المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1428
التاريخ 1428/09/02
التوضيح
لماذا لا بدّ من اليقين والوثوق بالطريق قبل سلوكه؟ وكيف كانت سيرة الأئمّة عليهم السلام مع الذين يبحثون عن الطريق ويستفسرون لتحصيل اليقين؟ وكيف كانت سيرة أعدائهم في هذا المجال؟ ما هو دور الإمام الحجّة عليه السلام في تحصيلنا لليقين أثناء غيبته؟
تتناول هذه المحاضرة هذه المحاور ومواضيع أخرى ذات صلة مثل قيمة الاعتراف بالخطأ وعدم تأثيره على أصل الدين ومناقشة من يدافع عن السقيفة.
هو العليم
أهميّة اليقين بالطريق قبل السير فيه
الأئمّة عليهم السلام والباحثون عن الحق
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ. ق - الجلسة الأولي
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهرانيّ
قدّس الله سره
أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحيم
وصلَّى اللَه عَلَى سيّدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّيبين الطّاهرين واللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ
«أدعوك یا سيّدي بلسان قد أخرسه ذنبه ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».
أدعوك يا الله بلسان قد أخرسه ذنبه وأوقفه عن العمل، وإذا ما خرس اللسان وأصيب باللكنة فإنّه لا يتحرّك ولا تخرج منه الكلمات ولا يكون للكلمات مفهوم، فأنا أدعوك بهذا اللسان، لسان أخرسه الذنب.
فما هو مراد الإمام السجّاد من هذه الفقرة؟
«ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه». أناجيك يا ربّ بقلب أهلكه الجرم والجناية. فالجناية الموبقة تعني المهلكة، والإيباق يعني الإهلاك. فالإنسان لا يتكلّم مع الله بالقلب، والكلام الظاهريّ هو باللسان، والدعاء هو باللسان الظاهري، ولكنّ الإنسان يناجي الله بالقلب، والدعاء الباطنيّ يعبّر عنه بالمناجاة، غاية الأمر أنّ هذه المناجاة ترتفع من قلب قد هلك وزال، ولم تعد فيه حياة.
حسنًا هاتان الفقرتان مرتبطتان، ويبدو أنّ الفقرات السابقة قد تحدّثنا عنها إلى حدّ ما في السنة الماضية حيث يقول: «وحبّي لك شفيعي إليك» حبّي لك يساعدني في سيري إليك، محبّتي تشفع لي عندك، ولو لم تكن لديّ محبّة لما كان لي شفيع أتقدّم به بين يديك، وقد تحدّثنا سابقًا حول معنى الشفاعة.
معنى «أنا واثق من دليلي بدلالتك» وأهميّة اليقين بالطريق والوثوق به
«وأنا واثق من دليلي بدلالتك» أنا على ثقة واطمئنان وهذه الثقة لها معنى عجيب جدًّا جدًّا، فمهما فكّر الإنسان في هذه الفقرة فهو قليل، وخصوصًا الذين يرون أنفسهم في طريق السير والسلوك وفي مدرسة الأعاظم عليهم أن يلتفتوا إلى كلام الإمام السجّاد هذا، وعلينا أن لا نطأطئ رؤوسنا هكذا مستأنسين بالأمور اليوميّة، فلا نأنس بأيّ حال وبأيّ شيء، على السالك وعلى من يرى نفسه تابعًا لمدرسة ويسير على أساسها أن يكون لديه ذلك الوثوق، فإن لم يجد ذلك الوثوق فليذهب إلى مكان آخر، عليه أن لا يضيع وقته هكذا قائلاً: فلننتظر ماذا سيكون غدًا، ربّما يأتي الفرج لاحقًا، لاحقًا سيفتح الباب، لاحقًا سيتّضح الأمر.
ذات يوم كان أحد الرفقاء يتكلّم مع رجل، وهو موجود الآن هنا، وربّما إذا ذكرت هذا الكلام سيتذكّره هو، كان يتكلّم مع رجل فكان يقول له ذلك الرجل: تعال إلى هنا، تعال إلى هنا، فلتكن هنا حتّى تدرك لاحقًا أين هو الحق، تعال الآن لتدرك لاحقًا.
فكان يقول له: لو أنّي أتيت ثمّ لم أدرك بعد ذلك فماذا أصنع؟
فقال له: كلاّ تعال.
وفي المقابل قال له ذاك أيضًا: فلتأت أنت! إن كان لا بدّ أن آتي بغير دليل فلتأت أنت أيضًا، فأيّ دليل هذا الذي تقوله: تعال الآن وستدرك لاحقًا؟! الآن هذه التفّاحة غير ناضجة فتعال الآن وانتظر حتّى تنضج لاحقًا.
ـ لنفترض أنّ هذه التفّاحة سقطت عن الشجرة وأصابها الدود. لا بدّ أن يكون للإنسان دليل وحساب دقيق.
يقول الإمام السجّاد ألقِ هذا الكلام بعيدًا فهو لا يفيد شيئًا وهو ينفع للمقاهي وللمشعوذين، ولا بدّ أن يكون لديك وثوق واطمئنان، فعندما يطوي الإنسان طريقًا فلا بدّ أن يكون لديه اطمئنان به، وهذا الماء الذي في يدي إن كان فيه شبهة تلوّث فقلت: إن شاء الله هو سليم وسأتناوله ثمّ حدث لي شيء فإنّ الله يحاسبني حسابًا عسيرًا، فليس الأمر هكذا، لقد تساهلنا كثيرًا وتعاملنا مع دين الله هكذا بتهاون واتّخذنا إمام الزمان لعبًا، واتّخذنا النبيّ ملعبة لرغباتنا. تعال الآن ولاحقًا سيحدث شيء ما، تعال الآن إلى هذا المجلس وستدرك لاحقًا، اتّبع الآن فلانًا وستدرك لاحقًا، انظر كم جاء من الناس والتفّوا حوله! هل جاء كلّ هؤلاء هكذا؟! كلاّ بل جاؤوا عن تفكير فانظر، يا له من صفّ لصلاة الجماعة! يا له من مجلس! يا لهم من حضور يحيطون به! فتعال أنت أيضًا في النهاية، انظر إلى هذا الجمع الغفير فتعال أنت أيضًا، ففي النهاية هؤلاء الذين جاؤوا لم يأتوا هكذا، فتعال أنت أيضًا، هل صار هذا دليلاً؟ هل صار هذا حجّة على الإنسان؟
نعم فالناس يكتفون بهذا المقدار، الناس ينظرون إلى هذا المقدار ثمّ لا ينظرون إلى سائر الأمور، ولكن الأساس في مدرسة التشيّع والأصل هو الحقّ، الأساس والأصل هما العلم وهو اليقين.
لا تنظر إلى كثرة المحيطين بك
في تلك السنة التي وقعت فيها أحداث إيران وأحداث الثورة جاء الشيخ مطهّري رحمه الله ذات يوم إلى المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه وقال: أنا عازم على السفر إلى الخارج، وذلك عندما كان آية الله الخميني رحمة الله عليه في الخارج وسألتقي به، وحيث إنّه كان المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه في أصل وفي عمق هذه الأحداث في السنوات السابقة، سنة ٤٢ هجرية شمسيّة، وكذلك كان الشيخ مطهّري على ارتباط به ويتردّد عليه ويلتقي به مرّة في كلّ أسبوع، وكان قد اطّلع على بعض مسائل المرحوم العلاّمة وعلى خطّه وأصوله الفكريّة وعلى كيفيّة منهجه وأفكاره ونهجه، ومن جهة أخرى كان الشيخ مطهّري رحمه الله يريد أن تجري هذه المسائل على أساس مباني الإسلام وأن تراعى فيها المسائل الإسلاميّة، فقد كان دخل في هذه الأمور على هذا الأساس، وبالطبع لم يكن يستطيع أن يرضي وجدانه من دون ملاحظة قواعد المرحوم العلاّمة، وكان يريد أن تكون الأمور تحت نظره في ذلك الزمان، فكان يأخذ تلك المسائل بعين الاعتبار وينقلها إلى السيّد الخمينيّ، وكان يسعى أن تكون تلك الحركة التي أوجدت وذلك المسير الذي طرح حتّى الإمكان في ذلك الطريق الصحيح، وأن تراعى فيه هذه الأصول والقواعد.
فجاء إلى المرحوم العلاّمة وقال عارضًا عليه الأمر: أنا عازم على السفر إلى الخارج ـ وما أقوله من أنّه عرض عليه الأمر فأنا قاصد له لأنّه كان تلميذًا سلوكيًّا عند المرحوم العلاّمة ـ أنا عازم على السفر إلى الخارج فهل لديك أمر أنقله إليه؟ فقال له المرحوم العلاّمة عدّة أمور وطلب منه أن ينقلها إليه، وقد عمل بها السيّد الخميني رحمة الله عليه، وكان واضحًا في كلامه ورسائله أنّه عمل بها، ثمّ أضاف إلى كلّ ذلك أمرًا آخر وقال له: فضلاً عن كلّ ذلك قل له بأنّ هذا الزحام وهذا الاستقبال وهذه الحركة التي وجدت حولك من قبل الناس هي على أساس أفكار الناس ورؤيتهم، فاعتمد أنت في أمورك التي تقوم بها دائمًا على أساس العلم واليقين، لا على أساس رغبة الناس، فالناس اليوم يقبلون على الإنسان، ولعلّ أمرًا ما يحدث غدًا فيدبرون عنه، فلتكن حركتك واستقبالك ونهجك الذي تسلكه على أساس علمك أنت ويقينك، وعلى أساس الجزم، ثمّ بعد ذلك يحرّك الإنسان الناس على هذا الأساس وينوّرهم ويفتح عقولهم ويعطيهم رؤية، لا أن يكون الأساس في الحركة هو مدى قبول الناس.
إذا رأى الإنسان اجتماعًا كبيرًا يضحك وتظهر أسنانه ويقول: ما شاء الله لقد زاد اليوم مجلسنا مائة مشارك، ما شاء الله كم هو جيّد! لقد قوي الإسلام، لقد جاء مائة مشارك، فلنعدّهم، واحد اثنان ثلاثة أربعة… ولننظر كم واحدًا هم؟ وغدًا يصبحون سبعين مشاركًا فنقول الويل لنا لقد ضعف الإسلام، لقد نقص الحاضرون ثلاثين مشاركًا، وفي ليلة أخرى يصبحون ستّين فيغدو الإسلام أضعف وأضعف، إلى أن ينتهي بنا الأمر أن نأتي إلى هنا لنشرح دعاء أبي حمزة فنرى ثلاثة أو أربعة من الحاضرين فنقرأ على الإسلام الفاتحة مع الصلوات، فقد مات الإسلام فلا بدّ أن نقيم مجلس فاتحة ونوزّع القهوة والتمر لأنّ الإسلام لم يعد موجودًا، فلم يحضر في مجلسنا سوى ثلاثة أو أربعة، أليس الأمر هكذا؟ إن كنتُ مخطئًا فقولوا لي. هل هو صحيح! إن كنت مخطئًا فأخبروني، هل تقصد بقولك صحيح أنّي مخطئ؟! (مزاح)
كلاّ فأمير المؤمنين عندما قلع باب خير وفاجأ الجميع واجتمعوا حوله مهلّلين المخالف منهم والموافق لم يكن يختلف حاله عن ذلك الوقت الذي وضعوا فيه الحبل على عنقه، حيث يقول الإنسان بحسب الظاهر الويل الويل الويل. وقد سمعت قبل مدّة أنّ واحدًا من هؤلاء الذين خسروا في الانتخابات قال: لقد كانت الأكثريّة على الباطل دائمًا في نظر الإسلام. شكرًا لك، نحن ممتنّون لك كثيرًا! فأنت إذ قرأت الفاتحة على كلّ شيء لو أنّك انتُخبت أيضًا هل كنت على باطل أيضًا لأنّ الأكثريّة اختارتك؟! دقّقوا فيما أنقله، فإنّما أقوله لتدقّقوا فيه لأجل هذا أقوله، وإنّما أقول التفتوا حتّى لا يأتي يوم علينا تقع فيه السماء على رؤوسنا ونسقط من الوجود إذا ما ربح خصمنا في الانتخابات. إن كان قد فاز فليكن، فاليوم هو يفوز وغدًا نحن نفوز، فيوم علينا ويوم لنا، فاليوم أنت ربحت وتظنّ أنّ الدنيا تدور حول محور واحد، ولكن حركة الدنيا دائمًا تتغيّر، ففي يوم نحو هذا الجانب وفي يوم آخر نحو جانب آخر. والإسلام بخير لم يصب بأذى وأقسم بحياتك العزيزة المباركة وحياتي كلتيهما بأنّ الإسلام لم يصب بأذى من هذه الانتخابات وهذه الأمور، ولا إمام الزمان ولا النبيّ ولا تغيير الدين! كلاّ يا عزيزي، بل كان خلفنا حتّى الأمس أربعة والآن خلفنا واحد أو اثنان، لقد صار الأربعة اثنين، هذا ما حدث لا أكثر، ولم يحدث شيء، كلّ ما حدث فقد حدث في هذه النفس، كلّ ما حدث فإنّما حدث هنا.
الاعتراف بالخطأ لا يذهب بالإسلام
لا بدّ أن يكون لدى الإنسان وثوق في طريقه، لا بدّ أن يكون لديه وثوق وثوق واطمئنان، إن كنت قد أخطأتُ أنا فينبغي أن لا يزول الوثوق، أنا أخطأت فما علاقة ذلك بالطريق؟! ما علاقة ذلك بالمسير؟! ألأنّ السيّد اليوم أخطأ نمضي نحن وشأننا؟ أنا في يوم ما يكون عملي صحيحًا وفي آخر يكون خاطئًا. [ولكنّ حالنا وللأسف هي أنّي] أعلن عن عملي الصحيح للجميع، وأمّا عملي الخاطئ فأحتفظ به لنفسي ولا أخبر به أحدًا، فلو أخبرت به لزال الإسلام! لو أخبرت عن خطأي لزال الإسلام!
قيمة عملك بمقدار يقينك ووثوقك به
قال الإمام السجّاد عليه السلام ـ وقد ذكرت ذلك في العام الماضي للأصدقاء ـ إنّ على الإنسان أن يكون لديه وثوق بالأمور، فالوثوق هو الذي يعيّن مسير الإنسان، فالمعيّن هو الوثوق، لا العمل الذي تقوم به، فلو أنّك أقمت مجلسًا للإمام الحسين بغير وثوق فلا فائدة، وإذا ذهبت إلى مجلس تشكّ فيه، فهو ليس مجلس فنّ ورقص، كلاّ بل هو مجلس ذكر ومجلس نصيحة ومجلس تبليغ، ومجلس ذكر لسيّد الشهداء ومجلس للأئمّة، هذا هو المجلس وهذا هو الكلام الذي يجري فيه، والذي يرتقي المنبر يتكلّم حول هذا. أمّا المجلس الذي تشكّ في أنّ انعقاده هو مورد رضا الله أم لا فعليك أن لا تذهب إليه.
ـ إنّ الخطيب يتكلّم عن سيّد الشهداء.
ـ الخطيب يتكلّم عن سيّد الشهداء الذي في ذهنه هو لا سيّد الشهداء الذي كان قبل ۱٢۰۰ سنة، يتكلّم للناس عن سيّد شهدائه الخاصّ به، فسيّد الشهداء له قيمة عندما تدور الدنيا وفق مرادنا، أمّا سيّد الشهداء الذي يسير خلافًا لنا فلا فائدة منه ولا نرتقي منبره ولا نقيم له المجالس، لا نقيمها.
مجلس العزاء الذي يُقرأ هل هو مجلس عزاء في الطريق والمسير الصحيح ويكون موردًا لرضا الله؟! فذلك هو الذي له قيمة وله نور وله بهاء، يمضي إليه الإنسان ويجلس فيشعر بشعور آخر في نفسه وينفتح قلبه، أمّا إذا كان المجلس قد روعيت فيه حسابات أخرى فهو أيّ مجلس؟! إنّه مجلس لا قيمة له، مجلس أقيم لأجل مواجهة مجلس آخر، فلا فائدة منه، وسيّد الشهداء الذي فيه هو سيّد الشهداء الخاصّ بك وليس سيّد الشهداء الواقعيّ وليس سيّد الشهداء الحقيقيّ. وإذا ما ارتكب إنسان خطأ ولكنّه يعتقد صحّته فإنّ هذا العمل الخاطئ يتقدّم به ويتقدّم، فانظروا كم هو الأمر دقيق؟ لقد صفّى العرفان الأمور وطهّرها وسهّلها، سهّلها! وهذه المائدة المبسوطة انظر إن كانت صحيحة فاجلس عندها وليكن بالك مرتاحًا مطمئنًّا. ولكن إن كنت شاكًّا بها فلا تأت ولا تنخدع بالناس ولا يؤثرنّ بك صديقك، ولا تؤثّرنّ بك وسوسات الناس أثرًا سيّئًا:
ـ هيّا هيّا لنذهب، هيّا نذهب إلى ذاك المجلس وسترى لاحقًا أمرًا ما!
ـ لا تأتِ ولا تذهب وتوقّف، فلماذا تذهب؟
ـ إن لم تأت خسرت ولن تحصل على فرصة أخرى!
ـ قل لهم: لا أريد فرصة أخرى. ولا تتهاون بالأمر، لا تفكّ القيود، ولا تتساهل، كلّ خطوة تخطوها لا بدّ أن يكون لك فيها يقين، فإن كان لديك يقين فاخط، وإن لم يكن لديك فتوقّف، واعلم أنّك إذا وقفت فسيتكلّمون عنك وسيغتابونك. لماذا يغتابونك؟ لا لأنّك سرت على خلاف الطريق، بل لأنّك سرت على خلاف نواياهم، لأجل هذا يتكلّمون عنك.
ـ بما أنّي مخالف للنيّة فخالف أنت واتّبعني، لماذا أتّبعك أنا؟ إن كان هناك حقّ فائت بدليل، وأنا مطيع لك وممتثل، وإن لم أقبل فعندها اعترض عليّ. وإن لم يكن لديك دليل وكان لا بدّ من الاتّباع فلتأت أنت وتتّبعني ولماذا آتي أنا إلى هذا المجلس؟! تعال أنت إلى حيث أشارك أنا، فنحن نقول: إن لم تأت فستخسر، وكذا وكذا ونحن نضيف على هذا الكلام عشرة أضعاف ونضربه بعشرة، ونضع لك شريطًا مسجّلاً نكرّر فيه: ستخسر، ستندم وكذا وكذا، فنحن نعرف أيضًا وربّما كنّا أكثر معرفة بهذا الكلام، تعال أنت أيضًا وسترى غدًا.
لقد قطّب حاجبه.
ـ ماذا جرى؟ ألأنّا لم نشارك في المجلس عليك أن تعبس؟! حسنًا لم نأت فليكن، أنا أريد أن أخسر هذا التوفيق فما شأنك أنت؟! اذهب أنت اذهب واحصل على هذا التوفيق. اذهب وخذ نصيبك، فأنا لا أريد هذا النصيب، لماذا تعبس في وجهي؟! لماذا لم تعد تسلّم عليّ؟! لماذا لم تعد تستقبلني في بيتك؟! لماذا تطردني؟! ولماذا…؟! ألأنّه سُلب منّي توفيق معيّن؟! حسنًا فليكن، ألأنّي سُلب منّي توفيق ما؟! ـ التفتوا جيّدًا أيّها الرفقاء واذهبوا وفكّروا جيّدًا في هذا الكلام الذي أقوله لنرى أين نحن ـ أفهذا التوفيق الذي سلب منّي هو الذي أدّى أن تكون لك ردّة فعل؟! يا عزيزي في كلّ يوم يسلب منّا ألف توفيق من هذه التوفيقات ولا نقوم بهذه الأعمال فلماذا لا تتأثّر؟! لماذا لا تنزعج؟! تفوتني صلاة الصبح فهل أنت لا تسلّم عليّ بسببها؟! كلاّ يا عزيزي لا شأن لك بذلك.
ـ لقد فاتتني صلاة الصبح اليوم.
ـ لا بأس اقضها. لا مشكلة لن نختلف معك مشكلة بسبب ذلك.
ـ لقد فاتتني صلاة الظهر وصلاة العصر وأنا أصلّيهما عند الغروب.
ـ حسنًا لو كنت تؤدّيهما عند الظهر لكان أفضل ـ كان المرحوم العلاّمة يقول: صلّوا صلاة الظهر عند الظهر وصلاة العصر عند العصر ولا تؤخّروهما، لدينا أنّ «أوّل الوقت رضوان الله وآخر الوقت غفران الله» ـ ولكنّك تردّ عليّ سلامي ولا تعبس في وجهي، فلا مشكلة.
ـ لقد شاركتُ يا سيّدي في ذلك المكان واغتبتُ غيبة، وقلت إنّه حصل كذا وكذا.
ـ اذهب وتب.
ـ لقد ارتكبنا الحرام ولكنّا نرى أنّك تسلّم علينا. فهل أنت ملتفت؟! فأنا أرتقي شيئًا فشيئًا. هل الغيبة حرام أم حلال؟ وتفوت صلاة الصبح فلا تقطيب ولا عبوس في البين، نصلّي صلاة الظهر والعصر قبل الغروب فلا تقطيب ولا عبوس، نغتاب في ذاك المجلس فلا تقطيب ولا عبوس، نرتكب المحرّمات فلا تقطيب ولا عبوس. ولكن ما إن نمتنع عن المشاركة في هذا المجلس فإنّ هذا التوفيق يفوتنا، إنّه مجلس والمشاركة في المجلس أمر مستحبّ أم واجب؟! إنّه مستحبّ في النهاية، هذا أقصى ما يمكن، ونحن نريد أن نترك هذا المستحبّ فهل نكون قد ارتكبنا ذنبًا؟! في اليوم التالي أرى أنّ الحواجب قد اجتمعت في جهة واحدة يشكّل أحدهما زاوية ۸۰ درجة في حين يشكّل الآخر زاوية ٦٥ درجة، فيؤلّفان شكلاً عجيبًا غريبًا فماذا حدث يا عزيزي؟ لقد تركتُ مستحبًّا وليس بيننا صراع، بعد غد نترك مستحبًّا فتميل الرقبة ٦۰ درجة نحو ذاك الجانب، وبعد غد ينقطع السلام ويبدأ الكلام! فما كلّ هذا يا عزيزي؟! كلّ هذه الأمور ترجع إلى النفس لا إلى الصلاة ولا إلى الصيام ولا إلى الله ولا إلى رسوله، فهل أنتم ملتفتون ماذا أقول؟! إنّ كلّ علاقاتنا تدور حول النفس، نحن نجرّ الله لكي نظهر هذه النفس أمام الناس ولكي نظهر أنفسنا صالحة ونظهر نوايانا جيّدة أمام الناس، وليس لدينا من سبيل إلا أن نستعمل الله والنبيّ، ليس لدينا سبيل إلا أن نستعمل الشرع والإسلام والدين وإمام الزمان، ولأنّه ليس لدينا وسيلة أخرى فإنّا نستعمل ذلك، وإلا فنحن لا شأن لنا بإمام الزمان، ولا شأن لنا بالنبيّ، ولا شأن لنا بالله والدين.
ولكن إذا ما قمنا بالعمل على أساس الوثوق واليقين، وكان لدينا وثوق ولم نخدع أنفسنا، فما معنى أن لا نخدع أنفسنا؟ يعني أنّهم حين يقولون: هذا الفعل الذي تقوم به هل فكّرت به؟
نقول: نعم.
ـ هل هو صحيح؟
ـ نعم صحيح.
ـ حسنًا تعال نتحدّث.
ـ نعم آتي ونتحدّث، ليس لديّ مشكلة، أعرض الفكرة وأعرض الأدلّة.
ـ لا دعها لغد.
فإذا جاء الغد يقول: الآن ليس لديّ وقت، لديّ عمل. سآتي إليك لاحقًا. فما هي حقيقة الأمر إذن؟ دعها ليوم آخر، دعها ليوم آخر، لا اتركها لوقت آخر فليس لديّ وقت الآن، فلننظر ماذا يجري، فعن أيّ أمر باطنيّ يحكي هذا؟ يحكي عن أنّ هناك موضعًا ما من المسألة فيه مشكلة، بحيث لا يتمكّن الإنسان أن يكون صادقًا بينه وبين الله، لأنّ مدرسة أمير المؤمنين دائمًا صادقة وشفّافة.
كيف كانت سيرة الأئمّة عليهم السلام في التعامل مع المعترضين والمستفسرين؟
هل لديكم قصّة تاريخيّة كتبت في مكان ما تفيد أنّ رجلاً قد جاء إلى عليّ وقال: يا عليّ إنّ العمل الذي تقوم به خاطئ تعال لنتحدّث حوله فقال له: اذهب الآن سأفكّر في الأمر ثمّ آتي! إن كان أحد منكم قرأ ذلك فليخبرنا.
هل حدث أن جاء أحد إلى الإمام الصادق وقال له: إنّ هذا الكلام الذي تقوله وهذه المدرسة التي جئت بها في مقابل مدرسة أبي حنيفة، هذه المدرسة التي جئت بها وبيّنتها فيها نقص وخطأ، ثمّ يقول الإمام: انهض من هنا وامض وشأنك! أتعترض عليّ؟! قم وانهض! هل أنت إنسان لأتكلّم معك؟! كيف كان أسلوب هؤلاء؟!
تعال يا عزيزي، تعال واجلس، أو اذهب وتكلّم مع تلميذي فلان فإن لم تقتنع فتعال إليّ.
هل كان هذا أم لم يكن أيّها السادة؟ هل لأحد علم بخلاف ذلك؟
كيف كانت سيرة الخلفاء في التعاطي مع المعترضين والمستفسرين؟
ولكنّ الخلفاء كيف كانوا؟
كانوا إذا قيل لأحدهم: أنت يا من جلست على المنبر هل تليق بذلك أم لا؟!
يقولون: اقبضوا على هذا الحقير واضربوه وأخرجوه، ألا يخجل وقد جاء إلى هنا يعترض أمام الناس؟! فيضربون ذلك المسكين ويدوسونه ويخرجونه.
ـ هذا الإله الذي تعبده هو على العرش أم على الفرش؟
فيقول: الله على العرش.
يقول: فإذن الفرش ليس له إله.
يقول: هذا كافر، لقد تزندق هذا الحقير… .
فانظروا هذين المنطقين، هذا المنطق الذي جاء ووقف أمام الحقّ هو منطق أبي بكر وعمر وأمثالهما، المنطق الذي لا منطق له، وليس له منطق وراءه، وليس له استدلال يستند إليه، ليس هناك حجّة ودليل يستند إليهما.
هل كانت السقيفة لصالح الإسلام حقًّا؟!
إنّه عجيب جدًّا، عجيب جدًّا، سمعت أنّ بعضهم قالوا… ـ ولا أدري ما إن كنت ذكرت ذلك للرفقاء أم لا ـ بعض المعمّمين منّا وبحسب الظاهر هو مبلّغ قال: إنّ شورى السقيفة هذه كانت لصالح الإسلام ولمصلحة الإسلام. من الذي قال إنّها كانت باطلة؟! وذلك لأنّ اليهود حينها كانوا يريدون أن يسيطروا على الخلافة فاجتمع المسلمون وثبّتوا الخلافة في مقابلهم، ومتّنوا الإسلام وجعلوا أبا بكر على السلطة، لا بل أين السلطة أستغفر الله؟ في الحكومة، جعلوا أبا بكر في الحكومة، فأدّى ذلك إلى تقوية الإسلام وتأييده، حسنًا يا عزيزي كان بإمكانك أن تقول إنّ النبيّ أوصى بذلك! فأنت إذ تنكر إلى هذا الحدّ الحقائق التاريخيّة والضروريّات بهذه السهولة، أنت إذ ليس لك دين أيّها الشقيّ، أنت إذ لا تدرك الولاية، أنت إذ لا تفهم معنى الولاية، أنت أيّها العالم بعد ثمانين سنة من الدراسة…! فهذا عالم شيعيّ بعد ثمانين سنة يأتي ويقول: إنّ شورى السقيفة كانت لصالح الإسلام. قاتلك الله يا عديم الفهم ما هذا الكلام؟
الكلام الذي يطأطئ منه أهل السنّة رؤوسهم خجلاً نأتي نحن ونبلغ به نهايته، ونقول لهم: كلاّ ارفعوا رؤوسكم لماذا تطأطئونها أمام الشيعة؟ أنتم شيء مهمّ والحقّ معكم! هذا معنى كلامه في النهاية بأنّ شورى السقيفة هي لمصلحة الإسلام، أي إنّ الحقّ معكم في النهاية، ونحن والأئمّة الذين ندّعيهم أخطأنا جميعًا مدّة ۱٤۰۰ سنة، فأبو بكر على حقّ، ومن هو عليّ يا عزيزي؟! إنّه رجل قتل وسفك دماء المسلمين فماذا فعل سوى ذلك؟ ألم يقل ذلك الرجل الذي توفّي في أوائل الثورة هذا الكلام؟ كان المرحوم الوالد يقول: إنّ أحد أصدقائه ذهب إلى منزله وكان معروفًا بميله إلى السنّة وبعقائده السنيّة وكانت العبارة التي قالها هكذا: ماذا فعل عليّ في هذه المدّة؟ هل فعل أكثر من أنّه قتل جماعة من الناس وأنشب الصراع بين القبائل؟ كانت هذه عين عبارته. فهل تلتفتون، كان كلّ حادث أسوأ من الآخر.
قيمة اليقين والوثوق في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
وعلى كلّ حال أيّة مدرسة كانت مدرسة الإمام الصادق؟ مدرسة الإمام الصادق هي مدرسة الوثوق، فإن لم يكن لديك وثوق فيحرم عليك أن تأتي إليّ أنا الإمام الصادق وتشارك في درسي، هذه المدرسة هي مدرسة الإمام الصادق. يجب أن يكون لديك وثوق واطمئنان وعندها تقبل الحكم الذي أقوله كحكم شرعي وتعمل به، وإلا فهو حرام. إن لم تعمل قبل أن تحصل على وثوق بي أنا جعفر بن محمّد والإمام الباقر أو الإمام الرضا فلا شأن لله بك، والله لن يؤاخذك، هذه المدرسة هي مدرسة الصادقِين ومدرسة الأئمّة ومدرسة أمير المؤمنين، هذه هي القاعدة في هذه المدرسة. إن لم تكن واثقًا بي أنا عليّ، ولكن بينك وبين الله لا تثق بي، بينك وبين الله فلن يؤاخذك الله.
موقف أمير المؤمنين عليه السلام من كلامين للمغيرة بن شعبة
جاء المغيرة يومًا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، المغيرة بن شعبة وهو من أولئك المخادعين والشياطين أصحاب الدرجة الأولى، جاء يومًا إلى أمير المؤمنين فقال: يا عليّ! كم كان من الجيّد أن تترك معاوية بضعة أيّام في الحكومة بدلاً من أن تحاربه، فإذا قويت أصول حكومتك وتبعك جميع الناس حتّى الذين هم في الشام، عندها تعزله بكلّ سهولة، الآن أنت استلمت الحكم حديثًا ودخلت في حرب مع معاوية، وقد عبّأ هو الناس أيضًا ورفع قميص عثمان وقال إنّ عليّا قتله وأثار الناس، وكان قد جاء المغيرة إلى أمير المؤمنين بعد معركة صفّين. فقال له أمير المؤمنين إنّي لا يمكن أن أرى هذا العنصر الذي يعمل بالباطل على رأس الأمر، هذا لا يتأتّى من عليّ، رضي الناس بذلك أم رفضوا، فأنا لم آت لأثبّت حكومتي على أساس التفكير المصلحيّ الدنيويّ، أنا أقول إنّ الحقّ هو هذا، ويتّضح الأمر للنّاس فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فأنا لا يمكنني أن أرى يومًا واحدًا هذا الرجل في هذا المنصب، بل أخلعه شاء الناس أم أبوا، فخرج من عنده المغيرة، وفي اليوم التالي جاء فقال: يا عليّ لقد فكّرت بكلامك بالأمس حتّى الصباح فرأيت أنّك محقّ، فقال الإمام: جئتني بالأمس ناصحًا لأجل الله وجئتني اليوم غاشًا لأجل الشيطان تريد أن تغريني، أتظنّ أنّي لا ألتفت؟ لقد جئت بالأمس تنتقدني ولكن كان كلامك لأجل الله.۱ أنت أنت لم تتغيّر ـ وأنا أقول هذا ـ أنت لم يختلف حالك ولكن عندما رأيت أنّ عليًّا لا يتغيّر ولا يمكنك أن تؤثّر فيه جئت تسترضيه، فاليوم جئت لأجل الشيطان.
هذه هي مدرسة أمير المؤمنين، أمير المؤمنين هكذا وليس بالذي يقول: أحسنت بارك الله بك، أحسنت! فكّرت ليلة أمس وأدركت أنّي على الحقّ! كلاّ بل أمير المؤمنين أمسك بيده في تلك اللحظة وقال: لا تحسب أنّي لا ألتفت، من تخادع أنت؟! يا مغيرة المسكين لماذا لا تهتمّ بنفسك؟! لقد كان كلامك بالأمس لأجل الله فجئت ونصحت وتكلّمت معي فهذا له مكانته، ولكنّك مضيت فلم تستطع أن تقبل، فأنت يا مغيرة عقلك عقل سياسيّ، عقلك عقل شيطنة، عقلك عقل مكر، وهذا العقل لا ينسجم مع عليّ، فحين رأيت أنّك لا تستطيع قلت: فلأذهب الآن وأستجلب رضا أمير المؤمنين وأقلْ له: الحقّ معك. والحال أنّك أعمى ولم تعرف مع من تتعامل ومع من تتكلّم، كلاّ فاذهب الآن ولتأت إلينا دائمًا قاصدًا القربة، انتقدْ قاصدًا القربة أقبلْ منك، فهذا المكان ليس مكانًا للتملّق، هذا المكان ليس للمدح والخداع والمكر، إنّه مكان لصفاء النفس، ذلك الصفاء الذي يتجلّى بأيّ صورة شاء حتّى بصورة الانتقاد فأين المشكلة في ذلك؟
ضرورة قبول الانتقاد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام
أين المشكلة في أن يُنتقد الإنسان؟! أين المشكلة في ذلك؟! هل يجب على الجميع أن يمدحوا؟! وهو ليس مدحًا حقيقيًّا بل بصورة المدح، فلنذهب إلى فلان ولنمتدحه قليلاً ونسترضي قلبه، فما هذا؟! إنّه خداع، إنّه مدح كاذب، إنّه مكر واحتيال وهو موجود في كلّ مكان، الحمد لله الأمر الذي ليس قليلاً هو هذا. يقول أمير المؤمنين: إذا أتيت إلى هنا فتعال بقلب طاهر، تعال وإن كان لديك انتقاد لي فليكن، تعال وأخبرني بانتقادك.
ويقول الإمام الصادق عندما تأتي إلى هنا فتعال بقصد الفهم لا بقصد أنّي ابن النبيّ ويحيط بي عدد من الشيعة وعندما أجلس في مجلسي تجد أربعمائة من التلاميذ يجلسون أمثال محمّد بن مسلم ومحمد بن أبي عمير وأبان وأبي بصير، فلا تنظر إلى هؤلاء، بل تعال بيقين بأنّ هذا الذي يتكلّم الآن كلامه كلام الوحي تمامًا كما كان يوحى إلى جدّه، عليك أن تأتي بهذه الوثاقة وبهذا الاعتقاد واليقين، إن شئت أن تطهّر قلبك فلا تظنّ أنّي أنا الإمام الصادق أجلس هكذا هادئًا وأنظر إليك.
فهل أنتم ملتفتون ماذا أريد أن أقول أيّها الرفقاء؟ فالمسألة هي مسألة الولاية، وليست مسألة خداع وتمثيل، فالإمام الصادق هو الذي يتكلّم ولست أنا وأمثالي.
اختبار أحد مرافقي الخليفة العبّاسي لإمامة الإمام العسكريّ عليه السلام
كان الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام في زمان الخليفة العبّاسيّ في سامرّاء، وقد قضى الإمام الحسن العسكريّ أكثر عمره في سامرّاء. وفي يوم من الأيّام دعوه للخروج برفقة الخليفة العبّاسي، وكان معهم رجل شكّ بينه وبين نفسه فقال: هذا الإمام الذي يقولون عنه إنّه إمام الشيعة ويخبر بما في القلوب، فأنا أشكّ هل هو إمام أم لا؟ وسأنوي نيّة. فماذا كانت تلك النيّة؟ كانت حول نجاسة عرق الجنب من الحرام وعدمها، فلو أنّ إنسانًا أجنب من الحرام فإنّ الثوب الذي يلبسه يصاب برطوبة بسبب العرق، فهل هذا الثوب نجس أم طاهر؟ وطبعًا هناك فرق بين عدم النجاسة وصحّة الصلاة بالشيء، فيمكن أن يكون هناك شيء طاهر ولكن لا تصحّ الصلاة فيه، فالحيوان غير محلّل الأكل أجزاؤه لا تصحّ الصلاة فيها وإن ذكّي. فهذه مسألة فيها اختلاف بين الفقهاء ولكن دليلها هو هذا ـ يقول هذا الرجل إنّه نوى هذا الأمر في نفسه وقال سأسأله أن يجيبني على السؤال الذي في نيّتي. فهو إمام في النهاية، والشيعة يقولون إنّه الإمام، فلا بدّ أن يقول في النهاية. فهذا يقول حقًّا بينه وبين الله ولا يريد أن يخدع نفسه يريد أن يقول إنّ هذا الإمام الذي يدين له الشيعة يتميّز بهذه الخصوصيّة فبأيّ طريق أثبتها؟ بهذا الطريق، وجميعنا الآن نؤيّد ذلك ونقول إنّه اختار خير طريق.
خرج الإمام الحسن عليه السلام برفقة الخليفة العبّاسيّ، وحين العودة رأى هذا الرجلُ الإمامَ عليه السلام يتّجه جانبًا، وكان هو واقفًا فاقترب الإمام واقترب وما إن صار خيل الإمام إلى جانبه وقف الإمام وقال: عرق الجنب من الحرام ليس نجسًا، ثمّ تابع سيره. فقبل أن يسأل أجابه. فماذا حصل؟ انتهى الأمر، فقد كانت النيّة بينه وبين الله، فتمّت الحجّة عليه. بذل جهدًا وبحث عن الوثاقة.
إمام الزمان حاضر ينتظر إخلاصنا وصفاءنا ووظيفته هي هدايتنا
فليبحث الإنسان عن الوثاقة فهل إمام الزمان عاطل عن العمل؟! كلاّ بل وظيفة إمام الزمان هي هذه، وأنت مسكين إذ تعدّ إمام زمانك في غيبة ولا يتأتّى منه شيء، لا تعلم، فأنت في غيبة وأنت في شقاء وأنت في هلاك وقد حبست نفسك في فخّ الجهل العنكبوتيّ، وقد وجّهت هذا الحرمان والفقدان إلى إمامك، كلاّ فهذا يرجع إلى نفسك.
هل الإمام عاطل عن العمل؟! فلماذا هو موجود الآن؟! هل هو لا يحسن إلا السير في الجبال والصحاري وأمثالها؟! فما هي وظيفة صاحب الزمان؟! هؤلاء الذين يقولون إنّ إمام الزمان في غيبة فأيّة غيبة هي؟!
نحن الذين في غيبة أمّا هو فليس في غيبة.
أنحن غائبون عنه أم هو غائب عنّا؟!
نحن لا نراه بسبب ضعفنا الوجوديّ، نحن محرومون من رؤية الإمام فهل هو محروم من رؤيتنا؟! لو كان كذلك لصار مثلنا، ولصار حاله كحالنا بلا فرق. فكيف هذا؟! كيف أجاب الإمام العسكريّ ذلك الرجل حين كان قلبه صافيًا فجاء الإمام العسكريّ وأوقف خيله إلى جانبه وأجابه أمّا إمام زماننا فلا يجيبنا؟! أليس هو ابنه؟ أليس هو إمامًا مثله؟ بماذا سيجيبنا الإمام يوم القيامة؟! نحن نقول: يا ابن رسول الله كما أنّ أباك ساعد رجلاً ليرفع جهلاً عن نفسه ويرفع نقصًا ويعرف إمامه سواء عمل بعد ذلك ورتّب أثرًا أم لا فهذا أمر آخر، افعل أنت ذلك أيضًا، فما الفرق بينك وبين أبيك؟ ما الفرق بينك وبين الإمام الهادي؟ ـ وقد ذكرت للرفقاء تلك الرواية المعروفة عن الإمام الهادي عليه السلام لذلك الرجل حيث قال له: أرأيت كيف يجعل الله هذه الأرض مقبرة للنّاس؟ حدّثتكم عنها ـ فما الفرق بينك وبين جدّك الإمام الهادي؟ فنحن الآن نسأل الإمام الهادي، وهذا في نوايانا جميعًا، فهل في نيّتكم غير هذا؟ ما الفرق بينك وبين والدك غير أنّ والدك كان بين الناس ـ هذا رغم أنّه لم يكن أيضًا بينهم، وكان الخليفة العبّاسي قد حبس الإمام العسكريّ وحاصره ولم يكن للإمام ارتباط بالنّاس، وكان غائبًا، أحيانًا كان يأتي ويلتقي برجل ما ـ وما الفرق بينك وبين جدّك؟ وما الفرق بينك وبين الإمام الجواد؟ وما الفرق بينك وبين الإمام الرضا؟ حيث كان هؤلاء إذا ما رأوا صفاء في الناس بينهم وبين الله وتعلّقًا بالله وتعلّقًا بكم ـ فهل الواسطة للاتّصال وللمعرفة هي غيركم؟ إن كان إمام الزمان موجودًا فليأت وليخبرنا!
ـ كلاّ أنا لست موجودًا، هناك غيري هو حجّة الله!
ولكن لا أحد سوى الإمام، إمام الزمان، أينظر الإمام إلى نيّتنا هذه ولا يجيبنا؟! هذا ليس إمام الزمان. إن لم يجب فليس إمام الزمان. فإذن في نيّتنا مشكلة كبيرة، نحن لم نأت ونهتمّ كما فعل ذلك الرجل. وللإمام ألف طريق، هناك آلاف الطرق لدى الإمام عليه السلام.
يا الله بيّن لنا طريق الحقّ، فأنا أريد أن أحصل على وثوق بالطريق.
فجأة يجعل لك إمام الزمان عليه السلام طريقًا، فيدور الإنسان من تلك الناحية ومن تلك ثمّ يأتي مباشرة إلى ذاك الطريق، يأتي إلى حيث يجب أن يأتي، وهذا الأمر ليس بيدي ولا بيد غيري، كلاّ بل هو عبارة عن ظاهرة تكوينيّة وسنن عالم الخلق وسنن التربية وكلا هذين الأمر التكوين من جهة والشرع والتربية والأمر من جهة أخرى هما بيد صاحب الولاية الإمام عليه السلام. أمّا الآخرون فما هو دورهم؟ إنّهم الذين لهم في كلّ عرس قرص.
أخبرني أحد الناس ـ وقد حكى لي قصّته قبل مدّة وسأنقل بالإجمال ولن أوضّح كثيرًا، لا أذكر أين كنت أين كنت، لم أكن في إيران كنت في بلد آخر ـ فقال: كان في قلبي أمر ما وكنت أبحث عن شيء عن حقّ وأبحث عن قضيّة معيّنة ولحسن الحظّ أخبروني أنّ في مكان ما إنسانًا لديه بعض الخصوصيّات، وطبعًا كان خارج إيران في ذاك البلد، وكان الذي ينقل لي ذلك امرأة، وكانت إنسانة مستقيمة جدًّا ومؤدّبة ومتعلّمة وواصلة إلى مراحل عالية في الدراسة وذات أخلاق وسلوك رفيع، قالت: فذهبت وبحثت عن ذلك الرجل فوجدته غير متديّن ولكن لديه حالات خاصّة من أمثال هؤلاء المرتاضين، ولم أكن قد أخبرت زوجي بذلك بأنّي أريد أن أذهب وكان ذهابي بدون إجازته ـ فاحتفظوا بذلك ـ فلمّا وصلت إليه قال لي: لماذا أتيتِ من دون إذن زوجكِ؟ اذهبي أوّلاً واستأذني زوجك لأتمكّن من أقول لك شيئًا. إنسان غير مسلم ولا معتقد بأمر التشيّع ولكنّه بواسطة المجاهدات والمراقبات والرياضات وأمثالها انكشفت له في طريقه الخاصّ بعض الأمور بحسب مستواه هو.
فمسألة طاعة المرأة للزوج واستئذانه موجودة في قوانين عالم التكوين وهو يدركها، فانظروا لقد أدركها، ومع ذلك يأتي من هو من أمثالي ويقول: لا داعي لإذن الزوج في الذهاب إلى المسجد والحسينيّة، بل حتّى لو نهى يمكن للمرأة أن تخرج! فيا تلميذ الإمام الصادق ويا مدّعي الادّعاءات هذا لا مسلم ولا شيعيّ بل فقط فتح الله عينه قليلاً ولفت نظره قليلاً إلى هذه الأمور يقول: أوّلاً يجب أن تذهبي وتستأذني زوجك ثمّ تأتين إلى هنا، تأتين إليّ. لأنّه من أهل الصدق أخذ الله بيده فيتقدّم ويتقدّم فيرى أنّه في مكان ما. فجأة يقول: فجأة نظرت فرأيت كتب المرحوم العلاّمة ولم أكن قد رأيتها بعد. يقول: فجأة فتحت الكتاب وبدأت بالقراءة فما هذا؟ وأيّ كلام هذا؟ وأيّ حقائق؟ لم أكن مطّلعًا عليها من قبل. وهذا الكتاب وحده أنهى أمره. فمن الذي يفعل ذلك؟ الآن أسألكم: من الذي يفعل ذلك؟ من الذي أوجد هذه الحادثة؟ الإمام هو الذي يوجد هذه الحركة وهو الذي يعيّن هذا الطريق في هذا، فلأنّه يرى الصدق يقول حسنًا بما أنّك صادق فبدلاً من أن يأخذك فلان إلى مكان ما فإنّي أجعله في طريقك ليأخذك إلى هذه الغرفة وتجلس فيها وفجأة تقع عينك على المكتبة وتفتح الكتاب ويصلح ذلك الكتاب أمرك. فمن الذي فعل هذا؟ نحن نظنّ أنّ إمام الزمان أمره سهل، سمعنا أنّ له ولاية وأنّه إمام وأنّه صاحب نفس قدسيّة ولكن إلى حدّ يسير وليس لنا خبر عن شيء، كلاّ يا عزيزي ليس الأمر هكذا فالمهمّ هو أن يثق الإنسان ويوقن.
حسنًا لقد نظرت فرأيت أنّ هذه الفقرات قد قرئت على ما يبدو، وكنت أريد أن أبدأ بالفقرة اللاحقة، ثمّ لا أدري ماذا جرى حتّى رجعت، ربّما كان هذا من ذاك ونحن لا ندري. الحقيقة أنّي حين آتي إلى هذه الجلسة أنا نفسي لا أدري حول ماذا سأتكلّم، فلأكن صريحًا من البداية مع الرفقاء حتّى لا يقولوا لي فعلت كذا وفعلت كذا مهما قلت، كلاّ فهو يعفو، ومهما جاء فهو خير في النهاية وعلى الإنسان أن يكون واثقًا ومعتقدًا، أن يكون معتقدًا بالطريق، فهذا ما أراده منّا الأعاظم، وهذا ما أراده النبيّ والله، وهذا ما أراده الدين منّا، وهذا ما أراده المنطق والعقل، وسائر المسائل تدور حول الأحاسيس والتوهّمات والتخيّلات، فهي تدور حول هذا، ولكن في مدرسة أهل البيت يقولون: اتّبع اليقين، اتّبع الوثاقة واتّبع الاعتقاد الجازم، فإذا ما حصلت على وثاقة انتهى أمرك، هذا هو المهمّ، إذا ما حصلت على وثاقة لن يتمكّن أحد من خداعك، لن يتمكّن أحد من المكر بك، وبكلمة واحدة لن تتحيّر نحو هذا الاتّجاه أم ذاك، وقلبك لا يتلاطم.
لا إشكال في أن ينهض الإنسان ويقضي من أجل البحث والتحقيق الذي يقوم به الأيّام والشهور والسنين، بشرط أن يكون في حالة تحقيق لا أن يقول: إن شاء الله سأرى. سأذهب إلى هناك سنة وأرى ماذا هناك، كلاّ بل عليه أن يذهب لأجل التحقيق، ولو طال الأمر سنة فلا إشكال، ولو أدركه الموت في هذه السنة فقد مات في الطريق وفي أثناء المسير، وطريقه طريق صحيح، فالموت والحياة ليسا بيد الإنسان ولكنّ التحقيق بيده، البحث عن الحقّ بيده، ما جعلوه تحت اختيارنا فقد وضعوه ونحن مكلّفون به، وما لم يضعوه فلسنا مكلّفين به، ونحن لسنا مكلّفين بالموت والحياة لأنّهما ليسا في اختيارنا، ولكن يقولون إنّ ذلك اليوم الذي كان في اختيارك كيف قضيته وبأيّ نحو قضيته من التفكير في فكرك ومنهجك؟
لذلك يرى الإنسان أنّ بعضهم كانوا مع النبيّ مدّة عشرين سنة وبمجرّد موت النبيّ ذهب كلّ شيء، فكيف كان هؤلاء الذين اتّبعوا أبا بكر؟ إنّ أمرهم لعجيب، عجيب جدًّا! عندما رحل النبيّ عن الدنيا انطلقوا وهاجموا، وتلك السقيفة التي انتهت لصالح الإسلام، انتهت لمصلحة الإسلام وللمنع من فتنة اليهود وكانت موضع رضا رسول الله وإن كان قد نسي أن يوصيهم بهم وقد أخطأ في ذلك، نسي أن يقول لهم: أقيموا من بعدي سقيفة، فإنّ كلّ ما جرى في الغدير كان بلا فائدة، كان عليه أن لا يفعل ذلك، تلك السقيفة هجوم نحو… وقد رأيت في الأخبار التاريخيّة ولا أذكر أين ولكنّي رأيت ذلك أنّ عمرًا وأبا بكر سقطا على الأرض عدّة مرّات أثناء ذهابهم إلى السقيفة وتقلّبا برأسيهما على الأرض، وقد رأيت هذه المسألة في التاريخ بعينيّ هاتين، فليذهب الرفقاء ويبحثوا عن ذلك المصدر وينظروا أين ذكر ذلك، كانوا يريدون أن لا يأتي اليهود ويسيطروا على الأمر، فبنظري أنّ سقطوا على الأرض بضعة مرّات أو أنّهم لم يسقطوا ولكنّ جبرائيل أسقطهم، فهذا الكلام موجود ففي النهاية هكذا كان هؤلاء ثمّ ذهبوا إلى السقيفة… ولم يأت يكن هؤلاء الذين ذهبوا إلى السقيفة قد نزلوا من القمر، بل هم هؤلاء الذين كانوا في المدينة، وكانوا كلّ يوم يصلّون خلف النبيّ خير الخلائق منذ بدء الخلق وتجلّي الله إلى ما لا نهاية له، فهو النبيّ وكانوا يصلّون خلف هذا النبيّ، ولكنّ الصلاة خلف النبيّ لا فائدة منها، هل كانت لها فائدة؟ كلاّ! فكم لديك من الوثوق؟ بمقدار ما لديك من الوثوق لديك نصيب من الصلاة خلف النبيّ لا أكثر، لو كان النبيّ بل لو كان الله بدلاً من النبيّ في المحراب يصلّي فلا فائدة من الصلاة خلفه! لماذا؟ لأنّ الصلاة ليست مجرّد حركة يد ولسان ورأس، الصلاة عبارة عن اتّصال القلب والباطن بمبدأ الوجود، فكم كان ذلك الاتّصال؟ وكم كان ذلك اليقين؟ وكم كان ذلك الشعور والإدراك؟ كم كان؟ الصلاة عبارة عن ذلك. فأنت تصلّي إذن خلف النبيّ، النبيّ الذي يشقّ القمر، يا له من رسول لله! انظر إليه فقد شقّ القمر، وصنع ما صنع، ردّ الشمس، لقد رأيته ردّ القمر فهو إنسان عجيب إذن، فلنصلّ خلفه.
ولكنّ رسول الله هذا لو جاء مرّة أخرى وقام بعمل أعلى من مستواك الفكريّ، فإنّ الأمر ينتهي، وكلّ شيء يختلّ ويقع، لم تكن العظمة إلا بحسب نظرنا نحن لا أكثر، وهذه العظمة لم تسبّب العمق في فكرنا وبصيرتنا، هذه العظمة أحدثت هالة في أذهاننا تتجلّى في حدود فكرنا وأذهاننا، والحال أنّ بين هذه الحدود الذهنيّة وحقيقة النبيّ ما بين الأرض والسماء، وأهل الاختصاص يدركون ما أقول.
لقد كتبت هناك إنّ المرحوم العلاّمة كان يقول: لو أمرني أستاذي أن أشرب هذا الكوب الذي هو نجس لشربته. وهذا الكلام كلام صعب جدًّا، فلو أراد الإنسان أن يفسّر هذا الكلام هكذا بظاهره ويبيّنه هكذا فإنّه يقال له: كلاّ إنّه نجس وهذا خلاف الشرع وأمثال هذا الكلام! أفهل يمكن ذلك؟ ولكن لا بدّ من الالتفات إلى أنّه من هو الذي يقول هذا الكلام؟ إنّه مجتهد أعلم من مراجع ذلك الزمان، ولا أحد يشكّ في ذلك أيضًا، فهو الذي يقول أمثال هذا الكلام. وقد رأيت في بعض هذه الكتب يسخرون من كلام المرحوم العلاّمة حين يقول إنّه كان ينظر إلى الشيخ الأنصاري كنبيّ، فيقولون: نعم نبيّ هكذا رجل لا بدّ أن يكون هكذا، وأمثال هذه المزخرفات! فيا عزيزي أنت إذ تتكلّم بهذا الكلام هل لديك واحد من عشرين من علوم هذا السيّد الطهرانيّ، ماذا تدرك أنت من هذا الكلام؟ أنت لا تميّز بين الهرّ والبرّ ثمّ تعترض بأنّ هذا السيّد يقول هذا، هو لا يطلق على أيّ إنسان أنّه نبيّ، على من يطلق؟ لقد انتهى بحسب اعتقاده إلى يقين بحيث يرى أنّ قلبه متّصل بقلب رسول الله، يرى أنّه يأخذ من هناك ويعطي، فسواء رأيته أم رأيت النبيّ، واحد زائد واحد يساوي اثنان وبهذه البساطة، ولا مشكلة في هذا، ولا يحتاج هذا إلى ضجيج وتأليف كتاب والإسراف في الأوراق! أنت لا تراه في هذا المستوى حسنًا هذا شأنك، ولكن لماذا تعترض على السيّد الطهرانيّ؟ لماذا تعترض على العلاّمة الطهرانيّ؟ أنت أيضًا انهض ونحّ هواك جانبًا ودع نفسك جانبًا وتخلّ قليلاً عن الطباعة وأمثالها وعن فتح الدكّان وتجميع الأنصار حينها ستدرك!
ـ كلاّ نحن نريد أن يكون لنا ذلك.
ـ هيهات هيهات هيهات أن يمرّ على قلبك مقدار رأس إبرة ممّا مرّ على قلبه، ثمّ فارقِ الدنيا على هذه النيّة أيضًا وسيدفنونك تحت مترين من التراب، ثمّ عليك أن تنتظر تلك الحِراب التي تحدث لك الزلازل، الحراب التي تنتظر إجاباتك. لا بأس احتفظ بما شئت الآن، فمنكر ونكير يقرآن النوايا ويخبران عمّا في قلبك.
لقد أنكر علي بن أبي حمزة البطائنيّ ولاية الإمام الرضا عليه السلام! فلماذا أنكرها؟ قال: إنّ موسى بن جعفر لم يمت بل غاب، ذهب بضع سنوات وسيعود. لعنة الله عليه، حقًّا لعنة الله عليه! لقد كان وكيل موسى بن جعفر، لقد أنكر وكيل موسى بن جعفر ولاية الإمام الرضا! لماذا؟ حتّى ينال تلك الأموال التي بين يديه والجواري التي حصل عليها ويقضي حياته! قال له الإمام: أرسل إليّ الأموال التي كانت لديك من أبي، هل هي لك؟ هل أخذتها من جيب أبيك؟! هل أعطتك إيّاها خالتك؟ أحضرها. ولكي يأخذ هذه الأموال أنكر الولاية! من الذي قال إنّك إمام أصلاً؟! بهذه البساطة وهذه السهولة قال: من الذي قال إنّك إمام أصلاً؟! ثمّ ماذا؟ ولكي يصدقّه الناس فلا بدّ أن يخدعهم بنحو من الأنحاء، لا بدّ من خداعهم وإغوائهم بنحو ما، بدأ جهاز طباعة الخداع والكذب بالعمل، وقال له الله: لا بأس. والإمام الرضا بنفسه الإمام الرضا قال: ونحن نساعدك أيضًا، أنت تواجهني وأنا أرسل جنود الشيطان لمساعدتك، فابدأ بالطباعة.
لقد كان هذا الرجل حتّى الآن يروي روايات الأئمّة ولكنّه الآن بدأ برواية الحديث من عنده، لذلك لدينا أنّ روايات ابن أبي حمزة في تلك المرحلة التي كان فيها تحت نظر الإمام لا إشكال فيها ويمكن العمل بها، ولكن بعد أن أنكر لا يمكن الاعتماد على رواياته. قال الإمام الرضا حسنًا لا بأس، لم تعرفني فليكن، فأنا أرسل إليك جنود الشيطان لمساعدتك، فيجعلون لك الروايات على الدوام! فقد جعل سمرة بن جندب لمعاوية ثمانين ألف رواية، ولا أدري إن كان هذا صحيحًا أم لا، ففي النهاية لو جعل في كلّ دقيقة رواية لما استطاع، إلا أن يكون قد قام بالتصوير الفوتوغرافي بحيث يجعلها دفعة واحدة، ربمّا كانت ثمانية آلاف لا ثمانين ألفًا. أنا رأيت في بعض الكتب أنّه وضع أربعة آلاف رواية، وفي كتاب آخر رأيت أنّه وضع ثمانين ألفًا، وكنت قرأت ذلك في الغدير، وكان هذا الأمر عجيبًا جدًّا بالنسبة إليّ! فلو أنّه عمّر عمر نوح لما استطاع أن يضع ثمانين ألف رواية. فكم على الإنسان أن يجلس ولا يأكل ولا ينام ولا يقوم بأيّ عمل آخر بل يخترع الروايات فقط! ففي النهاية لا بدّ أن يكون لجعل هذه الروايات فائدة، لا يمكن هذا العدد، ولكن أنا رأيت أربعة آلاف.
قال هذا الرجل لمعاوية: لقد جعلت بضعة آلاف رواية حتّى جلست أنت هنا على المنبر أفتكتفي بإعطائي هذا المقدار الزهيد من المال؟! فقد كان يتحدّث يومًا مع معاوية فقال له: أنت لم ترتق هذا المنبر هكذا ولكنّ التعساء من أمثالي ـ وطبعًا هذا تعبيري أنا ـ وأمثال أبي هريرة هم الذين رفعوك إلى هذا المنبر. فمن الذي جعل هذه الروايات؟ نحن، نحن الذين كنّا في زمان النبيّ، نحن الذين يثق بنا الناس، نحن الذين يصغي إلينا الناس، نحن من أجلس على المنبر.
ماذا كان عليّ بن أبي حمزة؟ لقد كان وكيل موسى بن جعفر ولم يكن قليل الشأن، إنّه وكيل في النهاية! وكيل وكيل يا عزيزي، فوكيل موسى بن جعفر ليس بالشيء اليسير، لقد اجتمعت عنده هذه الأموال، والآن يقول الإمام الرضا: أرسل إليّ أموال أبي. فيقول: كلاّ، فمن الذي قال إنّك إمام أصلاً؟! إنّ أباك لم يمت بل غاب وسيعود بعد بضعة أشهر، وقال: أنا بنفسي سمعت منه ذلك… وبدأت المبعة بالطباعة، وبعض الناس الذين يهمّهم هذه الأمور اجتمعوا حوله. فقال الإمام الرضا: حسنًا سأحاسبك على ذلك.
وبعد مدّة، جاء أحد أصدقاء عليّ بن أبي حمزة إلى المدينة إلى الإمام الرضا عليه السلام، فدعاه الإمام إلى منزله ليلاً وسأله: كيف حال صديقك؟ فقال: عندما أتيت كانت حاله جيّدة. فقال الإمام: لقد مات عليّ بن حمزة اليوم ودفن ولمّا دفن جاءه الملكان فقالا: من ربّك؟ فال الله ربّي.
ـ من نبيّك؟
ـ محمّد نبيّي.
ـ من أئمّتك؟
فبدأ بعدّهم حتّى وصل إليّ، فلمّا وصل إليّ لم يعد يقول شيئًا، فقد أنكر باطن الإمام الرضا، فلا يمكنه أن يقول لهم: عليّ بن موسى الرضا. لقد أنكر في الباطن. قالوا: من الإمام بعد موسى بن جعفر؟ فخرس لسانه ولم يتمكّن من الجواب. ثمّ قالوا من جديد: من الإمام؟! فلم يتمكّن! ثمّ أمسكا بحربة وضربا بها رأسه اهتزّ لها شرق العالم وغربها. فمن الذي يشعر بذلك؟ كثيرون هم الذين يشعرون، لقد ضربوا رأس صديقك بحربة اهتزّ لها المشرق والمغرب. أتحارب الولاية؟ أتحارب الإمام الرضا؟ بمهلونك يومين ثمّ بعد ذلك يقعون على رأسك.
حسنًا فمن كان هؤلاء؟ كانوا من هؤلاء الناس، كانوا من هؤلاء الذين كانوا في زمان النبيّ.
فبمقدار ما لديك من الوثوق واليقين يعطونك من الأجر لا أكثر.
حسنًا إن شاء الله نسأل الله تعالى أن يجعلنا في زمرة المدركين والشاعرين بهذه المعاني وبحقائق هذه العبارات العالية المضامين التي بُيّنت لنا على لسان الوحي، وأن يجعلنا من المتحقّقين بهذه الحقائق، وأن يجعل طريقنا طريقًا موثوقًا ومعتمدًا وأن لا يفصلنا في طريق الولاية آنًا من الآنات عن صاحب مقام الولاية.
إن شاء الله وبإذنه وتوفيقه سنبدأ من الليلة القادمة بالعبارة اللاحقة.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.
لقد ذكرت في السنة الماضية هذا الأمر ولكن ربّما لم يلتفت بعضهم إليه، وهو أنّ الأمر المهمّ في هذه الجلسات هو في المرحلة الأولى قراءة القرآن والاستفادة من أنوار القرآن وبركاته، والاستفادة من دعاء الافتتاح، فهذا هو الأصل، وقد ذكرت للرفقاء أكثر من مرّة أنّ المسألة هي هذه، وأن يسمع الإنسان هذه الحقائق ويدرك أنّ دعاء الافتتاح هو هكذا، غاية الأمر ومن باب أن يكون هناك مجلس أنس وأن تكون لنا دردشة مع الرفقاء وأنس، فإنّي أتكلّم بعض الكلام حول دعاء أبي حمزة أيضًا، ولكنّ المهمّ هو هذان الأمران. ولا بدّ للإنسان أن يدرك الحقائق ويسمعها ويفكّر بها وهنا ينتهي الأمر.