا أيّها الناس! كلّا، بل تعالوا لنقوّي الإسلام، تعالوا لنقف مكان النبيّ ونصلّي في ذلك المحراب، وأنتم أيضًا اقتدوا بنا. لم ينصبوا صنمًا في مسجد المدينة، لم يأتوا بالآلهة التي كان عمر وأبو بكر يعبدانها في زمان الجاهليّة، قالوا تعالوا نقف في مكان النبيّ ونصلّي، تعالوا لنأخذ الزكاة، تعالوا لنجاهد، تعالوا لنقوّي الإسلام! انظروا كلّ شيء هو لله، كلّه حركة هي نحو الله! لا يقولون تعالوا لنحضر اللات والعزّى ونسجد لهما، لقد كان اللات والعزّى مثالين لصرف الناس عن التوجّه إلى الله وسوقهم إلى التوجّه إلى أنفسهم. من يبعد أمير المؤمنين ويذهب بتلك السرعة نحو السقيفة، هل يريد أن يبحث عن الله؟ يريد أن يبحث عن الولاية؟! يريد أن يبحث عن النبيّ؟! أم لا بل أظهرا اللات والعزّى هذه المرّة بصورة الله؟ اللات والعزّى هذه المرّة تجليّا بصورة مسجد رسول الله ومسجد النبيّ، لقد تجلّت تلك الأصنام هذه المرّة بصورة جمع الغنائم وفتح البلدان. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

7
  • عندما جرّ عمر الجيوش إلى إيران كان يريد أن تتوسّع فتوحات الخليفة الإسلاميّ، كان يبحث عن التوسّع، من يقوم ويقف أمام الحقّ بنحو ويقف أمام أمير المؤمنين عليه السلام بنحو ويواجهه بنحو فيقول: لا أتحمّله حيًّا وميّتًا. لا أستطيع أن أراه في زمان حياتي ولا في زمان مماتي، كم كان إنسانًا عجيبًا! أنت إذ تموت الآن فعلى الأقل أوص إلى عليّ، يقول: لا. أصلاً لا أحتمل في مماتي أيضًا أن يجلس هذا مكاني. فأيّ حقد كان لديه واقعًا. أيّ عناد كان لديه... عجيب جدًّا واقعًا علينا أن نستعيذ بالله. ثمّ بعد ذلك يأتي إنسان كهذا فيحترق قلبه على الإسلام ويفتح إيران ويفتح الروم ويفتح هذه الناحية وتلك؟! إنّه يريد بعنوانه خليفة المسلمين أن يقول إنّ الأراضي الإسلاميّة بحمد الله قد توسّعت كثيرًا، بحمد الله صارت الأراضي الإسلاميّة واسعة، بحمد الله صار المسلمون في جميع الأماكن. بحمد الله صارت الحكومة الإسلاميّة كذا وكذا وكذا...

  • ألم يكن الأمر كذلك في زمان الخلفاء العبّاسيّين؟ ألم يكن الأمر كذلك في زمان الحكومة العثمانيّة؟ لقد كانت الحكومة العثمانيّة مؤلّفة من أربع وثلاثين دولة وكانت عاصمتها اسطنبول، وكانوا يدعونها بابا هادي. فهذه كانت مركز الحكومة العثمانيّة التي قسّمت بعد الحرب العالميّة الأولى إلى دويلات صغيرة حتّى بقيت هذه الدولة التركيّة الموجودة الآن. أربع وثلاثون دولة كانت تحت راية الحكومة العثمانيّة، فهل كانت تلك الحكومة حكومة إلهيّة؟ من الذي كان جالسًا في مكان رسول الله ويقال له خليفة في النهاية؟ كان يقال للسلطان عبد الحميد العثماني خليفة رسول الله، وكان ينشر اسمه في جميع الأماكن على أنّه خليفة رسول الله ويضرب النقود باسمه، السلطان سليم العثماني كان يخطب كخليفة رسول الله، واقعًا كان يقول أنا خليفة رسول الله، وكان الناس أيضًا على دين ملوكهم، فهؤلاء كانوا يعملون هكذا، فهل كان هؤلاء واقعًا خلفاء رسول الله؟ أم لا بل كان الأمر يختلف؟ لا يطلب ما عند الناس ولا يبحث عنه؟ أمير المؤمنين عليه السلام يغسل بدن النبيّ صلّى الله عليه وآله ويدفنه، ويعلم ماذا يجري الآن في السقيفة، يعرف كلّ ذلك بكلّ وضوح، ولكن ماذا يفعل؟ يضحك، يضحك ويهزأ منهم، يقول: فليذهبوا وليقوموا بأعمالهم. أنتم نسيتم الأمس، لم تمض أربع وعشرون ساعة على كلام رسول الله على هذا المنبر: إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض، في هذا المسجد بعينه، لم تمض أربع وعشرون ساعة ونسيتم فهل ألحق بكم؟ اذهبوا لا بأس، أنا عليّ أن أدفن هذه الجنازة، بدن رسول الله، هذا ما طلبه الله الآن، هذا ما طلبه، لم يطلب منّي الله الخلافة الإسلاميّة الآن، لم يطلب الله منّي الحكومة الإسلاميّة، ولم يطلب منّي فتح البلاد نحو الروم وإيران ومصر واليمن، لم يطلب منّي تبليغ هؤلاء الناس الذين هم كالأنعام، لم يطلب منّي تأليف الكتب، لم يطلب منّي شهر السيف، الآن ماذا طلب منّي؟ التوقّف ودفن بدن النبيّ، توكّلنا على الله هذا هو المطلوب، انتهى الأمر! هذا ما أراده الله فقط منّي. أن أقف وأريق الماء وأغسّل بدن النبيّ وأدفنه. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

