3

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

4913
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1430

التاريخ 1430/09/09


التوضيح

: تتحدّث هذه المحاضرة حول ثلاثة محاور:
1ـ صلاة الجمعة وآثارها المعنويّة وكيفيّة إقامتها ومضامين خطبتيها وبعدها السياسي وكيفيّة تحقيقه الثقة بين الحكومة الإسلاميّة والناس.
2ـ ضرورة رعاية الأدب مع الوالدين والأساتذة والإخوة الأكبر سنًّا.
3ـ حقيقة فزع الإمام وهل أنّه يتواضع أمام الله من باب مراعاة الأدب؟

/۱٦
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۰ هـ - الجلسة الثالثة

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدس الله سرّه

  •  

  •  

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللَه من الشيطان الرجيم‌

  • بسم اللَه الرحمن الرحيم‌

  •  

  •  

  • «إذَا رَأيتُ مَولاي ذُنُوبِي فَزِعتُ، وَ اذَا رَأيتُ كرَمَك طَمِعتُ».

  • عندما أنظر إلى ذنوبي يا مولاي وصاحب اختياري أقع في الفزع والارتجاف، وعندما أنظر إلى كرمك وعظمتك ولطفك وعنايتك يتحقّق لديّ طمع وميل ورغبة في نعمك. 

  • عصمة الإمام ومعنى ذنبه

  • تقدّم ليلة أمس وفي الليالي الماضية للرفقاء أنّه بما أنّ الإمام عليه السلام صاحب مقام العصمة، ولازم العصمة عدم صدور الخطأ فضلاً عن المعصية والذنب، فكيف يرتكب ذنبًا وفعلاً محرّمًا؟! فالإمام له مقام العصمة ومن يصل إلى مقام العصمة لا يتأتّى منه صدور الخطأ، أي يمتنع صدور الخطأ والذنب ممّن وصل إلى مرتبة العصمة أيًّا يكن سواء كان إمامًا أو غير إمام مثل أولياء الله، وطبعًا لا أولياء الله هؤلاء الذين يُطرحون اليوم على كلّ لسان وفي كلّ كتاب وفي كلّ زقاق وسوق، وصار يقال لأيّ إنسان: وليّ الله ويقال لكلّ إنسان عارف.

  • شدّة اهتمام المرحوم العلاّمة بالمشاركة في صلاة الجمعة 

  • أذكر أنّي كنت في مكان ما وكان هناك رجل يتكلّم من خطباء الجمعة، وكان خطيبًا في إحدى المحافظات ولا أجزم أنّه كان لديه غرض ما، ففي النهاية الله عالم بالقلوب فلماذا نطرح نحن ما لا يقين لنا به؟!

  • وقد كان المرحوم العلاّمة يشارك في صلاة الجمعة قبل مرضه، ذلك المرض القلبيّ الذي قال بعده الأطبّاء: إنّ المشاركة في صلاة الجمعة بالنسبة لك مضرّة، وتسبّب لك ضغطًا فلا يصلح أن تتعرّض للازدحام والحرّ وأمثال ذلك. فقد كان يشارك وكنّا نصحبه. 

  • وأخبركم بهذا الأمر أيضًا وهو أنّ المرحوم العلاّمة كان يهتمّ كثيرًا للمشاركة في صلاة الجمعة في ذلك الزمان، كان يهتمّ كثيرًا في المراحل السابقة، ولا أنسى أبدًا ذلك الانبساط والبهجة والانتظار الذي كنّا نشاهده منه، فمثلاً في أحد أيّام الأربعاء كنّا في خدمته في طهران وكانت صلاة الجمعة تقام في الجامعة آنذاك، وذات مرّة أيضًا ذهبنا إلى صلاة الجمعة في جنّة الزهراء بإمامة آية الله منتظري، نعم كانت بإمامته، فذهبنا وشاركنا وكانت صلاة جمعة ذات معنويّة عالية، وأذكر أنّه كان يومًا حارًّا شديد الحرارة، وكان من الواضح أنّ المرحوم العلاّمة كان في حالة من الشوق وكنّا قد قطعنا مسافة طويلة سيرًا على الأقدام لأجل المشاركة في صلاة الجمعة، وفي صلاة الجمعة في الجامعة حينها كان يصلّي الشيخ منتظري أيضًا، وأحيانًا أيضًا كان آية الله خامنئي يصلّي في تلك الجامعة. وكان المرحوم العلاّمة آنذاك يتلهّف كثيرًا للمشاركة، حتّى بعد أن تشرّف بالانتقال إلى مشهد، سواء كانت في أيّام الشتاء حيث كانت تقام صلاة الجمعة في مسجد جوهر شاد والحرم أو خارج مشهد حيث كان هناك مكان يسمّى المصلّى، وكان يبعد عن مشهد مسافة معيّنة، وطبعًا كان قريبًا من المدينة كانت تقام فيه الصلاة في الصيف، وكان المرحوم العلاّمة يذهب ويهتمّ كثيرًا بصلاة الجمعة، وكان عجيبًا جدًّا حاله ووضعه. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

3
  • ما هي الأجواء التي يجب أن تحكم صلاة الجمعة؟ 

  • وليت رسالة صلاة الجمعة التي كتبها تترجم إلى اللغة الفارسيّة، فأنا لا يمكنني، فهذا لا يتأتّى منّي، ولكن ليت الرفقاء والأصدقاء يترجمون هذه الرسالة والتي تحتوي على مطالب رفيعة، وقد علّقت عليها في الحواشي، وذكرت ما هي شروط صلاة الجمعة، وشروط الخطيب، وما هي المضامين التي عليه أن يطرحها، والمسائل التي لا بدّ منها، وحبّذا لو يُعمل بهذه الوصايا وتكون بمتناول أيدي الجميع، وللأسف من الأمور المقلقة عندنا في الحوزة وبين الفضلاء عدم رغبتنا بالنصوص العربيّة ونرغب أن تكون النصوص أسهل وأكثر سلاسة مهما أمكن وباللغة الفارسيّة، فلو كانت رسالته هذه باللغة الفارسيّة وتعليقاتي عليها كذلك فربّما كان الناس يلتفتون إلى مضامينها أسرع، وكم يحسن بأئمّة الجمعة أن يطالعوا هذه الرسالة للمرحوم العلاّمة ومضامينها ويعملوا بها لكي تتغيّر الأجواء في صلاة الجمعة ويغلب عليها الجانب الملكوتيّ.

  • فمن المسائل التي كتبتها هناك في صلاة الجمعة أنّ على الخطيب في صلاة الجمعة أن يرجّح الجانب الملكوتيّ لهذا الحضور على الجانب السياسي، فالصورة التي يمتلكها أفراد المجتمع الآن عن صلاة الجمعة هي صورة سياسيّة فالجميع يتصوّرون ذلك، وحقًّا هي كذلك وكما نشاهد فإنّ لصلاة الجمعة بعدًا سياسيًّا ولا بدّ أن يكون لها ذلك، فعلى الناس أن يحصّلوا في صلاة الجمعة معرفة بالأمور السياسيّة، لا بدّ أن يطّلعوا على الأمور السياسيّة الحقيقيّة، فالأمور الواقعيّة والحقيقيّة لا بدّ للنّاس أن يطلّعوا عليها، وكلّما كانت معلوماتهم عنها أكثر فإنّ مستوى إدراكهم يتضاعف ويصبح عملهم أصحّ، وفعلهم أصحّ، فوظيفة حاكم الإسلام ـ ودقّقوا في هذا جيّدًا ـ فلحكام الإسلام وظيفة مهمّة بالنسبة إلى الأمّة وهي أن يرفع من مستواها الفكريّ ومستوى عقول المجمتع الإسلاميّ ومعرفته وأن يعطي الناس رؤية، وهذه الرؤية ليست حقنة تضرب وليست دواء يؤخذ كلّ ثمانية ساعات! إعطاء الرؤية للنّاس يعني إطلاعهم على الأحداث والمسائل السياسيّة التي تجري حولهم لا بشكل انتقائي بل واقعيّ، لا انتقائي بحيث يسكت عن ثلاثة أشياء ويقول شيئًا واحدًا، فهذا ليس تكاملاً، إنّه تأطير في إطار وحبس في جوّ مغلق، ولا فائدة منه، فما هو الحقّ والواقع هو الذي يجب أن يطرح.

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

4
  • كيف تحصل الحكومة على ثقة الناس؟

  • ولا بدّ في الحكومة الإسلاميّة من منح الناس الثقة والاطمئنان بحيث يثق الناس بما يُطرح ويثقون بالمسائل التي تجري من حولهم والأحداث الراهنة، ومتى يصل الناس إلى هذه الثقة؟ حين تُتحمّل المشاقّ! متى يصل الناس إلى الثقة الحقيقيّة والواقعيّة…؟ 

  • الآن ما هذا العمود الذي أمامي؟ هل هو بلاستيك؟ هل هو كاوتشوك؟ هل هو فولاذ؟ قطن؟ افترض أنّه قطن، فهل السقف واقف على القطن؟! فما هو جنس هذا العمود؟ عليّ أنا أن أبيّن للآخر ما هو في الواقع: هذا العمود هو عبارة عن قطعة من الحديد قطرها كذا وطولها كذا وضخامتها كذا وقوّتها كذا وحولها اسمنت وجصّ وحجر فصار شكلها هكذا، صحيح؟ هذا يسمّى بناء الثقة، مجال لإيجاد الثقة، فوظيفة الحكومة الإسلاميّة هو تحقيق الثقة الاجتماعيّة والاطمئنان، وحينها انظروا كم سيختلف الأمر، وكم من المشاكل ستحلّ، تلك المشاكل التي تحتاج في حلّ عقدها إلى الأسنان، حينها العقد الشديدة ستحلّ بنفسها، لماذا؟ لأنّ هناك ثقة واطمئنانًا، إذا تحقّقت الثقة فلا أحد يلعب لعبة الاختباء، ولا أحد يلفّ ويدور، ولا أحد يقول شيئًا ويخفي أشياء، ولا أحد يحتفظ لنفسه بشيئين ويخبر عن شيء واحد، فهذا يؤدّي إلى الثقة، هذه هي الحقيقة فماذا نصنع؟ فالأمر هكذا وحالنا هكذا وأوضاعنا هي هذه، وظروفنا هي هذه، والمسائل المحيطة بنا هي هذه، فلتقولوا أنتم أيّها الناس ماذا علينا أن نفعل؟ تفضّلوا هذا العمل، هذا العمل، هكذا بكل سهولة. أمّا إن لم يكن هناك ثقة فستظهر المشاكل، وستظهر العقد المحيّرة وهذا يلطم وذاك ينوح حتّى ماذا؟ حتّى تحلّ القضايا والمسائل. 

  • فلا بدّ في صلاة الجمعة من الاهتمام بالمسائل السياسيّة، المسائل السياسيّة البعيدة عن الهوى، البعيدة عن الفئويّة، البعيدة عن الحزبيّة، البعيدة عن الانتساب إلى مكان والابتعاد عن آخر، البعيدة عن المنافع الفئويّة والشخصيّة، البعيدة عن المنافع الطبقيّة، البعيدة عن الترجيحات الاعتباريّة لفئة مختصّة بهم وترجيحها، وجعلها في مرتبة خاصّة أرفع من الناس، كلاّ فلا فرق في الحكومة الإسلاميّة بين رجل الدين وغيره، الجميع مسلمون، والجميع عباد الله، والجميع عند الله معزّزون ومحترمون {إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم}۱لا أعلمكم وليس أكرمكم عند الله أفضلكم، ولا أكرمكم عند الله رجل دينكم! كلاّ فهذه الأمور لا وجود لها في القرآن، فلا تبالوا كثيرًا بهذه الأمور، وأتقاكم هو الذي لديه تقوى أكثر ولديه صدق في عمله أكثر، ولديه صفاء وإخلاص في عمله أكثر، فهذا هو أكرمكم عند الله لا غير، رجل الدين لديه وظيفته، وليس لدينا في الإسلام رجل دين لدينا عالم دين، رجل الدين هو للنصارى وقد جاء خطأ إلى الإسلام، فليس لدينا رجل دين لدينا عالم، عالم دين، قائد.

    1. سورة الحجرات (٤٩)، مقطع من الآية ۱٩. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

5
  • فإذن هذا الموضوع دقيق، وجميع الناس في الدولة كأسنان المشط وليس هذا مجرّد كلام يخرج من حلقي ومن فمي، بل هذه هي حقيقة الأمر، ولا بدّ من الحياة في المجتمع الإسلامي وفق هذه الرؤية، وعلى الإنسان في المجتمع الإسلاميّ أن يروّج لأموره وتصرّفاته على هذه الرؤية. ووفق هذه الرؤية يجب أن لا يكون هناك اختلاف بين أيّ فئة وفرد إلا بالتقوى وهي أيضًا أمر يرتبط بالله وأنا وأنت لا نعرف عن تقوى الناس شيئًا، من يجب أن يعرف هو إمام الزمان فحسب، وغير إمام الزمان أولياء الله الذين يعلمون ماذا يجري في البواطن وفي الخفايا والأسرار والقلوب، وما نراه نحن هو الظاهر فقط، الظاهر الذي تحدّثت عنه أمس وليس معلومًا إلى أين ينتهي غدًا! الحمد لله نحن في هذه الدنيا في حال جيّد، رأينا في هذه العقود من عمرنا أحداثًا مختلفة في زمان الطفولة وفي زمان الفتوّة وفي زمان الشباب وفي هذا الزمان الذي تدعونني في عجوزًا أو شابًّا! ـ فالأمر يرتبط بقدرتكم على التشخيص وبماذا تحكمون، يقال إنّ القلب يجب أن يكون شابًّا، صحيح يا عزيزي، فالأمور الأخرى لا تستحقّ الاهتمام ـ فقد رأينا في هذه الفترات جميع الأنواع وجميع الأصناف وجميع الأشكال والألوان والأجناس، رأينا كافّة أنواع التظاهر، وكافّة أنواع الإقبال، وكافّة أنواع الإدبار، لقد رأينا كافّة الأنواع في النهاية، ففي علاقتنا مع الأفراد ومع الناس رأينا الجميع، وما حصلنا عليه هو أنّ السير في غير طريق العرفاء بالله وأولياء الله لا ينتج إلا الخسران والهلاك والبوار في الدنيا والآخرة، فهذه التجربة التي نلتها طوال هذه السنوات المتمادية مع مختلف الأفراد والأصناف والأحداث. 

  • لا بدّ في صلاة الجمعة أن توضَّح السياسةُ للناس، وأن يطّلع الناس على الأحداث التي يمرّون بها، ولا بدّ أن تبيّن وتوضّح للنّاس بشفافيّة خطط أعداء الإسلام الذين يتربّصون للقضاء على كيان الإسلام، لا بدّ من الحديث بطريقة تجعل الناس لا يشعرون بالتمايل إلى هذا الجانب أو ذاك في المحاكمات، بل تجعلهم يرون الواقع كما هو. وينبغي أن لا يكون هناك في المسائل المختلفة دوْران تلعبهما حكومة الإسلام وسياستان تمارسهما، ففي مكان معيّن تتّبع سياسة وفي مكان آخر تتّبع سياسة أخرى، إن كان لا بدّ أن يساعَد المسلمون في مكان ما فلا بدّ من مساعدة المسلمين في مكان آخر أيضًا بالطريقة نفسها وبالأغذية نفسها، ولا بدّ من الالتزام بتلك السياسة بعينها، وإن كان هناك عدوّ كامن للقضاء على الإسلام فلا فرق في العدوّ بين الغرب والشرق كلاهما سواء وكلاهما كفرة، وكلاهما ملحدون، ولا بدّ من النظر إليهما نظرة واحدة. علينا أن نراعي الإنصاف والعدالة في الحكم في جميع شؤون حياتنا في المسائل المختلفة، ولا بدّ أن يعتقد جميع أهل الدنيا بصدقنا وإخلاصنا وأن يستشعروا بكامل وجودهم ويلمسوا خلوص الإسلام الذي تجلّى في مظهر القادة المسلمين، ولا قدّر الله أن يؤدّي اختلاف هذه القياسات وتمايز هذه التدابير من قبلنا إلى تغييرات واقعيّة. فهذه هي وظيفة الخطيب في صلاة الجمعة والتي ينبغي أن يقوم بها. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

6
  • ولا بدّ أن يكون خطيب الجمعة بنفسه رجل سياسة وصاحب خبرة في المسائل، ولا بدّ أن يكون له رأيه الخاصّ فيها وأن يكون صاحب عقيدة وصاحب وجهة نظر، ويجب أن لا يتولّى خطبة الجمعة كلّ من لا يدري ماذا يقول، ويجب أن لا يجعل خطيب جمعة كلّ من له أهواء مختلفة وأغراض مختلفة، وليس ميل الإنسان إلى فئة معيّنة سببًا لانتخابه واختياره لذلك، وآثار ذلك هي هذه كأن يصبح الناس عديمي الرغبة بالصلاة ويعدّونها أمرًا سهلاً ومعتادًا وعملاً إن حصل فبها وإن لم يحصل فلا خسارة، إن كانت لدينا رغبة ذهبنا وإلا قعدنا.

  • يشترط في الخطيب أن يكون بنفسه صاحب وجهة نظر في الأمور السياسيّة لا أن يعطى ورقة ويقال له تفضّل، فهذا ليس خطيبًا، على الخطيب أن يستمع بنفسه إلى ما يجري في الدنيا ويطّلع على ما يجري. وعليه أن يستمع ماذا تقول الدول التي تتآمر على الإسلام ولا بدّ أن تتوفّر لديه الوسائل والإمكانات وطرق الوصول إلى المعلومات، فربّما كان من يوضّح له الأمور مشتبهًا ويتحدّث عن حدسه الخاصّ. فلو سمعت الأمر بنفسي فإنّي أحكم بنحو، ولو قاله غيري فإنّي أحكم بنحو آخر، وقد ذكرت لكم أنّ من الطبيعيّ أن يختلف فهم الناس حول قضيّة واحدة باختلاف الأغراض، فلو قلت قضيّة ما لإنسان فإنّه يفهمها بنحو، ولو قلتها لآخر يفهمها بنحو آخر، وقد كنت بنفسي في جلسة الجمعة للمرحوم العلاّمة فذكر أمرًا حول قضيّة اجتماعيّة ثمّ ذهب ليتوضّأ ثمّ يرجع، وكان في الجلسة ما يقارب خمسًا وعشرين رجلاً فجرى الحديث بينهم حول أنّه ما هو هدف العلاّمة من كلامه هذا؟ فرأيت أنّ كثيرًا من الحاضرين كانوا يطرحون ما يخالف كلامه بنسبة ۱۸۰ درجة فلماذا؟ عين الذين كانوا من الناحية الفكريّة والنفسيّة يميلون إلى تيّار معيّن هم أنفسهم كانت آراؤهم متقابلة، فلو لم أكن بنفسي في تلك الجلسة وجاء هؤلاء إليّ وشهدوا أنّا والله سمعنا ـ وهم صادقون لا يكذبون ـ أنّ العلاّمة قال في الجلسة: بالنسبة إلى هذا الأمر افعلوا كذا. فماذا كنت أصنع؟ أيّ طريق أمامي؟ أيّ طريق لي؟ لو لم يكن لديّ اطّلاع ومعرفة بأصوله ومبانيه لخدعت وغرّر بي. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

7
  • وهناك أمور إذا ما أخطأ فيها الإنسان فليس لها فرصة ثانية، فإذا ما جرى في تيّار فلا طريق للرجعة ولا مجال للتصحيح والإصلاح. 

  • ذات يوم في زمان العلاّمة الطباطبائي رضوان الله عليه ـ وقد كان يقول بالخلود في جهنّم: {خالِدينَ فيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُريد}۱ فالآية حول أهل جهنّم، وتتضمّن خالدين فيها، ومعنى الخلود هو الاستمرار في البقاء في مكان ما بغير أمد ودون مدّة ـ كنّا في مشهد في منزله وكان عمري ثمانية عشر عامًا، فالقصّة ترجع إلى ذاك الزمان، سأل أحد العلماء سؤالاً أنّه أيّ عدالة في أن يقوم إنسان بعمل ما ويكون جزاؤه العقاب مستمرًّا مع أبديّة الله ولا بدّ أن يتحمّل تبعات هذه المسألة؟ 

  • فضرب العلاّمة مثالًا ـ وطبعًا لا شأن لي بكون هذا المثال لهذا الموضع أم لا، فالمثال في حدّ نفسه يستحقّ التأمّل ـ وهو أنّ إنسانًا يخطئ فيضرب آخر فيصيب عينه ويعطبها، ففي لحظة واحدة أعطب عينه ولكنّ نتيجة ذلك أنّه ما دام حيًّا سيبقى أعمى، أو أنّك تخطئ في لحظة ما فتحمل بندقيّة وتصوّب على هذا ثمّ ترسل به إلى جبّانة جنّة المعصومة٢ أو جنّة الزهراء٣ لتدفنه بهدوء، فهذا حصل في لحظة واحدة ولكنّ تبعاته هكذا.

  • حسنًا، فقد فهم الحاضرون في تلك الجلسة الكلام كلّ كما يحلو له، ولحسن الحظّ أنّي كنت حاضرًا وأدركت مراده، فهناك الكثير من الأمور لا يمكن للأعاظم أن يقولوها بصراحة، وبيانها بصراحة يستلزم مشكلات، يمكن للمجتمع أن لا يقبل ولا يتحمّل أن يطرح كلام صريح، وهذا الكلام الصريح لا بدّ أن يقال بعد عشرين عامًا ويجب أن لا يقال الآن، وليس الآن زمانه، الآن لا بدّ أن يطرح بالكناية والإشارة وكلّ من فهم فقد فهم، ومن لم يفهم فشأنه، هذا لا أكثر، وعلى الإنسان أن يدقّق في اللطائف والإشارات، وأنّه ما هذه الإشارة؟ ولماذا ذكرت هذه النقطة اللطيفة هنا؟

  • ما هي نسبة الاهتمام بالأمور السياسيّة في صلاة الجمعة؟ 

    1. سورة هود (۱۱)، الآية ۱۰۷. 
    2. إحدى المقابر المشهورة في مدينة قم. 
    3. إحدى المقابر المشهورة في مدينة طهران. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

8
  • حسنًا فهذه أمور لا بدّ أن تطرح حول الجانب السياسيّ لصلاة الجمعة، ولكنّ الأمر الأهمّ فيها والذي للأسف هناك تقصير في مجاله في هذا الزمان، ونرى أنّ الخطيب عندما يتكلّم فهو نفسه من جهة والحاضرون الجالسون من جهة أخرى يهتمّون بأنّه ماذا سيقول في المسائل السياسيّة؟ ولو تحدّث عن التقوى فإنّه ينهي أمرها بسرعة لينصرف إلى الأمور الأساسيّة، تلك الأمور التي بذلنا من أجلها كلّ الجهود وجئنا وجلسنا، فيقول الخطيب: لتكن لديكم عدالة، عاملوا الناس بالعدل، اتّقوا الله في أعمالكم! فيقول الحاضرون: هذه الأمور نعرفها فلتقل ما بعدها! 

  • هذا خطأ، ويجب أن يكون سبعون بالمائة من صلاة الجمعة للمسائل المعنويّة وثلاثون بالمائة للمسائل السياسيّة، ولكن الأمر الآن على العكس من ذلك، بل صار أكثر من سبعين بالمائة ولم يبق للأمر بالتقوى إلا عشرة بالمائة وما قارب ذلك. يحتاطون ويأتون بلفظ التقوى أيضًا فيقولون: أوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، والحال أنّ هذا الاحتياط لا معنى له، فالتقوى هي هذا الكلام وطرح تلك الأمور، فهذا بنفسه دعوة إلى التقوى، ومن العبث أن يؤتى بلفظ التقوى بنفسه، ولا مكان له. 

  • ففي هذا الزمان عشرة بالمائة لمسائل التقوى ورعاية المسائل الاجتماعيّة والتصرّفات والمسائل الشخصيّة للأفراد، وتسعون بالمائة للمسائل السياسيّة، والمسائل السياسيّة الانتقائيّة أيضًا. 

  • كيف يغلّب الجانب المعنوي لصلاة الجمعة وما هي المضامين التي ينبغي طرحها؟ 

  • في صلاة الجمعة يجب أن يكون الأمر على العكس من ذلك، فعلى الخطيب في صلاة الجمعة أن يحيي التوجّه إلى الله بواسطة المسائل المعرفيّة و العقائديّة والعباديّة وغيرها، هذا هو المهمّ في الصلاة، ولا بدّ أن يراعى هذا الأمر في صلاة الجمعة. وعلى الخطيب أن يستفيد من الروايات وآيات القرآن ومن الحكم وطرائف أحاديث الأئمّة عليهم السلام، ومن حكايات أولياء الله وقصصهم، ومن المضامين والأمثال والأشعار التربويّة لأولياء الله مثل الملا محمّد البلخيّ ومثل العطّار النيشابوري ومثل الخواجة حافظ الشيرازي ومثل الشعر العربي لابن الفارض وأمثال ذلك، فإنّ هذه تعطي الحياة للنفس وتهب الروح والحياة للإنسان ويقرأها بصوت مرتفع وجميل وملحّن إن كان حسن الصوت، وإلا فليدع أصحاب الصوت الحسن المتوفّرين فلا إشكال في ذلك ولا عيب، هو يلقي بنفسه خطبتي صلاة الجمعة ويجلس من هو حسن الصوت إلى جانبه، فإذا أشار إليه قام فقرأ هذه الأشعار للنّاس، فأيّة صلاة جمعة ستكون هذه؟! وأيّة أجواء ستكون لهؤلاء الناس الذين جاؤوا تحت أشعّة الشمس وخرجوا من منازلهم وتحمّلوا المشقّة والتعب، وجاؤوا سيرًا على الأقدام لأنّ الشوارع المحيطة تغلق وعلى الناس أن يأتوا سيرًا على الأقدام، ولا يمكن أن يصلوا إلى المحراب بسيّاراتهم! لقد طوى هؤلاء الطريق وتحمّلوا المشقّة والتعب ليحصلوا على شيء ما، على معنويّة ما، ليسيطر عليهم جوّ روحانيّ، حينها سنرى كيف سيكون الجوّ وكيف ستكون الأحوال. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

9
  • وللملاّ محمّد تقي المجلسي والد الملاّ محمّد باقر المجلسي صاحب بحار الأنوار والعالم الكبير وجليل القدر والذي يعدّ المجتمع الشيعيّ مدينًا له حقًّا وله حقّ كبير على الشيعة ومعارف الشيعة، فكم بذل من الجهود! وكم ربّى من الناس! وكم بذلك من أمواله! فقد كان رجلاً ثريًّا جدًّا وقد بذل كامل ثروته لتحصيل وجمع أحاديث أهل البيت، وكان يرسل تلامذته إلى الأماكن البعيدة مثل أفريقيا وغيرها ليجمعوا الكتب من مكتباتها ويرجعوا ويصنّفوا ويرتّبوا مصادر الشيعة، وحقًّا إنّ كتاب بحار الأنوار هذا هو بحار الأنوار، وطبعًا لا بدّ لصاحب النظر أن يعمل نظره فيه؛ لأنّ الروايات مختلفة، وبعض الروايات المخدوش فيها موجودة فيه، وعلى أهل الاختصاص أن ينظروا فيه، ولا إشكال في ذلك عليه. 

  • والده الملاّ محمّد تقي المجلسي فضلاً عن المقام العلميّ والمعرفيّ والاعتقادي الذي لديه كان صاحب قلب، ولا أريد أن أقول إنّه كان من العرفاء الكمّل حسب الاصطلاح، ولكنّه كان رجلاً صاحب قلب، كان رجلاً مستقيمًا، كان له قلب ومن أهل السير والسلوك وقد طوى من الطريق ووصل إلى بعض المقامات. لقد ذكر هذا العالم في كتابه في شرح كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق هناك في كتاب لوامع صاحبقراني۱ أنّ من وظائف خطيب الجمعة أن يبعث النشاط والوجد والسرور في نفوس الحاضرين بالإتيان بالأمثال والمواعظ والنصائح والطرائف واللطائف ومنها قراءة الأشعار الغنيّة لمثنوي، الأشعار الغنيّة لمثنوي للملا محمّد البلخي الرومي رضوان الله عليه، وذلك بصوت رفيع. 

  • ما هي آثار صلاة الجمعة المعنويّة على المصلّين؟

  • فهذه هي صلاة الجمعة التي يهتمّ بها الملائكة المقرّبون والنفوس القدسيّة للملأ الأعلى، والتي تكون حاكمة على نفوس المجتمعين في صلاة الجمعة وغالبة وقاهرة عليهم بحيث تتولّى أمورهم حتّى الجمعة الأخرى، وتترك أثرًا على أعمالهم وسلوكهم وأفكارهم وتخيّلاتهم، فما معنى {ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب} ٢إذن؟ وما معنى «الصلاة قربان كلّ تقيّ»٣؟ وكلّ هذه الأحاديث التي وردت في أنّ من اغتسل ومشى وتعطّر ولبس أفضل ثيابه وأنظفها وشارك في صلاة الجمعة…٤ ـ فلا بدّ أن تكون حاله بحيث لا يتأذّى منه المحيطون به بل يرغبون بمصاحبته ومجالسته، ولذلك فمن الأفضل أن يغتسل قبل الانطلاق إلى صلاة الجمعة وله في ذلك مزيد ثواب، لا أن يغتسل صباحًا ثمّ ينطلق الساعة الحادية عشرة ـ ويستعمل العطر ويزيّن نفسه ويسير إلى الجمعة، فمن فعل ذلك غفرت جميع ذنوبه التي ارتكبها في الأسبوع الفائت، هذا كلّه لأجل ذلك. فهل نلتفت نحن إلى هذه الأمور؟ هل هذه هي صلاة الجمعة؟ أم أنّ علينا أن نحدث تغييرًا وتحوّلاً في كلّ شيء بما في ذلك صلاة الجمعة؟! ولا بدّ من التغيير؟! ولا بدّ من التحوّل؟! 

    1. كتب العلامة المجلسي الأول رحمه الله شرحًا كبيرًا على كتاب (من لا يحضره الفقيه) وسمّاه "روضة المتقين"، وكان هذا الكتاب بالعربية، ثم كتب شرحاً مختصراً بالفارسية سمّاه "لوامع صاحبقراني" واشتهر بشرح الفقيه أيضاً. 
      وقال سماحة السيّد رضوان الله عليه في هامش مقدّمته على رسالة صلاة الجمعة: و قال مترجمه إلی اللغة التركية: وجدت نسخة بخطّ المؤلّف وقد سمّی الکتاب بـ: اللوامع القدسيّة. (صلاة الجمعة ص ۱٥)
      وكلمة صاحب قراني لقب لمن هو ذو شأن عظيم، وذلك لأنّه انقعدت نطفته عند اقتران بعض الكواكب مثلاً وكان يطلق على السلاطين والملوك الصفويين. 
      والعبارة التي أشار إليها سماحة السيد رضوان الله عليه موجودة في الشرح الفارسي ج ٤، ص ٥٦٦ وترجمتها: وإذا رأى [الخطيب] مناسبًا ذكر طرائف الحكم والتي هي أكثر تأثيرًا كما ورد في الحسن كالصحيح عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه أنّه قال: «إنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الْأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكَمِ» *، ومن جملة ذلك أشعار المحقّقين مثل الحكيم الغزنويّ والحكيم الروميّ والعطّار وغيرهم. (م) 
      * نهج البلاغة ص ٤٢۱.
    2. سورة الرعد (۱٣) مقطع من الآية ٢۸.
    3. الكافي (ط - الإسلامية)، ج‌٣، ص: ٢٦٥
    4. وسائل الشيعة، ج‌۷، ص: ٢٩۸‌:
      جَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلي الله عليه و آله و سلّم) فَسَأَلُوهُ عَنْ سَبْعِ خِصَالٍ فَقَالَ: «أَمَّا يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَيَوْمٌ يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهِ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ فَمَا مِنْ مُؤْمِنٍ مَشَى فِيهِ إِلَى الْجُمُعَةِ إِلَّا خَفَّفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ».
      وَ فِي ثَوَابِ الْأَعْمَالِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّوْفَلِيِّ عَنِ السَّكُونِيِّ) عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ آبَائِهِ ع قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ إِيمَاناً وَ احْتِسَاباً اسْتَأْنَفَ الْعَمَلَ».
      وفي وسائل الشيعة، ج‌۷، ص: ٣٥۸‌: عَنِ السَّكَنِ الْخَرَّازِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ: «حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ أَخْذُ شَارِبِهِ- وَ أَظْفَارِهِ وَمَسُّ شَيْ‌ءٍ مِنَ الطِّيبِ» (الْحَدِيثَ).

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

10
  • علينا أن نضع أمام الناس ما بُيّن لنا بعينه دون أن نتصرّف فيه ونختار منه، هذا كلّه تزيين وتزييف. 

  • كيف يُتعامل مع الانتقاد والاعتراض في تعاليم الإسلام؟

  • كانت هناك حادثة معيّنة ـ وسأتحدّث بالإجمال ـ حادثة كان لا بدّ أن تقع، وكنّا نشعر أنّها تحدث خلافًا لما ينبغي، فكنّا نتحدّث مع الناس ونلفت انتباههم، ونبيّن الأمور، فكنّا نشعر شيئًا فشيئًا أنّ كلامنا غير ملائم وثقيل، كنّا نشعر أنّ تلك الرغبة السابقة في بيان الحقائق لم تعد موجودة وأنّها تُسمَع بصعوبة ومشقّة، وما يطلب أكثر هو أن تطرح أمور تسرّ الطرف المقابل ويأنس بها، فالإنسان هو هكذا، ولازم البشريّة هو هذا، أن تطرح أمور تفرح بها النفس، فالنفس لا تفرح بالنقد، فلو قالوا ما هذا النوع من الكلام؟ تكلّم بشكل صحيح! يقول: لا أحد يتكلّم خيرًا منّي ويقول هذا، لا أحد يمكنه أن يتكلّم بهذا الكلام. 

  • هذا الأسلوب لا وجود له في الإسلام، وأمير المؤمنين عليه السلام أوّل مخلوق في العالم بعد رسول الله أي المخلوق الثاني كان منفتحًا إلى درجة وكان سهلاً إلى درجة، وكان سهل الوصول بالنسبة إلى الجميع إلى درجة أنّه حين كان يتكلّم كان يقوم رجل من تحت منبره ويعترض عليه فيجيب هو على اعتراضه، ولم يكن يقول له: اصمت! اجلس في مكانك! سألعن آباءك، سألقي بك في السجن، كلاّ لم يكن هذا النوع من الكلام، بل كان يسمع ويجيب، ثمّ يتابع كلامه، فهذا هو إسلامنا، هذا ما عُلّمناه، وهذا ما رأيناه، وهذا هو الحقّ وغيره باطل. هذا هو الحقّ، هذا الإسلام هو الإسلام، وهذا الإسلام هو إسلام يجذب وغيره يطرد. أما أن يحاول الإنسان أن يبرّر ويحدث أمورًا فلا فائدة من ذلك، لا بدّ من الرجوع إلى الإسلام، لا بدّ من عدّ النفس مع الآخرين كأسنان المشط، لا بدّ لا بدّ لا بدّ من ذلك! لا على النحو الهزل والمزاح، فأمير المؤمنين عليه السلام كان يرى نفسه مساويًا لتلك المرأة الأرملة التي فقدت زوجها والمحتاجة إلى خبز ليلتها، لقد كان هو الإمام ولم يكن يكذب ولم يكن يتعدّى حدود الله ولم يكن مع الناس بوجهين، هكذا كان الواقع، لا بدّ من توضيح هذه الحقيقة للنّاس، لا بدّ من توضيح هذه الأمور للجميع. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

11
  • سرّ اهتمام المرحوم العلاّمة الشديد بصلاة الجمعة

  • عندما كان المرحوم العلاّمة يهتمّ آنذاك إلى هذه الدرجة [بصلاة الجمعة] فلأجل الوصول إلى هكذا مرتبة، لأجل الوصول إلى هكذا مكان، وذلك الشعف والشوق اللذين كانا لديه إنّما كانا لأجل هذا الأمر. 

  • وقد كنت برفقة المرحوم العلاّمة في إحدى صلوات الجمعة في إحدى المدن، فكان الخطيب من أوّل الخطبتين إلى آخرهما يقول إمّا قال فلان وإمّا قال فلان. فأيّة صلاة جمعة هذه؟! أيّة فائدة تترتّب على هذه؟! ماذا نريد أن نثبت بهذا النوع من الكلام؟ أيّة عقدة نريد أن نحلّ في قلوبنا بهذا الكلام؟! فكلّ هذه الجماعات التي جاءت وكلّ هؤلاء الحاضرين والمصلّين قد جاؤوا لأجل الله في ذلك الجوّ الحارّ حيث كنّا جالسين والعرق يتصبّب منّا من البداية حتّى النهاية، وهو يتكلّم ببضع كلمات لا فائدة فيها لا للدنيا ولا للآخرة، فما هذه الحالة؟! فهذه أمور يُسأل عنها الإنسان، ويُحقّق مع الإنسان حولها. 

  • خلاصة نظرَي المرحوم العلاّمة ونجله في كتاب صلاة الجمعة

  • وإن شاء الله يطالع الرفقاء هذه الأبحاث التي طرحها المرحوم العلاّمة في ذلك الكتاب القيّم جدًّا حول صلاة الجمعة، وقد انتهى البحث هناك في نظر المرحوم العلاّمة إلى أنّه حتّى في زمان الغيبة وفي زمان غير الحكومة الإسلاميّة صلاة الجمعة مستحبّة، وفي زمان حضور الإمام عليه السلام صلاة الجمعة و اجبة وجوبًا عينيًّا وتعيينيًّا في مقابل التخييريّ، وفي زمان حكومة الإسلام هي واجبة أيضًا، ففي هاتين الصورتين هي واجبة، وفي غير الحكومة الإسلاميّة كما هو الحال في البلدان الأخرى فإنّها مستحبّة. هذا كان رأيه.

  • ولكنّي ونظرًا إلى بعض الأبحاث التي طرحتها في زمان حياة المرحوم العلاّمة معه شخصيًّا في جلسة أو جلستين ـ وطبعًا لم تستمرّ تلك الجلسات والمناقشات ولم أوفّق للاستمرار بتلك الأبحاث ـ ونظرًا إلى الأدلّة نفسها التي طرحها هو، فقد انتهيتُ بالبحث الاستنباطي والاجتهاديّ لصلاة الجمعة إلى أنّها صلاة واجبة في جميع الأزمان سواء في زمان رسول الله أو أزمان الأئمّة عليهم السلام، سواء زمان خلافتهم الحقّة أو خلافة غيرهم من الخلفاء الآخرين، وسواء في زمان الحكومة الإسلاميّة وفي الدولة الإسلاميّة مثل إيران حيث تحكم الحكومة الإسلاميّة، أو في غيرها مثل سائر البلاد التي لا حكومة إسلاميّة فيها، في جميع هذه الأزمان صلاة الجمعة واجب عينيّ وتعيينيّ، وفي أيّ مكان استطاع المؤمنون أن يجتمعوا ويصلُ عددهم إلى سبع، وهذا الاجتماع ليس واجبًا في السفر وإن كان لا إشكال فيه ويمكن أن تقام صلاة الجمعة في السفر أيضًا، فأينما كانوا وبلغ عددهم سبعة مصلّين بحيث يتمكّن واحد منهم أن يقيمها، وطبعًا لا يلزم أن يكون فصيحًا وواعظًا، بل يكفي أن يتكلّم ويقرأ رواية وينصح نصيحة وتكون لديه معلومات مفيدة فلا إشكال، وتكون إقامة صلاة الجمعة واجبة على هؤلاء ولو لم يكن معمّمًا، أي ولو لم يكن بينهم معمّم فإنّ صلاة الجمعة واجبة في أيّ ظرف وجوبًا عينيًّا وتعيينيًّا، فهذا هو مضمون تلك التعليقات التي ذكرتها في هوامش كتاب صلاة الجمعة للمرحوم العلاّمة والعهدة على القارئ، فكلّ ونظره في هذه المسألة… وعلى كلّ حال فالمسألة مهمّة جدًّا وللغاية. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

12
  • فهذا واحد من الأمور التي يجب على الحكومة الإسلاميّة أن تعطيها قيمة أكثر من سائر الأمور الأخرى، لا بدّ أن تعطيها الكثير من الاهتمام، ولا بدّ من الناحية الثقافيّة أن تعرّف الناس على آثار صلاة الجمعة ونتائجها وبركاتها وخصوصيّاتها أكثر ممّا هو موجود في هذا المجال، وعلى الخطباء أن يأتوا ويضعوا بين أيدي الناس الأمور التي يشعرون بها ويرونها ويدركونها دون انحراف ودون صوارف وموانع.

  • ما معنى فزع الإمام المعصوم من ذنوبه؟

  • تقدّم أنّ الإمام عليه السلام إمام، والإمام معصوم، والمعصوم وإن كان لا يخطئ، ولكن علينا أن نرى الكلام الذي يقوله فهو ليس مزاحًا أيضًا، نعم الإمام عليه السلام لا يخطئ ولا يتأتّى منه الذنب، وجميع وجوده وجود مطهّر ومقدّس وقد وصل إلى الطهارة المطلقة، فهذا الكلام الذي يقوله الإمام عليه السلام لله وما يصدر عنه حين كلامه مع الله هل هو مجرّد مجاملة وكأنّ تلميذًا قد جلس إلى جانب أستاذه وهو يقول له مكرّرًا: العفو ماذا أقول أمامك؟! والحال أنّه لا فرق بينه وبين ذلك الأستاذ؛ لأنّه في النهاية كان تلميذًا عنده مدّة من الزمان ولكنّه الآن علّمه كلّ ما لديه، ولا يختلفان إلا في السنّ، فهو أكبر منه سنًّا وله الأولويّة عليه بسبب تعليمه إيّاه، ولكن من حيث العلم لا فرق بينهما وهما في مستوى واحد، وهذا أدب لا أنّه أمر حقيقيّ، الواقع أنّهما متساويان، وربّما كان التلميذ أعلم من أستاذه، فهناك الكثير من التلاميذ قد قرأوا أكثر وراجعوا مصادر أكثر واطّلعوا على مراجع أكثر، ولكن في الوقت نفسه هناك جانب من الخضوع والاهتداء وأنّنا لا نرقى أن نكون في مستواكم، وجانب من التواضع، فهذا كلّه موجود ولا بدّ أن يكون، ففي النهاية هناك تتلمذ وأستاذيّة ولهما حسابهما، وهناك أبوّة وبنوّة، وهذه الأمور واقعًا مهمّة.

  • شدّة رعاية المرحوم العلاّمة للأدب مع أساتذته

  • وقد رأيت من المرحوم العلاّمة فيما يرتبط بالعلاقة بين التلميذ والأستاذ أمورًا كانت بالنسبة إليّ عجيبة جدًّا، فقد كنّا في مجلس كان فيه اثنان من أساتذة المرحوم العلاّمة، فقد كان هناك جماعة كبيرة من الأعاظم والفضلاء وكانوا كبارًا في السنّ وذلك في مشهد، وقد كان العلماء الذين كانوا في مشهد يكنّون محبّة خاصّة للمرحوم العلاّمة لسبب ما، وطبعًا لم يكونوا تلامذته ولكنّهم كانوا يحبّونه وكانوا يعتقدون بعلميّته، فكان هناك اثنان من أساتذته ـ وكنّا قد دعينا إلى الغداء ـ ولكن لم يكن هناك نسبة بينهما وبينه بحيث يقارن بينهما وبينه، وإن لم نبالغ فعلى الأقل كان بينهم وبينه اختلاف فاحش في المستوى العلميّ ولم يكن يسيرًا، وعندما طرح أحد الأطبّاء الحاضرين هناك سؤالاً عقائديًّا وكان خطابه من بين هذا الجمع موجّهًا إلى المرحوم العلاّمة، لم يجبه بأيّ جواب وجلس ساكتًا لأنّ أستاذيه كانا حاضرين هناك، فأعاد السؤال فبقي ساكتًا، لم يقل: لا أعلم، لم يقل لا أعلم، لم يقل اسأل العلماء، وفي النهاية لو أنّه سألهم لاضطرّ من جديد إلى الرجوع إلى العلاّمة. لقد كان دقيقًا جدًّا، كان دقيقًا جدًّا في مراعاة هذه المسائل، وهذا كلّه لطائف وعبر بالنسبة إلينا، فما صنع منه العلاّمة الطهرانيّ، وما جعله سيّد الطائفتين، وما جعله عارفًا بالله ووليّا لله هو رعاية هذه اللطائف، وإلا فالإنسان ليس كالفرخ يمسي في البيضة وعند الصباح يخرج رأسه منها… فالأمر يتطلّب عملاً، ويتطلّب خوضًا للتجارب المختلفة، ويتطلّب استقامة في المسير المستقيم وعدم تمايل إلى هذا الجانب وذاك، وقد ذكرت في الليالي السابقة أنّ الأمر ليس دائمًا بالجلوس على المائدة التي تحتوي الأرزّ والزعفران، وأنّ النتيجة لا تترتّب على ذلك، ولو مرّت على الإنسان في هذه الحالة مليون سنة فإنّه لن يحصل على شيء، فالظروف مختلفة وهناك مدّ وجزر وصعود وهبوط وعلى الإنسان أن يلتفت إلى ذلك الطريق في مختلف الموارد، ففي بعض الموارد يكون فيها كسر لشأن الإنسان، يقولون: لم يكن يعرف الجواب. حسنًا فليقولوا، وربّما يكون هناك من يعرف أنّ في الأمر سرًّا ما. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

13
  • قصّة لقاء العلاّمة الطباطبائي مع رابطة الفلاسفة

  • ولا أدري إن كنت ذكرت للرفقاء قصّة العلاّمة الطباطبائي رحمة الله عليه، فقد جاء إليه جماعة، وينقل هذه القضيّة أحد الذين كانوا حاضرين، وقد كان العلاّمة الطباطبائي قد تجاوز عن الهوى، والعالِم والعاميّ يقرّان بذلك، والصديق والعدوّ يقولان إنّ المرحوم العلاّمة الطباطبائي قد تجاوز النفس، وكلّ من كان يراه لم يكن يحتاج إلى تأمّل في أحواله واختباره وتقليب الأمر ليرى حقيقة الأمر، فقد كان معروفًا من هيئته ووضعه وأحواله أنّه يسير في عالم آخر وليس من أهل هذا العالم، بل كان في يحلّق في فضاء آخر. 

  • والقصّة أنّه كان قد جاء ت في العهد الملكيّ السابق من قبل الجامعة رابطة الفلسفة والحكمة ومعهم عدد من الخارج، وآخرون لن أذكر أسماءهم بعضهم لا يزال على قيد الحياة، ولهم الآن مراتب علميّة ومواقع خاصّة، بعضهم في إيران وبعضهم خارجها، فهم متفاوتون، وقد قال لهم الأجانب: جئنا إليكم لتعرّفونا إلى رجل الحكمة والفلسفة، فأرونا آخر ما لديكم. فقالوا لهم: هناك العلاّمة الآن فلنذهب إليه ونسأله ونطّلع على حقيقة الأمر. 

  • فجاؤوا في يوم جمعة، يقول الناقل إنّهم جاؤوا وجلسوا وأحضر لهم الشاي فشربوا ثمّ سأل واحد منهم سؤالاً، وقام أولئك الحاضرون بترجمته للعلاّمة وقالوا له: ماذا تقول في هذه المسألة؟ فلمّا انتهت الترجمة قال: لا أعلم.

  • عجيب فهذا لم يكن أمرًا مهمًّا، فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: أصحيح ما سمعناه؟! ماذا حصل؟! نظر بعضهم إلى بعض إنّه يقول: لا أعلم. 

  • ومن جديد طرح سؤالاً آخر وموضوعًا آخر فترجمه هؤلاء فقال من جديد: لا أعلم. فقالوا: لا ندري ماذا جرى للعلاّمة اليوم! لعلّ أمراً ما قد حدث له، فرغم كلّ هذا التعريف والتمجيد الذي كان لدينا وقولنا لهم: 

  • أولئك آبائي فجئني بمثلهم***إذا جمعتنا يا جرير المجامع
  • والمذكور في كتاب المطوّل وفي المغني أيضًا. وبعد مدّة كان الأمر عجيبًا لهؤلاء الأجانب وأنّه ماذا جرى في هذا الأمر؟ ثمّ وللمرّة الثالثة قالوا له: لو سمحتم تكرّموا علينا لا تجعلونا نرجع بأيد خالية، ومن هذه الخدع التي يخدعوننا بها ـ وطبعًا أنتم لا تخدعوننا ولا تثقلون أوزارنا إن شاء الله ـ من هذه المجاملات ذات الوزن الثقيل فيصدّقها المساكين ويمشون معها، قالوا له من أمثال هذه الأمور وقالوا: الحمد لله لقد ألنّا قلب العلاّمة فإذا سألناه فلن يقول لنا هذه المرّة: لا أعلم. تكلّموا فلمّا انتهوا قال من جديد: لا أعلم. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

14
  • حسنًا لقد فهمنا، فلنرجع إذن وخرجوا من عنده ومرآهم يستحقّ المشاهدة عندما خرجوا مع ضيوفهم وعلى أيّة حالة كانوا! ورجعوا أدراجهم إلى طهران وهم لا ينظرون وراءهم. 

  • وطبعًا نحن لا ندري ماذا كانت حقيقة الأمر، ولكنّ العلاّمة لا يقوم بعمل هكذا بغير حساب. ولو كنّا نحن مكانه لاستفضنا بالجواب، ولو كنّا نعلم شيئًا ما لأضفنا إليه عشرة أضعاف من الهراء وللفّقنا الكلام فوق الكلام لنرتفع أكثر فأكثر ونبلغ الأوج ويقال: لقد سألنا فلانًا فسمعنا جوابًا لم نسمع به من قبل. فنقول في المقابل: حسنًا، طبعًا هذا من لطف الله. 

  • ـ لا تكذب يا ملعون الأب، إنّه لطف النفس لا لطف الله! ولا يعلم أيّ بلاء ينزل برأسه بواسطة هذه المسائل. 

  • عودة إلى قصّة المرحوم العلاّمة

  • لقد بقي المرحوم العلاّمة ساكتًا، فطرح السؤال الثاني والسؤال الثالث، ورأوا أن لا فائدة، وأدركوا حقيقة الأمر، أدركوا أنّه بوجود أساتذته لا يتكلّم، أساتذته في الحوزة وأساتذته في العلوم الحوزوية المتعارفة والمتداولة، فهو لا يتكلّم في حضورهم. هكذا كان حتّى وصل إلى هنا. لقد وصل الأعاظم إلى هنا. 

  • لقد كنت شاهدًا بنفسي، حيث كنّا مدعوّيين إلى إفطار وكان هناك عدد من العلماء والأساتذة والتلاميذ، وكانوا قد صاروا أصحاب أسماء ومقامات، وعندما كانوا يتحدّثون كان التلامذة يرون أنفسهم مقدّمين على أساتذتهم. فانظر إلى الفارق بين الفريقين. هؤلاء يرون أنفسهم متقدّمين عليهم بل بلغ بهم الأمر إلى الطعن والاستهزاء أحيانًا فقال المرحوم العلاّمة: هذه المسائل تحتاج إلى دقّة وتحتاج إلى تحقيق. ما شاء الله أهذا الدرس لأجل الله؟ أهذا الدرس هو درس الإمام الصادق؟ لو أنّ الإمام الصادق كان حاضرًا في هذا المجلس فلو لم يصفعك على وجهك لقال أخرجوه من المجلس، أنا أقول هذا عن الإمام الصادق وأنا مسؤول عنه، فلو لم يصفعك على وجهك لقال أخرجوه من المجلس، أو أنّه هو نفسه كان يخرج. 

  • أهكذا؟ رعاية الأب ورعاية الابن… كنّا في مكان وكان هناك رجل له مقامه واسمه عندما كان يدخل إلى مجلس كان يدخل هو أولاً وخلفه أبوه، فجاء إليّ ليعانقني فنظرت إليه وقلت له: يا سيّد فلان اخرج أنت وأبوك ـ وقد كنت أنا واقفًا جانبًا وكان يجب أن أقف وأرحّب بالضيوف ـ اخرج وليدخل أبوك أوّلاً. وقلت له: أتدري لماذا أقول لك هذا؟ حتّى تستفيد من فيوضات هذا المجلس، لهذا قلت لك ذلك. فتأثّر كثيرًا وخرج برفقة أبيه وقال له لدي عمل، ثمّ عندما دخلا من جديد دخل أبوه أوّلاً، وكان واضحًا أنّ الأب فهم أنّ في الأمر شيئًا ما ولكي يكون هكذا. وقد تأثّر الابن كثيرًا وجاء، فقلت له: الآن هذا المجلس فيه نور لك، ولو جئت على تلك الحالة لكان فيه كدورة لك، ولكانت المشاركة في هذا المجلس مضرّة لك. لم يكن المسكين عالمًا بالأمر، ولم يكن ملتفتًا، فقد كان في أجواء وثقافة أخرى. فكم هي دقيقة ومهمّة هذه المسألة.

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

15
  • حادثة في محضر السيّد الحدّاد

  • كنّا ذات يوم برفقة المرحوم العلاّمة ـ خسارة أن لا أنقل هذه الحادثة ـ في كربلاء في محضر السيّد الحدّاد، وكان لديه سماور نفطي كنّا نحن نشعله ونصنع به الشاي، وكنّا جالسين السيّد الحدّاد رحمه الله في تلك الجهة والوالد وأنا وأخي الأكبر سلّمه الله في الجهة الأخرى، وبعد أن أُعِدَّ الشاي قام أخي ليسكب الشاي ويحضره، وكنت أنا جالسًا ولم أكن ملتفتًا من الأساس، فسكب الشاي ووضع كوبًا أمام السيّد الحدّاد، وكوبًا أمام المرحوم العلاّمة وكوبًا أمامي، وكوبًا لنفسه وكوبًا آخر لحاضر آخر على ما يبدو، ولمّا وضع الأكواب رأيت السيّد الحدّاد فجأة قال: ما دام الأخ الأصغر موجودًا فلا ينبغي أن يسمح للأخ الأكبر أن يقوم له بشيء، هو عليه أن يقوم ويحترم أخاه الأكبر في أمثال هذه الأمور، فرأيت أنّي وللأسف بأيّ عمل عجيب قد قمت، فقمت من وأرقت هذين الكوبين في إبريق الشاي كوبي وكوبه، فجاء هو ليمنعني فعلت له: لا يمكن السيّد الحدّاد جالس هنا، وقد لفت نظرنا الآن بلطف فلو لم نلتزم فإنّ التأديب اللاحق سيكون قاسيًا، فلنحذر، فاجلس أنت، فمت وسكبت الشاي ورجعت، فقال السيّد الحدّاد: أحسنت، بارك الله بك. فهذا هو أسلوب أولياء الله، فيه حساب ودقّة، فهذا العالم فيه حساب، هذا العالم فيه دقّة، لا بدّ من حفظ الأدب، لا بدّ من رعاية الاحترام، وجميع ذلك قد نظّم على أساس التكليف، فتشريعنا تابع للتكوين.

  • هذه مقدّمة لما سيأتي إن شاء الله لاحقًا. لقد قلنا ليلة أمس إن شاء الله. ولم يشأ الله، وخضنا في موضوع آخر، ومع ذلك نقول إن شاء الله نكمل الليلة القادمة، وإلا فسيأتي كلام آخر، فأنا الآن لا أدري ماذا سيحدث غدًا. 

  • خاطرة عن السيّد دستغيب

  • رحم الله السيّد دستغيب رضوان الله عليه، كان أحد الأصدقاء يقول: كنت أسجّل محاضراته، وفي إحدى الليالي لم تسجّل محاضرته التي دامت ساعة. وقد كان رجلاً جليل القدر، ورجلاً صافيًا وكثيرًا ما أستمع إلى تسجيلاته ومحاضراته، له صفاء خاصّ ونورانيّة خاصّة، كلّما استمعت إليها استفدت منها وتأثّرت، فمن المؤسف أنّ هؤلاء قد رحلوا ولم يحلّ أحد مكانهم، رحلوا رحل هؤلاء الأعاظم ولم يخلفهم أحد! نعم كان يقول: جئت إلى المنزل فرأيت أنّ المسجّل لم يسجّل، وفي الليلة التالية ذهبت إلى المجلس وكانت مجالس ليالي شهر رمضان وكان يتكلّم فيها السيّد دستغيب فقلت له: إنّ محاضرة الأمس لم تسجّل، فإن أمكن أرجوكم أن تكرّروا ما قلتموه. 

صلاة الجمعة وأهميّة إقامتها

16
  • لو كنت أنا مكانه لقلت له: أيعقل أيّها الرجل أن أعطّل الناس هكذا من أجل مسجّلتك، إن لم تكن سجّلت فشأنها، فما ذنب الناس حتّى يدفعوا ضريبة مسجّلتك. ولكنّه هو لم يقل ذلك، بل قال شيئًا آخر قال: يا فلان أنا لا أدري ماذا قلت ليلة أمس ولماذا أقول الليلة، فأنا أجلس على المنبر وما يأتي بنفسه أتحدّث به، لقد كان رجلاً صافيًا وجليلاً، رحم الله الجميع وجعلنا من المتابعين لطريقهم. إن شاء الله. 

  •  

  • اللهمّ صلّى على محمّد وآل محمّد.