82

تعامل المرأة مع غير المحارم

على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

2579
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتدبير والأسرة


التوضيح

هل يجوز للحكومة الإسلاميّة الاهتمام بالجانب الظاهريّ وإهمال الجانب الباطنيّ؟ ما هو الهدف الأساس الذي تصبو إلى تحقيقه الحكومة الإسلاميّة للمرأة والرجل؟ ما هي خير النساء؟ لمن وُضع النظام التكامليّ في الإسلام؟ ألا يوجد اختلاف بين المرأة والرجل في الخصائص والاستعدادات وبالتالي التكاليف؟ ما هي الأضرار النفسيّة والملكوتيّة لتعامل المرأة مع غير المحارم؟ كيف يُمكن للمرأة الوصول إلى هدفها المنشود؟ هي أسئلة سعى سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه للإجابة عنها في هذه المحاضرة الشريفة التي عقدها لإنهاء الحديث عن مسألة العلاقة بين المرأة والرجل.
/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • تعامل المرأة مع غير المحارم على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۸٢

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم 

  • بسم الله الرّحمن الرّحيم 

  • الحمد لله ربّ العالمين 

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا وحبيب قلوبنا وطبيب نُفوسنا

  • أبي القاسم محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين 

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين الى يوم الدين 

  •  

  •  

  • كان بحثنا يدور حول نحو الارتباط بين الزوجين، حيث تحدّثنا عن الحقوق التي للمرأة على الزوج، وبالمقابل، عن الحقوق التي للرجل على المرأة؛ ولا يخفى أنّ المسائل التي تُطرح هنا ـ كما أشرنا سابقًا ـ تتكّئ على ما يُستفاد من نصوص الأحاديث والروايات القطعيّة والموثّقة الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، وكذلك التواريخ والقرائن والشواهد الدالّة على ذلك، من دون أيّ تدخّل، أو إبراز للذوق، أو تبديل وتغيير وتأويل وتبرير.

  • ومن هنا، سأسعى لكي أبيّن للرفقاء والأصدقاء ما ورد عن الأئمّة عليهم السلام بخصوص هذه المسألة، وكذلك ما جاء في سيرة أولياء الدين ومنهجهم من مؤيّدات لمفاد الروايات والأحاديث، وأيضًا كلمات العظماء في هذا المجال كشاهد صدق على هذه الروايات والأحاديث وما وصلنا عن الأئمّة عليهم السلام، من دون زيادة أو نقصان.

  • ضرورة اهتمام الحكومة الإسلاميّة بكلا الجانبين الظاهريّ والباطنيّ

  • وسنعمل إذا وفّقنا الله تعالى على إكمال هذا البحث اليوم إن شاء الله تعالى وبحوله وقّوته، على أن نتطرّق بتوفيقٍ منه سبحانه إلى موضوع آخر في الجلسة القادمة؛ لكن، لإنهاء ذلك البحث، يتعيّن علينا استعراضُ مسألتين أو ثلاث بعنوان مقدّمة:

  • المسألة الأولى: كما بُيّن للأحبّاء في ضمن الأبحاث المطروحة بخصوص المبادئ السياسيّة للحكومة الإسلاميّة، فإنّ أبرز تكليف ومهمّة ملقاة على عاتق الحكومة ـ لا سيّما الإسلاميّة ـ تجاه رعاياها وشعبها هي أنّها مطالبة في كلا الجانبين الظاهريّ والباطنيّ، وكلا الطريقين الكماليّين المرتبطين بالقوانين الاجتماعيّة وبتكميل النفوس وإيصالها إلى مرحلة الفعليّة أن تتحرّك بالموازاة مع هذا التيّار الاجتماعيّ. فالخاصّية التي تتميّز بها الحكومة الإسلاميّة عن بقيّة الحكومات أنّ كلّ اهتمام المسؤولين في هذه الحكومات يتمحور ـ على فرض تحقيقها للعدالة ـ حول تطبيق الشؤون الظاهريّة للناس على ما تقتضيه هذه العدالة، بحيث يكون بوسع كلّ واحد تفعيل الإمكانات والاستعدادات التي يتوفّر عليها، من دون أن يُواجهه أيّ مانع، أو يشعر بأيّ رادع أو مضايقة؛ فإذا كان أحدٌ يتوفّر على أموال وإمكانات واستثمارات في أيّ مجال يسمح به القانون، فإنّ ما يهمّ هنا هو فقط ألاّ يجري التعدّي على حقوق الآخرين في هذه الأمور والشؤون الاجتماعيّة، وعلى مستوى الشغل والعمل؛ وأمّا في غير ذلك، فإنّه لا يجوز للحكومة أن تمنعه من القيام بأيّ فعل يُريده؛ وإذا لم يستطع الاستفادة من هذه الإمكانات، فسيكون هو المقصّر؛ كأن يكون الكسل هو الذي يُؤدّي به إلى ذلك؛ كما أنّه إذا كان هناك شخص يمتلك استعدادًا معيّنًا، وبمقدوره الاستفادة من هذا الاستعداد لتطوير ذاته وبلوغه مرحلة الفعليّة، فإنّ الحكومة والمجتمع يُهيّئان له الأدوات اللازمة لذلك؛ فهذه هي غاية الاهتمام والعناية التي يُمكن لحكومة عادية أن تُوفّرها للناس كحدّ أقلّ؛ وأمّا بالنسبة لسعي هذه الحكومة إلى تحقيق الفائدة [المعنويّة] للناس، وبلوغهم الكمال الروحيّ، فإنّنا لا نجدها تهتمّ بذلك؛ ولهذا، إذا استطاع أحد أن يُدخل للبلد وسائل هدم القيم الأخلاقيّة، فإنّ مثل هذه الحكومة لا تمنعه من ذلك؛ فإن أراد أن يأتي بها للبلد، فليأت بها! ومن شاء، فليستعملها، ومن شاء، فليمتنع عن ذلك؛ وإذا أراد أحد نشر الكتب الضالّة والهدّامة للأفكار، فإنّ الحكومة لن تحجزه عن ذلك؛ ومن شاء، فليقرأها، ومن شاء فلا يقرأها، ولن يكون هناك من يقف في وجهه؛ مثلما نشاهده الآن في العديد من الحكومات في العالم؛ لكن، ليس في كلّ هذه الحكومات التي تدّعي الالتزام بالديمقراطيّة ومنح الحرّية العمليّة والفكريّة الأخلاقيّة على مستوى الشؤون الاجتماعيّة؛ أجل، هذا الأمر متحقّق في بعض هذه الدول، ولا يُمكننا الادّعاء بأنّه غير موجود بتاتًا، حيث إنّ القبول به أو رفضه متوقّف على الأجواء الثقافيّة الحاكمة على كلّ مجتمع؛ أي أنّ هذه المسائل لا ترتبط بالحكومة؛ لأنّ الحكومة تمنح لكلّ واحد الحرّية في التصرّف؛ وهنا، قد تسمح ثقافة أحد المجتمعات بهذه الحرّية وتُرحّب بها، وقد ترفضها ثقافة مجتمع آخر، وتمنع من تسلّل تلك الوسائل الهدّامة؛ فهذا أمر يتوقّف على ثقافة كلّ مجتمع.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

3
  • ففي مثل تلك الحكومات، ما يُهدف إليه هو تحقيق الرفاهيّة النسبيّة لأفراد المجتمع، وما يُغفل عنه هو عدم الاهتمام بالتكامل النفسيّ والرقيّ الروحيّ لهؤلاء الأفراد، حيث يُهمل هذا الأمر بشكل كامل في هذه الحكومات، والتي لا تنشغل بالنهاية التي يُختم بها، والمقصد الذي يؤول إليه هذا المسار الاجتماعيّ؛ لأنّ مهمّتها تقتصر على تحقيق الراحة والأمن وإرساء العدالة الاجتماعيّة، بحيث لا يشعر أيّ واحد بالمضايقة من أجل الوصول إلى مبتغاه.

  • وأمّا الفارق بين الحكومة الإسلاميّة وهذه الحكومات، فيتمثّل في أنّ مهمّة الحكومة الإسلاميّة تكمن في منح القيمة بدرجة تسعين في المائة لتكامل النفس، وعشرة في المائة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة؛ أي أنّها لا تكتفي بالاعتناء بمسألة التكامل النفسيّ والرقيّ الروحيّ وسط أفراد المجتمع، بل تجعل هذه المسألة محطًّا لجُلّ اهتمامها الوطيد، ومعظم تركيزها الكبير؛ لكن، بما أنّ مراعاة العدالة الاجتماعيّة من أساسيّات التكامل الروحيّ في المجتمع الإسلاميّ، فإنّه من اللازم الاهتمامُ بشؤونها الظاهريّة، وذلك من باب الشرط اللازم والركن المهمّ لتحقّق هذا الأمر؛ فانظروا كيف أنّ الركيزة الأساسيّة التي تعتمد عليها هذه المسألة قد تغيّرت فجأة بنحو مطلق.

  • ومن هنا، لا يستطيع أيّ أحد تحت ظلّ الحكومة الإسلاميّة أن ينشر الكتب الضالّة والمهدّمة للأفكار، ثمّ يوكل قبولها أو رفضها إلى آراء المجتمع، بحيث إذا ارتضتها هذه الآراء، فإنّ الناس يذهبون، ويشترونها، وإذا لم ترتضها، فإنّها تبقى موضوعة هكذا في المكتبات! لا، ليس الأمر بهذا النحو؛ فلا يُمكن لأحد بعد ذلك إشاعة وسائل هدم المعتقدات والقيم الإنسانيّة بين أفراد المجتمع؛ فالأفلام المفسدة للنفوس والمدمّرة للقيم ممنوعة في الحكومة الإسلاميّة، كما أنّه يُحظر في هذه الحكومة إدخال الكتب المهدّمة للقيم الأخلاقيّة، ويُمنع ظهور الأفراد بشكل غير مناسب، بحيث يُؤدّي ذلك إلى استثارة النفوس وتشويق الأذهان، ويُمنع أيضًا إذاعة كافّة المسائل التي تُساهم في تشويش الأفكار.

  • الهدف الأساس للحكومة في الإسلام تمهيد الأرضيّة لرقيّ الاستعدادت المادّية والمعنويّة

  • فالهدف الأساسيّ الذي تصبو إليه الحكومة الإسلاميّة أنّه: من حين ولادة الطفل، إلى أن يضع رأسه على الأرض، ويرتحل عن هذا العالم، يكون بوسعه في هذه الحكومة المحافظةُ على دينه ومعتقداته، مع تحقيق الرفاهية والعدالة الظاهريّتين بأفضل نحو؛ أي: من حين خروج الإنسان من بيته، ودخوله إلى الشارع، إلى أن يصل إلى محلّ عمله، ويرجع، لا ينبغي أن يواجهه أيّ منظر مفسد للقيم الأخلاقيّة أثناء دخوله إلى محلّ العمل، أو الجامعة، أو المؤسّسة؛ فهذا هو الهدف والمراد من تأسيس الحكومة الإسلاميّة أيّها السادة! وعلى الإنسان أن يشعر حين العيش في المجتمع بالأمن التامّ ـ بتمام المعنى ـ على نفسه وزوجته وأطفاله، فيشعر الأمن الظاهريّ والماليّ والنفسيّ؛ ولا بدّ أنّ مجموعة من المسائل تدور في خُلد الرفقاء، وأنّهم يضحكون في قرارة أنفسهم حينما أتحدّث بمثل هذا الكلام، حيث يظهر من ملامحهم أنّهم يُحدّثون أنفسهم ببعض المسائل؛ وعلى الإنسان أن يشعر بالأمن الاقتصاديّ؛ يعني: عندما تصفّ سيّارتك في جانب الشارع، فعليك أن تجدها على حالتها الأولى، ولو تركتَ جميع أبوابها مفتوحة، ورجعت إليها بعد مرور شهر واحد؛ فهذا هو الذي يُقال له الأمن في الحكومة الإسلاميّة؛ فإذا فتحتم باب منزلكم ...؛ ولا تظنوّا بأنّ هذا الكلام يندرج في ضمن المزاح والهزل، بل إنّه كلام واقعيّ، كما أنّه موجود بهذا النحو في بعض الأماكن.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

4
  • وهكذا الشأن أيضًا بالنسبة للأمن على النفس؛ فإذا أرد أحدهم أن يذهب من موضع من المدينة إلى موضع آخر، عليه أن يشعر بالاطمئنان التامّ؛ فمن خلال وضع القوانين ومتابعتها، ينبغي أن يكون بوسع الإنسان والمرأة والبنت أن يُسافروا من ناحية من المدينة إلى ناحية أخرى من البلد، من دون أدنى شعور بالقلق والاضطراب، حيث إنّ ذلك من وظيفة الحكومة الإسلاميّة، علاوةً على وظائف أخرى تحدّثنا عن العديد منها سابقًا، وظلّ البعض منها مسكوتًا عنه. 

  • وفي هذه الحالة، سيكون بوسع هذه الحكومة إيصال الناس بحسب درجتهم من الاستعداد النفسيّ والإدارك الذهنيّ إلى تلك المرتبة من الطلب والإرادة التي يتوفّرون عليها، لتضع كلّ واحد في ذلك المستوى من الرقيّ الروحيّ الذي يُريده؛ فحينما سيأتي إمام الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف وجعلنا من شيعته ومواليه وأرواحُنا لتراب مقدمه الفداء، فإنّه سيعمل على إيجاد هذه الحكومة؛ فهو عليه السلام لن يأتي لكي يطرق باب كلّ واحد من أجل إيقاظه لصلاة الصبح، ولن يأتي لكي يدقّ باب كلّ واحد، ويُملي عليه مجموعة من المسائل والأوامر، بل سيُمهّد الأرضيّة في المجتمع، بحيث ينتفي تفكير الناس في المعصية من الأساس؛ فلا يعُد يخطر في ذهن الإنسان حتّى التفكير في السرقة؛ لأنّه يعلم أنّ المتّصدي له هو إمام الزمان وحكّامه إذا ما أراد الإقدام على هذا الفعل، حيث لن يوجد هناك أيّ مجال للارتشاء، والتملّص، وتغيير الملفّات، وأمثال ذلك؛ فإذا عمد إلى السرقة، فإنّ يده ستُقطع أمام أعين الناس؛ وإذا تعدّى على أحد، فإنّه سيُشنق في الساحة؛ فالمسألة هناك هي بهذا النحو.

  • ومن ناحية الوسائل الرفاهيّة، فإنّها ستكون متوفّرة للجميع، ومن ناحية متابعة القوانين، فإنّها ستتمّ بأشدّ نحوٍ، ووجهٍ، ومن دون أيّ تساهل مطلقًا؛ وحينئذ، هل سيجرأ أحد على ارتكاب السرقة؟! وهل سيتمكّن أحد من الإقدام على إزهاق الأرواح؟! وهل سيكون بمقدور أحد الإخلال بأمن المجتمع؟! وهل سيستطيع أحد العبث بالأمن الاقتصاديّ للمجتمع؟! فمن سيقدر على فعل ذلك؟! فهذه الوظيفة هي وظيفة الحكومة الإسلاميّة.