8
  • عجيب جدًّا! فليتأمّل الإنسان ويفكّر في هذه المعاني، والله شاهد لو أنّ الإنسان فكّر قليلاً بهذه المعاني فإنّ بدنه يتقطّع، بدنه لا يحتمل الدخول في الأمور الاعتباريّة. لقد أوضحوا لنا الأمور بشكل كامل، فهذا أمير المؤمنين بهذا الوضع وهذه الكيفيّة يأتي ويقول أيّها الإنسان يا من يتّبعني ويدّعي التشيّع لي! عليك أن تنظر ما هو تكليفك، فلا يأتي إليك الهوى، ولا تتمثّل اللات العزّى لك على أنّهما الله، ولا تأتي الأمور الاعتباريّة والدنيويّة بدلاً من الله ورضاه وتخطف قلبك، يجب أن لا يغيّر طريقك هذا المقام والأمر والنهي إلى هذا الجانب وذاك. انظر ماذا أفعل أنا؟ فبدلاً من الذهاب إلى السقيفة أعمل على غسل بدن النبيّ، هذا هو فقط. 

  • واللطيف أنّ أمير المؤمنين كان ذات يوم يمشي في الطريق ـ كنت أريد أن أقول هذه النقطة ـ وكان مطاطئ الرأس، فقد كانت قد انتهت تلك الصلوات والسلامات، وعليّ بطل أحد وخيبر وكذا، وقالع باب خيبر قد انتهى أمره، جاؤوا وأخذوا الحكومة وأخذوا الخلافة، وجلسوا على المنبر وحاربوا وحاصروا المخالفين جميعًا في أماكنهم واستقرّت الحكومة، كان أمير المؤمنين مطأطئ الرأس يمشي جانب الطريق، فرقّ قلب أحدهم عليه فقال: انظروا إلى عليّ هذا كيف صار حاله؟! كان يقول: انظروا إلى أيّ حال انتهى عليّ؟ فسمعه أمير المؤمنين فضحك أمير المؤمنين ضحكة من تلك الضحكات، لا أنّه تبسّم فحسب، بل من تلك الضحكات، ولكنّ لسان حاله هو هذا: أيّها المسكين! الآن هو ملكي وخلافتي، الآن هو ملكي وخلافتي! ـ لم يقل له هذا ـ لقد وصلت للتوّ إلى هذا الملك. فهاتان نظرتان ورؤيتان. هذا يترحّم: انظر لقد سلبوا الخلافة من عليّ. الآن هو يذهب ويرجع بسهولة، يأتي بهدوء، يطأطئ رأسه ويذهب ويرجع، مسكين! أيّها المسكين فأيّ حزن وغمّ لديه؟! لقد كان واقعًا يشعر بالرحمة والرقّة! ولكنّه على قلب أمير المؤمنين برد وسلام، وليتنا كنّا في زمان النبيّ أيضًا جانبًا! ولكن كان هناك تكليف وكان لأجل نشر الإسلام! يقول الإمام: الآن مرحلة ملكي، لقد بدأت للتوّ مرحلة سعادتي، وستبدأ تعاستي وشقائي بعد خمس وعشرين سنة! عندما تأتون أيّها الناس الذين يشعرون الآن بالترحّم عليّ فتكسرون باب داري ولأجل الخلافة تطؤون الحسنين، أنتم أنفسكم! أنا الآن أفكّر في ذلك الوقت، ماذا عليّ أن أفعل الآن للمصيبة في ذلك الوقت؟ الآن هو وقت سعادتنا! لدينا ولاية، كلّ العالم بأيدينا، فماذا نريد بعد ذلك؟ ولا نريدكم أنتم لمائة عام! هذا لبّ ضمير أمير المؤمنين ونيّة أمير المؤمنين: لدينا الله، ولو مرّت مائة عام ولم نركم فإنّي أجلس في البيت أجمع القرآن، من أجل شيعتي الحقيقيّين الذين سيأتون لاحقًا ليستفيدوا من علومي ويتّبعوني، فأنا لأجلهم، لا لأجلكم أنتم الذين يدوس بعضهم بعضًا جريًا إلى السقيفة، فأنا أصلاً لا أعتني بكم! أنتم أيّها الجماعة لا أعتني بكم أصلاً! 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

