8

أسئلة وأجوبة عقائديّة

2171
مشاهدة المتن

المؤلّفالعلامة آیة الله السيد محمد الحسين الحسيني الطهراني

القسممحاضرات العلامة الطهراني

المجموعةنظرات عقائدية ومعرفية

التاريخ 1409/10/01

جلسات المجموعة(9 جلسة)

التوضيح

ما هي حقيقة الدعاء وتأثيره؟ هل كان نبيّ الله يونس حادّ الطبع؟ وهل كان حضرة روبيل أفضل منه؟ هل اختلاف الأولياء في الطبع يُؤدّي لاختلافهم في مراتب الكمال؟ كيف ينسجم علم الأولياء بالغيب مع إنكارهم بأنفسهم لذلك؟ هل يُؤدي التوسّل بأهل البيت عليهم السلام إلى الوقوع في الشرك؟ ما هي الأهمّية التي يوليها الإسلام لاحترام المعلّم؟ هي أسئلة سعى سماحة آية الله العلاّمة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي عقدها بمشهد المقدّسة بمناسبة عيد الفطر سنة 1409 هـ.
/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أسئلة وأجوبة عقائديّة

1
  •  

  • هو العليم

  •  

  • أسئلة وأجوبة عقائديّة

  • مباني التشيّع – الجلسة الثامنة

  •  

  • محاضرة ألقاها

  • سماحة العلّامة آية الله الحاجّ السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  • المشهد المقدسة، عيدالفطر، سنة ۱٤۰٩ هجري قمري

أسئلة وأجوبة عقائديّة

2
  •  

  •  

  • أَعُوذُ بِاللـَهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَجِيْم

  • بِسْمِ اللـهِ الرَحْمَنِ الرَحِيْم

  • وصلّى الله على محمّدٍ وآله الطاهرين

  • ولعنةُ الله على أعدائهم أجمعين

  •  

  •  

  • حقيقة الدعاء وتأثيره

  • تا نگرید ابر کِی خندد چمن!***تا نگرید طفل کی نوشد۱ لبن٢
  • تا نگرید طفلک٣ حلوا فروش***دیگ بخشایش کجا آید به جوش٤!٥
  • [يقول: ما لَمْ تبكِ الغيوم فلن يضحك المرج، وما لمْ يبكِ الطفل فلن يشرب اللبن.

  • وما لم يبكِ الصبيّ بائع الحلوى، فأنّى لقِدر العطاء والكرم أن يفور (بالعطاء)]

  • فينبغي أن يبكي الصبيّ، حتّى يأتي ذلك الرجل، ويوجد ذلك المعنى؛٦ وإلاّ، فلن يحصل قبل البكاء أيُّ شيء؛ مثلما أنّ الرضيع لن يشرب اللبن قبل عويله.

  • وقبل الدعاء، لن تكون هناك استجابة، ولا تحقّق، ولا ظهور لأيّ شيء! ﴿قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ﴾.۷

  • سؤال: كيف نقول: «إنّ الدعاء موجِد»، مع أنّ هذا الدعاء المتحقّق في اللوح المحفوظ يقع في سلسلة، بحيث يجري إثباتُه في لوح المحو والإثبات، ثمّ يُؤدّي بعد ذلك ـ مثلًا ـ إلى إيجاد المطر ورفع القحط؟ فإذن، سيكون هذا الدعاء المتحقّق في اللوح المحفوظ حينئذ كاشفًا! فتمرّ تلك المرحلة، إلى أن تحلّ هذه.

  • جواب: إنّ هذه المسألة تصدق في كافّة الموارد، ولا تختصّ بهذا المورد فقط!

  • لاحظوا معي! لقد جئنا الآن إلى هنا، فما هو هدفنا من هذا المجيء؟ لقد أتينا إلى هنا، لكي نُقدّم التهاني، ونتعاون فيما بيننا، ونسعى لتأليف القلوب، ونعمل بسنّة النبيّ الأكرم؛ وهذه أمور صائبة بطبيعة الحال؛ ولو أنّها ناشئة بأجمعها في ذلك العالم الواحد من إرادة الله تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾.۸

  • فحينما آخذ الآن السكّر، فإنّ ذلك يحصل بإرادة الله؛ وعندما أضعه في الشاي، وأشرب هذا الشاي ممزوجًا به، وأرتوي منه، فإنّ جميع هذه الأمور صحيحة، ولو أنّها تكون في نهاية المطاف كاشفة عن ماذا؟ فقبل أن أتناول الشاي الآن، ليس من المعلوم أنّني سأتناوله أم لا؛ لكن، حينما تناولته، تحقّق [في الواقع] أنّني تناولت هذا الشاي؛ وهو كذلك فعلًا.

  • فكلّ ما هو موجود في عالم الكثرة من سلسل العلل والمعلولات والأسباب والمسبّبات مستقرّ في موضعه من دون أدنى تخلّف، بحيث تكون كافّة هذه الأمور ومن دون استثناء مرادة بأجمعها بإرادة الله تعالى؛ هل انتبهتم؟! وهذا ما يفعله النجّار بعينه! فحينما يقوم، ويذهب إلى دكّانه، ويحمل قطعة من الخشب، ويضعها، ويقطعها بالمنشار، ويقيسها بالمسطرة، ويصقلها بالمِبشرة، ويصنع منها بابًا، هل بوسعنا إنكار هذه السلسلة من العلل؟ لكن، مع ذلك، فإنّ حقيقة ذلك هو الكشف عن صدور بابٍ منّا [من النجار]. فحينما ننظر إلى تلك الجهة، نرى بابًا؛ وعندما ننظر إلى هذه الجهة، نرى الأمر كلّه عبارة عن سلسلة من العلل؛ فلا يوجد أيّ فارق بين الدعاء وإيجاد المطر في الحين، وبين فعل النجّار وحركة يديه وصنعه للباب؛ فهذا هو لبّ الكلام.

    1. في نسخة أخرى: جوشد (أي يفور: فلن يفور اللبن [من صدر أمه])
    2. المثنويّ المعنويّ، الكتاب الخامس، ص ۷٣٣.
    3. في نسخة أخرى: كودك (وتعني أيضًا الطفل)
    4. في نسخة أخرى: بحر رحمت در نمى آيد به جوش (أي: لن يفور بحر الرحمة والعطاء).
    5. المثنويّ المعنويّ، الكتاب الثاني، ص ۱٩٩.
    6. إشارة إلى القصّة الواردة في كتاب المثنويّ عن الشيخ أحمد بن خضرويه الذي كان يقترض المال من الآخرين من أجل مساعدة المحتاجين، فبلغت ديونه أربعمائة دينار؛ وحينما اقترب أجله، جاء غرماؤه مطالبين باسترداد ديونهم؛ وبينما هم مجتمعون عنده، إذا بصبيّ من الخارج مناديًا على حلواه، فأشار الشيخ إلى الخادم بأن يذهب، ويشتري كلّ الحلوى، حتّى يُقدّمها لضيوفه، فاشتراها بنصف دينار؛ وحينما جاء الصبيّ ليأخذها، لم يجد عند الشيخ أيّ مال، فبدأ بالشكوى والبكاء والصراخ خائفًا من أن يرجع عند أستاذه خاوي الوفاض؛ فتجمّع حوله الناس من كلّ صنف، إلى أن حلّ العصر، فجاء خادمٌ بهديّة في طبق إلى الشيخ من صاحب مالٍ وحالٍ؛ فإذا بها أربعمائة دينار، ونصف دينار ملفوف في ورقة. (مقتبس من شرح المثنويّ المعنويّ لإبراهيم الدسوقي شتا، ج ٢، ص ٥٥). المعرّب
    7. سورة الفرقان، الآية ۷۷.
    8. سورة البقرة، الآية ٢٥٣.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

3
  • سؤال: وفي هذه الحالة، هل يكون المطر موجَدًا من قبل نفوسنا؟ أي: هل تكون النفس دافعًا هنا؟ وهل الموجِد هو النفس؟ وهل إنّ ذلك من آثار أنفسنا؟

  • جواب: نعم! أنفسنا هي التي توجِد، وتكون موجِدة، بينما يكون المطر موجَدًا.

  • الجواب عن إشكالات وردت في حقّ نبيّ الله يونس عليه السلام

  • سؤال: يُقال إنّ نبيّ الله يونس كان حادّ الطبع جدًّا، حيث يُحكى عنه الاتّسام بمجموعة من الصفات؛ نظير قلّة الصبر والتحمّل و...؛ في حين نُقل عن روبيل۱ أنّ حضرة يونس جاء عنده، فصرفه روبيل عن عزمه، وقال له: «اذهب، واصبر، ولا تُقدم على ذلك العمل، وادع الله تعالى ألاّ يُنزل العذاب»؛ ثمّ ما حدث بعد ذلك يُثير السؤال أكثر ممّا حصل من قبل؛ وذلك أنّ يونس عليه السلام كان من أولياء الله تعالى، وحائزًا على مقام المخلِصين، فكيف ينسجم ذلك مع حدّة الطبع و...؟! وكذلك الشأن بالنسبة لبعثته مع وجود روبيل؛ فلماذا لم يُبعث روبيل، وبُعث هو؟!

  • جواب: كلاّ، لا يصحّ القول إنّه كان حادّ الطبع؛ فهذا أمر مجانب للصواب! فأصل المسائل الواردة في هذه الروايات تتعلّق بروبيل وتنوخا؛ وهي صحيحة بأجمعها؛ وأمّا بالنسبة لمسألة حدّة الطبع وأمثال ذلك، فهي موضوعة.٢

  • ويُعرف هذا النوع من الروايات بالإسرائيليّات؛٣ وهي عبارة عن قصص موجودة في أخبارنا، ونُقلت في الأصل عن علماء يهود أسلموا؛ نظير كعب الأحبار وأبي هريرة و...، وهي غير مسندة، بل موضوعة، بحيث ينبغي التدقيق في سندها بأجمعها؛ أي: لا يُمكننا الاطمئنان إليها لمجرّد ورودها في كتاب البحار أو غيره، بل ينبغي النظر في سندها، وإلاّ، لن تُعدّ أيّة واحدة منها معتبرة من دون ذلك؛ فهذا ما يخصّ مسألة حدّة الطبع.

  • هذا، مع أنّ الرسول الأكرم قال عن نبيّ الله يونس: إنّه أخي.٤

  • ففي حادثة الطائف، حينما ذهب رسول الله إلى هناك، فآذاه أهلها ـ وهي قصّة مفصّلة جدًّا ـ ، يصل مسلسل الأحداث إلى أن يذهب الغلام النصرانيّ عند النبيّ الأكرم، ليُقدّم له طبقًا من الفاكهة، حيث كان الرسول جالسًا، فقال له: من أنت؟ وما هي حكايتك؟ إلى أن يقول له صلّى الله عليه وآله وسلّم [ما مفاده]: أجل، إنّ النبيّ يونس أخي! وحينما سمع ذلك الغلام قصّة يونس عليه السلام، سُرّ بذلك! وهي قصّة مفصّلة كثيرًا٥.٦

    1. حضرة روبيل كان عالمـًا ومن أعاظم أصحاب نبيّ الله يونس عليه السلام وأتباعه. (المحقّق)
    2. لمزيد من الاطّلاع على قصّة نبيّ الله يونس وقومه، راجع: مطلع أنوار (فارسي)، ج ۱٢، ص ۸٥.
    3. لمزيد من الاطّلاع على تعريف الإسرائيليّات والأبحاث المرتبطة بها، راجع: نور ملكوت القرآن، ج ٢، ص ۱۸٤؛ معرفة الإمام، ج ۱٤، ص ٣۰٥ ـ ٣٢۱؛ وج ۱۸، ص ٢٦٢ ـ ٢٩۰.
    4. البرهان في تفسير القرآن، ج ٤، ص ۱۱٣:
      قال [رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم]: «... الرجل الصالح أخي يونسُ بن متّى».
    5. إعلام الورى، ص ٥٣؛ قصص الأنبياء، الراونديّ، ص ٣٣۰؛ مناقب آل أبي طالب عليهم السلام، ج ۱، ص ٦۸.
    6. لمزيد من الاطّلاع على مسألة ذهاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الطائف، وإيذاء أهلها له، وكذلك على حكاية الغلام النصرانيّ عدّاس، راجع: نور ملكوت القرآن، ج ٤، ص ٢٩٢.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

4
  • فالأنبياء معصومون في مراتب ثلاث: الأولى مرتبة المعصية والخطأ، والثانية مرتبة تلقّي الوحي، والثالثة مرحلة تبليغ الوحي؛۱ وما ورد عن نبيّ الله يونس ـ ويُطابق أيضًا مفاد الآيات القرآنيّة ـ أنّه دعا قومه، فلم يقبلوا كلامه، وطال بهم الأمر، إلى أن لعنهم، وغادرهم، ووقعت تلك الأحداث، حيث لا يوجد هنا أيّ أمر مخالف للصواب؛ فإذا دعا الإنسان قومه، ولم يصغوا إلى كلامه، وأقام عليهم الحجّة، هل يجب بالضرورة أن يصبر إلى أن يضربوا في الأخير رأسه بالحجارة، من دون أن ينبس ببنت شفة؟! فهذه المهمّة لا يُمكن أن ينهض بأعبائها كلّ واحد!

  • لقد كان الأنبياء يحتلّون مراتب مختلفة، ولم يكونوا بأجمعهم في مستوى رسول الله أو نبيّ الله إبراهيم.

  • ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۘ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللَّهُ ۖ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ ۚ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَٰكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ﴾؛٢وأيضًا: ﴿وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾.٣

  • فهذه الآيات تدلّ على أنّ الأنبياء ورغم بلوغهم بأجمعهم مرتبة التوحيد، إلاّ أنّهم يتوفّرون على مقامات ودرجات متباينة؛ فإذا دعا نبيٌّ قومَه، وأقام عليهم الحجّة، ولم يصغوا إلى كلامه، ورحل عنهم، فلا يجب علينا أن نتوقّع أن يكون كافّة الأنبياء في مرتبة واحدة [وبالتالي يقومون بالتصرّف ذاته]! أجل، إذا نظرنا إليه بنفسه، وإلى علاقته بالله تعالى، يُمكننا القول: لم يكن عليه القيام بذلك العمل، بحيث لو أنّه صبر، لحاز على مقامات أعلى؛ فلا شكّ في هذا الأمر أبدًا؛ إذ جاء في القرآن الكريم:﴿وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾.٤

  • فالمراد من النون الحوت؛ و﴿وَذَا النُّونِ﴾ تعني: صاحب الحوت.

  • ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا﴾ أي أنّه ذهب وهو غاضب على الناس.

    1. لمزيد من الاطّلاع على عصمة الأنبياء، راجع: معرفة الإمام، ج ۱، ص ۷.
    2. سورة البقرة، الآية ٢٥٣.
    3. سورة الإسراء، الآية ٥٥.
    4. سورة الأنبياء، الآيتان ۸۷ و۸۸. أفق وحي (فارسي):
      اذكر حكاية صاحب الحوت الذي رحل عن قومه، وفارقهم؛ وهو في حالة من الغضب والامتعاض منهم؛ وظنّ أنّنا لن نتسلّط ونهيمن عليه؛ وحينما كان مستقرًّا في بطن الحوت والظلمات، نادى: لا يوجد أيّ معبود، وليس هناك من مؤثّر ولا مسبّب سوى الله الواحد الأحد؛ فأنت منزّه يا إلهي عن ظنّنا وحدسنا، وأنا بحقّ ظالم لنفسي بسبب جهلي وقلّة علمي. فاستجبنا لدعوته وطلبه، وخلّصناه من الغمّ والحزن والاضطراب؛ إذ من عادتنا وديدننا المنّ بالنجاة على المؤمنين، وإخراجهم من ظلمات الجهل، إلى وادي النور والبهاء والتوحيد.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

5
  • ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ يعني أنّه: باعتبار ما كان يحظى به من مقامات ودرجات، وبالنظر إلى قبول لعنه، واستجابة دعائه، وظهور أمارات العذاب؛ إذ غيّمت عليهم في أحد الأيّام سحابة سوداء، وفي اليوم الثاني سحابة صفراء، وفي اليوم الثالث سحابة حمراء،۱ بحيث بدا له أنّ دعاءه قد استجيب بالتأكيد، فإنّه قال: سأتخلّى عنهم، وأرحل؛ ظانًّا أنّنا لن نتسلّط ونهيمن عليه.

  • ﴿فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ﴾ فبعد أن وقعت تلك الأحداث، ووجد نفسه في بطن الحوت والظلمات، رأى بأنّه لا يُمكن الهروب من الله، وأنّ فعله تعالى ليست فيه أيّة مجاملة؛ فحتّى لو كان نبيًّا، فإنّه يضعه في الظلمات وبطن الحوت، ويحتفظ به هناك؛ [وحينئذ، نادى:] إنّ القدرة والحكمة والعلم والمبدأ والمنتهى كلّه منك أنت، والثرى منك، وإليك يعود! 

  • هل انبهتم؟ فلا دلالة [في هذه الآيات] على حدّة الطبع وأمثال ذلك؛ ونبيّ الله يونس لم يكن حادّ الطبع بتاتًا، بل أدّى عمله، وأمر قومه، لكنّهم لم يُطيعوه؛ وقد كان أيضًا مستجاب الدعوة، كما أنّ آثار العذاب قد لاحت؛ غاية الأمر أنّ الله تعالى يُريد أن يهبه مكانةً أعلى ببركة ذلك الصبر والتحمّل؛ فلا يوجد أيّ أحد يقف في وجهه تعالى، ويمنعه من ذلك، حيث ينبغي أن تحصل هذه المكانة الأعلى بواسطة تجاوز تلك الامتحانات، وعن طريق الصبر، والإلقاء في بطن الحوت، وبقيّة تلك الأحداث.

  • ولو كان حضرة روبيل أعلم وأتقى من نبيّ الله يونس، لكان ـ والعياذ بالله ـ الحقّ تعالى مجنونًا حينما لم يجعله نبيًّا، وجعل يونس عليه السلام كذلك! وفي هذه الحالة، سيكون الله تعالى هو المسؤول عن تلك الإشكالات بأجمعها. أجل، يبقى أنّ روبيل كان بالتأكيد رجلًا عالمـًا؛٢ ومن غير المستبعد أنّه حينما يلجأ الناس إلى مخالفة أوامر النبيّ، ويكون بينهم رجل عالم، أن يدعوهم هذا العالم، ويقول: «هلمّوا إلى ربّكم! فقد آذيتم هذا الرجل، فابُتليتم بعذاب الله تعالى!»؛ لكنّ ذلك لا يدلّ على أفضليّة روبيل.

  • اختلاف الأولياء في الشاكلة والطبع وعلاقته بالكمال والنقص

    1. تفسير العيّاشي، ج ٢، ص ۱٣٣؛ قصص الأنبياء، الراوندي، ص ٢٥٢؛ باختلاف يسير.
    2. تفسير العيّاشي، ج ٢، ص ۱٢٩.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

6
  • سؤال: في بعض الأحيان، ينتاب العظماء غضب شديد؛ وفي أحيان أخرى، ينتابهم سرور عظيم جدًّا؛ فكيف يُمكننا تفسير ذلك؟

  • جواب: لا علاقة لهذا الأمر بالكمال والنقص، بل يرجع لاختلاف الطباع والسجايا، حيث نجد البعض على شاكلة خاصّة؛ كأن يكون من طبعهم مثلًا المزاح. لقد كان الشيخ محمّد البهاريّ رحمة الله عليه من الطبقة الأولى من تلامذة المرحوم الأخوند الملاّ حسين قلي الهمداني، وكان كلامه كلّه دعابة ومزاح؛ وكان السيّد أحمد الكربلائيّ۱ أيضًا من تلامذته المبرّزين، وكان من أهل المراقبة والتدقيق والتحقيق، وكان يتّصف في الحقيقة بالجامعيّة؛ وأمّا الشيخ الحاج الميرزا جواد التبريزيّ، فكأنّه لم يضحك طيلة عمره بتاتًا، بحيث كانت حياته كلّها خشية وبكاء وأمثال ذلك؛ وحينئذ، يأتي السؤال: أيّ هذه الموارد صحيح؟

  • [ذات يوم] توجّه الشيخ محمّد البهاريّ إلى رواق حرم أمير المؤمنين عليه السلام، حيث ذهب إلى أعلى هذا الرواق، وبدأ في قراءة الزيارة؛ وكان هناك أحد طلبة العلم، نفدت أمواله، فأمسك بشبّاك الضريح، وبدأ بالبكاء والنحيب أن: يا أمير المؤمنين، أوصل إليّ نصيبي وحصّتي! فالتقيا ببعضٍ في الرواق، فنادى عليه الشيخ البهاريّ، ووضع مبلغًا من المال في يده، فقال له ذلك الطالب: «لا، لا يا سيّدي! فأنا ...»؛ فقال له الشيخ محمّد: «خذه، فأنت لم تكن تطلب من أمير المؤمنين سوى ذلك؛ وكان بكاؤك ونحيبك لأجل هذا الأمر، ولم تكن تبحث عن شيء آخر».

  • فهذا كلّه من كماله، ولا يُعدّ نقصًا بالنسبة إليه!

  • ومن أحواله أيضًا أنّه كان يعيش بإحدى المدارس؛ فمرض طالب من طلبتها كان يسكن في غرفة أخرى، وامتدّ به المرض إلى ثلاثة أشهر، ولم يكن لديه أحد ليعتني به، فكان الشيخ محمّد البهاري يتولّى أعماله بنفسه، حيث كان يطبخ له الطعام، ويضعه في فمه، ويغسل ثيابه، ويخدمه، إلى أن تحسّنت أحواله بعد مرور شهرين أو ثلاثة.

  • وفي أحد الأيّام المشمسة، بعدما مرّت ساعة أو ساعتان على طلوع الشمس، وكانت الشمس تسطع على غرفة ذلك الطالب، جاء الشيخ البهاري إلى هذه الغرفة، وجلس، وفتح كتاب المثنويّ، وبدأ يقرأه بصوت مرتفع؛ مع أنّهم كانوا في تلك الأيّام يُمسكون هذا الكتاب بالملقط؛٢ [وحينما سمع طلاّب المدرسة بصوت قراءة المثنويّ، انتابهم الغضب، وتوجّهوا إلى غرفة المريض؛ فوضع الشيخ محمّد فجأة كتاب المثنويّ ـ وهو مفتوح ـ أمام ذلك المريض، وذهب فورًا للجلوس في ركن من أركان الحجرة؛ وعندما شاهد الطلاّب الكتاب مفتوحًا أمام المريض، بدؤوا في شتمه وتوبيخه!

    1. لمزيد من الاطّلاع على أحوال المرحوم السيّد أحمد الكربلائيّ رضوان الله عليه، راجع: توحيد علمي وعيني (فارسي)، ص ۱۷؛ مطلع أنوار (فارسي)، ج ٣، ص ٤۷.
    2. كناية عن اعتقادهم بنجاسة هذا الكتاب، لاشتماله بحسبهم على مسائل كُفريّة. المعرّب

أسئلة وأجوبة عقائديّة

7
  • وفي تلك الأثناء، طفق الشيخ يقول بمساعدة الطلاّب: «أ وليس من القبيح أن تقرأ المثنويّ؟!»...].۱

  • وكتب إلى أحد تلامذته:

  • بسم الله الرحمن الرحيم، قُل: يا أيُّها السالِكون! لا أسلكُ ما تَسلكُون، ولا أنا أسُلكُ ما سَلَكتم، ولا أنتُم تسلُكون ما أسلُك، لَكم سِلكُم ولِيَ ِسِلكي!

  • وكتب إلى أحد علماء تبريز كانت تربطه به علاقة: «أنا فداء لوجودك المقدّس الذي ليس لديك أيّ اطّلاع عليه!»؛ فهو لا يعلم بتاتًا بحقيقته التي هي من الوجود.

  • وأمّا الحاج الميرزا جواد التبريزيّ رحمة الله تعالى عليه، فقد كان وجوده كلّه بكاء، وإنذار، وتخويف من عذاب الله تعالى ومن النفس الأمّارة، وعظمة، وجلال، وكذا وكذا، وكلّ هذه الأمور؛ وإن أردتم الاطّلاع على أحواله، فاقرؤوا كتابه "لقاء الله".

  • وحينئذ، يأتي السؤال: أيّ هؤلاء أفضل؟ كلّ واحد من نوع خاصّ؛ فهذا من نوع محدّد، وذاك من نوع آخر؛ وهذا على هذه الشاكلة، والآخر على تلك الشاكلة؛ فشجرة الكمّثرى تُثمر الكمّثرى، وشجرة التفّاح تُنتج التفّاح؛ وكلاهما جيّد؛ غاية الأمر أنّه يلزم أن تكون الكمّثراة طيّبة، ولم يأكلها الدود؛ وكذلك الشأن بالنسبة للتفّاحة؛ وأمّا إذا سألتم: «هل طعم التفّاح أفضل أم طعم الكمّثرى؟ وأيّها أفضل: البطّيخ أم الشمّام؟»، فإنّ هذا ليس محلاًّ للسؤال بتاتًا.

  • علم الأئمّة والأولياء بالغيب وقدرتهم بين الرؤيتين الشركيّة والتوحيديّة

  • ذات يوم، كان عدد من [الأصحاب جالسين عند الإمام الصادق عليه السلام]، فدخل الإمام إلى الغرفة وهو مُغضبٌ، فقال له الأصحاب: «ما الخبر؟»، فقال عليه السلام:

  • لقد ذهبت لأضرب إحدى جواريّ جرّاء مخالفةٍ ارتكبتها، فراحت تختبئ منّي في هذه الغرفة وتلك الغرفة، وهربت منّي، من دون أن أعثر عليها! وبسبب ذلك، أنا أتعجّب من هؤلاء الناس الذين ينسبون إلينا علم الغيب، ويقولون عنّا كذا و...؛ في حين أنّني لم أستطع العثور على جاريتي، ولم يتسنّ لي الوصول إليها، إلى أن أفلتت من بين يديّ؛ فكيف لهم أن ينسبوا إلينا ذلك؟!٢ 

  • وبعد ذلك، ورد في تتمّة هذه الرواية ذكرُ الآية الشريفة التي تحدّثت عن آصف بن برخيا، حيث جاء في القرآن المجيد أنّه أحضر عرش بلقيس في طرفة عين واحدة:

    1. بسبب عدم جودة الصوت في الشريط، جرى إكمال هذه القصّة من كتاب مطلع أنوار (فارسي)، ج ٣، ص ٦۱.
    2. عَنْ سَدِيرٍ قَالَ كُنْتُ أَنَا وأَبُو بَصِيرٍ ويَحْيَى الْبَزَّازُ ودَاوُدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي مَجْلِسِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، إِذْ خَرَجَ إِلَيْنَا وهُوَ مُغْضَبٌ؛ فَلَمَّا أَخَذَ مَجْلِسَهُ، قَالَ: يَا عَجَبًا لِأَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ؛ مَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ؛ لَقَدْ هَمَمْتُ بِضَرْبِ جَارِيَتِي فُلَانَةَ، فَهَرَبَتْ مِنِّي، فَمَا عَلِمْتُ فِي أَيِّ بُيُوتِ الدَّار (الكافي، ج ۱، ص ٢٥۷). المعرّب

أسئلة وأجوبة عقائديّة

8
  • ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ (أي آصف بن برخيا الذي كان وصيّ نبيّ الله سليمان ووزيره) أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾،۱

  • ﴿قَالَ (من بين الحاضرين في المجلس) عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ (أي نفس الساعة التي أنت جالس فيها هنا).٢

  • قال آصف بن برخيا الذي كان وصيًّا لنبيّ الله سليمان: سأحضر العرش إلى هنا قبل أن يرجع إليك نور بصرك، وليس قبل أن تطرف عينك.

  • فإذا طرق سمعكم هذا القول: «إنّ المراد من (قبل أن يرتدّ إليك طرفك) هو طرفة العين»، فإنّه قول خاطئ؛ لأنّ المراد من «ردّ الطرف» رجوعُ الموج الذي ينطلق من العين [إليها]؛ وهو أسرع بكثير من طرف العين؛ إذ حينما يفتح الإنسان عينه، يجب أن يقع نورها على شيء، ويرتدّ إليها انعكاس الشعاع، حتّى يتمكّن الإنسان من رؤية ذلك الشيء، حيث يقطع هذا النور ثلاثمائة ألف كيلومتر في ثانية واحدة؛ أي: إذ نظر الإنسان في ثانية واحدة إلى شيء يقع على بُعد مائة وخمسين كيلومتر، فإنّ ارتداد طرفه سيتحقّق بقطعه لهذه المائة وخمسين كيلومتر ذهابًا وإيابًا؛ بمعنى أن يرجع إلى العين ذلك النور الذي انطلق منها؛ وهذا مغاير لرفرفة الرموش.

  • والمراد من ذلك أنّ آصف قال: سأحضر لك هذا العرش بسرعة يكون مقدارها مثل أن تفتح عينك، وترى؛ ﴿فَلَمَّا رَءَاهُ﴾، فتجده فجأة حاضرًا؛ وهذا هو العلم!

  • يقول الإمام الصادق بخصوص هذا الأمر:

  • فإذا كان القرآن الكريم يقول عن الذي أحضر عرش بلقيس من سبأ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ﴾؛٣ فماذا عن الذي لديه الكتاب وعلمه؟!٤

  • وبنصّ الآيات القرآنيّة بذاتها، فإنّ أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام يمتلكون علم الكتاب: ﴿وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾٥.٦

  • فإذا تمكّن الذي عنده ﴿عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ﴾ من إحضار عرش بلقيس، فماذا عن الذي عنده علم الكتاب؟!

  • ومن هنا، يوجد لدينا [في تلك الرواية] أنّه:

  • رغم ما فعله آصف بن برخيا بواسطة علمه، فإنّ نسبة علمه إلى علمنا نسبة الماء الذي حمله طائر، وبلّل به منقاره؛ فأين ذلك من علمنا الذي هو كالمحيط۷!۸

    1. سورة النمل، الآية ٤۰.
    2. سورة النمل، الآية ٣٩.
    3. سورة النمل، الآية ٤۰.
    4. َ قَالَ [الإمام الصادق عليه السلام]: أَ فَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ كُلُّهُ أَفْهَمُ، أَمْ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب؟! 
    5. سورة الرعد، الآية ٤٣.
    6. بصائر الدرجات، ج ۱، ص ٢۱٢ ـ ٢۱٦.
    7. قال [الإمام الصادق عليه السلام]: فَهَلْ عَرَفْتَ الرَّجُلَ؟ وهَلْ عَلِمْتَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِهِ. قَالَ: قَدْرُ قَطْرَةٍ مِنَ الْمَاءِ فِي الْبَحْرِ الْأَخْضَرِ؛ فَمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ؟ قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا أَقَلَّ هَذَا! (الكافي، ج ۱، ص ٢٥۷). المعرّب
    8. بصائر الدرجات، ج ۱، ص ٢۱٣؛ الكافي، ج ۱، ص ٢٥۷؛ معرفة الإمام، ج ٤، ص ٩٦؛ أفق وحي (فارسي)، ص ۱٦۷.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

9
  • فنجد أنّ الإمام الصادق الذي يتحدّث بهذا الكلام ـ وهي رواية صحيحة وتوجد فيها بعض الشواهد على ذلك ـ يغضب على جاريته؛ لأنّه لحقها، فانتقلت من هذه الغرفة إلى تلك، ثمّ يقول بعد ذلك: «يَا عَجَبًا لِأَقْوَامٍ يَزْعُمُونَ أَنَّا نَعْلَمُ الْغَيْبَ!»؛ وفي هذه الحالة، أيّ الكلامين صحيح؟ فهل الكلام الأوّل هو الصحيح، أم الثاني؟۱

  • سؤال: ألا يُمكننا الجمع بين الروايتين بنحو من الأنحاء؟

  • جواب: وكيف يُمكننا الجمع بينهما؟ حسنًا، اجمعوا بينهما إذن!

  • كلاهما صحيح؛ فالإمام يريد أن يقول هنا: إنّ هؤلاء الناس يُريدون أن ينسبوا هذا العلم إلينا، في حين أنّنا لا نمتلكه! وأقسم بالله تعالى أنّني لا أستطيع حقًّا البحث عن جاريتي، والعثور عليها؛ إذ كلّما لحقت بها، أفلتت من يديّ؛ فحينما أنظر إلى تلك الجهة، أرى أنّ [ذلك العلم] لم يصدر منّي أنا، بل من الله تعالى، وحسب! وعليه، فإنّ هذا الكلام صحيح، وذلك أيضًا صحيح.

  • «الهى! چون به خود مى‌نگرم، از جمله خاكسارانم و خاك بر سر؛ و چون در تو مى‌نگرم، از جمله تاجدارانم و تاج‌ بر سر»٢

  • [يقول: إلهي، حينما أنظر إلى نفسي، أراني حقيرًا واضعًا التراب على رأسي؛ وعندما أنظر إليك، أراني ملكًا واضعًا التاج على رأسي]

  • يكى پرسيد از آن گمگشته فرزند***كه اى پيرِ روان‌روشن، خردمند
  • ز مصرش‌ بوى پيراهن شنيدى***چرا در چاه كنعانش نديدى؟!٣
  • [يقول: سأل أحدُهم ذاك الذي يبحث عن ولده أن: يا أيّها الشيخ العاقل ذو القلب المنير

  • إذا كنت قد أحسست بريح قميصه من مصر، فلماذا لم تتمكّن من رؤيته في بئر كنعان؟!]

  • فقد جاء في القرآن الكريم أنّ نبيّ الله يوسف أعطى قميصه لأخيه،٤ لكي يذهب به إلى أبيه يعقوب؛ غير أنّ نبيّ الله يعقوب وجد ريح قميص يوسف قبل أن يسافر من كنعان إلى مصر، حيث قال عليه السلام: «إنّي لأجد ريح (قميص) يوسف»، إلى أن جاء في نهاية المطاف، وألقى القميص على عنقه.٥

  • ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾؛٦ ففُتحت عينه التي كانت عمياء.

    1. للاطّلاع على تفاصيل هذه الرواية، راجع: معرفة الإمام، ج ٤، ص ٩٦ ـ ص ٩٩.
    2. مناجاة الخواجة عبد الله الأنصاري (فارسي)، ص ٩:
      «الهی، چون با توام، از جمله تاج دارانم، تاج بر سر؛ و اگر بی توام، از جمله خاکسرانم، خاک بر سر»
      [يقول: إلهي، حينما أكون معك، أكون من الملوك، وأضع التاج على رأسي؛ وعندما لا أكون معك، أكون حقيرًا، وأضع التراب على رأسي].
    3. كلّيات سعدي، الجُلستان (فارسي)، الباب الثاني، في أخلاق الدراويش.
    4. كمال الدين وتمام النعمة، ج ۱، ص ۱٤٢؛ تفسير الصافي، ج ٣، ص ٤٣؛ البرهان في تفسير القرآن، ج ٣، ص ۱٩٢.
    5. تفسير العيّاشي، ج ٢، ص ۱٩٦.
    6. سورة يوسف، الآية ٩٦.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

10
  • ﴿وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ﴾؛۱ أي أنّ سوادها تحوّل إلى بياض؛ فصار أعمى!

  • بگفت‌ احوال ما برق جهان است***دمى پيدا و ديگر دم، نهان است
  • دمى بر طارُم أعلى نشينيم***گهى تا پشت پاى خود نبينيم٢
  • [يقول: قال: أحوالنا مثل البرق الوامض؛ فأحيانًا يظهر، وأحيانًا يغيب

  • فتارةً، نجلس فوق القبّة العلياء؛ وتارةً، لا نستطيع رؤية ما يقع خلف أقدامنا]

  • فماذا يعني "برق جهان" [أي البرق الوامض]؟ يعني: "برق جهنده"؛ لأنّ "جهان" اسم فاعل، والألف والنون فيها لاسم الفاعل؛ نظير: "دوان" [أي الراكض].٣

  • فحينما يكون ذلك لله تعالى، فإنّ المسألة تكون بهذا النحو؛ وعندما لا نكون مع الله تعالى، [فإنّ الأمر سيصعب]!

  • فترى البعض يقولون: «كان يبلغ طول العبّاس عليه السلام كذا، فكيف يُمكنه [القيام بتلك الأعمال الخارقة للعادة] بين السماء والأرض؟ وهل تُصدّقون بهذه الأمور؟»، حيث نجدهم يذكرون هذا الكلام في مجالس العزاء!

  • ونجيب عن ذلك بعبارة واحدة فقط: حينما ترفعون هذه السكّرية من الأرض، هل تعتبرون أنّ ذلك حصل بحولكم وقوّتكم، أم بحول الله تعالى وقّوته؟

  • فإن قلت: «إنّ الأفعال الصغيرة والدنيويّة تحصل بسببي أنا؛ بينما تحدث الأفعال الكبيرة التي لا نقدر عليها من الله تعالى»، فإنّ ذلك سيكون شركًا؛ لأنّك ستكون قد قسّمت الدنيا إلى قسمين: قسم لك، وقسم لله تعالى؛ فما هو يسير، كرفع السكّرية، فإنّ الحول والقوّة وكلّ شيء فيه يُنسب إلينا؛ في حين أنّ إدارة الشمس والأرض والفصول الأربعة تُنسب إلى الله تعالى؛ وبالتالي، سيضحى لدينا إلهان؛ نظير يزدان وأهريمان! فهنا يوجد إلهان؛ وهذا عين الشرك! فأنتم لا تستطيعون الاستدلال على أنّ رفع هذه السكّرية تُنسب إليكم، لا إلى الله تعالى.

  • وأمّا إذا أردتم نسبة ذلك إلى الله تعالى، فلن يوجد أيّ فارق حينئذ بين الفعل العظيم واليسير! غاية الأمر أنّ قدرتي أنا تقتصر على النهوض؛ في حين أنّ العبّاس عليه السلام يقوم بإشارة، فيصل إلى السماء؛ ويقوم رسول الله بإشارة، فينشطر القمر إلى نصفين!

  • ولا يوجد شقّ ثالث في هذه المسألة، بل إنّها تنتهي عند هذا الحدّ.

  • حوار المؤلّف مع علماء أهل السنّة في ردّ عقائد الوهّابية

    1. سورة يوسف، الآية ۸٤: ﴿وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾.
    2. كلّيات سعدي، الجلستان (فارسي)، الباب الثاني في أخلاق الدراويش.
    3. تُستخدم كلتا اللاحقتين (ان) و(نده) في اللغة الفارسيّة للإشارة إلى اسم الفاعل. المعرّب

أسئلة وأجوبة عقائديّة

11
  • في السفر الثاني الذي تشرّفت فيه [بالحجّ]، كنت ذات يوم في المسجد الحرام برفقة السيّد محمّد صادق، والسيّد محمّد محسن اللذين كانا من حجّاج بيت الله الحرام، حيث كنّا جالسين بجوار المسجد الحرام بعد مرور ساعة واحدة من غروب الشمس؛ فجاء أحد العلماء السوريّين كان يعتقد أنّنا من عرب سوريا، وجلس، وسلّم؛ فتحدّثنا قليلاً؛ وأتى أيضًا أحد أئمّة جماعات المدينة بسبب أنّه كان من معاريفه، وجلس إلى جانبنا؛ ثمّ جاء بعض العرب الذين كانوا على علاقة بهؤلاء، فجلسوا، ليصير [الجالسون] عدّة أفراد. وقد كنّا نتحدّث مع ذلك العالم السوريّ الذي يُسمّى بالشيخ عمر عادل ملاحفجي، وكان من أهل حلب؛ وخلاصة القول أنّ كلامنا وصل إلى حدّ أنّني قلت له: بحقّ، لماذا لا تطلبون من هؤلاء أن يتوقّفوا عن هذه الانتهاكات؟! فهم جافّون جدًّا، ولديهم منطق سيّء للغاية! فتجد الناس يأتون من أمكان بعيدة لأجل الزيارة، فيرغبون في تقبيل قبر النبيّ؛ غير أنّ هؤلاء يأتون، ويضربونهم بالحبل على رؤوسهم، قائلين: «تنحّوا جانبًا أيّها المشركون، وكذا! فهذا مجرّد حديد، ولا يجوز تقبيله؛ لأنّه شرك!»؛ فيسلبون الزوّار حالاتهم [المعنويّة]!

  • فما هذا الكلام الخاطئ؟! وأيّ كلام هذا؟! فهل إنّ الذي يقوم بتقبيل قبر النبيّ مشرك؟ وحينما تُقبّل زوجتك، هل تكون قد ارتكبت شركًا؟! وعندما تُقبّل أباك هل تُعدّ مشركًا؟! وحينما تُقبّل أمّك، هل يكون ذلك شركًا؟! فالذي يُقبّل الحرم، لا يُقبّل [في الحقيقة] الحديد، بل إنّ كلّ أحمق يُدرك أنّه لا يُقبّل الحديد ولا الخشب، بل يُقبّل روح رسول الله، وأنّه يُريد إبراز محبّته، وإظهار بواطنه وميوله، حيث يُعدّ هذا التقبيل إبرازًا للعواطف والأحاسيس الباطنيّة. فحينما تُعانق الأم طفلها، وتُقبّله عن حبّ، هل بوسعنا أن نقول لها: لا تفعلي ذلك لأنّه شرك؟! فأيّ كلام هذا؟! فهذا الكلام مجانب للصواب! دعوا الناس أحرارًا في أن يُقبّلوا ويزوروا؛ فأنتم بهذا النحو تسلبونهم حالاتهم المعنويّة!

  • وقد رأيت أنّ جميع الناس الذين يأتون إلى هنا يرغبون في تقبيل حرم رسول الله، من دون أن يقتصر ذلك على الشيعة فقط؛ أي أنّ كافّة السنّة هم أيضًا على هذا المنوال؛ في حين أنّ هذه المسألة مختصّة بالوهّابية ومذهبهم، بحيث نجد أنّ السنّة بأنفسهم منزعجون منهم؛ وقد سمعت أنّهم في مصر يُقيمون مجلسًا في ليالي الجمعة عند قبر السيّدة زينب عليها السلام؛ فيأتي الخطيب، ويتحدّث، و...؛ وحينما ينتهي المجلس، يطلبون في دعائهم سقوط هؤلاء الوهّابية، وهلاكهم؛ أي أنّهم يدعون أن: يا إلهي، اقتلع هؤلاء الشياطين من الأرض، واجثتّ هؤلاء الملاعين منها!

أسئلة وأجوبة عقائديّة

12
  • دفاع عالم سنّي عن التوسّل بأهل البيت عليهم السلام

  • فقلت: حسنًا يا شيخ، فلماذا لا تطلبون منهم ذلك؟! هذا، مع أنّ ذلك الإمام ـ بأحد مساجد المدينة ـ كان جالسًا مع جماعته! فما إن قلت هذا الكلام، حتّى قال [الشيخ عمر]، وهو مغضب:

  • يا سيّدنا، والله هم مشركون، هم مشركون!

  • ثمّ قال:

  • حينما كنت أطوف في الصباح، رأيت بعض الإيرانيّين واقفين، وهم يتلون هذا الدعاء: «إلهي، بحقّ فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها»؛ وكان إمام جماعة المسجد الحرام مارًّا من هناك، فقال: «اخسأ، لا تتكلّم! هذا شركٌ...»؛ فأيّ كلام هذا؟! وما معنى: إلهي، بحق فاطمة وأبيها و...؟! فما هذا الكلام؟! إنّه شرك! لا تدع بهذا النحو!».

  • وكان يُقسم بالله تعالى أنّ المسألة التي أراد أن يقولها لم تكن حاضرة في باله أبدًا، وأنّ الله تعالى ألقاها في روعه في ذلك الحين، حيث قال: 

  • ما إن نطق إمام الجماعة ذاك بهذا الكلام، حتّى تقدّمت إلى الأمام، وقلت له: اخسأ! أنت مشرك، أنت مشرك!

  • (اخسأ يعني: اخرس! وتُقال للكلب، حيث يُراد منها: كُفّ عن عوائك!)

  • فتعجّب إمام الجماعة ذاك، وقال: «وكيف ذلك؟!».

  • قلت له: هل تقبل بالقرآن أم لا؟ قال: «نعم».

  • قلت: ألم يرِد في القرآن أنّ أخ نبيّ الله يوسف أخذ قميصه من مصر، وألقاه على عنق حضرة يعقوب، فارتدّ بصيرًا؟ قال: «حسنًا!».

  • قلت: من أيّ شيء كان ذلك القميص؟ قال: «من القطن والكتّان و...».

  • قلت: هل تعترف أنّ هذا القميص المصنوع من الكتّان أعاد البصر إلى نبيّ الله يعقوب؟! إذ لدينا في القرآن: ﴿فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا﴾؛۱ مع أنّه ورد أيضًا في الكتاب الكريم: ﴿وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾؛٢ قال: «أجل».

  • قلت: هل تعتقد أنّ قميصًا من كتّان أو قطن يمتلك هكذا تأثير، بحيث يقدر على شفاء عين حضرة يعقوب العمياء؛ لكنّ ابنة الرسول لا تتوفّر على هذا المستوى من القدرة، بحيث تدعو بدعاء، فيُستجاب لها، ولا تكون لها منزلة عند الله تعالى بمقدار قميص يُعيد البصر لعين عمياء، فتكون لنفسها المقدّسة مثل هذا التأثير؟!

    1. سورة يوسف، الآية ٩٦.
    2. سورة يوسف، الآية ۸٤.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

13
  • (قال): «والله سيّدنا، خسأ، خسأ!»؛ أي أنّه خرس حينما سمع كلامي، ولم يستطع الإجابة، أو التفوّه بكلمة واحدة».۱

  • وتوجد روايات كثيرة في صحاحهم المعتبرة مثل صحيح البخاريّ ومسلم بخصوص زيارة أهل القبور، وزيارة رسول الله وكيفيّة هذه الزيارة؛٢ ومع ذلك، تجد الوهّابية يتصرّفون بهذا النحو رغم أنّ هذه الكتب كتبهم!

  • فهؤلاء أناس جفاة جدًّا؛ وخلاصة القول، إذا أردت أن تحسب الأمور جيّدًا، فعليك أن تُشبّههم بالمسيحيّين [الكاثوليكيّين]، والذين يتوفّرون على مذهب جافّ وفارغ وخال من كلّ مضمون، حيث تجدهم يقولون: اعطنا الأموال، وسنشتري لك الجنّة والنار؛ ونفعل كذا، فتدخل إلى الجنّة! فامنح الكنيسة والقسّيس مبلغًا من المال، وارتكب كلّ جريمة تحلو لك، واكذب كما تشاء و...!

  • اشتراك الوهّابية مع الأخباريّين في رفض العقل وهدم الدين

  • فهؤلاء الوهّابيين يظلّون مثل الأخباريّين بعينهم، حيث نجد الأخباريّين عندنا لا يقبلون بالفلسفة، ولا يوجد لديهم تعقّل ولا دراية بتاتًا! ويقولون: كلّ ما ورد في ظاهر الأخبار، خذه، واعمل به؛ ولو جاء فيها: ازن بأمّك! وإذا قلت لهم: كيف ذلك، والزنا بالأمّ مخالف للقرآن؟! سيقولون: «لقد ورد ذلك في الأخبار»؛ حسنًا، قد يكون ذلك ورد في الخبر، لكن في أيّ خبر؟ هل في خبر صحيح؟! فإذا أراد الإنسان أن يتيقّن من صحّة الخبر، ألا يجب عليه أن يستعين في ذلك بقوّته العاقلة؟ يقولون: «كلاّ! فالعقل غير حجّة»؛ لكن، إن لم يكن العقل حجّة، فبأيّ قوّة سيتمكّن الإنسان من معرفة أنّ الإمام الصادق نطق بهذا الكلام أم لا؟ فهؤلاء الوهّابية يُشبهون الأخباريّين الجفاة عندنا الذين لا يفقهون شيئًا، بل ويكونون بأنفسهم سببًا في القضاء على الدين والشريعة!٣

  • وبعد ذلك، أعطانا الشيخ عمر إحدى البطاقات التي طُبع عليها اسمه، ودعانا للقدوم إلى حلب، وقال: «تعال إلى حلب، وانزل عندي ضيفًا، وتحدّث إلى الناس هناك! وانظر إلى أخواتي، فهم صالحات، وسيأتين للتحدّث إليك؛ فقلوبهم على درجة كبيرة من الطهارة، كما أنّ بنات حلب ونساءها ما لم يرين السيّد الزهراء في المنام، يبقين منزعجات، ويقلن: «إنّ إيماننا غير مقبول»؛ فعليهنّ أن يرين في نهاية المطاف السيّد الزهراء في المنام، حتّى تطمئنّ قلوبهنّ!».

    1. للاطّلاع على حوار المؤلّف مع ثلّة من علماء أهل السنّة في المسجد الحرام، راجع: معرفة الإمام، ج ٥، ص ۱٣۷.
    2. مسند أحمد، ج ۱، ص ۱٤٥؛ ج ٥، ص ٣٥٥ و٣٦۱؛ سنن ابن ماجة، ج ۱، ص ٥۰۰؛ سنن الترمذيّ، ج ٢، ص ٢٥٩؛ صحيح ابن حبّان، ج ۷، ص ٤٤۱.
    3. لمزيد من الاطّلاع على المدرسة الأخباريّة، راجع، معرفة الإمام، ج ۱٤، ص ۱۱٥ ـ ۱۱۸.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

14
  • وعلّة ذلك أنّ الحلبيّين كانوا شيعة بأجمعهم؛ وحينما سيطر صلاح الدين الأيّوبي ـ لعنة الله عليه ـ على حلب، قتل في يوم واحد من الصباح إلى الغروب تسعين ألف شيعيّ؛ ثمّ جاء بعد ذلك إلى مصر، وأسقط حكومة الفاطميّين هناك؛۱ فأصبحوا في البداية حنابلة، ثمّ صاروا شافعيّين؛ وهم الآن حنفيّون. فعمد طيلة اليوم إلى قطع الرؤوس، وغيّر الحكم، وقَتَل جميع الموالين الشيعة؛ وفي هذا العصر، نجد أنّ المصريّين قريبين إلينا جدًّا، في مقابل السعوديّين؛ وبقدر ما يكون هؤلاء السعوديّون أعداء لنا، تجد المصريّين قريبين منّا، ومعتدلين، ويُحبّون بأجمعهم أهل البيت؛ وخلاصة القول، أنّهم قريبين منّا جدًّا، حيث نتج ذلك عن آثار السابقين التي ظلّت راسخة فيهم.

  • نموذج عن أهمّية احترام المعلّم والأستاذ في الإسلام

  • سؤال: ذكر أستاذنا أنّه: «ذات يوم، ذهب سماحتكم عنده بشوق وشعف، وقلتم له: "أريد أن أصبّ على أيديكم الماء لكي تغسلوها"، وأبديتم محبّتكم تجاهه، وقلتم: "لقد كنت معلّمي، ومن واجبي أن أقبّل يدك، وأتواضع أمام أستاذي!"»؛ وقال أيضًا: «إذا أرادت شخصيّة كهذه أن تقف بكلّ خضوع أمام أستاذها، وسعت بحالة من الشعف أن تصبّ الماء على يده وتغسلها، فلعلّ ذلك يكون اختبارًا بالنسبة إلينا، وتنبيهًا لنا بأن نكون خاضعين أمام أساتذتنا ومعلّمينا!».

  • جواب: هذا، مع أنّ ذلك لم يكُن بشيء ذي بال! فقد قال حضرة أمير المؤمنين عليه السلام:

  • مَن عَلَّمَني حَرفًا، [فقد] صيَّرَني عبدًا.

  • وهذه المسألة ـ طبقًا لأحد المعايير الفلسفيّة ـ متقنة جدًّا؛ إذ متى ما سيطر الإنسان على أحدٍ، صار عبدًا له، حيث كان البعض يدفعون الأموال، ويشترون بها عبدًا، فيصير مملوكًا لهم؛ مثلما أنّ هؤلاء المعلّمين المعنويّين يشترون نفس الإنسان بواسطة تعليمه إيّاه؛ وبالتالي، تصير هذه النفس مملوكة لهم؛ ومن هنا، إذا قال أمير المؤمنين: «مَن عَلَّمَني حَرفًا، [فقد] صيَّرَني عبدًا»، فإنّ ذلك ليس من الخطابة في شيء، بل هي من «القضايا التي قياساتُها مَعَها».٢

  • فقد كان الحاج الشيخ عبد الجواد الأصفهاني الذي تحدّث بهذا الكلام من الأعاظم؛ وحينما كنت مقيمًا بمدينة قمّ، كان الشيخ رجلاً فاضلاً، زاهدًا، عابدًا، مؤمنًا بالله تعالى، متقيًّا، وذا دراية وفهم.

    1. لمزيد من الاطّلاع على المجزرة التي ارتكبها صلاح الدين الأيّوبي في حقّ شيعة حلب، راجع: معرفة الإمام، ج ۱۸، ص ٣٣٩ ـ ٣٤٣.
    2. عبارة منطقيّة يُراد منها الإشارة إلى القضايا البديهيّة التي لا تحتاج إلى دليل؛ ولمزيد من الاطّلاع، راجع: الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، ص ٢۰٢. المحقّق

أسئلة وأجوبة عقائديّة

15
  • فدرست عنده معظم شرح اللمعة، وكلّ كتاب القوانين، وقسمًا كبيرًا من كتاب الرسائل، والجزء الأوّل من كتاب الكفاية، ولعلّي أيضًا درستُ عنده نصف كتاب المكاسب في المجموع.

  • وكانت عنده غرفة في أعلى الممرّ الواقع بين المدرسة الفيضيّة ومدرسة دار الشفاء؛ وحينما كان يذهب للتحضير، كان ينظر في الحواشي، ويُطالع بجدّ؛ وكان مسلّطًا على المسائل والأبحاث، كما كان يتحدّث [في درسه] بهدوء وتأنّ كبير.

  • فحينما كنت أدرس كتاب المكاسب، علمت أنّه لا يرغب في الذهاب إلى أصفهان في الصيف؛ لأنّه لم يكن متزوّجًا في ذلك الحين، وكان يقطن بتلك الغرفة الواقعة أعلى الممرّ، والتي كانت مفروشة بحصير من خوص؛ كما كان سمك فراش نومه مثل سمك اللحاف، وكانت عمامته من الكرباس، ولباسه بهذا النحو أيضًا؛ مع أنّه كان حفيدًا للمرحوم المحقّق الكركيّ، ومن رجال الفضل والعلم! وقد تأخّر في الزواج؛ إذ حينما كان عمري في قمّ بين الثانية والعشرين والرابعة والعشرين، كان يبلغ هو أربعين أو أربعة وأربعين سنة من العمر كحدّ أقلّ؛ وقد توفّاه الله تعالى حينما كان يبلغ الخامسة والثمانين من العمر تقريبًا؛ وأمّا سبب عدم زواجه، فيرجع إلى عدم توفّره على القدرة المالية لتأمين نفقاته؛ فكان يعيش بمنتهى العفّة، بل بما هو أعلى من ذلك: بمنتهى النزاهة والعصمة!

  • وكان رجلاً فاضلاً وعالمـًا لا يقلّ شأنًا عن آية الله الكلبايكانيّ وأمثاله، إن لم نقل: إنّه كان يُناظرهم في المرتبة، حيث كان له وضع خاصّ جدًّا، وكان كلامه دقيقًا ولطيفًا ومدروسًا، إلى درجة أنّني لم أسمع منه طيلة حياتي، ولو كلامًا واحدًا عاديًا؛ إذ كانت كلّ كلماته إمّا درسيّة، أو بحثيّة.

  • وبعد ذلك، تزوّج، وأنجب أولادًا صالحين جدًّا، وفضلاء، وعلماء، يوجد بعضهم الآن في قمّ.

  • وقد بعثه السيّد البروجرديّ ـ بصفته العالم والمدرّس الوحيد ـ إلى مدينة كرمانشاه، ليُدير حوزتها العلميّة، حيث بقي هناك لمدّة عشر سنوات، ثمّ رجع إلى قمّ، ليمارس فيها التدريس؛ وفي السنوات الأخيرة [من عمره]، أجرى عمليّتين على عينه، وعمليّتين على البروستات في مستشفى طهران، تأذّى منهما كثيرًا؛ فظلّ في بلدة "سدة" [من توابع أصفهان]، حيث كان ينتمي إليها؛ ولهذا، كنّا نُسمّيه أيضًا بالسدّي.

أسئلة وأجوبة عقائديّة

16
  • وللشيخ حقّ كبير عليّ؛ وحتّى إذا قبّلت يده، هل سيفي ذلك بحبّة واحدة من المسائل [التي درسّني إيّاها]! وأنا بحقّ مَدينٌ لأساتذة كانوا حقيقةً لله تعالى، ويُدرسّون في سبيله تعالى. فرغم أنّني لم أدرس عنده العرفان والتفسير والحكمة، بل درست عنده الفقه والأصول؛ لكن، بما أنّ الأساس كان هو الدين، والمنهج كان هو المنهج الدينيّ، وكان تدريسه بأجمعه لله تعالى، فإنّه سيُأجر على ذلك كلّه، وسيبقى ذلك بأجمعه ذخيرة له في تلك العوالم التي سيرحل إليها.

  • وقد لاقى إلى آخر عمره العديدَ من المتاعب، والآلام، والمصائب، والأمراض القاسية جدًّا؛ فكان رجلاً عظيمًا وشريفًا وعزيزًا وسيّدًا بتمام معنى الكلمة!

  • ندعو الباري عزّ وجلّ أن يتغمّده إن شاء تعالى برحمته، وأن يرحمنا نحن كذلك.

  •  

  • اللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحمَّدٍ وآلِ مُحمَّد