  • فهذا هو الإطار الذي وُضعت فيه الأحكام الإسلاميّة؛ يعني أنّها موضوعة على أساس تلك الأهداف والمقاصد الإسلاميّة العالية التي بيّنتُ نزرًا منها للأحبّاء والرفقاء آنفًا. فبالنظر إلى مثل هذه الظروف، جُعلت في الإسلام مجموعة من الأوامر تختصّ بالعلاقة بين الزوجين؛ والمراد من ذلك أنّ الإسلام أمرَ بمراعاة القوانين والشؤون المرتبطة بالطرفين في ضمن هكذا ظروف، أي في تلك الظروف التي يتمكّن فيها الناس ـ بواسطة مراعاة تلك المسائل ـ من تطبيق الجانبين معًا، وليس جانبًا واحدًا فقط. فالأوامر الموضوعة في الإسلام هي أوامر إن امتثل لها الإنسان، فإنّها تُحقّق له الجانبين معًا: جانب الظاهر، وجانب الرقيّ الروحيّ، لا أنّها تُحقّق جانبًا واحدًا فقط، وتُهمل الجانب الآخر.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

5
  • الملاك في الأفضليّة بالنسبة للنساء

  • فحينما يأمر الإسلام المرأة بعدم الحديث مع الرجل في المجتمع الإسلاميّ، فإنّ في ذلك إشارةٌ إلى هذا الأمر. وعندما تقول السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام ـ والكلام منها هي والرواية صحيحة السند ومن طرق متعدّدة، فلا شكّ في نسبتها إليها ـ : «خير النساء أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْنَهُنَّ»، فإنّ هذا الكلام موجّه لهذا المجتمع الذي يلتزم فيه كلّ من الرجل والمرأة بذلك الجانبين معًا وبشكل متوازي، لا أن يهتمّا بالمسائل الظاهريّة فقط، ويُهملا المسائل الأخرى؛ ولا أن يكتفيا بتحصيل لقمة الخبز، وينسيا كافّة القيم المكنونة فيهما؛ ولا أن يقتصرا على الظفر ببعض الوسائل والإمكانات الظاهريّة، ويغفلا عن ذلك الأصل والهدف المتمثّل في الكمال النفسيّ، والذي جاءا إلى هذه الدنيا لأجله؛ فهذا لا يصحّ!

  • في رواية منقولة عن الشيعة، ونقلها بالمناسبة أيضًا أهل السنّة، كان الرسول الأكرم يتحدّث في المسجد، والصحابة كلّهم جالسون، فطرح عليهم سؤالًا، وقال لهم: اذهبوا، واعثروا على جواب عنه، حيث كان صلّى الله عليه وآله وسلّم ينتهج هذا الأسلوب أحيانًا، فقال لهم: «مَا خَيْرُ النِّسَاءِ؟»؛ فأجاب كلّ واحد بكلام، وقدّم جوابًا؛ ثمّ أتى أمير المؤمنين إلى المنزل، ونقل هذا الكلام إلى زوجته السيّدة فاطمة الزهراء؛ ولاحظوا هنا أنّها عليه السلام كانت متّصلة بقلبه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وبمبدأ الوحي؛ ولهذا، فإنّ الكلام الذي تذكره هو عين الكلام الذي جاء على قلب النبيّ؛ فلأنّها متّصلة، فإنّها تعلم؛ وإذا كنّا نحن غير متّصلين، فلن نعلم! لكن، بما أنّها متّصلة، فإنّها تفهم بنفسها من دون تماسّ [مباشر]؛ فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ والدك رسول الله طرح هكذا سؤال في المسجد، فقالت السيّدة الزهراء مباشرة: «[خير النساء] أَنْ لَا يَرَيْنَ الرِّجَالَ وَلَا يَرَوْنَهُنَّ»۱. وهذه نفس المسألة المنقولة في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيّته للإمام الحسن عليه السلام بحاضرَين، حيث قال: «وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك، فافعل»٢؛ أي: إن تمكّنت من القيام بفعل، بحيث لا يعرفن غيرك من الرجال المحارم، وليس الأخوة والأخوال والأعمام وأمثال ذلك، بل من المحارم، فلا يتحدّثن معهم، ولا يلتقين بهم، فافعل.

    1. بحارالأنوار، ج ٣۷، ص ٦۷. المعرّب
    2. الكافي، ج ۱۰، ص ٦۰٦؛ نهج البلاغة، ضمن الرسالة ٣۱، ص ٤۰٥.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

6
  • وبعدما قالت السيّدة الزهراء هذا الكلام، أتى أمير المؤمنين إلى المسجد، حيث كان الرسول لا يزال جالسًا هناك، فقال له: إنّ ابنتك تقول: إنّ خير النساء ألاّ يرين الرجال، ولا يرونهنّ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: أجل، إنّ المسألة بهذا النحو «إنَّها بضعة مِنّي»۱؛ أي لأنّ الزهراء بضعة منّي، فإنّها علمت بهذه المسألة، ولأنّ وجودها منّي، فإنّها تمكّنت من استيعابها.

  • إنّ هذه المسألة مُتضمَّنة في النظام التكامليّ الإسلاميّ، غير أنّنا نجد البعض يقول: أيّها السيّد، إنّ هذا الكلام يصلح لما قبل ألف وأربعمائة سنة! وهذه الكلمات عفا عنها الزمان! فهذه الكلمات صارت منسوخة في عالمنا المعاصر الذي يعيش فيه الرجل والمرأة ويسود فيه الاختلاط! أجل، لقد صارت منسوخة، ولهذا، وصل الناس إلى هذا المستوى! لقد صارت منسوخة، ولهذا، صارت الإحصائيّات تحكي عن كذا وكذا! فنحن أيضًا نعلم أنّها صارت منسوخة. ويقولون: إنّ هذا العصر يختلف عن ذلك العصر! ويُمكننا القيام بأيّ شيء تأييدًا للإسلام، فتخرج النساء في المظاهرات، ويرفعن أصواتهنّ، ويأتين أمام الرجال، ويصدحن بالشعارات؛ أ ولم تخطب السيّدة زينب في الكوفة؟! أ ولم تتحدّث سلام الله عليها في مجلس يزيد؟!

  • لقد كان المرحوم الوالد رضوان الله تعالى عليه يقول: كانت السيّد زينب تبلغ في واقعة كربلاء الخامسة والخمسين من العمر، فهل يُمكنكم العثور طيلة المدّة التي كانت فيها بالمدينة على مورد تاريخيّ واحد تحدّثت فيه إلى الرجال، أو أنّها ألقت خطبة، أو صدحت بشعار في شوارع المدينة تأييدًا لوالدها، أو ألقت شعارات ضدّ عمر وأبي بكر وعثمان؛ وكذلك الشأن بالنسبة إلى السيّدة سكينة والسيّدة أمّ كلثوم؟

  • وبشكل عامّ، فإنّ هذا هو ما نُشاهده في التاريخ؛ وحينئذ، فإنّ البقيّة هم أعلم بما يقولون؛ فنحن لا نجد أنّ السيّدة زينب ... فحينما أرادت سلام الله عليها أن تُغادر المدينة في اتّجاه مكّة برفقة سيّد الشهداء، فإنّ مجموعة كبيرة من بني هاشم ـ كانوا من المحارم ـ أحاطوا بهودجها، حتّى لا تقع أعين غير المحارم عليها حينما تُريد أن تمتطيه؛ مع أنّ ذلك حصل في منتصف الليل! فهكذا كان ارتباطها بالرجال؛ أجل، كانت السيّدة زينب لا تتوفّر في مجلس يزيد على وشاح؛ لكن، ما الذي حصل هناك؟ وهل ينبغي أن يكون الأمر الآن بهذا النحو أيضًا؟!

    1. بحار الأنوار، ج ٣٦، ص ٢۸۸، الباب ٤۱، نصوص الرسول صلّى الله عليه وآله.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

7
  • النظام التكامليّ للرجل والمرأة موضوع لمن يرغب في الوصول إلى الكمال

  • فهذا هو نظام رقيّ الرجل والمرأة وتكاملهما؛ وكلّ من يقبل بهذا النظام، فإنّه يصل بنفسه إلى الكمال، وكلّ من لا يرغب في القبول به، فلا يوجد من يُصرّ عليه. لقد جاء رسول الله، وانهمك في التبليغ وسط الناس لمدّة ثلاث وعشرين سنة، وكان كلّ واحد يمتثل إليه بمقدار قابليّته واستعداده؛ لكن، هل كان صلّى الله عليه وآله وسلّم يستنكف عن الارتباط بالناس، أم أنّه كان يُبيّن الحقائق للجميع؟ فكان يأتي أحد الغرباء، وتأتي المرأة، ويأتي الرجل، فيعملون بأوامر الرسول، إلى درجة أنّه صلّى الله عليه وآله سلّم كان يقول: «إنّني أفتخر على الأمم السابقة والمتقدّمين من الأنبياء بوجود مثل هؤلاء النسوة في أمّتي»؛ فتصير إحداهنّ بهذا النحو؛ لكن، في الوقت ذاته، تأتي امرأة مثل زوجة الرسول.. الجنرال عائشة، وتُجيّش جيشًا بعد وفاته صلّى الله عليه وآله وسلّم، وتمتطي جملًا، وتقف في وجه الخليفة بالحقّ ووصيّ النبيّ الأعظم، وتتسبّب في قتل الناس؛ فتصير إحداهنّ أيضًا بهذا النحو.

  • من الواضح أنّ كلّ واحد يسلك طريقه الشخصيّ؛ وحينئذ، نأتي، ونقول: «أيّها السيّد، بما أنّها عائشة، فلا يوجد أيّ إشكال؛ لأنّها زوجة الرسول»؛ لا، هذا غير صحيح، والله تعالى سيُلقّنها درسًا قاسيًا؛ لأنّ أفعاله تعالى ليست من دون حساب أيّها السادة، ليست من دون حساب؛ فجميع هذه الأحداث التي نُشاهدها الآن وفي هذه الأيّام تخضع للحساب، بل إنّ كلّ واحد منها يخضع للحساب؛ فلا توجد أيّة ورقة شجرة، إلاّ عن حساب؛ وإذا ارتكبنا اليوم ظلمًا، فإنّنا سنُطالب به غدًا، وإذا اقترفنا اليوم جريمة، فإنّهم سيسحبوننا غدًا إلى المحكمة، ويُحاسبوننا عليها؛ فهذا هو قانون عالم التكوين، ولا يوجد في هذه المسألة فارق أو اختلاف بين أيّ أحد من الناس، كائنًا من كان، وكيفما كان اللباس الذي يرتديه، ومهما كانت أوضاعه؛ فكلّ عمل يقوم به الإنسان سيُحاسب عليه غدًا.

  • «الظالم سيفي أنتقم به وأنتقم منه‌»۱ عبارة عن حديث قدسيّ، فأنتقم بواسطة الظالم من البعض، ثمّ آتي بعد ذلك إليه، وأسأله: لماذا قمتَ بهذا الفعل؟ لماذا أدّيت هذا العمل ظلمًا؟ لماذا ظلمت شعبك بهذا الفعل؟ لماذا كذبت؟ لماذا جُرت واضطهدت؟ لماذا أوجدت أجواء الكبت والاختناق؟ ماذا؟! فجميع هذه الأمور لا تمرّ من دون حساب، وعلى الإنسان أن يُصحّح أعماله، ويهتمّ بنفسه، ولا ينظر إلى هنا وهناك، ولا يعتني بما سيحصل، بل عليه أن يرى ما هو تكليفه، وما الذي يجب عليه فعلُه، وعليه أن ينظر إلى بقيّة الأمور؛ فعلينا أن نهتمّ بأنفسنا، وأمّا بقيّة المسائل والأحداث، فإنّها تمشي وفق مسارها الطبيعيّ؛ فلا ينبغي علينا أن نتدخّل فيها، ونغفل عن أنفسنا، بل علينا أن نرى ما هو تكليفنا، فنعمل به.

    1. الكافي، ج ٥، ص ٥۱۰؛ نهج البلاغة، ضمن الرسالة ٣۱، ص ٤۰٥ (عن أميرالمؤمنين عليه السّلام)؛ نور ملكوت القرآن، ج ٤، ص ٢٩۷.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

8
  • صوفي ابن‌ الوقت باشد اي رفيق‌ *** نيست فردا گفتن از شرط طريق۱
  • [يقول: كن صوفيًّا ابن وقتك أيّها الرفيق، فالتسويف والتأجيل للغد ليس من شروط الطريق]

  • ومن هنا، فإنّ الأحكام التي بيّنها الإسلام إنّما وُضعت لتحقيق الرقيّ الروحيّ للإنسان؛ لكن، في الضمن ومن باب المقدّمة، فإنّ الرخاء الظاهريّ يكون مطلوبًا لديه أيضًا.

  • اختلاف المرأة والرجل في الخصائص والاستعدادات وبالتالي في التكاليف

  • وأمّا المسألة الثانية، فإنّ الاختلاف القائم بين المرأة والرجل في عالم الخلق هو اختلاف مصيريّ وحاسم؛ فتكليف كلّ واحد منهما ومسلكه وميوله واضحة، بحيث إنّ أحوال الرجل واستعدادته وخصائصه الرجوليّة هي بنحوٍ، وأحوال المرأة واستعدادتها وخصائصها هي بنحوٍ آخر؛ يقول [أمير المؤمنين]: «فَإنَّ المَرأَةَ رَيحَانَةٌ وَلَيسَت بِقَهرَمَانَة»٢؛ فالمرأة تُشبه الريحانة، وليست قهرمانة، حتّى تطلب منها بعض التكاليف، وتجبرها على أداء بعض المهامّ الخاصّة؛ لأنّ استعدادها بالنسبة لبعض الأمور محدود، وتحمّلها بالنسبة لبعض القضايا محدود، كما أنّ فكرها وتفكيرها تجاه العديد من المسائل خاضع للإحساسات؛ فهذه بعض الأمور التي تتّصف بها المرأة؛ خلافًا للرجل الذي يتّسم بمقابلها، حيث نجدها تختلف عنه من ناحية اللطافة والمحبّة والرقّة اللازمة في عمليّة التربية وإضفاء الحياة على الأجواء العائليّة؛ ولهذا، فإنّ خصائصها الخُلقيّة تكون أنسب بكثير من الخصائص الخُلقيّة للرجل من أجل تربية الأطفال؛ فهذه بعض المسائل التي جعلها الله تعالى في صالح المرأة.

  • ومن هنا، فإنّ التكاليف التي وضعها الله تعالى على عاتق المرأة تختلف عن تكاليف الرجل؛ أي إذا نظرنا إلى هذه المسألة، فإنّنا نجد أنّ النظام التكامليّ والروحيّ والنفسيّ للمرأة قد وُضع بنحو دقيق، بحيث إذا أرادت هذه المرأة أن تُؤدّي أعمال الرجل، فإنّها ستفشل حتمًا في الوصول إلى الهدف المنشود، وتفقد استعدادتها وقابليّاتها؛ وهذا أمر لا يوجد فقط في الروايات وتدلّ عليه كذلك كلمات العظماء والأولياء، بل استفدناه نحن أيضًا من تجاربنا في الحياة.

  • فكمال المرأة يكمن في أنّها: كلّما وَقَت نفسها أكثر من الظهور والبروز، وحافظت على نفسها أكثر، وحرصت أكثر على ألاّ تذهب إلى هنا وهناك، وظلّت أكثر في البيت، وقلّلت أكثر من ارتباطها بمختلف الأفراد، تمكّنت أكثر من السيطرة على أبعادها الروحيّة، واستطاعت أن تُظهر خصائصها النفسيّة وتُبرزها بشكل أفضل.

    1. المثنوي المعنوي، الكتاب الأوّل، ص ٢٤.
    2. نهج البلاغة، الرسالة ٣۱.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

9
  • وقد تحدّثنا في الأبحاث السابقة عن هذه المسألة، وبيّنا أنّه: باعتبار أنّ الحكومة الإسلاميّة ينبغي لها أن تُراعي غاية الدقّة والاهتمام تجاه القيم الأخلاقيّة، فإنّها ملزمة حتمًا بالتفكير في وضع برنامج لهذه المسألة؛ فلا يوجد في الإسلام أيّ إشكال في أن تدرس المرأة وتصل في دراستها إلى أرقى المستويات العلميّة، ولا إشكال أيضًا في بلوغ أفكار المرأة إلى أعلى درجة من الرقيّ؛ كما أنّ المسائل الصحّية المرتبطة بالنساء ينبغي إيكالها حتمًا إلى المرأة بحسب ما تسمح به قدرتها واستطاعتها، وتحرُم مراجعة النساء للأطبّاء الرجال إن وُجد من يُعادلهم من النساء، فلا يُمكن للمرأة الذهاب عند طبيب رجل إن كانت هناك امرأة طبيبة تُعادله؛ وأمّا إذا لم يكن له معادل من النساء، ويوجد خطر محتمل، ويُحتمل حدوث مشكلة كما هو الحال في الكثير من المجالات، ففي هذه الحالة، ليس فقط أنّه لا يوجد أيّ إشكال في ذهابهنّ عند الرجل، بل إنّ ذلك يصير واجبًا؛ ومن هنا، فإنّ رقيّ المرأة في المسائل العلميّة والدينيّة ...

  • لقد كان هناك العديد من العظماء المتقدّمين الذين بلغت بناتهم وزوجاتهم إلى مستويات علميّة راقية، بل ووصلت الكثير منهنّ إلى مرحلة الاجتهاد، وكنّ يعقدن مجالس للعلم للنساء؛ نظير زوجة العلاّمة الحلّي التي كانت تُقيم لنساء مدينتها مجلسًا في الفقه، وتُدرّس كتب زوجها؛ وهكذا الشأن بالنسبة لزوجة العلاّمة المجلسيّ التي كانت مجتهدة ولها مجلس فقهيّ، كما أنّ بعض بنات العلاّمة المجلسيّ كنّ ـ كحدّ أقلّ ـ في بداية زواجهنّ أعلم من أزواجهنّ؛ فهذا ما يتعلّق بالمراتب العلميّة.

  • يُحكى عن المرحوم الشيخ جعفر الشوشتريّ أنّه كانت لديه بنتان، وبلغتا سنّ الزواج، فشعر بأنّهما يحتاجان إلى زوج، وحان وقت تزويجهما، فأتى إلى جلسة الدرس، وكان الطلبة جالسين هناك، فقال: «لا حياء في الإسلام، والدين يرفع الحياء عن الشؤون الإسلاميّة، وهذه هي حقيقة الأمر، ولا شكّ أنّ بينكم أيّها الطلبة بعضَ العزّاب الذين لم يتزوّجوا بعدُ، وأنا لديّ بنتان»، فقام أحد الطلبة، وقال: «أنا مستعدّ يا سيّدي، فأنا غير متزوّج»، فقال له الشيخ: «انظر أيّ البنتين تختار، فإحداهما علمها أكثر، لكنّ جاهها وجمالها أقلّ، والأخرى علمها أقلّ، غير أنّ جمالها أكثر»، فقال له: «يا سيّدي! إنّ العلم نأخذه منك أنت، فزوّجني الأجمل!!!»؛ لقد كان هؤلاء يسعون إلى تربية بناتهم، وإيصالهنّ إلى المراتب العلميّة العليا.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

10
  • أجل، ينبغي أن تتمّ كافّة هذه المسائل في إطار النظام الاجتماعيّ التربويّ الإسلاميّ، وحتّى تعليم المسائل الدينيّة والشرعيّة يجب أن يتمّ في نفس هذا الإطار؛ هل التفتّم؟ فهذه مسألة مهمّة وأساسيّة في مجال الأحكام المتعلّقة بالزواج وبالعلاقات القائمة بين المرأة والزوج في الإسلام.

  • بعض الأضرار النفسيّة والملكوتيّة لتعامل المرأة مع غير المحارم

  • إنّ المرأة تتّصف بالرقّة، وهي رقّة ستفقدها ـ شاءت أم أبت ـ حين ارتباطها بالرجال؛ وهي تتّسم برقّة نفسانيّة تبقى محتفظة بها ما لم تتعامل مع الرجال غير المحارم؛ فإذا تعاملت معهم، وتحدّثت معهم، فإنّ هذه الرقّة النفسانيّة تحلّ محلّها الكدورة؛ وهي مسألة خارجة عن اختيارنا أنا وأنت؛ لأنّ قانون الخلق هو الذي أوجدها في المرأة.

  • كان المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه يقول مرارًا وتكرارًا: يعتقد بعض النساء أنهنّ إذا ذهبن خارج البيت، واشترين أغراض المنزل من الرجال، ثمّ رجعن بعد ذلك، فإنّهن لن يشعرن بأيّ شيء، فيقلن: «لم نحسّ بأيّ شيء، لقد ذهبنا للشراء، ثمّ عدنا»، لكنّهن لا يعلمن بأنّ أنفسهنّ مريضة؛ ولهذا السبب، لا يشعرن بأيّ شيء، وإلاّ، لو كانت نفوسهنّ سليمة، وتسلك طريق التربية والكمال، فإنّ ارتباطًا واحدًا مع الرجل ...

  • إنّ الشيطان يقظ جدًّا يا عزيزي، وليس كلّ الرجال على حدّ سواء، وليس كلّ الباعة من الذين يُطأطؤون رؤوسهم للأسفل، وليس لكلّ الرجال نفوس مطمئنّة، ولا كلّهم يُراعون المبادئ والمعايير؛ وها أنتم تُشاهدون بأمّ أعينكم حدوث هذه المسائل في المجتمع، وتعلمون ما الخبر! فتنهض هذه المرأة، وتذهب لشراء الأغراض؛ فأحيانًا، قد يقتصر الأمر على أن تشتري شيئًا، ثمّ تضع النقود هناك بدلًا عنه، وترجع؛ فهذا أمرٌ؛ لكن، أحيانًا أخرى، تأتي للشراء، وتنهمك في الحديث [مع البائع]: كم ثمن هذا؟ هذا كثير! قيمته مرتفعة! انقص من سعره! كذا وكذا! بحيث قد يطول بها الأمر مدّة ربع ساعة، فتُنهك جميع قواها يا عزيزي! ولا يبقى لها أيّة نفس؛ ففي كلّ لحظة، يُوجّه ألفُ سهم من النفوس الشيطانيّة لهؤلاء الرجال نحو نفوس نسائكم، فهل فكّرتم في ذلك؟! وفي كلّ آن، تترك تلك النظرات وذلك النوع من الارتباطات آثارًا سلبيّة مباشرة في برزخ المرأة؛ فتنهض هذه المرأة، وتذهب خارجًا؛ فإذا كانت تمتلك وعيًا وإحساسًا، فإنّها ستشعر بأنّه: «يا للعجب، لقد تغيّرت أحوالي»؛ وما أقوله هنا ليس من باب المزاح، بل إنّ ذلك ممّا يُحدّثنني به؛ فقبل أن تخرج، كانت تتوفّر على حال معيّن، بينما صارت الآن ترى بأنّ حالها تبدّل؛ فلماذا تبدّل؟! فهل اقتصر الأمر على أنّكِ وجدتِ بضاعةً هناك، فأخذتها، وأعطيتِ في مقابلها مالًا؟ أو ما هي القضيّة التي حصلت هنا؟ فحينما تأتي امرأة، وتتحدّث وسط مجتمع الرجال، فإنّ هناك مجموعة من الانعكاسات والمسائل الباطنيّة التي يجري تبادُلها أثناء ذلك، لكنّ تلك المرأة لا تُدرك ما هي المسائل التي تحدث، فتُلقي كلمة، وينتهي الأمر، وتذهب؛ لكن، مَن الذي يتمكّن مِن فهم تلك التأثيرات التي تركها فيها هذا العمل؟ فحينما تعمل على تهذيب نفسها، وتسعى لبلوغ الهدف المنشود، وتعمد إلى تطبيق المراقبة على حياتها، وتلتزم بها، ففي ذلك الحين فقط تُدرك ما هي المسائل التي تحدث؛ وإلاّ، فلن تتمكّن من فهم أيّ شيء بهذا النحو، بل سنجدها مسرورة [بنفسها]، وتقول: «ما هذا الكلام الذي تتفوّه به أيّها السيّد! إنّه كلام مختلق! فأنتم تسعون للتضييق علينا، وتقييدنا»! أفلا يقلن ذلك؟! يقلن: «لقد اختلقتم أيّها الرجال هذا الكلام، وتسعون لأن تُبيّنوا لنا ذلك المقدار من الكلام الذي يصبّ في مصلحتكم، وإلاّ، فإنّنا لا نشعر بأيّ شيء، فنذهب ونرجع، ونؤدّي صلواتنا، ونقرأ القرآن»؛ لكن، على حدّ قول المرحوم العلاّمة: جميع هؤلاء يعيشون في عالم من التخدير والمرض.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

11
  • فتلك المرأة التي تُمسك بالقُفّة، وتذهب إلى السوق، وتتحدّث مع عشرة رجال، ثمّ تعود إلى البيت إنّما ذهبت ورجعت، وهي مخدّرة؛ فلو أنّك غرست في بدن إنسانٍ مخدَّرٍ ألف سهم، لما شعر بذلك، ولو بمقدار نزع ظفر؛ لأنّه مخدّر، فما الذي بوسعه إدراكه؟ قوموا بتخدير موضع من جسدكم، ثمّ ليشقّوه بسكّين، فإنّكم لن تلتفتوا أبدًا إلى الوقت الذي وضعوا فيه السكّين هناك؛ لأنّ ذلك الموضع مخدّر. وأمّا إن كان أحد سليمًا، وأعصابه تعمل، ودماغه يشتغل، فإنّه سيشعر بذلك؛ وهنا سيفرق الأمر كثيرًا.

  • وعليه، فإنّ هذه الأحكام موضوعة لهكذا ظروف؛ أي لأنّ المرأة تصبّ على نفسها تلك المسائل والمصائب حين تعاملها مع رجل غير محرم، اللهمّ إلاّ في حالات الضرورة، حيث يوجد استثناء هنا؛ كأن تضطرّ إلى مراجعة الطبيب في موارد الاستثناء، أو أن تكون هناك حالة خاصّة أخرى؛ وأمّا إذا أراد الرجال المجئ إلى منزل أحدهم، فتأتي المرأة، وتُسلّم عليهم، وتُرحّب بهم، وتدعوهم للدخول، أو أن تنهض، وتذهب إلى الخارج، وتشتري الأغراض، وتقوم بهذا العمل، وذاك العمل، فما الذي سيحصل تدريجيًّا؟ ستفقد ذلك الحال والاستعداد النفسانيّ، وتظلّ متوقّفة في تلك المرتبة الظاهريّة من الارتباط بالله تعالى، فتعمل بتكاليفها في هذا المستوى الظاهريّ؛ ممّا يعني أنّ هذه التكاليف لن تُساهم في رقيّها، وعبورها عن النفس، بل ستظلّ في تلك المرتبة الظاهريّة والعادية، فتصير شبيهة بالقوانين [الجافّة]؛ أي أنّ أعمالنا وتصرّفاتنا وتكاليفنا ستفتقر إلى ذلك الجانب من الرقيّ الروحيّ والقدرة المعنويّة؛ وإذا أردنا الإتيان بمثال على مسألة القدرة المعنويّة، فإنّنا نأتي بالأعمال التي قام بها الخوارج، حيث عمل هؤلاء على سلب هذه القدرة الباطنيّة عن أنفسهم، وحرموها من قدرة ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، وولاية الإمام التي تُؤدّي إلى رقيّهم، وتخليص قلوبهم من عالم النفس وأهوائها، وإخراجهم من دائرة النفسانيّة والأنانيّة وورطتهما، ووضعوا فاصلة بينها وبين أنفسهم؛ فما الذي حصل؟ بقوا عالقين في مستوى ظاهريّ من العمل بالتكاليف، بمقدار ما تقتضيه أفكارهم وميولهم؛ فكانوا يُصلّون، لكنّ هذه الصلاة لم تكن ترفعهم إلى الأعلى؛ وكانوا يحجّون، غير أنّ هذا الحجّ لم يكن يُساهم في رقيّهم، ولو بمقدار رأس إبرة؛ وكانوا يُزكّون، إلاّ أنّ هذه الزكاة لم تكن تُفيدهم في أيّ شيء؛ وكانوا يقومون الليل، ويقرؤون القرآن، لكنّهم لم يتغيّروا، ولو بمقدار ذرّة واحدة، بل كانت تُضاف بسبب جحودهم وإنكارهم كدورة إلى كدورتهم. وقد قصصت على الرفقاء حكايات في هذا المجال، وكيف أنّ الإنسان يدفع بنفسه نحو هذه المسائل الظاهريّة بدلًا عن تلك المسألة الحقيقيّة، وكيف أنّ النفس تُسلّي ذاتها ببعض المسائل والتكاليف الظاهريّة، لكي تفرّ من تحمّل الحقائق والواقعيّات التي يصعب تحمّل العديد منها، غير أنّ ذلك لا يُساهم في رقيّها أبدًا.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

12
  • مراعاة المرأة لحقوق الرجل توصلها لكمالها المنشود

  • وهنا، توجد لدينا مجموعة من الروايات تتحدّث عن العلاقة بين المرأة والرجل؛ وهي علاقة تُحقّق نفس هذه المسألة المهمّة في حياتيهما، حيث رُوي عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: «حقّ الرجل علي امرَأته كحقّ الله عَلَى الرَجل‌»۱؛ وانتبهوا، فهذا كلام صادر من النبيّ؛ فهل سمعتم بمثل هذه المقالة إلى حدّ الآن؟ يعني أنّه إذا أرادت المرأة أن تبلغ تلك المرتبة الكماليّة المنشودة، عليها أن تخضع لطاعة الرجل بنسبة مائة في المائة؛ لكن، ليس في تلك الموارد التي يأمرها فيها بالمعصية كما أشرنا آنفًا؛ إذ يجب عليها في هكذا موارد أن تقف في وجهه، ولا تُطيعه؛ وأمّا في الموارد الأخرى ... لماذا؟ لأنّ المرأة في ارتباطها بالرجل تُحمّل نفسها مجموعة من المصاعب والمشاقّ.

  • فلأتلو على مسامعكم عين الرواية الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام؛ فلماذا أترجمها من عندي؟ حيث يروي البيهقي عن أنس أنّه قال: «جِئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقلن يا رسول الله ذهب الرجال بالفضل‌، بالجهاد فى سبيل الله، أفما لنا عملٌ نُدرك بِهِ عمل المجاهد فى سبيل الله؟»؛ ولاحظوا هنا كم كانت هؤلاء النسوة واعيات؛ فهنّ لم يقلن: «هذا جيّد، ونحمد الله تعالى أنّنا لن نذهب للحرب والجهاد، بل الرجال هم الذين سيذهبون»، بل نراهنّ يشعرن بالغُبن والحسرة على أنّ الرجال مكلّفون بالجهاد في سبيل الله، فيحصلون على ثواب المجاهدين والمقاتلين والشهداء، بينما هنّ محرومات من ذلك؛ وهذه مسألة بالغة الأهمّية.

  • «ذهب الرجال بالفضل،‌ بالجهاد فى سبيل الله»؛ أي أنّ الرجال احتفظوا بالجهاد في سبيل الله لأنفسهم، ولم يصلنا نحن من ذلك أيّ شيء؛ «أفما لنا...»؛ فهل يوجد عمل نقوم به، فنتمكّن بواسطته من إدارك ثوابهم؟ «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: مهنة إحداكنَّ في بيتها تُدرك عمل المجاهدين في سبيل الله»٢؛ فهذا الكلام صادر من النبيّ.

  • وتوجد رواية أخرى يرويها الكلينيّ في الكافيّ مفادها أنّ: «جهاد المَرْأَة حُسْنُ التَبَعُل‌»٣؛ فإذا أدّت المرأة شؤون الزوجيّة، وقامت بما يريده زوجها ويرضى به، فإنّها ستكون قد حقّقت لنفسها الجهاد في سبيل الله؛ وهذا بحقّ، عجيب جدًّا! وهو ليس من باب المزاح؛ بمعنى أنّه إذا جاء الرجل يوم القيامة، وشهد بأنّ امرأته كانت في حياته الزوجيّة كما يُحبّ، فإنّ الله تعالى يأتي بهذه المرأة، ويضعها في صفّ المجاهدين في سبيله.

    1. مستدرك وسائل الشيعة، ج ۱٤، ص ٢٤٣، مع اختلاف في الألفاظ.
    2. السنة للمروزيّ، الحديث ۱٢٤؛ روضة الواعظين وبصيرة المتّعظين، ج ٢، ص ٣۷٦.
    3. الكافي، ج ٥، ص ٥۰۷، باب حقّ الزوج على المرأة.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

13
  • فأمير المؤمنين عليه السلام يقول ما مفاده: إنّ جهاد الرجل يتمثّل في وهبِ ماله وروحه في سبيل الله تعالى، بينما يكمن جهاد المرأة في الصبر على أذى زوجها وقومه وعشيرته؛ فهذا هو جهادها؛ وأمّا إذا لم ترغب المرأة في أن يتمّ الأمر بهذا النحو، وأن تكون حياتها عادية، فيمشي كلّ واحد في طريقه الخاصّ به، ويقتصر على تلك المسائل الخاصّة، ثمّ يهتمّ بعد ذلك كلّ واحد بشؤونه الشخصيّة، فإنّ هذه الحياة لن تُساهم في الرقيّ والكمال.

  • وفي هذا المقام، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «تقاضى عليّ وفاطمةُ إلى رسول الله في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمتها دون الباب، وقضى على عليٍّ ما خلفه»؛ أي: جاء أمير المؤمنين والسيّد الزهراء عليهما السلام عند رسول الله، وطلبا منه صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يُبيّن لهما طريقة عملهما؟ فحكم على السيّدة الزهراء عليها السلام أن تبقى في البيت، وتهتمّ بأعماله، وكلّف عليًّا بأعمال خارج البيت؛ فماذا يعني ذلك أيّها السادة؟ يعني أنّ الإتيان بأغراض المنزل يقع على عاتقكم، وليس على عاتق نسائكم؛ فلماذا تسعى نساؤكم للذهاب خارجًا؟ ولماذا عليهنّ الخروج من البيت، والتعامل مع الرجال، وشراء الأغراض، والحديث مع الرجال كما يحلو لهنّ؟ إنّ مسؤوليتنا نحن توفير كلّ ما يرتبط بأغراض البيت وحاجاته؛ وهنا، خطر على بالي أنّه لم يوجد ولو مورد واحد سمح فيه المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه بأن تذهب زوجته إلى الخارج لأجل الإتيان بتلك الأغراض؛ وحتّى حينما كان يُريد شراء ثوب، فإنّه كان في ذلك الوقت يذهب بنفسه إلى سوق طهران، ويُوفّر كلّ ما يلزم لهذا الأمر، ولا يسمح لأيّ أحد أن ينوب عنه في ذلك.

  • وبالمناسبة، توجد حكاية طريفة تخصّ هذا الموضوع؛ فبعد أن تشرّف المرحوم العلاّمة بالإقامة في مدينة مشهد، كان فصل الشتاء باردًا جدًّا، ويبدو أنّ هذه الحكاية ترجع إلى أوّل أو ثاني سنة من إقامته هناك، وكان الوقت آنذاك بين فترتي العصر والمغرب، فقال: «كنت مصابًا بالحمّى، والتي كانت شديدة نوعًا ما، وارتفعت درجة حرارتي بمقدار درجتين أو ثلاثة، بحيث بلغت التاسعة والثلاثين أو الأربعين، ولم يكن في المنزل خبز»؛ ثم قال لي: «فجاءت يا فلان أمّك، وقالت لي: «لا يوجد في البيت خبز»؛ لكن، لمـّا رأت حالي بذلك النحو، قالت: «سأذهب بنفسي وأشتريه»»، حيث إنّ الإنسان المصاب بالحمّى الذي وصلت درجة حراراته إلى الأربعين لا يكون وضعه عاديًّا؛ ثمّ قال: «لم أنبس ببنت شفة، وقمت من مكاني، ولبست ثيابي ـ مع أنّ الوقت كان ليلًا والفصل شتاءً، والجوّ باردًا جدًّا ـ ، وذهبت، فقالت لي أمّك: «إلى أين تنوي الذهاب؟ فدرجة حرارتك مرتفعة بمقدار درجتين أو ثلاث!»، فقلت لها: فليكن ذلك، لكنّ شراء الخبز لا يقع على عاتقك»؛ هل التفتّم؟ حيث قال لها: «لا ينبغي عليك الذهاب، بل أنا الذي يجب أن أذهب»، فقالت: «اتّصل هاتفيًّا بأحدهم كيف يأتي به»، فقال: «لا، أيُّ داعٍ لكي أُزعج الآخرين؟».

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

14
  • وقال لي: «ارتديت لباسي، وحملت عصاي، وتحرّكت متّكلًا على الله تعالى، وخرجت من المنزل، وذهبت إلى المخبزة الواقعة في رأس الزقاق، فرأيت ـ ويا للعجب ـ بأنّ صفّ الانتظار طويل، فوقفت في آخر الطابور، ومهما أرادوا أن يقولوا لي: يا سيّدي، تفضّل للأمام، واستبق ...»، حيث كان شأنه واضحًا جدًّا من خلال حاله وهيأته، لكنّه مع ذلك لم يقبل، فقال أحدهم: «أيّها السيّد، نفسي فداء لمظلوميّتك، أفلم يكن هناك أحد غيرك لكي يأتي ويشتري الخبز بدلًا عنك؟!»، قال لي المرحوم العلاّمة: «فكنت أضحك، وأشعر بالسرور»؛ وخلاصة القول، أنّه قال: «لقد عقدنا في تلك المخبزة مجلسًا، فكان أحدهم يتحدّث معي، والآخر ...، فعشنا هناك في عالم خاصّ، إلى أن اشتريت خبزتين، وقفلت عائدًا إلى البيت»؛ فهذا هو منهج العظماء.

  • وأمّا الآن، فتجد المرأة لا ترغب في الخروج، لكنّ الرجل يُكلّفها بضرورة الخروج، ويقول لها: «اذهبي أنت، وادفعي هذه الفاتورة إلى البنك، وأدّي المهمّة الكذائيّة»؛ إنّ هذا العمل غير صحيح، وسنُسأل أنا وأنتم عن كلّ واحد من هذه الأحداث، وعن مسألة أنّ المرأة كانت تُريد بنفسها سلوك الطريق، فلماذا لم نسمح لها بذلك؟ ولماذا منعناها من الرقيّ؟

  • «فقالت فاطمة: فلا يعلم ما داخَلني مِنَ السُّرور إلّا الله بإكفائي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحمّل أرقاب الرجال‌»۱؛ أي أنّها عليه السلام قالت: لا يعلم أحدٌ إلاّ الله تعالى السرور الذي حلّ بقلبي، بواسطة هذا الحكم الذي أصدره رسول الله حينما قال: «عليك يا فاطمة بأداء الأعمال المنزليّة، وعليّ مكلّف بأعمال الخارج»، لأنّه وضع عن عاتقي الأعمال المختصّة بالرجال. فلماذا لم تنزعج وتقول: «لا، لماذا؟ فأنا أريد أيضًا الذهاب إلى خارج المنزل، والتجوّل، لكي أرى ماذا يحصل في الخارج»؟ لماذا لم تقل سلام الله عليها مثل هذا الكلام؟ لأنّها تمكّنت من الوصول إلى حلاوة البقاء بالبيت ولذّته، والحصول على ذلك الإكسير الذي ستفقده عند الخروج من المنزل، وأدركت هذه المسألة.

  • ولنقرأ الآن روايتين أو ثلاثة كتبتهما هنا، ونُنهِ هذه المسألة، حيث إنّ هذه الروايات تتعلّق ببيان طبيعة علاقات المرأة، والحقّ الذي للرجل عليها، ومعظمُها صادر عن رسول الله؛ ولا يخفى أنّ المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه أورد العديد منها في كتابه الشريف: «الرجال قوّموان على النساء (رسالة بديعة)»، وقد اخترت بعض الروايات من هناك، وبعضها الآخر من كتاب آخر؛ مع أنّ الرويات المطروحة في هذا المجال أكثر بكثير من ذلك، إلى درجة أنّ الإنسان يتعجّب بحقّ من وضوح الرؤية الإسلاميّة والنظرة التشريعيّة لهذا الموضوع، ومع ذلك، فإنّنا نجده يُطرح بنحو آخر!

    1. وسائل الشيعة، ج ٢۰، الباب ۸٩، استحباب خدمة المرأة زوجها في البيت.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

15
  • يروي ابن أبي شيبة ومعاذ بن جبل: «قال رسول‌ الله صلى الله عليه وآله وسّلم لَوْ كُنتُ آمرًا بشرًا يسجُد لبشرٍ، لَأمْرَت المَرْأَة أن تسجد لزوجها».۱

  • ويروي البيهقي عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ثلاثة لا تُقبل لهم صَلاةٌ، ولا تصعدُ لهم حَسَنة:» 

  • «العبُد الآبق حتّى يرجع إلى مواليه»، حيث كانوا في السابق يمتلكون العبيد والإماء والغلمان والجواري.

  • «والمَرْأةُ الساخط عليها زوجها»؛ أي المرأة التي غضب عليها زوجها، وانزعج منها.

  • «والسكران حتّى يصحو»، ويعود إلى وعيه.

  • وهناك رواية أخرى ترويها أمّ سلمة عن النبيّ الأعظم يقول فيها: «أيّما امرأة باتت، وزوجها عنها راضٍ...»؛ ففي مقابل الرواية السابقة: «دخلت الجنّة».

  • والرواية الثالثة يرويها ورّام بن أبي فراس عن الإمام عليه السلام يقول فيها: «ما مِنْ امْرَأة تسقي زوجها شربة من ماءٍ، إلّا كان خيرًا لها من عبادة سنةٍ»؛ وبحقّ، هنيئًا للنساء؛ إذ يبدو هنا أنّه جرى الانحياز إليهنّ، «صيام نهارها وقيام ليلها»؛ أي: كلّ امرأة تُعطي بيدها شربة ماء إلى زوجها، فإنّ ذلك يكون أفضل بالنسبة إليها من عبادة سنة صامت جميع أيّامها، وأحيت كافّة لياليها بالعبادة؛ وهذا كثير جدًّا! فليُخصم لهنّ قليلًا، إذ يبدو أنّ الله تعالى زاد في ... !!! «ويبني الله لَها بكلّ شربة تسقي زوجها مدينةً في الجنّة»؛ وهذا عظيم جدًّا! «وغفر لها ستّين خطيئة»؛ أي أنّ الله تعالى يبني لها بكلّ جرعة ماء تعطيها زوجها مدينة في الجنّة؛ فإذن، ستحوز هؤلاء النسوة على جميع بلاد الآخرة؛ لأنّه إذا عددنا المرّات التي تسقي فيها زوجها الماء طيلة اليوم، والأيّام التي ستعيشها، فإنّه لن يبقى لنا ـ على ما يبدو ـ أيّ مكان في الجنّة، وسيتحتّم علينا أن نعيش هناك تحت كنفهنّ.. «وغفر لها ستّين خطيئة».

  • وفي الرواية الأخيرة، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط، لم تُقبل منها صلاة حتّى يرضى عنها»، و«أيّما امرأة تَطيّبت لغير زوجها»؛ فكلّ امرأة تتعطّر لغير زوجها، وتتزيّن، وتتطيّب لأجل الخروج من البيت «لم تُقبل منها صلاة حتّى تَغْتَسل مِنْ طيبها كغسلها مِنْ جنابتها»٢؛ وهذا عجيب جدًّا! فعليها أن تتنصّل من هذا العمل المحرّم، حتّى تصير محطًّا لرحمة الله تعالى ورعايته.

    1. رسالة بديعة، ص ٣٣.
    2. الكافي، ج ۱۱، ص ۱٦٢، الباب ۱٤۸، باب حقّ الزوج على المرأة.

تعامل المرأة مع غير المحارم - على ضوء النظام التكامليّ الإسلاميّ

16
  • فهذه الروايات التي تلوناها على مسامعكم لا تُمثّل إلاّ قليلًا من كثير من الروايات التي وردت بخصوص حقوق المرأة على الرجل، والرجل على المرأة، حيث تحدّثنا عن المسائل المختصّة بكلّ واحد منهما، وعن الحقوق التي للرجل على المرأة، ويكون لزامًا عليها مراعاتُها؛ وفي جميع هذه المسائل، يبدو أنّ المحور الأساس الذي تدور حوله تلك الروايات أنّ: المشرّع للأحكام والمنزل لها هو غيرُنا؛ فهو الذي يضع القوانين والأحكام، ولا يحقّ لنا تغيير هذه الأحكام وتبديلها. فالله تعالى هو الذي خلقنا، وهو أحسن من يعلم التكاليف التي ينبغي وضعها لهذه المخلوقات، والبرامج التي يجب جعلها لمصنوعاته ومخلوقاته؛ وما نقلناه نحن هنا هو من باب الحفظ، ومن باب أداء التكليف، وكلّ واحد من الطرفين مُلزم بأن يرى ما الذي عليه القيام به؛ فإذا أدّينا تكاليفنا بنحو أحسن، واهتممنا بالأمور المختصّة بنا، فإنّ الله تعالى سيُؤجرنا على ذلك؛ وإذا اهتمّ النساء في دائرة تكاليفهنّ ومسؤولياتهنّ بما ذكرناه هنا، فإنّ الباري عزّ وجلّ سيُثيبهنّ على ذلك؛ وأمّا إذا قصّر أيّ واحد من الطرفين في هذا الأمر، فإنّه أعلم بحاله؛ وقد قيل: «گر گدا كاهل بود تقصير صاحبخانه چيست».۱

  • فالله تعالى هو الذي وضع هذه الأحكام وأنزلها، وهو الذي سيهب ثواب هذه التكاليف والكمال والرقيّ والثواب المترتّب عليها.

  • نرجو من العليّ القدير أن يُوفّقنا جميعًا للعمل بما يكون محطًّا لرضاه وإرادته.

  • اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد

    1. يقول: إن كان المستجدي متقاعسًا، فما ذنب صاحب المنزل؟!