9
  • العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

  • يقول الإمام الصادق عليه السلام: الإنسان الذكي هو الذي لا ينظر إلى ما في أيدي الناس، ولا يريد ما في أيدي الناس لأجل العزّة والرفعة. في القرآن الكريم يجعل الله العزّة مختصّة به وينسب الذلّة إلى الآخرين، فكم لدنيا في آيات القرآن: {هو العزيز الحكيم۱ وهو العليّ العظيم}٢ فهل آيات القرآن هذه عديمة الدقّة؟ هكذا قالها الله مثل الجريدة والمجلّة؟! أم لا، عندما يقول الله: {إنّ العزّة لله جميعًا...}٣ لا بدّ من البحث عن العزّة عند الله، فما مراده من هذه العزّة؟ العزّة تعني أن يغسّل أمير المؤمنين بدن النبيّ ثمّ يضحك من الجميع. تلك هي العزّة الإلهيّة، غيره ذليل حقير ووضيع وفي ظلمات الجهل عالق في مأزق الدنيا العفن! {إنّ العزّة لله جميعًا}. من هو الذي تسوؤه العزّة؟ العزّة مختصّة بالله والعزّة لله، كلّها لله. فجميعًا تأكيد لتلك الألف واللام التي في العزّة، كلّ العزّة، جنس العزّة، ماهيّة وطبيعة العزّة، وحقيقة العزّة والهويّة الخارجيّة للعزّة، كلّ ذلك مختصّ بذات الله، وقد بيّنا وأعلنّا للجميع وأوضحنا للجميع. 

  • بناء على ذلك كلّ ما يقع في طريق هذه العزّة فهو أيضًا سيكون عزيزًا. فلو أنّ إنسانًا جعل وجهته وفكره ونيّته في سبيل العزّة الإلهيّة، فإنّه سيكون عزيزًا بالعزّة الإلهيّة. وقد ذكرنا سابقًا في الآية الشريفة: {يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين ولكنّ المنافقين لا يعلمون.}٤ عندما نرجع إلى المدينة فإنّ الأعزّاء بين الناس، الوجهاء المعروفون سيلقون الآخرين خارجًا ويضغطون عليهم ويخرجونهم من المدنية. ولكن أعلن يا رسول الله: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين. }

  • فإذن المؤمن عزيز دائمًا، المؤمن مرفوع الرأس دائمًا، وإن كان يعدّ صغيرًا بين المجتمع، وإن كان يتعرّض للتوهين، وإن كان لا أحد يهتمّ ويعتني به، ولكنّه عزيز دائمًا. سيّد الشهداء عزيز أم لا؟ أمير المؤمنين عزيز أم لا؟ الإمام الحسن عزيز أم لا؟ ماذا صنعوا؟ لقد أخذوا سيّد الشهداء وقطّعوه إربًا إربًا فهل هناك أسوأ من ذلك؟ ولكن هل ذهبت عزّة الإمام الحسين أيضًا؟ من الذي يعلم الآن أين هو قبر يزيد؟ قبر معاوية في الشام معروف ومكانه معروف، "والرعاية الخاصّة" التي يرعاها له الشيعة معروفة!! بل وسائر الناس لا الشيعة وحدهم. 

    1. وردت في القرآن الكريم خمس عشرة مرّة منها في: سورة آل عمران، الآيات ٦ ـ ۱۸ ـ ٦٢ ؛ سورة إبراهيم الآية ٤؛ سورة النحل الآية ٦۰... 
    2. سورة البقرة، الآية ٢٥٥؛ سورة الشورى، الآية ٤. 
    3. سورة يونس، الآية ٦٥. 
    4. سورة المنافقين، الآية ۸. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

10
  • أحوال قبر معاوية ويزيد والذلّة الظاهريّة في الدنيا

  • ذهبت ذات يوم في إحدى الأسفار إلى دمشق لزيارة السيّدة زينب، فقلت: لنذهب إلى قبر معاوية ولنره؛ ففي النهاية هو خليفة المسلمين! فلنذهب لنرى الأوضاع هناك، فبحثت عدّة مرّات عن ذلك الزقاق الذي خلف المسجد الأمويّ فلم أجده، ومهما سألت الناس لم يكن أحد يخبرني! يعرفون! ولكن لم يكونوا يخبروننا خجلاً وحياء. في النهاية قال لنا رجل عجوز أترى تلك الخربة المغلق بابها؟ إنّها قبر معاوية! جئت فرأيت أنّي مررت من هناك عدّة مرّات، ولم أصدّق! ففي النهاية قبر معاوية خليفة المسلمين! مع كلّ تلك الأبّهة! صار بهذه الحالة وهذا الوضع! ذهبت ونظرت من خلف الباب فرأيت أنّه موضع للكلاب والقطط والأوساخ و... لقد أغلقوا الباب حتّى لا تزداد "الرعاية الخاصّة" من قبل الناس به! 

  • هذا قبر معاوية! أنت يا من جاء ووقف أمام أمير المؤمنين وأشعل الحرب وسبّب قتل الآلاف وماذا حصل؟ فهذا ظاهرك الذي نراه في النهاية، وباطنك في ذاك العالم الله يعلم ما هو! تفضّل.

  • أحوال قبر معاوية بن يزيد

  • ثمّ تقدّمت إلى الأمام لأنّي كنت أعرف أنّ هناك قبر معاوية بن يزيد قاتل الإمام الحسين، ولكن معاوية بن يزيد هذا ـ واقعًا عجيب معجزة إلهيّة في النهاية! ـ كان محبًّا لأهل البيت، مثل بعض أبناء هارون، فقد كان أحدهم يدعى قاسمًا، وكان قاسم هذا من أولياء الله ومن الأوتاد! كان والده على مسند الخلافة وهذا الشابّ كان من أولياء الله ومن الأوتاد، ومات في شبابه. والسندي بن شاهك قاتل موسى بن جعفر، ابنه كان من محبّي موسى بن جعفر والإمام الرضا عليهما السلام ومن شيعتهما! هذا عمل الله في النهاية! وليس بين الله وبين أحد قرابة! لا فرق، وهناك عكس ذلك أيضًا، كيف يأتي ابن الإمام عليه السلام؟! فذاك النوع أيضًا موجود، لا محاباة، لا علاقات بل فقط ضوابط. 

  • عندما وصل معاوية هذا إلى الخلافة بعد موت أبيه يزيد بن معاوية بقي في الخلافة شهرين، ثمّ صعد المنبر فقال: أيّها الناس! هذه الخلافة حقّ آل أبي طالب، وهي الآن حقّ لعليّ بن الحسين وأبي وجدّي غصبا الخلافة، وأنا الآن خلعت نفسي من الخلافة ثمّ نزل عن المنبر، فسمّه بنو أميّة، وبعد خمسة عشر يومًا توفّي، وانتقل إلى رحمة الله. وقالت أمّه: ليتني لم ألدك إذ فعلت هذه الفعلة، ليتك كنت كذا وعبّرت تعبيرًا وقحًا جدًّا. فقلت فلأذهب إلى قبر معاوية هذا وأرَه، وكان يبعد عن قبر معاوية جدّه ما يقارب الخمسين أو الستّين مترًا، وكان في مسجد، فذهبنا إليه فوجدنا أن يا له من مسجد نورانيّ! وكان هناك رجل عجوز نورانيّ، كان من أهل السنّة ولكن كانت له نورانيّة، فجلسنا معًا وتحدّثنا، تحدّثنا كثيرًا، عرف أنّنا من إيران ومن الشيعة. وكان هناك قبر مكتوب عليه: هذا قبر معاوية بن يزيد محبّ أهل البيت عليهم السلام. وأخذ ذلك الرجل العجوز الذي في المسجد ـ وكان مسجدًا صغيرًا ـ يحدّثنا عن خصوصيّاته ويبيّنها لنا. رأينا أنّه خبير في التاريخ، ومطّلع، ولديه اطّلاع على الحقائق. وكم كان قبرًا نورانيًّا! وكانت نورانيّة هذا القبر قد تركت أثرها على المسجد! انظروا، بينهما سبعون مترًا لا أكثر! ولكن هذا هكذا وهذا جدّه! كانت القطط والكلاب تذهب إليه وتبرز اهتمامها به! وهذا قد دفن في المسجد كمحبّ لأهل البيت. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

11
  • فأيّهما عزيز الآن؟ لمن العزّة الآن؟ لأيّهما؟ هل العزيز الآن هو يزيد بن معاوية أم سيّد الشهداء؟ هل العزيز الآن معاوية أم أمير المؤمنين؟ هذا في الظاهر، أمّا في الباطن فالله أعلم كيف هو حالهم. {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين}. العزّة مختصّة بالله، ولا بدّ من طلبها من الله لا فيما عند الناس. 

  • رؤية جمهور الناس للعزّة

  • فرؤية جمهور الناس والجهلاء لموضوع العزّة يختلف عن رؤية أهل التوحيد. الجهلاء في كلّ صنف وفي كلّ طبقة كانوا يرون العزّة في العدد، العزّة في الأمر والنهي، العزّة في المناصب الدنيويّة، وإن كان لها صبغة إلهيّة، العزّة في كثرة الناس والأعوان. هذه رؤية أهل الدنيا والنفاق. عندما يأتي الناس فإنّهم يشعرون بالعزّة، ولو لم يأتوا فإنّهم لا يشعرون بالعزّة. إذا اجتمعوا يشعرون بالعزّة، إن لم يجتمع الناس فإنّهم يشعرون بالذلّة. 

  • كنت أقرأ يومًا في الجريدة أنّ مسؤول أحد البلدان كان يريد أن يذهب إلى مكان، وكانت له مكانة وموقع، وكان هناك خلاف بينهم وبين أحد الدول المجاورة. ثمّ عندما أراد أن يذهب إلى ذلك المكان قال: الآن نحن نريد أن نذهب إلى هناك وهؤلاء لا يهتمّون بنا، فعلى الأقلّ لنقم بعمل يجعلنا إذا ذهبنا يهتمّون بنا قليلاً. فأيّ أفكار هذه؟! إنّها أفكار جاهليّة في النهاية! نحن نذهب إلى هناك، يرون دولة مهزومة أمر لا أحد يبالي بها. ولكن لو قمنا بحركة أو بعمل لقالوا: لا هؤلاء أيضًا... هذه النظرة نظرة أهل الظاهر. أمّا نظرة أهل التوحيد والتي عرّفنا إليها الإسلام فماذا تقول؟إن ربحت أو خسرت فلا فرق لا فرق، هذه العزّة له. 

  • قصّة نجاة رسول الله من يد مشرك 

  • في إحدى الحروب وقبل أن تشرع الحرب، كان رسول الله قد ذهب إلى مكان ليستريح، فقد كان متعبًا، كان من الليل حتّى الصباح ساهرًا ويسير، فغلبه النوم، وكان قد ابتعد قليلاً عن الجيش، وذهب إلى ظلّ شجرة ليستريح، وكان أحد المشركين يراقبه، فبدّل ملابسه وجاء، رفع السيف فوق رأس النبيّ، فأيقظه من النوم وقال له: قم! وذكر اسم النبي، ولم يكن يعتقد أنّه رسول الله ـ يا محمّد من ينجيك منّي؟ من يمنعك منّي؟ والنبيّ الآن نائم وهذا الرجل فوق رأسه فهل هناك وضع أكثر خطورة من هذا؟! فلا السيف في يد النبيّ ولا هو جالس، بل نائم. فلو كان رستم أيضًا لما استطاع أن يصنع شيئًا. وهذا واقف بسيفه فوق رأسه وقال من يستطيع أن ينجيك؟ فقال النبيّ: الله! بكلّ هدوء! هكذا، بدون أن يتحرّك، واضعًا يده تحت رأسه قال: الله! واقعًا سهل أن تقال، ولكن وفّقنا الله لكي تكون لنا هكذا حالة من العبوديّة والتسليم والرضا، لكي ندرك في أيّة حال كان النبيّ. هكذا لم يحرّك يده! لم يتعب النبيّ نفسه بتحريك يده! بل كانت لا تزال تحت رأسه! 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

12
  • لا تظنّوا أنّ النبيّ كان يعلم أنّ الله سيحفظه، لا أبدًا! ربّما كان يحتمل أن يسقط السيف عليه! لم يكن واقع الأمر أنّه مرتاح البال، لا! فلو كان كذلك لما كانت هناك مهارة! لو علم إنسان أنّ هذا الذي يمسك بالسيف سيتحوّل فجأة إلى صنم، فلو كنّا نحن أيضًا لما حرّكنا أيدينا. كلاّ ، بل كان النبيّ يحتمل أن ربّما كانت المشيئة الإلهيّة أن يأتي هذا ويضربني. لقد كانت حال النبيّ أنّه لم يكن يرى إلا الله وكان يرى الأمور منتسبة إليه، هذا هو المهمّ. وإلاّ فإنّ الرجل الآليّ أيضًا لا يقوم بشيء حتّى يأمر الإنسان ذلك البرنامج، بل يبقى مثل العمود. 

  • وبينما كانت يد النبيّ تحت رأسه قال: الله! الله يمكنه أن ينجيني! فانظر الآن! ما إن رفع السيف ليَهوي به، هبّت ريح فصدمته فوقع على الأرض على وجهه. فقال النبيّ الدور الآن دوري! أخذ السيف ووقف فوق رأسه وقال: من يستطيع أن ينجيك منّي؟! فتلعثم، فقال له النبيّ: قل سريعًا الله! لماذا تنتظر؟! قل الله بسرعة! فقال: الله وأسلم ووفّق للإسلام. 

  • والنقطة المهمّة هنا هي أنّ النبيّ عندما حمل السيف ووقف فوق رأسه كانت حالته عين حالته عندما كان نائمًا ولم تختلف أبدًا. فنوم النبيّ ووضعه يده تحت رأسه وقوله: "الله"، لا يختلف عن إمساكه السيف بيده ووقوفه فوق رأسه. لا أنّ اطمئنانه هنا كان أكثر، ولو كان أكثر لما كان نبيًّا. له حالة واحدة، ولكن نحن لسنا كذلك. نحن عندما ننزع سلاحنا نقول كما يريد الله وكما يحبّ الله، ولكن ما إن نفعل شيئًا ونحصل على قدرة نقول: الله، ولكن في باطنها أيضًا أنّنا نحن نملك أيضًا شيئًا ما! لدينا بندقيّتان، لدينا السلاح كذا، نحتفظ لأنفسنا بذاك الشيء، فلنتحدّث الآن، ولنقل. ولذلك نحن لن نصل إلى مرتبة النبيّ يومًا! فلا فرق بين حالته حين كان نائمًا وحالته حين كان السيف في يده. يعني هو يقول: قل الله بذلك الاطمئنان الذي كان لديه حينما كان السيف في يده، وبه عينه يقول الله حين نومه! وبالحال نفسه يقول الله لو كان في يده سيف وحربة وأسلحة! لماذا؟ لأنّ النبيّ يعلم جيّدًا أنّه لو اختلفت حاله بمقدار رأس إبرة عن حالة نومه، فإنّ تلك الريح التي ألقت ذلك المشرك بعينها ستأتي وتلقي بالنبيّ! هذا ما يعلمه النبيّ. ألم تأت الريح فألقت المشرك أرضًا؟ لقد سقط السلاح من يده، وأمسك به النبيّ. والنبيّ يعلم أنّه لو حسب حسابًا لهذا السيف ولو بمقدار واحد من ألف وخرج من تلك الحالة التي كان عليها حين نومه، فإنّ تلك الريح بعينها تأتي وتلقي النبيّ أرضًا وتجعل السيف في يد ذاك من جديد! الله لا يحابي أحدًا. لا يتهاون مع ذلك المشرك ولا مع النبيّ، حتّى إنّه مع النبيّ لا يتهاون أكثر، فالأمر مع النبيّ أشدّ. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

13
  • وكلّما كانت معرفة الإنسان أكثر فإنّ عمله يغدو أصعب. لذلك فإنّ النبيّ يعلم جيّدًا أنّه في النظام الإلهيّ لا تسمح الغيرة الإلهيّة أن يجعل الإنسان دخلاً لغيره وغير أسمائه وصفاته وإرادته. فبالنسبة إليّ لا فرق بين النبيّ وهذا المشرك، كلاكما يجب أن تقولا الله، ويجب أن تقولا الله بطريق واحدة وأسلوب واحد، فقولا الله ولا فرق. لذلك يقول النبيّ هنا: قل الله! قل الله وإلاّ ستأتي الريح الآن! ومن هي تلك الريح؟ إنّها جبرائيل في النهاية! جبرائيل وميكائيل يأتيان على هيئة العاصفة، وهذه الحوادث الماديّة والفيزيائيّة، إذا تعلّقت إرادة يحصل تصرّف في المادّة فتظهر بهذه الهيئة، {وما ذلك على الله بعزيز.}۱

  • لذلك فهذا هو السبب الذي يجعل أولياء الله يراعون هذا الأمر في علاقاتهم. في حركاتهم في أمورهم، ينسبون العزّة لله وحده، يمضون إلى حيث رائحة للّه، يتمايلون إلى حيث لا وجود للنفس، وحيث يجدون أنّ النفس تريد أن تتدخّل، الموقع يريد أن يتدخّل، الأمور الأخرى تريد أن تتدخّل [يفرّون].

  • كنت أشارك ذات يوم في إحدى صلوات الجمعة، فتأسّفت كثيرًا، واقعًا علينا أن نقول للناس غير هذه الأمور، فقد مضى زمان هذه الأمور. ففي مرحلة الحرب بين إيران والعراق وهجوم النظام الإلحاديّ العراقي واعتدائه على البلد الإسلاميّ، في تلك المرحلة من التلاطم والتصادم بين الطرفين، أحيانًا كان هذا الطرف يتقدّم، وأحيانًا ذاك، ففي النهاية حرب، والظروف تختلف في الحرب. وكان ذاك الخطيب يريد أن يطمئِنَ الناس كيلا ييأسوا، ولا يحزنوا، فكان يقول: لقد حصل هذا فلا تحزنوا ففي صدر الإسلام أيضًا كان الأمر كذلك، أحيانًا كان النصر للمشركين وأحيانًا كان للإسلام، ولكن في النهاية النصر للمسلمين. ثمّ رأينا ماذا حصل! 

  • ينبغي أن لا نتحدّث بهذه الطريقة! ينبغي أن لا نتحدّث هكذا! يجب أن يقال: إنّ علينا أن نقوم بالتكليف، فإن هزمنا أو انتصرنا فلا فرق! الأمر المهمّ هو القيام بالتكليف، التكليف الواقعيّ والصحيح. ونصرّ على القيام به، ونعمل به بشكل دقيق. فأمير المؤمنين ماذا فعل؟ علينا أن نقوم بما قام به أمير المؤمنين في النهاية! جلس في منزله خمسًا وعشرين سنة، ثمّ قالوا له تفضّل وكن خليفة، فلم يقبل وأجبروه بالقوّة وأجلسوه على مسند الخلافة، قال: بما أنّي صرت خليفة فلا بدّ أن تفعلوا بما آمركم. وأوّل عمل أقوم به هو أن تقتلعوا معاوية. ومهما قالوا: يا عليّ اصبر! قال: لا يمكن! يجب اقتلاع جرثومة الفساد هذه. وتحرّك وعبّأ الناس وبعد ثمانية عشر شهرًا تقع تلك الأحداث، ويهزم الإمام في الظاهر، ويرجع إلى قواعده. ولكن لا يختلف الحال أبدًا، الآن هُزمنا فنرجع إلى قواعدنا ونقيم صلاتنا! إن كنتم راضين بالتحكيم فتفضّلوا واذهبوا إلى التحكيم! أنا لست راضيًا بالتحكيم، أنتم راضون فاذهبوا وحكّموا، وإن لم تكونوا راضين فها أنا ذا. ثمّ رجع وحدثت قضيّة النهروان. والإمام يتحدّث مع الناس ويجهّزهم ويقول سأجهد أن أطهّر الأرض من هذا الجسم المنكوس٢ سأبذل كامل جهدي حتّى أعبّئ الناس لأزيل عن وجه الأرض هذا الإنسان المنقلب. وفي تلك الأثناء يأتي ابن ملجم وينهي الأمر، ومع ذلك لا يختلف الأمر. أنا أعمل فإن وفّقت فبها وإن لم أوفّق فلا بأس. لا يختلف الأمر ولو بمقدار اهتزازة على وجه الماء، لم يحصل حتّى هذا المقدار في قلب أمير المؤمنين. لماذا؟ لأنّه يرى العزّة لله. الآن يريد الله هكذا، فله الحمد، يريد أمرًا آخر، هو أخبر! عمل واحد وتكليف واحد...

    1. سورة إبراهيم، الآية ۱٩.
    2. . نهج البلاغه، الرسالة ٤٥:
      وَ سَأَجهَدُ فِى أَن أُطَهِّرَ الارض مِن هَذَا الشَّخصِ المَعكُوسِ وَ الجِسمِ المَركُوس.

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

14
  • وكلام الإمام الصادق عليه السلام هو عجيب واقعًا إذ كيف يلفت الإنسان ويبيّن له الحقيقة، ويذكّره بها! فلو لم تكن لدينا هذه الكلمات فماذا كان بإمكاننا أن نفعل؟ واقعًا، لو لم تكن لدينا كلمات الإمام الصادق هذه فماذا كان بإمكاننا أن نفعل؟ من الذي يمكنه أن يبيّن لنا هكذا حقيقة عالم الكون واعتباريّة الدنيا؟ ولا يطلب ما عند الناس عزًّا وعلوًّا. لا يبحث عمّا في أيدي الناس لأجل العزّة، لماذا لا يبحث؟ لأنّه لا يرى العزّة في هذه الأمور، يرى العزّة في الله، ويرى العزّة في اتّباع أوامر الله وفي الانتساب إليه، يرى العزّة عنده. ولكن الآخرين ليسوا كذلك، نحن لسنا كذلك، نحن دائمًا نريد أن [نحصل على العزّة من أنفسنا].

  • تأليف الميرزا جواد الملكي التبريزي كتابًا واطّلاعه على تأليف الفيض مثله

  • رأيت بالأمس وبالصدفة قصّة عن الميرزا جواد الملكي التبريزي فقلت: من الجيّد أن أنقلها للرفقاء. إنّه رجل إلهيّ، لقد كان أحد أولياء الله، ولا كلام في ذلك، وصل إلى مقام الكمال، وإلى مقام العرفان، وإلى مقام التوحيد، ألّف كتابًا وبعد إتمامه وقعت عينه صدفة على أنّ الفيض الكاشاني قد ألّف كتابًا مثله في هذا المجال. طالعه فوجد أن يا له من كتاب نفيس للغاية! فشكّ هل كتابه أفضل أم كتاب الفيض الكاشاني رحمه الله ـ وطبعًا يبدو أنّ هذا الأمر لم يكن في أواخر حياته، كان سابقًا، هكذا يبدو من الأسلوب ومن القرائن والشواهد ـ فشكّ وتوسّل بالإمام الصادق عليه السلام، كان قد رأى رواية أو سمع من أحد الأعاظم أنّ من أراد أن يزور واحدًا من الأئمّة فيقرأ في ليلة الجمعة أو غيرها سورة إنّا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرّة، فيرى ذلك المعصوم في النوم ويزوره. فتوسّل بالإمام الصادق عليه السالم، وقام بهذا العمل. وفي الليل رأى الإمام وسأله هل كتابي أفضل أم كتاب الفيض رحمه الله. فسكت الإمام ولم يرد أن يؤذيه، هكذا فعل في النهاية. ثمّ التفت إلى الإمام وقال له: أومثلك يخيّب سائلاً؟ فقال له الإمام: كتاب الفيض أفضل. فأنهى الأمر لا نشر الكتاب ولا فعل به شيئًا آخر! وضعه جانبًا. 

العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين

15
  • فمن يرى العزّة في اتّباع الإمام الصادق عليه السلام لا يقول: لقد بذلت كلّ هذه الجهود فلأطبعه في النهاية، وليبق لي اسم في النهاية! ليبق خبر وليبق اسم و... كلاّ! كتاب الفيض أفضل، علينا أن نطبعه هو. هذا المنهج هو منهج الأعاظم وطريقهم هكذا. 

  • لقد بقيت أمور لم نذكرها وكما قلت فإنّ الرفقاء يسمحون لنا أن نختصر أكثر هذه الجلسات إلى وقت آخر إن شاء الله. 

  • إن شاء الله يوفّقنا لأن نستنّ بسنن أوليائه وأن يبيّن لنا حقيقة عالم الوجود والتشريع كما هي، وأن يجعل أقدامنا حيث مشت أقدام أوليائه بالحقّ وسلاك توحيده، وأن يبلّغنا ذلك المقام. وأن يديم علينا ظلّ وليّ العصر المبارك قطب عالم الوجود أرواحنا لتراب مقدمه الفداء في الدنيا والآخرة.

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد