15

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

9881
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمعنوان البصري

المجموعةالورد و الذكر


التوضيح

تفسّر هذه المحاضرة آية (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)، فتبيّن معنى الاسم والكلمة وأنّه الحقيقة التي وارء اللفظ، مبيّنة نماذج من الأسماء الإلهيّة كالنور والمحيي والعليم والقدير والمدبّر وكيفيّة التوجّه إليها في الحياة العمليّة، وأنّ هذا التوجّه هو الذكر والسلوك إلى الله، دون التلفظ بها فقط.
كما تشرح السبب في ضرورة التوجّه إلى تلك الأسماء للوصول إليه تعالى، فتوضّح أنّ هذا السبب هو كون الواقع هو الله تعالى وعدم امتلاك غيره للأسماء الحسنى، وأنّ الله قد نظم الكون على أساس هذه الأسماء فلا بدّ في مقام التربية والسلوك (التشريع) من الانسجام مع نظام التكوين هذا الذي وضعه الله تعالى بالتوجّه إلى هذه الأسماء، كما بيّنت أنّ من التوجّه إلى هذه الأسماء الرجوع إلى الأئمة المعصومين عليهم السلام الذين هم الوسيلة الوحيدة التي يمكن لأسير عالم المادّة أن يبتغيها للوصول إلى الله، ولذلك لا تنتج الطرق المبتدعة للدراويش والمرتاضين وغيرهم عارضة كشاهد على ذلك قصّة أحد الزاعمين استغناءه عن الأستاذ بسبب لقائه رجلاً يزعم أنّه إمام الزمان.
وقد استعانت في شرح تجلّي اسم الله النور بتحليل سيرة رسول الله وحالته في بداية دعوته ونهايتها، وكيفيّة نظرته إلى الكفّار حيث لم يكن همّه زيادة عدد أتباعه بل همّه إزالة الحجاب عن أعينهم. كما عرضت على ضوء رؤية أسماء الله الحسنى في الوجود كلّه لمبدأ سلوكيّ في العلاقات الأسرية والاجتماعيّة يحقّق المدينة الفاضلة وهو يقضي بضرورة النظر إلى النفس نظرة المدين إلى الناس لا المتفضّل عليهم، ومثّلت للانسجام بين التشريع والتكوين بقصّة طبيبة يهيوديّة تخصّص أيامًا من معالجتها للناس مجّانًا.

/۱۳
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

1
  •  

  • هو العليم 

  •  

  • لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

  • شرح حديث عنوان البصريّ - المحاضرة ۱٥

  •  

  • ألقاها

  • آية الله الحاجّ السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ

  • قدس الله سره

  •  

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

2
  •  

  • أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم

  • بسم اللـه الرحمن الرحيم

  • الحمد للـه ربّ العالمين

  • والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

  • ورسول ربّ العالمين

  • أبي القاسم المصطفى محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين

  • واللعنة على أعدائهم أجمعين 

  •  

  • تمهيد وخلاصة لما سبق

  • لقد وصل كلامنا في مضامين حديث عنوان البصريّ الشريف إلى أنّه ما هو السبب الذي يجعل الإمام الصادق عليه السلام مع الالتفات إلى موقعيّته ومرتبته من الكمال الوجوديّ يقول لعنوان البصريّ: 

  • مَعَ ذلكَ لي أورادٌ فى كُلِّ ساعَةٍ مِن آناءِ اللَيلِ والنَّهارِ، فَلا تَشغَلنى عَن وِردي وخُذ عَن مالكٍ واختَلِف إليهِ كَما كُنتَ تَختَلِفُ إليه.

  • وقد تقدّم۱ أنّ تكامل الإنسان منوط باشتغاله بذكر أسماء الله الحسنى، ولا أحد يمكنه أن يرى نفسه مستغنيًا عن ذلك، فالآية الكريمة {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}٢ تدلّ على أنّ مقام الاطمئنان إنّما هو بواسطة ذكر الله، كما تقدّم٣ أنّ كلّ ما سوى الله ومظاهر أسمائه الحسنى هو مجاز زائل {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ}٤ ويسبّب التشويش والاضطراب وانعدام الوثوق، فالحقيقة والواقع هي فقط وفقط ذات الله المقدّسة، وكلّ إنسان وكلّ شيء سواه في أيّة مرتبة وأيّة كيفيّة فهو في مرتبة ماهويّة٥، ويعاني من نقص وخلأ وجوديّ.٦ 

  • تفسير آية ولله الأسماء الحسنى وبيان معنى الاسم

  • وفي الآية الشريفة {وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها}۷ يقول تعالى إنّ الأسماء الحسنى هي فقط وفقط لذات الله. والفاء في جملة {فَادْعُوهُ بِها} هي فاء النتيجة التي تعني أنّ هذه الجملة هي لازم الإتيان بالجملة السابقة، ومن هنا ينبغي في مقام الطلب والدعاء أن نسعى وراء أسماء الله الحسنى. 

  • الاسم عبارة عن العلامة والسمة والحاكي، والسؤال عن اسم الإنسان هو سؤال عن العلامة التي تميّز هذا الفرد عن الآخرين. فلو لم تكن أسماء للناس والأشياء لما أمكن التمييز بين أفرادها، فمثلاً لو لم نعلم اسم ضيفنا وسئلنا عنه فلا يمكننا أن نميّزه عن الآخرين بذكر خصائصه من لون اللباس والطول والوزن، إلا أن تكون هذه الضمائم والقرائن إلى حدّ تجعله محدّدًا بشكل كامل وواضح. 

  • فالأسماء الحسنى الإلهيّة علامات تحكي عن حقائق تختصّ بذات الله. فاسم العليم يحكي عن حقيقة هي مختصّة بذات الله، واسم القدير هو لفظ يخفي وراءه حقيقةً، وهذه الحقيقة هي عبارة عن القدرة والمشيئة التي لا تقبل التفويض والمختصّة بذات الله. وأسماء المريد والفعّال والرازق والخالق والربّ والنور هي كذلك. 

    1. . راجع المحاضرتين رقم ۸ و٩ من هذه السلسلة.
    2. . سورة الرعد ( ۱٣) الآية ٢۸. 
    3. . راجع المحاضرة رقم ٩ من هذه السلسلة.
    4. . سورة الغاشية (۸۸) آيه ۷.
    5. أي مقيّد بماهيّة معيّنة كالإنسان والحيوان والشجر والملك والجنّ وما شابه، وليس وجودًا بسيطًا مطلقًا. (م)
    6. . سيأتي أنّ اشتغال الأئمة عليهم السلام والأولياء بالذكر يختلف عن اشتغال سائر الناس به، والإنسان في أيّ مرتبة كان يستفيد من الأسماء الحسنى الإلهيّة بشكل خاص يختلف عما يستفيده من كان في المراتب الأخرى. 
    7. . سورة الأعراف (۷) الآية ۱۸۰. 

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

3
  • معنى اسم "النور" وحقيقة التزاحم بين الموجودات في دعاء "يا نورًا فوق كلّ نور"

  • وفي دعاء الجوشن الكبير ندعو الله تعالى بأسمائه الحسنى فنقول: 

  • يا نورًا فَوقَ كُلِّ نور.۱ أيّتها الذات التي حقيقتها من النور الذي هو فوق كلّ نور.

  • معنى اسم النور

  • وسواء أخذنا النور بمعنى الحقائق الوجوديّة الخارجيّة (المظاهر الخارجيّة لنور الله بأشكال صور ماهيّات الإنسان والحيوان والنبات والأرض والسماء والملائكة والصور المجرّدة) أو بمعنى الظاهر بذاته المظهر لغيره، فعلى أيّ حال اسم النور هذا يختصّ بذات الله، وكافّة الأنوار المشاهدة والمتصوّرة لنا هي دون هذا النور المختصّ به. 

  • إنّ النور الذي نشاهده يأتي إلى العين، والحال أنّ الله فوق إدراك البصر المادّي، فالنور الذي نتصوّره أمر محدود، والحال أنّ حقيقة النور الإلهيّ غير محدودة ولا يمكن تصوّرها، ومن هنا فإنّ معنى هذه الفقرة الشريفة هو أنّ هناك نورًا رفيعًا لا نشاهده ولا نتخيّله ولا نتصوّره، وعلينا أن نسير إليه.

  • النور الذي نشاهده هو عبارة عن شعاع نور مصباح يمكن أن يغطّى بستار ويُحجب، أو شعاع نور الشمس التي تمنع وصول نورها إلينا غمامة صغيرة، يقول السنائي: 

  • منشين با بدان كه صحبت بد***گرچه پاكى تو را پليد كند
  • آفتاب ارچه روشن است او را***پاره‌اى ابر ناپديد كند٢
  • يقول: 

  • [لا تجالس الأشرار إنّ صحبتهم *** ترديك شرّيرًا وإن كنت طاهرًا

  • فمهما كانت الشمس مشرقة *** تكفي لإخفائها سحابة من غمام]

  • ولكن علينا أن نتصوّر نورًا لو جاء الغمام أمامه لبدّله إلى نور، وحينئذ لا يمكن أن نتصوّر تدافع هذه الأمواج وتضاربها.٣ إنّ نور الله هو نور لا يخمد ولا يفتأ انعكاسه يتراءى في أعيننا.

  • انعدام التعارض الواقعيّ بين الموجودات لكونها مظاهر لنور واحد

  • من هنا نصل إلى أنّ كافّة أشكال التضادّ والاختلاف في العالم هي في نظرنا نحن. تمامًا كما لو وضعنا في قدرٍ مقدارًا من حبوب الحمّص واللوبياء والعدس والأرزّ وخلطناها، فإنّ لسان حال كلّ واحد منها يعترض أن لماذا جعلتني قرينًا للآخر؟! فما علاقتي أنا به؟! 

  • وفي عمليّة الخلق أيضًا عندما يجعل الله كافّة المظاهر النوريّة المختلفة في قوالب الماهيّات المختلفة، ويجمعها في نظام عالم التكوين، تشرع هذه الاختلافات، ولازم الاختلاف بين الظهورات هو التصادم والتضارب، والأنانيّة ومحوريّة الذات. ففي نظام هذا العالم يسير كلّ إنسان على أساس الحدود والقواعد التي جعلها لنفسه، ولأنّ الآخر أيضًا يسير على أساس طريقته الخاصّة، فإنّ هذه الحدود ستتداخل وتبرز الاختلافات. 

    1. . المصباح (الكفعمي) ص ٢٥٣.
    2. . ديوان حكيم سنايى غزنوى، ص ٦۱٩.
    3. يقال إنّا لو جعلنا نورًا معيّنًا في طول خاصّ يسطع على نور آخر بشكل متقابل فإنّ هذين النورين يلغي أحدهما الآخر. 

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

4
  • سبب الاختلافات الأسريّة (حكاية في الإصلاح بين زوجين)

  • قبل مدّة جاءني اثنان لحلّ بعض الاختلافات الأسريّة الناشئة من اختلاف الطبائع والأذواق، فالتفتُّ إلى أنّه ليست هناك مشكلة سوى التوقّع الزائد عند كلّ منهما. فقلت لتلك المرأة: إنّي سأتكلّم مع زوجك بضعة دقائق ثمّ تأتين، فلمّا ذهبَتْ قلت للزوج: 

  • إنّ كافّة مشكلتكما ترجع إلى أنّك ترى نفسك متفضّلاً على الناس في علاقتك معهم. طبّق من اليوم فصاعدًا هذا القانون وهو أن ترى نفسك دائمًا مدينًا لهم، افترض أنّك أجير عند الإنسان الذي أنت على خلاف معه، وعليك حتّى نهاية الشهر أن تقوم بالواجب إزاء الأجرة التي أخذتها منه، ولذلك فعندما تأتي إلى المنزل وترى أنّ الأمور ليست كما ينبغي، ولم ينجز ذاك العمل المعيّن، فأصلاً عليك أن لا تقول "لماذا؟" لأنّك لست صاحب حقّ لتطالب به. وطبعًا لا تظنّ أنّ هذا العمل سهل! وعليك أن تثبت أمام عهدك هذا! وقد كان المرحوم الوالد يقول: من استطاع أن يدير حياته الأسريّة على أساس المباديء الإسلاميّة يمكنه أن يدير دولة!

  • وبعد أن ذهب وجاءت تلك المرأة قلت: 

  • بناء على التحقيقات التي أجريت، ليس في حياتكما أيّة مشكلة سوى مراعاة أمر واحد، وبالطبع ينبغي أن لا تخبري به زوجك: إن أعطيتني عهدًا أن لا تطالبي زوجك بشيء وأن تري نفسك دائمًا مدينة له، فإنّي أضمن لك سعادة حياتك. فلو أنّ زوجك كان متأذّيًا من شيء فلا تتأذَّيْ، واشعري دائمًا أنّك مقصّرة معه في القيام بالواجبات. لا بدّ أن يتحقّق هذا الشعور عندك، ورغم أنّه صعب جدًّا، ولكن إذا احتملته شهرًا فستجنين ثمرته. 

  • القاعدة السلوكيّة في التعاطي مع الجميع: انظر لنفسك على أنّك مدين لهم!

  • وبالطبع فإنّ هذه المسألة تشمل جميع الناس، فهذا برنامج سلوكيّ من الأعاظم لتلامذتهم، وبصورة عامّة لجميع الناس، وهي أن يروا أنفسهم مدينين لجميع الناس. على الإنسان في المباحثات العلميّة أو الدائرة والمتجر أن يرى نفسه مدينًا للآخرين، فهذه الحالة هي من أهمّ البرامج السلوكيّة. وهذه القاعدة لم تصل إليها حتّى المدينة الفاضلة التي كتب عنها أفلاطون والفارابي، ولو طبّقنا ذلك في المجتمع فأيّة مدينة فاضلة وأيّ مجتمع سيكون لدينا؟! هذه هي وحدة الكلمة التي أوصى بها الأئمة عليهم السلام، وهي وحدة الوجود التي يتحدّث عنها الفلاسفة، وهي مسألة وحدة اللون التي يتحدّث عنها الأولياء والعرفاء: 

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

5
  • چون كه بى‌رنگى اسير رنگ شد***موسى‌اى با موسى‌اى در جنگ شد
  • چون به بى‌رنگى رسى كآن داشتى‌***موسى و فرعون كردند آشتى‌۱
  • يقول: 

  • [شبّ النزاع بين موسى ونفسه *** مذ غدا عديمُ اللون أسيرَ اللون

  • ولو انعدم كما كان منك اللون *** حلّ السلام بين موسى وفرعون ]

  • معنى السلوك: رؤية الأشياء شيئًا واحدًا حتّى في الصراع مع الكفر (سيرة النبيّ نموذجًا)

  • إنّ السلوك يعني رؤية الأشياء شيئًا واحدًا وحذف التعيّنات. والقرآن الكريم يؤكّد في آياته الشريفة أنّ على الإنسان أن يجعل كلّ همّه وجهده الفكريّ ووجوده في الالتفات إلى تلك الحقيقة البحتة البسيطة لذات الله، وبقدر ما يتنازل الإنسان عن تلك الحقيقة ويميل بأفكاره وميوله وباطنه نحو الأغيار، فإنّه سيسقط ويهلك.

  • وهذا الأمر ينبغي أن يكون موجودًا حتّى في المسائل الحقّة. ففي بداية نبوّة النبيّ الأكرم لم يكن معه سوى اثنين ـ أمير المؤمنين عليه السلام وكان في العاشرة من عمره، وخديجة سلام الله عليها٢ ـ ولكن لم يكن هناك فرق بين حال النبيّ في ذلك الزمان، وحاله في نهاية عمره عندما كان قد سيطر على جزيرة العرب، وكان يعلم أنّ سائر المناطق ستنضمّ إليه أيضًا. لقد كان الارتباط بالخالق هو الأساس عند رسول الله قبل الارتباط بالخلق. ورغم أنّ لازم الاجتماع في عالم الكثرة هو الاشتغال بالكثرة، فسواء كانت معاشرة الإنسان مع المؤمنين أو مع غير المؤمنين ففي النهاية سيُشغل وقته، ولكن رغم الارتباط بالكثرة لم يكن النبيّ على حال يفكّر فيها بعدد أفراد المسلمين أن الحمد لله صرنا الآن أمام الكفّار مائة مسلم، وزدنا أفراد حزبنا، رغم أنّ الحديث هنا هو عن الدعوة إلى الإسلام والإيمان ومدرسة الحقّ. بل كان النبيّ في المقابل يريد من الله أن يكون حوله عدد أقلّ من الناس حتّى يكون له فراغ أكثر.

  • لم يكن رسول الله صلّى الله عليه وآله يرى الكفر مقابلاً للإسلام حتّى يُسرَّ لازدياد عدد المسلمين، بل كان يرى الكفر والإسلام أمرًا واحدًا في سياق التوحيد، فكما يحترق قلبه على مسلمٍ من المسلمين كان يحترق على الكافر أيضًا. لم يكن حزن النبيّ إلا لأنّ غشاوة الجهل لم تزُل بعد عن عيني هذا الكافر، لا أنّ نفس النبيّ كانت تريد أن تصفّي الحسابات مع الناس، وتذهب يمينًا وشمالاً، وتسجّل النقاط. 

    1. . مثنوى معنوى، دفتر اول.
    2. تفسير فرات الكوفى، ص ٣٤۱؛ مناقب آل ابى‌طالب، ج ٢، ص ٤.

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

6
  • التوجّه إلى الأسماء الحسنى مقدّمة لتحقيق الرؤية التوحيديّة 

  • فللوصول إلى هذه المرحلة يقول الله: لا تدعوا إلا أسمائي، وتوجّهوا إليّ وإلى أسمائي؛ فإنّ ما يجري في هذا العالم سراب؛ فلا تبحثوا عن سواي. فمثلاً افترضوا أنّ إنسانًا يريد أن ينال وظيفة فبدلاً من أن يتقدّم بالطلب إلى المدير بشكل مباشر فإنّه يتقدّم به إلى الحارس! وهذا الحارس لا يمكن حتّى أن يصعد إلى الطابق الأوّل، ولا يتأتّى منه أيّ عمل. لقد فتح الله تعالى طريق ورود عباده إلى حريمه، فلو كان الطريق مغلقًا لقلنا: إلهي أنت أغلقت الباب، ونحن مضطرون أن نتوجّه إلى الآخرين. ولكنّ الله يقول: {وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها} ابحثوا عنّي! إلى من تريدون أن تذهبوا غيري؟!إنّ حقيقة العرفان والتوحيد هي انحصار وِجهة الإنسان في جميع الأمور نحو المبدأ الواحد. وعلى الإنسان أن يلاحظ الأسماء الحسنى كوجهة له عند القيام بأيّ عمل: 

  • اسم الرازق

  • فعندما يفتح الإنسان باب منزله صباحًا ويمضي نحو العمل والاكتساب، لا بدّ أن يكون اسم الرازق نصب عينيه حتّى عودته إلى منزله، وليس المراد من فقرة {فَادْعُوهُ‌ بِها} أن يقول الإنسان أثناء سيره في الشارع على الدوام: يا رزّاق. بل أن يجعل تلك الأسماء وِجهةَ قلبِه.

  • إنّ من آداب اكتساب الرزق أن يجعل الإنسان عند خروجه من منزله أمرًا واحدًا فقط أمام عينيه، وهو أن يرى نفسه تحت هيمنة اسم الرازق وسيطرته، ويعلم أنّه لو اكتسب فقط ألف تومان، فإنّ الله هو الذي أرسلها إليه، ولو لم يكتسب شيئًا، فإنّ الله لم يرسل إليه شيئًا، فلا يطالب الله بعد ذلك بشيء. ولو داوم المرء على ذكر "يا رحيم" حين خروجه من منزله ـ والذي يعني "يا أيّها الذي هو في مقام الرحمة والعطف على عباده" ـ فإنّ علاقتنا مع الناس حينها ستتغيّر وتتبدّل.۱

  • اسم العليم

  • لقد رتّب الله تعالى نظام العالم على أساس أسمائه الحسنى هذه، فمثلاً بواسطة اسم العليم وزّع العلم بين عباده من أيّ مقولة كان سواء من العلوم الماديّة أو المعنويّة. فذلك الذي ينتهي إلى نتائج فی العلوم المادّية لم يصل إليها من نفسه، بل ألهمها الله له. 

    1. وإن شاء الله سيأتي في المستقبل كيف على الإنسان أن يخوض في هذه الأمور وأنّه سينال التوفيق من خلال التمرين والممارسة. 

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

7
  • يقول أديسون في الجواب على كيفيّة وصوله إلى هذه الاكتشافات والاختراعات: ٩٩% جهد و۱% إلهام. ورغم اعتراف أديسون بهذا ۱% فإنّه مخطئ بشدّة فقد كانت ۱۰۰% إلهامًا.

  • يقول أحد فيزيائیینا والذي انتقل إلى رحمة الله مؤخّرًا في الجواب على السؤال حول كيفيّة وصوله إلى نظريّته في مقابل نظريّة آينشتين: إنّه الذهن! فجأة تخطر في الذهن فكرة وتومض. 

  • هذه الفكرة من أين جاءت ولماذا لم تأت قبل ساعة؟! فإذن من المعلوم أنّ كافّة العلوم هي ومضات وإلهامات تأتي من جانب آخر، ثمّ بعضهم يقبلها وبعضهم لا يقبلها.

  • وأمّا بالنسبة إلى العلوم المعنويّة فإنّ كافّة مدركات الإنسان هي لمع تحدث وترد على نفوسنا بواسطة اسم العليم.

  • اسم المحيي

  • إنّ حياة كافّة خلايانا هي بواسطة اسم المحيي. يقول الأطبّاء إنّ كافّة خلايا البدن تتبدّل بعد مضيّ مدّة معيّنة۱؛ فمن الذي يقوم بعمليّات توارث المعلومات والخصوصيّات الطبيعيّة للخلايا والجينات؟!٢ وكيف يؤثّر إلى آخر العمر ذلك الطُعم المضادّ لمرض ما والمعطى للإنسان في طفولته؟! وبواسطة من تنتقل العلاقات من خليّة إلى خليّة أخرى في جهاز الدفاع لدى البدن؟! إنّه اسم الله المحيي الذي ينقل سلسلة الأعصاب والخلايا في هذا البدن من مرتبة إلى أخرى ويحافظ عليها كمكان لإحاطة النفس وسيطرتها. 

  • اسم المدبّر

  • وينتهي الإنسان إلى النتائج انطلاقًا من القياسات والقضايا التي يلاحظها في ذهنه فيقوم بالتدبير، وهذا التدبير هو من اسم الله المدبّر والذي أشير إليه في القرآن الكريم في آية {فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً}٣ فسواء شاء الإنسان أم أبى، وسواء التفت أم لم يلتفت فإنّ اسم المدبّر يتصرّف في ذهنه وتدبيره وتحدث عمليّات لكي يصل إلى النتيجة.

  • السلوك يعني الانسجام مع نظام التكوين في الاستناد إلى الأسماء الحسنى

  • فبما أنّ نظام العالم يستند إلى نزول الأسماء الإلهيّة الحسنى، فإنّ المتوقّع منّا هو أن نطبّق هذه الأسماء في حياتنا ونبرزها، وبعبارة أخرى كما أنّ الله تعالى خلق عوالم الربوبيّة والملك والملكوت واستمرّ في خلقها على أساس أسمائه الحسنى، فعلينا نحن أيضًا أن نطبّق ذلك النظام التكوينيّ ـ كتربية عمليّة في وجودنا ـ على المحاور الثلاثة: النفس والأسرة والآخرين. وهذا هو معنى السلوك. السلوك يعني أن يكون الإنسان في مقام التربية وتهذيب النفس وفق الكيفيّة التي وضع النظام الأحسن لعالم الخلقة على أساسها.

    1. بعضهم يرى أنّ هذه المدّة هي بضعة أيّام، وبعضهم أربعون يومًا، وبعضهم سنة، وبعضهم الآخر عشر سنوات. 
    2. تبلغ خلايا بدن الإنسان حسب تقديرات بعض الباحثين ما يقارب سبعًا وثلاثين تريليون خليّة، كلّ خليّة تحتوي على خمس وعشرين ألف جين. والجينات هي موادّ وراثيّة تحمل المعلومات التي تعيّن خصوصيّات كلّ إنسان كلون العين وغيره. (المحقّق)
    3. . سورة النازعات (۷٩) الآية ٥.

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

8
  • وما ذكر مرارًا من أنّ التشريع ونظام التربية العرفانيّ متطابق تمامًا مع التكوين، فهو لأنّه لا يمكن أن يتحقّق في نظام التكوين أمر، ثمّ يُؤمر في النظام التربويّ بما يخالفه. 

  • نقل لي بعض الأصدقاء مؤخّرًا حكاية فقال: 

  • عندما كنت في أميركا كانت زوجتي تراجع طبيبة يهوديّة، وكانت هذه الطبيبة تذهب في بعض الأيّام إلى أماكن مختلفة وتعالج الناس مجانًا، وأحيانًا كانت تبذل من نفقاتها الخاصّة وتسافر إلى خارج أميركا وتخدم الناس في البلدان الأخرى، وقد جعلت ذلك جزءًا من برنامج حياتها الخاصّة، وكانت لها أخلاق رفيعة. 

  • وأنا جوابًا على السؤال حول مكانة هذه المرأة على ضوء نظام التشريع قلت له: 

  • هذه المسألة دقيقة جدًّا وتستحقّ الاهتمام، إنّ المعايير في ذلك العالم لا تقبل المقايسة مع المعايير في هذا العالم. فإن كانت هذه المرأة تقوم بذلك لأهداف سياسيّة واستعماريّة وتبشيريّة وأمثال ذلك، فلا تساوي مثقال ذرّة، أمّا لو كانت تقوم بها كواجب أخلاقيّ ولتحصيل رضا الله، فيمكن أن تكون هذه المرأة اليهوديّة في صفّ شيعة أمير المؤمنين، وأنا طالب العلم المدّعي اتّباع أمير المؤمنين أكون في صفّ اليهود، لأنّ أتباع عليّ هم أهل العمل فحسب. 

  • إنّ مراد أمير المؤمنين عليه السلام ـ والذي كان بنفسه تجسيدًا للأسماء الحسنى الإلهيّة ـ هو أن يحقّق تلك الأسماء في العالم، فلو أنّا قلنا بالكلام إنّا أتباع أمير المؤمنين ـ الذي هو مرتبة ظهور ذلك الاسم الكلّي لله في القالب البشريّ ـ ولكن قمنا عملاً بما يخالف ذلك، فهذا ليس عملاً صحيحًا، ولن نصل من ذلك إلى شيء، إنّ نظام السلوك هو عبارة عن تطبيق أسماء الله الحسنى في حياة الإنسان. 

  • ضرورة التوازن في عمليّة الانسجام مع الأسماء الإلهيّة

  • وحتمًا علينا أن لا نتمسّك باسم واحد ونترك سائر الأسماء، فالإفراط والتفريط كلاهما خطأ. فإلى جانب اسم الجواد هناك أيضًا اسم المدبّر. والآية الشريفة تقول: {وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى‌ عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}؛۱ فمن المهمّ أن يكون للإنسان حالة اعتدال وعقلائيّة وأن يستعمل عقله ويراعي المصلحة. 

    1. . سورة الإسراء (۱۷) الآية ٢٩.

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

9
  • تتمّة بيان معنى الاسم وكون الأئمة عليهم السلام أسماء الله

  • فبناء على ما تقدّم، فإنّ أسماء الجواد والفيّاض والعليم والقدير والرحيم والعطوف هي أسماء إلهيّة، والاسم عبارة عن الكلمة التي تحكي عن حقيقة، وبملاحظة تلك الحقيقة فإنّ هذا الاسم إما يكون شريفًا أو قبيحًا. 

  • وبملاحظة أنّ لكلّ لفظ وصوت موجةً خاصّة تصطدم بطبلة الأذن، وتوجِد لدى الإنسان حالة بواسطة العصب ـ ولذلك تسرّون إذا تكلّم معكم أحد بكلام سارّ، وتتأذّون إذا تكلم معرّضًا طاعنًا، لأنّ هذا الصوت بنفسه ليس مؤثّرًا، والمعاني التي وراء هذا الصوت والتي يحكي عنها هي المؤثّرة في النفس، وأحيانًا تؤدّي إلى سروركم وانبساطكم وأخرى إلى ألمكم وانقباضكم ـ فالمراد من آية {وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها} هو أنّ وراء هذه الأسماء معانيَ خاصّةً لا بدّ أن يدعى بها الله تعالى، وأن يُلتفتَ إلى تلك المعاني، وإلا فإنّ الأذكار اللفظيّة كـ"يا عليم" و"يا رزّاق" و"يا رحيم" و"يا الله" يقولها الكفّار والمنافقون أيضًا. والحقيقة التي وراء هذه الأذكار هي الأسماء الإلهيّة، وهذه الكلمات هي ألفاظ تحكي عن مرتبة تشير إلى الله، فمثلاً حرف القاف والدال والياء والراء في اسم القدير تحكي حقيقة هي اسم الله. 

  • وعلى هذا الأساس فسّرت آية {وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى} بالأئمة عليهم السلام ۱ فهم آيات قدرة الله وعلمه! فلو أراد أحد علم الله فعليه أن يمضي إلى بقيّة الله أرواحنا فداه الذي هو مظهر أسماء الله، لا إلى أمثالي ممّن ليس لهم حتّى مقدار ذرّة من العلم. ومن أراد قدرة الله فعليه أن يمضي إلى أمير المؤمنين الذي نقل الشمس من مكان إلى مكان.٢و ٣ لا إلى الإنسان الذي لا يقدر على رفع آلة رياضيّة تبلغ مائتي كيلو غرامًا. فلو أراد أحد أن يرى قدرة الله فعليه أن يذهب إلى النبيّ الذي بإشارة منه ينشقّ القمر نصفين فيدع نصفًا في مكانه ويدور بالنصف الثاني منه حول الكعبة سبعة أشواط ثمّ يلتصق بالنصف الأول.٤ فلئن كنتم عاجزين عن الوصول إليه بلا واسطة فعلى الأقلّ {ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}٥ واذهبوا إلى رسولٍ له قدرة كهذه. 

    1. . الكافي، ج ۱، ص ۱٤٣: « عن معاويةَ بنِ عمّارٍ، عن أبى عبدِ اللهِ عليهِ السّلامُ فى قَولِ اللهِ عزَّ و جلَّ: ( وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‌ فَادْعُوهُ بِها) قالَ:" نحنُ و اللهِ الأسماءُ الحُسنَى الّتى لا يقبَلُ اللهُ مِنَ العِبادِ عَمَلًا إلّا بِمَعرفتِنا."»
    2. ومسجد ردّ الشمس في المدينة هو المكان الذي أعاد منه أمير المؤمنين عليه السلام وبإشارة الشمس بعد الغروب فصلّى صلاة العصر أداء بعد أن لم يكن قد صلاّها. 
    3. . الكافى، ج ٤، ص ٥٦۱؛ الإرشاد، ج ۱، ص ٣٤٥؛ وقعة صفين، ص ۱٣٥.
    4. . مناقب آل أبي ‌طالب، ج ۱، ص ۱٢٢.
    5. . سورة المائدة (٥) الآية ٣٥. 

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

10
  • معجزة رسول الله ليست في شقّ القمر فحسب بل في الرقيّ بالإنسان إلى حيث يدرك المعارف التي وصل إليها 

  • وبالطبع يمكن أن يقال إنّ قدرة النبيّ لم تكن في شقّ القمر نصفين، فالقمر ليس إلا جرمًا سماويًّا لا أكثر، إنّ قدرة رسول الله هي أن ينقل الإنسان من مرتبة الحيوانيّة إلى مرتبة يمكنه معها أن يدرك المعارف التي في نفس النبيّ، هذه هي المعجزة، لا شقّ القمر وردّ الشمس اللتين تكبران في صدورنا. 

  • كان المرحوم الحدّاد يقول: 

  • إنّ أربعة آلاف من معاجز الأنبياء لا تصل إلى مستوى كلمة واحدة من كلامنا.۱ كثير هم أهل الادّعاء، أمّا هو فلم يكن يقول هزلاً ولا لغوًا، وكان بمستوى كلامه هذا، وكانت له القدرة على القيام بعمل كهذا، يريد أن يقول إنّ ذلك العمل الذي نقوم به نحن خارج عن طوق البشر والمسائل الماديّة. وهذه المسألة مهمّة، وإلا فمهما سعيتم إلى القيام بأعمال عجيبة غريبة في هذه الدنيا فإنّ دائرتها عالم المادّة. 

  • ضرورة اتّباع الأئمة عليهم السلام لأنّهم المظاهر التامّة للأسماء الحسنى

  • فعليكم بالسعي إلى إنسان كهذا، ومن هنا، فما ورد في الروايات من أنّ المراد من الأسماء الحسنى لله هو الأئمة المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين، هو لأنّهم التامّ لأسماء الله والذين يقفون أمامنا. وبعبارة أخرى: إذا أراد الإنسان المادّي ـ الذي لا يمكنه بنفسه أن يخطو خطوة واحدة وراء حدود تصوّراته وتخيّلاته نحو ما وراء الطبيعة ـ أن يسير في ذاك الاتّجاه، ولأنّه لا بدّ أن يسير بهذه الحواسّ والاستعدادات، فقد جعل الله له إنسانًا هو مظهر تامّ للأسماء الحسنى لله. فرغم أنّ الإنسان وبصورة عامّة كلّ موجود هو مظهر للأسماء الحسنى لله، إلا أنّ النسبة بين الناس العاديّين وبين الأئمة عليهم السلام هي كالنسبة بين حبّة الرمل وبين الصحراء، فلذلك على الإنسان أن يتّبعهم للوصول إلى مرتبة الإطلاق واللانهاية. 

  • الترادف بين اسم الله وكلمته

  • وتارة يعبّر عن هذا المقام بالاسم وتارة بالكلمة، فكما نطلق الاسم على تلك الحقيقة ونعدّ هذا اللفظ حاكيًا عنها، فإنّ الكلمة أيضًا هي كذلك. فالكلمة عبارة عن الحقيقة التي يكون المتكلّم في مقام الإتيان بها.

    1. . مطلع انوار، ج ٢، ص ۱۷٣، تعليقه: كان المرحوم الوالد يقول: 
      كان المرحوم الحدّاد رضوان الله عليهما يقول: «هؤلاء الناس عندما يأتون إلينا يتحدّثون فورًا عن المعجزة والأمر الخارق للعادة، ويطلبون منّا إبراز أمور كهذه. ولكنّهم لا يعلمون أنّ طريقنا هو طريق الهداية والإرشاد، وطريق العبور عن النفس والكثرات والحجب النفسانيّة، لا إبراز خوارق العادات والكرامات، ماذا يحلّ القيام بهذه الأمور من مشكلات الناس؟! ولكن على هؤلاء أن يعلموا أنّ المعدّ والموجب للحركة وفعليّة الاستعدادات هو كلماتنا وبياناتنا التي هي بمثابة الإكسير وهي لتحقيق التأسّي والاتّباع والانقياد كالكيمياء المؤثّرة النادرة، وكلّ واحدة من هذه البيانات هي أرفع من أربعة آلاف معجزة وأكثر تأثيرًا وفتحًا للطريق وأنجع!»

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

11
  • وقد ورد ذكر الكلمة في موارد مختلفة من آيات القرآن: 

  • {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى‌ مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ}؛۱

  • {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‌ وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا}؛٢

  • {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ}؛٣

  • {وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ}.٤ 

  • فالکلمة بمعنى الحقيقة التي يريدها المريد والمتكلّم ويريد أن يبيّنها. وتلك الحقيقة قد تكون وجود الإنسان ونفسه كما في الآية الأولى التي عدّت النبيّ عيسى كلمة الله، وقد تكون عقيدة ونهجًا، سواء كان نهجًا باطلاً للكفّار حيث يقول: {وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى‌} أو نهج حقّ وصراطًا مستقيمًا حيث يقول: {وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا}. ونتيجة الكلام هي أنّ كلا التعبيرين الاسم والكلمة يشيران إلى حقيقة واقعيّة إمّا ذات صلة بالحقّ أو ذات صلة بالباطل.

  • علّة انحصار الطريق إلى الله في الأسماء الحسنى

  • لقد كانت المطالب السابقة حول كلمة "الأسماء" أمّا أنّه لماذا لا بدّ أن نسير إلى الله بواسطة أسماء الله الحسنى؟ وهل الأعمال والرياضات التي يقوم بها الدراويش والهنود ومختلف أتباع المذاهب والملل في عباداتهم تؤدّي بهم إلى نتيجة؟ فنقول: 

  • لو أنّ الإنسان بحث عن الواقع وأراد معرفة الله، فعليه أن يلتزم بلوازم ذلك الواقع، وأن يسير في الطريق الذي يبيّنه صاحب الدار، لا أن يعمل بالطرق المبتدعة للآخرين على أساس التخيّلات والأوهام. 

  • لقد كان هناك الكثير من الذين أرادوا أن يسيروا كما يحلو لهم ويتقدّموا على الأوامر والبرامج السلوكيّة، ولكنّ طريقهم بَطَل، وعمرهم ضاع. 

  • كنت أشعر أنّ أحد تلامذة المرحوم العلاّمة يقوم من نفسه ببعض الأعمال، وعندما نبّهته وسألته هل تقوم بهذه الأفعال بإجازة منه وتحت نظره وإشرافه؟ انصرف عن الحديث في الموضوع بابتسامة.

  • ومرّت الأيام حتّى طلب المرحوم العلامة ذلك الرجل وقال له بعد أن كان يسير بالتدريج إلى تعطيل كسبه وعمله: عليك أن تهتمّ بعملك أكثر من هذا! ولكنّه لم يعتن بكلامه، وحتّى بعد أن حدّثه مرّة ثانية بأنّ هذه الأمور التي تطرح ليست بالأمور التي يمكن التهاون بها، ولكنّه تابع على ما كان عليه. 

    1. . سورة النساء (٤) الآية ۱۷۱.
    2. . سورة التوبة (٩) الآية ٤۰. 
    3. . سورة إبراهيم (۱٤) الآية ٢٤.
    4. . سورة إبراهيم (۱٤) الآية ٢٦. 

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

12
  • ثمّ مرّت الأيّام حتّى صادف أن كان إلى جانبي في إحدى الدعوات فقال لي: «لي إليك سؤال، لو أنّ إنسانًا كان على ارتباط مباشر بصاحب الزمان عليه السلام فهل يحتاج إلى أستاذ؟» فقلت له: «لا يخلو الأمر من أحد طرفين على نحو القضيّة المنفصلة۱: إمّا أن يكون كلامه مطابقًا لكلام الأستاذ وإمّا مخالفًا له، فإن كان مطابقًا له، فما دمت عند أستاذك وتتلقّى منه المسائل فما الحاجة إلى اللقاء بهذا الرجل الذي تزعم أنّه إمام الزمان ؟! وإن كان كلامه وأوامره مقابلين ومخالفين لأوامر ونواهي الأستاذ فعليك أن تقرأ الفاتحة لهذا الرجل الذي كنت ترى أنّه إمام الزمان! لأنّ من أوصلك إلى حيث ترى إمام الزمان هو هذا الأستاذ، ولم تصل إلى هذه المرتبة بنفسك، فكيف يمكن للأستاذ أن يأتي بك إلى الحدود ويتركك بل ويجعلك بأوامره الخاطئة في الجهة المقابلة لإمام الزمان؟!» 

  • نعم لقد حدث كثيرًا أنّ بعض تلامذة أستاذ ما يصلون إلى مراتب بحيث يوكلهم أستاذهم إلى أفراد آخرين غير إمام الزمان عليه السلام، فعندما يقول الأستاذ: من الآن فصاعدًا أنت صرت متّصلاً ولا شغل لي معك بعد الآن. لا إشكال، ولكنّ كلامنا عندما يقول الأستاذ: عليك لتحقيق سعادتك أن تقوم بهذا العمل. ثمّ يأمرك إمام الزمان بخلاف هذا الأمر! فبدلالة الالتزام يقول لك الأستاذ إنّ إمام الزمان المزعوم هذا ليس هو الإمام الواقعيّ، وأنت تعتقد أنّه حقّ، لذلك عليك أن لا تلتفت إليه. 

  • لقد ذكرت له هذه المسائل ولكنّها لم تكن مؤثّرة، ومضت الأيّام فأرسل إليه المرحوم العلامة واحدًا من الرفقاء ليبلّغه عن لسانه: 

  • إنّ إمام الزمان الذي تتبّعه شيطان، إنّه ليس إمام الزمان، لا تقل إنّ الأعاظم رأوا وأحسّوا ولكنّهم سكتوا وتركونا في الضلالة. 

  • ولكن للأسف لم تؤثّر هذه الرسالة من المرحوم العلامة.

  • لقد كان الغرض من ذكر هذه الحكاية أن المسألة مهمّة جدًّا وهذا الوادي شديد الخطر، حيث يكمن فيه في كلّ مكان جنود الشيطان والأبالسة للإضلال، ولذلك يحتاج الإنسان إلى خبير، فلو كان الأمر بحيث يمكن لأيّ إنسان أن يحدّد الحقّ من الباطل، ويفرّق بين الأسماء الحسنى وغيرها فلا مجال للكلام والإشكال. 

    1. القضية الشرطية المنفصلة هي القضيّة التي يحكم فيها بالإيجاب أو السلب حول انفصال طرفي القضيّ، مثل العدد إما زوج أو فرد، وليس إمّا أن يكون العدد زوجًا أو قابلاً للقسمة على اثنين. انظر الجوهر النضيد، ص ۸٣. (المحقّق)

لماذا لا يمكن الوصول إلى الله إلا بالتوجه إلى أسمائه؟

13
  • وإن شاء الله سنتحدّث في الجلسة القادمة عن خصوصيّة الأسماء والأذكار وكيفيّة تأثيرها وتغييرها وتحوّلها في النفس.

  • نسأل الله أن يثبّت أقدامنا على صراط ومنهج وممشى السالكين إلى حريم القدس والواردين والوافدين على مقام الأمن والأمان الذي هو مقام الأئمة المعصومين والأولياء العظام، وأن لا يفرّق بيننا وبينهم في الدنيا، وأن يرزقنا زيارتهم، وأن لا يحرمنا شفاعتهم في الآخرة! وأن يجعل أفكارنا وأقوالنا وأسرارنا وسويداءنا محلاًّ لرضاه. 

  • اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.