72

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

8524
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالتدبير والأسرة


التوضيح

هل يجب أن يكون لكلّ معنى اسمًا خاصًّا؟ هل يصحّ أن يختار الإنسان لابنه أيّ اسم؟ لماذا سعى معاوية بشدّة إلى محاربة اسم أمير المؤمنين عليه السلام؟ هل يجوز الاحتفاء بأسماء غير أهل البيت عليهم السلام وتخليد ذكراهم؟ لماذا يُسمّي البعض أبناءه بأسماء غير لائقة؟ ما هي التأثيرات الإيجابيّة أو السلبيّة للتسمّي بأسماء حسنة أو قبيحة؟ هي تساؤلات سعى سماحة آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ رضوان الله تعالى عليه للإجابة عنها في هذه المحاضرة التي عقدها لتكملة حديثه عن حقوق الوالدين والأبناء.

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

1
  •  

  •  

  • هو العليم 

  •  

  • أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۷٢

  •  

  • ألقاها

  •  

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

  •  

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

2
  •  

  •  

  • أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‌

  • بسم الله الرحمن الرحيم‌

  • وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم محمّد

  • وعلى آل بيته الطّاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين‌

  •  

  •  

  • كان الكلام عن الحقوق والأمور التي تقع على عاتق الابن، والجوانب التربويّة التي ينبغي عليه مراعاتها، وحقوق الوالدين التي يتعيّن عليه أداؤها؛ لكن، فيما يخصّ موضوع حقوق الابن، يبدو أنّني نسيت الحديث عن مسألة التسمية (بحسب ما يحضرني)؛ ولهذا، ارتأيت أن أتكلّم عنها اليوم قليلاً.

  • ضرورة أن يكون لكلّ اسم معنى خاصًّا

  • فمسألة التسمية من الحقوق التي يمتلكها الابن تجاه أبيه؛ فما هو الاسم الذي ينبغي على الإنسان أن يُسمّي به ابنه؟ وهل يمتلك الأب حين التسمية الحقَّ في أن يضع لابنه أيّ اسم كيفما كان من دون الالتفات إلى معناه ومفاده؟ أم أنّ هذه المسألة تتضمّن مجموعة من الحقوق التي يتعيّن على الوالدين أداؤها؟ فحين التطرّق في الأبحاث اللاحقة إلى كيفيّة تأثير الأسماء، وإلى حقيقتها البرزخيّة والملكوتيّة، سنتحدّث إن شاء الله تعالى عن طريقة تأثير هذه الأسماء ـ لا سيّما الإلهيّة ـ في أسلوب تربية الإنسان، وكيفيّة ارتباطه بالله تعالى، وكذلك في عباداته؛ لكن، بمناسبة الكلام عن هذه المسألة، فإنّنا سنقتصر اليوم على بحثها بمقدار الحاجة والضرورة.

  • لا شكّ أنّ لكلّ اسم معنى خاصًّا؛ وبشكل عامّ، فقد وُضعت الأسماء في نظام العلاقات السائدة في العالم وكافّة الشعوب لمعانٍ محدّدة؛ فهذا النوع من الاختلاف في اللغات واللهجات بين الشعوب يرجع إلى مجموعة من الحاجات هي التي أفضت إلى إيجاد تلك الأسماء؛ فلو لم تكن هناك حاجة متمثّلة في تبادل المعاني وإيجاد وسائل للتواصل بين الناس، لما وُجدت هذه الأسماء، حيث يحتاج الإنسان في حياته إلى الطعام؛ مع العلم أنّ الأطعمة مختلفة، وموادّها متعدّدة؛ وحينئذ، كيف سيتسنّى له إبلاغ هذا المعنى من أجل تلبية حاجته؟ ولهذا، فإنّه مضطرّ لوضع اسم لذلك المعنى، وجعله له؛ وهكذا الشأن أيضًا بالنسبة إلى اللباس وبقيّة حاجات الإنسان الأخرى، فإنّها تفتقر بدورها إلى أسماء.

  • ولهذا، لم يُر ولم يُسمع لحدّ الآن أنّ شعبًا أو قومًا أشاعوا فيما بينهم اسمًا من دون سبب أو غاية، أو أنّهم اصطلحوا فيما بينهم على اسم من الأسماء من غير أن يعتبروا له معنى محدّدًا؛ لأنّ هذا العمل سيكون عين اللغو والعبث؛ وفقط المجانين هم الذين يصدر منهم هكذا عبارات؛ ولهذا، فإنّه من المحتّم أنّ الشعوب تجعل وتضع لنفسها مجموعة من الأسامي والكلمات لأجل تبادل الأفكار والمعلومات، وتلبية الحاجات المرتبطة بالمعاشرات والعلاقات القائمة بينها؛ أجل، يبقى أنّ هذه الأسماء والكلمات قد تختلف بحسب اختلاف بيئة تلك الشعوب، وكيفيّة ظهور تلك الأسماء عن طريق المعاني المختصّة بها؛ وهذه المسألة من الأسرار الإلهيّة؛ إذ كيف يتعيّن علينا نحن الناطقين باللغة الفارسيّة مثلاً أن نضع لمعنى الماء والسائل المائع لفظ "آب"، بينما يضع له العرب من باب المثال لفظ الماء؛ وهكذا الشأن بالنسبة لبقيّة الشعوب التي تضع له ألفاظًا مغايرة؟ فلماذا لا نستعمل نحن في هذا المعنى لفظ "ماء"، ويستعملون فيه لفظ "آب"؟ هذا الأمر من الأسرار الإلهيّة، كما أنّه يُشير إلى كيفيّة تحقّق هذه الأسماء لمعانيها عند كلّ قوم. إنّ اللغة التي تتمتّع بما فيه الكفاية نسبيًّا من الغنى والاستيعاب والكمال والإشباع [اللغويّ] هي تلك اللغة القادرة على بيان المعاني التي تحظى باهتمام الناس والمخاطبين في قالب ألفاظ، بحيث لا يكون المتكلّم محتاجًا في إيصاله لهذه المعاني إلى المجيء بقرائن وأمثلة وشواهد؛ فاللغة الأغنى هي التي تستطيع أن تضع لكلّ معنى اسمًا خاصًّا، بل وتتمكّن من إدراج مصاديق مختلفة وموارد متعدّدة في ذلك المعنى الواحد.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

3
  • فعلى سبيل المثال، نُطلق في اللغة الفارسيّة على الحيوان المفترس اسم "شير" [أي أسد]، ولا يوجد لدينا أيّ لفظ آخر يدلّ عليه؛ بينما نجد العرب قد وضعوا لفظًا لنوع هذا الحيوان المفترس، وألفاظًا أخرى لأحواله المختلفة، وكذلك لذكره وأنثاه، بحيث يستطيع المتكلّم الذي يُريد الحديث عن هذه الأحوال المختلفة أن يأتي بألفاظ متعدّدة؛ ولهذا، ينبغي القول إنّ اللغة العربيّة هي أغنى لغة في العالم؛ وهي اللغة التي أنزل الله تعالى بها أفضل دين وأكمله، وبعث بها أكمل رسول وأكمل كتاب سماويّ؛ بينما نجد أنّ أسوء لغة في العالم هي اللغة التي توجد فيها ألفاظ مشتركة أكثر؛ كأن يكون فيها مثلاً للفظ واحد عشرة معان أو خمسة عشر معنى، بحيث يكون من شأن هذا اللفظ أن يدلّ في كلّ قالب [لفظيّ] على معنى منفصل عن المعنى الآخر، فيحتاج المتكلّمُ للإتيان بقرائن من أجل إيصال المعنى الذي يُريده.

  • معنى الآية الشريفة ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها﴾

  • ولهذا، علينا أن نلحظ هذه القاعدة في التسمية؛ ففي البداية، تظهر حاجة الناس إلى تبادل المعلومات، وتلبية حاجاتهم الشخصيّة والعامّة، ثمّ يتبع ذلك كيفيّةُ التسمية على أساس هذه الحاجات؛ ومن هنا، نستنتج أنّ كلّ واحد من الأسماء الإلهيّة التي جرى من خلالها الحديث عن هذه المسألة في القرآن الكريم: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها﴾۱ قد وُضع لمعنى خاصّ من ظهورات الحقّ تعالى وتجلّياته؛ فاسم الله وُضع للذات في مقام الواحديّة وجمع الكثرة والوحدة، ولتلك الحقيقة الأصيلة من دون التوجّه إلى مسألة غيب الغيوب، ولتلك الحقيقة غير المتعيّنة واللامحدودة التي تُفرض منفصلة عن الكثرة اعتبارًا؛ فالله يعني الذات الإلهيّة مع جميع أسمائها وصفاتها؛ ولهذا، فإنّ ترجمته المستعملة الآن في اللغة الإنجليزيّة إلى God هي ترجمة خاطئة؛ فالله اسم عَلَم لتلك الذات التي لها هكذا خصائص، وهو اسم مختصّ بهذه الذات الإلهيّة فقط.

  • وهكذا أيضًا بالنسبة لأسماء الله تعالى كالعليم والقدير والخالق والرازق والودود والعطوف والحيّ، حيث وُضع كلُّ واحد منها بإزاء مظهر من مظاهر الذات؛ فحينما نقول إنّ لله الأسماء الحسنى، فإنّ المراد من ذلك أنّه من شأن هكذا معانٍ وحقائق أن تظهر منه تعالى؛ ولهذا، عندما نقول إنّ الله تعالى عليم، فإنّ ذلك يعني أنّ حقيقة العلم تنبع بأجمعها من الوجود الغنيّ بالذات للباري عزّ وجلّ، وحينما نقول إنّ الله قدير، فإنّ ذلك يعني أنّ جميع القدرات في عالم الوجود تصدر من قدرته المطلقة؛ وعندما نقول إنّه تعالى رازق، فإنّ ذلك يعني أنّ جميع ظهورات الرزق وتجلّيات حقيقته بكافّة أنواعها واختلافها في المظاهر ترجع إلى الله تعالى؛ سواءً تنزّلت بلا واسطة من السماء من قبل الباري عزّ وجلّ، أو بواسطة ظهورها في العالم عن طريق الناس، بحيث يرى الموحّد أنّ جميع هذه الأمور ترجع إليه سبحانه. فكافّة الأسماء الإلهيّة تحكي عن حقائق نابعة من وجود الباري عزّ وجلّ؛ فالله تعالى في قالب العلم يصير هو العليم، وفي قالب القدرة يصير هو القدير، وفي قالب الحياة يصير هو الحيّ، وفي قالب الخلق يصير هو الخالق، بحيث إنّ هذه القوالب المتعدّدة هي التي تصنع الحدود للذات، غاية الأمر أنّها حدودٌ بلحاظ الذات؛ وأمّا بلحاظ نفس تلك الحقيقة، فإنّ هناك الإطلاق واللاتناهي؛ ومن هنا، فإنّ كافّة هذه الأمور تحكي عن مظاهر وتجلّيات مختلفة.

    1. سورة الأعراف، الآية ۱۸۰.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

4
  • وتجدر الإشارة إلى أنّ المسألة السائدة بين بعض الفلاسفة والحكماء، والتي مفادها عدم وجود أيّ فارق بين الأسماء الإلهيّة من حيث نسبتها لله تعالى (بحيث لا يوجد أيّ فارق من هذه الجهة بين العليم والقدير والحيّ والرازق وأمثالها) محلّ تأمّل؛ أجل، يبقى أنّ الاسم الرازق مسألته منفصلة؛ لأنّ المراد هنا هو الأسماء الذاتيّة الملاصقة [للذات]؛ فكلّ اسم من الأسماء الإلهيّة وُضع بإزاء معنى خاصّ، وليس أنّنا لاحظنا قدرة الله [مثلاً]، ثمّ وضعنا لأجلها الاسم العليم، أو أنّنا لاحظنا حياته تعالى، ثمّ وضعنا لأجلها الاسم العليم؛ فهذه المسألة خاطئة.. لماذا. لأنّ القدرة وُضعت لحقيقة لم يوضع لأجلها العليم، والعليم وُضع لحقيقة لم يوضع لأجلها القدير.

  • فمن هذه الجهة، لا يوجد أيّ فارق بين الأسماء الإلهيّة وأسماء الناس؛ فحينما يلحظ الإنسان معنى من المعاني، فإنّه يضع ويجعل له اسمًا خاصًّا؛ ولهذا، يعتقد عظماء الطريق وأولياء الله تعالى بوجود تأثيرات عجيبة لكلّ اسم من الأسماء الإلهيّة من ناحية تربية النفس وتكاملها، بل وحتّى في بقيّة الموارد؛ نظير المسائل التي يُواجهها الإنسان في الدنيا؛ كالشدائد والمصائب والأمراض والأمور المعيشيّة وغيرها؛ هذا، مع أنّ بيان طريقة الاستعانة بهذه الأسماء، والإذن في مقدار الاستفادة منها، أو عدم الإذن في ذلك هي مسألة أخرى؛ وبشكل عامّ، فإنّ لهذه الأسماء تأثير على الأمور المتحقّقة في عالم الوجود، غير أنّ تأثيرها يخضع لشروط خاصّة، كما أنّ الاستفادة منها ينبغي أن تكون في ضمن حدود معيّنة؛ إذ هناك بعض الشروط المحدّدة التي تُشترط في البعض دون البعض الآخر؛ ويبقى أنّ هذه مسائل تخرج عن دائرة كلامنا ومجلسنا.

  • وعلى أيّ تقدير، فإنّه لدينا في الآية الشريفة أيضًا: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها﴾۱؛ فلماذا لم يقل الله تعالى: وَلِلَّهِ الْاسمُ‌ فَادْعُوهُ بِه؛ أي: يا أيّها الناس، إنّ لله تعالى اسم؛ وهو الاسم الله، فادعوه سبحانه بالاسم الله، أو: ادعوه تعالى بالاسم العليم فقط؟ فإذا قال سبحانه ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌﴾، فإنّ معنى ذلك أنّ لكلّ اسم خاصّية محدّدة، وله ثمرة، بحيث إذا أراد الإنسان جني هذه الثمرة، فإنّ عليه الاستعانة بذلك الاسم؛ كأن يكون للإنسان قريب مريض، ويُريده أن يتعافى من مرضه، فإنّه إذا قال: «يا مُهلك» بدلاً عن «يا شافي»، فإنّ ذلك لا يصحّ، بل سيزيد من مرض ذلك القريب، ويموت في اليوم ذاته. فالمراد من «يا شافي»: اشفه يا إلهي، والمراد من «يا مُهلك»: اقض عليه الآن يا إلهي! ولهذا، على الإنسان أن يلتفت إلى هذه الأمور؛ وعلى كلّ حال، فإنّ مسألة تأثير الأسماء من المسائل التي لا يعتريها الشكّ؛ وكلامنا هنا يدور حول: ما هي الأسماء التي يتعيّن علينا اختيارها لأولادنا؟ ففي نهاية المطاف، قد يُرزق الإنسان بطفل، أو طفلين، أو ثلاثة، أو أربعة، وكلّما كان أكثر، كان أفضل؛ لأنّه سيزيد بذلك من شيعة أمير المؤمنين، ويكون شوكة في حلق الأعداء؛ فعلينا أن نزيد من القائلين (لا إله إلاّ الله)، ولا نلتفت إلى الكلام السائد بيننا هذا العصر، بتوجيهٍ من بعض الأيادي التي تعمل خلف الستار للأسف.

    1. سورة الأعراف، الآية ۱۸۰.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

5
  • هل يصحّ أن يختار الإنسان لابنه أيّ اسم؟

  • فحينما نُريد مناداة هؤلاء الأفراد، بأيّ اسم نناديهم؟ ففي نهاية المطاف، يتوجّب علينا مناداتهم بعليّ أو حسن أو حسين، ويتعيّن على كلّ واحد منهم أن يكون له اسم يدعوهم الإنسان به؛ لكن، إذا أخذنا بعين الاعتبار المسألة التي تحدّثنا عنها آنفًا، هل يستطيع الإنسان أن يختار لولده أيّ اسم بأيّ نحو كان، وكيفما كان معنى هذا الاسم؟ لا يستطيع.. لماذا؟ لأنّه لو لم يكن المعنى يحظى باهتمام الإنسان، لما كان هذا الإنسان مُلزمًا باختيار اسمٍ حسنٍ (بحسبه) لولده؟ ولوجدناه يضع لولده اسم حيوان! لكن، هل فعلاً يوجد من يقوم بهذا الأمر؟ [فلو لم تكن هناك دخالة للمعنى في اختيار الاسم]، لكان اسم الحيوان كبقيّة الأسماء! أو أن نفرض مثلاً أن يضع لولده اسم فاكهة، فيُسمّيه شمّامًا! هذا غير ممكن! أو يُسمّيه بطّيخًا! هذا لا يصحّ! ومن هنا، فإنّنا على علم تامّ بهذه المسألة، من حيث إنّنا نسعى لأن نضع لأبنائنا اسمًا يدلّ على معنى يكون مقبولاً وجميلاً لدينا؛ أجل، هناك ثلّةٌ من الناس يضعون أسماء لأبنائهم من دون الالتفات إلى معانيها أبدًا.

  • ذات يوم، ذهبنا برفقة المرحوم العلاّمة إلى ذلك المنزل الذي كان لدينا بمشهد، فكانت هناك بنت صغيرة، فسألها رحمة الله تعالى عليه: «ما اسمك يا ابنتي؟»؛ فقالت: «اسمي راحلة»؛ فقال: «راحلة! راحلة!»؛ وحينما ذهبت، قال لنا (وقد كان عمرنا صغيرًا في ذلك الحين): «هل تعلمون ماذا تعني راحلة؟ راحلة تعني البغل!»؛ حسنًا، فذلك المسكين الذي وضع لها هذا الاسم أُعجب فقط بالراء والألف والحاء واللام، ولم يطّلع على المعنى الكامن وراء هذه الحروف؛ أجل، فالراحلة تعني الدابّة، حيث تُطلق هذه الكلمة في اللغة العربيّة على الحمار والبغل والفرس وأمثال ذلك؛ لكن، لو التفتت هذه البنت إلى [معنى] الاسم الذي وضعه لها والداها، ألن تحزن؟ كأن يأتي يوم، ويُقال لها: «هل تعلمين أيّتها السيّدة ما الذي يعنيه اسمك؟»؛ أجل، إنّها ستنزعج كثيرًا.

  • وعليه، فإنّ الأمر الذي ينبغي الالتفات إليه في التسمية هو المعنى؛ وفي هذه الحالة، علينا أن نرى ما هو المعنى الذي يتعيّن علينا لحاظه والاهتمام به، حيث إنّ السائد بين الناس وكافّة الشعوب أن يُهدف من الاسم التوجّه إلى ذكرى [عزيزة]، والاحتفاظ بها حيّة في الأذهان على الدوام. لقد كان لسيّد الشهداء عليه السلام عدّة أولاد، وسمّى معظمهم [باسم عليّ]، ولعلّهم كانوا ثلاثة على ما يبدو، غير المحسن الذي أُجهض، ودُفن في طريق الشام قريبًا من مدينة حلب، حيث يوجد له ضريح يُزار هناك؛ فسمّى حضرة عليّ الأكبر عليًّا، وسمّى حضرة السجّاد عليه السلام عليًّا، بل وهكذا الشأن حتّى بالنسبة لطفله الرضيع.. عبد الله، حيث يُحتمل كثيرًا أن يكون هو عليّ الأصغر ذاته؛ هذا، مع أنّه فُرّق في بعض الكتب التاريخيّة بين حضرة عليّ الأصغر، وبين عبد الله الرضيع الذي كان يبلغ من العمر ستّة أشهر، واستُشهد في كربلاء؛ لكن، أغلب الظنّ أنّ اسمه الأصليّ كان عليًّا، بينما كان عبد الله لقبه، حيث كان معتادًا في ذلك الزمان وضعُ الألقاب، وحتّى الآن، نجدهم يضعون للإنسان لقبًا، واسمًا في الوقت ذاته. فلماذا قام الإمام الحسين عليه السلام بذلك العمل [تسمية أغلب أولاده باسم عليّ]؟ لأنّه كان يعيش حالة خاصّة؛ إذ كان يُكنّ الحبّ لأبيه؛ وهذا ممّا لا شكّ فيه، كما أنّ اسم عليّ من الأسماء الجميلة، حيث نزل من السماء حينما سُلّم قِماط أمير المؤمنين عليه السلام إلى أبي طالب، فأنشد أشعارًا عُلّقت بعد ذلك في الكعبة، ويقول فيها:

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

6
  • يا رَبِّ يا ذَا الغَسَقِ الدُّجِي***وَالفَلَقِ المُبتَلَجِ المُضِي‌
  • بَيّن لَنَا عَن أمرِكَ المَقضِيّ***بِمَا نُسَمِّي ذلِكَ الصَّبِي
  • أي: يا إلهي، اختر لنا أنت اسم هذا الولد؛ فنزل في تلك اللحظة لوح جاء فيه تعيين اسم عليّ لأمير المؤمنين عليه السلام من قبل الباري عزّ وجلّ.

  • خُصِّصتُما بِالوَلَدِ الزَّكِي***الطّاهِرِ المِنتَجَبِ الرَّضِي‌
  • وَ إسمُهُ مِن شامخٍ عَلِيّ***عَلِيّ اشتُقَّ مِنَ العَلِيّ
  • أهداف معاوية من محاربة اسم أمير المؤمنين عليه السلام

  • فاسمه عليه السلام جاء من عند الله تعالى؛ وبالتالي، فإنّ اسم عليّ ينتمي إلى تلك المقامات [العليا]؛ ومن هنا، فإنّ سيّد الشهداء عليه السلام كان يُحبّ هذا الاسم الذي اختير لأبيه؛ والمسألة الأخرى المهمّة هنا التي يبدو أنّها حظيت باهتمام الإمام الحسين أنّ أمير المؤمنين وذِكرَه بدآ يُنسيان في عصره عليه السلام جرّاء السياسة التي انتهجها معاوية، بحيث إنّ كلّ من سمّى ولده عليًّا كان يُقبض عليه، ويتمّ إحضاره، وتُهدم داره على رأسه، وتُنهب أمواله، إلى درجة أنّ العديد من الناس تخلّوا عن اسم عليّ؛ ولدينا في بعض المؤلّفات التاريخيّة أنّ أحدهم جاء إلى ابن زياد والي الكوفة في ذلك العصر، وقال له: «لقد عقنّي والديّ، فسميّاني عليًّا!»؛ أي أنّ حالة الاختناق والكبت والضغط على الثقافة الشيعيّة تغلغلت بشكل كامل في المجتمعات الإسلاميّة من خلال العمل على استئصال اسم أمير المؤمنين عليه السلام وسبّه على المنابر؛ فمن ناحية، كان هناك سعيٌ لمحو آثار أهل البيت، بحيث لم يكن يحقّ لأيّ أحد نقل الحديث عنهم؛ ومن ناحية أخرى، كان أمير المؤمنين عليه السلام يُلعن على المنابر، بنحوٍ صار ذلك عادةً دارجة بين الناس الذين يأتون كلّ أسبوع للاستماع إلى كلام خطيب الجمعة؛ وبدلاً من الإصغاء إلى حديث التقوى والصلاح ومكارم الأخلاق والدعوة إلى الرشاد، فإنّهم يستمعون إلى شتم أمير المؤمنين؛ فبوركت هذه من حكومة إسلاميّة! ومرحى بهذا العار الذي وقع فيه الأخوة من أهل السنّة جرّاء ارتضائهم بهكذا إنسان كخليفة للمسلمين!

  • وبالمناسبة، فقد ذهبنا في سفرنا الأخير إلى مكان ما، والتقينا بأحد الأشخاص؛ فمع أنّه كان من العوامّ، إلاّ أنّه ذكر مسألة مثيرة للاهتمام كثيرًا لم أنتبه إليها حتّى أنا، حيث قال: كنت في السعوديّة، في بلاد الحجاز، فحضرت مجلسًا ضمّ عالمين من أهمّ علماء السعوديّة، فأثير نقاش بينهما، حيث كان أحدهما شيعيًّا، والآخر سنّيًا، فكان العالم السنّي يُهاجم الشيعيّ، ويقول له: «ألا تخجلون؟ أنتم الشيعة عديمو التربية، وقليلو الأدب!»، فقلنا له: «ما الذي حصل؟»، فقال: «أنتم تسبّون الصحابة وتلعنونهم، مع أنّهم كانوا مع رسول الله؛ فثقافتكم هي بهذا النحو أساسًا ...»؛ فلم يحِر ذلك المسكين [أي العالم الشيعيّ] جوابًا، فقلت له: «لا يا سيّدي، فنحن نتأسّى بالصحابة»؛ فقال لي: «كيف تتأسّون بهم؟»؛ قلت له: «هل تقبل بهذه الرواية التي تنقلونها عن الرسول: إنَّ أصحابي كَالنُّجُومْ بِأيّهِم اقْتَدَيتُمْ اهْتَدَيتُمْ؟». ولا يخفى أنّ ذلك [العالم السنّي] لم يكن ملتفتًا إلى الطريق الذي يُريد أن يسلكه ذلك الرجل؛ هذا، مع أنّ هذه الرواية منقولة عن السنّة، وليست من كلام النبيّ، بل هو كذب محض؛ فنحن نضحك عند سماعنا لها؛ إذ لا يُمكن لإنسان عاديّ أن يتفوّه بها، فما بالك أن يأتي الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، ويقول: أصحابي كالنجوم الهادية! وكالنجوم التي يهتدي بها الناس الذين يمشون في الليل! ففي الماضي، كان الأمر بهذا النحو، والآن كذلك، حيث يستدلّون على الطريق في البراري بواسطة طريقة ترتيب النجوم؛ وهكذا الأمر بالنسبة للبحّارة الذين يقطعون البحار؛ إذ يتمكّنون من تحديد مسارهم عن طريق النجوم.. إنَّ أصحابي كَالنُّجُومْ بِأيّهِم اقْتَدَيتُمْ اهْتَدَيتُمْ.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

7
  • فقال ذلك العالم السنّي: «أجل، إنّ المسألة هكذا بالتأكيد! ونحن لا نشكّ أبدًا فيها؛ لأنّ الجميع نقلوا هذه الرواية»؛ فقال له ذلك الرجل: «حسن جدًّا، هناك مسألة أخرى؛ وهي: هل كان معاوية من صحابة الرسول؟»؛ قال له: «نعم، كان من صحابته، وكان كاتبًا للوحي»؛ ولا يخفى أنّ هذا كذب؛ فهو لم يكن كاتبًا للوحي، بل لدينا فقط مورد واحد [نُسب إليه فيه كتابة القرآن]، وتلقُّبه بكاتب الوحي هو تلقّب كاذب منحه إيّاه أهل السنّة؛ قال ذلك العالم السنّي: «أجل، إنّ معاوية من صحابة رسول الله، وقد أدرك صحبته لسنوات عديدة، فما هذا الكلام الذي تقوله؟!»؛ قال له: «هل هذا أمر حتميّ؟»؛ قال: «نعم»؛ قال له: «اكتب ذلك هنا، حتّى لا يأتي وقت وتتراجع»؛ فأخذ [ورقة]، وكتب عليها أنّ معاوية كان من صحابة رسول الله؛ فقال له: «حسن جدًّا، هل كان معاوية يلعن عليًّا عليه السلام من أعلى المنبر، أم لا؟ فإذن، أنا أيضًا ألعن الجميع تأسّيًا بمعاوية!»؛ فأُسقط في يديه فجأةً، ولم يستطع أن يُجيب بـ «لا» حينما سأله هل كان معاوية يسبّ عليًّا من أعلى المنبر أم لا؟ فلم يعلم ماذا يقول وأيّ جواب يذكر حينما قال له: «أنا أريد أن أقتدي بمعاوية فقط من بين جميع الصحابة؛ لأنّ الرسول قال [على حدّ زعمكم]: بأيّهم اقتديتم اهتديتم؛ وبالتالي: لعنة الله على فلان وفلان و ....»؛ فبقي [ذلك العالم السنّي] مدهوشًا! وأنا لم أكن إلى ذلك الحين ملتفتًا إلى هكذا مسألة، ورأيت كيف استطاع ذلك الرجل العامّي بكلّ سهولة ...، من دون أن يتمّكن الخصم من تقديم أيّ جواب، حيث قال له: «أنا أحبّ أن أقتدي بمعاوية من بين كافّة الصحابة؛ فهل لديك اعتراض؟ فإمّا أن تضع تلك الرواية جانبًا، وإمّا أن تقول إنّه لم يكن من صحابة الرسول؛ فارفع يديك عن الرواية، وإلاّ إذا كانت المسألة بذلك النحو، فإنّك ستُواجه العديد من الإشكالات».

  • لقد كان العمل الذي قام به معاوية، وذلك السبّ خاضعًا لحساب [دقيق]؛ فاستئصال اسم أمير المؤمنين كان أمرًا مدروسًا، حتّى لا يقول أحد «عليّ»، ولا يلاحظ أحد تلك العظمة وتلك الشخصيّة، وإلاّ، فإنّه كان يأمر بإعدامه، وينهب أمواله، ويُهدّم بيته، ويُصادر ممتلكاته؛ بل حتّى لو كان هناك شكّ في أنّ ذلك الشخص كان يُسمّى سابقًا باسم عليّ، فإنّ ذلك كان يكفي للإساءة إليه، وانتهاك حرمته، والاعتداء على شؤونه الاجتماعيّة والشخصيّة؛ فهذه هي أفعال معاوية، وقد استمرّت هكذا لسنوات مديدة؛ وحينئذ، ما الذي سيحدث تدريجيًّا؟ فحينما لا تُطرح في المجتمع مسألة من المسائل، ولا يُتحدّث فيه عن إحدى الحقائق، فإنّها تُنسى مع مرور الزمان شيئًا فشيئًا؛ لأنّ الإنسان محلّ للنسيان.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

8
  • تخليد أسماء أهل البيت عليهم السلام وأسماء غيرهم

  • أ فلا يقومون الآن بالشيء ذاته؟ حيث تجدهم يُسمّون أحد الشوارع باسم فلان من الناس؛ فلماذا يلجؤون إلى هذا العمل؟ مع أنّ ذلك الشخص قد يكون تُوفّي قبل ثلاثين سنة مثلاً، وارتحل عن هذا العالم قبل ثلاثين أو أربعين عامًا، لكنّهم يأتون الآن، ويضعون اسمه على أحد الشوارع؛ لماذا؟ لأنّ هذا الاسم يستتبع أهدافًا يسعون إليها، وإلاّ، فإنّك لا تجدهم مولهين كثيرًا بجمال صاحبه؛ فهو قد مات، وصارت عظامه رميمًا؛ لكن، بما أنّهم يُريدون المحافظة على ذكراه حيًّة لتحقيق أهدافهم الشخصيّة، فإنّهم يضعون اسمه هناك؛ فيُسمّون المستشفى الكذائيّ باسم فلان؛ لماذا؟ لأنّ الناس يزورون هذا المستشفى؛ فيقولون: «مستشفى الشخص الفلاني، مستشفى الشخص الفلاني»، ويذهب المرضى إلى هناك، فيجري ذكرُه على ألسنة الناس دائمًا، ويكون هؤلاء على ارتباط مستمرّ بهذا الاسم؛ ممّا يُساهم في عدم محو تلك الذاكرة من الأذهان. أو أنّهم يأتون، ويُسمّون المطار مثلاً باسم فلان من الناس؛ لماذا؟ لأنّ هذا المطار محلّ ترددّ دائم من قبل الناس؛ ولهذا، فإنّهم لا يضعون هذا الاسم على مكان يعبر منه الإنسان مرّة أو مرّتين في السنة؛ كأن يسمّون به قرية أو زقاقًا؛ لا، بل يُسمّون به مكانًا يتردّد كلّ يوم على الألسن، ويذكرونه دائمًا في الجرائد والأخبار؛ وهذا كلّه لكي يبقى هذا الاسم حيًّا ولا يندثر. أو أنّهم يعقدون من باب المثال مجلسًا في المكان الفلانيّ لوجود مناسبة خاصّة؛ لماذا؟ لأنّهم إذا لم يعقدوا هذا المجلس في ذلك المكان، فإنّ هناك مَن لن يأتيَ إليه، ولو لمرّة واحدة في حياته؛ لكنّهم يأتون، ويعقدون هناك المجلس تلو المجلس، حتّى تبقى تلك الذكرى حيّة بين الناس، ولا تُنسى؛ وهذا نظير ما هو رائج بيننا من عقد مجلس الأربعين أو الذكرى السنويّة للميّت؛ فتمرّ سنة، ثمّ نحتفي به في السنة الثانية، والثالثة؛ أجل، يبقى أنّ هذه المسألة تُلحظ بنحو أقلّ بين العوامّ والناس العاديّين؛ لكن، يا للأسف، ووا أسفاه ألف مرّة، فإنّها منتشرة بين العلماء، حيث يُتوفّى أحدهم، فيحتفون بذكراه السنويّة، ثمّ يحتفون بها في السنة الثانية، ومرّة أخرى في السنة الثالثة، والرابعة ....

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

9
  • حسن جدًّا، لقد كان رجلاً صالحًا؛ لكن، أن يأتي الإنسان، ويُقيم له مجلسًا سنويًّا العام تلو الآخر، ويسعى لتجديد ذكراه، فما الذي سيجنيه من ذلك؟ وأن يأتي كلّ سنة، ويُنفق على ذكراه، ويُحيي بعض المسائل، ويسعى [لاستمرار] هذه القضيّة ...؛ يقولون: «وما الضير في ذلك أيّها السيّد؟ فنحن نحتفي بالذكرى السنويّة، ونُقيم فيها مجلسًا لذكر أبي عبد الله»! لكن، لماذا تُريد عقد هذا المجلس باسم أبيك؟ حسنًا، اعقد مجلس عزاء! وإذا كنت تُريد مثلاً أن تُقيم مائدة لإطعام الناس، فليكن ذلك في يوم عاشوراء، أو الثالث من شعبان يوم ولادة سيّد الشهداء، ولتعقد مجلسًا في الوقت ذاته، وليكن ذلك في يوم له صلة بالأئمّة؛ فلماذا تُريد ...؟ إنّ هذا احتيال، وخداع للنفس، في حين أنّك تظنّ بأنّك تخدع الآخرين. فالأمر الوحيد الذي يحظى باحترامنا وتقديرنا، ويلزمنا الاهتمام به هو إحياء ذكر أهل البيت والاحتفاء بهم وتخليد ذكراهم.. هذا فقط، وحسب؛ فالشيعيّ قوامه ببقاء ذكر أهل البيت، وإذا أخذوا منه أهل البيت، فلن يكون لدينه قيمة ولا احترام ولا مقرّبية، ولو بمقدار شروى نقير؛ فقوام مذهبنا ببقاء هؤلاء المعصومين الأربعة عشر وحسب؛ ولا وجود لأيّ أحد غيرهم؛ أ فلا يمتلك أهل السنّة نفس القرآن الذي لدينا نحن؟ لكن، كيف يستنبطون المسائل من هذا القرآن؟ وكيف يتسنّى لهم العمل بالقرآن الذي يُفسّرونه من دون الرجوع إلى الإمام الصادق؟ وكيف يُمكننا الاستفادة من القرآن الذي لم يُبيّن معناه الإمام السجّاد؟

  • ولهذا، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «رَحِم اللهُ مَن أحيى ذِكرَنا»۱؛ فما معنى هذا الكلام؟ وهل يحتاج الإمام الصادق لذلك؟ لقد كان الإمام الصادق عبدًا صالحًا له ارتباط وربط خاصّين بربّه، وارتحل عن هذه الدنيا، حيث سعى لعدّة سنوات إلى هداية الناس وإرشادهم، وأدّى ما عليه من تكاليف، ورحل إلى موضع فيه ما «لا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا عَينٌ رَأَتْ ولا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشَرٍ»؛ فما دخلنا نحن بذلك؟ لا دخل لنا! إنّ مراد الإمام الصادق عليه السلام من قوله «رَحِم اللهُ مَن أحيى ذِكرَنا» هو أنا وأنت؛ أي: يا أيّها المساكين، يا أيّها الخالوا الوفاض من الحقائق، إن أردتم بلوغ مكانة ما، والحصول على رقيّ معيّن، وبلوغ كمال خاصّ في طريقكم، ولم ترغبوا أن تكونوا مثل بقيّة الناس الذين لا يملكون شيئًا من كافّة المعارف، فإنّ عليكم إحياءنا وإحياء ذكرنا فيما بينكم، وإلاّ سنرحل عنكم شيئًا فشيئًا؛ وحينئذ، بمن ستُبتلون؟ ستُبتلون بمن يقول لكم: لا حاجة لنا بمذهب أهل البيت! وهذه هي غاية البلاهة والجهل؛ فالشيعيّ قوامه بأهل البيت؛ ونحن نُجدّد الاحتفاء كلّ سنة سواءً بأعياد الأئمّة والمعصومين عليهم السلام، أو بوفياتهم وشهاداتهم لأجل إحياء هذا الأمر، فنحيي الذكرى السنويّة لشهادة الإمام الباقر عليه السلام وولادته، ونُحيي ولادة الإمام الرضا وشهادته، وهكذا أيضًا بالنسبة لولادة رسول الله وحضرة إمام الزمان عليه السلام ...؛ فقوامنا وحياتنا وروحنا وانشراحنا وحيويّتنا وحيويّة مدرسة التشيع بأيّ شيء؟ بإحياء هذه الذكريات السنويّة، وإحياء مذهب أهل البيت وذكرهم؛ هذا، مع أنّ الذي يعقد مجلسًا مثلاً في يوم شهادة السيّدة الزهراء لا يأتي للحديث عن الجبن والبطاطس، بل يتحدّث عن [حياتها] سلام الله عليها، وعن مصائبها ومظلوميّتها وطريقها، وعن سبب مآل الأمور إلى ما آلت إليه، وما هي الأحداث التي وقعت، وعن المطابقة بين ظروفنا وظروفها، والسعي نحو الولوج في حياضها وطريقها، والتأسّي بها، والابتعاد والتبرّي من أعدائها، والاحتراز عن الأمور التي أوصلتهم إلى هذا المصير.. فجميع هذه المسائل ينبغي بيانها في هكذا مجالس، لكي يأتي الإنسان إليها، فيرى ويسمع ذكرهم عليهم السلام، ممّا يُفضي إلى إحياء قلبه ودينه.

    1. وسائل الشيعة، ج ۱۰، ص ٣٩٢.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

10
  • لكن، لو جئنا في السنة الفلانيّة، و[قمنا بالشيء ذاته] في حقّ مرجع التقليد الفلانيّ الذي تُوفّي قبل ثلاثين سنة ... . قبل عدّة أيّام، شاهدت أنّهم أقاموا مجلسًا في قم لإحياء الذكرى السنويّة لوفاة المرحوم السيّد الحكيم أعلى الله مقامه؛ حسنًا، لقد كان السيّد الحكيم مرجعًا، ورجلاً عظيمًا، ومرجعًا كبيرًا، ومن أهل التقوى والزهد، وكان بشكل عامّ مرجعًا جيّدًا؛ غير أنّه ارتحل عن هذا العالم، ومن شأنه الآن التنعّم في مكان الخُلد، وجنّات النعيم، وغفران الله تعالى ورحمته، نتيجة لما أدّاه، وقام به من حسنات؛ لكن، ما فائدة كلّ هذه الاحتفاءات وإحياء الذكريات بالنسبة إلينا؟ لقد كان السيّد الحكيم رحمة الله عليه رجلاً صالحًا جدًّا، وعظيمًا، ومرجعًا للتقليد، وغير ذلك؛ حسن جدًّا، لقد التفتنا إلى هذا الأمر؛ لكن، هل ينبغي أن يبقى كلّ هؤلاء الأفراد أحياء بيننا، وحاضرين في أذهاننا واحدًا وحدًا؟ وهل إنّ كافّة الأفراد الذين عاشوا في فترة معيّنة، وارتحلوا عن الدنيا يتعيّن أن تبقى خصائصهم موجودة؟ وهل يلزم بالضرورة تجديد هذه المسألة كلّ سنة؟ صحيح، قد يرى الإنسان بعض الأشخاص الذين يتمتّعون بشخصيّة فريدة، ومن الممكن أحيانًا أن تُساهم ذكراهم في إحياء بعض المسائل بالنسبة إليه، فيستفيد منهم من هذه الجهة؛ لكنّنا نشاهد مثلاً أنّ فلانًا من الناس تُوفّي أبوه، ومع أنّه كان إنسانًا عاديًّا، إلاّ أنّه يُحتفى به كلّ سنة، وتُنفق الأموال في سبيل ذلك.. ما هي علّة ذلك؟ وأيّة فائدة تُتوخّى منه؟

  • كلام حول الاحتفاء بالأربعينيّة والذكرى السنويّة

  • من بين المسائل التي تحدّث عنها المرحوم العلاّمة رضوان الله تعالى عليه في وصيّته أنّه قال: «لا تُقيموا لأجلي أيّة ذكرى سنويّة؛ لأنّها مختصّة بالإمام عليه السلام؛ فلأيّ شيء تُريدون الاحتفاء بي سنويًّا؟»؛ هذا، مع أنّه ـ بيننا وبين الله ـ هل يوجد من هو أحقّ بعقد المجالس لأجله من هكذا شخصيّة مع كلّ ما تحمله من تلك الصفات؟ لا سيّما إذا نظرنا إلى المسائل التي كان يُمارسها، ويطرحها؛ أي عين الكلمات التي أتحدّث بها الآن؛ فالمسائل التي أعرضها في هذه الجلسات على الأصدقاء والأحبّة هي مسائل صادرة منه هو، وأنا قليلاً ما أتدخّل فيها، اللهمّ إلاّ في بعض الموارد التي تحتاج إلى شرح وتوضيح؛ وهذا عين ما يُريده الأحبّة؛ إذ حينما أتيتم إلى هنا، لم يكن هدفكم الاستماع إلى كلامي أنا، بل طلبتم منّي أن أنقل كلام ذلك العظيم، وأردتم منّي أن أبيّن لكم المسائل التي طرحها؛ وإلاّ قد يوجد عشرة آلاف أو مائة ألف من أمثالي؛ فلماذا إذن لم تذهبوا إلى مكان آخر؟ فمبتغاكم ليس هو شخصي أنا وعقائدي، بل مبتغاكم هو بيان المسائل التي كان يهتمّ بها هؤلاء العظماء طيلة حياتهم، ويُمارسونها، وبواسطتها وصلوا إلى ما وصلوا إليه.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

11
  • لقد كان المرحوم العلاّمة يقول بنفسه: «لا تحتفوا بذكراي السنويّة»؛ كما أنّه قال أيضًا: «لا تُقيموا مجلسًا للأربعين لأجلي»؛ نعم، يبقى أنّ مسألة الأربعين غير مختصّة به؛ وقد كان هذا هو رأيي، ولا يزال؛ لأنّ الأربعين تختصّ بسيّد الشهداء وحسب؛ ومن المؤسف أنّ هذه الأربعينيّات السائدة بيننا بدعة في الدين؛ إذ لا يوجد لدينا في الإسلام أربعينيّة متعلّقة بنا، بل هي مختصّة بسيّد الشهداء عليه السلام فقط.

  • «عَلَامَاتُ الْمُؤْمِنِ خَمْسٌ صَلَاةُ الواحد والْخَمْسِينَ، وَزِيارَةُ الْأَرْبَعِينَ، وَالتَّخَتُّمُ فِى الْيمِينِ، وَتَعْفِيرُ الْجَبِينِ، وَالْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»‌؛ فزيارة الأربعين من مختصّات المؤمن؛ وكذلك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنّ أهل السنّة يذكرون بسم الله في صلاتهم، لكن بصوت منخفض وخافت؛ وتوجد رواية عن الإمام الصادق أو الباقر عليهما السلام يقول فيها: «مَا لَهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ؟ عَمَدُوا إِلَى أَعْظَمِ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَزَعَمُوا أَنَّهَا بِدْعَةٌ إِذَا أَظْهَرُوهَا؛ وَهِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»۱؛ فهم (أهل السنّة) يذكرون البسملة في بداية سورة الحمد، لكن بإخفات.

  • لقد وردت تلك الرواية عن الإمام العسكريّ عليه السلام؛ ومتى ذلك؟ فقد كان هو الإمام قبل الأخير، وآخر إمام حاضر بين الشيعة؛ فهل التفتّم إلى مصدر هذا الحديث؟ فهو عليه السلام كان آخر إمام ظاهر بين الشيعة؛ ومع أنّ حضرة بقيّة الله أرواحنا له الفداء هو آخر إمام، لكنّه غير موجود بيننا، بل هو غائب عنّا. فآخر إمام كان حاضرًا بين الشيعة ومتواجدًا وسط الناس يقول: إنّ زيارة الأربعين مختصّة بسيّد الشهداء، ومن علامات المؤمن أن يزوره عليه السلام في يوم الأربعين إمّا عن قُرب أو بُعد؛ ولهذا، لدينا زيارة خاصّة بيوم الأربعين، وهي تختلف عن زيارته عليه السلام في يوم عاشوراء؛ وهنا نسأل: هل لدينا زيارة الأربعين في حقّ أيّ واحد من الأئمّة [الآخرين] عليهم السلام، بل حتّى في حقّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ لا توجد لدينا حتّى في حقّ رسول الله، بحيث إذا زاره أحد في يوم أربعينه، فإنّه سيكون قد ارتكب بدعة٢؛ لماذا؟ لأنّهم لم يقولوا: زورونا في يوم الأربعين؛ فنحن لدينا الآلاف من الروايات عن الصلاة، لكن، هل توجد عندنا رواية واحدة عن الاحتفاء بأربعينيّة الرسول الأكرم؟ وهل لدينا رواية واحدة عن أربعينيّة أمير المؤمنين قال فيها عليه السلام: «بعد شهادتي، احتفوا بيوم أربعينيّتي، واعقدوا فيه مجلسًا»؟ وهل عندنا رواية في حقّ الإمام الصادق؟ أو الإمام الرضا؟ يقولون: «ما الضير في ذلك أيّها السيّد؟ وهل توجد هناك مشكلة؟ ففي نهاية المطاف، هذا ذكر، ونحن نحتفي بالأربعين من أجل طلب الرحمة للميّت»! لكن، لماذا لا تحتفون بالثلاثينيّة؟ أو السبعينيّة؟ لماذا ينبغي أن يكون الاحتفاء يوم الأربعين؟ هذه بدعة! يقولون: هذا إحياء للذكر، ولا إشكال فيه؛ فنحن لا نلجأ في أربعينيّة الميّت إلى عزف الموسيقى، ولا نرتكب فعلاً محرّمًا، بل نُقيم مجلسًا لعزاء سيّد الشهداء، ونطلب فيه الرحمة والمغفرة [للميّت]. حسنًا، اجلسوا في منازلكم، واطلبوا له الرحمة والمغفرة؛ فلماذا تعقدوا مجلسًا لأجل ذلك؟ وإن كانت هذه سنّة حسنة، فلماذا لا نعثر في تلك المائتين وخمسين سنة من إمامة الأئمّة عليهم السلام ولو على مورد واحد جرى فيه التأكيد على هذه السنّة الحسنة؟ فلا نجد ولو رواية واحدة؛ مع أنّ مدّة مائتين وخمسين سنة ليست بالهيّنة، اللهمّ إلاّ أن نُغلق أعيننا، ونُنكر الحقائق؛ فهذه مسألة أخرى!

    1. عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام؛ تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج ٦، ص ٥٢.
    2. مستدرك الوسائل، ج ٤، ص ۱٦٦. المعرّب 

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

12
  • فقد مرّت مائتان وخمسون سنة من فترة خلافة الخلفاء بالحقّ الأئمّة عليهم السلام من دون أن يقول أحد منهم ولو لمرّة واحدة: «احتفوا بأربعينيّة والدي»، أو أن يُطرح السؤال عن الأموات الذي ارتحلوا عن هذا العالم ...؛ فلماذا لم يتحدّثوا عن هذا الموضوع؟ هل بوسعنا القول إنّهم أهملوا هذه المسألة، بينما تمّكنتُ أنا وأمثالي من إدراكها؟ هل إنّهم لم يستطيعوا إدراكها هم؟ هل يُمكننا الادّعاء ذلك بالنسبة لهذه المسألة المهمّة؟ فمن أهمّ المسائل المطروحة في المجتمع، مسألة موتى هذا المجتمع، بحيث إذا ارتحل أحد عن هذه الدنيا، فإنّ ورّاثه وعائلته يسعون للمحافظة على ذكره، وإبقاء ذكراه حيّة إلى أن تنتهي فترة من الزمان، وتجدهم ينزعجون حينما يغتاب أحد ميّتهم؛ وإذا طلب منهم أحد التخلّي عن لبس السواد، فإنّهم يقولوون له: «ما هذا الكلام أيّها السيّد؟ عليك أن تشعر بالخجل، فأنت تُسيء الأدب إلينا، ونحن لدينا سمعتنا، وشخصيّتنا، واحترامنا الخاصّين!».

  • توفّي ولدٌ لإحدى قريباتنا، فظلّت تكتسي هذه الأمّ السواد حتّى بعد أن انقضى أربعون يومًا، حيث كانت تُحبّ ولدها كثيرًا الذي كان شابًّا يبلغ الثانية أو الثالثة والعشرين من العمر تقريبًا؛ ثمّ التقت بالمرحوم العلاّمة في مشهد، فتحدّث معها، وأذكر أنّه حينما كان يتكلّم معها، كان من المقرّر سابقًا أن يُعدّ لها لباس لكي تغيّر لباسها، فجاءت والدتنا، ووضعت هذا اللباس أمامها، لكنّها لم تلتفت إلى المقصود من ذلك، فقال لها المرحوم العلاّمة: «نرجو منك منذ الآن ألاّ ترتدي هذا اللباس الأسود، وأن تغيّريه»؛ وحينما التفت فجأة إلى المسألة، لم تكن تُصدّق بتاتًا، وقالت: «هذا صعب عليّ كثيرًا يا سيّدي، وأنا لا أستطيع ذلك»؛ أي أنّها كانت تُحبّ ولدها كثيرًا إلى درجة أنّها لم تتمكّن من إخراج ذكراه من نفسها وصدرها وقلبها؛ غير أنّها في الأخير قامت بهذا العمل بعد يوم أو يومين، احترامًا للمرحوم العلاّمة، لكنّ الأمر كان صعبًّا جدًّا بالنسبة إليها. إذن، فأبرز مسألة يُواجهها الناس كثيرًا في حياتهم هي مسألة الموتى وإحياء ذكرهم؛ وفي هذه الحالة، هل يُمكنهم ألاّ يسألوا الإمام عن هكذا مسألة؟ فلو كانت هناك حتّى إشارة بسيطة لإقامة هذه المجالس، بل وحتّى إلى عدم وجود محذور في ذلك، ووجود مجرّد إباحة له، للجأ الناس إلى القيام بهذا العمل في زمان الأئمّة؛ فما الذي حصل حتّى طرأت هذه القضيّة بعد زمانهم عليهم السلام؟!

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

13
  • ولهذا، فإنّ المرحوم العلاّمة لم يكن يُشارك في مجالس الأربعين المعقودة للأموات؛ ومن الأفضل للإنسان ألاّ يُشارك أيضًا في هذه المجالس؛ لأنّ الأربعين مختصّة بسيّد الشهداء عليه السلام، وعليه ألاّ يلتفت إلى كلام الآخرين؛ فنحن قدّمنا الدليل على ذلك، وهو دليل واضح جدًّا وجليّ. حسنًا، فما هي علّة كلّ هذه الأمور؟ لكي يبقى ذكر ذلك الميّت حيًّا بين الناس! وتجدر الإشارة إلى أنّ حديثنا كان يدور حول التسمية، وأمّا المسائل المتعلّقة [بالأربعين وأمثال ذلك] فكثيرة جدًّا، وقد تحدّثت عنها هنا بنحو مقتضب، في حين أنّ مسألة إحياء الشعائر وكيفيّة تطبيق مسار الحياة على الشعائر الإسلاميّة هي مسألة مفصّلة سنتكلّم عنها لاحقًا إن شاء الله تعالى، حيث سنستعين بالأمثلة وذكر الخصائص، لكي نُبيّن طريقة تكييف حياتنا وعلاقاتنا ومراوداتنا ومعاشراتنا مع الشعائر الإسلاميّة؛ وهي مسألة دقيقة جدًّا وتحظى بأهمّية بالغة.

  • علّة تسمية البعض أبناءَه بأسماء غير لائقة؟

  • وأمّا فيما يخصّ مسألة التسمية، فحينما يُريد الأب (أو الأمّ) أن يضع اسمًا لولده، ما هو المعنى الذي يلحظه فيه؟ هل التفتّم إلى هذه المسألة لحدّ الآن؟ ففي نهاية المطاف، ما هو المعنى الذي يلحظه؟ فهل يضع لابنه اسمًا هكذا من دون أن يلحظ فيه أيّ معنى، أم أنّه يكون ملزمًا بالتدقيق في هذه المسألة؟

  • أتذكّر أنّ أحد المشايخ في طهران، ومع أنّه كان من رجال الدين، ويأمّ مسجدًا، ويُجيب عن أسئلة الناس، إلاّ أنّه سمّى اثنين من أبنائه باسمي اثنين من الملوك توفّيا حديثًا، أي قبل أربعين أو خمسين سنة تقريبًا؛ وأذكر ذات يوم أنّ المرحوم العلاّمة تحدّث يوم الجمعة في مسجد القائم عن مسألة التسمية؛ وكان هناك أيضًا شخص آخر من أقاربنا ـ لا يصحّ أن أذكر اسمه هنا ـ سمّى اثنين من بناته باسمين لو ذكرتهما لانتاب الجميع الضحك؛ هذا، مع أنّه كان أيضًا رجلاً فاضلاً ويأمّ مسجدًا وأمثال ذلك! فهو أيضًا وضع اسم اثنين من ... لكنّ المرحوم العلاّمة ذكر هذا الاسم، ونحن لا علم لنا بما كان يروم إليه، غير أنّه قال: «افرضوا مثلاً أنّنا نضع هذا الاسم»، ولم يقل إنّ الشخص الفلاني هو الذي وضعه؛ فقد كان يتحدّث عن مسألة التسمية، وعن المعنى الذي ينبغي على الإنسان ملاحظته في التسمية، ثمّ قال بنفس العبارة التالية على ما يحضرني لأنّني كنت أبلغ العاشرة أو الحادية عشرة من العمر آنذاك، حيث انقضت على هذه القضيّة خمسة وثلاثون سنة تقريبًا: «حينما أتأمّل في سبب تسمية ذلك الشخص إثنين من أبنائه باسمي إثنين من الملوك والسلاطين السابقين، واللذين لم يكونا حتّى من سلاطين إيران، بل من سلاطين إحدى الدول العربيّة، فإنّني لا أستطيع أن أتصوّر إلاّ أنّه كان يعتقد قطعًا أنّ شأن هذين السلطانين والحاكمين وشخصيّتهما أرفع من شخصيّة الأئمّة عليهم السلام؛ ولهذا، اختار هذين الاسمين لولديه، ولم يختر لهما أسماء الأئمّة؛ ولا يوجد أيّ تبرير آخر لهذا الأمر!»؛ فهذا الكلام كلام المرحوم العلاّمة، ولم أقله أنا من نفسي.

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

14
  • فحينما سمّيتَ ابنك داريوش مثلاً، فإنّك لم تكن قد فتحت المصحف هكذا، فوقع بصرك على هذا الاسم؛ لأنّ اسم داريوش لا يوجد في القرآن؛ إذن، ما هي علّة ذلك؟ لأنّ داريوش كان ملكًا وسلطانًا، وعظمتُه تبدو في نظرك كبيرة؛ ولهذا، سمّيت ابنك باسمه. فإذا كنت سمّيت ابنك كوروشًا۱، فلأنّ عظمته مستترة في نفسك من دون أن تشعر بذلك؛ وهكذا الشأن أيضًا بالنسبة لشخصيّات كسهراب وإسفنديار وجيف وجودرز و"گونی"٢ وأمثالهم؛ فهذه الشخصيّات مستترة في نفوسنا وصدورنا وقلوبنا، إلى درجة أنّها لا تسمح بالظهور لتلك الشخصيّات الأعلى والأرقى التي جرت تغطيتها؛ ولهذا، فإنّنا نقوم باختيارها هي.

  • بعض التأثيرات الإيجابيّة أو السلبيّة للتسمّي بأسماء حسنة أو قبيحة

  • أ فهل أخذوا منّا عليًّا؟! أ فهل سلبوا منّا حسنًا؟! أ فهل أخذوا منّا رضا؟ أ فهل سلبوا منّا محمّدًا؟! فلدينا رواية تقول: قبل أن يولد الطفل، سمّوه محمّدًا؛ وإذا وُلد، احتفظوا له بهذا الاسم إن شئتم، وإلاّ، غيروه إلى اسم آخر؛ ويقول الإمام الصادق عليه السلام: ما من بيت يوجد فيه هذا الاسم المبارك، إلاّ وتنزّلت عليه الملائكة.

  • أتى أحد أصحاب الإمام الصادق عنده عليه السلام، وقال له: «يا ابن رسول الله، لقد وهبني الله تعالى بنتًا»؛ فبشرّه بولادة ابنته، ففرح الإمام كثيرًا، وبارك له الولادة، ثمّ قال له: «ماذا سمّيتها؟»، فقال له: «سمّيتها عائشة»؛ فقال له عليه السلام: «عائشة؟ ألا تعلم ما هي المرارات التي جرّعتها هذه المرأة للرسول ولأمّنا فاطمة الزهراء؟ فهل تُسمّي ابنتك باسم أعدى أعداء الله تعالى؟». انظروا! فمع أنّه كان من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام، لكنّه لم يكن ملتفتًا للأمر، وعالمًا بالمسألة؛ فقال: «يا ابن رسول الله، لقد أخطأت»، فبدّل اسمها، وسمّاها فاطمة؛ وحينئذ، قال عليه السلام: «إنّ البيت الذي يُذكر فيه اسم فاطمة محلّ لنزول الملائكة»؛ وهذه مسألة عجيبة حقًّا!

  • ونحن نُدرك بأنفسنا أنّه إذا كنّا في منزل يُسمّى أصحابه بمثل هذه الأسماء التي أوردناها ككوروش، وداريوش، وأهورامزدا، وسهراب، وإسفنديار، ورستم، وزال، فإنّ الأجواء السائدة في هذا المنزل ـ إذا لاحظتم ـ تكون ظلمانيّة، بحيث يكون فضاؤه مفتقرًا للنور والضياء؛ بينما إذا كانت الأسماء في المنزل من أمثال عبد الله وعليّ وحسن ورضا، فإنّ هذه الأسماء المرتبطة بالأئمّة تأتي وتُحضر معها تلك البركات والنفحات الصادرة من نفوس هؤلاء الأئمّة؛ وهذه مسألة واضحة وجليّة؛ أي أنّنا نُدركها بأدنى تأمّل، ومن دون الحاجة إلى أيّ شيء آخر، كما أنّ الناس العاديّين يشعرون بها.

    1. كوروش من ملوك إيران القدماء أيضًا. المعرّب
    2. "گونی" بالعربيّة تعني الكيس؛ وقد ذكرها سماحة السيّد رضوان الله تعالى عليه من باب المزاح، وإلاّ، فلا يوجد من يُسمّي ابنه بهذا الاسم. المعرّب

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

15
  • جاء أحد أصحاب الإمام الصادق عنده عليه السلام في رواية مفصّلة جدًّا، خلاصتها أنّه قال: «وهبني الله تعالى ولدًا»؛ فقال له الإمام: «ماذا سمّيته؟»، فقال له: «يا ابن رسول الله، سمّيته محمّدًا»؛ وحينما سمع الإمام الصادق عليه السلام هذا الاسم، تأثّر كثيرًا، وتوهّج وجهه، وقام من مكانه، وجلس من دون أن يشعر؛ وذلك بسبب عظمة هذا الاسم، وأمر ذلك الصحابيّ بمجموعة من الأمور: عليك أن تقوم بالفعل الكذائيّ تجاه هذا الابن، وعليك أن تنتهج في تربيته الطريقة الكذائيّة، فهذا الاسم له هكذا خصائص.

  • وأمّا نحن، فلا تجدنا نلتفت أبدًا إلى هذه الأمور؛ وهناك مسألة تُطرح في هذا المجال، ومع أنّ الوقت قد انقضى منذ مدّة على ما يبدو، إلاّ أنّنا نذكرها هنا؛ إذ من المسائل التي تحضرني عن المرحوم العلاّمة أنّه إذا ذهب أحيانًا إلى مكان ما لإجراء عقد الخطبة، فإن كان اسم تلك البنت غير حسن، فإنّه لم يكن يُجري ذلك العقد، بل يقول: «إمّا يُغيّر اسم هذه البنت، أو لا أجري العقد، وليُجرِه أحد آخر». وبالمناسبة، سأذكر قضيّة من باب الترويح على النفس؛ ففي ذلك الموضع الذي كنّا فيه، ذهب المرحوم العلاّمة إلى مكان ليُجري عقدًا؛ وحينما أراد الذهاب إلى هناك، سأل عن اسم المرأة والرجل وخصائصهما وشروطهما؛ وهذا طبيعيّ؛ إذ ينبغي توضيح هذه الأمور للعاقد حتّى يُجري العقد وفقًا لتلك الشروط، فيذكر أسماءهما، ويُشير إلى شروطهما و ...؛ فقال لهم: «ما اسم المرأة؟»، قالوا: «اسمها سونيا يا سيّدي»؛ فقال لهم: «ماذا؟ سونيا؟ حسن جدًّا!»؛ فقلت مع نفسي: «سوف يلجأ هذا السيّد إلى القيام بشيء ما، ولن يدع الأمر يمرّ هكذا»؛ ثمّ ذهب إلى الداخل، لكي يأخذ الوكالة، وحينما رجع لإجراء العقد بشكل رسميّ وشرعيّ، قال: «أجل، لقد ذهبنا إلى هناك، وجلسنا، فجاءت تلك المرأة المصونة، وكان الجميع هناك لكي نأخذ الوكالة، ونتحدّث بهذا الشأن، فقلتُ: أيّتها المصونة، سمعت أنّ اسمك سونيا، وسونيا على وزن "گونیا"۱! أ فهل يصحّ اتّخاذ هذا الاسم؟ وأنت التي وصلت إلى هذه الدرجة من الرشد، هل التفت إلى معنى سونيا؟ فبالله عليك ما معناه؟ ما أحسن بالإنسان أن يستخدم أسماء تُخطر في ذهنه معانٍ راقية!»؛ فبقي هناك يتحدّث قليلاً عن هذه المسألة لمدّة ربع ساعة أو عشرين دقيقة؛ وحينما انتهى كلامه، قالوا: «يا سيّدي، لقد غيّرنا اسمها»، حيث جاء صوت من الداخل يقول: «يا سيّدي، لقد بدّلنا اسمها من سونيا إلى ليلى»؛ فقال المرحوم العلاّمة: «أنعم به وأكرم! ما أحسن هذا! إنّه اسم مناسب جدًّا، وجيّد كثيرًا كثيرًا؛ لأنّه اسم أمّ عليّ الأكبر؛ وبالتالي، فإنّه يُذكّر الإنسان بتلك الأحداث والمصائب و ...»؛ وخلاصة القول، فإنّه شجّعهم قليلاً. لقد كانت هذه هي عادتُه؛ أي: حينما كان يذهب لمكان ما من أجل إجراء عقد [زواج]، فإنّه يمتنع عن إجراءه إذا كان هناك اسم غير حسن؛ وعلى أيّ تقدير، فإنّ مسألة التسمية تحظى بأهمّية بالغة.

    1. أي الكُوسُ بالعربيّة؛ وهو خشبة مثلَّثة تكون مع النَّجار يقيس بها تربيع الخشب. المعرّب

أهمّية تسمية الأبناء في الإسلام

16
  • وتوجد لدينا رواية يقول فيها الإمام عليه السلام إنّ إحدى الأمور التي يُسأل عنها الوالدين بشأن الحقوق التي يتوجّب عليهما أداؤها تجاه الأبناء هي مسألة التسمية، فيُقال لهم: ما هو الاسم الذي اخترتماه لولدكما؟ فالمسألة ليست هيّنة؛ ولهذا، فإنّها من المسائل التي ينبغي علينا الاهتمام بها؛ أجل، قد يضع البعض أسماء [غير جيّدة] بسبب عدم اطّلاعهم على الأسس والمباديء، وعن غير علم وعمد؛ وفي هذه الحالة، يُمكنهم تبديلها وتصحيحها.

  • نرجو من الباري تعالى أن يُعرّفنا على تكاليفنا إن شاء سبحانه، وأن يُبصّرنا بسبيلنا، ويُطلعنا على ما يحدث من حولنا، فنعلم أنّ غير طريق الأئمّة عليهم السلام ومسارهم مهما كان ... تحدّثنا عن مسائل كثيرة؛ ومع أنّني كنت أعلم بعدم قدرتي على بيانها، إلاّ أنّني قلت: فلأتحدّث عنها بشكل مضغوط؛ وسأسعى إن شاء الله تعالى للتطرّق إلى هذه المسألة في الجلسات المخصّصة لذلك.

  • كان ذلك خلاصة لهذه المسألة.. نرجو من العليّ القدير أن يُبصّرنا بتكاليفنا وبما ينبغي علينا الاطّلاع عليه فيما يرتبط بهذه المسألة، حتّى نعلم بضرورة ملاحظتها، ونعلم أنّه إذا عملنا بها، فبها ونعمة؛ بخلاف ما إذا تخلّينا عن هذا المنهج والطريق الذي نعلم أنّه حقّ، بسبب بعض الاعتبارات والمصالح والجهات التي طابعها الدنيويّ أكثر من الأخرويّ؛ هذا، مع أنّنا نستطيع إدراك ذلك جيّدًا، ونمتلك القدرة على التمييز؛ لأنّ الله تعالى منحنا ما يكفي من قدرة على التشخيص، ومعرفة هذه الاعتبارات التي نلحظها في المجتمع والعائلة: هل هي إلهيّة أم دنيويّة ومادّية.

  • نرجو من الله تعالى أن يُوفّقنا، ويُديم ظلّ مقام ولاية حضرة بقيّة الله أرواحنا لتراب مقدمه الفداء على رؤوسنا، ويُحيينا تحت ولايته عليه السلام في الدنيا والآخرة.

  •  

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد