6

حقيقة الذنب

3652
مشاهدة المتن

المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني

القسمدعاء أبي حمزة الثمالي

المجموعةسنة 1430

التاريخ 1430/09/13


التوضيح

هل يمكن لكلام الإمام عليه السلام أن يخصّص القرآن ويوضّحه وما السرّ في ذلك؟ هل يمكن حمل كلام الإمام على التواضع وكسر النفس؟ ما هي حقيقة الذنب والثواب والعقاب وهل يرجع ذلك إلى الحسن والقبح الفعليّين أم الفاعليّين؟ ما معنى الحسن والقبح الفعليّين والفاعليّين؟
تتناول هذه المحاضرة هذه المحاور الأساسيّة مع بيانها لموضوعات أخرى في أثناء ذلك كعدم اختصاص أدعية السحر بشهر رمضان وبيان معنى حجب النور ومصاديقها كالحور العين، وموضوع طلب الغنى والمال من الله ومعرفة وليّ النعمة الحقيقيّ وغير ذلك .

/۱٩
بي دي اف بي دي اف الجوال الوورد

حقيقة الذنب

1
  •  

  • هوالعليم

  •  

  • حقيقة الذنب 

  •  

  • شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٣۰ هـ - الجلسة السادسة 

  •  

  • محاضرة القاها

  • آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني

  • قدّس الله سرّه

  •  

  •  

حقيقة الذنب

2
  •  

  •  

  • أعوذ باللَه من الشیطان الرجیم‌

  • بسم اللَه الرحمن الرحیم‌

  •  

  •  

  • «إذَا رَأيتُ مَولاي ذُنُوبِي فَزِعتُ، وَ اذَا رَأيتُ كرَمَك طَمِعتُ، فَإن عَفَوتَ فَخَیرُ رَاحِمٍ وَ إن عَذِّبتَ فَغَیرُ ظَالِمٍ‌»

  • إذا نظرت يا مولاي وسيّدي إلى ذنوبي سيطر عليّ الاستيحاش، وإذا نظرت إلى كرمك وعظمتك حكمني واستولى عليّ الطمع والميل والرغبة والشوق إلى لقاء والاستفاضة من نعماتك. 

  • عصمة كلام الإمام عليه السلام وفعله في المراتب المختلفة وآثارها 

  • سبق أن ذكرت للرفقاء أنّ الإمام عليه السلام لا يتكلّم جزافًا، وكلام الإمام عليه السلام كلام الصدق، والإمام له عصمة مطلقة في جميع أطواره وأدواره وتصرّفاته سواء التصرّفات الفعليّة أو التصرّفات القوليّة أو التصرفّات العقليّة بجميع مراتبها. 

  • فكلام الإمام عليه السلام معصوم، وفعل الإمام عليه السلام معصوم، وفكر الإمام عليه السلام وتصوّر الإمام عليه السلام معصوم، ولا طريق للخطأ بأيّ وجه من الوجوه إلى العصمة، ولذلك فإنّ للإمام أبديّة، يعني إلى أبد الآباد وبأبديّة الله كلام الإمام عليه السلام معصوم، أما نحن فلسنا هكذا، فاليوم نقول كلامًا وغدًا نلتفت إلى أنّا أخطأنا، فنتراجع عن كلامنا، والإمام ليس كذلك. 

  • لذلك هناك فإنّ الرواية التي عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تختلف عن الرواية التي عن الإمام الحسن العسكريّ وكلاهما في مستوى واحد، رغم أنّ بينهما مائتان وخمسون سنة، ولكنّ كلتا الروايتين من حيث الحجيّة في مستوى واحد، ولا تتفوّق إحدى الروايتين على الأخرى بغرام واحد بل ولا بواحد من ألف غرام، فهذا هو كلام المعصوم. فما يقوله الإمام السجّاد عليه السلام وما يقوله الإمام الرضا كلاهما واحد، وفي كفّة واحدة من الميزان ولا يختلفان، والذوات المقدّسة للمعصومين الأربع عشر هي التي تتمتّع بالأبديّة. وهذه هي ثقافة التشيّع وعقيدته! فكما أنّ آيات القرآن حسب عقيدة التشيّع تتمتّع بالعصمة هكذا كلام المعصوم أيضًا يتمتّع بالعصمة كالعصمة القرآنيّة وعصمة آيات القرآن، فكلاهما على منوال واحد. لذلك فإنّ كلام المعصوم يمكن أن يخصّص القرآن، كلام المعصوم يمكن أن يوضّح آيات القرآن، أن يقيّد آيات القرآن، يمكن لكلام المعصوم أن يبيّن موارد ومصاديق الآيات، أمّا نحن فلا يمكننا ذلك، وهذا الأمر خارج عن عهدة غير المعصوم، وكلّ من تكلّم في ذلك فهو عبثًا يتكلّم، وحده المعصوم هو الذي يمكنه أن يبيّن موارد الآيات وأن يوضّح الآيات وأن يفسّر الآيات ويوضّح لنا استثناءات الآيات، لا أنّ المعصوم هو الذي يستثني، بل هو الذي يبيّن الاستثناء ويوضّحه لنا، فالاستثناء الموجود مخفيّ ولم يأت في الآيات، والمعصوم هو الذي يقول هذه الاستثناءات وأنّ هذه الآية لا علاقة لهذا بهذا المورد، وهي تختصّ بمورد آخر، في آيات الإرث، وفي آيات غير الإرث، وفي آيات الحدود لدينا الكثير من الروايات في ذلك. 

حقيقة الذنب

3
  • هل يمكن حمل كلام الإمام عليه السلام على التواضع؟ 

  • بناء على ذلك فإنّ الكلام الخالد هو كلام المعصوم. فإذا أردنا أن نعلّق كلامًا ونجعله لوحة أمام أعيننا فعلينا أن نجعل كلام المعصوم، فهذا الكلام حجّة علينا إلى الأبد في المسائل المختلفة وفي الأبعاد المختلفة. 

  • يقول الإمام السجّاد هنا إنّي يا ربّ إذا نظرت إلى ذنوبي فزعت، فهذا الكلام حقّ وصدق وصواب وواقع، ولا شكّ فيه أبدًا، لماذا؟ لأنّه كلام المعصوم. أمّا لو قلنا نحن هذا الكلام أو قاله أحد الأعاظم عابد أو عالم أو إنسان ذو شأن فإنّ الإنسان يؤوّله بهذه التأويلات العامّيّة، فهو يا عزيزي يكسر نفسه ويتواضع وأمثال ذلك، حسنًا لا بأس بهذا، فكلا الأمرين سواء، ولكنّ كلام المعصوم لا يمكن أن يحمل على كسر النفس وعلى التواضع وأنّ الإمام السجّاد عليه السلام يقول لله تواضعًا أنّه فعل والحال أنّه لم يفعل، ففي النهاية هناك في دعاء أبي حمزة موارد نرى أنّ الإمام عليه السلام ليس في مقام التواضع، بل هو يصرّح، والتصريح لا يمكن حمله على التواضع، «أنا الذي على سيّده اجترى» أنا ذلك الذي تجاسر وتجرّا على مولاه وسيّده، فمتى فعلت ذلك أمام الله؟! 

  • لقد ذكرت للرفقاء أنّه عندما مدح أحد أعاظم الحوزة ـ والذي لا يزال الآن على قيد الحياة ـ العلاّمة الطباطبائي فقال: إنّه إنسان لا يتأتّى منه ترك الأولى لا في الخلوة ولا في الجلوة. فسمع بذلك المرحوم العلاّمة فقال: أفهل هذا مدح للعلاّمة؟! إذا قلنا إنّ العلاّمة الطباطبائي هو الذي وصل إلى مرتبة لا يصدر عنه فيها ترك الأولى فهذا انتقاص له وعيب وليس مدحًا، فإذا كان العلاّمة الطباطبائي هكذا أفيعقل أن يقول الإمام السجّاد عليه السلام لله: «أنا الذي على سيّده اجترى»؟!

  • فما معنى هذا؟! حقًّا ما معناه؟! أنا الذي تجرّأت وتجاسرت على سيّدي ومولاي وواجهته وقابلته وقلت له أنا واحد في مقابل واحد. أفهل كان الأمر هكذا؟ «أنا الذي عصيت جبّار السما» أنا الذي ارتكبت المعصية لجبّار السماء، المعصية، فأين الإمام السجّاد وأين المعصية؟! أنا! فماذا تصنعون بهذا؟ «أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى»، لأجل الوصول إلى المعاصي الكبيرة دفعت الرشوة. دفعت الرشوة على أخذ أموال الناس، دفعت الرشوة لأقوم بالأعمال المحرّمة، دفعت الرشوة على القيام بكلّ ما يحلو لي، تكلّمت مع هذا ومع ذاك ودفعت الأموال واشتريت أصحاب المواقع والمراكز هذا وذاك كي أصل إلى المعاصي الكبيرة فهل هذا تواضع أيضًا؟! أنا الذي على سيّده اجترى هذا تواضع بنوع ما، فقد تجرّأت، ولكنّ الإمام يحدّد ذلك بدقّة في دعاء أبي حمزة هذا وأنّي قمت بهذا العمل، فكيف يمكن تفسير ذلك؟ كيف يمكن بيان ذلك؟ وهل يمكن هضم ذلك والحال أنّا نعلم أنّ كلام الإمام ليس فقط صحيحًا وليس فقط مطابقًا للواقع ومطابق لمقتضى الحال وبليغ، بل هو أرفع من ذلك هو كلام معصوم؟! فعندما يقول الإمام: أنا الذي أعطيت على معاصي الجليل الرشى فهو صادق ولا شكّ في ذلك، فالمعصوم معصوم، وهو ليس معصومًا فقط في قوله بسم الله الرحمن الرحيم، بل جميع المضامين التي في دعاء أبي حمزة الثمالي والتي تبدأ مع بسم الله الرحمن الرحيم وحتّى النهاية كلّ حرف واو منها هو معصوم، والفاء التي يفوّه بها بفمه المبارك معصومة تتّصف بالعصمة اللامتناهية وإلى أبد الآباد. 

حقيقة الذنب

4
  • ضرورة المحافظة على كلام المعصوم من أوّله إلى آخره وعدم الحذف والالتقاط منه

  • فدعونا الآن نرى ماذا نصنع مع هذه العصمة وهذا الكلام، فعصمة الإمام لا شكّ فيها ولا شبهة، وفي المقابل لا يمكن أن نحذف كلام الإمام عليه السلام، مثل المقالات التي يراد طباعتها فإنّهم يخضعونها للتصفية ويختارون منها، فهناك بعض الأقوال والكلمات كأن يتكلّم إنسان ما ساعة، فنحذف منها ربع ساعة ونترك ثلاثة أرباع، فيكون الكلام كما نحبّ نحن، يترك هذا الربع من الساعة ويحذف آخذر، ويأتي آخر ويقول: لا هذا أفضل. 

  • والحاصل أنّ هذه الدنيا هكذا كلّها، ولكنّ الإمام عليه السلام ليس هكذا، فعندما يشرع بدعاء أبي حمزة فلا بدّ من قراءته من أوّله حتّى آخره، وعندما نقرأ وصيّة أمير المؤمنين عليه السلام في حاضرين للإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام فلا بدّ من قراءتها من أوّلها من قوله «من الوالد الفان المقرّ للزمان» حتّى آخر آخرها وعليك أن لا تترك حتّى كلمة واحدة!! أمّا نحن الآن فنقرأ هذه الوصيّة إلى أن يصل إلى ما يتعلّق بالمرأة فنحذفه ونتركه، فهذا نحن لا نفهمه، فلماذا لا تفهم أوّلها أيضًا؟! ولماذا تفهم آخرها؟ لماذا؟ كلّ المقاطع هنا وهناك يفهمها هذا المقطع لا يفهمه ويتوقّف فيه. فمن المعلوم إذن أنّك لم تكن تفهم من البداية، وإلا فالكلام كلام أمير المؤمنين، إن لم يكن هذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام فهذا أيضًا ليس له، وإن كان هذا له فذاك أيضًا له، وإن كنت لا تفهم فلا تفسّر من البداية، لا تشرح، يأتي من يفهم وهو بنفسه يوضّح ويفسّر، هذا هو التمثيل، هذا هو الدين الالتقاطي حسب الذوق، أن يأتي الإنسان ويختار فيقبل جزءًا منه {إِنَّ الَّذِينَ يكفُرُونَ بِاللَه وَ رُسُلِهِ وَ يرِيدُونَ أَنْ يفَرِّقُوا بَينَ اللَه وَ رُسُلِهِ وَ يقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكفُرُ بِبَعْضٍ وَ يرِيدُونَ أَنْ يتَّخِذُوا بَينَ ذلِك سَبِيلًا}۱ فهذا الطريق لا يوصل الإنسان إلى أيّ هدف. 

  • لذا فإنّ كلام الإمام عليه السلام من أوّل دعاء أبي حمزة إلى آخره هو هكذا، كافّة الأمور التي يبيّنها الإمام عليه السلام هي على نسق واحد، وكلّها تسير في أفق واحد ومستوى واحد، وكما ذكرت للرفقاء فإنّ دعاء أبي حمزة الثمالي هو سجلّ شخصيّ وهويّة شخصيّة لكلّ واحد منّا، فإن كنتم تريدون أن تعرفوا ما هي هويّتكم، وما هو اسمكم ورسمكم وما هي أخلاقكم وصفاتكم وملكاتكم واستعداداتكم وقدراتكم وما هو متكؤكم وملجؤكم وأين هو وما هو مآلكم وكيف هو طريقكم وسيرتكم إذا أردتم أن تعرفوا ذلك فابدؤوا بدعاء أبي حمزة، فالذين هم من أهل العلم من الأصدقاء والرفقاء فهم بأنفسهم والذين يعانون من شيء من الضعف في اللغة العربيّة فليبحثوا عن ترجمة صحيحة لدعاء أبي حمزة واقرأوه مع ترجمة. 

    1. سورة النساء (٤) مقطع من الآية ٥۰. 

حقيقة الذنب

5
  • عدم اختصاص دعاء أبي حمزة ودعاء البهاء بليالي شهر رمضان

  • وكما ذكرت لكم فإنّ هذا الدعاء لا يختصّ بليالي شهر رمضان، بل من الجيّد أن يقرأ الإنسان هذا الدعاء على مدار السنة عند الأسحار كما كان الأعاظم يوصون تلامذتهم أن يقرؤوا منه في صلاة الليل في تلك الركعتين أو تلك الركعة سواء الشفع أم الوتر فلا يختلف الأمر، يقرأ في كلّ منهما في دعاء القنوت دعاء السحر للإمام الباقر عليه السلام: «اللهمّ إنّي أسألك من بهائك بأبهاه وكلّ بهائك بهيّ اللهمّ إنّي أسألك ببهائك كلّه». وقد كان السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يؤكّد كثيرًا جدًّا على المرحوم العلاّمة وتلامذته أن يقرأوا في دعاء القنوت الأخير من صلاة الليل على مدار السنة دعاء البهاء هذا، وهناك آثار توحيديّة عجيبة مترتّبة عليه، إنّه لعجيب جدًّا، حتّى أنّي سمعت ذات يوم من المرحوم العلاّمة أنّه لو علم إنسان الأسرار التي في دعاء البهاء الذي عن الإمام الباقر عليه السلام لما احتمل عقله ذلك، رزقنا الله معرفة هذه الأدعية وعرّفنا حقيقة هذه المضامين. 

  • فانظروا إنّهم الأعاظم هم الذين يبيّنون لنا الطريق ويقولون: لا تترك دعاء الإمام الباقر عليه السلام لسنة كاملة، ما إن تحلّ ليالي شهر رمضان فإنّك عندما تشغّل الراديو تسمع دعاء اللهمّ إنّي أسألك من بهائك لا في جميع السنة، فلا بدّ أن يقرأ هذا الدعاء دائمًا، فكما أنّ المناجاة الشعبانيّة لا تختصّ بشعبان بل هي لجميع أيّام السنة وحقًّا عجيبة هذه المناجاة الشعبانيّة، وقد كنت بنفسي شاهدًا على السيّد الحدّاد وكذلك المرحوم العلاّمة رضوان الله عليهما أنّهما في كثير من الأوقات كانوا يقرأون في قنوتهم من المناجاة الشعبانيّة حيث يقول الإمام: «وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك».۱ 

  • يقول: اللهمّ اعبر بي جميع الحجب الظلمانيّة والنورانيّة، فما معنى الحجب النورانيّة؟ يعني حجب عالم الأرواح، حجب النفوس المطهّرة، حجب الملائكة، حجب الحور العين، حور العين نقولها هكذا ونمضي ونمشي. 

    1. قسم من مناجاة الشعبانية

حقيقة الذنب

6
  • ادّعاء أحدهم بتجاوزه لمرحلة التعلّق بالحور العين ثمّ سقوطه في اختبار يسير 

  • وقد قلت للرفقاء في السنة الفائتة أنّه كان هناك رجل يقول لي أنا أيضًا: أنا أشعر بهذا الأمر الذي يتحدّث عنه العلاّمة، فقد كان يتحدّث عن التجاوز عن الحور العين، وكان هذا الرجل يقول: أنا أشعر بنفسي بهذا الاستعداد. فقلت له: لا ليس صحيحًا، فما تشعر به ليس من عندك، فكان يقول: كلاّ فأنا هكذا، أتجاوز هذه الأمور وأطويها. فقلت له تلك الكلمة ومضيت، وهذا يرجع إلى مدّة بعيدة، في ذلك العهد السابق، حين كان عمري اثنان وعشرون أو ثلاثة وعشرون سنة، وقد كنت وقتها أحتمل المحاجّة والمداقّة وآنس بها ثمّ تركت ذلك وقلت فلألتفت إلى نفسي لا أُخدع أنا، ولأهتمّ بأمور نفسي. وفي إحدى ليالي الثلاثاء كان المرحوم العلاّمة يتحدّث حول هذا الأمر وأنّه نعم هناك من يقول نحن نعبر عن كلّ شيء عن الحجب الظلمانيّة وعن التوغّل في النفس والدنيا وأمثال ذلك، وعن الحجب النورانيّة أيضًا نتجاوز عن الغلمان وعن الحور العين وأمثال ذلك فنحن نتجاوز عن ذلك، يا عزيزي أنت لا يمكنك أن تتخلّى عن النظر إلى يد إحدى الممرّضات في المستشفى فكيف بغيرها؟ ثمّ اتّضح أنّ هذا الرجل بعينه الذي كان يقول لي ذاك الكلام قد ذهب لعيادة صديقه في المستشفى، وكانت الممرّضات آنذاك في عهد الشاه سافرات، فكنّ يأتين ويعطين الدواء والمصل وأمثال ذلك، فما إن رآها هذا الرجل تريد أن تعطيه المصل ورأى يدها فأخذ بجمالها ودهش، ثمّ قال لي ذلك، قال لي بصراحة: ذلك الكلام الذي قاله العلاّمة ليلة الثلاثاء كان يرتبط بي أنا، فقد ذهبت صباحًا إلى المستشفى وسمّى المستشفى ولا زلت أذكر اسمه ولكن لن أقول، وقد كانت جميع المستشفيات هكذا لا واحد منها فقط، فلم تكن له خصوصيّة، فقد كان هذا في ذلك الزمان، في ذلك الزمان وتلك الثقافة، وعندما كان صديقي مريضًا جاءت ممرّضة وكان تلبس قميصًا قصير الأكمام، فلمّا نظرت إلى هذا الجمال واللطافة التي لم أكن قد رأيت مثلها، فتن قلبي بها. وكان يقول: بقي هذا المشهد في ذهني والعجيب هنا أنّه عندما كان المرحوم العلاّمة يقول ذلك عاد ذلك المشهد إلى خاطري. فقلت له: ماذا تقول حور العين حور العين فأنت يد ممرّضة في المستشفى تجعلك مفتونًا ومدهوشًا، ثمّ تقول حور العين؟!

حقيقة الذنب

7
  • وكان المرحوم العلاّمة يقول: لو كشف لإنسان جمال حور العين فقط للحظة واحدة لا أكثر فإنّه مدى عمره لا يميل إلى امرأة، لو كشف له ذرّة يسيرة وللحظة واحدة، فلماذا كلّ هذا؟ لأنّنا أصحاب استعداد محدود، لدينا تحمّل واستعداد محدود. والكلام في هذا المجال طويل، وأخاف أن ينقضي الوقت كما في الليالي السابقة ثمّ نقول المعذرة لم نكمل البحث حول تلك المسألة. 

  • خطوة في حلّ معضلة كلام الإمام عن ارتكابه للذنوب ودراسة حقيقة الذنب والثواب

  • حسنًا فكلام الإمام السجّاد كلام معصومٍ فكيف يقول الإمام عليه السلام ذلك؟ 

  • الأمر الذي لا بدّ من التدقيق حوله هو أنّ نعلم أساسًا ما هو الذنب، فعلى ماذا يطلق الذنب؟ وعلى ماذا يطلق الثواب؟ 

  • يستحقّ هذا الموضوع أن نبسط الكلام حوله قليلاً وأنّ الذنب عبارة عن القبح الفعلي والقبح الفاعلي كما في الاصطلاح معًا أم أنّه عبارة عن القبح الفعليّ وحده؟ أمّ أنّه عبارة عن القبح الفاعليّ في اصطلاح علماء الأصول وكذلك المتكلّمين؟! 

  • الكلام هو حول أنّ حسن الفعل وقبحه على أيّ أساس يلحقان به؟ فعندما يتحقّق فعل من الأفعال في الخارج فهل بمجرّد تحقّق هذا العمل يمكنم أن تقولوا إنّه عمل حسن وممدوح أو عمل قبيح؟! فالآن هذا الكوب في يدي وأنا أشرب منه فشربي للماء هذا فعل من الأفعال وتصرّفّ من التصرّفات، فهل شرب الماء هذا قبيح أم أنّه مستحسن؟ 

  • لا شيء منهما فهو لا قبيح ولا مستحسن! فأيّ فعل من الأفعال إنّما يتّصف بوصف الحسن أو القبح على أساس الغرض الذي يترتّب عليه. أمّا هو في حدّ نفسه فلا شيء، لا حسنٌ ولا قبيحٌ. لماذا؟ لأنّ هذا العمل بنفسه قد يكون قبيحًا في مورد ولا يكون قبيحًا في مورد آخر، فالآن الساعة الحادية عشرة ليلاً، فلو أنّي شربت هذا الكوب عند الساعة الحادية عشرة صباحًا وفي وقت الصيام فإنّ هذا العمل مفطر وقبيح ومحرّم ويوجب الحدّ، فهذا الماء بعنيه إذا ما شرب في الملأ العام في الشوارع أثناء الصيام فإنّ وظيفة الحاكم الإسلاميّ هي أن يحدّ الشارب حدّ الإفطار في الملأ العام.

حقيقة الذنب

8
  • ضرورة حفظ حرمة شهر رمضان في الأماكن العامّة

  • والآن نحن نشاهد أنّ هذا الأمر لا يراعى في وسائل السفر، فلو كان هناك عدد من المسافرين في الطائرة يسافرون من مكان إلى آخر فإنّ هناك عددًا كبيرًا منهم صائمون، ولكن مع ذلك فإنّ الطائرة تقدّم الطعام، وهذا محرّم! يحرم أن يقدّم الطعام في الطائرة لهؤلاء الصائمين، فتارة يكون الصوم قبل الظهر وعند الصباح فمن الطبيعيّ في هذه الحالة أن يكونوا مفطرين فهم في النهار فإذا وصلوا إلى وطنهم ولم يكونوا قد أفطروا فيجب عليهم أن ينووا الصيام، ولكن على طول سفرهم لا يمكن أن يكونوا صائمين فهنا لا مشكلة، وإن كان لا بدّ من حفظ حرامة شهر رمضان فينبغي أن تقدّم الضيافة ولكن هذا بحث آخر، أمّا لو انطلقت الطائرة بعد الظهر منتقلة من مدينة إلى أخرى فإنّ أكثر الحاضرين فإتّ ركّاب تلك الطائرة لا بدّ أن يكون أغلبهم صائمين إلا الذين هم قاصدون للسفر لمدّة يومين أو ثلاثة أيّام، أو لديهم مشكلة تمنعهم من الصيام، فإذن تقديم الطعام في الطائرة التي تنطلق من مكان ما إلى آخر بعد أذان الظهر سيكون حرامًا، وعليهم أن لا يقدّموا الطعام، لماذا؟ لأنّه حتّى لو فرضنا أنّه كان هناك ركّاب غير صائمين، فإنّ الإفطار في الشهر المبارك أمام الملأ العام محرّم، الإفطار أمام الملأ العام حرام، والطائرة ملأ عامّ أيضًا فليس الشارع وحده هو الملأ العام، بل الطائرة ملأ عامّ، والقطار ملأ عامّ، والباص ملأ عامّ، كلّ ذلك هو ملأ عامّ. 

  • فإذن لا بدّ من المراعاة والالتزام في هذا المجال، ولا بدّ من حفظ حرمة شهر رمضان المبارك في جميع الجوانب. فليس من حقّ الناس في شهر رمضان أن يتعاطوا التدخين أو يأكلوا شيئًا أثناء سيرهم في الشوراع، فالتدخين مفطر ومحرّم. فلو فرضنا مثلاً أنّ قائلاً يقول إنّه لا إشكال في ذلك، لا إشكال فيه ولكنّه ليس واجبًا، ففي النهاية هم يقولون إنّ رأي فلان أنّ تناول السجائر لا يفطر ولكن هل يراه واجبًا أيضًا؟! ولنفترض أنّ لديه مشكلة في مصادره ويرى أنّ تناول السجائر ليس مفطرًا حسب تفكيره الخاصّ ومصادره الخاصّة، حسنًا فالسجائر ليست مفطرة حسنًا، ولو فرضنا ما هو أرفع من ذلك كتناول التفّاح عندما لا تكون صائمًا، فهل بإمكانك أن تأكل التفّاح في الشارع لأنّك لست صائمًا؟ فلتقل: لأنّ أكل التفّاح بالنسبة إليّ لا مشكلة فيه فيمكنني أن آكل التفاح في الشاع أفهل يمكن فعل ذلك لأنّك لست صائمًا؟! فلتقل أيضًا: لأنّ تناول التفّاح لا مشكلة فيه بالنسبة إليهم فيمكن أن أتناوله، فتناول السجائر في الشارع ليس بأرفع من ذاك، إنّ التدخين أمام الملأ العام من الصائمين الذين يرون ذلك مخالفًا للصيام هو عمل محرّم، فلو سلمّنا أنّه ليس مفطرًا فلا بأس بما أنّه ليس مفطرًا يمكنك أن تفعل ذلك في بيتك أو في مكان آخر لا يعدّ في نظر عامّة الناس هتكًا للحرمة. 

حقيقة الذنب

9
  • فإذن لا بدّ في الحكومة الإسلاميّة من منع هتك الاحترام، والمنع من هتك حرمة الصيام. طبعًا ربّما كانوا لا يعرفون في هذه الطائرة، ربّما لا يعلمون ولا يقصدون ذلك. ولكن لا بدّ من لفت نظرهم، فإن أرادوا أن يقدّموا الطعام فلا بدّ من توصية الناس أن لا يستفيدوا منه، حتّى إذا وصلوا إلى المكان الذي يقصدونه تناولوه فيه. 

  • القبح الفعليّ والفاعليّ

  • فتناول الطعام عمل محرّم إذا ما حصل في النهار، ولكن هو نفسه إذا ما حصل في الليل ليس محرّمًا، فالفعل في نفسه ليس محرّمًا، لا حرام ولا واجب، ولا مكروه ولا مستحبّ، لا يترتّب عليه أيّ شيء، العمل الذي يقوم به الإنسان في حدّ نفسه كظاهرة خارجيّة وتكوينيّة ونحو من الوجود لا تتعلّق به الأحكام الخمسة، وكلّ حكم من الأحكام هو كذلك أيضًا، شرب الخمر هكذا أيضًا، فشرب الخمر في حدّ نفسه ليس حرامًا العمل في حدّ نفسه، العمل الذي يقوم به الإنسان، العمل في نفسه ليس حرامًا لأنّه فعل كسائر الأفعال لا حرام ولا واجب ولا مباح ولا مكروه ولا مستحبّ، دقّقوا جيّدًا فقد مثّلت بعمل محرّم محرّم محرّم، فشرب الماء وأمثاله يمكن أن يقال إنّه عمل مباح، ولكنّ شرب الخمر في حدّ نفسه بدون لحاظ الغرض وبدون النظر إلى ذلك الهدف الذي يترتّب عليه هو في حدّ نفسه لا يحمل عليه أيّ حكم من الأحكام الشرعيّة. نعم عندما يتعلّق هذا العمل بالمكلّف بلحاظ النيّة التي تكون لديه فإنّ هذا العمل يتّصف بواحد من هذه الصفات الخمسة، فشرب الخمر هذا بعينه إذا ما كان بقصد البطر والتلذّذ وبقصد الهو واللعب وبقصد الدخول في عالم البهيميّة والحيوانيّة وأمثال ذلك فإنّه يصبح محرّمًا. وهو الفعل الذي يفعله الجميع لأجل ذلك، أغلب حالات شرب الخمر هي لأجل هذا، لهو ولعب وأمثال ذلك، أمّا لو كان هذا الشرب لا بقصد اللهو واللعب بل بقصد التداوي، كأن يكون هناك مرض لا بدّ لعلاجه من مقدار من الخمر أو الكحول، ولا يمكن أن يحلّ أيّ دواء آخر مكانه، أو أن يريد الإنسان أن يتناول دواء ولا بدّ أن يمزجه بقليل من الكحول، وبدون ذلك لا يمكن أن يحلّ هذا الدواء، ولا يمكن للإنسان أن يعالج من دونه، ولا يوجد دواء بديل، فهنا لا إشكال في تناول الدواء، فهذه الكحول وهذا الخمر الذي لا يحلّ مكانه شيء آخر مع فرض هذه الخصوصيّة لا إشكال فيه، والله لا يعاقب عليه أبدًا. 

حقيقة الذنب

10
  • وكذلك في الحالات التي يكون فيها الإنسان في حالة لا يكون لديه أيّ سائل آخر، مثل موارد الاضطرار والتي تتعلّق بها الأحكام الثانويّة. 

  • وتجدر الإشارة إلى أنّي لا أوافق على وجود الأحكام الثانويّة، فالحكم هو الحكم الأوّلي، ولكنّ مصاديقه مختلفة. 

  • فالحكم ينصبّ على الموضوع بلحاظ ذلك الغرض الذي يتعلّق به ـ وهذه الأبحاث أصوليّة ـ ففي حالة معيّنة لا يكون له فيها بدّ من شربّ الخمر أو النجس، فهذا الماء نجس ولكنّ حياة الإنسان تتوقّف عليه، فعندها ليس شرب الماء النجس والمتنجّس غير محرّم فحسب بل هو واجب، ولو لم تشرب هذا الماء ومتّ فقد ارتكبت قتل النفس المحترمة والله سيعاقبك، ويقول لك:لماذا لم تدفع الضرر بواسطة هذا الماء عن نفسك حتّى هلكت؟! 

  • هذا الماء المتنجّس يصبح واجب الشرب لأجل حفظ الحياة! أي إنّه يفقد حرمته ويفقد كراهته ويصبح مباحًا ويعبر مرتبة الاستحباب ويصل إلى مرتبة الوجوب، أي إنّه يدور مائة وثمانين درجة، أما لو دار ثلاثمائة وستين درجة فإنّه يعود إلى مكانه، يدور مائة وثمانين درجة فيطوي مراتب الأحكام الأربعة كلّها فيصبح واجبً، لماذا؟ لأنّ تناول الماء المتنجّس لا يختلف في هذه الحالة سواء كان الليلة أو غدًا وكان في المختبر أو غيره وعندما يشرب الإنسان هذا الماء فإنّ خصوصيّاته لا تتغيّر وتبقى خواصّه كما هي، ولم يختلف إلا ظرف ذلك. 

  • إنّ جميع الذنوب التي يتصوّرها الإنسان جميعها هي ذات قبح فاعليّ لا فعليّ حسب الاصطلاح الكلاميّ، أي إنّ العمل الخارجيّ بذاته وبما هو عمل خارجيّ لا يترتّب عليه شيء وليس فيه أيّة مشكلة، إنّه فعل وعمل في الواقع الخارجيّ، وتلك النيّة التي ينويها هي المهمّة، لقد قامت مجنونة بذنب في زمان الخليفة الثاني فأحضرت إليه فأمر بإقامة الحدّ عليها ورجمها، وبينما هم يأخذونها إلى الرجم رآها أمير المؤمنين عليه السلام فقال لهم: ماذا تصنعون؟! قالوا: نريد أن نرجم هذه المرأة المجنونة. 

  • ـ ارجعوا وعودوا بها وأعيدوها، فجاؤوا بها إلى عمر، فالتفت إليه أمير المؤمنين وقال: أما علمت أنّ القلم قد رفع عن ثلاث منها المجنون حتّى يقعل. فهذا المجنون لا عقل له، فبماذا يختلف عن هذا العمود الكائن هنا؟ فما دام الإنسان عديم العقل فهو خشب وحديد، لا عقل له، ولذلك يقوم بالعمل بغير اختيار، لا فهم له، لا يميّز القبيح من الحسن حتّى يبعد نفسه عن هذا العمل، إنّه لا يدرك أصلاً ولا يعي، ثمّ قال عمر: عجيب لم أكن أعلم بذلك ورفع الحدّ عن تلك المرأة المجنونة. فهل كان هذا العمل الذي قامت به زنا أم لا؟ لقد كان زنا في النهاية، وما هو تعريف الزنا؟ الزنا عبارة عن القيام بذاك العمل في غير المورد الذي أجازه الشرع، وهنا كان الأمر هكذا أيضًا فقد كانت هذه المرأة هكذا، وقد صدر منها عمل محرّم من هذا القبيل، فقولنا إنّه محرّم فإنّ طبع المسألة يشير إلى أنّه محرّم، ولكن رغم أنّها فعلت ذلك فإنّ هذا العمل بالنسبة إلى هذه المرأة لا حكم له أساسًا. فبماذا يختلف عن الآخرين؟ هذا العمل أنت تقوم به عن وعي واختيار فتحدّ وترجم، ويجب أن ترجم عندما تكون هناك الشروط الخاصّة، وهذا الإنسان العاصي الذي ارتكب هذه المعصية لو قام بها وهو على تلك الحالة لقيل له اذهب وشأنك، لا عقاب عليك، فلم يعد هناك فرق إذن. وهذا ما يسمّى بالحسن الفاعليّ، أيّ إنّ الفعل في حدّ نفسه لا حسن له ولا قبح، إنّه عمل خارجيّ، فالعمل الخارجيّ لا يمكن أن يقال إنّه حسن ولا يمكن أن يقال إنّه قبيح، هذا العمل نفسه لو كان في حالة العقل، التفتوا عندما يكون الفاعل لذلك عاقلاً مريدًا صاحب معرفة وفهم وشعور فإنّ فعله قبيح. 

حقيقة الذنب

11
  • أحيانًا يمكن أن يكون لدى الإنسان عقل غاية الأمر أنّه يشتبه عليه الأمر، وقد وقع ذلك أي كاد أن يقع لا أنّه وقع، كاد أن يقع، فقد نقل المرحوم العلاّمة قصّة في ذلك، وقد كانت أمثال هذه المسائل كثيرة، وأنا بنفسي رأيت بعض الناس من الفضلاء في قم كانوا توأمين وكانوا متشابهين إلى درجة أنّ أباهما وأمّهما لم يكونا يميّزناهما، فقد كانت الأمّ ترضع أحدهما ثمّ ترضعه نفسه مرّة أخرى، ذاك يبكي والأمّ ترضع هذا للمرّة الثالثة، ذاك يبكي من الجوع والأمّ تقول: لقد أرضعته للتوّ. وقد كبرا، وينقل عن واحد منهما أحد الناس ـ ولا أسمّيهما فقد انتقلا إلى رحمة الله كليهما ـ أنّه كان يركب أتوبوسًا صغيرًا من أراك إلى قم في أيّام الشاه، فوضع السائق الموسيقى والغناء، فاعترض هذا الرجل فلم يستجب له السائق وقال: إن كنت لا ترغب فانزل، بكلّ بساطة يقول له: انزل، فنزل هذا الرجل، وكان سيّدًا من أولاد رسول الله أنزله هكذا في وسط الطريق وفي الصحراء وجاء إلى قم، فوجد أخاه التوأم يسير في قم، وفجأة رأى هذا الأخ أنّ هناك إنسانًا يعتذر منه ويقبّله ويقول له: أرجو المعذرة العفو سامحني، فيقول له هذا السيّد: ماذا حصل؟ فيقول: لقد أسأت إليك وأنزلتك من السيّارة. وما إن سرت قليلاً حتّى حدث لي حادث سير جعل السيّارة تخرب بالكامل، وقد لطف الله بنا فجرح بعض المساعدين للسائق في الكلام ويقولون له: اترك الموسيقى دعه لا تصغ إليه! أنزله من السيّارة، وقد أصيب جميع هؤلاء، وقد جئنا لنعتذر. فقال لهم: حسنًا وأدرك أنّ أخاه هو الذي كان معهم فقال لهم: توبوا ولا تعودوا إلى هذه الأعمال فأحيانًا الله ينتقم فلتكن على حذر! والحاصل أنّه قبّل يد السيّد وودّعه بعزّة واحترام. وفي اليوم التالي رأى هذا السيّد أخاه فقال له: أخبرني ماذا حصل قبل أيّام أثناء مجيئك من أراك، لقد أنزلك أنت من الأتوبوس ولكنّه قبل يدي أنا واعتذر منّي. فقال له: نعم صحيح حصل هذا. 

حقيقة الذنب

12
  • فأحيانًا ترى أنّه يحدث أمر كهذا وأحيانًا ترى أنّه تحدث اشتباهات أخرى وفي ظروف أخرى لن نفصح عنها هنا. فعندما يكون الإنسان عاقلاً وعالمًا، وفي كثير من الأحيان الأمور التي تحدث لا شأن لها بالعلم والعقل بل ترجع إلى الخطأ والاشتباه دون العقل. فالمعيار في هذه المسألة هو إدراك الواقع وإدراك الموضوع بجميع جوانب حسنه وقبحه وارتكابه وعدم ارتكابه، هذا هو المعيار. 

  • لذلك ترون أنّه عندما يكون هناك عمل ما فهو من منظار معيّن صحيح، ولكنّه بعينه في ظروف أخرى يمكن أن تكون له صفات أخرى مختلفة، فالمعيار في الذنب ليس العمل الخارجيّ، فليس العمل الخارجيّ هو الذنب، إنّه النيّة واستعداد الإنسان وتسليمه للقيام بالذنب، سواء قام بالعمل أم لم يقم، أي سواء صدر عنه ذلك الفعل الخارجيّ أم لم يصدر، فإذا أردتم أن ترتكبوا عملاً محرّمًا كأن يكون في يدي هذا الكوب من الماء وظنّ أحد أنّه مائع نجس محرّم فشربه بقصد شرب ذلك المحرّم، فرغم أنّه في الحقيقة قد شرب الماء، ولكن حيث إنّه قام به بتلك النيّة فقد ارتكب محرّمًا بنسبة مائة في المائة لا تسع وتسعين في المائة، مائة في المائة يكتبون في صحيفة أعماله ويوم القيامة عندما يفتحها يجد فيها أنّك في ليلة كذا وكذا وفي يوم كذا وساعة كذا قمت بهذا العمل المحرّم، ينظر فيجد أنّ الأمر صحيح، فلماذا لا يعترض على الله بأنّي ما شربت إلا الماء؟ في اليوم التالي أدركت أنّه كان ماء، ظننت أنّي سأشعر بحال من الصفاء وأمثال ذلك، ثمّ تبيّن أنّه كان ماء أو ما شابه، فيقول الله له: صفاء لا صفاء فيه، لقد كانت نيّتك أن ترتكب هذا العمل المحرّم وقد كتبنا ذلك في سجلّك. وتلك الكدورة والظلمة التي تترتّب على العمل المحرّم هي بعينها تترتّب على هذا، فعندما يرتكب الإنسان هذا العمل المحرّم بقصد القيام بالحرام يسودّ وجهه فجأة ويتكدّر وتسيطر عليه الظلمة، والله كبير فإذا ما تراجع شمله التوفيق الإلهيّ واللطف الإلهيّ. 

  • فهذه المسألة موجودة وفي مقابلها أيضًا إذا ما أراد إنسان أن يقوم بعمل خير وفجأة صدر عنه شيء آخر فكان الأمر على خلاف ما يريد، فهذا لا يحسب له ذنب، بل يحسب له خير، يريد أن يقتل إنسانًا معاندًا لله ومهدور الدم ولا بدّ من قتله ويتصوّر أنّ رجلاً معيّنًا هو هذا الرجل ويخاطر بنفسه فيقتله، ويفاجأ في اليوم التالي بأنّه ابن عمّه، عجيب لم يكن يعلم أنّه فلان فقتله، ولا أنّه قتله عن شكّ وشبهة، ولا عن علم ومعرفة، وفجأة يرى أنّه كان يلبس نقابًا وكان في حالة لم يعرفه فيها فقتله، فهذا ليس فقط لا يقتلونه ولا يحاكمونه ولا يلقون به في السجن، وعليهم أن لا يلقوه فيه فيما لو أثبت ذلك وجاء بالأدلّة في المحكمة، ليس فقط لا يفعلون به ذلك، بل يعطونه ثواب من فعل ذلك لأجل الله وتحصيل رضاه، فالأمر لا يتخلف عند الله وهذا هو العدل! هذا هو العدل، العدل الإلهيّ يقتضي أن يكون الأمر هكذا، وإلا فلو العطاء والإطعام ومساعدة الفقراء وفعل الخيرات والمبرّات وأمثال ذلك بيد عدد من المتموّلين والأثرياء فإنّ الجنّة كلّها ستكون لهؤلاء، وأمّا ذلك الفقير الذي لا يمكن أن يطعم فما ذنبه؟ أفهل الفقر ذنب؟! هل هناك إشكال في أن لا يكون لديه مال؟! هل يحرم أن لا يكون لديه مال؟ كلاّ بل هو أمر حسن أيضًا، فأن يكون الإنسان مالكًا للكفاف بغير تحمّل للمشكاكل فهذا أمر جيّد جدًّا، فهل تنحصر الاستفادة بهؤلاء الذين أعطوا من نعم الله ومن الثروة فلا بدّ أن تكون الجنّة إذن لهؤلاء وحدهم. أمّا من لا مال له ولا مكنة لديه فماذا يصنع؟! من لا يستطيع الذهاب إلى الحجّ ويلهث في انتظار أداء هذه الفريضة ويعدّ اللحظات ولا يمكن أن يذهب ثمّ يدركه الموت، فهل يجلسه الله جانبًا ويقول له: لم تذهب إلى الحجّ فلا شيء لك، أفهل الله ظالم؟! وهل الحجّ يختصّ بالأثرياء والمتمكّنين أم أنّ من حصل على قرش أراد أن يصرفه في الحجّ فإذا لم يوفّق للذهاب إلى الحجّ كتب له حجّة كاملة وعمرة مقبولة وحجّ مقبول في صحيفة أعماله، وكتب مع شيعة إبراهيم عليه السلام وحشر معهم يوم القيامة لماذا؟! لأنّه كان يودّ الذهاب، كان يودّ الذهاب ولكن لم يكن يملك المال فلم يذهب. 

حقيقة الذنب

13
  • قصّة الصدر الأصفهاني وطلبه الثروة متعلّقًا بأستار الكعبة

  • كان هناك في العصور السابقة رجل يدعى الصدر رحمه الله، الصدر الأصفهاني رحمه الله۱، وكان يعيش قبل مائة سنة في العهد القاجاري وما يقرب منه، وقد شوهد آخذًا بأستار الكعبة وهو يدعو أن يا إلهي أعطني ثروة، فمن لا علم له يدعو بهذا، هل كان الإمام السجّاد يتعلّق بأستار الكعبة في الليالي المظلمة ويطلب من الله الثروة والمال؟! إلهي هبني ثروة وأعطني مالاً، أعطني كذا؟ قيل له: لدينا الكثير من الأدعية لهذا المكان فلماذا تطلب من الله الثروة والمال؟! فقال: لا أنتم لا تعرفون ماذا أريد أنتم لا تعرفون نيّتي. 

  • ـ فما هي نيّتك؟! 

  • ـ أنا أريد أن يهبني الله ثروة فأنفقها في سبيل الله. 

  • أيّها المسكين دون أن تطلب من الله انو ذلك فقط فهو كاف فلماذا تريد أن تتحمّل مشكلاته ومسؤوليّته؟! انو فقط والله يعطيك أجر نوايا جميع الذين ينفقون {الَّذِينَ ينْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ وَ اللَه يحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}٢ .

  • ما المقدار المطلوب من العمل وكيف يقسّم الوقت؟

  • فكم يستطيع الإنسان بواسطة سلوكه العقلاني أن يطوي الطريق سريعًا يختصر على نفسه دون أن يتحمّل المشقّات، ودون أن يتحمّل الأتعاب، ودون أن يعمل من الصباح من أوّل طلوع الفجر وقبل أن تستيقظ الديكة والطيور ويفتح دكّانه ومتجره ثمّ يعود ليلاً عند الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة، ثمّ يقول: ما حصلت عليه سأنفق الكثير منه في سبيل الله! كلاّ يا عزيزي بل اذهب إلى عملك وفق المتعارف وافتح دكّانك وقل بسم الله واقرأ إنّا أنزلناه وآية الكرسيّ وقل يا عليّ مدد وابدأ بالعمل، ومن كان يريد أن يفتح عيادته فليفتح عيادته، ومن كان يريد أن يفتح مكتبه فليفتح مكتبه، ولينفق ما يحصل عليه في سبيل الله ويحتفظ لأهله وعياله وأموره بمقدار، لقد هيّأ الله لنا الأمر هكذا بهذه السهولة والحسن والراحة والطمأنينة ووضعه على طبق وقدّمه لنا وقال: تفضّلوا، ألست أنا الله، ألست تريد أن تنفق من أجلي، تعال وخذ الطريق السهل، لماذا تريد أن تتعب نفسك؟! اذهب واعمل لأربع ساعات وأعط مال ساعة للفقير، وبدلاً من أن تذهب اثني عشر ساعة وتعطي تسع ساعات للفقير فإنّي أعطيك ثواب ذلك، فأيّ أحمق يختار هذا؟! نعم لو أنّ الله قال: إذا أردت أن تعمل تسع ساعات فإنّي أعطيك هذا المقدار، فهذا أمر آخر، ولكن ما دام الله نفسه يقول: العطاء منّي وأنا هكذا أتعامل، أفهل الإنسان أحمق؟! يذهب ويعمل وفق المتعارف ويترك مقدارًا لحياته ومقدارًا لعياله وأولاده ومقدارًا لأقاربه، ومن حيث الوقت يجعل وقتًا لمطالعته وللترويح عن النفس والترفيه، ووقتًا لعمله، ثمّ إذا رأى أنّه زاد قليلاً ويمكن أن يساعد أحدًا فيقرض صديقه ويساعد الفقراء يفعل ذلك، ويكون في نيّته أيضًا أنّه لو كان لديه أكثر لقدّم أكثر فإنّ الله يعطيه ثواب جميع ذلك، فهذا هو الحسن الفاعليّ.

    1. واسمه محمد حسین خان الصدر الأصفهاني (ولد عام ۱۱۸٥ هـ / ۱۷٥۸ م في اصفهان - وتوفي عام ۱٢٣٩ هـ / ۱۸٢٣ م في طهران) 
      لقّب بالصدر الأصفهاني وهو لقب يشير إلى منصبه كرئيس وزراء للدولة القاجاريّة.
      أمین‌ الدولة ويشير إلى لقب شرفي يمنح لكبار المسؤولين الحكوميين.
      مستوفي الممالك ويشير إلى المسؤول عن شؤون الخزانة والمالية في الدولة.
      لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز استقرار الدولة القاجاريّة خلال فترة حكمه.
      اشتهر بذكائه وحكمته وكفاءته في إدارة شؤون الدولة.
      قام بإصلاحات إداريّة وماليّة هامة ساهمت في تحسين الوضع الاقتصادي للدولة.
      شجع على الفنون والآداب والثقافة وبنى في أصفهان ثلاثة مدارس دينيّة وبنى في النجف سورًا حول المدينة. (عن ويكي فقه و ويكي بيديا)
    2. سورة آل عمران (٣) مقطع من الآية ۱٣٤. 

حقيقة الذنب

14
  • وقد ذهب هذا الرجل وأمسك بأستار الكعبة أن إلهي هب لي ثروة، وقد أعطاه الله ثروة أيضًا، حسنًا أنت تريد الثروة وأنا أعطيك، وكان معطاءًا أيضًا ولم يكن يطلب الثروة لنفسه حتّى لا يعمل، كلاّ بل كان معطاءً يساعد الكثيرين ويعطي ولكنّه كان قد توقّف في مرتبة الفعل. 

  • هل يزار قبل زيارة الإمام أحد؟

  • لقد سمعت ذات مرّة حكاية غريبة، سمعت حكاية غريبة وكنت في محضر المرحوم العلاّمة وكان هناك الكثير من الحاضرين وكانت غريبة جدًّا بالنسبة إليّ، فالمهمّ أن يعطي الله الإنسان المعرفة فهي تكفي. سأنقل هذه القصّة وبقيّة الكلام إن شاء الله لليلة القادمة، لأنّ الموضوع له تتمّة، فقد شرعت في البحث ولكنّه هو في نفسه يحتاج إلى توضيح بواسطة هذه الحكاية، وأعتقد أنّه لن يبقى مجال بعدها للمتابعة، وإن شاء الله يطول شهر رمضان ما دام الله موجودًا، فلا يزال لدينا شيء من شهر رمضان، وأنا أقول في نفسي ليت شهر رمضان هذا يكون في جميع أيّام السنة، ولماذا لا يوقف الله الزمان في شهر رمضان ولماذا تمضي الأيّام هكذا عشرة أيّام وأحد عشر يومًا ولا أدري اليوم أيّ يوم هو منه هل هو الحادي عشر، لقد مضى الثلث الأكثر منه ولم نشعر، وسيأتي اليوم الأخير فنرى أنّه انصرف بطرفة عين ولم نحصل على شيء منه، عجبًا عجبًا عجبًا، وللأسف حقًّا لماذا لم جعل الله هذه الأيّام لشهر واحد فقط؟! والعجيب أنّ الإنسان يمكنه أن يصوم في الأيّام الأخرى أيضًا لا أنّه لا يستطيع ولكن ليس فيها أجواء شهر رمضان، فالجوّ المعنويّ لشهر رمضان غير موجود، فهو شيء آخر، والحاصل أنّ علينا أن نحرص كثيرًا على هذا الشهر، وربّما جعله الله بهذا المقدار كي يعرف الإنسان قيمته، فلو كانت كلّ الأيّام هكذا لما اختلفت الأيّام. 

  • ذهبنا ذات ليلة برفقة المرحوم العلاّمة إلى مجلس عزاء في بيت أحد العلماء في مشهد وقد صار هذا العالم الآن في عداد الأموات وهو من علماء مشهد، وكان ذلك في شهر صفر في العشر الأواخر منه، فذهبنا إلى مجلسه، وكان هو نفسه الخطيب، وقد شاركنا نحن كما شارك كثير من علماء مشهد وفضلائها، وأثناء حديثه على المنبر ذكر هذه القصّة، قصّة الصدر الأصفهاني، وذكر أنّ على الإنسان أن يعرف قدر وليّ نعمته، ولم يكن هذا الخطيب ذا سليقة جميلة في اختياره لهذه القصّة، حيث لم يكن لها ارتباط بما أراد أن يستشهد عليه ويمثّل له، فهناك الكثير من القصص والشواهد الأخرى الأكثر مناسبة. 

حقيقة الذنب

15
  • وعلى أيّ حال، فقد كان الصدر الأصفهاني موضع مراجعة الناس، وكان له قصر ومنزل كبير، وكان لداره باحة كبيرة ومبنى كبير جدًّا، وبينما هو جالس ذات يوم نظر فإذا بطالب علم من السادة يدخل المجلس، دخل من الباب وتوجّه نحوه ثمّ رجع، كانت له حاجة، وعلى أيّ حال فقد كان هذا السيّد يمرّ في الشارع فرأى فتاة فوقع في حبّها وفتن بها، ولم يكن له أحد يتّكئ عليه، ولم يكن له مال، ولم تكن أحواله الماديّة مناسبة، فذهب إلى المنزل وأخبر والدته، فقالت: يا ويلتاه، فبحسب هذه الصفات التي تذكرها فإنّ هذه الفتاة هي ابنة فلان التاجر الأصفهاني، أنا أعرفها وهي ابنته، أفهل يعقل أن تفكّر بها؟ فتهجم التخيّلات والتصوّرات والأوهام على هذا الشابّ حتّى يمرض، وفي يوم من الأيّام يأتي زائر إلى المنزل ويعرف حقيقة الأمر فيقول: لا سبيل إلى الحلّ إلاّ بعرض المشكلة على الصدر الأصفهاني، فربّما تحلّ المشكلة على يديه، فإنّ له نفوذًا وقدرة وإمكانيّات وموقع، فقد خطر في ذهن هذا الزائر ذلك، فقام هذا الشاب وتوجّه نحو الصدر الأصفهاني، فرأى هذا الأخير أنّ شابًّا سيّدًا من طلاّب العلم قد جاء ورجع فتعجّب من أمره أن لماذا لم يتكلّم؟ وفي اليوم التالي رأى أنّ هذا الشاب جاء مرّة أخرى وتقدّم قليلاً نحو ذلك المبنى، وهكذا صار يأتي ويرجع، وبينما هو راجع ذات يوم، أرسل إليه الصدر، فذهب الرجل إلى ذلك الطالب الحيّي الخجول وسأله: هل لديك أمر ما؟ فقال: لا. فقال له: لا تكذب فقد رأيتك بنفسي ليس فقط هذا اليوم بل أتيت بالأمس ولا يمكن أن لا يكون لديك عمل، والحاصل أنّه وبحياء شديد يقول: لا. وعندما يخلو المجلس ويحدّث الصدر بالأمر يقول له الصدر: حسنًا لا بأس اذهب الآن وارجع إليّ غدًا. 

  • وفي اليوم التالي يأتي إليه ويذهبان معًا بالعربة برفقة اثنين من أصحاب الصدر إلى بيت التاجر المعروف، وكان رجلاً مشهورًا جدًّا وصاحب ثروة كبيرة، فيطرقون الباب، فيأتي خادم فيقولون له: قل لصاحب الدار إنّه جاء الصدر الأصفهاني، فيستغرب ويفاجأ من ذلك أن ماذا يصنع الصدر في دارنا؟! فيأتي على عجل فيجد الصدر مع طالب علم سيّد فيقول لهم: تفضّلوا ويجلسون، وبعد وقت من المجاملات المتعارفة يقول له: أريد أن أسألك سؤالاً. 

حقيقة الذنب

16
  • ـ تفضّل. 

  • ـ لو جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله يطلب ابنتك لابنه فهل تعطيه؟ 

  • فيقول التاجر: نعم على العين والرأس، لو جاء رسول الله وطلب ابنتي فلماذا لا أعطيه؟! 

  • فقال: لو لم يأت رسول الله ولكن جاء ابن رسول الله ليطلب منك ذلك فهل توافق؟ 

  • فتأمّل قليلاً وقال: نعم، إذا كانت الظروف والأحوال تسمح فما المشكلة؟! 

  • فقال: هذا الشابّ الذي تراه هو ابن رسول الله، والمتكلّم الطالب له أنا الصدر الأصفهاني وأنا ابن رسول الله أيضًا، وقد أتينا لنطلب ابنتك، فهذا الشابّ تتوفّر فيه جميع شروط تقدّم رسول الله بالخطبة والطلب، وكلّ ما يرتبط بحياته وأموره فأنا متكفّل به. 

  • فيقول: أنت يا سيّدنا صاحب الاختيار فالأمر إليك تفصّل وتخيط وتنهي الأمر كما تشاء. 

  • فقال: فالعريس إذن من جانب رسول الله، والمصارف عليّ أنا. 

  • وفي تلك الليلة نفسها أنهوا الأمر وعقد لهما الصدر الأصفهانيّ وأعطى للسيّد دارًا ومزرعة خارج أصفهان ليؤمّن منها معيشته وعيّن خادمًا ليقيم وليمة ويهيّئ كلّ شيء بما يليق وشأن أسرة الفتاة. فقد كان ذلك الرجل خيّرًا جدًّا ومعطاء ويقضي حوائج الناس وبحمد الله تمّ الأمر وانتهى المجالس. 

  • وكبر هذا السيّد الشابّ وصار عالمًا وصاحب مكانة… ـ ومن الآن فصاعدًا فإنّ القصّة تستحقّ التأمّل لنرى كيف هي أفكارنا نحن ومن هو وليّ نعمتنا نحن في هذا الزمان وفي هذه المرحلة ـ فقد كبر هذا الشابّ وصار عالمًا وذات يوم جاء برفقة بعض أصدقائه إلى النجف زائرين، فقال: عليّ أوّلاً قبل زيارة أمير المؤمنين عليه السلام أن أزور أحدًا، ولا يفوتنا أنّ الصدر الأصفهاني كان قد توفّي ونقل جثمانه إلى النجف ودفن إمّا في وادي السلام أو في مكان آخر هناك ويبدو أنّه في وادي السلام ـ 

  • فيقول هذا الخطيب: عجيب إنّ ممن يأتي إلى النجف عليه أوّلاً أن يزور أمير المؤمنين عليه السلام فهو الإمام وهو أمير المؤمنين وهناك كثيرون يقولون ذلك. ولكنّ هذا السيّد يقول: كلاّ فوظيفتي تقضي أن أزور الصدر الأصفهانيّ أوّلاً. فيقولون: كيف ذلك؟ فيبيّن لهم حقيقة الأمر وأنّي كنت على تلك الحالة في شبابي وحصل ما حصل وقد أحسن إليّ هذا الرجل، أليس الصواب هذا أليس مقتضى الإنصاف والمروّة أن أزوره أوّلاً؟! 

حقيقة الذنب

17
  • وما إن قال الخطيب هذا الكلام من على المنبر فإنّ العالم الجالس إلى جانبي ويبدو أنّه لا يزال على قيد الحياة وهو من علماء مشهد وفضلائها وكان سيّدًا أيضًا قال فجأة: كلاّ. وقالها بصوت مرتفع أيضًا. أنت تثبت ما لا يلزم ثبوته، أنت تثبت ما لا يلزم ثبوته! 

  • فما هذا الهراء؟! ـ أنا أقول ذلك ـ ما معنى هذا؟! فتحيّر ذلك الخطيب ولم يعرف ماذا يقول وبدّل موضوع الكلام، وكان من الواضح أنّه هو نفسه كان راضيًا بعمل ذلك السيّد الزائر، فلو لم يكن راضيًا به لما نقله، فلأنّه يقبله نقله. 

  • فانظروا مستوى الحماقة! آه آه آه آه من هذه الحماقة حين قال ذلك العالم الذي ذهب إلى النجف عليّ أولاً وبدلاً من زيارة أمير المؤمنين عليه السلام أن أزور قبر الصدر الأصفهاني ثمّ أزور أمير المؤمنين، وذلك الخطيب الذي على المنبر ليلة الثامن والعشرين التي هي ذكرى شهادة النبيّ صلّى الله عليه وآله وعلى قول شهادة الإمام الحسن عليه السلام، ففي ليلة الثامن والعشرين يقول ذلك وهو موافق له، فلو لم يكن موافقًا لما قاله، ولمّا اعترِض عليه فجأة اضطرب وتحيّر وغيّر الكلام. 

  • فانظروا كيف هو مستوى التفكير! كيف هو مستوى تفكير الناس وأهل العلم عندنا! يا عزيزي المسألة واضحة وضوح الشمس، لقد أعطاك الصدر الأصفهانيّ درًا وبستانًا فمن أين جاء هذا الصدر الأصفهانيّ بهذه الثروة؟! أجاء بها من جانب أستار الكعبة أم من كدّ يمينه؟! فهو نفسه لم يكن لديه شيء، فإن كان قد أعطي ثروة فبواسطة من أعطيها؟! فلتجيبوا جميعًا! بواسطة أمير المؤمنين هذا عليه السلام، أمير المؤمنين هذا الذي جئت إلى النجف الآن وترتكب حماقة في حقّه وتنسى حماقة وجهلاً صاحب نعمتك ومولاك وتتوجّه نحو من يتلتقط الفتات من بقايا مائدة أمير المؤمنين وفضله وتظنّ أنّه الحقّ! لقد رجّحت القطرة على البحر المحيط، فمن أين جاء الصدر بهذه الثروة؟! لقد أعطاه أمير المؤمنين نفسه، فحمل هذه الثروة وأعطاك منها، لم يقم بأمر صعب، جزاه الله خيرًا والله يثيبه على ذلك، ولكن لماذا أنت خسرت عقلك؟! لماذا نسيت وليّ نعمتك؟! 

حقيقة الذنب

18
  • علينا أن نلتفت جيّدًا، علينا أن نعلم أنّ جميع الحقائق والأمور من أين تنشأ؟ ولكنّا ننظر إلى هذه الظواهر. فهل عرفتم الآن أنّه عندما يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله: من زار ولديّ في خراسان فله ثواب حجّة وعمرة، وثواب حجّتين وعمرتين وثواب عشر حجج وعمر ومائة حجّة وعمرة وألف حجّة وعمره على حسب معرفته۱؟! وهل عرفتم كم هو مستوى معرفة هذا العالم الذي ينقل هذه القصّة على المنبر بالولاية؟! وعندما يذهب المرحوم العلاّمة لزيارة الإمام الرضا عليه السلام كم لديه معرفة بالولاية؟! فهل هاتان الزيارتان متساويتان؟!

  • هذا هو معنى رواية رسول الله صلّى الله عليه وآله حين يقول إنّ لك من الثواب على الزيارة بحسب مستوى معرفتك بالإمام عليه السلام. وعندما يأتي السيّد الحدّاد للزيارة فإنّ ثوابه يصل إلى عرش الله٢، بل لا معنى للثواب هناك، لا معنى للثواب، فالإمام الرضا عليه السلام نفسه هو الثواب والخلوة معه وتسليم القلب له والنفس وما لا نعلمه ممّا يجري في تلك الحال! فعندما كان السيّد الحدّاد رضوان الله عليه يطوف حول ضريح الإمام الرضا عليه السلام سبع أشواط٣ كان لي من العمر أحد عشر عامًا أو اثنا عشر عامًا تقريبًا ولا زلت أذكر أنّ هذا الرجل عندما كان يطوف سبعة أشواط في ذلك اليوم الأخير عندما جئنا صباحًا لزيارة الإمام الرضا عليه السلام ثمّ انطلقنا نحو الموقف حتّى ننطلق نحو طهران، كان الناس هكذا متحيّرين ـ لم يكن الأمر حينها كما هو الآن حيث فصل مكان النساء عن مكان الرجل وجعل جدار فاصل بينهما، بل كان النساء والرجال معًا في ذلك العهد السابق ـ فكان السيّد الحدّاد يطوف فوقف الناس جانبًا، فقد كان هو والمرحوم العلاّمة وأصحابهما كلّهم يطوفون معًا حول الضريح، ولا زلت أذكر حالته آنذاك حيث لم يكن في هذه الدنيا أصلاً! كان ينظر إلى الناس ولكنّ عينيه ترى مكانًا آخر ولها حالة أخرى، كان يطوف والدمع يجري من عينيه، فهل هذه الزيارة كزيارة هذا الرجل الذي يؤيّد زيارة ذلك العالم للصدر الأصفهاني مقدّمة على زيارة أمير المؤمنين، هل هما بمستوى واحد حقًّا؟! آه آه. 

    1. ورد في كتاب الروح المجرّد ص: ٢٥٣: الروايات في فضيلة زيارته عليه السلام بوجه مطلق كثيرة جدّاً، و قد وُعِدَ الزائر في بعضها بالجَنَّة، وعُدَّت في بعضها عِدْلًا لشهادة شهداء بدر، و ذُكر لبعضها ثواب ألف حجّ و ألف ألف حجّ يترتَّب عليها.
      يروي جعفر بن محمّد بن قولويه، عن الحسن بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن محمّد بن عيسى، عن داود الصَّرْميّ، عن أبي جعفر الثاني (الإمام محمّد التقيّ) عليه السلام قَالَ: «سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ زَارَ قَبْرَ أبي فَلَهُ الجَنَّةُ». [«كامل الزيارات» ص ٣۰٣ الباب ۱۰۱]
      و يروي أيضاً عن أبيه، عن سعد بن إبراهيم بن ريّان قال: حدّثني يحيى بن الحسن الحسينيّ قال: حدّثني عليّ بن عبد الله بن قُطْرب، عن أبي الحسن موسى عليه السلام:
      قَالَ: مَرَّ بِهِ ابْنُهُ وَ هُوَ شَابٌّ حَدَثٌ وَ بَنُوهُ مُجْتَمِعُونَ عِنْدَهُ، فَقَالَ: «إ نَّ ابْنِي هَذَا يَمُوتُ في أ رْضِ غُرْبَةٍ. فَمَنْ زَارَهُ مُسَلِّماً لأمْرِهِ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَ جَلَّ كَشُهَدَاءِ بَدْرٍ». [«كامل الزيارات» ص ٣۰٥، الباب ۱۰۱]
      و يروي أيضاً عن أبيه و عن محمّد بن يعقوب، عن عليّ بن إبراهيم ابن حَمْدان بن إسحاق قال: سمعتُ أبا جعفر عليه السلام، أو حكى لي رجل عن أبي جعفر عليه السلام (الشكّ من عليّ بن إبراهيم) أنّ أبا جعفر عليه السلام قال: 
      «مَنْ زَارَ قَبْرَ أبي بِطُوسٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأخَّرَ».
      قَالَ: فَحَجَجْتُ بَعْدَ الزِّيَارَةِ فَلَقِيتُ أيُّوبَ بْنَ نُوحٍ فَقَالَ لِي [قَالَ ظ] أبُو جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ: «مَنْ زَارَ قَبْرَ أبي بِطُوسٍ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَ مَا تَأخَّرَ، وَ بَنَى لَهُ مِنْبَراً بِحِذَاءِ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَ آلِهِ وَ عَلِيّ عَلَيهِ السَّلَامُ حَتَّى يَفْرُغَ اللهُ مِنْ حِسَابِ الخَلَائِقِ».
      فَرَأيْتُ أيُّوبَ بْنَ نُوحٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَ قَدْ زَارَ فَقَالَ: جِئْتُ أطْلُبُ المِنْبَرَ [«كامل الزيارات» ص ٣۰٥، الباب ۱۰۱].
      و يروى أيضاً عن محمّد بن الحسن، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطيّ؛ قَالَ:
      قَرَأتُ في كِتَابِ أبي الحَسَنِ الرِّضَا عَلَيهِ السَّلَامُ: «أبْلِغْ شِيعَتِي: أنَّ زِيَارَتِي تَعْدِلُ عِنْدَ اللهِ ألْفَ حَجَّةٍ».
      قالَ: فَقُلْتُ لأبِي جَعْفَرٍ عَلَيهِ السَّلَامُ: ألْفَ حَجَّةٍ؟!
      قَالَ: «إي وَ اللهِ؛ وَ ألْفَ ألْفِ حَجَّةٍ لِمَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ». [«كامل الزيارات» ص ٣۰٦، الباب ۱۰۱]
    2. جاء في كتاب معرفة الإمام ج‌۱٦، ص: ٥۱۱: في الرسالة «المقنعة»، و «المزار» للكلينيّ بإسناده عن الرضا عليه‌السلام قال: «من زار قبر أبي عبدالله عليه ‌السلام بشطِّ الفرات كان كمن زار الله فوق عرشه».‌
    3. راجع حول ذلك الروح المجرّد من ص ٢۰٦ ـ ٢۱٤. 

حقيقة الذنب

19
  • نسأل الله أن يزيد من فهمنا للمعارف الإلهيّة يومًا بعد يوم، وأن يجعلنا شاكرين لنعم صاحب الولاية.