2

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد

ودور أولي الأمر في التربية

2038
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةنظرات عقائدية ومعرفية

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

في هذه المحاضرة، سعى سماحة آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى بدايةً إلى بيان معنى الولاية وحقيقتها، ثمّ تحدّث عن علاقة أولي الأمر بالتوحيد والمعارف الإلهيّة، ليستنتج من ذلك أنّ مدرسة التشيّع هي مدرسة التربية؛ وفي الأخير، تطرّق لقصّة زيارة الحارث الهمدانيّ لأمير المؤمنين عليه السلام، مستعرضًا في ضمنها مجموعة من المسائل والنكات القيّمة.
/۱۰
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد

  • ودور أولي الأمر في التربية

  •  

  • مباني التشيّع – الجلسة الثانية

  •  

  • محاضرات ألقاها

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ

  • بارئِ الخلائقِ أجمعين، باعثِ الأنبياءِ والمُرسَلين

  • والصّلاةُ والسّلامُ على سيّدِنا ونبيّنا ومَولانا أصلِ الجودِ وعينِ الشّاهدِ والمَشهودِ؛

  • أبي الأکوان بفاعليّته وأُمِّ الإمکان بقابليَّتِه

  • حَبيبِنا وحَبيبِ إله العالمين أبي ‌القاسم محمّد

  • وعلى أخيه ووصيّه ووزيره وخليفته في أُمّته

  • ووليِّ کُلَّ مؤمنٍ ومؤمنةٍ من بعدِه، عليِّ بن أبي طالب أميرِ المؤمنين

  • وعلى الأحدَ عشرَ من وُلدِه، الأئمةِ الهُداةِ المعصومين

  • لا سیّما بقيَّةِ اللهِ في الأرَضين

  • ولعنةُ الله علی أعدائهم أجمعین

  •  

  •  

  • معنى الولاية وحقيقتها

  • قال الله الحکيم في کتابه الکريم:

  • ﴿أَلآَ إِنَّ أَوۡلياءَ ٱللَهِ لاَ خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلاَ هُمۡ يَحۡزَنُونَ ، ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ ، لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَى فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَفِي ٱلۡآخِرَةِ لاَ تَبۡدِيلَ لِكَلِمَٰتِ ٱللَهِ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ﴾.۱

  • الولاية عبارة عن التوحيد العمليّ؛ أي: الاعتقاد بالله تعالى، وبكونه هو المربّي في مقام الإكمال، وطاعته والتسليم لأوامره؛ وهذا يعني: إخراجُ الله تعالى من عالم المفاهيم، ومشاهدةُ أنواره وصفاته وأسمائه في عالم الخارج، وإحلالها في النفوس؛ فكلّ كمال يحصل عليه الإنسان إنّما يتحقّ بواسطة هذه المسألة؛ أي بواسطة الإقرار بتوحيد الله والتسليم لأوامره؛ وإلاّ، فإنّ مجرّد الاعتقاد بوجود الإله المفهوميّ الذي لا علاقة له بعالم الخارج، فهو أمر كان يُذعن به كافّة المشركين العرب.

  • ﴿(يا أيّها النبيّ) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ (أي المشركين) مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ (بأجمعهم) اللَّهُ﴾؛٢ إذ لا يوجد أيّ شكّ في هذا الإله: ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.٣

  • كلاّ! فلا يوجد أيّ شكّ في هذا الإله، والجميع متّفق على وجوده؛ وأمّا كلامنا، فيتعلّق بالإله الذي يكون كلٌّ من علمه وقدرته وحكمه نافذ، ويكون عالمـًا بالأسرار والخفايا، ومطّلعًا على أعمال الإنسان، ولم يخلق الإنسان في عالم الكون عبثًا، بل جعله مسؤولاً ومحاسبًا؛ فالإله الذي ينصبّ عليه الكلام هو الإله الذي كان المترفون والملأ ـ أي مستكبرو المجتمع ـ يُبعدون الناس عنه، فيدفعونهم إلى عبادة الأصنام، ليتمكّنوا بذلك من تحقيق مآربهم الشخصيّة.

  • فالولاية تعني: مشاهدة الإله الذي أوجد السماوات والأرض في مظاهر أسمائه وصفاته، بل حتّى في أصغر أسمائه الجزئيّة، والاعتقاد به، بحيث يرى الإنسان نفسه تحت قيمومة هذا الإله؛ فإذا تمكّن أحد من الوصول إلى هذا المستوى من الولاية، فقد تحقّق بالتوحيد العمليّ، وإلاّ، فلا؛ هذا، مع أنّ التوحيد اللفظيّ والمفهوميّ لا يُسمن ولا يُغني من جوع؛ فالتوحيد العمليّ هو الذي يُعين الإنسان ويأخذ بيده!

    1. سورة يونس، الآيات ٦٢ ـ ٦٤.
    2. سورة لقمان، الآية ٢٥.
    3. سورة إبراهيم، الآية ۱۰.

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

3
  • وتُشير الآيات القرآنيّة إلى أنّ كلّ نبيّ أتى من عند الله تعالى دعا الناس إلى التوحيد وطاعته: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾.۱

  • ففي سورة الشعراء، تكرّرت هذه العبارة عدّة مرّات، حيث دعا نبيّ الله نوح، ونبيّ الله لوط، ونبيّ الله صالح، ونبيّ الله شعيب أممهم بقولهم: أطيعوا الله وأطيعوني!

  • فعبادة الله تعالى لوحدها ومن دون طاعة الرسول ليست دينًا ولا مذهبًا؛ وما دامت عبادة الله لم تقرن بعدُ بطاعة النبيّ، فلن تكون هناك ولاية، بل سيكون هذا الإله خياليًّا ووهميًّا؛ والإله والوهميّ لا تحقّق له في الخارج. فالإله الذي تكون طاعته وعبادته مثمرةً هو الإله الذي يعرضه النبيّ، ويضع عددًا من التعاليم للوصول إلى معارفه، ويُحدّد دائرة أفعال الإنسان في مجموعة من الأفعال الخاصّة التي تحجزه عن الخيانة والغواية والتعدّي على الحقوق وظلم النفس، وتضعه في مقام العدل والحقّ، وتُحقّق كافّة مراتب العبوديّة في وجوده.

  • ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.٢

  • فما لم تتحقّق طاعة أولي الأمر، لن تتحقّق طاعة الله ورسوله؛ ولهذا، نلاحظ أنّ جميع خلفاء الجور الذين كانوا يأتون، ولكي يدعوا الناس إلى أنفسهم، ويبقوا جالسين على أريكة حكمهم الجائر، فإنّهم كانوا يعدّون أنفسهم أولي الأمر، ويقولون: «أطيعوا الله، وأطيعوا رسوله أيضًا؛ لكن، عليكم أن تُصغوا إلى كلامنا»، غير أنّ ذلك مخالف لمنطق القرآن!٣

  • علاقة أولي الأمر بالتوحيد وبلوغ المعارف الإلهيّة

  • فمنطق القرآن يقول:أولو الأمر هم الذين تكون دعوتهم هي دعوة الله تعالى ورسوله بعينها، وتكون هذه الدعوة واقعة في طريق التوحيد لأجل الوصول إلى المعارف الإلهيّة؛ فكلّ من لم يصل إلى درجة العصمة، ولم يكن بلوغه مقام الخلافة والوصاية عن طريق رسول الله، لن يُعدّ من أولي الأمر مادام لا يملك السيطرة على الأمور المعنويّة والتكوينيّة والتشريعيّة للناس.٤

  • ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.٥

  • أي: يا أيّها النبيّ، إنّ هؤلاء الناس وهذه الأمّة وهؤلاء الأفراد الذين آمنوا بك، لم يُؤمنوا ولن يُؤمنوا حتّى يُحكّموك في النزاعات والشجارات التي تقع بينهم، وتكون أنت ملجأهم وملاذهم، وتكون إرادتك هي الحاكمة على أصل وجودهم، ويلوذون إليك مباشرة من أجل إنهاء خلافاتهم وحلّ مشاكلهم؛ وبعدما تحكم بينهم، لا يرون في أنفسهم أيّ تعب أو انزعاج أو حرج من حكمك، بحيث يكون الذي حكمت عليه كالذي حكمت له؛ وأمّا إذا حكمت على أحدهم، فأحسّ في نفسه بانزعاج أو تعب أو ضجر، فلن يكون مؤمنًا. ﴿وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾؛ فعليه أن يصل إلى الحدّ الأعلى من التسليم؛ ففي ذلك الحين فقط، سيصير مؤمنًا.

    1. سورة الشعراء، الآيات: ۱۰۸، ۱۱۰، ۱٢٦، ۱٣۱، ۱٤٤، ۱٥۰، ۱٦٣، ۱۷٩.
    2. سورة النساء، الآية ٥٩.
    3. لمزيد من الاطّلاع على اختصاص لقب «أولي الأمر» بالسادة المعصومين عليهم السلام، وكذلك على أنّ خلفاء الجور كانوا ينسبون هذا اللقب إلى أنفسهم بغير حقّ، راجع: معرفة الإمام، ج ٢، ص ۱٤۷؛ ج ٩، ص ۱۱٦؛ ج ۱۸، ص ۱۷۸؛ أنوار الملكوت، ج ٢، ص ٥۱؛ حيات جاويد (فارسي)، ص ۱٢٥.
    4. لمزيد من الاطّلاع على تفسير وشرح الآية الشريفة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، راجع: معرفة الإمام، ج ٢.
    5. سورة النساء، الآية ٦٥.

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

4
  • ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَ قَلِيلٌ مِنْهُمْ ۖ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾.۱

  • أي: لو أنّا كتبنا عليهم وحكمنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم وارحلوا عن أوطانكم واخرجوا منها، لما أصغوا إلى كلامنا هذا وأوامرنا هذه، اللهمّ إلاّ قليلاً من المؤمنين؛ في حين أنّه لو خضع كافّة الناس لكلامنا، لكان ذلك جيّدًا جدًّا بالنسبة إليهم، ولأدّى إلى تثبيت أقدامهم في صراط التوحيد، والربط على قلوبهم، وصاروا ذوي عزم ويقين في طريق الله تعالى.

  • ﴿وَإِذًا لاَتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا﴾.٢

  • فيُقال للذي أعطاه الله تعالى العلم: لقد وهبه علمًا لدنيًّا؛ أي علمًا من لدنه تعالى؛ وهنا أيضًا، يكون الأجر الذي يأتينا من لدن الله تعالى مختلفًا عن الأجور الأخرى.

  • ﴿وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾؛٣

  • لا يُتصوّر فيه وجود أيّ اعوجاج أو انحراف أو إفراط أو تفريط؛ فيتحرّك وجودهم من ناحية الحياة الشخصيّة والاجتماعيّة والفرديّة والدنيويّة والأخرويّة، ومن جهة المعاش والمعاد، ومن جميع الجهات في اتّجاه الهدف المنشود وطريق الكمال على أساس معيار الحقّ والعدل وصراطهما؛ وهذا هو معنى الصراط المستقيم.

  • ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾.٤

  • وكم هو جيّد أن يعثر الإنسان على رفقاء، ويكون جلساؤه وأخلاّؤه من الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين!

  • ﴿ذَٰلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ﴾؛٥ فهذا فضل يهبه الله تعالى للذين فازوا في ظلّ طاعته بمجالسة الأنبياء والأولياء ومرافقتهم.

  • وهذه هي ثمرة الولاية؛ أي: نتيجة الطاعة.

  • مدرسة التشيّع هي مدرسة للتربية

  • ولهذا، فإنّ الأساس في مدرسة التربية هي العقيدة الشيعيّة المتكّئة على الولاية، حيث يُؤمن الشيعة بأنّه على جميع الناس الخضوع لتربية الإمام، والانصياع لأوامره، واجتناب نواهيه؛ فهذا هو الذي يوصل الإنسان إلى السعادة؛ وأمّا إذا قال هذا الإنسان: «أنا أعترف بوجود الله تعالى»، غير أنّه لم يرضخ لطاعة الإمام، فلن توجد في ذلك أيّة فائدة؛ لأنّ الإله المصطنع والخياليّ لن يُربّيه؛ وحتّى لو قال الإنسان: «أنا أؤمن بالله، وبرسوله أيضًا، وبالقرآن الذي جاء به هذا الرسول، لكنّني لن أنصاع للإمام، بل سآخذ بنفسي سنّة النبيّ، وأطالع الآيات القرآنيّة من تلقاء ذاتي، وأعمل بها»، فإنّه سيكون ضالاً، وعديم الفهم! وذلك لأنّه من الضروريّ وجود نبيّ [أو إمام] يُعلّم القرآن للإنسان، ويشرح له آياته، ويُميّز له الخاصّ من العامّ، والناطق من المنطوق، والمجمل من المبيّن؛ فالقرآن كلّيات، ولا يستطيع كلّ واحد أن يتعاطى بنفسه تفسيرَه بنحوٍ ما.

    1. سورة النساء، الآية ٦٦.
    2. سورة النساء، الآية ٦۷.
    3. سورة النساء، الآية ٦۸.
    4. سورة النساء، الآية ٦٩.
    5. سورة النساء، الآية ۷۰.

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

5
  • هذا، مع أنّ كافّة ظلمة العالم من خلفاء بني أمّية وبني العبّاس كانوا يستعينون بالآيات القرآنيّة في حكمهم الجائر؛ كما كانوا أيضًا يتّبعون سنّة النبيّ؛ لكنّهم كانوا يسوقون أنفسهم والناس بأجمعهم إلى جهنّم! فلا توجد أيّة فائدة مرجوّة من هذا الأمر.

  • فعلى الإنسان أن يُخضع نفسه للتربية؛ والولاية تعني أن يأتي ذلك الذي يكون عالمًا بالله تعالى وبرسوله وبحقيقة القرآن، وله القدرة على تمييز الصلاح من الفساد، والاطّلاع على الدواء الملائم لكلّ واحد، فيأمر الإنسان بأن يقوم بالفعل الكذائيّ؛ غير أنّ الناس لا يرضخون لهذا الأمر؛ لأنّه صعب. فالولاية مدرسة للتربية، لكنّ الناس لا يرغبون في هذه التربية؛ لأنّها تشتمل على الرياضة.

  • فالفَرَس يُحبّ أن يُمزّق لجامه، ويركض وسط مزارع الناس وحقولهم، وهو ينفر من الطبيعة الإنسانيّة، ومن الرضوخ للأوامر.

  • لكن، لكي يصل الإنسان إلى درجة الكمال، لا مناص له من التربية؛ فلم يُر لحدّ الآن أنّ الأطفال الذين يذهبون للمدرسة يجلسون في الصفّ بكلّ رغبة وعشق؛ فما إن يرنّ جرس الاستراحة، حتّى يخرجون بأجمعهم من الصفّ وهم مسرورين! وإذا أُخبروا يومًا ما أنّ المدير مريض، والمدرسة مغلقة هذا اليوم، ينتابهم السرور، ويقفزون في الهواء فرحًا، ويُعطّلون الدراسة؛ وأمّا إذا جرى إخبارهم في أحد الأيّام بأنّه: «هذا اليوم، تضاعف عدد دروسكم، وعليكم أن تبقوا في المدرسة ساعتين إضافيتين»، فإنّهم يُقيمون العزاء في ذلك اليوم. فالإنسان يفرّ بطبيعته من التربية، لكن، لا مناص من ذلك؛ ولكي يتربّى الصبيّ، عليه أن يذهب عند أستاذ، ويخضع لتربيته.

  • هيچ كس از پيش خود چيزى نشد***هيچ آهن خنجر تيزى نشد
  • هيچ‌ حلوائى‌ نشد استاد كار***تا كه شاگرد شكر ريزى نشد۱
  • [يقول: لم يصبح أحد شخصًا مهمًّا من تلقاء نفسه، فالحديدة لم تصبح خنجرًا حادًّا بذاتها

  • ولم يغدُ صانع الحلوى أستاذًا ماهرًا، إلاّ بعدما كان عاملاً ماهرًا في صبّ السكر]

  • فأمير المؤمنين يقوم بالتربية؛ ولهذا، تزداد المشاكل التي يُواجهها الشيعيّ؛ وفي كلّ زمان يكون الأمر بهذا النحو؛ لأنّ مدرسة الشيعيّ هي مدرسة البناء، حيث يسعى إلى بناء نفسه، وزوجته، وأولاده، وجاره، والبقّال الذي يتواجد بأوّل الزقاق، ويقوم بهذه المسألة بقدر ما يبلغه تأثيره وتصل إليه قدرته؛ غاية الأمر أنّ هذا البناء تكتنفه العديد من الآفات والموانع؛ ولهذا، يكون عُرضة للابتلاء على الدوام.

    1. شرح المثنويّ، شهيدي، ج ٥، ص ۱٩٣.

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

6
  • وعلى هذا الأساس، لدينا في الروايات: من كان من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام، عليه أن يُعدّ نفسه دائمًا للبلاء؛ أي للامتحان.۱

  • قصّة تشرّف الحارث الهمدانيّ بزيارة أمير المؤمنين عليه السلام

  • وتوجد رواية بديعة جدًّا ينقلها المرحوم الشيخ المفيد في كتاب الأمالي، والمرحوم الشيخ الطوسيّ في كتابه الأمالي، والمرحوم الإربليّ في كتاب كش الغمّة، وأبو القاسم الطبريّ الشيعيّ في كتاب بشارة المصطفى٢ بسند متّصل عن الأصبغ بن نباتة الذي كان من أصحاب أمير المؤمنين العظام، ومن الباذلين أنفسهم في هذه المدرسة: 

