المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني
المجموعةنظرات عقائدية ومعرفية
هو العليم
نظرات عقائديّة ومعرفيّة في بعض أصول الإسلام والتشيّع
محاضرة ألقاها
العلاّمة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سرّه
مقدّمة وتصحيح
آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سرّه
قال أميرُ المؤمنين عليه السلام:
«يا حارثُ! إنَّ الحقَّ أحْسَنُ الحَديثِ، والصادِعُ بهِ مُجاهِدٌ».
الأمالي، الشيخ المفيد، ص ٣
أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم
بسم الله الرّحمٰن الرّحيم
وصلّى الله على محمّد وآله الطيّبين
ولعنةُ الله على أَعدائِهم أجمَعين
مقدّمة
الكتاب الذي نعرضه بين أيدي القرّاء العزّاء هو سلسلة من المحاضرات التي عقدها المفكّر الخبير والعارف الواصل.. المرحوم العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه في مسائل معرفيّة وعقائديّة مختلفة.
ومع أنّ هذه المسائل تبدو في الظاهر مختلفة ومتمايزة عن بعضها، إلاّ أنّه بوسعنا النظر إليها بأجمعها مرتكزةً على محور واحد يُمثّل رؤية التشيّع لمسألة معرفة حقيقة الوجود، والسير باتّجاه منبع الحياة؛ ألا وهو: التوحيد ولوازمه وملزوماته، وكيفيّة الوصول إلى هذا الأفق الأسمى وهذه الذروة العليا.
وترتكز مدرسة أهل البيت عليهم السلام وأهل المعرفة والعرفان على محوريّة التوحيد في نظرتها لكافّة شؤون الحياة، وعالمي التكوين والتشريع، وحركة الإنسان وسيره إلى المبدأ الأعلى، وتعاليم الوحي المـُصاغة في قالب مجموعة من الأصول العقائديّة والتكاليف الظاهريّة والشرعيّة، ونظرتها بشكل عامّ لعالم التربية والتهذيب؛ إذ ترى أنّ شؤون الحياة، وعوالم الوجود بنحو عامّ خاضعة بأجمعها لإرادة الله تعالى ومشيئته، بحيث لا يكون لما سواه تعالى أيّ تشأّن وجوديّ ولو بمقدار جناح بعوضة؛ وهي مسألةٌ تتجلّى لنا بكلّ وضوح في كافّة الآثار والأدعية الواردة عن حضرات المعصومين عليهم السلام.
كما أنّ الآية الشريفة: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾۱؛وكذلك الآيتين: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا ، إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾،٢والآيات العجيبة الواردة بلسان التهديد: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ.﴾٣ كلّها تُشير إلى هذه النقطة الأساسيّة في عالمي التكوين والتشريع.
وهنا يظهر الفارق بين المدارس التوحيديّة والعرفانيّة الحقّة، وبين بقيّة المذاهب والمدارس المادّية والصوريّة، ولو تلبّست بظاهر شرعيّ وصبغة إلهيّة؛ كما يتبيّن أيضًا الاختلاف القائم بين نظرة أهل المعرفة ورؤيتهم المتطابقة تمامًا مع مدرسة أهل البيت والعصمة عليهم السلام، وبين بقيّة المذاهب.
يقول المرحوم العلاّمة الطهرانيّ:
يتمحور الدين الإسلامي حول التوحيد؛ أي أنّ العقائد والأحكام التكليفيّة وُضعت فيه على أساس هذه القاعدة؛ فيتسنّى للفقيه الحقيقيّ والعالِم الواقعيّ في مدرسة الإمام الصادق عليه السلام أن يُشاهد بكلّ وضوح سرَّ تنزّل الأحكام بالاتّكاء على هذا الأساس، حيث سيُحدث الفهم الصحيح لهذه المسألة ـ بالتأكيد ـ تأثيرًا بليغًا وحيويًّا بالنسبة إليه في كيفيّة استنباط الأحكام واستخراج التكاليف من مصادر التشريع؛ وهو الأمر الذي لن يكون متاحًا لبقيّة الأفراد العاجزين عن الوصول إلى هذا الأفق العالي والراقي، والحصول عليه.
لقد كان المرحوم العلاّمة يُشير دائمًا إلى هذه المسألة أثناء خطبه ومصنّفاته؛ إلى درجة أنّه لم يغفل عنها أبدًا حتّى في ضمن كلامه الخاصّ وكلامه العادي في حياته اليوميّة؛ فكأنّ المعنى الحقيقيّ لهذه الحقائق ومغزاها الرشيق قد عُجنا بلحمه وباطنه، بحيث لا يتسنّى له إدراك شيء مختلف عنها.
وأذكر في أيّام طفولتي أنّني سافرت إلى مدينة أصفهان برفقته ورفقة عدّة أصدقاء كان يتواجد بينهم أحد المدّعين للمعرفة والعرفان؛ وذات يوم، سألني في المجلس هذا الشخص المعروف عن معنى البيت الشعريّ الآتي:
تنها تویی تنها تویی در گوشه تنهاییام | *** | تنها تو میخواهی مرا با اینهمه رسواییم |
[يقول: أنت فقط، أنت فقط المؤنس لوحدتي، أنت فقط تَقبَلني رغم خزيي وعاري].
فلم أذكر أنا وأقراني أيّ جواب عن سؤاله، لكنّه قال بنفسه:
المراد من هذا البيت والدُ الإنسان الذي يكون في حالة قلق دائم بخصوص أحوال ابنه وشؤونه.
وفي ذلك الحين، قال المرحوم الوالد قدّس سرّه على الفور:
المراد هنا هو الله تعالى الذي يضع عبده تحت كنفه ورعايته دائمًا ومهما كانت الظروف.
وعليه، بوسعنا القول بكلّ جزم: إنّ كلمات المرحوم العلاّمة الطهرانيّ ومؤلّفاته نابعة بأجمعها من العوالم الربوبيّة والحقائق التوحيديّة المشهودة والمكشوفة لقلبه وباطنه الصافيّ، بحيث يتعيّن علينا إعمال الدقّة والتأمّل المناسبين حين مطالعتها ودراستها.
ويُسلّط الكتاب الذي بين أيدينا الضوء على قسم من مجموعة محاضرات هذا الرجل العظيم ومصنّفاته.
أدعو الله المنّان أن يهب الأحبّاء والأعزّاء الذين بذلوا جهدًا بليغًا في إعداد هذه السلسلة من المحاضرات التوفيقَ والسداد.
وما تَوفيقُنا إلاّ بِالله، عليه تَوَكَّلنا، وإلَيه المَصير.
بلدة قمّ الطيّبة، الرابع من جمادى الأولى ۱٤٣٩.
السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ.
اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد