1

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

7574
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةنظرات عقائدية ومعرفية

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

في هذه المحاضرة، سعى سماحة آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه بدايةً إلى بيان المحور الذي يدوره حوله القرآن الكريم؛ ألا وهو التوحيد، ثمّ تحدّث عن السرّ من وراء إيجاب الهجرة من دار الكُفر، ليستعرض بعد ذلك موقف الإسلام من مسألة اللامبالاة والاحتياطات غير المناسبة؛ مشيرًا إلى بعض النماذج من التاريخ الإسلاميّ على هذه المسألة، ومبيّنًا النتائج السلبيّة المترتّبة عليها؛ وفي الأخير، تطرّق للحديث عن أهمّ خاصّية للشيعيّ الحقيقيّ، مستعرضًا في ضمن كلّ ذلك مجموعة من المسائل والنكات القيّمة.

/۱۵
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

  • مباني التشيّع – الجلسة الأولي

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

2
  •  

  •  

  • أعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم

  • بِسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ

  • وَصلّى اللهُ عَلَى محمّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرين

  • ولعنةُ الله علی أعدائِهِم أجمَعین

  •  

  •  

  • التوحيد هو محور القرآن

  • القرآن المجيد له فلسفة خاصّة؛ بل إنّ لكلّ دين ومذهب ومدرسة فلسفة معيّنة، حيث يُراد من الفلسفة هنا: محور التفكير والتأمّل الذي تدور حوله كافّة تعاليم هذا الدين.

  • فمحور القرآن هو التوحيد، والقرآن يدعو إلى هذا التوحيد؛ كما أنّه يدعو ـ اعتمادًا على التوحيد ـ إلى المحافظة على المجتمع ووحدته، ويدلّ الإنسان على كافّة الطرق التي توصله إلى الله تعالى والتوحيد، ويصونه من جميع السبل التي تُعيقه في طريقه، حيث لدينا في القرآن المجيد أكثر من عشرين آية مفادها: يا أيّها المؤمنون، لا تُوادّوا اليهود والنصارى وأعداء الله تعالى، ولا تُصادقوهم، ولا تُخالطوهم، ولا تتّخذوهم أولياء!

  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾؛۱ 

  • ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ﴾؛٢ أي: لا تجعلوهم في حكم الثياب الداخليّة التي تلتصق بأبدانكم، ولا تُشاركوهم أسراركم؛ وإذا حصل بينكم تواصل، فليكن ذلك عن بُعد؛ لماذا؟ ﴿لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً﴾؛٣ لأنّ طريقهم وهدفهم مختلف عن طريقكم وهدفكم؛ فتراهم يُلاطفونكم ويُخالطوكنم ظاهريًّا، غير أنّهم لا يتحرّجون عن إصابتكم بأيّ فساد أو هلاك؛ لأنّهم لا يهدفون إلى سعادتكم، بل هدفهم مقصور على المادّة والحياة الدنيويّة والمادّية؛ ولهذا، لن يقصروا من أجل بلوغ هذا الهدف عن إشاعة أيّ خراب أو فساد فيكم؛ فهذه هو منطق القرآن.

  • السرّ في وجوب الهجرة من دار الكُفر إلى دار الإسلام

  • ولدينا أيضًا في القرآن الكريم أنّ الله لم يجعل للكافرين سبيلاً على المؤمنين؛٤ أي أنّه تعالى لم يجعل بتاتًا أيّ طريق يتمكّن من خلاله الكفّارُ من السيطرة والهيمنة على المسلمين، ولو في الجملة، حيث لا يُمكن للمؤمن أن يسمح بأن يأتي يوم يتسلّط فيه الكافر عليه؛ لأنّ الخضوع لحكم الكفر لا ينسجم مع منطق الإسلام.

  • هل تعلمون كم ضرب أمير المؤمنين عليه السلام بالسيف حتّى يخرج من تحت ولاية الكفر وحكمه؟! لأنّهم كانوا يقولون: «على المسلمين أن يرضخوا لحكمنا، ونحن لا نرخّص لهم في أن يعتنقوا دينًا بكلّ حرّية، ولا نسمح بوجود نبيّ في المدينة، كما لا نُجيز للمسلمين بأن يفعلوا كلّ ما يحلو لهم؛ كلاّ! عليهم أن يظلّوا تحت ولايتنا»؛ فأن يكون فرد مسلم واقعًا تحت ولاية الكفر هي مسألة لا تتلاءم أبدًا مع روح الإسلام؛ يعني أنّ هذه المسألة تُساوي ناقص الإسلام. 

    1. سورة النساء، الآية ۱٤٤.
    2. سورة آل عمران، الآية ۱۱۸.
    3. سورة آل عمران، الآية ۱۱۸.
    4. سورة النساء، الأية ۱٤۱: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

3
  • فإذا كان الأمر بهذا النحو، فإنّ كلّ مرتبة ودرجة من الإسلام نحوز عليها في حكومة الكفر تكون مجازيّة وغير حقيقيّة؛ وذلك كأن يذهب الإنسان ليعيش في باريس، ويُريد أن يُؤدّي صلاةً لحاله، غير أنّ نفسه وروحه تكون خاضعة لحكومة الكفر.

  • ولهذا، فإنّ الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة، بل إنّه من الخطأ تمامًا العيش في دار الكفر؛ وإذا ذهب أحد لكي يعيش في دولة أجنبيّة ـ مهما كان دافعه ـ ، فإنّه سيكون قد ارتكب محرّمًا؛ وأمّا إذا صار من مواطني هذه الدولة، فإنّ ذلك سيفوق الحرام، وسيكون حرامًا مؤكّدًا؛ ومن هنا، فإنّ كلّ من كان واقعًا تحت ولاية الكفر، بنحوٍ يكون القانون الذي يحكمه هو قانون الكفر، عليه أن يُخرج نفسَه من هذا القانون، ويأتي إلى دار الإسلام؛ فالهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة، حيث لدينا آية قرآنيّة صريحة بهذا المضمون؛ وحتّى إذا عاد الحكم إلى الإسلام، فإنّ الذين يعيشون في دار الكفر لا يستطيعون تسلّم الحكومة الإسلاميّة، إلاّ إذا رجعوا إلى دار الإسلام.۱

  • وعليه، إذا كنّا تحت ولاية الكفر، وأدّينا الصلاة والصيام، وتصدّقنا، وقمنا بالحجّ، وتزوّجنا، ومارسنا التجارة، وأدّينا كلّ الأعمال، ووضعنا المصحف على رؤوسنا ليلة القدر، فلأنّ راية الكفر تُرفرف فوق رؤوسنا، فلن تتمتّع هذه الأفعال بأجمعها بأيّة قيمة، وستكون فارغة ومجازيّة برمّتها! وأمّا إذا كنّا نعيش في ظلّ حكومة الإسلام، فإنّ هذا الإسلام سيدعونا إلى العمل الصحيح، والصلاة الصحيحة، والصيام الصحيح، والحجّ الصحيح، وسيدلّنا على كافّة الحقائق والواقعيّات؛ بل حتّى لو فرضنا أنّنا كنّا واقعين تحت حكم الإسلام من دون أن نؤدّي الصلاة ولا الصيام، وكنّا نرتكب ألف معصية، فإنّ ذلك سيكون أفضل من أن نكون خاضعين لحكم الكفر، ونؤدّي جميع أفعال الخير؛ وهذا بحث مفصّل يستدعي منّا ـ إذا كانت أحوال السادة الحاضرين تسمح ـ أن نجلس ونظلّ هنا للحديث عنه من الآن إلى الغروب، ولو شعرنا بالتعب؛ وحينما يحلّ الليل، نُصلّي المغرب والعشاء، ونُكمل الحديث عنه إلى الصباح، ونستمرّ في ذلك إلى أن يشاء الله تعالى؛ لكنّني أعلم أنّ أحوالنا لا تساعد على ذلك؛ ولهذا، سنختم الكلام عنه عند هذا الموضع.

    1. لمزيد من الاطّلاع على وجوب الهجرة إلى دار الإسلام، وحرمة السكنى في بلاد الكفر، راجع: معرفة المعاد، ج ٣، ص ٥٢ ـ ٥٦؛ ولاية الفقيه، ج ٢، ص ٢٤٣؛ ج ٣، ص ۱۱٩ ـ ۱٢٤.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

4
  • مخالفة النصوص الدينيّة لإظهار اللامبالاة تجاه مسألة الحكومة الإسلاميّة

  • فَسِرُّ هذه المسألة وروحها مستفادان من الآيات القرآنيّة والروايات الشريفة، والتي جاء فيها أنّ الإنسان الذي يبذل جهده ويعمل في ظلّ الحكومة الإسلاميّة ولأجلها يحصل على ثواب الشهيد؛ وحتّى إذا ارتكب معصية، فإنّ الله تعالى سيغفرها له؛ لكن، إن اختار الحياد، وأظهر اللامبالاة، ولم يُبد أيّ أهمّية لهذا الأمر، فحتّى لو أدّى الصلاة، ووضع كتاب "مفاتيح الجنان" تحت إبطه حتّى تمزّق۱، فلن يُفيده ذلك في أيّ شيء، شأنه في ذلك شأن عبد الله بن عمر الذي كان بعد وفاة رسول الله من المتظاهرين بالقداسة في المدينة،٢ حيث إنّ أمره هو بهذا النحو؛ فكيف يتسنّى للمسلم أن يكون لاأباليًّا؟! فحياة الإسلام متعلّقة بالحكومة الإسلاميّة؛ وفي هذه الحالة، كيف يُمكن للإنسان أن يكون لاأباليًّا؟! بل وأيّ معنى سيكون حينئذ لمسألة اللامبالاة؟!

  • ففي عيد الفطر، تحدّثت في الخطبتين اللتين ألقيتهما عن هذا الموضوع بالتفصيل؛ ولهذا، سأتحاشى الحديث عنه اليوم؛ لكنّ كلامي ينصبّ هنا على مسألة اللامبالاة، حيث أردت القول إنّها مسألة خاطئة؛ ولماذا هي كذلك؟ لأنّه ما معنى اللامبالاة؟ فإذا كان واحد على حقّ، والآخر على باطل، فإنّه على الإنسان أن يمشي مع صاحب الحقّ، سواء كان هذا أو ذاك؛ وحينئذ، ما الذي ستعنيه اللامبالاة؟! وذلك بأن يجلس الإنسان، ويقول: «أنا لست مع هذا، ولا مع ذاك؛ ولأدعهما يضربان بعضهما إلى أن يكلاّ، واللهمَّ اشغَلِ الظالِمين بِالظالمينَ، واجعلنَا بينَهُما سالمينَ غانمينَ»؛ لأنّ هذا كلام مجانب للصواب؛ إذ ما معنى: [اشغل] الظالمين بالظالمين؟ فهذا الكلام نابع من العمى وفقدان البصر! وما هو المراد من هذه العبارات؟! فهي ناشئة من عدم التربية طبقًا لمبادئ التربية الإسلاميّة، والتي تقول: إذا كان مسلم في هذه الجهة من العالم، وكان مسلم آخر يستغيث في الجهة المقابلة ـ حقيقة ـ ، بحيث كان واقعًا تحت الظلم، وبدأ يصرخ، ويقول: «أيّها المسلمون، أنقذوني»، وكان الإنسان قادرًا على الذهاب من هذه الجهة إلى تلك الجهة من العالم، ومتمكّنًا من إنقاذه، ولم يفعل، فإنّ الله تعالى سيكبّه في النار!٣

    1. كناية عن كثرة قراءته. المعرّب
    2. مروج الذهب، ج ٣، ص ۱٥؛ تاريخ الطبري، ج ٤، ص ٢٣۸؛ تهذيب الكمال، ج ۱٥، ص ٣٤۱، وقعة الطفّ، ص ٦٩.
    3. لمزيد من الاطّلاع على مسألة حدود الإسلام، راجع: ولاية الفقيه، ج ٣، ص ٢٤٦.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

5
  • فكم توجد لدينا من هذه الروايات؟ بل قولوا: كم لا يوجد لدينا منها؟! ففي الأساس، لا يوجد في كتبنا [الروائيّة] شيء غير هذا! فمهما كان الكتاب الذي فتحتموه؛ من قبيل الكافي ومن لا يحضره الفقيه، ومحاسن البرقيّ وكتب الشيخ الصدوق و...، فسوف تجدونه مشحونًا بهذه الكلمات، بل إنّ أساس الدين مبنيّ على هذه المسألة، وليس على مسألة الاحتياط، بأن يقول الإنسان: «لا يُمكنني يا سيّدي الذهاب إلى هناك للحرب؛ لأنّ يديّ ستتلطّخان بالدماء؛ وحينئذ، كيف سيتسنّى لي صبّ الماء عليهما حين حلول وقت الصلاة؟! كما أنّه يصعب الحصول على الماء هناك؛ وفي هذه الحالة، سيتعيّن عليّ اللجوء للتيمّم؛ هذا، وقد يصحّ التيمّم في بعض الحالات إذا تعذّر وضوء الجبيرة، وإلاّ، فعليّ أداء هذا الوضوء، بل ومقتضى الاحتياط أن أجمع بينه وبين التيمّم؛ ولهذا، من الأفضل ألاّ أخوض في هذه المسائل رأسًا، لكيلا أبتلى بتلك الأمور!!»؛ حسنًا، مرحى [بهذا التفكير]! وبورك لكم فيه! تفضّلوا وانظروا؛ فالرسول يصرخ بأعلى صوته: تعالوا! وأنت تقول: لا أستطيع المجئ! حسنًا، لا تأت، واجلس مكانك، فلا كلام لنا معك! ففي نهاية المطاف، لكلّ شيء حسابه الخاصّ يا عزيزي؛ وقد منح الله تعالى للإنسان عقلاً؛ وحينئذ، هل يجب علينا الدوس على عقولنا، ولا نحسب للمسألة أيّ حساب؟!

  • فالله تعالى جعل السعادة تحت ظلّ السيف: «إنّ الجنّةَ تحتَ ظِلالِ السيوفِ»۱؛٢ أي: حينما يتحرّك السيف، فتسطع عليه الشمس، ويقع ظلّه على رؤوس الكفّار والمشركين في ساحة الحرب، فإنّ الجنّة توجد هناك؛ فإذا كنّا جماعة ترى أنّ الجنّة واقعة تحت ظلال السيوف، فإنّه متى ما كانت السيوف المسلولة بأيدينا، فإنّنا سنكون من أهل الجنّة، وإلاّ، فلا؛ ولو تظاهرنا دائمًا بالقداسة، وسعينا على الدوام للتعرّف على المسائل الفقهيّة، و[بحثنا] باستمرار عن مسألة الشكّ بين الثلاث والأربع ركعات، وعن مقارنات الصلاة ومقدّماتها و...؛ مع أنّ لهذه الأمور مكانتها الخاصّة، وينبغي المحافظة عليها؛ لكن، ليس بأن يُعمل بجهة واحدة، وتُهمل الجهة الأخرى؛ فهذه المسألة تحظى بأهمّية بالغة.

  • حسّان بن ثابت وسعد بن أبي وقّاص نموذجان على مسألة الاحتياطات غير المناسبة

    1. في نسخة أخرى: من دون «إنَّ».
    2. جامع الأخبار، الشعيريّ، ص ۸٣.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

6
  • كان حسّان بن ثابت من الشعراء المشهورين في زمان رسول الله، وقد سرد أشعارًا جيّدة؛ كما دعا له النبيّ الأكرم، وقال له: «لَا تَزَالُ [إن شاء الله تعالى] مُؤَيَّدًا بِرُوحِ القُدُسِ مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِك‌»،۱ حيث ورد في دعائه هذا القيد: «مَا نَصَرْتَنَا بِلِسَانِك»، غير أنّه تراجع بعد ذلك.

  • لكنّ الشاهد هنا هو أنّه كان رجلاً جبانًا؛ فقد عمّر إلى سنّ الرابعة والتسعين، وكان عيبه أنّه كان جبانًا.٢

  • ففي معركة الخندق، ذهب رسول الله وكافّة المسلمين إلى خارج المدينة، وانهمكوا في حفر خندق وسط البيداء، غير أنّ حسّان لم يأت معهم بتاتًا من أجل الحفر، لأنّه كان يخاف؛ فمع أنّ الحرب لم تكن قد بدأت بعد، وكان المسلمون يحفرون الخندق، إلاّ أنّه لم يأت لحفره؛ وفي حين أنّ رسول الله والمسلمين برمّتهم ـ حتّى الشيوخ منهم ـ كانوا منهمكين في العمل، فإنّ حسّان لم يقدر حتّى على البقاء بالمدينة؛ خوفًا من يأتي بعض الأعداء الذين وصلوا إليها، ويُغيروا عليها؛ فكان مع جماعة من النساء والأطفال الذين أخرجوهم منها، وأسكنوهم في إحدى القلاع، حيث بقي وسط هؤلاء النسوة والأطفال من شدّة الخوف!

  • وشاهدُنا في هذه القضيّة أنّ صفيّة بنت عبد المطلّب ـ والتي كانت ابنة عمّة الرسول الأكرم ـ قالت: 

  • «كان معنا حسّان فى حصن فارغ يوم الخندق مع النساء والصّبيان؛ فمرّ بنا فى الحصن رجلٌ يهوديٌّ، فجعل يطوف بالحصن‌، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول ‌الله؛ وليس بيننا وبينهم أحدٌ يدفع عنّا؛ ورسول‌ الله والمسلمون في نحور عدوّهم (أي أنّهم ذهبوا للدفاع بأعناقهم)، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا إن أتانا آتٍ.

  • قالت: فقلت: يا حسّان! أنا والله لا آمن أن يدلّ علينا هذا اليهوديُّ أصحابه (فيأتون بأجمعهم، ويُغيرون على هؤلاء النسوة والأطفال، ويقتلونهم برمّتهم)؛ ورسول‌الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد شُغل عنّا؛ فانزِل إليه واقْتُله!

  • قال: يغفر الله لكِ يا ابنةَ عبد المطّلب! ما لي بالشجاعة؟!

  • قالت: فلمّا قال لي ذلك ولم أر عنده شيئًا، اعتجرتُ‌ (أي لففت نفسي، وأحكمتُ مثلاً شدّ رأسي ومقنعتي) ثمّ أخذت عمودًا ونزلت إليه، فضربته بالعمود حتّى قتلتُه؛ ثمّ رجعت إلى الحصن وقلت: ياحسّان! انزِل إليه واسلُبه (بمعنى: اذهب وأحضر سَلَبه؛ أي سيفه ولباسه و...؛ لأنّ كلّ من قتل أحدًا يملك سَلبه)! فإنّه لم يمنعني مِن سَلبه إلّا أنّه رجلٌ (فلا أريد أن أضع يدي على بدنه؛ فاذهب أنت وجرّده من ثيابه، وأحضر سَلَبه)!

    1. الإرشاد، ج ۱، ص ۱۷۷؛ الجمل والنصرة، ص ٢۱۷ ـ ٢٢٢؛ كنز الفوائد، ج ۱، ص ٢٦٩.
    2. الاستيعاب، ج ۱، ص ٣٤۸؛ أسد الغابة، ج ۱، ص ٤۸٤.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

7
  • فقال: يغفر الله لكِ يا ابنةَ عبد المطّلب، ما لي بسلبه من حاجة؟!».۱

  • وما نتيجة هذا الأسلوب من التفكير؟ نتيجته لا تتمثّل في ألاّ يقتل الإنسانُ اليهوديَّ، ولا تكون له حاجة في سلبه، ويجلس في مكانه بكلّ راحة، بل إنّ نتيجته تكمن في انتصار اليهود الذين سيأتون، ويُسيطرون على هذه القلعة بذاتها، ويقتلون نساءك وأطفالك بأجمعهم أمام عينيك يا حسّان بن ثابت، ويقطعون رأسك أنت أيضًا، ويرتكبون في حقّك مئات الأفاعيل التي تفوق القتل أمام عينيك؛ ومن هنا، فإنّ مسألة:

  • امر طبيعت‌ است كه بايد شود ضعيف***هر ملتى كه راحت وعيش خو كند٢
  • (يقول: إنّ قانون الطبيعة يقضي بالهوان على كلّ أمّة تأنس بالراحة والترف)

  • هي قاعدة كلّية.

  • كان سعد بن أبي وقّاص من شجعان زمانه، وكان أوّل رامٍ في جيش رسول الله، بل كان قائد الرماة في عهده، ومشاركتُه‌ في الحروب واضحة جدًّا، ويعتبره أهل السنّة من العشرة المبشَّرين بالجنّة،٣ لكنّه بعد ارتحال رسول الله، لم يبادر إلى بيعة أمير المؤمنين عليه السلام؛٤ وبعد مقتل عثمان حيث بايعه جميع المهاجرين والأنصار، تخلّف سعد أيضًا ولم يبايع أمير المؤمنين عليه السلام،٥ هل تعلمون لماذا؟ لأنّه كان "سعدًا"، وليس من شأن سعد أن يبايع عليًّا! حيث كان يرى نفسه من ناحية المكانة والشخصية الظاهريتين في نفس مستوى الإمام علي، وكان يقول: أنا لا أستطيع أن أدخل تحت إمرته٦؛ شأنه في ذلك شأن كلّ من عبد الرحمن بن عوف، وعمر، وأبي بكر، حيث لم يكن أمثال هؤلاء ليُبايعونه؛ فهؤلاء لم يتعرّفوا على تلك المكارم الأخلاقيّة ومراتبها، ولا على الولاية؛ فكانوا يقولون: نحن من الشَيَبَة ومن كبار القوم، وكنّا من حملة الرايات في زمن رسول الله، وعليّ رجل ونحن رجال؛ فلماذا ننقاد له؟ وهنا بيت القصيد! فسعد كان يقول: أنا قائد في جيش المسلمين، ويجب أن أبقى قائدًا، لا مقودًا .. هذا ما كان يدور في خاطره، فإنّ سعدًا وإن كان رجلاً مقدّسًا ومصلّيًا، لكنّ الانقياد لعليّ أمر غير مقبول عنده .. لماذا لا تبايع يا سعد؟ لا أعلم، ولا يوجد سبب معقول لذلك.

    1. السيرة النبويّة، ج ٢، ص ٢٢۸؛ الأمالي، الشيخ الطوسيّ، ص ٢٦۱؛ أسد الغابة، ج ٦، ص ۱۷٣؛ مع اختلاف يسير في كافّة المصادر.
    2. مشاهير سلماس، ج ٢، ص ۱٥٣ ـ ۱٥٥: [شعر غزليّ منسوب لنيمتاج سلماسي تحت عنوان: غزل كاوة]:
      ايرانيان كه فرَ كيان آرزو كنند***بايد نخست كاوه خود جستجو كنند
      آزاديت‌ به دسته شمشير بسته‌اند***مردان هميشه تكيه خود را بدو كنند
      اندر طبيعت است كه بايد شود ذليل***هر ملّتى كه راحتى وعيش خو كنند
      [تقول: إذا كان الإيرانيّون يأملون في الحصول على نور الظفر، فإنّ عليهم بدايةً أن يعثروا على بطلهم "كاوة"لقد عُقدت حرّيّتك بقبضة السيف، وعلى الرجال أن يستندوا دومًا على قبضات سيوفهم‌إنّ قانون الطبيعة يقضي بالهوان على كلّ أمّة تأنس بالراحة والترف]
    3. مسند أحمد، ج ۱، ص ۱٩٣.
    4. مروج الذهب، ج ٢، ص ٣٥٣.
    5. الكامل، ج ٣، ص ۱٥۱ و۱٦٢ و۱٩۱؛ تاريخ الطبريّ، ج ٤، ص ٤٢۸.
    6. الكامل، ج ٣، ص ۱٩۱:«وجاءوا بسعد بن أبي وقّاص، فقال عليٌّ عليه السلام: "بايع!" فقال: "لا، حتّى يُبايع الناسُ؛ واللهِ ما عَلَيكَ مِنّي بأسٌ!؛ فقال عليه السلام: "خلَوا سَبيلَه!"».

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

8
  • كان سعد يعتقد بأنّه إذا لم يبايع ولم يكن لا مع عليّ ولا مع معاوية، فإنّه سيبقى جانبًا إلى آخر عمره، إلا أنّ ذلك لن يحصل! فإنّه سوف يُبتلى في هذه الدنيا بأسوأ أنواع المحاكمات؛ حسنًا! أنت يا سعد الذي تعلم أنّ عليًّا هو الحقّ، لماذا وقفت جانبًا؟ وأنت الذي تعرف أنّ عليًّا هو الحقّ، وسمعت من النبيّ الروايات التي قالها في حقّ عليّ، لماذا نأيت بنفسك جانبًا؟!

  • لقد قدم سعد على معاوية بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام، وكان معاوية رجلاً شيطانيًّا ومكّارًا، ومن المفكّرين بقوّته الواهمة، وكان بحقّ من صنائع الشيطان في الدنيا، فقال له: «يا سعد، لِمَ لا تسبّ عليًّا؟»؛ فقد أمرتُ بسبّ عليّ على جميع منابر المسلمين، فلماذا لا تسبّه أنت؟ يعني أنّ ذاك الشخص الذي امتنع عن مبايعة أمير المؤمنين عليه السلام مجبور الآن على المجي‌ء والحضور عند معاوية جبّار زمانه؛ فهو الحاكم الآن، وفي كلّ مكان، الأمرُ والمالُ بيد معاوية، وعلى الإنسان أن يقبّل الأرض بين يديه أدبًا ليحافظ على أموره المعيشيّة؛ وحتّى سعد يجب أن يأتي، ويخضع لمحاكمة هذا الجبّار: «لماذا لا تسبّ عليًّا يا سعد؟!».

  • فقال سعد: لوجود ثلاث خصال فيه؛ ووالله لو نلت واحدة منها، لكانت خيرًا لي ممّا طلعت عليه الشمس.

  • قال: ما هي هذه الخصال الثلاثة؟

  • قال: الأولى: زواجه من فاطمة بنت النبيّ، وكانت فاطمة نور عين الرسول وأفضل النساء، فأعطى سرّه لعليّ بن أبي طالب، وزوّجه إيّاها؛ وكان منه بنون كالحسن والحسين أولاد النبيّ .. فهذه فضيلة لعليّ؛ وبزواجه هذا صار عليّ من أهل البيت، ومنتميًا لأهل بيت رسول الله؛ وما ورد في القرآن من آياتٍ بحقّ‌ أهل البيت، فهي شاملة لعليّ.. هذه الأولى؛

  • والثانية: في حرب خيبر، أعطى النبيّ الراية لأبي بكر ليقود جيش المسلمين لفتح الحصن، فذهب وعاد منهزمًا؛ وفي اليوم الثاني، أعطى الراية لعمر، فذهب وعاد منهزمًا، فقيل لرسول الله في المساء: عاد عمر مهزومًا، فقال الرسول: 

  • لأعطينّ الراية غدًا رجلاً يحبّ الله ورسولَه ويحبّه الله ورسولُه؛ كرّار غير فرّار يفتح الله بِيَده‌.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

9
  • وكنّا جميعًا نترقّب لمن ستُعطى الراية، ولم يكن أحدنا يتوقّع أن تُعطى لعليّ؛ لأنّه كان مصابًا بالرّمد في عينيه، ولم يكن يقدر على فتحهما أبدًا؛ وتساءل الجميع: من هو هذا الشخص الذي سيعطيه رسول الله الراية غدًا؟ 

  • وفي صباح اليوم التالي، طلب رسول الله أن يؤتى بعليّ، فقيل له: إنّه أرمد ولا يقدر على فتح عينيه، فقال: آتوني به! 

  • فأحضروه له، فوضع النبيّ على عيني عليّ شيئًا من لعابه، وفركهما، وقال: اذهب واحمل! فذهب عليّ وفتح خيبر؛ فهذه فضيلة لعليّ ليست لأحد سواه!

  • وقد نقل العلّامة في «منهاج اليقين» عددًا من فضائل عليّ بن أبي طالب اختصّ به، ولم يشاركه فيها أحد من الصحابة، وذكر هذه منها؛ فهذه هي الفضيلة الثانية؛

  • والفضيلة الثالثة: حين قال رسول الله في حقّه: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي»؛

  • فقد صاحب عليٌّ النبيَّ في جميع غزواته؛ وفي إحدى هذه الغزوات ـ وهي غزوة تبوك ـ عندما قرّر النبي عدم أخذ عليّ معه،‌ قال له: ابق في المدينة! وتولَّ أمر المسلمين فيها مدّة غيابي إلى أن نعود من الغزوة؛ فخرج الرسول من المدينة، وتوقّف في الجُرف على بُعد فرسخ من المدينة، فبدأ المنافقون يشيعون هنا وهناك أنّ الرسول قد غضب على عليٍّ، ولم يرض بأن يذهب معه، فتركه في المدينة لذلك، وقالوا له: إنّ الرسول قد صحب معه الشجعان، وعهد إليك تولّي أمر النساء والأطفال، والحفاظ على المدينة!

  • عند ذلك، ذهب أمير المؤمنين إلى رسول الله بالجُرف، وقال له: يا رسول الله! هل رأيت منّي سوءًا فلم تصحبني معك في هذه الغزوة بسببه؟ فقال له الرسول: لا والله! أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي‌؛ فمنزلتك عندي كمنزلة هارون من موسى ـ أي أنّ لك مقام الوصاية ـ، إلاّ أنّ الفرق بينك وبين هارون هو أنّ هارون كان لديه مقام النبوّة بعد النبيّ موسى، أمّا أنت، فلست بنبيّ، ولكنّك مثلي من جميع الجهات الأخرى، والآن يجب أن يبقى أحدنا في المدينة؛ إمّا أنت أو أنا. 

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

10
  • وقد نقل هذه الرواية كبار أهل السنّة؛ فوضعُ المدينة، ووضع المنافقين بها كان حسّاسًا، بحيث كان ينبغي أن يبقى فيها أحد هذين الشخصين؛ إما النبيّ أو عليّ، وإلّا، فمن الممكن أن يُفسدها أولئك المنافقون عبر تحريك بعض القوى الأجنبيّة؛ كسلطان الروم مثلاً أو غيره، خصوصًا أنّ هذه الحرب كانت ضدّ الروم؛ ولهذا، فقد خلّف الرسول أمير المؤمنين في ذلك المكان، كي يكون بمثابة وجود نفسه؛۱ وبما أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم بأنّه لن يُراق دمٌ في هذه‌ الغزوة، فلم يكن بحاجة إلى شجاعة عليّ؛ ولذلك أبقاه في المدينة، ولم يأخذه معه.٢

  • فقول رسول الله لعليّ: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»‌، منعني من سبّ عليّ، فلماذا أسبّه إذًا؟!

  • فقال له معاوية: «أأنت سمعت هذا الكلام من النبيّ؟»، قال: «نعم!»، وتعكّر صفوُه، وقام لكي يخرج من مجلس معاوية؛ فسعد أيضًا كان صاحب شخصيّة مرموقة، فكيف يقول له معاوية لماذا لا تسبّ عليًا لأجلي؟!

  • ويوجد في الرواية المنقولة في كتاب «الكامل» لابن الأثير، وهو من كبار علماء السنة: عندما أراد سعد الخروج من الباب، ضرط له معاوية، فقال: اقعُد حتّى تسمع جوابك! فجلس سعد؛ فقال معاوية: والله ما كنتَ عندي قطُّ ألئمَ مِنكَ مثل الآن! فهلاّ نصرتَهُ؟! أي: أنت الذي سمعت من النبيّ هذا الكلام، لماذا لم تنصر عليًّا؟! والله لو سمعتُهَ من رسولِ اللهِ، لَكُنتُ خادمًا لِعَليٍّ. هل التفتّم؟! فمعاوية يقول: لماذا لا تنصره؟! ومع أنّه كاذب في قوله، لكنّ احتجاجه مع سعد حتّى الآن كان صحيحًا.. يقول له: أنا لا أقبل بهذا الكلام، ولم أسمعه من النبيّ، أمّا أنت الذي تدّعي أنّك لا تسبّ عليًّا بسبب هذه الأمور، لماذا لم تنصره؟! هلّا نصرته؟!

  • فقال سعد: إنّي رأيت ريحًا مظلمةً فقلتُ: إخ إخ! (وهي‌ تُقال للإبل كي تبرك)، فأنختُ راحلتي حتّى مرّت الريحُ فَسِرتُ؛ وهذه كناية عن حرب الجمل وصفّين والنهروان التي هزّت الدنيا وقتئذٍ، ولم أرد الاشتراك في هذه الحروب، فأنخت راحلتي، وعندما انتهت هذه العاصفة، أكملتُ طريقي.

    1. الإرشاد، ج ۱، ص ۱٥٥؛ كنز الفوائد، ج ٢، ص ۱۸۱؛ أنساب الأشراف، ج ٢، ص ٩٥؛ الطبقات الكبرى، ج ٣، ص ۱۷.
    2. تفسير القمّي، ج ۱، ص ٢٩٢ و٢٩٣؛ أنساب الأشراف، ج ٢، ص ٩٤ و٩٥؛ السيرة النبويّة، ج ٢، ص ٥۱٩؛ تاريخ الطبريّ، ج ٣، ص ۱۰٣؛ صحيح البخاريّ، ج ٥، ص ۱٢٩؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۱۷۰ و۱۸٥؛ سنن ابن ماجة، ج ۱، ص ٤٢ و٤٥.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

11
  • فقال له معاوية: ليس إخ إخ في القرآن، بل الموجود في القرآن: ﴿وإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما (ولم ترض بالصلح، واستمرّت في ظلمها وعدوانها) عَلَى الْأُخْرى‌ فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِي‌ءَ إِلى‌ أَمْرِ اللَّهِ‌﴾،۱ فأين كنت أنت يا سعد حينئذ؟! أَكُنتَ مع العَادِلةِ على الباغيةِ، أم كُنتَ مع الباغيةِ على العادلةِ؟ 

  • فلم يُحر سعد جوابًا، ثمّ قال لمعاوية: أقسم بالله أنّي لأجدر منك بالمكان الذي تجلس فيه، فسخر منه معاوية بقوله: يأبى عليكَ بنو عذرة؛ أي: كلاّ، فأنت لست أهلاً لهذه الرئاسة؛ لأنّ قومك لم يرضوا أن يجعلوك رئيسًا عليهم، وعائلتك بذاتها لم تقبل بك؛ فلا تطمع هنا بهذا المقام٢!٣

  • حسنًا، تفضّل يا سعد! أنت الذي جلست جانبًا، وتركت أمير المؤمنين يخوض هذه الحروب وحده، ويواجه الأمور التي جرت عليه، ألم يكن وجودك في معسكر أمير المؤمنين تقوية لجيشه؟ لقد قُتل في حرب صفّين الكبارُ من المهاجرين والأنصار مثل أُوَيس القرنيّ،٤ وعمّار بن ياسر٥؛٦ وهذا أمر عجيب جدًّا! فلو كنت أتيت وشاركت في هذه الحرب؟! ألم تكن مشاركتك موجبةً لتقوية جيش علي؟! فأنت فاتح إيران، وكنتَ قائد فرقة الرماة في‌ جيش الرسول؛ فلو أتيت، وتولّيت قيادة الرماة في جيش عليّ، ألم تكن قد حملت عنه عبأً؟! ولو شاركت فعلاً، فهل كانت الأمور قد جرت كما جرت؟ فلو شاركتَ، لكان من الممكن أن لا تصل الأمور إلى هذا الحدّ الذي وصلت إليه! ولعّله لم يكن يحصل أيّ انكسار في جيش عليّ، ولعلّ مسألة الحَكَمين لم تكن لتحصل، ولم تكن خُدع معاوية لتنجح إلى هذا الحدّ! إذنْ، لا ينبغي للإنسان أن يقول: «أحيانًا، ينبغي عليّ الجلوس جانبًا، ولا دخل لي في الأمر»؛ إذ في بعض الأوقات، يُعتبر الجلوس جانبًا موجبًا للضرر والانكسار؛ أي إنّ الاحتياط في بعض الأحيان يكون خلاف الاحتياط. 

  • نتيجة سلوك سبيل الاحتياط في غير محلّه

  • فدماء المسلمين والشيعة كانت مباحة لهؤلاء، وشيعة الكوفة الذين كان يخاطبهم أمير المؤمنين دائمًا، ويصرخ فيهم: قوموا إلى الجهاد! قوموا إلى الجهاد والدفاع عن حقّكم!۷ أصبحوا بعده أذلّاء، بحيث قُتل جميع كُبَرائهم، وشُرّدوا برمّتهم، ووصل الأمر ببعضهم أن يُجعل في أساس البناء وهو حيّ، ويبنى عليه، وصار يكفي أن يُتّهم الإنسان بأنّه يتشيّع لأمير المؤمنين كيّ يُهدر دمه؛ أي إنّ المسألة قد وصلت إلى مرحلة لا يمكن لأيّ إنسان في الدنيا أن يتجرّأ على القول إنّه شيعي؛ لأنّ قوله هذا كان كافيًا لهدر دمه!۸

    1. سورة الحجرات، الآية ٩.
    2. مروج الذهب، ج ٣، ص ۱٤؛ الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ۱۷۱؛ البداية والنهاية، ابن كثير، ج ۸، ص ۷۷؛ الغدير، ج ۱۰، ص ٣٦۱ و٣٦٢؛ معرفة الإمام، ج ٣، ص ۱٦۷؛ مع اختلاف يسير في كافّة المصادر.
    3. لمزيد من الاطّلاع على عدم بيعة سعد بن أبي وقّاص لأمير المؤمنين، وقصّة لقائه بمعاوية، راجع: معرفة الإمام ج ۱۰، ص ۱٣٦ ـ ۱٦٣؛ أسرار الملكوت، ج ۱، ص ۱۰٩ ـ ۱۱٦.
    4. شرح الأخبار، ج ٢، ص ۱٢ و٣٥؛ رجال الكشّي، ص ٩٩ و۱۰۰؛ سير أعلام النبلاء، ج ٤، ص ٣٢.
    5. وقعة صفّين، ص ٣٤۰.
    6. المصدر ذاته، ص ٥٥٦ ـ ٥٥٩.
    7. نهج البلاغة، محمد عبده، ج ۱، ص ٦٣ ـ ٦٦ وص ٦۷ ـ ۷۰.
    8. لمزيد من الاطّلاع على هذه المسألة، راجع: معرفة الإمام، ج ۱۸، ص ٣٦۰ ـ ٣۸۱.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

12
  • إنّ سبب حصول كلّ هذه الأمور ـ يا سيّدي ـ هو الاحتياط؛ فالاحتياط في محلّه جيّد، لكنّه في غير محلّه أمر مجانب للصواب؛ فإذا أردنا الوصول إلى ماء طاهر للوضوء، فهل نضيّع الوقت في البحث عن الماء حتّى تغرب الشمس وتصير صلاتنا قضاء؟! كلاّ؛ إذ لا تحتاج المسألة إلى هذا القدر من البحث، ويكفي الوضوء بهذا الماء الذي أخبروك بأنّه طاهر ظاهرًا حتّى لا تفوتك الصلاة. فصحيح أنّ هذه الحكومة لا تساوي شروى نقير، وينبغي أن تُقام حكومة إمام الزمان؛ لأنّ حكومته عليه السلام بالنحو الفلانيّ، وعدله بالنحو الكذائيّ، وهي تُمثّل حقيقة الحكم؛ لكن، هل يعني ذلك أنّه عليه السلام يأمر الإنسان بالرضوخ لكلّ جريمة كيفما كانت، والرضوخ للكفر، والامتناع عن الدفاع عن حقّه؟! فهذا مخالف لحكومة إمام الزمان، وهذا ليس احتياطًا، بل هو عكس الاحتياط!

  • أجل، حينما كان الحكم بيد المسلمين، وكانوا هم المتقلّدين لزمامه، فإنّهم كانوا يستطيعون حينئذ القيام في ظلّ هذا الحكم بأيّ فعل يحلو لهم؛ وأمّا عندما سقطت هذه الحكومة، فإنّه لا ينبغي اللجوء عندئذ للاحتياط؛ لأنّه أمر خاطئ ومخالف للاحتياط؛ وهي مسألة تحظى بأهمّية بالغة.

  • ففي ذلك الحين، سيصل الحكم إلى بني أميّة وبني العبّاس والمنصور وهارون والمأمون والمتوكّل؛ فيأتي هؤلاء، ويرتكبون أفعالاً لا أعلم ما الذي يُمكنني قوله عنها! هل التفتّم؟! حيث قام المتوكّل بإجراء الماء على قبر سيّد الشهداء عليه السلام؛ فقد هدّم القبر برمّته لمرّات عديدة، وأعاد الشيعةُ بناءه، ثمّ هدّمه مرّة أخرى، ومرّة ثانية، وثالثة، وكرّر ذلك عدّة مرّات؛ وبعد ذلك، أمر بإجراء الماء على القبر، وزرعه، لكيلا يصل إليه أيّ أحد۱.٢

  • وكان هناك أحد شعراء بلاط المتوكّل اسمه أبو الشمط أنشأ أبياتًا في الردّ على الرافضة والحطّ من مقام أهل البيت، حيث كانت أشعاره بسيطة جدًّا، ومفاد هذه الأشعار أنّكم أنتم يا بني العبّاس وارثو حكومة الرسول، والحمد لله تعالى أنّ هذه الحكومة صارت الآن بأيديكم، وأنّها وصلت إلى أصحابها؛ لأنّكم أنتم ورثة النبيّ! ومن يكون هؤلاء حتّى يقولوا: نحن ورثة الرسول؟! فالنبيّ لم يكن له أكثر من بنت واحدة، والإمامة لا تكون حقًّا للبنت، ولا للصهر؛ وبما أنّ الرسول لم يكن له ابن، فإنّكم أنتم أولياؤه، وهذه الحكومة من حقّكم، فافعلوا ما يحلو لكم، وما لِغيركم الذين يدّعون الإمامة قُلامة (وهي القِطع التي تسقط من القلم حين بريه)؛٣ بل ليس لهم إلاّ الحسرة والندامة، فذرهم يتفرّجوا ويحترقوا [من الغيظ]!٤

    1. الأمالي، الشيخ الطوسي، ص ٣٢٥ و٣٢٦؛ الكامل، ج ۷، ص ٥٥.
    2. لمزيد من الاطّلاع على هذه المسألة، راجع: مناقب أهل البيت عليهم السلام (فارسي)، المجلس السابع، ص ٢۰۸.
    3. كتاب العين، ج ٥، ص ۱۷٤: «القلم: ... والقُلامة: ما يُقلم منه».
    4. تاريخ الطبريّ، ج ٩، ص ٢٣۱؛ الكامل، ج ۷، ص ۱۰۱.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

13
  • فذكر هذه الأبيات الشعريّة للحطّ من شأن أهل البيت، حيث ورد في كتاب الكامل لابن الأثير أنّ المتوكّل عقد له في نفس ذلك المجلس على اليمامة واليمن؛ أن أنّه ولاّه إمارتهما، ووهبه أربع خلع، وخلع أيضًا على ابنه [المنتصر]؛ ثمّ أمر بنثر ثلاثة آلاف دينار على رأسه.. ثلاثة آلاف دينار! فمن أين أتت هذه الثلاثة آلاف دينار؟! إنّ نتيجة كلّ ذلك السكوت وتلك الاحتياطات أن تُجمع ثلاثة آلاف دينار، وتُنثر على رأس شاعر يهجو الرافضة! وبعد ذلك، أمر المتوكّل بألاّ تُجمع هذه الأموال، وأن يتكفّل بجمعها المنتصر وسعد ـ وهو أحد أقربائه ـ وحسب، وأن يمنحانه إيّاها؛ أي أنّه على أفضل رجل في البلاط ـ وهو ابن السلطان ـ أن يجمع هذه الأموال، ويهبها لذلك الشاعر.. ثلاثة آلاف دينار!۱

  • وقد كان المتوكّل يشرب الخمر إلى أن يسكر؛ فقال حاجبه: ذات ليلة، كان لبعض الناس حاجة عنده، فأتوا عند الفتح، فأذن لهم بالمجئ للتحدّث معه.

  • فأخبروا المغنّيات، فكنّ يقرأن له الأشعار والهجائيّات.

  • وفي أحد الأيّام، قال المنتصر.. وهو ابن المتوكّل:

  • «أتيت إلى القصر، فوجدتهم يُغنّون، ورأيت عُبادة المـُخنّث ـ وكان رجلاً يرتكب الفواحش في بلاط المتوكّل ـ يشدّ تحت ثيابه مخدّة كبيرة، بحيث مرّر هذه الثياب فوق المخدّة، وحزم خصره، وحلق رأسه في هيئة الأصلع».

  • وذلك لأنّ بطن أمير المؤمنين كانت كبيرة، ورأسه عليه السلام أصلع، وشعره منحسر؛ فجعل عُبادة نفسه على هيئة عليّ عليه السلام، وطفق يقرأ أشعارًا في الحطّ من منزلته؛ بينما كان الجميع يضحكون ويُقهقهون، ويهجونه! ففي مجلس خليفة رسول الله، كان المتوكّل يهجو باسم خليفة المسلمين أمير المؤمنين!

  • قال المنتصر: 

  • «تعكّر صفوي كثيرًا، فصرخت في وجهه أن اصمت! فسكت ذلك الممثّل.. عبادة، فقال المتوكّل: "ما حالك؟ استمرّ في عملك!"؛ فالتفتُّ إلى أبي، وقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الذي يحكيه هذا الكلب، ويُضحك منه الناس هو ابن عمّك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك؛ فكُل أنت لحمه إذا شئت، ولا تُطعم هذا الكلب وأمثال منه».

  • أي: قل في حقّ عليّ ما يحلو لك؛ لكن، لا تسمح لهؤلاء بالوقيعة فيه؛ ففي نهاية المطاف، يبقى عليّ من كبار بني هاشم؛ وأنت من بين العبّاس، فتكون لك قرابة معه؛ كما أنّ له سابقة [في الإسلام]؛ فأيّ وضع هذا أحدثته؟! ولماذا تُلقي بلحمه لهؤلاء الكلاب؟!

    1. لمزيد من الاطّلاع على كافّة الأحداث التي وقعت في زمن خلافة المتوكّل العبّاسي منذ بداية خلافته إلى حين قتله، راجع: الكامل، ابن الأثير، ج ۷، ص ٣٣ ـ ۱۰٥.

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

14
  • قال المنتصر:

  • أصغى المتوكّل لكلامي، ثمّ قال للمغنّين: غنّوا جميعًا:

  • غارَ الفتى على ابنِ عَمِّه رأسُ الفَتى في حِر أُمِّهِ

  • فبدأ كافّة المغنّين بالتصفيق، وقراءة: هذا الشابّ (أي المنتصر) غار لأجل ابن عمّه؛ رأس هذا الشابّ في كذا أمّه!!۱

  • فطفق أولئك المغنّون بأجمعهم يُصفّقون في المجلس، ويُغنّون للمنتصر أنّه أراد أن يُحامي في هذا المجلس على أمير المؤمنين؛ هل التفتّم؟! وقد كان هذا أحد الأسباب التي دفعت المنتصر للسعي من أجل قتل المتوكّل؛٢ هذا، مع السوابق المتعدّدة التي كانت لديه؛ فأمَرَ في نهاية المطاف الغلمانَ الأتراك بأن يقتلوه، فدخلوا عليه ذات ليلة، وقطّعوه إربًا.٣

  • حسنًا، هنا قد يسأل أحدهم: يا حضرة المتوكّل، لماذا نثرت ثلاثة آلاف دينار على رأس أبي الشمط؟! ولأيّ شيء هذه الأموال؟! ومن هو المسلم الذي خُصّصت له؟! وهل إنّ خليفة المسلمين يلجأ لهكذا أفعال؟! ولنفرض أنّ أمير المؤمنين لم تكن له أيّة سابقة؛ لكن، من أين حصلتَ على هذا الحُكم الذي وقع بين يديك؟ أ فلم يكن هذا الحكم لأجل القرآن؟! ولِنضع الله تعالى والنبيّ والمعاد وكافّة هذه الأمور جانبًا؛ لكن، هل تمتلك الآن الرئاسة الظاهريّة أم لا؟! وأ لست الآن ملكًا أم لا؟! وأ لم تحصل على هذا الحكم عن طريق سيف أمير المؤمنين؟! فلولا أنّ أمير المؤمنين جاهد بسيفه في غزوة بدر وحنين والأحزاب و...، هل كان هذا الحكم سيصل إليك؟! وبعدما تقلّدته الآن، لماذا تلجأ للسخريّة؟! ولماذا تعقد مجلس غناء للحطّ من أمير المؤمنين؟! فهذه أمور لن تخفى عن الله تعالى؛ وإنّ الله لبالمرصاد!٤

  • الشيعة هم النمط الأوسط

  • فالمسلم هو الذي ينتبه دائمًا لكيلا يسلك سبيل الإفراط والحدّة، كما لا يميل أيضًا إلى طرف التفريط والتراخي؛ لأنّ التراخي سيُفضي بالإنسان إلى التأخّر في المسير، والإفراط سيُؤدّي به إلى التعب وترك الطريق؛ وَخَيرُ شيعَتِنَا النمَطُ الأَوسَطُ؛٥ فكلّ من الحدّة والتراخي أمر خاطئ، حيث كان أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام هم النمط الأوسط.

  • يقول مالك الأشتر والأصبغ بن نباتة: كان حالنا مع أمير المؤمنين بحيث كنّا نجلس ونتحدّث ونمزح معًا، وكان سلام الله عليه كواحد منّا، ولا يُعرف من بيننا؛ لكن مع ذلك، حينما كان يتعلّق الأمر بالامتثال لأوامره، فإنّنا كنّا مطيعين له، إلى درجة كأنّ سيّافًا واقفٌ على رؤوسنا شاهرًا سيفه يُريد أن يهوي به علينا؛ فكنّا نطيعه ولا نعصاه إلى هذا الحدّ؛٦ وهذا هو معنى الولاية والتشيّع.

    1. الكامل، ج ۷، ص ٥٥.
    2. المصدر ذاته، ص ٥٦.
    3. المصدر ذاته، ص ٩٥ ـ ۱۰۰.
    4. اقتباس من الآية ۱٤ من سورة الفجر: ﴿إنَّ رّبَّكّ لّبِالمِرصادِ﴾.
    5. الأمالي، الشيخ المفيد، ص ٥:
      «... فقال [أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام]: حَسبُكَ يا أَخَا هَمدانَ! ألا إِنَّ خَيرَ شيعَتي النمَطُ الأَوسَطُ (الذين انتهجوا سبيل الاعتدال والوسطيّة)...».
    6. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج ۱، ص ٢٥:
      «قالَ صَعصَعَةُ بنُ صوحانَ وغَيرُهُ مِن شيعَتِهِ وأصحابِهِ: كانَ فينا كَأَحَدِنا، لينَ جانِبٍ، وشِدَّةَ تَواضُعٍ، وسُهولَةَ قِيادٍ؛ وكُنّا نَهابُهُ مَهابَةَ الأَسيرِ المَربوطِ لِلسَّيّافِ الواقِفِ عَلى رَأسِهِ».

تجلّيات من التوحيد في الحياة الاجتماعيّة للفرد المسلم

15
  • فأمير المؤمنين لم تكن له تلك الشخصيّة، حتّى يجعل لنفسه تاجًا وعرشًا، بل كان يرى نفسه كواحد من الناس؛ غاية الأمر أنّ المسألة تتعلّق بأمر الله تعالى الذي ينبغي تنفيذه!

  • نرجو الله تعالى في هذا اليوم الذي يُصادف عيد الأضحى أن يجعل فوائدنا جمّة وعميمة، ويجعلنا من الطائفة الشيعيّة الوُسطى؛ فلا نكون من المـُفرطين ولا من المـُفرّطين، وأن يُجنّب عقولنا وأبداننا وأنفسنا الاحتياطات غير المناسبة.