  • دَخَلَ الْحَارِثُ الْهَمْدَانِيُّ (همدان قبيلة من اليمن كان أهلها صلحاء جدًّا، وشيعة بأجمعهم، حيث كانوا في ذلك العصر من الشيعة ومحبّي أمير المؤمنين عليه السلام وأنصاره؛ كما كان الحارث الهمدانيّ أيضًا من المحبّين والشيعة، ووردت روايات عديدة في بيان فضله)‌ عَلَى‌ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام فِي نَفَرٍ مِنَ الشِّيعَةِ وكُنْتُ فِيهِمْ؛ فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَتَّئِدُ فِي مِشْيَتِهِ ويَخْبِطُ الْأَرْضَ بِمِحْجَنِهِ وكَانَ مَرِيضًا (أي أنّه كان مريضًا، فكان يحمل بيده عصا منعطفة الرأس،؛ ولهذا، كان يمشي بتؤدة، ويضرب الأرض بهذه العصا بشدّة حين مشيه)

  • فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام، وكَانَتْ لَهُ مِنْهُ مَنْزِلَةٌ فَقَالَ: «كَيْفَ تَجِدُكَ يَا حَارِثُ؟»،

  • فَقَالَ: «نَالَ الدَّهْرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنِّي (وأصابني بحالة من الضعف والعجز والمرض)، وزَادَنِي أُوَارًا وغَلِيلاً (وتسبّب في غضبي وامتعاضي واختلاجي وفوران باطني ممّا أدّى إلى اشتداد مرضي) اخْتِصَامُ أَصْحَابِكَ بِبَابِكَ»، 

  • قَالَ: «وفِيمَ خُصُومَتُهُمْ؟»، 

  • قَالَ: «فِيكَ وفِي الثَّلاَثَةِ مِنْ قَبْلِكَ (أي في مسألة الولاية)؛‌ فَمِنْ مُفْرِطٍ مِنْهُمْ غَالٍ،‌ ومُقْتَصِدٍ تَالٍ (فهو في درجة أدنى من الغلوّ والإفراط)، ومِنْ مُتَرَدِّدٍ مُرْتَابٍ‌ (بشأنك) لاَ يَدْرِي أَ يُقْدِمُ أَمْ يُحْجِمُ‌ (فيبقى متوقّفًا هكذا)» 

  • فَقَالَ: «حَسْبُكَ يَا أَخَا هَمْدَانَ!»؛ أي: اسكت يا أخي العزيز، فهذا يكفي؛ ويا أخي الهمداني، لقد فهمت مرادك!

  • «أَلاَ إِنَّ خَيْرَ شِيعَتِي النَّمَطُ الْأَوْسَطُ إِلَيْهِمْ يَرْجِعُ الْغَالِي وبِهِمْ يَلْحَقُ التَّالِي»؛ أي: يا حارث، إنّ أفضل شيعتي هي الطائفة الوسطى المقتصدة التي لا تتخطّى العدل والحقّ في الحوار؛ فعلى الغالين أن يلتحقوا بها في درجتها، وعلى المقصّرين الذين يُعانون من الشكّ والارتياب أن يرتقوا بأنفسهم، ويوصلوها إليها.

    1. تنبيه الخواطر (مجموعة ورّام)، ج ۱، ص ٢٢٣:
      «رُويَ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُحِبُّكَ! فَقَالَ: "اسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ"؛ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ! فَقَالَ: "اسْتَعِدَّ لِلْبَلاَء"».
      نهج البلاغة (صبحي الصالح)، ص ٤۸۸:
      «قال عليٌّ عليه السلام: مَن أحَبَّنا أهلَ البَيتِ فَليَستَعِدَّ لِلفَقر جِلبابًا».
      غرر الحكم ودرر الكلم، ص ٦٥۷:
      «قال عليٌّ عليه السلام: مَن تولاّنَا أهلَ البَيتِ فَليَلبَس للمِحن إهابًا».
    2. الأمالي، الشيخ المفيد، ص ٣ ـ ۷؛ الأمالي، الشيخ الطوسيّ، ص ٦٢٥ ـ ٦٢۷؛ كشف الغمّة، ج ۱، ص ٤۱۱ ـ ٤۱٣؛ بشارة المصطفى، ص ٤؛ مع اختلاف يسير في جميع المصادر.

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

7
  • فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ: «لَوْ كَشَفْتَ فِدَاكَ أَبِي وأُمِّي الرَّيْنَ‌ عَنْ قُلُوبِنَا، وجَعَلْتَنَا فِي ذَلِكَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِنَا»؛ أي: إنّ أملي ومناي أن تتحدّث إلينا قليلاً، وترفع هذا الرين الذي غطّى قلوبنا، وتُبصّرنا في أمرنا، وتجعلننا على يقين من هذا الأمر.

  • قَالَ عليه السلام: «قَدْكَ»؛ أي: كأنّه قال له: حسنًا جدًّا، سأفعل.

  • «فَإِنَّكَ امْرُؤٌ مَلْبُوسٌ عَلَيْكَ؛ إِنَّ دِينَ اللَّهِ لاَ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ بَلْ بِآيَةِ الْحَقِّ؛ فَاعْرِفِ الْحَقَّ، تَعْرِفْ أَهْلَهُ»

  • معيار معرفة دين الله تعالى

  • ومن هنا، يتبيّن أنّه: جرّاء الأعمال التي قام بها بعض الخلفاء السابقين، وبسبب الدعايات والإشاعات وبثّ الأجواء الحماسيّة، فإنّ الحارث بنفسه قد تزلزل قليلاً؛ أي أنّ تأثير عملهم أدّى إلى زعزعة حتّى الحارث.

  • قال الإمام عليه السلام: هذا يكفي، فأنت يا حارث رجل قد اشتبه عليك الأمر؛ فدين الله تعالى لا يُعرف بالناس، ولا بشخصيّاتهم، ولا بمكانتهم، ولا باستعلائهم؛ إِنَّ دِينَ اللَّهِ لاَ يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ بَلْ بِآيَةِ الْحَقِّ!.

  • وحينما نقل الدكتور طه حسين هذه العبارة ـ على ما يبدو ـ في كتابه "عليٌّ وبنوه" عن أمير المؤمنين، قال: «بعد كلام الله ورسوله، لا يُمكنكم أن تجدوا في جميع أرجاء الأرض كلامًا أقوى وأعلى من هذا الكلام».۱

  • فأمير المؤمنين عليه السلام يريد أن يقول: لقد قام الآخرون بإحداث جلبة، واستولوا على الخلافة، وملؤوا المساجد بالناس، وحشدوا الجيوش، فلا تخدعك هذه الأناشيد الصدّاحة والمبهرة؛ فدين الله تعالى لا يُعرف بعظمة هذه الأفعال وجاذبيّتها، ولا بالناس، بل يُعرف بآية الحقّ؛ فما دام الإنسان لم يعرف الحقّ، فلن يعرف أهله: «فاعرف الحقّ تعرف أهله»؛ أي أنّه عليك أوّلاً أن تُدرك الحقّ، حتّى تتمكّن من التعرّف على حاملي لواءه.

  • «يا حارِثُ، إنَّ الحَقَّ أحسَنُ الحَديث، وَالصّادِعُ بِهِ مُجاهِدٌ»

  •  «وبِالْحَقِّ أُخْبِرُكَ، فَأَرْعِنِي‌ سَمْعَكَ، ثُمَّ خَبِّرْ بِهِ مَنْ كَانَ لَهُ حَصَافَةٌ مِنْ أَصْحَابِكَ (أي الذين لديهم فهم عال، ومن ذوي الشخصيّات العلميّة، ويتّصفون بالرزانة)».

  •  «أَلاَ إنِّي‌ عَبْدُ اللَهِ وأَخُو رَسُولِهِ وصِدِّيقُهُ الأوَّلُ، قد صَدَّقْتُهُ وآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ؛ ثُمَّ إنِّي‌ صِدِّيقُهُ الاْوَّلُ فِي‌ أُمَّتِكُمْ حَقًّا (ففي عالم الأمر، صدّقتُه حينما كان آدم بين الروح والجسد؛ وفي عالم الخلق، كنت أوّل من صدّق النبيّ أيضًا).

    1. سيرى در نهج البلاغة (تُرجم باسم: في ظِلال نهج البلاغة)، ص ٣٥:
       ما أعرف جوابًا أروع من هذا الجواب الذي لايعصم من الخطأ أحدًا مهما تكن منزلته، ولايحتكر الحقّ لأحد مهما تكن مكانته بعد أن سكت الوصيّ وانقطع خبر السماء. المعرّب

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

8
  •  فَنَحْنُ الاْوَّلُونَ ونَحْنُ الآخِرُونَ، ونَحْنُ خَاصَّتُهُ (أي أنّنا مصطفون ومنتخبون) يَا حَارِثُ وخَالِصَتُهُ (فالخالصة تعني اللباب والعصارة؛ أي أنّ الرسول قام بجهد كبير، غير أنّ لبّ كافّة جهوده وعصارته تتمثّل في وجودنا نحن؛ فأنا تلميذ النبيّ وخالصته). 

  • «وَأَنَا صَفْوُهُ (أي مصطفاه) ووَصِيُّهُ ووَلِيُّهُ (أي الذي اختاره الرسول على جميع أمّته إلى يوم القيامة)، وصَاحِبُ نَجْوَاهُ (فهو صلّى الله عليه وآله وسلّم منع الجميع من مناجاته، سواي أنا الذي كنت أناجيه)، وسِرِّهِ».

  • «أُوتِيتُ فَهْمَ الْكِتَابِ»

  • يعني أنّني أفهم القرآن، وأدرك كتاب عالم التكوين، حيث سُئل أمير المؤمنين عليه السلام: هل كان جبرائيل يأتيك بالوحي؟ فقال عليه السلام: لا، اللهمّ إلاّ ما أعطانيه الله العليّ الأعلى من فهم الكتاب.۱

  • «وفَصْلَ الْخِطَابِ» 

  • أي أنّ فصل كلّ خطاب في العالم بيدي أنا، وأنا أعلم أيّه الصحيح، وأيّه الخاطئ؛ كما أنّني مطّلع على الحقّ والباطل في[كلام] كلّ واحد، مهما كان دينه ومذهبه وعلمه وصفاته.

  • «وعِلْمَ الْقُرونِ» 

  • فما المراد من علم القرون؟ المراد من ذلك أنّني عالم بالأقوام الذين أتوا، والسلالات التي أتت، وبنوع العلاقات القائمة بينها، وبأحوالها كيف كانت.

  • «و(علم) الأسْبَابِ»؛

  • أي علم القضاء والقدر؛ فهذه الحوادث والوقائع التي تحصل الآن، أنا مطّلع على العلل التي أثّرت فيها حتّى حصلت؛ بدءًا من إرادة الله تعالى، إلى أن تنزّلت في كلّ عالم من العوالم، حتّى وصلت إلى هذا العالم؛ فهذا هو علم الأسباب، وقد منحني الله تعالى إيّاه.

  • «وَاسْتُودِعْتُ أَلْفَ مِفْتَاحٍ يَفْتَحُ كُلُّ مِفْتَاحٍ أَلْفَ بَابٍ يُفْضِي‌ كُلُّ بَابٍ إلَى أَلْفِ أَلْفِ عَهْدٍ».

  • أي أنّ الله العليّ الأعلى قد استأمنني على مجموعة من الأسرار والمسائل واستودعني إيّاها؛ ومن ضمن ذلك، أنّه وهبني ألف مفتاح من هذه الأسرار، يُفتح لي بكلّ واحد منها عالم من عوالم الغيب والأسرار، ويُشرع أمامي بواسطته ألفُ باب، بحيث إنّ كلّ باب من هذه الأبواب يسوق الإنسان إلى ألف عهد وميثاق إلهيّ.

  • «و(علاوةً على ذلك) أُيِّدْتُ وَاتُّخِذْتُ وأُمْدِدْتُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ نَفْلاً»؛ 

  • فليلة القدر هي الليلة التي تتنزّل فيها جميع المقدّرات من عالم القضاء والقدر إلى السماء الدنيا، وتتجلّى على قلب الإمام؛ فعلاوة على كلّ ما سبق، فإنّ كافّة المقدَّرات التي تأتي إلى العالم كائنةٌ في قلبي ونفسي؛ وليلة القدر موجودة فيّ؛ أي أنّ ليلة القدر وجميع المقدَّرات التي تتنزّل بها الملائكة ﴿تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ﴾٢مكنونة في وجودي ونفسي.

    1. تفسير الصافي، ج ۱، ص ٣۱؛ نور ملكوت القرآن، ج ۱، ص ٢٩۰:
      رُوي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنه سئل: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ شَي‌ءٌ مِنَ الوَحِي سِوَى القُرْآنِ؟! قَالَ: «لاَ، وَالذي خَلَقَ الجَنَّةَ وَبَرَأ النَّسمَةَ، إلاَ أنْ يُعْطِيَ عَبْدًا فَهْمًا في كِتَابِهِ».
    2. سورة القدر، الآية ٤.

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

9
  • «وإنَّ ذَلِكَ يَجْرِي‌ لِي‌ ولِمَنْ اسْتُحْفِظَ مِنْ ذُرِّيَّتِي‌ مَا جَرَى اللَّيْلُ والنَّهارُ، حَتَّى يَرِثَ اللَهِ الاْرْضَ ومَنْ عَلَيْهَا».

  • أي أنّ هذه المسائل التي أخبرتك عنها، وهذا الإمداد بليلة القدر الذي وهبني الله تعالى إيّاه جارٍ وسارٍ في وجودي، وسيبقى للذي استحفظ الإمامة الإلهيّة من ذريّتي (وهم الأئمّة) ما دام الليل والنهار يتعاقبان على هذه السماوات والأرضين، وسيظلّ هذا السرّ إلى أن يرث الله العليّ الأعلى الأرض ومن عليها إلى يوم القيامة، حيث يوجد هذا السرّ الآن بيد إمام الزمان.

  • وأُبَشِّرُكَ يَا حَارِثُ! لَتَعْرِفَنِّي‌ عِنْدَ الْمَمَاتِ، وعِنْدَ الصِّرَاطِ (يوم القيامة)، وعِنْدَ الْحَوْضِ (أي حوض الكوثر) وعِنْدَ الْمُقَاسَمَةِ.

  • فإذن، كم هو عدد هذه المواضع؟ أربعة مواضع: الأوّل عند الموت، والثاني حينما يُريد الإنسان أن يعبر الصراط، والثالث عند حوض الكوثر، والرابع عند المقاسمة، حيث يرى الإنسان أمير المؤمنين بتلك الروح الملكوتيّة في هذه المواضع الأربعة.۱

  • قيمة الإنسان ما يحبّه ويطلبه

  • [قَالَ الْحَارِثُ: «ومَا الْمُقَاسَمَةُ؟»

  • قَالَ: «مُقَاسَمَةُ النَّارِ؛ قَاسِمُهَا قِسْمَةً صَحِيحَةً أقُولُ: هَذَا وَلِيِّي فَاتْرُكِيهِ، وهَذَا عَدُوِّي فخُذِيهِ».

  • ثُمَّ أخَذَ أمِيرُ الْمُؤمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِيَدِ الْحَارِثِ فَقَالَ‌: «يَا حَارِثُ! أخَذْتُ بِيَدِكَ كَمَا أخَذَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلهِ بِيَدِي؛ فَقَالَ لي وقَدْ شَكَوْتُ‌ إلَيهِ حَسَدَ قُرَيْشٍ والْمُنَافِقِينَ لي: "إنَّهُ إذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أخَذْتُ بِحَبْلِ اللهِ وبِحُجْزَتِهِ ـ يَعْنِي عِصْمَتِهِ مِن ذِي الْعَرْشِ تعالى ـ وأخَذْتَ أنْتَ يَا عليّ بِحُجْزَتِي، وأخَذَ ذُرِّيَّتُكَ بِحُجْزَتِكَ، وأخَذَ شِيعَتُكُمْ بِحُجْزَتِكُم".

  • فَمَاذَا يَصْنَعُ اللهُ بِنَبِيِّهِ‌، ومَا [ذَا] يَصْنَعُ نَبِيُّهُ بِوَصِيِهِ؟خُذْهَا إلَيْكَ يَا حَارِثُ قَصِيرَةً مِنْ طَوِيلَةٍ؛ أنْتَ مَعَ مَنْ أحْبَبْتَ ولَكَ مَا اكْتَسَبْتَ»؛ يَقُولُهَا ثَلاَثًا٢.٣

  • فَقَامَ الْحَارِثُ يَجُرُّ رِدَاءَهُ، وهُوَ يَقُولُ: مَا أبَالِي بَعْدَهَا مَتى لَقِيتُ الْمَوْتَ أوْ لَقِيَنِي.

  • قال جميل بن صالح: وأنشدني أبو هاشم السيّد الحِميَريّ رحمه الله فيما تضمّنه هذا الخبر:

  • قَوْلُ عليّ لِحَارِثٍ عَجَبٌ‌‌***كَمْ ثَمَّ أعْجُوبَةً لَهُ حَمَلاَ
  • يَا حَارِ هَمْدَانَ مَنْ يَمُتْ يَرَنِي‌‌***مِنْ مُؤمِنٍ أوْ مُنَافِقٍ قُبُلاً
  • يَعْرِفُني طَرْفُهُ وأعْرِفُهُ‌‌***بِنَعْتِهِ واسْمِهِ ومَا عَمِلاَ
  • وَ أنْتَ عِنْدَ الصِّراطِ تَعْرِفُنِي‌‌***فَلاَ تَخَفْ عَثْرَةً ولاَ زَلَلاَ
    1. نظرًا لعدم اكتمال الملفّ الصوتي لهذه المحاضرة، أتينا بتتمّة هذه المسائل من كتاب معرفة المعاد، ج ٢، ص ٩٤ ـ ٩۸. 
    2. وما أجمل ما نظم الشعراء الناطقون بالفارسيّة هذا المقطع من كلام المولى، كما في «أمثال وحكم» دهخدا، ص ۱٩٢٥، الذي أورده في المجلّد الرابع عن بابا أفضل:
      تا در طلب گوهر كانى كانى‌‌***تا زنده به بوى وصل جانى جانى
      في ‌الجمله حديث مطلق از من بشنو‌***هر چيز كه در جستن آنى آنى
      «يقول: ما دُمتَ في طلب معدن الجوهر فأنت جوهر، وما دُمتَ تعيش برائحة وصل الحبيب فأنت حبيب»«فاسمع منّي حديثًا عامًّا مُجملاً: كلّ شي‌ء تبحث عنه هو أنت».ونقل عن كمال إسماعيل:
      آدمى بر حسب خود همّت خويش افزايد***هر چه انديشه در آن بندد چندان گردد
      «يقول: إنّ البشر يرقى في همّته حسب قدر نفسه؛ فكلّما تعلّق الفكر في شي‌ء صار مثله».وأورد عن المولويّ:
      ميل تو با چيست ببين بى شك آنى بيقين‌***بنگر خود را كه چه‌اى زاغى يا باز وهما
      «يقول: انظر في أي شي‌ءٍ تنصبّ رغبتُك فأنتَ ذاك يقينًا؛ فتطلع لنفسك ما أنت: غرابٌ أم صقرٍ أو طائر اليُمن»وأورد عن الأوحديّ:
      هر چه ورزش كنى همانى تو***نيكوئى ورز اگر توانى تو
      «يقول: أي شي‌ء تمرّنت عليه كُنْتَهُ، فتمرّن على الإحسان إن كنت تقدرُ»وأورد عن عين القضاة الهَمَدَانيّ:
      جوياى هر چه هستى مى‌دان كه عين آنى‌***هر چه در بند آنى بندهء آنى‌
      هر چه دلبند تست خداوند تست‌و هر چه هواى تو خداى تو«يقول: اعلم أنك عين ما تبحث عنه، وأنّك عبد ما يقيّدك»«وإنّ ما يتولّه قلبك به إلهك، وإنّ ما تهواه وترغب فيه معبودك» (معرفة المعاد)
    3. ومن أجل تسليط الضوء على هذه الحقيقة، ما أحسن ما أورده المجلسي في «بحار الأنوار» طبعة الكمباني، ج ٢٢ (المزار)، ص ۱٣۸ و۱٣٩ عن «عيون» و«أمالي» الصدوق في ضمن رواية مفصّلة عن الإمام الرضا عليه السّلام نقلها الرَيّانِ بْنِ شَبيب، حيث قال له الإمام: «يا ابْنَ شَبيبٍ، إنْ سَرَّكَ أنْ يَكونَ لَكَ مِنَ الثَّوابِ مِثْلُ ما لِمَن اسْتَشْهَدَ مَعَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقُلْ مَتَى ما ذَكَرْتَهُ: يا لَيْتَني كُنْتُ مَعَهُمْ فَأفوزَ فَوْزًا عَظيمًا.يا ابْنَ شَبيبٍ، إنْ سَرَّكَ أنْ تَكونَ مَعَنا فى الدَّرَجاتِ الْعُلَى مِنَ الْجِنانِ، فَاحْزَنْ لِحُزْنِنا، وَافْرَحْ لِفَرَحِنا، وَعَلَيْكَ بِوَلايَتِنا؛ فَلَوْ أنَّ رَجُلاً تَوَلَّى حَجَرًا، لَحَشَرهُ اللهُ مَعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَة». معرفة المعاد (النسخة الفارسيّة)، ج ٢، ص ۱٤٢، الهامش. المعرّب

حقيقة الولاية وعلاقتها بالتوحيد - ودور أولي الأمر في التربية

10
  • أسْقِيكَ مِنْ بَارِدٍ على ظَمَأٍ‌***تَخَالُهُ في الْحَلاَوَةِ الْعَسَلاَ
  • أقُولُ لِلنَّارِ حِينَ تُوقَفُ‌ لِلْعَرْض‌‌***دَعِيهِ لاَ تَقْرَبِي‌ الرَّجُلا
  • دَعِيهِ لاَ تَقْرِبِيهِ إنّ لَهُ‌***حَبْلاً بِحَبْلِ الْوَصِيّ مُتَّصِلاً۱ و٢
  • يقول عليّ بن عيسى الأربليّ، وهو أحد كبار علماء الشيعة، في كتاب «كشف الغمّة في معرفة الأئمّة»: السيّد إسماعيل الحِمْيَرِيّ رحمه الله، كان كيسانيًّا يقول برجعة أبي القاسم محمّد بن الحنفيّة، فلمّا عرّفه الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام الحقّ والقول بمذهب الإماميّة الاثني عشريّة، ترك ما كان عليه ورجع إلى الحقّ‌ وقال به٣]٤.

  •  

  • اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد

    1. «مجالس المفيد»، طبع النجف الأشرف، ص ٢ ـ ٤؛ و«بحار الأنوار» كتاب العدل والمعاد بهذا السند عن المفيد؛ وأورده في «بحار الأنوار»، طبعة الآخوند، المجلّد السادس، ص ۱۷۸ ـ ۱۸۰ وفي«كشف الغمّة»، الطبعة الحجريّة، ص ۱٢٣ و۱٢٤ بدون ذكر السند. وأورده في «أمالي الطوسيّ»، طبع النجف، مطبعة النعمان سنة ۱٣۸٤ هجريّة، المجلّد الثاني، ص ٢٣۸ ـ ٢٤۰ بهذا السند: أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، عن محمّد بن عليّ بن مهديّ الكنديّ في الكوفة وغيره، عن محمّد بن عليّ بن عمرو بن ظريف الحجريّ، عن أبيه، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابليّ، عن الأصبغ بن نباتة. وذكره في كتاب «بشارة المصطفى»، طبع المطبعة الحيدريّة في النجف سنة ۱٣۸٣ هجريّة، ص ٤ و٥ بسند آخر، قال: أخبرنا الشيخ أبو البقاء إبراهيم بن الحسين بن ابراهيم الرقا البصريّ بقراءتي عليه في مشهد مولانا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام في المحرّم سنة ستّ عشرة وخمسمائة قال: حدّثنا الشيخ أبو طالب محمّد بن الحسين بن عتبة في ربيع الأوّل سنة ثلاث وستّين وأربعمائة بالبصرة في مسجد النخّاسين على صاحبه السلام، قال: حدّثنا الشيخ أبو الحسن محمّد بن الحسن بن الحسين بن أحمد الفقيه، قال: حدّثنا حمويه أبو عبد الله بن عليّ بن حمويه، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الله بن المطّلب الشيبانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ بن مهدي الكنديّ، قال: حدّثنا محمّد بن على بن عمر بن ظريف الحجريّ، قال: حدّثني أبي، عن جميل بن صالح، عن أبي خالد الكابليّ، عن الأصبغ بن نباتة. (معرفة المعاد)
    2. أورد في« بشارة المصطفي» بيتًا آخر:
      هذا لنا شيعة وشيعتنا***أعطاني اللهُ فيهم الأمَلاَ
      وقد وردت هذه الأبيات مع هذا البيت الأخير في «ديوان الحميريّ» ص ٣٢۷ و٣٢۸. وقال جامع الديوان إنّها منقولة في «أعيان الشيعة»، ج ۱٢، ص ٢٦٣؛ و«كشف الغمّة»، ص ۱٢٤؛ و«المناقب»، ج ٣، ص ٢٣۷؛ و«شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد»، ج ۱، ص ٢٩٩. (معرفة المعاد)
    3. قول ابن شهرآشوب في «معالم‌ العلماء» في باب بعض شعراء أهل البيت عليهم السلام ص ۱٣٤: كان السيّد في ابتداء أمره خارجيًّا، ثمّ صار من الكيسانيّة، ثمّ من الإماميّة. (معرفة المعاد)
    4. أورد السيّد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، ص ۱٩۱ و۱٩٢ بخصوص ترجمة أحوال السيّد الحميريّ ما يلي:«ومنهم: السيّد ابن محمد أبو هاشم الحميريّ، والسيّد لقب، يُراد به سيد الشعراء، واسمه إسماعيل بن محمد بن زيد بن ربيعة من حمير، كان من مشاهير الشعراء في وقته بالكوفة، وكان مجيدًا مُكثرًا لا مكثرٌ يعدله، قال ابن المعتزّ في التذكرة: وكان للسيّد الحميريّ أربع بنات كلّ واحدة منهنّ تحفظ أربعمائة قصيدة لأبيها، قال: وكان شاعرًا وسيمًا جسيمًا مطبوعًا حسن الأسلوب، محكم الشعر، أحذق الناس والماهر فيهم، نظم كلّ ما سمعه في فضل عليّ ومناقبه، ما مثله في نظم الحديث. قال [ابن المعتزّ]: "وكان شيعيًّا مُجاهرًا، مع أنّ أبويه لم يكونا على ذلك من حمير الشام، قال صبّت عليّ الرحمة صبًّا، فكنت كمؤمن آل فرعون".وحكى ابن كثير في تاريخه عن الأصمعيّ، انّه قال: "لولا أنّه يسبّ الصحابة في شعره، ما قدّمت عليه أحدًا في طبقته"قلت: لأنّه ليس فى عصره من يُدانيه في كلّ فنون الأدب والشعر، كان لا يُجارى ولا يُبارى، ذو طبع سيّال، وقريحة وقّادة، فصيح بليغ، سهل عذب الألفاظ، شعره مثل في الانسجام، لا مثله في العذوبة ولا في قدرة الإجادة، وإن طالت القصيدة، وكلّ قصائده طوال، وقد أكثر الناس الوضع والكذب فيه، ونسبوه إلى الفسوق، والوجه فيه ظاهر وكان في أوّل الامر كيسانيًّا، ثمّ استبصر واتّبع الحقّ على يد أبي عبد اللّه الصادق، وهو القائل فى ذلك:
      تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر***وأيقنت أنّ اللّه يعفو ويغفر
      ودنت بدين غير ما كنت رائيًا ***هداني إليه سيد الناس جعفر
      وقد صحّ ترحّم أبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام ثلاثًا كما في كتاب أبي عمرو الكشّي.وكانت وفاته ببغداد سنة تسع وقيل ثلاث وتسعين ومائة، قال في التذكرة: "في زمن هارون الرشيد"، وقد أرسل شرفاء الشيعة سبعين كفنًا لأجله، فلم يقبلها الرشيد، وكفّنه من عين ماله، وصلّى عليه المهدي العبّاسي على طريقة الإماميّة» انتهى. أقول [والقائل السيّد حسن الصدر]: «المهدي هو أبو هارون الرشيد، وقد مات سنة تسع وستين ومائة، فكيف قال: كانت وفاته في زمن الرشيد؟ فتأمّل فإنّ ابن المعتزّ ليس ممّن يتوهّم هذا الوهم؛ فلعلّ في نسخة التذكرة تصحيف في تاريخ الوفاة أو في اسم المصلّي سقط لفظة ابن فينبغي المراجعة ولا يسعني الوقت لها...» انتهى كلام السيّد حسن الصدر في كتابه تأسيس الشيعة.وأنا أقول: لا شكّ ولا ريب أنّ وفاة الإمام الصادق عليه السلام حدثت في شهر شوّال من سنة مائة وثمانية وأربعين؛ وطبقًا لما نقلناه عن الأعلام، ينبغي أن تقع وفاة الحميريّ في زمان حياة الإمام عليه السلام؛ وبالتالي، فإنّها لا تتطابق مع جميع التواريخ المذكورة في كتاب التذكرة. معرفة المعاد (النسخة الفارسيّة)، ج ٢، ص ۱٤۷، الهامش. المعرّب