المؤلّفآية الله السيد محمد محسن الحسيني الطهراني
المجموعةسنة 1428
التاريخ 1428/09/06
التوضيح
تناولت هذه المحاضرة ثلاثة محاور:
1 ـ كيفيّة التهيّؤ للعبادة. 2 ـ الفرق بين شخصيّة الإمام عليه السلام في نظر العرفاء وغيرهم.
3ـ طبيعة النظرة إلى المجالس وأولياء الله القيّمين عليها.
والأساس الذي تتفرّع عنه هذه المواضيع هو حالة العبوديّة والفقر والانقطاع إلى الله تعالى بحيث لا يشغل عنه أجمل المظاهر سواء الملائكة أو الأولياء أو المجالس والأنس فيها بالأحبّة.
هو العليم
كيف نتهيّأ للعبادة؟
شخصيّة الإمام في مدرسة العرفاء
شرح دعاء أبي حمزة الثمالي - سنة ۱٤٢۸ هـ - الجلسة الخامسة
محاضرة القاها
آية الله الحاج السيّد محمّد محسن الحسينيّ الطهراني
قدّس الله سره
أعوذُ بِاللَه مِنَ الشَّيطانِ الرَّجیم
بِسمِ اللَه الرَّحمَنِ الرَّحیم
وصلَّى اللَه عَلَى سيدنا و نبيّنا أبي القاسم مُحَمّدٍ
وعلى آله الطّيبين الطّاهرين و اللعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ
«أدعوك يا سيدي بلسان قد أخرسه ذنبه، ربّ أناجيك بقلب قد أوبقه جرمه».
أدعوك يا مولاي بلسان قد جعلته الذنوب ألكن عن بيان ما يطلب ويريد، ولا يمكنه أن يبيّن ما يليق بساحتك، وأجلس لمناجاتك بقلب أدّى الجرم الذي ارتكبه أن يُحرم من فيض مصاحبتك وفقد القابليّة لمجالستك، وفقد الحياة التي هي الشرط الأساس للوجود، فهكذا أنا أدعوك، فلساني ألكن عن بيان ما في الضمير، وقلبي لا يقوى على مناجاتك.
كيف نهيّئ أنفسنا للعبادة؟
تقدّم أنّ كلمات الإمام السجّاد هذه هي خطاب لنا، وعلينا نحن أن ندرس وضعنا حين مناجاتنا مع الله. فعندما يقوم الناس في هذا الزمان إلى الصلاة أو قراءة القرآن وأمثال ذلك يدخلون العبادة هكذا بدون أيّ نوع من التفكّر، فما إن يصلوا من الطريق يخلعون المعطف ويخلعون البنطال ويجدّدون الوضوء ويضعون سجدة، وإذا ما كانوا يحترمون أنفسهم كثيرًا فإنّهم يفترشون سجّادة، وإلا فإنّهم يتناولون هكذا سجدة عن الرفّ ـ ونحن هكذا ـ وأحيانًا نضع إلى جانبها مسبحة أو لا نضع هذا يرتبط بكلّ إنسان! ونبدأ بالصلاة…
وقد ورد في هذا المجال روايات عن الأئمّة حول مقدّمات الصلاة، ولهذا الموضوع باب عجيب في الوسائل۱ وفي كتب الأحاديث وأنّه ماذا على المصلّي أن يذكر قبل الشروع بالصلاة وبماذا يفكّر وكيف يشعر نفسه بين يدي الله، ثمّ بعد ذلك يبدأ بالصلاة، وهكذا الأمر بالنسبة إلى تلاوة القرآن. ولكن لا يبالى بشيء من هذه الآداب.
لا زلت أذكر عندما كنت متشرّفًا بزيارة العتبات المشرّفة برفقة المرحوم الوالد وبمنزل المرحوم الحدّاد، ما إن كان يحلّ وقت الصلاة حتّى كنت ألاحظ فيه تغيّر الحال، فقد كان الأمر واضحًا جدًّا، فقد كان لا يتكلّم، يكون في حالة كلام ولم يتناه صوت الأذان بعد إلى الأسماع، يكون قد بقي له بضعة دقائق، عشرة دقائق ربع ساعة، وخصوصًا صلاة الظهر كان هذا التغيّر مشهودًا عنده أكثر، فإذا كان يتحدّث مع أحد كان يقطع كلامه ويطأطئ رأسه إلى الأسفل، ويبقى هكذا في حالة تفكّر وفي حالة تأمّل، وكان من الواضح أنّه لم يكن له تعلّق بهذا العالم وبالأحداث التي تجري حوله، حتّى يحلّ وقت الأذان فكان يقوم ويؤذّن بنفسه، أو يطلب من أحد الجالسين أن يؤذّن، يقول لأحدنا نحن الجالسين: قم وأذّن، وكان يبدأ بالصلاة، وكانت حالته واضحة، ولن نتحدّث عنها الآن، وأعتقد أنّا كان لنا حديث حول صلاته في الجلسات السابقة العام الماضي.
كيف كانت أحوال أهل البيت صلوات الله عليهم وقت الصلاة؟
والإمام المجتبى عليه السلام عند وقت الصلاة كان لونه يتغيّر، ورسول الله كان إذا حلّ وقت الصلاة يقول: «أرحنا يا بلال»۱ أخرجني من التفكير في الكثرات لأتوجّه نحو الاتّحاد بالحقيقة ومبدأ الذات. فهكذا كان هؤلاء يصلّون وهكذا كانوا يوصون تلامذتهم أن يصلّوا، فلم يكن هؤلاء هازلين في هذا الأمر، فهذه الوصايا التي جاءتنا لم تكن هازلة ولم يكن حال أحدهم أنّي بما أنّي صرت الإمام الصادق فلأتكلّم بشيء فحتّى لا نبقى بلا كلام فلنقل شيئًا في النهاية، فأنا الإمام الصادق في النهاية وإن لم أقل شيئًا سيقولون: أيّ إمام هذا؟ فلأقل أيّ شيء، فبما أنّي وصلت إلى مقام فعليّ أن أتكلّم ببضع كلمات، بحديث ما بشيء ما للناس، ففي النهاية هؤلاء يتصوّرون أنّي في مقام معيّن، فلا يبقى الأمر هكذا جافًّا وفارغًا. كلاّ بل الكلام هو في أنّ هؤلاء قد تذوّقوا شيئًا ويريدون أن يذيقونا ذلك الطعم بعينه. فقط هكذا، وإلا فهم ذاقوا.
أهمّ آداب ما قبل الصلاة
فإن أردت أن تذوق تلك الحلاوة فلا تسارع هكذا بمجرّد دخولك الدار فتلقي ثيابك وتتوضّا وتقول: الله أكبر! بل اصبر، اجلس قليلاً على سجّادة الصلاة، بضع دقائق، خمس دقائق اجلسها على سجّادة الصلاة، طأطئ رأسك، اطرد فيها كلّ ما كان من الأفكار والتخيّلات التي كانت خارج المنزل، اطلب من الأولاد أن لا يثيروا الضجيج وأن لا يأتي أحد ويطرق الباب، اختر غرفة للعبادة وامنع من التردّد عليها، لا أن يدخل من يريد ويخرج من يريد! لماذا؟ لأنّك تريد أن تختلي بربّك. ألا تستحقّ هذه الخلوة أن يهيّئ لها الإنسان هذه المقدّمات؟! ألا تستحقّ ذلك؟! ألا يمتلك هذا الأمر من الأهميّة أن يخصّص له الإنسان وقتًا؟! هل يجب أن يضع السجدة في وسط غرفة الجلوس وهذا يأتي وذاك يذهب وهذا يصرخ وذاك يقول ائتوني بالماء وذاك يقول خذ الخبز، وذاك يقول افعل كذا وكذا، وهذا أيضًا يصلّي وسط ذلك. فمن الواضح أنّه لا تترتّب عليها تلك الفائدة.
لقد كان المرحوم العلاّمة إذا أراد الصلاة يغلق الباب حتّى لا يصل الضجيج إلى غرفته، وكانت له غرفة خاصّة وراء تلك الغرفة التي في الأعلى والمخصّصة للمجالس والجلسات، فالغرفة التي وراءها كانت غرفة الصلاة المخصّصة له. فكان يأتي ويصلّي هناك، أو إن كان هناك أحد في ذاك الطابق كان يأتي إلى القسم الداخليّ ويذهب إلى غرفته الخاصّة ويجلس وبعد مدّة يقوم ويبدأ بالصلاة، ولم يكن لنا حقّ أن نفتح الباب أثناء صلاته وندخل. وفائدة ذلك أيضًا هي هذه، هكذا هو الأمر، فهكذا كان وإلى هذه الدرجة وصل.
الاهتمام على قدر الأهميّة
ذات يوم بعد تلك الأحداث والأمور التي وقعت، كان هناك رجل يبدي لي المحبّة في زمان المرحوم العلاّمة، وبعبارة أخرى كنت أنا الواسطة في تعرّفه على هذه الأمور، فلمّا شعر أنّني في أجواء أخرى ولي أفكار تختلف عن أفكاره كان يتّصل اتّصالاً هاتفيًّا أحيانًا، ولم أكن أرفع سمّاعة الهاتف دائمًا، فكان يتّصل ويسأل عن أحوالي وفي الوقت نفسه يقدّم لي نصيحة وإرشادًا، إلى أن رفعت السمّاعة يومًا فبدأ بالعتاب أنّي اتّصلت بضعة مرّات، عشرة مرّات ولم تكن موجودًا ولم ترفع الهاتف و… فقلت: حول ماذا تريد أن تتكلّم؟ وكنت أعلم وكان من الواضح ماذا يريد أن يتكلّم.
ـ أريد أن أكلّمك حول بعض الأمور. هناك أمر معيّن.
فقلت: حسنًا تفضّل وقلها الآن، وقبل أن يبدأ قلت له: هذه الأمور التي تريد أن تتكلّم حولها في أيّ مستوى من الأهميّة هي؟ هل أمور عامّة متداولة أم لا؟
قال: لا، مهمّة جدًّا جدًّا. فكان يقول: مهمّة جدًّا جدًّا ويكرّر.
فقلت له: تفضّل. ثمّ قلت له: سؤالي الثاني لكم: إن كانت زوجتك في قم وكان من المقرّر أن لا ترجع وحدها إلى حيث أنت الآن ـ وكان هو يعيش في إحدى المدن التي تبعد عن قم ثلاث أو أربع ساعات ـ وكان من المقرّر أن لا تأتي وحدها فهل كنت ستأتي لأخذها أم تتركها هكذا حتّى تبقى؟
ـ كلاّ كنت سآتي لآخذها، فهي زوجتي في النهاية.
فقلت: بارك الله بك، أحسنت أنت إنسان جيّد! يدرك جيّدًا أنّ عليه أن يعيد زوجته ولا يمكن أن يقول: فلتبق، ابقي أنت هناك وأنا هنا، فهل حصل ذلك؟ إن شاء الله لا يحصل. كلاّ سآتي وآخذها.
فقلت: هذا الكلام الذي تريد أن تقوله لي ألا يمتلك من الأهميّة ما يساوي إحضار زوجتك فتمشي خطوتين وتأتي إلى هنا وتحدّثني وجهًا لوجه؟! جلست هناك وتقول: إنّي اتّصلت بك فلم تكن! ثمّ وبعد يومين اتّصلت اتّصالاً آخر، وكان ذلك في منتصف الليل وعند الصباح وعند الساعة الثانية ظهرًا، كنت أنا نائمًا. فهذا اتّصال في النهاية؟!
ـ هل كنت موجودًا؟ لقد اتّصلت ولم تكن، ومرّ على ذلك خمسة عشر يومًا.
قلت له: ألم يكن يستحقّ الأمر ما يستحقّه أخذ زوجتك؟ دينك ودنياك وهذا الأمر الذي يشكّل كلّ حياتك وحياتي؟ سواء بالنسبة إليك أو بالنسبة إليّ، أنت بناء على اعترافك كلّ ما عندك أخذته منّي، أفلا يستحقّ الأمر بعد وفاة المرحوم العلاّمة أن تخطو خطوة وتأتي إلى هنا وتقول: كيف نوفّق بين ما تعلّمناه منك في زمان المرحوم العلاّمة وبين ما نشاهده الآن من أحداث؟ ألا يستحقّ ذلك؟ بما أنّه لا يستحقّ فإذن لا حاجة إلى أن نسمع كلامك، في أمان الله ومع السلامة، وأغلقت الهاتف. فهل التفت هذا واستيقظ؟ كلاّ، وحتّى الآن لا علاقة بيننا.
فهل يجب أن نكون متراخين إلى هذا الحدّ في هذه الأمور؟ إلى هذا الحدّ علينا أن نكون لا أباليين؟ إلى هذا الحدّ علينا أن نكون ضعفاء؟! أحيانًا عندما لا أتمكّن من حلّ بعض الأمور في ذهني وأجمع بينها فإنّي أترك الأمر من أصله وأقول: هذه هي مشيئة الله فلماذا أشغل بالي؟ فليس بينها أيّ ارتباط ولا يمكن أن تكون بينها أيّة نقطة ارتباط، ولا يوجد أيّ توجيه وأيّ ملاءمة وأيّة ألفة.
يقول الإمام السجّاد عليه السلام إذا أردت أن تدعو الله فادع هكذا فأنا أعلّمك. أدعوك يا سيّدي الآن بلسان ليس هو لسان أوليائك، فكلمة يا الله تلك التي كان المرحوم العلاّمة وأستاذه يقولانها تلك الكلمة لا تخرج من لساني، وكلمة يا سيّدي التي يقولها الإمام السجّاد هنا لا تتأتّى منّي. وذلك القلب الذي يوجِد به أولياء الله الربط بالذات الأحديّة بجميع شراشر وجودهم بحيث يرون أيّ ظهور دون الذات الأحديّة مخلاًّ بمرتبة ومرحلة اتّصالهم، ويفرّون من رؤية جمال أجمل المظاهر الإلهيّة وأعلى المخلوقات والمبدعات والصور المقدّسة والأنوار المتجليّة في الملأ الأعلى، متى يمكننا نحن أن نناجي الله بذلك القلب؟ متى يمكننا ذلك؟!
الفارق بين مستوى المعرفة عند العرفاء وغيرهم
لقد كنت شاهدًا لمجالس كان الحديث فيها عن أرفع المضامين وأرقاها وعن كيفيّة نزول الوحي على أنبياء أولي العزم فشعرت أنّ هذا المجلس يسبّب الملل للأعاظم وأولياء الله. الأمر الذي لا يخطر على فكري أنا وأمثالي أن نتكلّم حوله ونفكّر حوله، ولو كانت فيه رواية لما فهمناها، ولو كانت فيه آية لما فهمناها، ولو كانت هناك حقيقة لما فهمناها، لا زلنا عالقين بتمثّل جبرائيل بدحية الكلبيّ وبرجل، وكيفيّة التمثّل أمر ظاهر أن كيف يتمثّل جبرائيل، ففي كثير من الأوقات كان يتمثّل لرسول الله بصورة ذلك الشابّ الجميل الموجود في المدينة، فكانوا يظنّون أنّ دحية الكلبيّ يتكلّم مع النبيّ، وهم لا يزالون متوقّفون في هذه المسألة وأنّه إن كان جبرائيل مجرّدًا فكيف صار بصورة جسم؟ إن كان هذا الأمر قد ظهر للنبيّ وحده فكيف رآه الآخرون؟ فقد أدرك الآخرون ذلك أيضًا، ولم يدركوا ذلك بالمكاشفة بل بهاتين العينين الظاهريّتين، أفهل يمكن للملاك أن يتمثّل بصورة يمكن رؤيتها بهاتين العينين الظاهرتين؟ لقد أشكل الأمر على الأعلام من أهل العلم في مسألة متداولة وبسيطة عند أهل المعرفة، فهل يمكن لأحد أن يتحدّث عن تلك المسائل الراقية وأمثالها.
الفارق بين رؤية العرفاء لعلم الإمام ورؤية غيرهم
فحول كيفيّة علم الإمام عليه السلام بالله عليكم انظروا كيف يفكّر أحد هؤلاء العلماء والذي انتقل مؤخّرًا إلى رحمة الله، رحمه الله ففي النهاية هذا مستواه، فقد كان بهذا المقدار، عندما سألوه وقد سمعت أنا ذلك وأصغيت إلى تسجيله بنفسي، سئل عندما يظهر إمام الزمان عليه السلام كيف لا يحتاج إلى بيّنة وشاهد وأمثال ذلك؟ أفهل يمكن أن لا يحتاج إلى الإنسان إلى ذلك؟ في النهاية سؤال هذا السائل وجوابه كلاهما بلا معنى، فإن لم يكن للإمام علم بالغيب فهل سيكون لجنابك الرفيع أنت؟! فما هذا الكلام؟! عندما نرى أنّ أدنى الناس الذين خطوا خطوات في موضوع النفس سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين لديهم علم واطّلاع على بعض المغيّبات، وقد ذكرت لكم قبل بضعة ليال قصّة إحدى النساء من الأصدقاء ذهبت إلى رجل من هؤلاء ولم يكن مسلمًا أصلاً، فما إن نظر إليها قال لها: لماذا أتيت إلى هنا بغير إذن من زوجك؟! فارجعي واستأذنيه فإن أذن فتعالي لأكلّمك. فانظروا لا هو مسلم بل حتّى لم يكن مسيحيًّا، بل كان صاحب مجاهدات ورياضات في بعض المسائل، فهناك الهنود وهناك كثير من الناس هكذا، والآن هم موجودون أيضًا، وفي زمان الأئمّة أيضًا كانوا، وقد كانت لهم مواقف مع الأئمّة أيضًا، مع الإمام الصادق، ومع موسى بن جعفر ومع الإمام الرضا عليه السلام، وهذا مدوّن كلّه في كتب التاريخ والسير، فقد كانوا يعلمون وكان لهم اطّلاع، والآن هم موجودون أيضًا.
حسنًا فقد طرح عليه سؤال حول أنّ الإمام عليه السلام كيف يمكن أن يقضي بدون شاهد؟ فانظروا إلى جوابه الآن:
عندما يظهر الإمام يضع كرسيًّا ويجلس عليه ثمّ يظهر أمام الإمام عامود من نور ـ فهل رأيتم عامود النور عندما يسطع النور على هذه النافذة، فتشكّل هذه الذرّات عامودًا، وكذا في الحمّامات القديمة إن ذهبتم إليها حيث يكون في أعلاها فتحة… ـ هناك عامود من نور يظهر أمام الإمام، فيأخذ الإمام تلك الكرسيّ ويجلس في عامود النور، فيسطع ذلك النور على رأسه، فتتضّح له جميع المسائل!
ما شاء الله على هذا الكلام! أهذا هو علم الغيب للإمام؟ أليس هذا مضحكًا حقًّا؟! فماذا فهمنا نحن من إمام الزمان؟! فإذن الآن حيث لم يأت بعد زمان الظهور لا وجود لعامود النار، فماذا هناك؟ فالإمام الآن لا يعلم شيئًا! لا اطّلاع لديه على شيء أصلاً.
فأين هو علم الإمام؟ لا وجود للعامود الآن في النهاية، العامود يأتي في ذلك الزمان، عندها سيكون هناك عامود، فيراه هذا بالتلسكوب والله يلقي العلم من الأعلى! ولا بدّ أن أشعّته فوق بنفسجيّة أو تحت الحمراء، أو أنّها مثلاً من أنواع الأشعّة الأخرى، من هذه الأنواع من الأشعّة التي ظهرت أخيرًا، ففي النهاية لا بدّ أن يكون هناك شيء ما يمثّل هذا العامود من النور، فأشعّة الراديولوجي ما هي؟ وهذه الأشعّة التي يستعملونها في التصوير الراديولوجي وسي تي اسكن والتصوير وأشعّة إيكس وميكس وأمثال ذلك التي ترى الباطن، لا بدّ أن إمام الزمان أيضًا يخرج له هذا النوع من الأشعّة فيخرج هو إلى وسطه ويجلس فتتّضح له جميع المسائل!
كلاّ هذا ليس صحيحًا، وليس هذا هو طريق التعلّم، ومن المؤسف أن يمرّ على الإنسان تسعون عامًا وتكون معرفته بإمام الزمان بهذا المستوى، مؤسف ومؤسف جدًّا.
إنّ الأمر في إمام الزمان سهل، وفي تلميذ إمام الزمان سهل، بل تلميذ تلميذ إمام الزمان قال لي كلّ ما تقوم به وكلّ ما يخطر في بالك أنا مطّلع عليه. ولم يكن يقول كذبًا، فكيف بتلميذ إمام الزمان، وكيف بإمام الزمان نفسه، وكيف بصاحب مقام الولاية.
فالفرق شاسع جدًّا بين ذاك الكلام وبين الكلام الذي يصدر عن عارف إلهيّ اتّحد قلبه بقلب وليّ عالم الإمكان، وهو يعبّر عن حقيقة سيطرة ذلك الإمام وولايته بأنّ قوام عالم الوجود هو بنفسه.
فما معنى ذلك؟ يعني أنّ كلّ عالم الوجود مرتبط بنَفسه ونفَسه، بنَفسه ونفَسه. فهذه يدي تتحرّك الآن، فانظروا إليها جميعًا، أنتم ترون أصابعي، وقبل أن أرفعها لم يكن أحد يراها، كانت يدي تحت، فما الذي أدّى أن تروا هذه الحركة؟ ما هو السبب؟ إنّها إرادتي، ما إن قصدت أن أريكم يدي أردت فارتفعت. هذا أولاً، ثمّ أردت أن أحرّك أصابعي، هذا ثانيًا، ثمّ أردت أن أجعلها ساكنة، ثمّ أردت أن أجعلها في مكانها السابق. فهل اليد بنفسها فعلت ذلك؟ كلاّ! هل حصل ذلك بدون إرادة؟ كلاّ! فماذا إذن؟ بالإرادة. فقد التفتّم الآن، فما يتحرّك الآن في عالم الوجود وله قوام كلّ شيء منه يمرّ عبر إمام الزمان، ذرّة بذرّة.
مثال توضيحيّ لولاية الإمام عليه السلام
فكم إصبعًا لديّ؟ خمسة، فانظروا أوّلاً أبدأ بتحريك إصبعي الصغير، ثمّ بإصبعي الثاني والثالث والرابع والخامس، فكم إرادة تعلّقت بحركة الأصابع هذه؟ خمس إرادات، ولم تكن إرادة واحدة. فلو كانت إرادة واحدة فلماذا لم يتحرّك هذا بدلاً عن هذا الأوّل؟ ولماذا لم تتحرّك السبّابة بدلاً من الإصبع الثاني؟ ولو كانت إرادة واحدة لتحرّكت الأصابع من هذه الجهة. فإذن هناك خمس إرادات وقعت هنا على الأقلّ، وطبعًا هناك أكثر من ذلك ولكنّي أقول الحدّ الأدنى، فالإرادة الأولى تعلّقت بحركة الإصبع الصغير، ثمّ الأوسطين ثمّ السبّابة ثمّ الإبهام، فهناك همس إرادات تعلّقت. فهل تعلمون من الذي أراد هذه الإرادات الخمس؟ إمام الزمان هو الذي قام بها لا أنا! من هناك، هذه هي الحقيقة. هناك إرادة في نفسي ولكنّ أصل هذه الإرادة عنده هو.
ففي لحظة واحدة كانت هناك خمس إرادات ترتبط باليد خرجت من نفس الإمام عليه السلام، ثمّ فكّروا أنتم وانظروا فطرفات العين التي تصدر عنّا تصل واحدة واحدة بإرادته، وعندما نتنفّس فقد تعلّقت إرادته بكلّ نفس ونفس، وهذا الكلام الذي نقوله ليس مزاحًا، فقد ثبت في الفلسفة فضلاً عن العرفان النظريّ والشهودي، فهل يمكن تصوّر شيء أساسًا؟ ربّما ينتهي الإنسان إلى حال من الانفجار، لا يمكنه أن يقارن الحقيقة الربطيّة وحيثيّة وساطة الإمام عليه السلام مع المبدأ والذات والمشيئة الإلهيّة ليعرف كيف هي على أيّ نحو هي. فهذا نوع من التفكير أيضًا، وهذا نوع من المعرفة أيضًا. هذا نوع من المعرفة بالإمام أيضًا، وأنّ الإمام الذي هو على هذا النحو موجود. وهناك من يقول نعم الإمام لا يعلم شيئًا فلو أراد الله علم، وفي زمان حضور الإمام وظهوره يظهر عامود من النور من السماء ويتجاوز المجرّات، يتجاوز عن زحل وعن عطارد والمرّيخ والمشتري، ثمّ يتجاوزنا نحن ثمّ يقع على الأرض حيث يجلس الإمام، فإذا غيّر الإمام مكانه يبدأ بالحركة من جديد حيث لديه محرّك وأمثال ذلك، فيأتي من هذه الناحية ومن تلك فلا بدّ أن يجلس الإمام في وسطه، فإذا جلس حصل لديه اطّلاع، فهذا نوع من المعرفة بالإمام، فهاتان معرفتان.
فانظروا الآن هل تلك هي معرفة حقًّا؟ أنا لا أريد أن أنتقد الآخرين، فلست في مقام البحث عن عيوب الآخرين وإبراز رفعتي، فلا حاجة إلى ذلك، وأقولها بصراحة وبدون مجاملة وبدون تواضع فأنا لست من أهل التواضع، فأنا لا أحتاج أن أحط من أحد حتّى أرتفع، كلاّ فكلّ إنسان يعلم مرتبته، سواء كانت سافلة أم عالية، فلكلّ إنسان حدّ من حيث مراتبه العلميّة وهو مطّلع على حدّه. فأنا أريد أن أقول هذا الموضوع، انظروا إلى أين دعتكم مدرسة المرحوم العلاّمة والعرفان، وانظروا إلى أين دعاكم الآخرون. فهذا ما أريد أن أقوله، هذا ما أريد أن أبيّنه، فهناك إنسان بعد تسعين سنة أو مائة سنة من الدراسة، تجد أنّ لديه علمًا وهو في جانب من شخصيّته ولكن كيف هي معرفته بالإمام؟ هكذا هي؟ هذا ما أريد أن أقوله، إنسان بعد ثمانين سنة من الفقه والتجربة العلميّة والمطالعة للروايات وأمثال ذلك ثمّ في النهاية يقول في كتابه إنّ الإمام عليه السلام يخطئ في جدول الضرب، فهذا ليس مهمًّا هذا أمر بسيط! تلك النفوس المقدّسة أحيانًا تخطئ أيضًا. جاء بلفظ المقدّسة هكذا حتّى يخيَّل إلينا أنّها مقدّسة! كلاّ فلا وجود لأمور كهذه، فلو أردت أن آتي بما قالوه حل الأئمّة من هنا وهناك
... | *** | مثنوي هفتاد من كاغذ شود |
والمعنى: لصار وزن المثنويّ سبعين مَنًّا.
ولكن علينا أن نعلم أنّه في مدرسة أهل البيت ومدرسة العرفان ومدرسة أولياء الله يوصلون الإنسان إلى مستوى من المعرفة بحيث يقول الإنسان في جواب من يسأله عن كيفيّة ارتباطه بإمام الزمان: إنّه يحيط بي تمامًا كما أحيط أنا بأفراد أسرتي. إنّهم يوصلوننا إلى هنا، إلى هذا النحو من المعرفة.
الفرق بين الإمام عليه السلام ووليّ الله
وحينها لا يكون هناك معنى للافتراق، لا معنى للاختلاف، لا يكون هناك فرق، لا فرق، لماذا لا فرق؟ لأنّ مصدر الخبر مصدره واحد، منشأ الخبر والإدراك واحد وليس هناك مصدران، فلا يعود هناك خلط، فقط صار مصدر التعلّم واحدًا. فذلك المصدر الذي يأتي منه الجوهر هو واحد، وتلك الحقيقة الذاتية التي هي مصدر تجلّي الصفات والأسماء في عالم التعيّن والخارج ذلك المصدر يصبح واحدًا وهو نفس الولاية، فلا يختلف الأمر، لا يختلف، لا يختلف.
ولكن من باب الأدب فإنّ أولياء الله وكي لا يحصل هناك خلط وكي لا يقع العوام لا قدّر الله في الاشتباه يحفظون مقام ومرتبة الإمام عليه السلام بنحو معيّن، ويمتنعون عن البروز والظهور بالمظاهر التي لديهم، وهذا أمر آخر. فقط هذا هو الفارق، وإلاّ فإنّ أمرهم هو أمر الإمام ونهيهم هو نهي الإمام، وكلامهم هو كلام الإمام، يأخذ من الإمام ويفيض، وليس لديه من نفسه شيء، ليس لديه من نفسه شيء.
مكمن الإشكال عندنا والفرق بيننا وبين الإمام عليه السلام
إنّ كامل مشكلتنا هي أنّنا نمتلك من أنفسنا ونرى من أنفسنا، نرى أنفسنا، ولذلك ندعو الناس إلى أنفسنا، وذاك أيضًا يرى الأمر من نفسه فيدعو الناس إليها، وذاك أيضًا يرى الأمر من نفسه فيدعو الناس إليها وهكذا، فتبدأ الحرب! هذا يسعى إلى القضاء على ذاك، وذاك يسعى إلى القضاء على هذا، وهذا يبدأ بنشر نقاط ضعف ذاك، وذاك يبدأ بنشر نقاط ضعف هذا الخفيّة، وإن لم يجد نقاطًا تبدأ أمور أخرى وتبدأ التهمة ويجمع له من هنا وهناك، وسوق ذلك رائجة وسيكون الأمر مثيرًا للحماس! لماذا؟ لأجل هذه النفس. وهذه الحقيقة وهذا الأمر هو الذي يرشدنا إليه الإمام.
كيف يجب أن ننظر إلى المجالس والأنس بالأحبّة؟
يقول الإمام: إلهي ليس لنا بدّ من أن نأتي إليك. وقد تقدّم في الفقرات السابقة أنّ الإمام قال: إنّنا إن لم نأت إلى هنا فإلى أين نأتي؟ إن لم نلجأ إلى هذا الباب فأيّ باب نطرق؟! وتقدّم في الجلسات السابقة أنّ الإمام عليه السلام جعل النقطة الوحيدة للرجوع والنقطة الوحيدة للاتّكاء عليها في هذه الدنيا هي الله وحده. نحن لدينا جلسه، والرفقاء على ارتباط فيما بينهم، وبينهم علاقة حارّة وحميمة، هذا كلّه له مكانه، ولكنّ نقطة الاتكّاء يجب أن لا تكون هنا، فلو كانت هنا فهي كفر وشرك. فهذا المكان وهذه العلاقة يجب أن يجعلها الإنسان مكانًا للأنس والألفة والمجالسة والانجذاب والكلام والحميميّة، فمجلس الذكر لا بدّ أن يكون مكانًا لأمثال هذه الأمور، ولكنّ الاعتماد على أيّ شيء يجب أن يكون؟ أين يجب أن يكون الاهتمام؟!
ماذا لو تعطّلت المجالس أو توفّي فلان أو فلان؟!
آه لو لم يكن هناك مجلس في ليلة من الليالي فهل يجب أن تقع السماء على الأرض؟! كلاّ لا يحصل أيّ شيء. ولو لم يكن هناك مجلس لليلتين فانظروا هل ستقترب السماء ٢سم؟ فلتقيسوها! كلاّ! كافّة الكواكب تدور في أماكنها، والأرض تدور في مسارها، ولا يحصل أيّ شيء، بل هناك أمن وأمان، لا يحدث أيّ شيء. حرمنا بضعة ليال فهل يجب أن يفسد كلّ شيء، ولا يبقى هناك الله ولا إمام! كلاّ لا معنى لهذا الكلام، لا معنى لهذا الكلام.
ذات يوم حدث أمر كان مثيرًا للدهشة بالنسبة إليّ، فقلت: حسنًا هذا واحد من… كان هناك رجل يتصوّر أنّه إذا ما حدث هذا الأمر فإنّ جميع الأوضاع وهذا العالم وجميع ما حاكه في عالم ذهنه الخاص كلّ ذلك سيزول، فقد توفّي رجل وانتقل إلى رحمة الله، ثمّ سمعت من ذاك الرجل سمعت منه بنفسي أنّه قال: كنّت أنا وغيري نتصوّر أنّه إذا ما حصل هذا الأمر وتوفّي هذا الرجل فإنّ العالم كلّه سينتهي ويكون أمره كن فيكون، هناك وكلّ شيء وهناك وكذا والشرق الأوسط وربّما الكرة الأرضيّة وكذا، كلّ شيء في النهاية، ولكنّا رأينا أنّه لم يكن ذلك! مضى يوم ـ وهذه كانت عبارته ـ مضى اليوم الأوّل فرأينا أنّه انتهى وقد طلعت الشمس في وقت طلوعها، وغربت في وقت غروبها، فهذا يوم أخطأنا فيه الحساب. حسنًا فلننظر ماذا يحدث في الغد. فرأينا في الغد أنّ الشمس طلعت في وقتها، وهذه الجملة هي تعبيري أنا ولم يقلها هو، وهكذا رأينا أنّ هذا اليوم قد انقضى ولم يحدث شيء، وكانت عبارته أنّه مضى تسعة عشر يومًا على هذه الحادثة. فما معنى هذا الكلام؟ ما معناه؟ يعني أنّنا نعدّ نظام العالم كلّه مرتبطًا بوجود الأفراد! إن كان هناك إنسان معيّن حيًّا فإنّ الكرة الأرضيّة ستدور، وإلا إن مات فإنّ الكرة الأرضيّة ستدور على عكس دورتها ونحو المغرب. كلاّ يا عزيزي فلا الكرة الأرضيّة دورتها بإرادتي وأمثالي ولا دورة القمر والأفلاك والنجوم والمدبّرات أمرًا، فلا شيء من ذلك باختياري، لا شيء! وكلّ هذه تخيّلات كلّ ما جاءنا منها هو أضيف على تخيّلاتنا، لا أنّها نقصت! بل أضيفت.
فما معنى التخيّل؟ يعني ما يبعد الإنسان عن الحقيقة وعن الواقع. وأنا في تلك الأيّام… فلا تظنّوا أنّ هذه مجرّد حادثة… كلاّ بل هناك ما يشبهها بين رفقائنا، وأقولها بصراحة، فقد كانت بين رفقائنا أمثال هذه التخيّلات، كانت أمثال هذه التصوّرات وأمثال هذه التوهّمات، فقد كانت عند الجميع وكانت بين هؤلاء أيضًا.
كنت جالسًا في غرفتي في الحوزة فجاء أحد المعمّمين وكان طاعنًا في السنّ وكان لونه قد خطف، وقال: أتدري ماذا حصل؟! فقلت: كلاّ.
قال: لقد حدث كذا وكذا.
فقلت: رحمة الله عليه رحمة الله عليه! فتوقّف للحظة ونظر إليّ وكأنّي لم أدرك حقيقة الخبر فقال: لقد قلت لك.
فقلت: بلى وأنا أجبتك بأنّ رحمة الله عليه. فأنت قلت كلامًا صحيحًا وأنا فهمته بشكل دقيق، فاجلس يا عزيزي لأحضر لك كوبًا من الشاي لتتحسّن أحوالك وتخرج قليلاً من المشاعر والأحاسيس، فاجلس. فجلس وتحدّثنا قليلاً فهدأ ثمّ قال: هل تسمح لي الآن بالمغادرة. فقلت له: تفضّل واقرأ الآن الفاتحة مع سورة أخرى ثمّ تفضّل. فانظروا ما سبب ذلك؟! التوهّم والتخيّل. فليجعل الإنسانُ كلّ إنسان في موضعه المناسب.
كيف كانت الأفكار والمشاعر عند فقد المرحوم العلاّمة؟
أقول لكم هذا الكلام، وأنا لا أريد أن أدّعي أنّ فكري صحيح وكامل وعليه السلام! كلاّ، وإنّما أخبركم بما سمعت. فمن وجهة نظري تعدّ مسألة المرحوم العلاّمة مسألة أخرى، ومقامه مقام مختلف، ويختلف أمره عن الآخرين، ولا ضرورة لأن أشير إلى بعض الأسرار، وإن شاء الله نتوقّع أن يتحقّق ما قالوه وأشاروا إليه. فقد كانت هناك أمور، فعندما شعرت أنّ المرحوم العلاّمة ودّع الدار الفانية كانت الأمر في تلك اللحظة صعبًا للغاية، والأمر الوحيد الذي حصل لي في تلك اللحظة هو أنّا لن ننال بعد الآن وجودًا كهذا، فقط هذا. أمّا أن ينهار كلّ شيء ولا أدري ماذا سيحدث وستقع السماء على الأرض، وستنهار المجرّات، وستنجذب نحو الثقوب السوداء التي يتحدّثون عنها ويقال أنّ كلّ واحد منها يجذب المجرّات نحوه، وأمثال هذه الأحداث، كلاّ لم تحصل في ذهني أمور كهذه، كان هناك رجل إلهيّ وكان هناك عبد صالح عبد الله بضعة أيّام وعمل بتكاليفه وربّى وترك آثارًا خيّرة، ثمّ أغلق سجلّه. ثمّ بسم الله. هذا لا غير، ولا شيء سوى ذلك، لا شيء أكثر من ذلك.
لذلك فإنّي في تلك الليلة، الليلة الرابعة قلت للرفقاء إن كنتم تذكرون إنّ المرحوم العلاّمة صار تحت التراب، ولكنّ الله لم يصر تحت التراب! فالله لا يزال في مكانه ولا يزال في عالمه،
... | *** | در كمال عزّ خود مستغرق است۱ |
والمعنى: في كمال عزّه مستغرق.
مستغرق إلى إلى درجة عظيمة، ويعجب منّا جميعًا ومن جميع تخيّلاتنا وتوهّماتنا ويقول لنا: أين أنتم؟! أنتم الآن تقيمون العزاء لهذا فبدلاً من إقامة العزاء واللطم على الرؤوس بدلاً من ذلك تعالوا وانظروا أيّ مبادئ ومبان كانت لديه، وماذا كانت دعوته، وماذا كانت حركته، وماذا كانت مدرسته، وماذا كان طريقه، وكونوا أنتم مثله، فلماذا تضربون على رؤوسكم؟! إن كان مات فليكن! انتقل إلى رحمة الله. فلو قمنا نحن بذلك من أجل فقده وبهذه التخيّلات فسيكون عملنا كعمل سائر الناس وبتلك التخيّلات عند فقدانهم لكثير من الشخصيّات، ولا فرق أبدًا. نعم أحيانًا يصاب الإنسان بحالة من الغمّ والتألّم لأجل خسارته، ففي النهاية كان هناك أنس، ويتذكّر الإنسان أعماله، يتذكّر تضحياته، يتذكّر آلامه، يتذكّر حميّته، يتذكّر غيرته، يتذكّر اهتمامه، يتذكّر الوقت الذي كان يبذله، يتذكّر نظريّاته وآراءه وبياناته وكيفيّة سلوكه، فتحصل للإنسان حالة من الحزن، وهذا أمر طبيعيّ ولا إشكال فيه، كما لو أنّ الإنسان فقد عزيزًا فهذا أمر طبيعيّ. ولكنّ لا قدّر الله لو نُسيَ الله لحظة في هذه الحالة فهنا الكلام، لو نحّي الله جانبًا فهذا يعني أنّ الله عاجز وقد انتهى أمره وعمله، فبموت هذا انتهى أمر الله أيضًا! وقد انتهت قدرة ملائكة الله أيضًا ولا يمكن القيام بأيّ عمل، فهذا الشرك بعينه، هذا الشرك بعينه. فسجلّنا لا يزال مفتوحًا.
ماذا لو متُّ وتقدّم غيري ليكمل؟!
أنا الليلة أتكلّم مع الرفقاء ولكن هل من المعلوم هل سأكون حيًّا إلى الغد أم لا؟ من غير المعلوم أنّي سأضع رأسي غدًا على التراب ويأتي أحد الرفقاء ويجلس هنا مكاني ويتابع دعاء أبي حمزة، فانظروا هل يختلف الأمر أم لا؟ جرّبوا ذلك. وأنا من الآن أقول لا يختلف الأمر أبدًا، لا يختلف أبدًا، فإذا أراد الله أن تكون له عناية فستكون له عناية حينها أيضًا، وإن لم يرد فسوف لن تكون حتّى الآن في هذه اللحظة التي أتكلّم فيها معكم. وربّما يكون أفضل وأكثر جذّابيّة وأجمل وبوقت أقلّ وينتهي عند رأس الساعة إن شاء الله لا مثلي يتكلّم ساعة وأربعين دقيقة وساعة ونصف الساعة ـ نعم يبدو أنّه بقي لي من الوقت خمس دقائق فقد اتّفقنا أن لا نتجاوز الساعة ـ فربّما يأتي من يتكلّم ببيان أكثر جذّابية وبحقائق أرفع وبكلمات أوضح وبقلب أطهر وبنفس أكثر تطهّرًا ونوارنيّة فيتابع هذه المسائل ويستمرّ هذا الطريق، ومن كان ينبغي أن ينجذب سينجذب، ومن كان يجب أن لا ينجذب لن ينجذب ولو كان نبيًّا. تلك هي حقيقة المسألة. فهذا المقام هو مقام غيرة الله. فهل أدرك الرفقاء الآن؟ هل قيّمنا واقعنا وأنّنا في أيّة حالة؟ لا يختلف الأمر ولا يفترق.
دائما او پادشاه مطلق است | *** | در کمال عز خود مستغرق است |
عدم الفرق بين زمان الغيبة وزمان الظهور
فنحن لسنا مثل هؤلاء الأعاظم الذين يقولون إنّ بين زمان الغيبة وزمان الظهور فرقًا، فنحن لا نقبل بهذا الكلام. يقول هؤلاء: إنّ حال الناس في زمان الحضور كحال الذين دُعُوا إلى بيت وقدّمت لهم الضيافة من قبل صاحب البيت، أمّا في زمان الغيبة فالباب مغلق، فيجلسون خلف الباب ولا تقدّم لهم ضيافة من صاحب البيت في النهاية، وقد ذكر بعض الأعاظم هذا وقرأته في الكتب، وأيّ أعاظم؟ من أصحاب المكاشفات والأمور الخارقة للعادة وموضع اهتمام الناس، فكانت تنقل عنهم أمور، وكان الناس يراجعونهم ويستشفون بهم، فهؤلاء قالوا أمثال هذا الكلام، ولكنّ هذا الكلام قد أثبت بطلانه في مدرسة المرحوم العلاّمة والسيّد الحدّاد وقرئت الفاتحة عليه وأقيمت له مراسم الثالث ووزّعت عن روحه القهوة والتمر. لماذا؟ لأنّ تعريف الإمام عليه السلام في هذه المدرسة لا يعرف غيبة ولا ظهورًا. فإمام الزمان الذي لا يستطيع ويعجز ولا يقدر على تحقيق الفيض لي للارتقاء الروحيّ عندما أكون صادقًا، وبهذا الشرط، لا الذين لا يكونون صادقين في هذا الأمر فالإمام لا يبالي بمن لم يكن صادقًا، فلو أنّ إمام الزمان لا يتمكّن من إيصال ذلك الفيض الضروريّ لتحصيل الاستكمال النفسيّ والتهذيب والتربية والارتقاء الروحيّ والكمال الذي يوصله للأفراد والطالبين في زمان الظهور، لو لم يتمكّن من إيصال ذلك في زمان الغيبة فإمام الزمان هذا لا يساوي زارًا أو زارين۱ ممّا في جيوبكم. لا يساوي زارًا أو زارين، فأنتم بهذا الزار أو الزارين يمكنم أن تشتروا شيئًا خبزًا أو سكّرًا! وطبعًا الآن لا يمكن، ولكن كان ذلك ممكنًا سابقًا، أمّا الآن فلا بدّ أن يكون لديكم خمسون ألفًا أو مائة ألف تومان، أو أكثر، أمّا زار أو زاران فلا تساوي شيئًا، وأحيانًا تعطي للفقير خمسين تومانًا فلا يأخذها ويتابع طريقه، فقبل يومين وضعت يدي في جيبي فلم يكن فيها سوى خمسون تومان فأعطيتها للفقير فلم يأخذها ومضى ولم ينظر وراءه، فقلت: يا له من زمان! فعندما كنّا نعطي خمس زارات في ما سبق كان الفقر يمدّ يده إلى الأعلى، والآن تعطيه مائة ضعف لها فلا يأخذها، صحيح؟ لا يأخذها. وعلى كلّ حال هذا خير إن شاء الله. فإمام الزمان ذاك لا يساوي زارًا أو زارين.
في أيّة مدرسة يُعرف الإمام عليه السلام حقّ المعرفة؟
فهذه المعرفة وهذه التربية أين تعطى للإنسان؟ في مدرسة المعرفة وفي مدرسة التوحيد، هنا تطرح. رغم أنّ هؤلاء من أيّ الناس هم؟ من الذين طووا بعض المراتب ولديهم حالات، ولديهم مع الله حالات ومناجاة، ومع ذلك لم يدركوا حقيقة مقام الإمام، رغم أنّهم كانوا من أهل الإنصاف ولم يكونوا ينسبون لأنفسهم ما هو للأعاظم، فعلينا أن لا نغضّ عن هذا الأمر، كلاّ بل كانوا يرون من هم أرفع منهم، وكانوا يتصوّرون أهل المعرفة والعرفان غير أنفسهم، رحمة الله عليهم كانوا أهل إنصاف وعرفوا حدّهم ومكانتهم الخاصّة.
خلاصة القول في كيفيّة التهيّؤ للعبادة
وخلاصة القول في هذه الليلة أنّا نكون موفّقين ومرضيّين من قبل الله عندما نقوم للعبادة بين يدي الله فندعو ونشعر أنّ هذا الدعاء صادر عن وجود عاجز ناقص مذنب سيطرت عليه الكثرات وأسرته في وادي الأوهام والتخيّلات وسلبت منه القدرة على التحليق، فبهذه الحالة نحن نتوجّه نحو الله، ونطلب من الله أن يسدّ خللنا ويرفع نقائصنا. أمّا حتّى يحصل أيّ شيء؟ فهذا ما سنذكره في الجلسة اللاحقة إن شاء الله.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد